ثانيًا- ما اختص المتقدمون بالتأليف فيه نورده مرتبًا على النحو التالي:
1- المجموعات الحديثية الأولى:
كمدونات ابن جريج وابن إسحاق والربيع بن صبيح وسفيان الثوري وموطأ مالك ومسانيد الأئمة الأربعة فيما عدا مالكًا وغيرها مما سبق إيراده.
2- الأصول الحديثية:
التي جمع فيها أئمة الحديث البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأحاديث المعتبرة التي عول عليها من جاء بعدهم في الاحتجاج والاستدلال، وكانت مادة لهم في الترتيب والتبويب والتقريب على مناهجهم المختلفة وطرائقهم المتعددة، وقد سبق بيان هذه الكتب تفصيلًا حديثًا عن منهج المتقدمين في القرن الثالث.
3- الكتب المنتقاة من صحاح الآثار والسنن:
كمنتقى ابن الجارود، ومنتقى قاسم بن أصبغ والصحيح المنتقى لابن السكن، غير أن الأخير مجرد من الأسانيد في اختياره لأحاديث الأحكام التي قصر عليها كتابه، وقد نهج نهجه في الاقتصار على أحاديث الأحكام وتجريدها من الإسناد العلامة مجد الدين بن تيمية في أواخر هذا العهد في كتابه الذي سماه المنتقى، وشرحه الشوكاني في كتابه المشهور نيل الأوطار.
4- كتب المسانيد:
التي جمعها أئمة الحديث المتقدمون على اختلاف مناهجهم كمسند أحمد، ومسند مسدد، ومسند إسحاق بن راهويه، وغيرها مما سبق إيراده.
5- كتب سميت بكتب الصحاح:
واقتصر مؤلفوها على إيراد ما صح عندهم من الأحاديث والآثار مدعمة بأسانيدها، ومن ذلك صحيح أبي عوانة، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان.
6- كتب المستخرجات على الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما:
وهي كثيرة منها مستخرج الحافظ أبي بكر الإسماعيلي، ومستخرج الحافظ الغطريفي، ومستخرج الحافظ أبي عبد الله المعروف بابن أبي ذهل الضبي، ومستخرج الحافظ ابن مردويه وهذه الأربعة على صحيح البخاري، ومستخرج الحافظ أبي عوانة الإسفراييني، والحافظ قاسم بن أصبغ القرطبي، والحافظ محمد بن رجاء الإسفراييني، والحافظ الجوزقي، والحافظ أبي محمد أحمد الشاركي، ومستخرجات هؤلاء على صحيح مسلم، وهناك مستخرجات أخرى على غير هذه من كتب السنة، ولم يشاركهم المتأخرون في هذا النوع من التأليف إلا ما ذكر عن الحافظ العراقي من أنه أملى على المستدرك للحاكم مستخرجا لم يكمل.
7- المستدرك على الصحيح:
ولم نعرف من هذا النوع إلا كتابًا ألفه أبو عبد الله الحاكم على صحيحي البخاري ومسلم، أورد فيه الأحاديث التي تركا إيرادها في الصحيحين وهي مستوفية لشروطهما في الرواية، على ما فيه من مغامز وردت في كتب المصطلح.
8- كتب الناسخ والمنسوخ من القرآن والحديث:
وقد كان تأليفها في أول هذا العهد بأسانيدها، ومما ألف في الناسخ والمنسوخ من القرآن كتاب لأبي عبيد القاسم بن سلام، وآخر لأبي بكر بن الأنباري، وثالث لأبي جعفر بن النحاس، ومما ألف في الناسخ والمنسوخ من الحديث كتاب الناسخ والمنسوخ لأحمد بن حنبل، ومثله لأبي داود، ومثلهما لأبي بكر الأثرم، وممن كتب في الناسخ والمنسوخ مجردًا أبو الفرج الجوزي، ولا يعرف للمتأخرين مشاركة في هذا النوع من علوم الحديث.
9- كتب اختلاف الحديث:
وهي كتب وضعت لدفع ما يتوهم من تضارب بين بعض الأحاديث وبعض، أو بينهما وبين ما هو معروف من أمور الدين، ومن هذه الكتب اختلاف الحديث للشافعي، وهو من رواية الربيع بن سليمان المرادي عنه، وكتاب لابن قتيبة سماه تأويل مختلف الحديث وهو معروف متناول، ومن ذلك مؤلف لابن جرير الطبري، وآخر للإمام الطحاوي سماه مشكل الآثار وهو مطبوع ومتداول أيضًا.
ولا يعرف للمتأخرين كتابة مستقلة في هذا النوع إلا ما يقع منها في شروح الأحاديث على ما سنبينه بإذن الله في الحديث عن كتب الشروح الحديثية.
