أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: 76- اسم الله: "المقدم المؤخر" الثلاثاء 24 أبريل 2018, 9:43 pm | |
| وقال (صلَّى الله عليه وسلم): (ما دَعَوْتُ أحَداً إلى الإسلام إلا كانت له كَبْوَةٌ، إلا أخي أبا بكر لم تكن له كبوة).
وقال كذلك: (تسابقت أنا وأبو بكر فكنا كهاتين).
فالله قدَّمه.. ما أخذ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) من أحدٍ ماله كلَّه إلا أبا بكر.
لذلك أنت حينما تعتمر تقف أمام مقام النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم تقف أمام مقام سيدنا الصديق، ثم أمام مقام سيدنا عمر.
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في حقهما: (أبو بكر وعمر مني مثل السمع والبصر).
الله قدَّمهما.. ففي كل مجتمع مقدَّم ومؤخَّر، الله يقدم الطائع، فقد تجد إنساناً يعمل بلا ضجيج، وهؤلاء الأتقياء الأخفياء يعملون بصمت يعملون بلا ضجيج، يبذلون جهوداً كبيرة يعلِّمون، يتصدقون، يمسحون عن الناس جراحاتهم، هؤلاء قد تراهم في الظل وفجأةً يتقدمون.. فالله قدمهم، الله هو المقدِّم وهو المؤخِّر.
حتى في عملك إذا كنت من المحبوبين عند الله يقدمك في عملك، يلهمك من الأساليب التي لا يلهمها غيرك، يلهمك تصرُّفات لا يعرفها الآخرون، يدافع عنك في غيبتك فهو المقدِّم، يقدمك.
ورد في بعض الكتب أن سيدنا جبريل خاطب النبي (صلى الله عليه وسلم) عليه الصلاة والسلام قال: بلِّغ صاحبك أنَّ الله راضٍ عن أبي بكر.
أهذه قليلة؟ فالله قَدَّمَهُ.
المؤمن إذا أراد أن يتخلَّق بأخلاق الله يقدم أمور الآخرة على أمور الدنيا.. فقد تجد إنساناً مستعداً لأن يترك صلاة ومجلساً للعلم لإصلاح آلة تافهة في بيته.. أليس كذلك؟ أو يترك صلاة ومجلس علم لاستقبال ضيف بسيط حديثه فارغ، يستحي أن يقول له لدي الآن درس وهيا نذهب معاً إلى المسجد لسماعه..
المؤمن إذا أراد أن يتخلَّق بأخلاق الله يقدم أعمال الآخرة على أعمال الدنيا، ففي حياته أولويات.. تلاحظ أن أصحاب الأعمال الناجحين أحدهم يمضي وقتاً معيناً يقرأ جريدة، ويشرب كأساً من الشاي، لكن إذا جاءه زبون ترك الجريدة وترك كأس الشاي، وقام بإقناع الزبون بالبيع..
معنى ذلك أن هذا المحل تجاري وأساسه الربح، فإذا جاء زبون يجب أن نهتم جميعاً به، وليس من المعقول أن ينتظر الزبون حتى تنتهي المقالة التي نقرؤها؟ لا أحد يفعل ذلك، الأهم على المهم، وإذا أنت فعلت ذلك فمن باب أولى أن تقدم الأهم على التافه، فأمور الدنيا تافهة.
قمنا بتشييع جنازة يوماً ودخلنا إلى المقبرة في الباب الصغير، قلت لمن كان إلى جانبي: كل هؤلاء الموتى ماتوا وفي دفاترهم قوائم لأعمال طويلة وكثيرة لم تنتهِ بعد.
الإنسان يُنتزع من بيته، من عمله، لم يفرغ بعد من صب سقفٍ لبيته، أو لم ينتهِ من دراسته الجامعية، فكل هؤلاء الموتى تركوا الدنيا وتركوا همومها ومتاعبها، كما تركوا قوائم أعمال لم تشطب بعد.. فعلى الإنسان أن يقدِّم الآخرة على الدنيا.
ومن معاني المؤخر في حقِّ الله تعالى كما يقول بعض العارفين: الذي يؤخِّر المشركين.. القتلى المشركون في بدر.. خاطبهم النبي (صلى الله عليه وسلم) واحداً واحداً وبأسمائهم قائلاً لهم: يا أمية بن خلف، يا فلان، يا فلان، يا فلان، هل وجدتم ما وعد ربُّكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، لقد كذَّبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، قالوا: يا رسول الله أتخاطب قوماً جيَّفوا!! قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.
((عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا أَمَرَ النبي (صلى الله عليه وسلم) صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأُولَئِكَ الرَّهْطِ فَأُلْقُوا فِي الطُّوَى عُتْبَةُ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابُهُ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ جَزَاكُمُ اللَّهُ شَرًّا مِنْ قَوْمِ نَبِيٍّ مَا كَانَ أَسْوَأَ الطَّرْدِ وَأَشَدَّ التَّكْذِيبِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُكَلِّمُ قَوْمًا جَيَّفُوا فَقَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَفْهَمَ لِقَوْلِي مِنْهُمْ أَوْ لَهُمْ أَفْهَمُ لِقَوْلِي مِنْكُمْ)) (مسند الإمام أحمد).
الله أخّرهم.. ماتوا حتفَ أنوفهم، ماتوا كالجيف، أما أصحابه الكرام تألَّقوا كالنجوم.
فنحن نذكر اسم سيدنا عمر أكثر من مئات المرات، ونترضى عنه كل يوم وكل ساعة، وفي كل مسجد، وفي كل بلد إسلامي.. استحق ثناء الخالق والمخلوقين، بينما هناك من استحقَّ لعنة الله والملائكة والناس أجمعين كأبي جهل وأمثاله.
قال: المؤخِّر في حقِّ الله تعالى هو الذي يؤخر المشركين، ويرفع المؤمنين، يؤخر العصاة ويرفع الطائعين.
أبو سفيان.. كان سيد قومه، طبعاً أسلم في آخر حياته، ولكنه وقف على باب سيدنا عمر ساعات طويلة يريد الدخول عليه وما أذن له، أما بلال وصهيب فكانا يدخلان بلا استئذان فلما دخل عليه عاتبه قائلاً له: سيد قريش يقف على بابك ساعات طوالاً وبلال وصهيب يدخلان بلا استئذان؟! فقال له: أأنت مثلهما؟!
الله قدَّم بلالاً وصُهيباً وأخَّرَ أبا سفيان.. أسلم متأخراً ورضي الله عنه، ولكن ليسوا سواءً، فمَنْ خاض ضد رسول الله المعارك أكثر من عشرين سنة ثم بعد ذلك أسلم، كَمَنْ قام بنصره منذ البداية؟، فهناك فرقٌ كبيرٌ جداً بينهما ولكلٍ حسابه.
إذاً.. يؤخر المشركين، ويقدم المؤمنين، ويؤخر العصاة ويقدم الطائعين وأحياناً من معاني المؤخر.. أنه يؤخِّر العقوبة لحكمةٍ بالغةٍ، قد يكون إنسانٌ مرتكباً لمعصية، ومتلبساً بها ولكن في علم الله فيه خير، لو أن الله عاقبه بمعصيته لأهلكه، فالله عزَّ وجلَّ يعلم حقيقة نفسه فيؤخر عنه العقوبة فلعلَّه يتوب، فيكون التأخير منه سبحانه لحكمةٍ بالغة.
لذلك فالمصائب خمسة أنواع: مصائب المنحرفين، والعصاة، نوعان.. مصائب قصمٍ ومصائب ردعٍ، القصم كما قال الله عزَّ وجل عن قوم نوح:
“وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)” (سورة هود).
هناك أشخاصٌ في علم الله لا يهتدون، لذلك يقصمهم الله عزَّ وجلَّ، أشخاص فيهم بقيَّة خير، فالله عزَّ وجلَّ يسوق لهم بعض الشدائد ليردعهم لكن لا يقصمهم، فالله يقدِّم هلاك إنسان ويؤخر هلاك إنسان، لذلك أخر فَتْحَ مكة قال الله عزَّ وجلَّ:
“وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطؤوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْم” (سورة الفتح الآية: 45).
“وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطؤوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ”.
أناس مؤمنون ضعفاء خافوا أن يُعلنوا إيمانهم في مكة فالله عزَّ وجلَّ أخّر فتح مكة ومنع الصحابة الكرام من قتال أهل مكة إكراماً لهؤلاء.. معنى ثالث.. يقدم العقوبة أو يؤخرها، يقدم المكافأة أو يؤخرها.
أحياناً قد يقدّم له الله المكافأة لإنسان فيرتاح ويقعد ويتوانى ويتكاسل، وأحياناً الله يؤخر لإنسان المكافأة فييأس.. ولحكمةٍ أرادها الله يقدِّم المكافأة أو يؤخرُها، يقدم العقاب أو يؤخره.. فمن أسمائه المقدم والمؤخر.
