أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 86- اسم الله: "الرَّبُّ" السبت 28 أبريل 2018, 11:04 pm | |
| هناك شيء آخر.. فهذا الشيء الذي خلقه الله عزَّ وجلَّ: صلاحُ أمرِهِ وكل الأحوال منوطٌ بخالقه، التوجيه الذي يسعده توجيه خالقه، التوجيه الذي يحفظه توجيه خالقه.
"أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ".
أي ينبغي أن تتبع أمر الذي خلق.
فالمعنى الأول: "لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ".
أي خَلَقَهُ ويأمرُه دائماً، أي أمره بيده، تحت سيطرته، في قبضته، في ملكوته.
المعنى الثاني.. أنَّ هذا الشيء الذي خُلق لا يصلُح ولا يستقيم أمره إلا إن اتبع أمر الذي خلق.
"لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ".
ربُّ العالمين هو الذي: "لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ".
وقال الله تعالى في سورة التوبة: "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)" (سورة التوبة).
"لا إِلَهَ إِلا هُوَ".
هو الرَّبُّ أي ما من حركةٍ، ولا من سكنةٍ، ولا خفضٍ، ولا إعزازٍ، ولا إذلالٍ، ولا قبضٍ، ولا بسطٍ، ولا سكينةٍ، ولا خوفٍ، ولا قلقٍ، ولا طُمأنينةٍ إلا بيده.
"فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ". أي يكفيني.
إذا أعطينا إنساناً شيكاً مفتوحاً وموقَّعاً وتركنا له الخيار في أن يضع فيه ما يشاء من المبالغ، فلو سجل مليوناً أو ألف مليون أو مليون مليون كلُّه نافذ، فمَنْ يملك هذا الشيك المفتوح والذي سجل فيه أكبر رقمٍ حتى لو كان رقماً فلكياً؟.. أم مَنْ يفرح بعدد من الليرات الحديد التي ترن في جيبه؟
"فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ". فإذا قال المؤمن: "حَسْبِي اللَّهُ".
فأنت مع القوي، ومع الغني، ومع الرحيم، فأنت مع الخالق، ومع القديم، ومع الأبدي، أنت مع من بيده كلُّ شيء.
"حَسْبِي اللَّهُ".
ونعم الوكيل.. فهذه آية، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"
"الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)" (سورة آل عمران).
قرأت عن سيدنا الصديق قال: ما ندم على شيءٍ فاته من الدنيا قط، لأنَّ الله حَسْبُه،ُ ومَنْ كان اللهُ حَسْبُهُ كفاه أمر الدَّنيا كُلَّها.
فقد قال أهل الكهف: "وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً (14)" (سورة الكهف).
لا أدري ما إذا كنت قد أوضَّحت هذه النقطة.. أنت حينما تكون مع إنسان فإنّ هذا الإنسان محدود مهما علا شأنه، لكن حينما تكون مع الخالق ربُّك هو ربُّ السماوات والأرض.
ذات مرة هاجت عاصفة شديدة جداً ولعل سرعتها كانت تزيد عن مائة كيلو متراً فاقتلعت مئات البيوت المحميِّة.. ولكن حدثت حادثة شديدة الغرابة.. بيتان متلاصقان، فالقوس الأول ملتصق بالقوس الثاني، وهذه البيوت مزروع بداخلها ثمار، والثمار في أيام البرد ترتفع أسعارها ارتفاعاً كبيراً، فحجم إنتاج البيت مئتا ألفاً من الليرات تقريباً، وهذه العاصفة الهوجاء هبَّت فاقتلعت أحد البيتين وأبقت الآخر، والبيتان لأخوين أحَدُهُمَا صالحٌ والآخر شرّير، فالشّرير اقْتُلَعَ بيتُهُ وأُتْلِفَ محصُولُهُ، وأصبح بيتُهُ أنقاضاً على بُعد أمتار من مكانه.
والشيء الذي لا يُصدَّق؛ فالعاصفة عاصفة والمنطقة واحدة بل إنَّ البيتين متلاصقان، فكلمة الفتية.
"وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ"
فكلمة الفتية هذه تعني غاية التوكل والتفويض.
أي ربُّك الذي يرعاك بيده الرياح، بيده العواصف، بيده الأعاصير، بيده الأمطار، بيده إنبات النبات، بيده مسببات الأمراض، بيده الفيروسات، كل شيء بيده.
"لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا". أيّ إلهٍ تعبده يكون دون الله عزَّ وجلَّ، فأحياناً يكون دوناً بدرجة أو بدرجتين أو بثلاث أو بأربع، أما إذا وازنا بين جهةٍ قويةٍ تمحضها ودَّك وبين خالق الكون فليس هناك نسبة تجمع بينهما.
"مِنْ دُونِهِ".
فالله عزَّ وجلَّ فوق الخلق جميعاً وخلقه لا شيء أمامه، لذلك قالوا: "وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا".
وقال الله تعالى في سورة الرحمن: "رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18)" (سورة الرحمن).
هناك ظاهرة لا أحد ينتبه لها.. افتح تقويماً وقلِّب أوراقه وافتح على يوم ثمانية وعشرين تشرين ثان فتجد أنَّ شروق الشمس عند الساعة الخامسة وسبع دقائق، وهذا التقويم من خمسين سنة ويمكن أن يكون من مائة سنة وهو صالح لمليون سنة قادمة، فحركة الأفلاك بمعشار الثانية...
"اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)" (سورة غافر).
فثبات حركة الأفلاك، دليل واضح على أن حركتها وسكونها بيد الله تعالى.
حتى إنَّ أضخم ساعة في العالم في العاصمة لندن -بيج بن- تضبط على نجم، فقد تؤخَّر أو تُقَدَّم في السنة عدة ثوانٍ فقط، فمَنْ يُصَحِّحُهَا؟ النجم وهو أدقُّ منها، تضبط عليه، فهذا معنى قوله تعالى: "رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ".
فإذا كان للإنسان بيتاً مشرفاً على جهة الغرب أو جهة الشرق يقول لك: في الشتاء الشمس تشرق من ها هنا، وفي الصيف تشرق من هاهنا، فهناك مسافة كبيرة جداً بين المشرقين، فالقوس الذي يسع أقصى المشرق وأقصى المشرق على مدار الفصول قوسٌ واسعٌ جداً، فهو في آية.
"رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ".
هو الذي جعل الشمس تُشرق وجعلها تغيب، أما ربُّ المشرقين النهاية العُظمى صيفاً والعُظمى شتاءً.
إذا كان بيت الإنسان يطل على الغرب فإنه يرى الشمس تغيب في الشتاء بالاتجاه الغربي الجنوبي، أما في الصيف فاتجاهها غربٌ تقريباً، السبب في ذلك أن الشمس تكون في فصل الصيف عامودية، أما في فصل الشتاء تدخل إلى أقصى الغرف لإنها تكون في فصل الشتاء مائلة.. فمن جعلها هكذا؟!
لو أنها دائماً عامودية كنا في صيفٍ دائم، لو أنها مائلة دائماً كنا في شتاءٍ دائم، أمَّا أن تتنوع بين العامودية وبين المائلة فهو سبحانه الذي جعلها هكذا.
هذا معنى: "رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ".
أما إذا قال الله عزَّ وجلَّ: "فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)" (سورة المعارج).
فكل يوم لها شروق معين، يتحرك على مدار العام من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال وبالعكس، كل يوم لها زاوية تُشرق منها، وربُّ العالمين أي مالكهم.. وكل مَنْ مَلَكَ شيئاً فهو رَبُّه، رَبُّ الدَّار أي صاحب الدار، رَبُّ البيت أي صاحب البيت، رَبُّ الأسرة أي مالك الأسرة.
ومعنى آخر فالرَّبُّ هو المالك.
وفي الصحاح: الرَّبُّ اسمٌ من أسماء الله تعالى، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة.
الرَّبُّ هو الله، أما رَبُّ البيت قد يكون إنساناً، والرَّبُّ هو المُصْلِح، والرَّبُّ هو السَّيِّدْ، والرَّبُّ هو المُدَبِّر، والرَّبُّ هو الجابر، والرَّبُّ هو القائم..
ويقال لِمَنْ قام بإصلاح شيءٍ وإتمامه رَبَّه يرُبِّه فهو رَبٌ له والرَّبُّ هو المعبود.
أيها الأخوة... أذكِّركم مرة ثانية بأن أقرب اسم من أسماء الله الحُسنى إلى المؤمن هو اسم رَبُّ العالمين على الحكاية، أو اسم رَبِّ العالمين على الإعراب، هذه لها تعليق فلك أن تقول سورة المؤمنون وبالإعراب سورة المؤمنين، لكن لك أن تقول المؤمنون اسمٌ للسورة.