10- كتب المراسيل:
وقد اختص المتقدمون بهذا النوع، وذلك مثل كتاب المراسيل لأبي داود في جزء لطيف مرتب على الأبواب، ومثله لابن أبي حاتم أيضًا وهو مرتب على الأبواب وأما ما عرف من صلاح الدين العلائي في كتابه جامع التحصيل في أحكام المراسيل فواضح أنه خارج عن هذا النهج، فإن موضوعه حكم الاستدلال بهذا النوع من الحديث.
11- كتب الفوائد الحديثية:
وهي كثيرة من بينها فوائد تمام بن محمد الرازي وهي في ثلاثين جزءًا، وفوائد سيبويه في ثمانية أجزاء، وفوائد ابن منده، وفوائد ابن المقري وغيرها كثير ولا يعرف من هذا النوع شيء لأحد من المتأخرين.
12- كتب غريب الحديث:
وهي كتب موضوعة لشرح الألفاظ الغريبة في السنة، وقد ألف المتقدمون فيه كتبًا عديدة، منها كتاب غريب الحديث والآثار لأبي عبيد القاسم بن سلام ويقال إنه أول من ألف في غريب الحديث، وقد ذيله عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ومنها كتاب الدلائل في شرح ما أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث، ومنها كتاب غريب الحديث لأبي سليمان الخطابي، وقد انتهت هذه المؤلفات وغيرها إلى كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير الجزري الذي لا يعرف بعده مؤلف غيره في هذا الباب، إلا ما كان من اختصار السيوطي له في كتابه الدر النثير على ما سنبين ذلك في موضعه من الباب الثالث.
13- كتب الأنساب:
وهي كتب عديدة أشهرها كتاب الأنساب للسمعاني، وقد اختصره ابن الأثير الجزري في نهاية هذا العصر، واستدرك عليه ما فاته ونبه على أغلاطه في كتابه اللباب ولا يعرف للمتأخرين في هذا النوع إلا تلخيص السيوطي لكتاب اللباب لابن الأثير.
14- جمع أحاديث شيوخ مخصوصين من المكثرين:
كأحاديث سليمان بن مهران الأسدي لأبي بكر الإسماعيلي، وأحاديث الفضيل بن عياض للنسائي، وأحاديث الزهري لابن يحيى الذهلي وهي المسماة بالزهريات، ومثله للإسماعيلي، والمؤلفات عديدة في جمع أحاديث الزهري، وليس لدينا من ألف في هذا النوع من المتأخرين.
15- كتب في رواة بعض الأئمة المشهورين أو في غرائب أحاديثهم:
ككتاب تراجم رواة مالك للخطيب البغدادي، وكتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر -وهو كتاب كبير في سبعين جزءًا- وغير ذلك مما لم نعرف للمتأخرين شيئًا من التأليف فيه.
16- كتب أحاديث الأفراد:
وهي الأحاديث التي تفرد بها واحد مطلقًا أو بالنسبة إلى غيره من الثقات، أو تفرد بها أهل بلد، ومن الكتب المصنفة في ذلك كتاب الأفراد للدارقطني، وكتاب الأفراد لأبي حفص بن شاهين، وكتاب أبي داود فيما تفرد به من السنن أهل بلدة كأهل اليمامة، ولا يعرف للمتأخرين شيء في هذا النوع.
17- كتب العوالي:
وهي التي جمعت أحاديث قربت أسانيدها من النبي صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة، منها كتاب عوالي الأعمش ليوسف بن خليل الدمشقي، وعوالي عبد الرزاق للضياء المقدسي في نهاية ذلك العهد، وعوالي سفيان بن عيينة لابن منده، وعوالي مالك للحاكم.. إلى غير ذلك مما لم يعرف نظيره للمتأخرين.
18- كتب الأسانيد:
وهي كثيرة جدًّا عند المتقدمين، ومن أكبرها وأجمعها بحر الأسانيد لأبي محمد الحسن بن أحمد السمرقندي، وهو كتاب لم يؤلف مثله في ثمانمائة جزء.
ولا يفوتنا في خاتمة هذه الخواص أن نورد عن ذلك العصر، أنه الذي ذهب بشرف هذه الناحية العظيمة من الدين، من بذل الطاقات والجهود الجبارة في نقل السنة، تمهيدًا وانتقاء وجمعًا، واختيارًا وتصنيفًا وتبويبًا، ولا سيما العصر الذهبي منه وهو القرن الثالث، الذي ظهرت فيه صحاح السنة بأسانيدها التي تدفع عنها غائلة التقحم من المفسدين والمدلسين والمزورين، وكان ذلك على أيدي الأئمة الفحول البارزين، الذين هيئوا السنة لكل من أتى بعدهم، ليتسنى لخلفهم أن يعملوا فيها مجهوداتهم من التنسيق والترتيب والتبويب، ثم الشرح والتعقيب.