قال العلماء: متى أشرق في قلبك نور اسمه المؤخر، صرت في كلِّ الأمور متدبِّراً فتؤخِّر كلَّ ما أخره الله، فما أخره الله تؤخره، وما قدمه الله تقدمه.
فالله يقدم ويؤخر.. وأنت كمؤمن من لوازم تأدُّبك مع اسم المقدم المؤخر أن تقدم أهل الإيمان، وأن تؤخر أهل الدنيا، فإذا دعي الإنسان العادي من قبل إنسانٍ غني تراه يلبي الدعوة مئة في المئة، أما إذا دعي من قبل إنسانٍ فقيرٍ يسكن في أطراف المدينة اعتذر متعللاً بعمله وانشغاله وبعدم فراغه وأنه محمي عن الطعام.. تلبية دعوة الأغنياء والأقوياء من الدنيا، وتلبية دعوة المؤمنين من الآخرة، قال عليه الصلاة والسلام: ((لو دُعيت إلى كُراعٍ لغنيمٍ لأجبت)).
والنبي (صلى الله عليه وسلم) عليه الصلاة والسلام بهذه المناسبة حضَّنا على تلبية الدعوة فقال: ((من دُعي ولم يُلبِ فقد عصى أبا القاسم)).
وفي رواية أخرى: ((عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا)) (سنن أبي داوود).
دعي أحد الصحابة ذات مرة إلى وليمة فقال: إني صائم، فقيل له: اذهب معنا وصّلِ وقت طعامنا.
معنى ذلك أن ليس القصد من الدعوة أن تملأ البطن، القصد من الدعوة أن تلتقي بإخوانك، أن تجتمع إليهم، أن تذْكُر الله معهم، يعني أنَّك لو كنت صائماً فلبِّ الدعوة وإن لم تأكل شيئاً، فإذا كان الهدف الأكل ليس للدعوة أية قيمة في أن يلبي صائمٌ الدعوة، وأما إذا كان الهدف اللقاء مع إخوانك وأن تتذاكر معهم أمور الدين فالأكل أصبح شيئاً ثانوياً، فإذا كنت صائماً فلبِّ الدعوة واجتمع إليهم وصلِّ وقت الطعام، وإذاً من دعي ولم يلبِ فقد عصى الله ورسوله من دعي ولم يلبِ فقد عصى أبا القاسم.
حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلم قال لأحد الصحابة وكان صائماً: أفطر، أخوك دعاك وتكلَّف لك وتقول إني صائم، أفطر وصم يوماً مكانه، إذاً المؤمن يقدم أهل الإيمان ودعوة أهل الإيمان.
سرّني أن أحد الأشخاص وصل إلى منصب رفيع جداً، وزاره أستاذه وهو رجل علم ودين، فنزل من الطابق الثالث وفتح له باب السيارة واحترمه أمام الناس ورافقه في صعوده لمنزله، فهذه القصة بقيتْ في ذهني وانطربت لها، أن إنساناً على مستوى رئيس وزارة يزوره أستاذه في التعليم الثانوي مُفْتٍ في بعض المحافظات، له قيمته، رجل وقور مُعمِّر فنزل من الطابق الثالث، وفتح له باب السيارة أمام الناس كلهم، فاحترام العلم من الدين، طبعاً، وإن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم.
فأنت عندما تقدم أهل الإيمان تنعشهم، ألم يقل رسول الله: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، رضاً بما يصنع.. أنت عندما تتخلق بأخلاق الله، تقدم المؤمن وتحترمه، وإذا وجدت فاسقاً أو فاجراً تؤخره، تأخيرك إياه له معنى ردع له وتحجيم لحاله، أمّا أكثر الناس يعظمون أهل الدنيا، ويثنون عليهم، وقد يكون لا يصلي، بل ويشرب الخمر.
ولقد سمعنا عن أدباء في مصر من خلال كتاباتهم أنهم كانوا زُناة في أوروبا، والآن يوصف بأنه الأديب الكبير، المسرحي الكبير، فهذا إنسان غير ملتزم بقيم دينه، مقترف لأكبر المعاصي، فأنت كمؤمن عليك أن تتخلَّق بأخلاق الله، أن تقدم المؤمنين، أن تقدم الورعين، أن تقدم الأتقياء، وأن تؤخر أهل الدنيا العصاة، الفساق، لأن الله عزَّ وجلَّ كما ورد: ((إنَّ الله ليغضب إذا مُدح الفاسق)).
