المسألة الثالثة : وقت الاستحباب .
الراجح والله أعلم أنه بعد طلوع الشمس .
و الدليل على ذلك :
1- ما رواه جابر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر ضحى . و الضحى يطلق على ما بعد طلوع الشمس إلى الزوال .
2- حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة عبد المطلب على حمرات لنا مع جمع ، فجعل يلطخ أفخاذنا و يقول : أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس .
المطلب الثاني : وقت الرمي أيام التشريق . و فيه مسائل :-
المسألة الأولى : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من بعد زوال الشمس مطلقاً في جميع الأيام ، لدلالة السنة عليه ، و لأنه لو جاز قبل الزوال لفعله صلى الله عليه وسلم لكونه أيسر فهو قبل اشتداد الحر ، و ما خير صلى الله عليه وسلم بين أمرين ، إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً .
و الدليل على ذلك :
1 - ما رواه جابر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر ضحى ، و أما بعد ذلك فبعد الزوال .
2- حديث عائشة رضي الله عنها و فيه : ثم رجع إلى منى ، فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس .
3- ما رواه ابن عباس قال : رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار حين زالت الشمس .
4- ما ورد أن ابن عمر قال : كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا .
5- ما ورد أن عمر قال : لا تُرم الجمرة حتى يميل النهار .
6- ما ورد أن ابن عمر قال : لا تروا الجمار حتى تزول الشمس .
المسألة الثانية : آخر الوقت . و فيها أمران :-
الأمر الأول : آخر الوقت لغير ذوي الأعذار .
الخلاف هنا كالخلاف في آخر وقت رمي جمرة العقبة لغير ذوي الأعذار .
الأمر الثاني : آخر وقت الرمي لذوي الأعذار .
آخر وقت الرمي لذوي الأعذار كالسقاة والرعاة و نحوهم هو طلوع فجر اليوم الذي يليه .
و الدليل على ذلك : ما تقدم ذكره من أدلة الترخيص للرعاة بالرمي ليلاً .
المسألة الثالثة : وقت الاستحباب .
الوقت المستحب لرمي الجمار أيام التشريق ، بعد زوال الشمس قبل صلاة الظهر .
الأدلة :
1- حديث ابن عمر قال : كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا .
2- حديث ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس ، قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر .
المطلب الثالث : تأخير رمي يوم إلى ما بعده . و فيه مسألتان :-
المسألة الأولى : تأخير رمي جمرة العقبة إلى أيام التشريق .
المسألة الثانية : تأخير رمي اليوم الأول من أيام التشريق إلى الثالث ، أو تأخير الأول ، والثاني إلى الثالث .
الراجح والله أعلم في هاتين المسألتين أنه يجوز تأخير الرمي إلى ما بعده ، أو تأخير الرمي كله إلى آخر يوم عند الحاجة والمصلحة للرخصة للرعاة في جميع الرمي لحاجتهم . الأصل ( 2/ 393 - 423 ) .
المبحث الحادي عشر : وقت طواف الإفاضة . و فيه مطالب :-
المطلب الأول : وقت الجواز . و في مسألتان :-
المسألة الأولى : أول الوقت .
سبق أن وقت الدفع من مزدلفة للأقوياء والضعفة آخر الليل بعد غروب القمر ، وعلى هذا فالراجح والله أعلم أنه ، يدخل طواف الإفاضة بعد دخول وقت الدفع إلى منى إذ طواف الإفاضة لا يكون إلاّ بعد الوقوف بعرفة و المبيت بالمزدلفة .
المسألة الثانية : آخر الوقت .
ليس لآخر وقت طواف الإفاضة حد . لأن الأصل عدم التحديد ، و لم يرد تحديده .
المطلب الثاني : وقت الوجوب . و فيه مسألتان :-
المسالة الأولى : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من أول وقت الجواز ، لما فيه من اليسر والسهولة الذي جاءت به الشريعة الإسلامية .
و الدليل على ذلك :
1- ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر ، و هو واقف عند الجمرة فقال : يا رسول الله : إني حلقت قبل أن أرمي ، فقال : ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال : إني ذبحت قبل أن أرمي ، قال : ارم ولا حرج ، فما رايته سئل يومئذ عن شيء إلاّ قال : افعلوا ولا حرج .
2- ما رواه ابن عباس قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم زرت قبل أن أرمي ، قال : لا حرج ، قال : حلقت قبل أن أذبح ، قال : لا حرج .
3- ما رواه علي رضي الله عنه قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق ، قال : احلق ولا حرج .
وجه الدلالة : دلت هذه الأحاديث على أن أول وقت الوجوب لطواف الإفاضة من بعد دخول وقت الجواز لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قدّم الإفاضة على الرمي والحلق : لا حرج .
و نوقش : بأن نفي الحرج هنا نفي للإثم مع لزوم الكفارة .
بدليل حديث أسامة بن شريك قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً ، فكان الناس يأتونه ، فمن قال : يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً ، فكان يقول : لا حرج لا حرج ، إلاّ على رجل اقترض عرض رجل مسلم فذلك الذي حرج و هلك .
فقوله : إلاّ على رجل ، دليل على أنه أراد نفي الإثم .
