المخالفات العقدية المتعلقة بالحج والعمرة
إعداد أ.د./ أحمد بن عثمان المزيد
أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود
مدار الوطن للنشر
********
ملخص البحث
عنوان البحث: المخالفات العقديّة المتعلقة بالحج والعمرة.
اسم الباحث: د. أحمد بن عثمان المزيد، تخصص: العقيدة.
مجال البحث: العقيدة
عدد الصفحات: 112
********
إن للحج والعمرة أهمية كبرى في الإسلام، ومع هذه الأهمية نجد من المسلمين من لا يجتهد في معرفة أحكامها، وما يجوز فعله في أرض المشاعر، ومكة والمدينة على وجه العموم، حتى لا يقع في مخالفات شرعية في أعمال المناسك، وأخطر منها مخالفات عقدية تنقص الإيمان أو تذهبه بالكلية؛ كمن يقصد بيت الله الحرام وهو يستغيث أو يدعو غير الله تعالى.
ولما كان للمخالفات والأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر من أثر عليه سواء أكان شرعيًّا أم صحيا أم نفسيًا، كان لدراسة هذه المخالفات أهمية عظمى لتوعية الحاج والمعتمر والجهات القائمة على توجيههما ورعايتهما سواء الحكومية منها أو الأهلية، وذلك حتى يسلم الحاج والمعتمر من بطلان حجه وعمرته أو نقصانهما، وهو الهدف الأساسي من كتابة هذا البحث.
********
وقد انتظم هذا البحث في أربعة فصول:
الأول: في المخالفات العقدية قبل الوصول إلى مكة.
والثاني: المخالفات داخل الحرم.
والثالث: المخالفات في مكة والمشاعر.
والرابع: المخالفات بعد الحج والعمرة وفي المدينة النبوية.
********
ومن النتائج التي توصل إليها البحث:
كثرة المخالفات التي يقع فيها الحاج والمعتمر وتنوعها.
وأن هذه المخالفات يقع فيه الحاج والمعتمر في سائر الأماكن في الحج والعمرة، وليست محصورة في مكان واحد مما يستدعي شدة الحيطة، إذ قد يفتتن بعض الحجاج والمعتمرين إذا رأوا كثرة تلك المخالفات فيظنوها من الدين.
وأن أعظم وسيلة لعلاج هذه المخالفات توعية الحجاج والمعتمرين قبل وصولهم إلى البيت الحرام، وذلك باللقاء بهم مباشرة من قِبل أهل العلم والدعاة، أو عبر وسائل الإعلام من قنوات تلفزيونية وإذاعية، وبإنتاج مواد إعلامية مرئية ومسموعة ومنها: إنشاء موقع متميز على شبكة الإنترنت بأهم لغات العالم.
********
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
") يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)" آل عمران: 102].
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) " [النساء: 1].
") يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)" [الأحزاب: 70 -71].
********
أما بعد:
فإن الحج من أركان الإسلام الخمسة، ويجتمع فيه أنواع العبادات القلبية، والبدنية، والمالية.
وهو محفل إسلامي كبير، يتجلى فيه تماسك المسلمين، ووحدتهم، وعزهم على غيرهم، وتضرعهم إلى الله تعالى.
ولقد اهتمَّ علماء المسلمين بهذا الركن العظيم، وكتبوا فيه الكثير.
********
والذين صنّفوا عن (مكة)، و (المدينة النبوية)، و (المناسك) وما يتبعها على أقسام؛ منها:
أولًا: مصنفات تتعلق بالأحكام الفقهية؛ وهي كثيرة جدا، وشهرتها تُغْني عن التمثيل لها.
********
ثانيًا: مصنفات تتعلق بالترغيب والفضائل؛ وهي كثيرة، ومنها:
1- مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن؛ للإمام: عبدالرحمن بن الجوزي (510-597هـ).
2- الإتحاف في فضل الطواف؛ للعلامة: محمد بن علان الصِّدِّيقي (996-1057هـ).
3- الأحاديث الواردة في فضائل المدينة: جمعًا ودراسةً؛ للدكتور: صالح بن حامد الرفاعي.
