بسم الله الرحمن الرحيم
تبشير الأصحاب بما لهم في العشر من ذي الحجة من الثواب
بقلم
أبي أنس
ماجد إسلام البنكاني
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد :
فضل الله سبحانه وتعالى أيام العشر من ذي الحجة على أيام الدنيا، وهي الأيام العشر التي أقسم الله عز وجل بها في كتابه الكريم بقوله سبحانه وتعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ . سورة الفجر .
قال الشعبي، والنخعي، وعطاء، والحسن، ومجاهد ، والضحاك، والسدي رحمهم الله تعالى: هي عشر ذي الحجة.
وعن جابر ، عن النبي قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر". صحيح الجامع رقم (1133).
وذلك لإجتماع أمّهات العبادة فيه، وهي الأيام التي أقسم اللّه بها في التنـزيل بقوله والفجر وليال عشر، ولهذا سنّ الإكثار من التهليل، والتكبير ، والتحميد فيه، ونسبتها إلى الأيام كنسبة مواضع النسك إلى سائر البقاع ولهذا ذهب جمع إلى أنه أفضل من العشر الأخير من رمضان، لكن خالف آخرون تمسكاً بأنّ اختيار الفرض لهذا والنفل لذلك يدل على أفضليته عليه، وثمرة الخلاف تظهر فيما لو علق نحو طلاق أو نذر بأفضل الأعشار أو الأيام.اهـ. فيض القدير للمناوي (2/51).
وقال ابن حجر : والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره، وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم فيه احتمال. فتح الباري (2/460).
وعن سعيد بن جبير رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيءٍ". رواه البخاري في كتاب العيدين برقم (969).
قال ابن بطال: هذا اللفظ يحتمل أمرين: أن لا يرجع بشيء من ماله وأن رجع هو ، وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن يرزقه الله الشهادة. فتح الباري (2/460) .
وفي الترمذي: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من الأيام العشرة".
وفي رواية أبي داود مثل هذه إلا أنه قال: "من هذه الأيام" يعني العشرة.
وفي مسند الإمام أبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي بإسناد الصحيحين قال فيه: "ما العمل في أيام أفضل من العمل في عشر ذي الحجة".
قيل: ولا الجهاد؟ "وذكر تمامه"، وفي رواية "عشر الأضحى".( )
أيهما أفضل العشر من ذي الحجة أم أواخر رمضان؟
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. مجموع الفتاوى (25/287).
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله معلقاً على كلام شيخه: "وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافياً كافياً، فانه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيها يوم عرفة، ويوم النحر ، ويوم التروية، وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر ، فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلى بحجة صحيحة" .بدائع الفوائد (3/683).
وقال: الصواب أن ليالي العشر الآخر من رمضان أفضل من ليالي عشر الحجة، وأيام عشر الحجة أفضل من أيام عشر رمضان، لأن عشر الحجة إنما فضل ليومي النحر وعرفة وعشر رمضان إنما فضل بليلة القدر، وفيه فضل بعض الأزمنة على بعض .اهـ.زاد المعاد .
أيام ذكر وعبادة
وأيام العشر هي أيام ذكر وعبادة لله سبحانه وتعالى .
قال الله تعالى: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات. سورة الحج (28).
قال ابن عباس ، والشافعي والجمهور رحمهم الله تعالى: "هي أيام العشر".
ويستحب الاجتهاد والإكثار في هذه الأيام من العبادة لما فيها من الفضل العظيم .
قال ابن عباس : "وكان ابن عمر ، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما".
وكان سعيد بن جبير رحمه الله وهو الذي روى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا دخل العشر اجتهد اجتهادا ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه أنه قال: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر تعجبه العبادة.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله في المغني (3/58): وأيام عشر ذي الحجة كلها شريفة مفضلة يضاعف العمل فيها، ويستحب الاجتهاد في العبادة فيها لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، فقال رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء وهو حديث حسن صحيح.
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في لطائف المعارف: استحباب الإكثار من الذكر فيها فقد دل عليه قول الله عز وجل: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات، فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء. أ.هـ. لطائف المعارف (ص280 – 283).
هل يستحب صيام هذه الأيام؟
لم يثبت دليل صحيح فيما نعلم خاص عن صوم تسع ذي الحجة، بل الذي ورد بعض الأحاديث وفيها ضعف، منها:
"كان يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى".
قال الزيلعي: هو حديث ضعيف، وقال المنذري: اختلف فيه على هنيدة راويه فمرة قال حفصة، وأخرى عن أمه عن أم سلمة، وتارة عن بعض أزواح النبي . وأنظر ضعيف الجامع حديث رقم (4570).
والذي ثبت هو خلاف ذلك، كما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت رسول الله صائماً في العشر قط".
وفي رواية: "لم يصم العشر ". رواه مسلم .
ولكن نقول يستحب صوم هذه الأيام لعموم حديث النبي : "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من الأيام العشرة"، والصوم داخل من ضمن العمل الصالح .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الصيام من أفضل الأعمال، بل هو ركن من أركان الإسلام ، وقال: ينبغي للإنسان أن يكثر من الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة من الصلاة، والصدقة، والصيام أيضاً لأنه سيصوم، وكذلك كل عمل صالح لأن النبي قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيءٍ". رواه البخاري في كتاب العيدين برقم (969).اهـ.
قال النووي رحمه الله: باب صوم عشر ذي الحجة فيه قول عائشة ما رأيت رسول الله صائما في العشر قط وفي رواية لم يصم العشر ، قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر ، والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة، قالوا وهذا مما يتأول، فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحباباً شديداً لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه يعنى العشر الأوائل من ذي الحجة". فيتأول قولها لم يصم العشر أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم تره صائما فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر ، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد ، عن امرأته عن بعض أزواج النبي قالت: "كان رسول الله يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس". ورواه أبو داود وهذا لفظه، وأحمد ، والنسائي، وفي روايتهما وخميسين والله أعلم .اهـ. شرحه على مسلم (8/71-72).
وقال ابن مفلح رحمه الله في الفروع (3/81): ويستحب صوم عشر ذي الحجة، وآكدها التاسع وهو يوم عرفة إجماع، قيل سمي بذلك للوقوف بعرفة، وقيل لأن جبريل حج بإبراهيم عليه السلام فلما أتى عرفة قال قد عرفت، قيل لتعارف آدم وحواء بها انتهى، هذه الأقوال للعلماء وليست مخصوصة بمذهب....
فينبغي لنا المحافظة والإكثار من هذه العبادات، كما ينبغي علينا التأسي بالنبي في ذلك.
فضل وثواب صوم يوم عرفة لغير الحاج
حث الشارع الحكيم على صوم يوم عرفة، ورتب عليه الأجر والثواب العظيم عند الله سبحانه وتعالى، فتفضّل سبحانه وتعالى ومنّ على من صامه بتكفير ذنوب سنتين .
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله عن صوم يوم عرفة؟ قال: "يكفر السنة الماضية والباقية".( )
وفي رواية أخرى عنه : "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". أخرجه مسلم برقم (1162) .
ورواه الترمذي، إلا أنه قال: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله" . صحيح الترغيب (1010) .
قال ابن حجر رحمه الله: وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل". فتح الباري (4/249).
وعن سعيد بن جبير قال: سأل رجل عبدالله بن عمر عن صوم يوم عرفة؟ فقال: "كنا ونحن مع رسول الله نعدله بصوم سنتين". صحيح الترغيب (1014).
وعن قتادة بن النعمان قال: سمعت رسول الله يقول: "من صام يوم عرفة غُفر له سنة أمامه وسنه بعده". صحيح الترغيب(1011).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "من صام يوم عرفة غفر له ذنب سنتين متتابعتين". صحيح الترغيب (1012) .
قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/323-325): وتأكيد يوم عرفة لغير الحاج". ثم ساق الأحاديث التي تحث على ذلك.
كراهة صوم عرفة للحاج واستحباب الفطر
عن أم الفضل بنت الحارث، "أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم هو صائم، وقال بعضهم ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه".
رواه البخاري برقم (1575)، باب الوقوف على الدابة بعرفة، ومسلم برقم (1123)، باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة.
قوله: "تماروا": أي شكوا وتباحثوا فإن التماري هو الجدال على مذهب الشك.
