نسمات ونبضات
زبيدة الأنصـاريغفر الله لها ولوالديها وللمسلمين
===================
بداية اللقاء
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ".
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا".
أما بعد..
فإن خير الكلام كلام الله تعالى.. وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أقدمها لكن.. ومضات تنير الطريق.. تخضر الدروب.. وتؤنس القلوب.. أقدمها إلى من سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره.. ولم تسكن إلى سواه..
إلى من اطمأنت إلى محبته وعبوديته.. اطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته.. إلى الرضا به ربًّا.. وبالإسلام دينًا.. وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً.. اطمأنت إلى قضائه وقدره.. إلى كفايته وضمانه.. فأيقنت بأنه وحده ربها.. وإلهها.. ومعبودها.. ومالك أمرها كله.. وأن مرجعها إليه.. وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين..
إلى من برز دورها.. ووضح تأثيرها.. وأثمرت فاعليتها.. فبدأت في صياغة جيل يلوذ بجنات القرآن.. ويرتع في رياض الإيمان.. ينشر أزاهير الأمل على دروب حياة مشرقة تبشر بمستقبل الإسلام..
إلى التي أسبغت على الحياة إشراقًا ونورًا وبهاء وسعادة وجمالاً.. فشاهدنا طلائع الهدى في نبتها الطيب.. وزرعها النضير الصلب المتين.. جاهدت من بيتها في رفق المؤمنة.. ودأب الصالحة.. ولباقة التقية.. وسماحة المسلمة.. وإشراق القلب بنور الرب.. والشوق الجامح للجوار الهانيء في جنات ونهر.. في مقعد صدق.. عند مليك مقتدر..
«الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة»..
إنها كلمات.. ونسمات.. ونبضات حياة.. لم يكن لي فيها إلا الاختيار.. والتنسيق.. والإعداد.. أما الفضل فهو لمن سبق.. اعتمدت فيها الأحاديث الصحيحة دون غيرها..
وقد قسمتها إلى خمسة أجزاء:
الأول: علاقة المسلمة مع خالقها.
الثاني: علاقة المسلمة مع والديها.
الثالث: علاقة المسلمة مع نفسها.
الرابع: علاقة المسلمة ببيتها وأطفالها.
الخامس: علاقة المسلمة بأخواتها ومجتمعها.
أرجو من الله تعالى أن أكون قد وفقت إلى ذلك.. وأن يغفر لنا ما فيه من الخطأ والنسيان.. وأن يكتب له القبول.. إنه على كل شيء قدير.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=======================
علاقة المسلمة مع خالقها سبحانه وتعـالى
1- بنفس مؤمنة صادقة تستعد دومًا للقاء الله تعالى أكثر مما تستعد لغيره.. تحرص أن تكون في كل لحظة على خير الأحوال وأفضلها لأنها في كل لحظة تتوقع لقاء الله سبحانه الذي ما بعده رجوع..
استعداد يتوقف عليه مستقبلها الحقيقي الأبدي الذي فيه دار استقرارها راجية داعية أن يكون خير أيامها يوم لقائه.. وخير أعمالها خواتيمها..
2- لإيمانها بالملائكة أثر عظيم في حياتها.. شعرت أن معها ملكين موكلين بها.. ملك عن يمينها يكتب الحسنات.. وملك عن شمالها يكتب السيئات.. يلازمانها في إقامتها وسفرها.. في قيامها وجلوسها.. في صلاتها وعبادتها كلها.. يلازمانها لا يتخليان عنها إلا في أحوال خاصة.. فتحفظت أن يكتبا عليها شيئًا لا يليق بها كمؤمنة صادقة.. حصنت نفسها من الأقوال والأعمال السيئة التي ستحاسب على كل كبيرة وصغيرة منها يوم القيامة.. يوم يقوم الناس لرب العالمين.
"إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"..
3- من سماتها التأمل.. والنظر.. في مخلوقات الله تعالى.. من أرض وسماء.. وقمر ونجوم.. وشمس وكواكب.. بحار وأنهار.. رياح وسحاب.. جبال ووديان.. نبات وأزهار.. فتقف أمام عظمة الله تعالى وقدرته خاشعة خاضعة.. فتزداد إيمانًا وطاعة.. حبًا وتعظيمًا.. "قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ".. "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"..