********
ثالثًا: مصنفات تتعلق بالرحلات، ووصف طريق الحاج، وجغرافية الحرمين؛ وهي محدودة؛ ومنها:
1- كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة؛ منسوب للإمام: إبراهيم بن إسحاق الحربي (198-285هـ).
2- الدرر الفرائد المنظَّمة في أخبار الحاج وطريق مكةَ المعظَّمة؛ للعلامة: عبد القادر بن محمد الجزيري (911-977هـ).
3- كتب الباحث، الأستاذ: عاتق بين غيث البلادي، وهي مهمة؛ ومنها: (أودية مكة)، و(على طريق الهجرة)، و(معالم مكة التاريخية والأثرية)، و(معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية).
********
رابعًا: مصنفات تتعلقُ بتاريخ الحرمين؛ وهي كثيرة؛ ومنها:
1- تاريخ المدينة؛ للإمام: عمر بن شَبَّه (173-262هـ).
2- إتحاف الورى بأخبار أم القرى؛ للإمام: النجم عمر بن فهد القرشي (812-885هـ).
ومع أهمية هذا الركن في الإسلام، فإننا نجد من المسلمين من لا يجتهد في معرفة أحكامه، وما يجوز فعله في أرض المشاعر، ومكة والمدينة على وجه العموم، حتى لا يقع في مخالفات شرعية في أعمال المناسك، وأخطر منها مخالفات عقدية تنقص الإيمان أو تذهبه بالكلية كمن يقصد بيت الله الحرام للحج أو العمرة وهو يستغيث أو يدعو غير الله تعالى.
ونظرًا لهذا الواقع رأيت من الواجب أن أرصد هذه المخالفات وأبيّن حكمها الشرعي؛ لتوعية الحجاج والمعتمرين والجهات القائمة على توجيههم ورعايتهم سواء الحكومية منها أو الأهلية، لتجنب ما يخدش حجّهم أو عمرتهم نقصانا أو بطلانا، وهو الهدف الأساسي من كتابة هذا البحث.
ثم إن المكتبة الإسلامية قد خلت، حسب علمي، من مؤلَّف مستقل في المخالفات العقدية، الخاصة بالحج والعمرة، وإن كانت منثورة في بعض كتب الفقه الموسَّعة، وبعض كتب العقائد، وبعض الرَّسائل الصغيرة، ولم أرَ من أفردها ببحث مستقل.
مما أكَّد فكرة هذا البحث لديَّ، الذي أحاول فيه، إن شاء الله، جمع ما يخص المخالفات العقديَّة الخاصة بالحج والعمرة، وبيان حكمها وحكم مرتكبها.
وأسأل الله تعالى أن أكون قد وُفِّقْتُ في طرح هذا الموضوع، وجمع أشتاته، وتوضيح مسائله، بالصورة التي تُسْهِم، إن شاء الله تعالى، في تصحيح العقيدة مما علق بها من شوائب.
والحمد لله رب العالمين
********
منهج البحث
عندما فكرت في كتابة الموضوع تأملت في كيفية سرد هذه المخالفات، فرأيت أنَّ البحث ينبغي أن لا يخرج عن طريقتين.
********
الطريقة الأولى:
مصاحبة الحاج والمعتمر من بلده إلى أن يعود؛ فأبتدئ من وجود الحاج والمعتمر في بلده، وتأثره بالبدع الموجودة فيها.
ثم سفره إلى بلاد الحرمين، وعقد نيته من بلده إلى زيارة القبر النبوي...
ثم دخوله مكة، وطريقة أدائه لنسكه، وما فيها من بدع، ونظرته لأستار الكعبة، وأحجارها، ومقام إبراهيم، وأرضية الحرم، والاعتقادات في ذلك.
ثم مرورا بالمشاعر المقدسة، وتَبَرُّكِه بتربتها وأحجارها وأشجارها.
ثم ذهابه ـ بعد انتهاء الحج أو العمرة ـ إلى بعض الأماكن الأثرية؛ مثل: غار حراء، وغار ثور، بقصد التبرك.
ثم انتقاله إلى المدينة النبوية، وزيارة القبر الشريف، وما يجري في ذلك من بدع وضلالات.