لك أن تلفظها بالرَّفع دائماً تقول سورة المؤمنون، العلماء يقولون: "على الحكاية أي تحكى هكذا فلا نخضعها للإعراب"، فلك أن تقول سورة المؤمنون وسورة المؤمنين وكلاهما صحيح.
في بعض التفاسير شُرِحَتْ كلمة رَبُّ العالمين بما يُشعِر بأنها تعني الثناء المطلق على الله، مثلاً هناك إنسان جلاد عمله أن يجلد الناس، وهناك مُربيٍ، وهناك سارق، وهناك مُعتدٍ أثيم.
أما إذا دخلت إلى مدرسة فمدير المدرسة ماذا يمثِّل الأذى أم الخير؟ طبعاً الخير، والتربية والتعليم والتهذيب، وتفقُّد الطلاب، ورعايتهم، رعاية سلوكهم وأخلاقهم وصحتهم وعلمهم ورعاية علاقاتهم الاجتماعية، فمدير مدرسة ومدير مشفى هذا منصب خيري فيه خيريَّة وفيه رحمة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 29 أبريل 2021, 4:22 pm عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 86- اسم الله: "الرَّبُّ" السبت 28 أبريل 2018, 11:07 pm | |
| لكن قد يكون السَّجَّان له وظيفة ثانية: قد يجلد قد يُعذّب، لكن علاقة السجَّان مع السجين علاقة تعذيب لا علاقة رعاية، علاقة تعذيب، علاقة قهر.
فالمعنى الذي أريد أن أقوله: كلمة رَبِّ العالمين هي ثَنَاءٌ مطلق على الله..
رَبُّ العالمين أي هو خالق، رَبُّ العالمين أي هو رازق، رَبُّ العالمين أي مُمِد، رَبُّ العالمين أي رحيم، رَبُّ العالمين أي عليم، رَبُّ العالمين أي قدير، رَبُّ العالمين أي مُحب، رَبُّ العالمين أي رؤوف، فاجمع الخلق والرزق الإمداد والعلم والرحمة والقدرة والحب والإكرام والرأفة كلها جمعت بكلمة رَبِّ العالمين.
فقد قال بعض المفسرين: "كلمة رب العالمين تعني الثناء المطلق على الله"، إذا قلت: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" فإنك تُثني على الله عزَّ وجلَّ.
الآن التربية تربية الله لعباده تأخذ منحيين اثنين: تربية خَلْقيَّة، وتربيةٌ شرعيةٌ تعليمية.
فأنت بشكل عام والجو برد قارص وابنك الذي تحبه بلا معطف، تذهب وتشتري له معطفاً، هذه تربية خَلْقِيَّة، يحتاج إلى غُرفة خاصة، يحتاج إلى مال، يحتاج إلى كُتُب، يحتاج إلى أقساط، يحتاج إلى أشياء ثانوية.. فتعطيه إياها هذه كلها تربيةٌ خَلقيِة..
لكن أحياناً رأيته يكذب فتؤدبه، رأيته لا يصلي فتأمره بالصلاة، رأيته يلهو بأشياء سخيفة تنهاه عنها، أنت الآن عملك شرعي.
يوجد تربية خَلقيِة وتربية شرعية، فربنا عزَّ وجلَّ يربي أجسامنا بإمدادها بما تحتاج، ويربي نفوسنا بتزكيتها لتكون أهلاً لجنَّته، فتربية الله تربيتان، لذلك ليس لغير رَبِّ النَّاس جهةٌ يمكن أن تُشَرِّع للعبادة أبداً، العبادة لرَبِّ العالمين.
شيء آخر.. قالوا: الله عزَّ وجلَّ يُرَبّي نفوس العابدين بالتأييد، ويربي قلوب الطالبين بالتسديد، ويربي أرواح العارفين بالتوحيد، ويربي الأشباح بوجود النِّعَمْ، ويربي الأرواح بشهود الكرم، الأرواح يربيها، والأشباح يربيها بالطعام والشراب، والعارفين يربيهم تربية رفيعة جداً، كلما ارتقى الإنسان يحاسب حساباً دقيقاً، أحياناً يُحاسب على ابتسامة.
فبمستوى الدكتوراه في بعض البلاد، إذا أخطأ المتقدم لنيل هذه الشهادة في مناقشته بحركة يُعيد العام ويؤخَّر إلى عامٍ قادم، كلما ارتقى مستواه يُحاسب حساباً أدق، فالعارفون بالله لهم حساب دقيق، كلما ارتقى الإنسان في سُلَّم الإيمان يُحاسب على الخطرات، وكلما هبط مستواه يُحاسب على الكبائر.