و أجيب : بأن قوله صلى الله عليه وسلم : لا حرج ، عام في نفي الإثم والفدية ، وقوله صلى الله عليه وسلم : إلاّ على رجل ، لا يدل على المراد بالنفي هنا نفي الإثم فقط ، و إلاّ لبينه صلى الله عليه وسلم ، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
المسألة الثانية : آخر الوقت .
أنه لا حد لآخره ، إذ الأصل براءة الذمة مع إيجاب الدم .
و دليله : أنه لم يرد ما يدل على وجوب فعل طواف الإفاضة في مدة معينة يلزمه بتأخيره عنها دم .
المطلب الثالث : وقت الاستحباب .
الراجح والله أعلم أنه ما بين طلوع الشمس إلى الزوال من يوم النحر بعد الرمي ، و النحر والحلق .
أولاً : الدليل على أن وقت الاستحباب ما بين طلوع الشمس إلى الزوال :
1- ما رواه جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم و فيه : فأفاض يوم النحر إلى البيت فصلى بمكة الظهر .
2- ما رواه ابن عمر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ، ثم رجع فصلى الظهر بمنى .
3- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : طاف يوم النحر و صلى الظهر بمكة .
و نوقش : بأنه معارض بما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه فزاروا البيت ظهيرة ،
و زار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلاً .
وبما رواه ابن عباس و عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل .
و أجيب بأجوبة :
الجواب الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ضحى ، ثم صار يأتي البيت ليلاً ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ، و يدل لهذا ما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى .
الجواب الثاني : أن الطواف الذي طافه النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً هو طواف الوداع ، فنشأ الغلط من بعض الرواة في تسميته ، و من المعلوم أن طواف الوداع كان ليلاً .
الجواب الثالث : أن معنى قوله : أخر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل ، أي طواف نسائه ، و معنى قول عائشة : و زار مع نسائه ليلاً ، أي : عاد للزيارة ثانية لا لطواف الإفاضة ، ثم عاد إلى منى فبات بها ، جمعاً بين الأحاديث .
الجواب الرابع : أن روايات طوافه صلى الله عليه وسلم ضحى أصح و أشهر ، فوجب تقديمها على ما ورد من طوافه صلى الله عليه وسلم ليلاً .
ثانياً : الدليل على أن وقت الاستحباب يبدأ من بعد الرمي ثم النحر ثم الحلق : أنه صلى الله عليه وسلم طاف بعد ذلك . الأصل ( 2/ 424 - 438 ) .
المبحث الثاني عشر : وقت الحلق . و فيه مطالب :-
المطلب الأول : وقت الجواز . و فيه مسألتان :-
المسألة الأولى : أول الوقت .
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف السابق في أول وقت جواز طواف الإفاضة .
المسألة الثانية : آخر الوقت .
آخر وقت جواز الحلق كآخر وقت جواز الإفاضة .
المطلب الثاني : وقت الوجوب . و فيه مسألتان :-
المسألة الأولى : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه أول وقت الجواز .
و الدليل على ذلك :
1- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص و فيه : و أتاه رجل يوم النحر و هو واقف عند الجمرة فقال :
يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي ، فقال : ارم ولا حرج … إلى أن قال : فما رأيته سئل يومئذ عن شيء إلاّ قال : افعلوا ولا حرج .
2- حديث ابن عباس و فيه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فيقول : لا حرج ، فسأله رجل فقال : حلقت قبل أن أذبح قال : اذبح ولا حرج .
3- ما رواه علي بن أبي طالب قال : أتى رجل فقال : يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق ، قال : احلق ولا حرج .
المسألة الثانية : آخر الوقت .
الراجح والله أعلم أنه لا حد لآخره .
و دليله : بأنه لم يرد ما يدل على فعل الحلق في مدة معينة يلزم بتأخيره عنها دم .
المطلب الثالث : وقت الاستحباب .
وقت الاستحباب ضحى يوم النحر ، بعد الرمي والنحر قبل الإفاضة .
و دليله : فعله صلى الله عليه وسلم ، حيث حلق ضحى يوم النحر بعد الرمي ، و النحر قبل الإفاضة . الأصل ( 2/ 439 - 448 ) .
المبحث الثالث عشر : وقت السعي . وفيه مطالب :-
المطلب الأول : أول الوقت . و فيه مسألتان :-
المسألة الأولى : أول الوقت لغير المتمتع .
أول وقت السعي لغير المتمتع ، من بعد طواف القدوم .
و دليله : ما رواه جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه لم يطوفوا بين الصفا و المروة إلاّ طوافاً واحداً طوافهم الأول .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن أول وقت السعي بالنسبة لغير المتمتع من بعد طواف القدوم لفعله صلى الله عليه وسلم .
و الدليل على أن المراد بهذا الحديث غير المتمتع : أن المتمتع يجب عليه سعي آخر للحج ، بدليل ما رواه ابن عباس أنه قال : أهل المهاجرون و الأنصار و أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، و أهللنا ، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة ؛ إلاّ من قلد الهدي ، فطفنا بالبيت و بالصفا و المروة ، و أتينا النساء و لبسنا الثياب ، وقال : من قلد الهدي ، فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت و بالصفا و المروة .