أي إذا مدحت فاسقاً فإنك قلبت الأمور رأساً على عقب، ابنك يعرفه مثلاً منحرفاً، يعرف بيته متفلتاً، وأنت تثني عليه أمام ابنك، وابنك في الصف السابع... تقول عنه: ما شاء الله فهم وذكاء ولباقة وعلم وأدب وأسرة راقية ونسب رغم أنه لا يصلي،سلوكه منحرف وكلامه أحياناً بذيء، والابن يراه أمامه، فهذا المديح لأشخاص ينبغي أن يؤخَّروا استهتار منك وهدر للقيم، أنت كمقدِّم يجب أن تقدم أهل الإيمان، وكلّ إنسان يقدم أهل العلم وأهل الإيمان، يكون ذا إيمان قوي، وإذا وَجَدَ إنساناً عاصياً ومنحرفاً وفاجراً أخّره.
لذلك من السُنّة ألا تحترم المبتدع، فالإنسان المبتدع عقيدته فاسدة، ويروِّج فكراً منحرفاً، ويروّج ضلالات. تحترمه وتعظمه وتبجله وتثني عليه؟ أنت أحدثت في الناس فتنة وبلبلت الأمور، فإن الله ليغضب إذا مُدح الفاسق.
من تطبيقات هذا الاسم: يجب أن تقدم المستقيم المؤمن الورع، فإذا كانت قيمنا مادية، نقدم الأغنياء، ونقدم الأقوياء، أما إذا كانت قيمنا إسلامية نقدم أهل العلم، تقدم أهل الفضل، نقدم الورعين، الطائعين.
يقول عليه الصلاة والسلام: ((عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)) (صحيح البخاري).
هذا هو ديننا، لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها.
لذلك فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم.. فالنبي (صلى الله عليه وسلم) عليه الصلاة والسلام يقول: ((اللهمَّ لا تجعل لي خيراً على يد كافرٍ أو منافق)).
لا تخضع لكافر، لا تقبل منه عطاء أو نحوه كأن يقوم بإيصالك بمركبته ويستعلي عليك، فأنت عزيز، أما إذا كان مؤمناً فلا مانع من ذلك، لكن إذا كان إنساناً منحرفاً ومتفلِّتاً يمنّ عليك ويتفضَّل عليك أو تقبل عطاءه؟ لا فلا تقبل منه شيئاً.
قال العلماء: من أدب المؤمن مع اسم المؤخر.. أن يؤخر حظوظ نفسه، وأن يؤخر نزواتها، أن يؤخر أهواءَها، إنَّ اتباع الهوى هوان وضلال.
واخجلتي من عتاب ربي إذا قال لي أسرفت يا فلان إلى متى أنت في المعاصي ... تسير مرخى لك العنان عندي لك الصلح وهو برِّي .. ولي عندك السيف والسنان ترضى بأن تنقضي الليالي .. وما انقضت حربك العوان *** يجب أن تؤخر حظوظ النفس، وقد ذكرت كثيراً: ضع حظوظ نفسك تحت قدميك، إذا كنت تحب الله ورسوله.
قال أحدهم لسيدنا عمر: أتحبني. فقال له: لا والله لا أحبك. فقال له: وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال له: لا والله، أنت تقدم الحق لأصحابه.
بعض العلماء يقول: "المقدم والمؤخر.. هو الذي يقدم من شاء ويؤخر من شاء على بابه".
ففي بعض الأيام يفتح لك بابه، وفي بعضها الآخر يغلقه، وأحياناً يحجبك، وأحياناً يفتح قلبك، ويتجلَّى، أولا يتجلَّى، هو المقدم والمؤخر.
فأنت لا تكن عبد الفتح بل كن عبد الفتاح، فالله إذا فتح فاحمد الله على ذلك، وإن لم يفتح فأنت مستقيم ولا تضجر، لا يفتح تعطيشاً لك ثم يفتح عليك فتحاً كبيراً، يضر لينفع، يأخذ ليعطي، ويذل ليعز، ويقبض ليبسط.
أحياناً الإنسان يكون صادقاً مع الله صدقاً من مستوى عالٍ، فالله يقدِّم له قدرات تتناسب مع هذا الصدق.