قال النووي رحمه الله: فيه فوائد منها: استحباب الفطر للواقف بعرفة، ومنها استحباب الوقوف راكبا وهو الصحيح في مذهبنا، ولنا قول أن غير الركوب أفضل، وقيل أنهما سواء، ومنها جواز الشرب قائما وراكبا، ومنها إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها إباحة قبول هدية المرأة المزوجة الموثوق بدينها ولا يشترط أن يسأل هل هو من مالها أم من مال زوجها أو أنه أذن فيه أم لا إذا كانت موثوقا بدينها، ومنها أن تصرف المرأة في مالها جائز ولا يشترط إذن الزوج سواء تصرفت في الثلث أو أكثر ، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وقال مالك لا تتصرف فيما فوق الثلث إلا بإذنه وهو موضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها ويخرج من الثلث أو بإذن الزوج أم لا ولو اختلف الحكم لسأل.اهـ. شرح النووي (8/2-3).
وقال ابن قيم الجوزية: أن يوم الجمعة يوم عيد ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة ولذلك كره لمن بعرفة صومه.زاد المعاد (1/54).
وورد حديث عن أبي هريرة : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة". لكنه ضعيف لأنه من حديث مهدي بن حرب الهجري، قال ابن معين: مجهول، وقال العقيلي: لا يتابع عليه لضعفه، وقال ابن القيم: علة هذا الحديث مهدي مجهول. فيض القدير (6/333).
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم (6069)، وضعيف ابن ماجه (1732/378)، وسلسلة الضعيفة (404)، ومشكاة المصابيح (2062). والصحيح يغني عن الضعيف .
وكان مالك، وسفيان الثوري رحمهما الله تعالى يختاران الإفطار للحاج وكذلك الشافعي، وروى عن بن عمر رضي الله عنهما أنه قال لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان، ولا أصومه أنا. انتهى. عون المعبود (7/75).
واختار الشافعي الفطر فيه للحاج وصيامه لغير الحاج جمعا بين الأثرين .بداية المجتهد (1/443).
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله في المغني (3/112): ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه وإجابة دعائه به فكان تركه أفضل.اهـ.
النهي عن صيام أيام التشريق
نهى رسول الله عن صيام أيام التشريق، وهي أيام منى، وقال إنها أيام أكل وشرب وذكر لله .
فعن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب". مسلم برقم (1141).
وفي رواية عن أبي الزبير ، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أنه حدثه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس ابن الحدثان أيام التشريق فنادى أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب". مسلم برقم (1141).
فائدة: "أيام منى" هي أيام النحر وأيام التشريق .
وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر ، سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها، وهو تقديدها ونشرها في الشمس. شرح النووي (8/17).
وكما سمي يوم التروية بهذا الأسم لأن الناس تتزود فيه من الماء، أي من التروي .
وقال رسول الله : "لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب". الصحيحة رقم (3573 ).
وفي رواية: "أيام التشريق أيام طعم وذكر ". الصحيحة رقم (1282 ).
وعن أنس : "نهى عن صوم ستة أيام من السنة: ثلاثة أيام التشريق، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم الجمعة مختصة من الأيام". صحيح الجامع حديث رقم (6961).
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب". صحيح أبي داود رقم (2114)
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم "أيام التشريق أيام أكل وشرب"، وفي رواية : "وذكر لله عز وجل"، وفي رواية: "أيام منى"، وفيه دليل لمن قال لا يصح صومها بحال، وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة، وبن المنذر ، وغيرهما. شرح النووي (8/17).
وقال ابن حجر : وقال بن بطال وغيره المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبعال، وثبت تحريم صومها، وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك، فدل على تفريغها لذلك مع الحض على الذكر المشروع منه فيها التكبير . فتح الباري (2/460).
وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها قالت ما رأيت رسول الله صائما في العشر قط، وفي رواية لم يصم العشر قط، فقال العلماء المراد أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أن عدم رؤيتها له صائما لا يستلزم العدم على أنه قد ثبت من قوله ما يدل على مشروعية صومها كما في حديث الباب فلا يقدح في ذلك عدم الفعل، وحديث أبي قتادة روي من طريق جماعة من الصحابة منهم زيد بن أرقم وسهل بن سعد وقتادة بن النعمان، وابن عمر عند الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد.
قوله: والعشر فيه دليل على استحباب صوم عشر ذي الحجة وعلى أن النبي كان يصوم يوم عرفة ورواية أبي داود التي قدمنا بلفظ تسع ذي الحجة، قوله صوم يوم عرفة يكفر سنتين الخ في بعض ألفاظ الحديث احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وقد استشكل تكفيره السنة الآتية لأن التكفير التغطية ولا تكون إلا لشيء قد وقع وأجيب بأن المراد يكفره بعد وقوعه أو المراد أنه يلطف به فلا يأتي بذنب فيها بسبب صيامه ذلك اليوم، وقد قيد ذلك جماعة من المعتزلة وغيرهم بالصغائر، قال النووي فإن لم تكن صغائر كفر من الكبائر وإن لم تكن كبائر كان زيادة في رفع الدرجات .