4- تستشعر بقلبها صفات الله سبحانه.. فتستغني بها بقدر حظها وقسمها من معرفتها.. وقيامها بعبوديتها.. فإن شهدت مشهد علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه.. تعبَّدت ربها سبحانه بمقتضى هذه الصفة.. فيصير لقلبها صمد يعرج إليه مناجيًا له مطرقًا.. واقفة بين يديه وقوف العبد الذليل.. وتستشعر بذلك أن كلامها وعملها صاعد إليه معروض عليه مع أوفى خاصته وأوليائه.. فتستحيي أن يصعد إليه من كلامها وعملها ما يخزيها ويفضحها هناك..
وإن شهدت مشهد العلم المحيط.. الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.. ولا في قرار البحر.. ولا تحت أطباق الجبال.. علمت أن حركاتها الظاهرة والباطنة.. وخواطرها.. وجميع أحوالها.. ظاهرة مكشوفة لديه لا يخفى عليه منها شيء.
وإن أشعرت قلبها صفة سمعه سبحانه لأصوات عباده على اختلافها.. وخفائها وجهرها.. أدركت أنه لا يشغله سبحانه جَهْرُ من جَهَرَ على صوت من أسر.. ولا تغلطه الأصوات على كثرتها واجتماعها..
وإن استشعرت معنى اسمه البصير جل جلاله.. الذي يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في شدة الظلماء.. ويرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة.. ومخها وعروقها.. وحركتها.. أعطت هذا المشهد حقه من العبودية.. فتيقنت أنها بمرأى منه سبحانه.. لا يغيب عنه من حركاتها وسكناتها شيء.. وأيقنت أنه سبحانه يستحق نهاية الحب.. مع نهاية الذل.. لكمال أسمائه وصفاته.. وأن كل عبودية لغيره باطلة.. وعناء.. وضلال.. " فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ".
5- تستحضر منة الله تعالى عليها أن وفقها لطاعته وعبادته.. تحذر من أن يتسرب شيء من الشعور بمنة العبد على الله تعالى.. تعلم أن ذلك محبط للعمل.. مذهب للإيمان.. وأن أخطره ما كان بالقلب لصعوبة الإحساس به ودقته وخفائه.. فتجاهده وتدفعه عن قلبها.. فهو أخطر من الرياء.
6- علمها بتفرد الرب سبحانه وتعالى بالضر والنفع.. والعطاء والمنع.. والخلق والرزق.. جعل لبها معلقًا بالله سبحانه.. ليس بالأشياء والأشخاص.. عبادتها خالصة لله تعالى.. ليس للأموات أو الأحياء.. أو المشاهد والآثار.. من طواف أو دعاء.. أو استعانة.. لأنها آمنت أن ذلك شرك يؤدي بصاحبته إلى الهلاك..
7- غايتها نصرة دين الله تعالى.. تحكيم شرع الله تعالى.. أن يكون الدين كله لله تعالى.. ليس همها تحقيق الشهوات بدعوى الرفاهية.. ولا إشباع الرغبات بدعوى الحرية.. لأنها تعلم أن ذلك مدعاة إلى استحلال كثير من الوسائل المحرمة للوصول إلى غايات محرمة.. أو غايات لا تحقق رضا الله تعالى ومراده.. والتي فيها السعادة والخير للبشر.
8- إن أحبت.. أحبت في الله تعالى.. إن أبغضت.. أبغضت في الله تعالى.. إن أعطت.. أعطت لله تعالى.. وإن منعت.. منعت لله تعالى.. قلبها منعقد على الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. دون أي أحد.. في الأقوال.. والأعمال.. الحاكم في ذلك كله دقه وجله.. هو ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-.. لا تتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل.. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".
9- تعمل جاهدة ناصبة.. رضيَّة النفس.. متألقة المشاعر.. حفية بدينها.. وفيَّة لربها.. تسعد بالبذل في سبيل الله تعالى.. مستشرفة جزاءها الأوفى عند مولاها.. فتزداد هدى ورشادًا.. جدًّا وإخلاصًا.. حتى ترى ثمار دعوتها تتقدم.. في طريق نشر الخير.. وإرجاع الخلق للحق.. "حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ".
10- أبية عنيدة.. لا تخضعها قوة في الأرض.. لأنها تتلقى أوامرها من الله تعالى.. مسلمة لا تنجر وراء حثالة.. ولا تسحب خلف تقاليع.. لا تثق في مناهج بشر.. إنها آمنت بالله تعالى حكمًا.. ولم تبتغ غير منهاجه نظامًا.. "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ".