أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: المضامين التربوية في الرضا بالمولـود الأحد 22 أكتوبر 2017, 9:04 pm | |
| المضامين التربوية في الرضا بالمولـود بـقـلـــم: مـحـمـــد ســلامــة الغنيــــمـى غـفـــــر الله لــه ولوالديه وللمسلـــمـين ====================== بســــــــم الله الرحمــــــــن الرحيـــــــــم إن الله تعالى قد امر عباده بالرضا بقضائه، والشكر على نعمائه، وفى الرضا بالمولود كنز عظيم وفوائد جليلة وأسرارعظيمة، يعد أثرها النافع وثوابها الجزيل على الوالد والمولود، بل تنتفع الأمة بأثره وفضله.
والرضا هنا يكون بالمولود، ذكراً كان أو أنثى، صحيحاً كان أو سقيماً، فهو نعمة وهبه من الله تعالى، يمنحها من يشاء يحجبها عمن يشاء، فمن منح فعليه الشر والرضا ومن منع فعليه الصبر والدعاء.
ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، والخلق كلهم متساون عنده فى الربوبيه، يعطى كل فرد منهم ما يصلحله وما يستأهله، فربما كان القليل أفضل من الكثير، وربما كان الذكر أفضل من الأنثى، وربما العكس والشواهد كثيرة فى دنيا الناس، ولكن الأنسان كان عجولاً.
قال تعالى: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء: 11).
وقال تعالى: "لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" (الشورى: 49 -50).
وقال تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 216).
رضا الوالدين بمولودهما، يصاحبه غِبْطة وسعادة به، وإقبالاً عليه وإحتفاءً به ومن ثَمَّ يقودهما هذا الشعور إلى الإحسان إليه والاهتمام به، والتعاون بينهما على إكسابه كل ما يستطيعون من خبراتهم ومن قيم مجتمعهم، حتى يصير مواطناً صالحاً يؤدى دوه الذى أناطه الله به على الوجه الذى حدده له.
ويتزايد الشعور بالانتماء العائلى لدى المولود، والطاعة لأسرته، وتقبُّل النّصح والإرشاد، مع إدراكه لهذا الشعور النبيل من أبويه، وعلى النقيض من ذلك، يؤدى القنوط الحاصل لدى الأبوين بسبب المولود، كأن يكون الوالدين أو أحدهما لديه إستعداداً لإستقبال الذّكر، ثم يفاجأ بأنثى والعكس، حينئذ يتنامى لدى الوالدين شعور بالأسى وعدم الاكتراث بالمولود، ومن ثَمَّ عدم الإهتمام به والإقبال، بما ينشأ من ذلك تقصيراً فى تربيته.
وإذا شَبَّ المولود على ذلك، وأدرك من التوجه لوالديه، يتولد لديه ضعف الإنتماء الأسرى وعدم تقبُّل ما يمليه عليه والديه من نصح إرشاد، وإذا تضاعف هذا الشعور وإزداد فهو الخطر العظيم الذى يتسبَّب بالظلم والقهر، وربما يؤول إلى العُقوق، وإذا لم يعوَّض هذا الشعور أدى إلى العنف والعدوانية.
لذلك تأتى هذه القضية من الأولويات التى رعاها الإسلام واهتم بها وضمَّها فى قضية الإيمان بالقضاء والقدر، وجعله ركناً من أركان الإيمان.
وقد ضرب الله تعالى فى كتابه العزيز أمثالاً عديدة، توضح أن العبرة ليست بنوع المولود، ولكن العبرة بما يؤديه هذا المولود من أدوار تجاه نفسه أدوار اكتسبها فى نشأته، وإشارة كذلك إلى أن الخير ربما يكون فيما يظنه الإنسان خير، وعلى الإنسان أن يرضى ويُسلّم بحكمة الله العليم الخبير.
فهذه مريم من خير نساء العالمين، نفخ الله فيها من روحه، فجأة بمعجزة من عند الله، وولدت عيسى نبياً ورسولاً من أولى العزم، وتحمَّلت فى سبيل ذلك أشد ألوان الإيذاء، وهى العفيفة الحَصَان الرَّزَان، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد ليشمل فترات الدعوة مع ولدها عليهما السلام.
وذلك سام ولد نوح عليه السلام، الذي كفر بالله وكذّب أباه وعصاه فكان من المُهلكين، وحينما تأسَّف عليه والده عليه السلام، ونعاه بعد الفراق بأنه من أهله، عاتبه الله عتاباً رقيقاً بأنه ليس من أهله لأن عَمِلَ غير صالح.
وتذّكر الغُلام صاحب الخَضِرْ وموسى عليهما السلام، الذى قتله الخَضِرُ بوحيٍ من الله، لأن أبواه من المؤمنين، فأشفق الخَضِرُ على والديه أن يُرهقهُما بشقاوته طغياناً وكفراً، والنماذج فى القرآن وفى سِيَرِ السَّلف الصَّالح كثيرة, بل وفى واقعنا المعاصر، فاعتبروا يا أولى الألباب والأبصار وأقبلوا على ما رزقكم الله, يبارك لكم اللهُ فيه.
ولكن كيف لنا أن نتغلّب على الشيطان والهوى؟ ولنا في رسول الله -صلى الله علي وسلم- الأسوة الحسنة، وعلّمنا كيف نقهر الوسواس الخنّاس، ونُحرِّر أنفسنا من تَبِعَة النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، إلى الاطمئنان بقضاء الله وقَدَرِه.
فقال -صلى الله علي وسلم-: "إذا نظر أحدكم إلى مَنْ فُضِّلَ عليه فى المَال والخَلَفِ، فلينظر إلى مَنْ هو أسفل منه مِمَّنْ فُضِّلَ عليه" [1].
وفى رواية مسلم: "انظروا إلى مَنْ أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقكم فهو أجْدَرُ أن لا تزدروا نعمَة الله.
وفى رواية أخرى: "عليكم".
فمَنْ رُزِقَ بالأُنثى دون ذكر، يتصبَّر بِمَنْ لم يُرزق لا بالأنثى ولا بالذَّكر، ومَنْ جعله اللهُ عقيماً خيراً لهُ مِمَّنْ رُزقَ بمولودٍ سقيمٍ مشوَّهٍ، عجز الطب عن مداواته، فأصبح عالةً على والديه، وحِمْلاً ثقيلاً، وهمَّاً عظيماً عليهم.
وفى السِّياق نشير على مَنْ منعهُ اللهُ شيئاً، أن يسأل اللهَ تعالى، وأن يلتزم بالصبر، فكم من محرُوم استعان بالله وسأله من فضله وصبر على بلاءه، فمنحهُ اللهُ رغم عِلّتِهِ، وفى دين الله الكثير من النماذج والعبر. ------------------------------------ [1] [البخارى (6490)، ومسلم (2963)]. |
|