ثم عودته إلى بلده ببعض الهدايا، أو الأكياس المحملة بالتربة المكية أو المدنية...
وهنالك بعض المخالفات لا تختص بمكان معين؛ مثل: لبس التمائم، ودعاء الأولياء، وقراءة الأوراد المبتدعة...
وهكذا أسير مع الحاج والمعتمر خطوة بخطوة، مُنبِّها على المخالفات حسب تسلسلها في سيره من بداية حَجِّه وعمرته إلى نهايتهما.
********
الطريقة الثانية:
جمع المتماثلات في مكان واحد؛ فأجمع، مثلا، قصد زيارة المقابر: (قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومقبرة البقيع، ومقبرة شهداء أحد) في مبحث واحد، وأجمع ما يتعلَّق بالتبرك بالآثار في مكان واحد، وأجمع الكلام على المساجد الـمُعْتَقَدِ فيها (مسجد القبلتين، والمساجد السبعة، ومسجد عمر بن الخطاب) في مكان واحد، وهكذا...
ورأيت سلوك الطريقة الأولى رغم ما سيحدث فيها من تكرار، ليكون هذا الكتاب -بتوفيق الله- دليلًا للباحثين وطلاب العلم لمعرفة الأخطاء العقديَّةِ للحاج والمعتمر من أول طريقه إلى آخره؛ فيسهل عليهم بذلك متابعة هذه الأمور خطوة بخطوة، ومن ثم تصحيحها، والتنبيه عليها قبل وقوعها.
وسيكون الكلام على هذه المخالفات وفق مباحث متسلسلة، كل مخالفة في مبحث مستقل، وإذا كان للمخالفة علاقة بما سبق فإني أتوسَّع في الأولى، وأوجز في الأخرى مع الإحالة على الأولى.
********
تعريف مفردات البحث:
المخالفات:
جمع مخالفة؛ والاختلاف لغةً ضدُّ الاتفاق، وقد فرق بعض أهل العلم بين الخلاف، والاختلاف، وقالوا بأنَّ الاختلاف يُستعمل في قولٍ بُنِيَ على دليل.
بينما الخلاف يستعمل فيما لا دليل عليه، وفيه ثبوت الضعف في جانب المخالف.
وعليه؛ فمن يقوم بهذه المخالفات، لا دليل معه يستندُ عليه في فعله، إلا لما عُدَّ مخالفًا. ومن استَندَ على دليلٍ ضعيفٍ، أو موضوعٍ؛ فهو كمن لا دليل عنده.
ومخالفة المسلم للصواب، تُعرف بمعرفة الأدلة، وبالاطلاع على سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأقواله، وأفعاله.
********
العقدية:
إشارة إلى أن المسائل التي يتعرض لها البحث، مختصة بمسائل الاعتقاد، وهذا قيدٌ تخرج به المسائل الفرعيَّة في العبادات، فلا يتطرق لها البحث؛ ومنها: رمي الجمرات بغير الحصى؛ كالنعال ونحوها.
وتخرج به -أيضا- المخالفات الشرعية العامة، التي لا تدخل في العقيدة حسب الاصطلاح؛ ومنها: حلق اللحى، والإسبال، وسفر النساء بغير محرم، ونحو ذلك.
********
الحج:
لغة القصد. واصطلاحًا: قصد (مكة)، لعملٍ مخصوصٍ، في زمن مخصوص.
وهذا قيدٌ تخرجُ به المخالفات العقدية، التي تكون في غير موسم الحج، وسيأتي بعد قليل التمثيل لها.
********
العمرة:
بضم العين وسكون الميم. لغةً: الزيارة، وقد اعتمر: إذا أدَّى العمرة، وأعمره: أعانه على أدائها.
واصطلاحًا: الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة بإحرام.
********
أهداف البحث:
يهدف الباحث من خلال هذا البحث إلى تعريف الناس بالمخالفات العقدية التي تكون لبعض الحجاج والمعتمرين، في موسم الحج والعمرة، ويُبَيِّنُ مخالفتها للدين من خلال النصوص الشرعية، وكلام أهل العلم.