المسألة الثانية : أول الوقت للمتمتع .
اختلف القائلون بعدم إجزاء سعي العمرة عن سعي الحج بالنسبة للمتمتع في أول وقت سعي المتمتع .
و الراجح والله أعلم أنه من بعد دخول وقت الدفع إلى منى مطلقاً ، سواء طاف قبل ذلك أم لم يطف .
و الدليل على ذلك :
1- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص و فيه : فما رأيته سئل عن شيء قدم ولا أخر إلاّ قال : افعلوا ولا حرج . و هذا العموم شامل لتقديم السعي على الطواف ، لأنه مما يفعل يوم النحر .
2- حديث أسامة بن شريك قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئاً أو قدمت شيئاً ، فكان يقول : لا حرج . و هذا نص في محل النزاع .
و نوقش : بأن معنى الحديث أي سعيت بعد طواف القدوم قبل طواف الإفاضة .
و أجيب بجوابين :
الجواب الأول : أن السعي بعد طواف القدوم بالنسبة لغير المتمتع معلوم جوازه بين الصحابة ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ، وفعل غيره من الصحابة من ساق الهدي ، فلا يسأل عنه .
الجواب الثاني : أن السؤال كان واقعاً يوم النحر ، فدل على أنه سأل عن حكم تقديم السعي على طواف الإفاضة .
المطلب الثاني : آخر الوقت .
الراجح والله أعلم أنه لا حد لآخره .
و دليله : بأن الأصل عدم التحديد ، و لم يرد تحديده .
المطلب الثالث : وقت الاستحباب .
الراجح والله أعلم أنه من بعد طواف القدوم لغير المتمتع ، و من بعد طواف الإفاضة للمتمتع .
أولاً : الدليل على أن وقت السعي المستحب لغير المتمتع من بعد طواف القدوم :
أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بعد طواف القدوم ، و كان صلى الله عليه وسلم قارناً .
ثانياً : الدليل على أن الوقت المستحب لسعي المتمتع بعد طواف الإفاضة :
أن من تمتع من الصحابة إنما سعى بعد طواف الإفاضة . الأصل ( 2/ 449 - 455 ) .
المبحث الرابع عشر : وقت المبيت بمنى . و فيه مطلبان :-
المطلب الأول : وقت المبيت الواجب .
الراجح والله أعلم أنه معظم الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر .
و دليله : أن مسمى المبيت لا يحصل إلاّ بمعظم الليل وما عداه لا يسمى مبيتاً .
المطلب الثاني : وقت المبيت المستحب .
وقت المبيت المستحب بمنى هو جميع الليل . بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها جميع الليل . الأصل ( 2/ 456 - 457 ) .
المبحث الخامس عشر : وقت النفر من منى . و فيه مطلبان :-
المطلب الأول : وقت الجواز . و فيه مسألتان :-
المسألة الأولى : حكم التعجيل .
الراجح والله أعلم أن التعجيل يجوز لكل أحد .
و الدليل على ذلك :
1- قوله تعالى{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه}[البقرة/203] .
وجه الدلالة : أن الله أباح التعجيل في اليوم الثاني ، و هذا عام لكل أحد .
2- ما رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أيام منى يتلو{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه و من تأخر فلا إثم عليه} ثم أردف رجلاً و جعل ينادي بها في الناس .
المسألة الثانية : بيان وقته . و فيها أمور :-
الأمر الأول : بيان وقت التعجيل .
الراجح والله أعلم أنه قبيل غروب الشمس من يوم النفر الأول .
و الدليل على ذلك :
1- قوله تعالى{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن وقت التعجيل قبيل غروب الشمس يوم النفر الأول ، لأن الله قال{فمن تعجل في يومين}و اليوم اسم للنهار إلى غروب الشمس ، و لم يقل فمن تعجل في يومين و ليلة .
2- ما رواه عبد الرحمن الديلي قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أيام منى يتلو{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه و من تأخر فلا إثم عليه} ثم أردف رجلاً و جعل ينادي بها في الناس .
وجه الدلالة : كما سبق في الدليل الأول .
3- ما ورد أن عمر قال : من أدركه المساء في اليوم الثاني لم ينفر حتى الغد .
4- ما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما قال : من غربت عليه الشمس و هو بمنى من أوسط أيام التشريق ، فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد .
الأمر الثاني : من غربت عليه الشمس و هو في شغل الارتحال .
الراجح والله أعلم أن له التعجيل .
و الدليل على ذلك :
1- أنه في حكم المتعجل ، فجاز له ذلك .
2- أن في تكليفه حل المتاع و الرحل مشقة عليه .
الأمر الثالث : من غربت عليه الشمس ، و هو سائر قبل انفصاله من منى .
الراجح والله أعلم أن له التعجيل .
و دليله : دليل من قال ليس له التعجيل إذا غربت عليه الشمس و هو في شغل الارتحال .
المطلب الثاني : وقت الاستحباب .
يستحب النفر من منى بعد رمي الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق .
و دليل ذلك فعله صلى الله عليه وسلم . الأصل ( 2/ 458 - 467 ) .
