بســــم الله الرحمن الرحيم
فضل العشر من ذي الحجة ووجــــــوب المبادرة للحج
--------------------------------------------------
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن الله تعالى جعل لعباده المؤمنين مواقيت يتزودون فيها لطاعته رحمة بهم حتى ينقذهم من الجحيم ويرفعهم في جنات النعيم، أما الله تعالى فهو غني عن عباده غير محتاج لهم، بل هو تعالى عنده من يبعده لا يفتر عن عبادته ليلاً أو نهاراً، بل إن كل شيء يسبح بحمده و لكن لا نفقه تسبيحهم.
وإن من هذه المواقيت العظيمة الشريفة أيام العشر من ذي الحجة، وقد بلغ من فضلها أن الله جلَّ في عُلاه أقسم بها، والله لا يُقسم إلا بعظيم فقال تبارك اسمه وجل ذكره: ((وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ))، ولله تعالى أن يُقسم بما شاء وليس لعباده أن يقسموا إلا به تعالى.
والراجح من كلام أهل العلم -رحمهم الله- أن العشرة هنا هي العشر من ذي الحجة، فنتكلم عنها وعن شيء من فضلها -إن شاء الله- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): {مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ} يدل هذا الحديث على أن العشر من ذي الحجة هي أفضل الأيام مطلقاً.
وخير الأعمال في هذه العشر هو الحج لمن استطاع قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ حج لله، فلم يرفُث ولم يفسُق، رجع كيوم ولدته أمه) أخرجه البخاري، وفي الحج مواقف عظيمة ومناسك جليلة، ويكفي أن الله تعالى يُباهي بأهل عرفات كما صح في الخبر: (إن الله تعالى يُباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني شُعثاً غُبراً).
عباد الله:
يجب الحج والعمرة مرة في العمر على كل مستطيع، والاستطاعة الـقدرة هي القدرة المالية وأمن الطريق والقدرة البدنية، فَمَنْ كان مريضاً مرضاً لا يُرجى زواله فهو ليس بمستطيع، ويجوز له أن يُنيب غيره، أما مَنْ كان مُستطيع بجسده ومنعه الفقر أو غيره من الموانع فلا يجوز له أن يُنيب مَنْ يحج أو يعتمر بدلاً منه.
والحج والعمرة واجبان على الفور فقد قال تعالى: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) وقال أيضاً: ((سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة)) وقال (صلى الله عليه وسلم): «تعجلوا الحج -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» رواه أحمد بسند حسن وحسنه الألباني.
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل مَنْ له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين.. ما هم بمسلمين).
وقال أيضاً: (مَنْ ملك زاداً وراحلةً تبلغه إلى بيت الله، ولم يحج، فليمُت إن شاء الله يهودياً.. وإن شاء نصرانياً).
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (مَنْ ملك زاداً وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً وذلك أن الله قال: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)).
وهذه الآثار عن هذين الخليفتين تدلان على وجوب المبادرة للحج وخطر تأخيره لِمَنْ استطاع.
قال الشَّيخ المُفسّر محمد الأمين الشنقيطي: (أظهر القولين عندي، وأليقهما بعظمة خالق السَّموات والأرض؛ هو وجوب الحج على الفور).
فيا عبد الله يا مَنْ يسَّر اللهُ لك الأسباب هذا العام وتهيئة لك الفرصة لأداء فريضة الحج إياك والتأجيل والتسويف، وبادر فقد يتعسر الحج عليك في سنوات قادمة، وتمر عليك سنوات تتمنى لو أنك بادرت للحج، وكم رأيت أناساً سوَّفوا الحج حتى أصابتهم عوارض الدنيا فلم يقدروا على الحج.
ويجب أن يعلم أن مَنْ تيسر له الحج عاماً من الدهر ثم لم يحج فهو آثم، ويتجدَّد إثمه كل عام والعياذ بالله.
الحمد لله رب العالمين...
أيها المسلمون:
من خير الأعمال في هذه العشر: الصيام
فعن أم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها- أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان لا يدع صيام تسع من ذي الحجة.
وقد ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يصومها.
قال الإمام ابن رجب: (والصيام فيها قول كثير من العلماء).
أما خيرها وأفضلها هو يوم عرفة فهو الوتر المذكور في الآية أما الشفع فهو يوم النحر، وقد روى أنه أفضل الأيام وخير عمل فيه الصيام وفي الحديث: «وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ قَالَ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ».
أما الحاج فلا يجوز له صيامه قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز: (ومَنْ صامه -أي من الحجاج- عالماً بالنهي أخشى عليه من الإثم).
يا عباد الله:
وإن من خير القربات لله جل وعلا الأضحية
وهي واجبة على المستطيع وتكون ذبيحة واحدة لكل أهل بيت ويشرك فيها مَنْ أراد من المسلمين وتذبح في البلد التي يعيش فيها فهو أفضل حتى لا تزول هذه العبادة ويراها الأهل والأولاد.
وإن زاد عنده مال أخرجه في البلاد الأخرى.
فإن أخرجها ولم يذبح في بلده فيه صحيحة إن شاء الله.
ولكن يبقى ممتنع عن الأخذ من شعره وبشرته وأظفاره حتى يتأكد أن ذبيحته قد ذبحت فإن لم يتأكد بقى حتى مغرب اليوم الثالث عشر، ولا يجوز لِمَنْ أراد أن يُضحّي أن يأخذ من بشرته أو شعره أو أظفاره شيء من أول أيام ذي الحجة للحديث الذي أخرجه مسلم عن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أنه يَقُولُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ».
ومَنْ نوى خلال الأيام يمتنع من أول ما نوى.
وشروطها:
أن تكون من بهيمة الأنعام، فلا تجزئ النعامة ولا حمار الوحش ولا الفرس ولا الدجاج.
فإن كانت الإبل فخمس سنين وكانت من البقر سنتان وإن كانت من المعز سنة وإن كانت من الضأن ستة أشهر.
وتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة.
ولا تجزئ مَنْ كان بها عيب أما الخصيَّة فلا حرج فيها.
ويجب التَّسمية عند الذبح وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله إلى أن الذبيحة التي لم يُسمَّى عليها لا يجوز أكلها ولو كان ناسياً.
ويبدأ الذبح من بعد صلاة العيد ويستمر إلى مغرب اليوم الثالث عشر ولا يكره الذبح بالليل.
أيها المسلمون:
حافظوا على الأعمال في أيام العشر وأكثروا من أعمال الخير و البر من إفشاء السلام وصلة الأرحام والدعاء فإن الله جل وعلا ينزل لعباده في ذلك اليوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكثرة النوافل واستحب الشافعي قيام أيام العشر.