تحذير من بعض الأحاديث الضعيفة
وردت بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل عشر ذي الحجة نبيّن ما صح وما لم يصح فيها نصحاً لعامة المسلمين
1- يروى عن أبي هريرة ، عن النبي قال: "ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". ضعيف
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل، عن النهاس، قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقال (محمد بن اسماعيل البخاري) قد روي عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن النبي مرسلا شيء من هذا ، وقد تكلم يحيى بن سعيد في نهاس بن قهم من قبل حفظه.
وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجة (1728) برقم (377) مع بعض الإختلاف في الألفاظ وانظر المشكاة (1471)، ضعيف الجامع الصغير (5161)، وضعيف الترغيب رقم(123).
2- وفي رواية عن ابن عباس قال: قال رسول الله "من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر ، وله بصوم يوم التروية سنة، وله بصوم يوم عرفة سنتان ". موضوع
وهذا حديث لا يصح قال سليمان التيمي: الطبي كذاب وقال ابن حبان:وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى وصفة.
أنظر الموضوعات (2/112)، والفوائد المجموعة كتاب الصيام حديث رقم(30).
3- وفي رواية : "صيام أول يوم من العشر يعدل مائة سنة واليوم الثاني يعدل مائتي سنة فإذا كان يوم التروية يعدل ألف عام وصيام يوم عرفة يعدل ألفي عام". لا يصح .
تذكرة الموضوعات (119)، موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة (13434).
4- وعن ابن عباس: "صوم يوم التروية كفارة سنة، وصوم يوم عرفة كفارة سنتين". موضوع .
أخرجه ابن حبان في كتاب الثواب على الأعمال، وابن النجار في تاريخه عن ابن عباس.ضعيف الجامع رقم(3501).
5- وعن منصور بن مهاجر ، قال: حدثنا محمد بن المحرم، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها: "أن شاباً كان صاحب سماع فكان إذا هل الهلال ذي الحجة أصبح صائما فأرسل إليه رسول الله فقال ما يحملك على صيام هذه الأيام؟ قال بأبي وأمي يا رسول الله إنها أيام المشاعر وأيام الحج عسى الله عز وجل أن يشركني في دعائهم، فقال لك بكل يوم عدل مائة رقبة تعتقها، ومائة رقبة تهديها إلى بيت الله، ومائة فرس تحمل عليها في سبيل الله فإذا كان يوم التروية، فذلك عدل ألف رقبة، وألف بدنة، وألف فرس تحمل عليها في سبيل الله إذا كان يوم عرفة، فذلك عدل ألفي رقبة، وألفي بدنة، وألفي تحمل عليها في سبيل الله، وصيام سنتين قبلها، وسنتين بعدها " . موضوع
هذا حديث لا يصح، ومحمد بن المحرم كان أكذب الناس، قال يحيى ليس بشيء .
كما في "الموضوعات" (2/111) "لآلىء" (2/107)، و"تنـزيه الشريعة (2/148)، و"الفوائد المجموعة"(95)، وابن عدي في "الكامل" (6/142)،"الفوائد المجموعة"كتاب الصيام حديث رقم (29).
6- وروي عن حفصة رضي الله عنها: "كان يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر ؛ أول اثنين من الشهر ، والخميس ، والاثنين من الجمعة الأخرى". ضعيف
قال المناوي في فيض القدير: أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، عن حفصة أم المؤمنين رمز المصنف لحسنه لكن قال الزيلعي:هو حديث ضعيف، وقال المنذري: اختلف فيه على هنيدة راويه فمرة قال حفصة، وأخرى عن أمه، عن أم سلمة وتارة عن بعض أزواج النبي . اهـ.وأنظر ضعيف الجامع رقم (4570).
اللهم إنا نسألك أن توفق المسلمين لطاعتك وإتباع سنة نبيك ، وأن تعينهم على ذلك، إنك سميع قريب مجيب الدعاء يارب العالمين .
وبهذا تم هذا البحث والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأرجو الله أن تكونوا قد انتفعتم به، وأن تعملوا به، وأن يعم به النفع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتبه
الفقير إلى عفو ربه
ماجد بن خنجر البنكاني
أبو أنس العراقي