المبحث السادس عشر : طواف الوداع . و فيه مطالب :-
المطلب الأول : أول الوقت . وفيه مسألتان :-
المسألة الأولى : بيانه .
الراجح و الله أعلم أنه بعد الفراغ من أعمال الحج عند الخروج من مكة .
و الدليل على ذلك :
1- حديث عائشة رضي الله عنها و فيه : فآذن بالرحيل في أصحابه فخرج ، فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ، ثم خرج إلى المدينة .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن أول وقت طواف الوداع الخروج من مكة بعد الفراغ من أعمال الحج لفعله صلى الله عليه وسلم .
2- حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلاّ خفف عن المرأة الحائض . و في رواية قال : كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت .
المسألة الثانية : حكم الوداع إذا أقام بعده . و فيها أمران :-
الأمر الأول : أن يقيم لغير عذر .
إذا أقام بعد طواف الوداع لغير عذر بطل وداعه .
و حده المالكية بما لو أقام بعض يوم ، و هو ما زاد على الساعة الفلكية .
و الدليل على ذلك : أنه إذا أقام بعده خرج عن أن يكون وداعاً في العادة ، فلم يجزه كما لو طافه قبل
حل النفر .
الأمر الثاني : أن يقيم لعذر . و فيه فروع :-
الفرع الأول : أنه يشتغل بأسباب الخروج .
كشد الرحل و شراء واد ، وإصلاح المركب و نحوه . و الراجح و الله أعلم أنه لا تلزمه الإعادة .
و دليله : أن الاشتغال بأسباب الخروج ليس بإقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت .
الفرع الثاني : أن يشتغل بغير أسباب الخروج .
و الراجح والله أعلم أن من اشتغل بغير أسباب الخروج كقضاء دين أو زيارة صديق أو عيادة مريض بطل وداعه .
و دليله : أنه خرج عن أن يكون وداعاً في العادة فلم يجزه .
الفرع الثالث : أن يقيم لعذر المرض ، أو الجنون أو الإكراه .
الراجح والله أعلم أنه يلزمه الإعادة .
و دليله : بأن طوافه خرج عن أن يكون وداعاً في العادة ، فلم يجزه .
المطلب الثاني : آخر الوقت .
ليس لآخر طواف الوداع حد ، لأن الأصل عدم التحديد ولم يرد تحديده .
المطلب الثالث : وقت الاستحباب .
لا خلاف في أن وقت الاستحباب عند الخروج من مكة ، بعد الفراغ من أعمال الحج .
و دليله : حديث أنس رضي الله عنه و فيه : فآذن بالرحيل في أصحابه فخرج فمر بالبيت ، فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة . الأصل ( 2/ 468 - 474 ) .
الفصل الثاني : وقت العمرة . و فيه مباحث :-
المبحث الأول : وقت الجواز . و فيه مطلبان :-
المطلب الأول : وقت الجواز لمن أحرم بالحج .
أي أن يحرم بعمرة مستقلة و هو متلبس بإحرام الحج .
الراجح و الله أعلم أنه من بعد الإحلال من الحج .
و الدليل على ذلك :
1 -ما ورد أن علياً رضي الله عنه نهى عن إدخال العمرة على الحج .
2- أن إدخال العمرة على الحج لا يفيد إلا ما أفاد العقد الأول ، فلم يصح كما لو استأجره على عمل ، ثم استأجره عليه ثانياً .
3- أن أفعال العمرة استحقت بإحرام الحج ، فلا يعتبر إحرام العمرة شيئاً .
المطلب الثاني : وقت الجواز لمن لم يحرم بالحج .
الراجح و الله أعلم أن جميع السنة وقت للعمرة ، ولا تكره في شيء منها . لأن عمرته صلى الله عليه وسلم كانت في أشهر الحج ، و لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي .
و الدليل على ذلك :
1- قوله تعالى{وأتموا الحج والعمرة لله}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : أن الله سبحانه أمر بالعمرة مطلقاً عن الوقت ، فدل على مشروعيتها في جميع السنة .
2- ما رواه أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن أشهر الحج وقت لجواز العمرة .
3- ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة ، و عمرة في شوال .
4- ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يفسخوا إحرامهم بالحج عمرة . و ذلك في أشهر الحج .
5- ما ورد أن علياً رضي الله عنه قال : في كل شهر عمرة .
6- ما ورد أن أبا بكر اعتمر في رجب .
7- ما ورد أن ابن عمر كان يعتمر في رجب كل عام ، و يتبع في ذلك فعل عمر و عثمان .
8- ما ورد أن عائشة رضي الله عنها كانت تعتمر في رجب .
المبحث الثاني : وقت التلبية . و فيه مطلبان :-
المطلب الأول : أول الوقت .
الخلاف في هذا المطلب كالخلاف في أول وقت التلبية بالنسبة للحاج .
المطلب الثاني : آخر الوقت .
الراجح و الله أعلم أنه عند استلام الحجر الأسود ؛ لأنه إذا استلم الحجر فقد شرع في أسباب التحلل ، فلا يكون للتلبية معنى حينئذ ، و النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ في أسباب التحلل في الحج قطع التلبية ، وذلك عندما رمى أول حصاة ، فكذا العمرة .