والتركيزُ على الخطأ، وبيانُهُ للناس جادةٌ معروفةٌ، وقد ألَّف أهل العلم في البدع، وبيانها، والتحذير منها، قديمًا، وحديثًا.
ومن تعلَّم الخطأ؛ أَمِنَ الوقوع فيه؛ قال حُذَيفةُ بن اليمان: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلونَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ، وكُنتُ أَسْأَلُه عَنِ الشَّرِّ؛ مخافةَ أَنْ يُدْرِكَني».
وقال ت: «كَانَ أصْحابُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يسألونَهُ عَنِ الخيْرِ، وكُنتُ أَسْأَلُه عَنِ الشَّرِّ». قِيلَ: لمَ فعلتَ ذلكَ؟ قال: «مَنِ اتَّقَى الشرَّ؛ وَقَع في الخَيْرِ».
********
حدود البحث:
يتعلق البحث بزمانٍ ومكانٍ مُحدَّدين، والبحث يُغطي المخالفات العقديَّة التي تحدث لفئة من الحجاج والمعتمرين، في زمن الحج أو العمرة، ومكان الحج والعمرة، فما يفعله بعض الحجاج في أشهُر الحج والمعتمرين في عمرتهم، وفي (مكة)، و(المشاعر المقدسة) يدخل في حدود البحث.
ويدخل تَبعًا لذلك ما يكون منهم في طريقهم للحج والعمرة، وفي زيارة (المدينة النبوية) بعد الحج والعمرة..
وقد استبعدت، أثناء البحث، المخالفات العقدية التي انقرضت ولله الحمد؛ ومنها: بدعة (المَحْمَل)، وهي أشهر من أن تذكر، وبدعة إيقاد النيران، والشموع، على جبل عرفة ليلة عرفة، وبدعة الطواف حول قبة آدم التي في جبل عرفة، وقد هدمت ولله الحمد.
********
خطة البحث
المقدمة؛ وفيها سبب الكتابة في الموضوع، ومنهج البحث وخطته.
********
التمهيد:
********
الفصل الأوَّل:
المخالفات العقديَّة قبل الوصول إلى مكة؛ وفيه أربعة مباحث:
? المبحث الأول: المفهوم الخاطئ للتوكل بالخروج إلى الحجّ بغير زاد.
? المبحث الثَّاني: الحج والعمرة رياء وسمعة.
? المبحث الثالث: قدوم بعض الحجاجِ والمعتمرين بالتمائم.
? المبحث الرابع: قدوم بعض الحجاج والمعتمرين بأوراد شركية.
********
الفصل الثَّاني:
المخالفات العقديَّة داخل الحرم؛ وفيه خمسة مباحث:
? المبحث الأول: دعاء بعض الحجاج والمعتمرين واستغاثتهم بغير الله واعتمادهم على الأوراد الشركية.
? المبحث الثاني: التمسُّح بأستار الكعبة وأحجارها المكشوفة.
? المبحث الثَّالث: التمسح بالحجر الأسود والركن اليماني لذاته لا اتباعا.
? المبحث الرابع: مسح وتقبيل الركنين: الشامي والعراقي، وجدران الكعبة.
المبحث الخامس: التبرك بـ (مقام إبراهيم)، ونظرة الحاج إليه.
********
الفصل الثَّالث:
المخالفات العقديَّة في مكة، والمشاعر؛ وفيه ثلاثة مباحث:
? المبحث الأول: زيارة غاري (حراء)، و(ثور)، وتكلُّف صعودهما.
? المبحث الثَّاني: تكلُّف صعود (جبل عرفة).
? المبحث الثَّالث: التبرك بأشجار مكة وأحجارها، والسفر بها.
********
الفصل الرابع:
المخالفات العقديَّة بعد الحج أو العمرة وفي المدينة النبوية؛ وفيه خمسة مباحث:
? تمهيد:
وفيه الكلام على ربط زيارة (المدينة النبويَّة) بالحج.
? المبحث الأوَّل: زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الحج.
? المبحث الثاني: المخالفات في زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
? المبحث الثالث: زيارة الأماكن الأثرية في (مكة) و(المدينة).
********
الخاتمة، مع التوصيات.
********
يتبع إن شاء الله...