أيضاً من معاني الربوبية قالوا: "إصلاح أمور العباد وهذا مشتق من ربَّيْت العديم"..
أرَبِّهِ فأنا أصلحته، فالله سبحانه وتعالى يُصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته، ويصلح أمور العابدين بحسن كفايته، ويصلح أمور الواجدين بقديم عنايته، ويصلح أمور قومٍ يستغنون بعطائه، ويصلح أمور الخلق جميعاً.
الآية الكريمة تقول: "وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)" (سورة النساء).
"وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا".
ربَّاك وساقك إلى مجالس العلم، ساقك إلى طاعته، ألقى في قلبك محبته، حبب إليك الإيمان وزينه في قلبك، وكرَّه إليك الكفر والفسوق والعصيان هذه تربية.
إذا كان أبٌ يسمع وابنه تكلّم كلمة بذيئة أمامه، فضحك له، فإن الولد يُكرّرُها ويتفوَّهُ بما هو أفحش وأسوأ، أما إذا تكلم كلمة بذيئة فنهره وزجره، فإن هذا الابن لن يعود للكلام البذيء أبداً.
وأمَّا إذا وجده يقرأ القرآن فكافأه، معنى المكافأة والعقاب هذه تربية، وأساساً أول صفة من صفات المُربي، أن تكافئ المُحسن وأن تُعاقب المُسيئ، ورَبُّنَا عزَّ وجلَّ بمجرد أن تفكر في التَّحَرُّكِ نحوه تجد أن الله شرح لك صدرك، ألقى في قلبك السكينة والطمأنينة، وتيسَّرت أمورك وعاملك معاملة جديدة وأشعرك أنه يُحبك.
ولمجرد أن ترتكب معصيةً يلقي في قلب العاصي الضيق والكآبة والحيْرة، فالله يربينا عن طريق قلوبنا..
((عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَفَّانُ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ إِنَّكَ تُكْثِرُ أَنْ تَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ وَطَاعَتِكَ قَالَ وَمَا يُؤْمِنُنِي وَإِنَّمَا قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَلِّبَ قَلْبَ عَبْدٍ قَلَّبَهُ قَالَ عَفَّانُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) (مسند الإمام أحمد).
فأنت حينما تتخذ قراراً حكيماً في صالح إيمانك يشرح الله لك صدرك، وحينما تنحرف قليلاً عن طريق الحق يملأ قلبك ضيقاً وقلقاً وحيرةً. فلذلك ؛ القضية دقيقة جداً.
بعض العارفين قال الرب: "هو اسم الله الأعظم لكثرة دعوة الداعيين به"..
فقد قال الله تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)" (سورة البقرة).
لكثرة ورود كلمة رب في الدعاء استنبط بعض العارفين أن الرَّبَّ هو اسم الله الأعظم، وقد قال الله تعالى: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)" (سورة آل عمران).
إخواننا الكرام... تعقيبٌ أخير على اسم الله رَبّ العالمين، صدِّقُوني أنَّ أحدكم إذا شعر أنَّ الله يُتابعه، ويُحاسبه على حركاته وسكناته، ويُعاقبه سريعاً ويؤدِّبهُ سريعاً فهو في موطن عنايةٍ مشددة، أما إذا ارتكب الإنسان المعاصي ولم يُحاسبه الله عزَّ وجلَّ، ولم يتابعه فاعلموا أنَّه خارج العناية الإلهيَّة لأنَّ الله علم فيه انحرافاً شديداً، وتمرُّداً وعتُواً وإصراراً على انحرافه.
فأحدنا إذا كان الله يؤدِّبه ويحاسبه ويحصي عليه أنفاسه، يحاسبه على كلمةٍ أو على نظرةٍ، أو على حركةٍ لا ترضيه ويؤدِّبه سريعاً فهذا محضُ ربوبيَّة الله عزَّ وجلَّ وفي هذا الإنسان خيرٌ كبيرٌ وهو مطلوبٌ لرحمة الله، والله عزَّ وجلَّ يؤهِّله لرحمته.
لذلك ورد في الحديث القدسي: ((وعزَّتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحِبُّ أن أرحمه إلا ابتليتُهُ بكلِّ سيِّئةٍ كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبةً في ماله أو ولده حتى أبلُغ منه مثل الذَّر، فإذا بقي عليه شيء شددتُّ عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمُّه)).