و الدليل على ذلك :
1- ما ورد أن عطاء سئل متى يقطع المعتمر ؟ فقال : قال ابن عمر : إذا دخل الحرم ، و قال : ابن عباس : حتى يمسح الحجر ، قلت : يا أبا محمد أيهما أحب إليك ؟ قال : قول ابن عباس .
2- ما رواه مجاهد قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما يلبي في العمرة حتى يستلم الحجر ، ثم يقطع ، قال : و كان ابن عمر رضي الله عنهما يلبي في العمرة حتى إذا رأى بيوت مكة ترك التلبية ، و أقبل على التكبير و الذكر حتى يستلم الحجر .
3- أنه أخذ في أسباب التحلل ، فلم يبقى للتلبية معنى ، فيقطع . الأصل ( 2/ 487 - 492 ) .
المبحث الثالث : وقت الاستحباب .
سبق أن الراجح أن العمرة تشرع في جميع السنة بلا كراهة ، و أن الوقت المستحب للعمرة شهر رمضان .
و دليله : ما رواه عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار سمّاها ابن عباس ، فنسيت اسمها : ما منعك أن تحجي معنا ؟ قالت : كان لنا ناضح ، فركبه أبو فلان و ابنه لزوجها و ابنها ، و ترك ناضحاً ننضح عليه ، قال : فإذا كان رمضان اعتمري فيه ، فإن عمرة في رمضان ، تعدل حجة . و في رواية : فعمرة في رمضان تقضي حجة ، أو حجة معي . و في رواية تعدل حجة معي من غير شك . الأصل ( 2/ 493 - 496 ) .
أوقات الهدي : الهدي : هو ما ينقل للذبح من النعم إلى الحرم . من قولك أهديت الهدي ، و ذلك سوقك إياه كأنك ترشده إلى منحره ، و قد يكون من هديت العروس إلى بعلها هداء .
الفصل الثاني : أوقات الهدي . و فيه مباحث :-
المبحث الأول : وقت هدي التمتع ، و القران . و فيه مطالب :-
المطلب الأول : وقت وجوبه .
الراجح والله أعلم أنه بطلوع الفجر من يوم النحر .
و دليله : قوله تعالى{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن وقت وجوب الهدي من طلوع فجر يوم النحر ، لأن قوله : إلى الحج ، أي إلى أفعال الحج ، و معظم أفعال الحج يوم النحر إذ بوم النحر يوم الحج الأكبر .
المطلب الثاني : وقت الصيام لعادم الهدي . و فيه مسألتان :-
المسألة الأولى : وقت صيام الثلاثة . و فيها أمور :-
الأمر الأول : وقت الجواز . و فيه فرعان :-
الفرع الأول : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من بعد الإحرام بالعمرة ، إذ هو ظاهر فعل الصحابة رضي الله عنهم .
و الدليل على ذلك :
1- قوله تعالى{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن صيام الثلاثة التي في الحج يبدأ من بعد الإحرام بالعمرة ، لأن الإحرام بها هو سبب التمتع ، فمتى وجد المسبب جاز تقديمه على وقت الوجوب ، كتعجيل الزكاة بعد وجود النصاب .
2- حديث ابن عمر رضي الله عنهما و فيه : ثم ليهل بالحج ، و ليهد فمن لم يجد هدياً فصيام ثلاثة أيام في الحج ، و سبعة إذا رجعتم .
وجه الدلالة : كما سبق في الآية .
3- حديث ابن عباس و فيه : ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، و إذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت و بالصفا و المروة ، فقد تم حجنا و عمرتنا ، و علينا الهدي كما قال تعالى{فما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم}[البقرة/196] .
4- قوله صلى الله عليه وسلم : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، و شبك بين أصابعه .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث أن وقت صيام الثلاثة من حين الإحرام بالعمرة ؛ لأنه إذا أحرم بها فهو حاج من حين أحرم ، لدخولها في الحج ، فإذا صامها حينئذ فقد صامها في حجه ، إذ هي جزء منه و بعض له .
5- أن عامة الصحابة رضي الله عنهم كانوا متمتعين في حجة الوداع ، و قد أحرموا بالحج يوم التروية بأمره صلى الله عليه وسلم ، مع علمه صلى الله عليه وسلم أن كثيراً منهم لا يجد الهدي ، بدليل أنه بين حكم من لم يجد الهدي ، و من أحرم يوم التروية فإنه يحتاج إلى أن يصوم يومين قبل يوم التروية - عند من قال : إن الصيام يبدأ من الإحرام بالحج - لأنهم أحرموا يوم التروية نهاراً و قد أنشأوا الصوم قبل الإحرام بالحج ، فلوا لم يجز لوجب تقديم الإحرام بالحج قبل طلوع فجر اليوم السابع ، و الصحابة لم يفعلوه ، و لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فدل على جواز الصوم من بعد إحرام العمرة .
6- ما ورد أن علياً رضي الله عنه قال : فصيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم التروية يوماً ، و يوم التروية ، و يوم عرفة .
وجه الدلالة : دل هذا الأثر على أن وقت صوم الثلاثة من حين الإحرام بالعمرة قبل الإحرام بالحج ، لقوله : قبل يوم التروية يوماً ، إذ الإحرام بالحج إنما يشرع يوم التروية .