فلدينا سؤال له جواب وهو: لم أعطى الله فلاناً قدرات عالية ولم يعطها لفلان؟ يكون هذا المُعطى له طلبٌ عالٍ جداً، الشاب إذا كان طموحاً جداً فيعطى إمكانات تتناسب مع طموحاته، فالله إذا أخر وقدم فالتقديم أولاً متعلِّق بتطلعات الإنسان ومتعلِّق بحكمة وعدالة، فقد تشعر بإنسان في نفسه طموحات عالية جداً، هذه الطموحات تحتاج لقدرات عالية فيمنح هذه القدرات، هذه القدرات قُدِّم بها ولكن لم يقدم بها ظلماً، أو تخصيصاً لا معنى له، بل قدم بها لسببٍ يعلمه الله عزَّ وجلَّ، فكن أديباً مع الله عزَّ وجلَّ.
فإذا قدم الله عليك إنساناً في باب الخير معنى ذلك أن صدقه أكبر من صدقك، ومعنى ذلك أن الله عنده علم أن هذا الشخص له قدم صدق عند ربه أعلى مما تتحلى أنت به، من صدق.
قال العلماء: "هو الذي قدم الأبرار وأخّر الفجار، قدم الأبرار وشغلهم به، وأخّر الفجار وشغلهم بالأغيار".
فإذا استرذل الله عز وجل عبداً شغله بالدنيا، حتى لكأنه يعيش في قنوات المجاري، أما إذا أحب الله عبداً شرَّفه بمعرفته، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) الكريم بالأُفق الأعلى منزلة، وهناك من يعيش في تفاهات الناس وقصصهم وخلافاتهم وصراعاتهم، في قلبه حسد وغيرة، وحشري في أمور الآخرين، ويدخل فيما لا يعنيه، فإذا غضب الله على إنسان شغله بتوافه الأمور.
قال تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)” (سورة المؤمنون).
اللغو كلُّ حديث فيما سوى مرضاة الله، إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ودنيَّها، فليلاحظ أحدنا ما الذي يشغله؟ قد تشغله معرفة الله وخدمة الخلق، ونشر الحق والأمر بالمعروف، وقد تشغله هموم المسلمين، وقد يشغله بيته، وأثاث بيته وطلبات زوجته ونزوات أولاده، فمن كان هذا مستواه فهو بالرثاء جدير، فكلما كبر الإنسان عند الله عزَّ وجلَّ تكبر همومه، وكلما صغر يصبح شغله الشاغل في تفاهاتٍ لا تقدِّم ولا تؤخر.
الإمام الغزالي يقول: "المقدم والمؤخر هو الذي يقرِّب ويبعد، يقرِّب أحبابه، يبعد أعداءه".
فأكبر عقاب يناله أعداؤه أنه يلعنهم، يحجبهم، وأكبر مكافأة ينالها أحبابه أنه يتجلَّى على قلوبهم.
قال: "يقرّب أنبياءه وأولياءه بتقريبهم وهدايتهم، ويؤخر أعداءه بإبعادهم وضرب الحجاب بينه وبينهم".
أيها القارئ الكريم... الإنسان يوم القيامة يُنبَّأ بما قدم وأخر.. مثلاً استحق على هذا الإنسان زكاة ماله، وبيته يحتاج إلى طلاء، فإذا قدم أداء زكاة ماله فهو مؤمن، أما إذا قدم طلاء بيته على أداء زكاة ماله أخَّر ما ينبغي أن يقدِّمه وقدَّم ما ينبغي أن يؤخِّره.. ينبأ الإنسان يومئذٍ بما قدَّم وأخَّر.
بعض الناس قد يقدِّم مصالحه الشخصيَّة على دينه، ويقدم دخلاً مشبوهاً على نزاهته، يقدم شيئاً ينفعه في دنياه لكن يغضب ربَّه، ينبأ الإنسان يومئذٍ بما قدَّم وأخَّر.
قد يقدِّم شهوته على طاعة ربه، يُقْدِم على كسب مال غير مشروع على طاعة ربِّه، وكل إنسان يوم القيامة يُنبَّأ بما قدَّم وأخَّر، هذا قدمته وهذا أخرته، هذا فضلته وهذا أهملته، هذا أعطيته وهذا منعته، هذه الشهوة فعلتها خلاف منهج الله، وهذه الطاعة تركتها خلاف منهج الله، فقد قال تعالى: “يُنَبَّؤا الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)” (سورة القيامة).
من أدعية النبي (صلى الله عليه وسلم) عليه الصلاة والسلام أنَّه كان يدعو ويقول: ((عَنِ ابْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النبي (صلى الله عليه وسلم) صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (صحيح البخاري).
قدِّم كل ما يُرضي الله وأخِّر شهوتك وكل ما لا يُرضي الله، تكن من أسعد الناس في الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين. |
|