هذه تربية الله لنا، وصدقوني أيُّها الإخوة.. أنَّ المصائب كلَّها لو كُشِفت حكمتها لكم لكنتم في درجةٍ من قَبولها لا توصف.
فأنا أعرف أُناساً كثيرين سبب توبتهم، وسبب دخولهم في حظيرة الإيمان، وسبب سعادتهم وتوفيقهم مصيبةٌ ساقها الله لهم فأرجعتهم إلى الله، قال تعالى: "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)" (سورة السجدة).
"وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى".. بالدنيا.
"دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ".. بالآخرة.
"لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".
فلنفهم: أن اللهَ إذا ساق لنا بعض الشَّدائد فهذا من أجل أن نتوب إليه، لذلك ورد في القرآن الكريم: "ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا" في قوله تعالى: "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)" (سورة التوبة).
أي أنَّ اللهَ ساق لهم الشَّدائد ليَحملهم بها على التوبة، فإذا قلنا: تابوا فتاب عليهم، أي قبل توبتهم، أما إذا قلنا: "ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا" أي أنَّ اللهَ ساق لهم الشَّدائد ليحملهم بها على التوبة.
فالإنسان المؤمن لا يتضجَّر إذا الله عَزَّ وجَلَّ أدَّبَهُ ومعنى ذلك أنَّه مطلوب.
فإذا قال أحدهم لصديقه: أنا لست في راحة من كثرة الوظائف والتبعات والتكاليف، فأنا في الصف الرابع في الجامعة والدروس علينا مكثَّفة والكتب صعبة، والوظائف متتالية، وعلينا تقديم أطروحة في آخر العام الدراسي، ودوام كثير ودروس عملية، فلست في راحة.
وقال له الآخر: أنا ليست لدي أية مشكلة، فأنا أنام إلى الظهيرة، لأنَّه بالطبع لا يدرس وهو خارج الجامعة، وبدون عمل ولا مستقبل، فليست لديه أي مشكلة وفي راحة، فهذه الراحة راحة الموتى، وتعب الأول تعب الأحياء، إن الله عزَّ وجلَّ إذا علم فيك خيراً، ووضعك ضمن العناية المشدّدة ويتابعك، فلا توازن نفسك مع من هو شارد ثائه، كالدَّابَّةِ المتفلِّته، قوي، غني، صحيح ويمارس كل شهواته بحريَّة بلا قيد أو شرط، فلا توازن نفسك معه فأنت طالب علم، أنت ترجو رحمة الله، أنت تطلب الجنَّة.
أما ذاك شرد على الله شرود البعير، قال تعالى: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)" (سورة الأنعام).
وقد قال تعالى: "فلا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)" (سورة آل عمران).
"آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" فقط المؤمن يا ربي، فقال له الله تعالى: "وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ".
ملخَّص الدرس.. إذا ساق الله لأحدنا بعض الشدائد ليعلم علم اليقين أنَّه مطلوب لرحمة الله، وأن فيه خيراً، وأنَّه في العناية المشددة.. فإذا الطبيب رأى مريضاً مصاباً بالسرطان من الدرجة الخامسة ومنتشر في كل أحشائه، فبماذا ينصح المريض؟
يقول له: ليست هناك مشكلة فكل ما شئت.. وإذا سأله المريض عن نوع من حبوب الدواء هل يتناوله؟ فيجيبه: كيف ما تريد وتحب وعلى حسب راحتك.. فتجده متساهلاً معه كثيراً، أما إذا كان مريضاً بالتهاب في المعدة تجده ثائراً عليه فيما إذا تناول طعاماً غير مناسب، فإذا كان هناك أملٌ في الشفاء فتجد الطبيب يعامله بشدةٍ بالغة.
أما إذا لم يكن هناك أملٌ في الشفاء فتجده يسيِّب له الأمور، فإذا كان الله يتابع الإنسان فمعنى ذلك أنَّ الله يحبه وهو في العناية المشدَّدة.
لذلك.. إذا أحبَّ الله عبده عجَّل له بالعُقوبة.. إذا أحبَّ الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، فإن شكر اقتناه.. إذا أحبَّ الله عبده جعل له وازعاً من نفسه.. إذا أحبَّ الله عبده جعل حوائج الناس إليه.
فالإنسان لا يتضجَّر ولا يتأفَّف من تضييقٍ من الله عزَّ وجلَّ، فهذا التضييق محض رحمة، ومحض إكرام، وهو النعمة الباطنة التي فسَّرها المفسِّرون.
"وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً".
في قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)" (سورة لقمان). والحمد لله رب العالمين. |
|