7- ما ورد أن ابن عمر قال : فصيام ثلاثة أيام في الحج يوم قبل يوم التروية ، و يوم التروية ، و يوم عرفة .
8- أنه أحد إحرامي التمتع ، فجاز الصوم بعد إحرام العمرة كإحرام الحج .
9- أنه تقديم للواجب بعد وجود سببه ، فجاز ، كتقديم كفارة الحنث على اليمين .
الفرع الثاني : آخر الوقت . و فيه جانبان :-
الجانب الأول : بيانه .
الراجح والله أعلم أنه غروب الشمس من آخر أيام التشريق .
و الدليل على ذلك :
1- حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن ، إلاّ لمن لم يجد الهدي .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أنه يجوز للمتمتع العادم الهدي أن يصوم أيام التشريق ، لأن قولهما : لم يرخص ، له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيمتد وقت صيام الثلاثة التي في الحج إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق .
و نوقش : بأن قول ابن عمر و عائشة أخذاه من عموم قوله تعالى{فصيام ثلاثة أيام في الحج} لأن قوله : في الحج يعم ما قبل النحر و ما بعده ، فتدخل أيام التشريق ، فهو بطريق الاستنباط منهما عما فهماه من عموم الآية ، و قد ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق ، و هو عام في حق المتمتع و غيره ، و على هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن و عموم الحديث المشعر بالنهي ، و في تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر .
و أجيب بجوابين :
الجواب الأول : المنع ، فلا يسلم أن ابن عمر و عائشة أخذا جواز صومهما من ظاهر عموم الآية ، لأن قوله {في الحج} لا يشمل ما بعد يوم النحر ، لإجماع المسلمين على أن الحاج إذا طاف طواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة و الحلق حل له كل شيء حرم عليه ، حتى النساء ، و الصيد ، فقد زال عنه الإحرام بالكلية ، و صار حلالاً حلاً تاماً ، و ذلك ينافي كونه في الحج فإن صام أيام التشريق فقد صامها في غير الحج ، و يدل لهذا بأن الله صرح أنه لا رفث في الحج ، و أيام التشريق يجوز فيها الرفث بالجماع فما دونه .
الجواب الثاني : أنه لو سلم أن ابن عمر و عائشة أخذا جواز صومها من الآية ، و أن عموم الآية يدل على ذلك ، فلا تعارض بين الآية و بين نهيه صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام التشريق ، لجواز تخصيص عموم المتواتر بأخبار الآحاد ، لأن التخصيص بيان ، و البيان يجوز بكل ما يزيل اللبس .
2- ما ورد عن عائشة أنها تقول : الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، لمن لم يجد هدياً ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة ، فإن لم يصم صام أيام منى .
الجانب الثاني : ما يترتب على تأخير صيام الثلاثة عن وقتها . و فيه نقطتان :-
النقطة الأولى : لزوم القضاء .
الراجح و الله أعلم أنه إن كان تأخير الثلاثة عن وقتها لعذر شرعي ، له القضاء ، و إن كان لغير عذر فلا يشرع له القضاء لما سبق أن العبادة المؤقتة إذا أخرت عن وقتها عمداً لا يشرع قضاؤها .
النقطة الثانية : لزوم الدم .
الراجح و الله أعلم أنه يلزمه دم إن كان التأخير لغير عذر .
أولاً : الدليل على لزوم الدم إن كان لغير عذر :
1- ما ورد أن ابن عباس قال : من ترك شيئاً من نسكه ، أو نسيه فليهرق لذلك دماً .
2- أنه نسك مؤقت ، فلزمه دم بالتأخير عن وقته كرمي الجمار .
ثانياً : الدليل على عدم لزوم الدم إن كان التأخير لعذر :
1- أن الواجبات تسقط بالعجز عنها .
الأمر الثاني : وقت الاستحباب .
الراجح و الله أعلم أنه من اليوم السادس من ذي الحجة بحيث يكون آخرها يوم التروية .
و الدليل على ذلك :
1- ما ورد أن ابن عمر سئل عن صوم يوم عرفة بعرفة ؟ فقال : حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ، و مع أبي بكر فلم يصمه ، و مع عمر فلم يصمه ، و مع عثمان فلم يصمه ، و أنا لا أصومه و لا آمر به ولا أنهى عنه .
2- ما ورد أن ابن عمر و عائشة قالا : فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، و لم يجد هدياً أنه يصوم ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة .
3- ولأن الفطر في ذلك اليوم أنشط له على الدعاء ، والذكر ، فكان المستحب أن يكون صيام الهدي قبل عرفة .
الأمر الثالث : جواز تفرقها .
الراجح والله أعلم أنه يجوز تفريقها ، لظاهر القرآن في ذلك .
و الدليل على ذلك :
1- قوله تعالى{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : أن الأمر ورد مطلقاً عن قيد التتابع ، و ما ورد مطلقاً يبقى على إطلاقه .
2- أن الصيام واجب ، فلم يجب فيه التتابع كقضاء رمضان .
المسألة الثانية : وقت صيام السبعة . و فيها أمور :-
الأمر الأول : وقت الجواز . و فيه فرعان :-
الفرع الأول : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من بعد الفراغ من أعمال الحج ، لظاهر القرآن في ذلك .
و الدليل على ذلك :
1- قوله تعالى{و سبعة إذا رجعتم}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن أول وقت صيام السبعة من بعد الرجوع من الحج ، إذ معنى قوله
تعالى {إذا رجعتم} أي من الحج و يدل لهذا التأويل ما يلي :
أ - قوله تعالى{فصيام ثلاثة أيام في الحج} فتقدير الرجوع من الحج الذي تقدم ذكره أولى من تقدير الرجوع من السفر أو مكة ، لعدم ذكره .
ب- أنه لو رجع إلى أهله قبل التحلل الثاني لم يجز له الصوم ، فعلم أن الحكم مقيد بالرجوع من الحج فقط .
ج - أنه إذا تحلل يصح تسميته راجعاً لرجوعه إلى حاله قبل الإحرام من الإحلال .
د - أنه لو لم يكن له وطن أصلاً يرجع إليه ، بل مستمر على السياحة وجب عليه صومها ، و لا يتحقق في حقه سوى الرجوع من الحج ، و هذا مجمع عليه .
2- أن الصوم لا يختص بمكان دون مكان ، فلو قيل : لا يجوز الصوم إلاّ في بلده منعاً للصوم في بعض الأمكنة دون بعض ، و ذلك غير معهود في الشرع ولا معنى تحته .
3- أن الصوم وجب في ذمته فكان له البدار إلى فعله كقضاء رمضان .
4- أن الحجيج إذا صدروا من منى ، فقد شرعوا في الرجوع إلى أهلهم ، لأن عرفات و منى منتهى سفرهم .. و الأفعال الممتدة كالحج والرجوع و نحوه ، يقع الاسم على المتلبس به إذا شرع فيه ، و إن كان لا يتناول الاسم على التمام إلاّ إذا قضاه .
5- أنه صوم واجب وجد من أهله بعد وجود سببه ، فأجزأ كصوم المسافر و المريض .
6- أنه صوم واجب جاز تأخيره في حق من يصح منه الصوم ، فجاز تقديمه كرمضان في حق المسافر .
الفرع الثاني : آخر الوقت .
ليس لآخر وقت جواز السبعة حد ، إذ الأصل عدم التحديد و لم يرد تحديده .
الأمر الثاني : وقت الاستحباب .
الراجح و الله أعلم أنه إذا رجع إلى أهله ، إذ هو ظاهر القرآن والسنة .
و الدليل على ذلك :
1- حديث ابن عمر و فيه : و سبعة إذا رجع إلى أهله .
2- حديث ابن عباس و فيه : و سبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم .
3- أنه أخذ بالرخصة ، و خروج من الخلاف .
الأمر الثالث : جواز تفريقها .
الخلاف في هذا الأمر كالخلاف في جواز تفرق صيام الثلاثة ، و قد سبق بيانه .
المطلب الثالث : وقت نحره . و فيه مسائل :-
المسألة الأولى : وقت الجواز . و فيها أمران :-
الأمر الأول : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من بعد الفراغ من صلاة العيد ، أو قدرها عند من لا يصلي ، لأنه أحوط للعبادة و أبرأ للذمة .
أولاً الدليل على أنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر :
1- قوله تعالى{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أنه لا يجوز ذبح الهدي قبل يوم النحر ، إذ إن محل ذبحه هو يوم النحر كما بينه صلى الله عليه وسلم بفعله .
و نوقش : بأن هذه الآية في الإحصار ، بدليل قوله تعالى{فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}.
و أجيب : بأن الآية عامة في الإحصار وهدي المتعة والقِرآن ، لعموم لفظها .
2- قوله تعالى{و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً} إلى قوله{ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ن فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير ، ثم ليقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم و ليطوفوا بالبيت العتيق}[الحج/27-29] .
وجها الدلالة :
الوجه الأول : دلت هذه الآية على أنه لا يجوز ذبح هدي المتعة قبل يوم النحر ، إذ معنى الآية أذن فيهم بالحج يأتوك مشاة و ركباناً ، لأجل أن يشهدوا منافع لهم ، و يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، و من ذكره تعالى في هذه الآية ذكره عند ذبح بهيمة الأنعام .
الوجه الثاني : أن قضاء التفث و طواف الزيارة لا يكون إلاّ بعد يوم النحر ، و قد رتب هذه الأفعال على ذبح الهدي ، فدل على أن وقت نحره بعد دخول يوم النحر .
و نوقش : بأن الله رتب هذه الأفعال على نحر الهدي ( بثم ) و ( ثم ) للتراخي ، فربما يكون الذبح قبل يوم النحر ، و قضاء التفث فيه .
و أجيب : بأن موجب ( ثم ) بالتراخي يتحقق بالتأخير ساعة ، فلو جاز قبل يوم النحر جاز قضاء التفث بعده ساعة ، وليس كذلك .
3- حديث جابر رضي الله عنه قال : أهللنا بالحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل و نجعلها عمرة ، فكبر ذلك علينا و ضاقت به صدورنا ، فقال : يا أيا الناس أحلوا فلولا الهدي معي فعلت كما فعلتم ، قال : فأحللنا حتى وطئنا النساء ، و فعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية ، و جعلنا مكة بظهرٍ ، أهللنا بالحج .
4- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و نحن نصرخ بالحج صراخاً ، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلاّ من ساق الهدي .
5- حديث ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج ؟ فقال : أهل المهاجرون و الأنصار و أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، و أهللنا ، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلاّ من فلد الهدي ، فطفنا بالبيت و بالصفا و المروة و أتينا النساء ، و لبسنا الثياب و قال : من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ محله .
6- حديث حفصة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا و لم تحل أنت عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي و قلدت هدي فلا أحل حتى أنحر .
7- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن عمر قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، و أهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة و بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ، و تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ، و منهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم عليه حتى يقضي حجه .
8- حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : خرجنا محرمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليقم على إحرامه ، و من لم يكن معه هدي فليحل فلم يكن معي هدي فحللت ، و كان مع الزبير هدي فلم يحل .
وجها الدلالة :
الوجه الأول : دلت هذه الأحاديث على أن ذبح هدي المتعة لا يجوز قبل يوم النحر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من ساق الهدي لا يحل حتى يحل نحر الهدي بعد قضاء حجه .
الوجه الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى جميع من معه من متمتع و قارن أن يحلوا إلى يوم النحر ، و بين أن الذي منعهم من ذلك الهدي و لو كان الذبح جائزاً قبل يوم النحر لنحروا و حلوا ، و لم يكن الهدي مانعاً من الإحلال قبل اليوم ، فتبين عدم جواز ذبحه قبل يوم النحر .
9- حديث انس رضي الله عنه و فيه : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج نحر سبع بدنات بيده قياماً .
10- قوله صلى الله عليه وسلم : إن أعظم الأيام عند الله عز وجل يوم النحر ، و يوم القر ، قال ثور : و هو اليوم الثاني ، قال : و قرّب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست ، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ .
11- حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر يوم النحر .
12- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : و وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى ، فجعل الناس يسألونه فجاء رجل فقال : يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال : اذبح ولا حرج ، ثم جاء آخر فقال : يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ، قال : ارم ولا حرج .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أنه لا يجوز ذبح هدي المتعة قبل يوم النحر بدليل : أن الصحابة سألوا عن حكم تقديم النحر على الحلق و الرمي ، و لو كان النحر جائزاً قبل يوم النحر لما احتيج إلى أن يسأل عن النحر قبل الحلق والرمي .
13- ما ورد أن ابن عمر كان يبعث بهديه من جمع آخر الليل حتى يدخل به منحر النبي صلى الله عليه وسلم مع حجاج فيهم الحر و المملوك .
14- أن ما قيل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه ، فلا يجوز ذبح هدي التمتع .
و نوقش : بأنه قياس مع الفارق ، إذ الأضحية منصوص على وقتها .
و أجيب : و كذا فإن ذبح الهدي مخصوص بما بعد النحر ، بدليل ما تقدم من فعله صلى الله عليه وسلم ، و الفعل إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم الأمر ، و هو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني مناسككم .
ثانياً : الدليل على أن وقت الذبح يبدأ من بعد فعل صلاة العيد ، أو قدرها عند من لا يصلي :
ما تقدم ذكره من الدليل على وقت ذبح الأضحية يبدأ من بعد فعل الصلاة ، أو قدرها عند من لا يصلي .
الأمر الثاني : آخر الوقت .
الخلاف في هذا الأمر كالخلاف في آخر وقت الأضحية .
المسألة الثانية : وقت الوجوب . و فيها أمران :-
الأمر الأول : أول الوقت .
الراجح و الله أعلم أنه من أول وقت الجواز .
و الدليل على ذلك : ما تقدم ذكره من الأدلة على عدم وجوب الترتيب بين هذه الأنساك .
الأمر الثاني : آخر الوقت .
الخلاف في هذا الأمر كالخلاف في آخر وقت الأضحية .
المسألة الثالثة : وقت الاستحباب .
الراجح والله أعلم أنه في اليوم الأول من بعد رمي جمرة العقبة ، ثم اليوم الثاني ، ثم الثالث .
و الدليل على ذلك :
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح في اليوم الأول بعد رمي جمرة العقبة .
2- أن الذبح في اليوم الأول أسرع إلى القربة و الخير ، وإن كان بعد الزوال . الأصل ( 2/ 539 - 594 ) .
المبحث الثاني : وقت هدي التطوع .
الراجح والله أعلم أنه يوم النحر .
و الدليل على ذلك : ما تقدم ذكره من الدليل من أنه صلى الله عليه وسلم لم ينحر هديه إلاّ يوم النحر . الأصل ( 2/ 595 - 596 ) .
المبحث الثالث : وقت هدي الفوات . و فيه مطلبان :-
المطلب الأول : وقت الوجوب .
الراجح و الله أعلم أنه عدم وجوب الهدي .
المطلب الثاني : وقت نحره عند من قال بوجوبه .
الراجح والله أعلم أنه عدم وجوب الهدي . الأصل ( 2/ 597 - 599 ) .
والحمد لله رب العالمين ..
أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..