انتبه لما أنت مقبل عليه!
انتبه لما أنت مقبل عليه!  Ce-aoa10
فإن كانت تفصلنا ساعات قليلة عن تلك الليلة.

فقم وحاسب نفسك على ما قصرت فيه، استغفر وتب إلى الله عز وجل.

راقب أعمالك وحال قلبك وطهر قلبك من أي شرك أصغر أعتاده.

راجع قائمة معارفك ولا تجعل بينك وبين أي حد أي شحناء.

فالدنيا أهون وأحقر من ألا تكون في زمرة من سيغفر الله لهم بسبب شيء فيها!

بدأ يومه كما يبدأ كل يوم.

استيقظ.

نهض وصلى ركعتي الضحى.

وجلس يحتسي مشروبه الساخن.

أسند رأسه وأغمض عينه.

ثم انتفض!

يا إلهي.

هل انتصف شعبان؟!

 لم يكن يعرف أي يوم في شعبان اليوم.

أسرع إلى جواله، فتحه؛ وجد ما زلت على ليلة النصف ساعات!

يا إلهي! الحمد لله الحمد لله.

هذه الليلة العظيمة.      

 التي يغفل الناس عن أهم ما فيها.

«يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» (ابن حبان، صحيح ابن حبان، برقم: (481) وأحمد في مسنده، برقم: (216).

ويجعلون نقاشهم كل عام في هذا التوقيت.

هل نفردها ونميزها بصيام؟

بقيام؟

بدعاء؟

وتنتشر البدع الكثيرة في هذا التوقيت.

وينشغل الناس ويتشاحنون وتنقضي الساعات التي تفصلهم عن تلك الليلة.

وتمضي الليلة نفسها.

ويشعرون: أنِ الحمد لله أتممنا ما علينا.

وينتظرون مجيء رمضان!

هذه الليلة العظيمة.

لم يثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها هي الميعاد السنوي لرفع الأعمال.

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» (النسائي، السنن، برقم: 201 وحسنه الألباني)، وإنما ذكر الشهر كله ولم يخصص يوماُ منه.

فأعمالنا تكتب يوميًّا بواسطة المَلَكَين.

وترفع بشكل أسبوعي يومي الاثنين والخميس ففي صحيح مسلم: «تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ، ويومَ الخميسِ، فيُغفَرُ لِكُلِّ عبدٍ لا يشرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا رجلًا كانت بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناءُ، فيُقالُ: أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا، أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا، أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا!» (مسلم، صحيح مسلم، برقم: 1987) وهذا الحديث يحث على أن تراقب قلبك دائمًا.

فها هي أبواب الجنة تفتح كل أسبوع.

ويغفر الله لمن آمن به لا يشرك به شيئًا إلا من وجد بينه وبين أخيه شحناء!

أي امتلأ قلبه بالعداوة والبغضاء والحقد على أخيه.

فإن راقبت قلبك وتخلصت من كل تلك الأمراض والسموم؛ سهل عليك إن جاءت ليلة النصف فإنك تكون في زمرة المتقبلين في هذا الحديث: «يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» (ابن حبان، صحيح ابن حبان، برقم: 481 وأحمد في مسنده، برقم: 216).

والشرك هنا ليس الشرك الأكبر المخرج من الملة فقط، ولكن كل أنواع الشرك!

فالشرك الأصغر يقع فيه الكثير ولا يدرك ذلك، ومنه ما يؤدي إلى الأكبر، فمنه الظاهر في القول كالحلف بغير الله.

والقول "ما شاء الله وشئت" وإن اعتقدها وساوى مشيئته بمشيئة الله عز وجل فقد يصل به إلى الشرك الأكبر!

ومنه الفعلي كالتبرك بالأضرحة والتوسل بالموتى وتعليق التمائم التي يعتقد بأنها تحفظه من الحسد وأعين الناس!

ومنه الشرك الأصغر الخفي الذي يأكل من الحسنات والإخلاص .

الرياء!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: "وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟"، قال: «الرياء» (الترمذي، السنن، برقم: 58).

قال ابن القيم رحمه الله:
"فذلك البحر الذي لا ساحل له وقلّ من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته".

ويقول أيضًا رحمه الله في معرض كلامه عن الشرك في العبادة:
"ولكن لا يخص الله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله وسعيه، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، وهذا حال أكثر الناس.

وهو الشرك الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة»، قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟!، قال: «قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، فالرياء كله شرك» (الألباني، صحيح الأدب المفرد، برقم: 694)".

ولكن تلك الأحاديث لا تعني أن يتم إفراد تلك الليلة بعبادة معينة كقيام ودعاء وهكذا، وكان تعقيب الشيخ المنجد عنها على صفحته في توتير ما ورد من الأحاديث في قيام ليلة النصف من شعبان وصيام اليوم الخامس عشر منه كلها ضعيفة، فلا يثبت بها تأسيس عبادة، لا بقيام تلك الليلة، ولا بصيام ذلك اليوم، لكن من كان يصوم من شعبان صيامًا كثيرًا أو كان من عادته أنه يصوم الأيام البيض، أو الأثنين والخميس فإنه يصومها في شعبان كما يصومها في غيره، لا على أنه خاص بهذا اليوم وكذلك قيام الليل.

وأما حديث: «يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن» فقد ضعفه عدد من المحدثين وحسنه بعضهم، وعلى فرض صحته فإنه لا يدل على تخصيص ليلة النصف من شعبان ولا يومها بعبادة معينة وإنما يدل على إزالة الشحناء من الصدور والتصالح مع من قاطعهم المسلم من إخوانه المسلمين بلا سبب شرعي، والله تعالى أعلم".

هذه الليلة العظيمة التي تفصل بين عام بكل ما قمنا فيه من أعمال راجعين الله عزوجل أن يتقبلها ويعفو ويجبر التقصير فيها ولا يرد الصالح منها ويتجاوز عن السيء منها ويغفرها.

وبين أول دقائق في بداية صفحة الأعمال الجديدة!

فإن كنت قد قصرت في العام الذي مضى فانتبه لما أنت مقبل عليه!

وإن كانت تفصلنا ساعات قليلة عن تلك الليلة.

فقم وحاسب نفسك على ما قصرت فيه، استغفر وتب إلى الله عز وجل.

راقب أعمالك وحال قلبك وطهر قلبك من أي شرك أصغر اعتاده.

راجع قائمة معارفك ولا تجعل بينك وبين أي حد أي شحناء.

فالدنيا أهون وأحقر من ألا تكون في زمرة من سيغفر الله لهم بسبب شيء فيها!

ضع خطة العام القادم.

ما تريد تحقيقه حتى ليلة النصف من الشعبان القادمة؟ ما أول ما تريد أن يكتب في صحيفتك؟!

وتذكر أن في هذه الأيام يغفل الكثير عنها ويغفل عن العمل الصالح بها، يتدخرونه لبداية رمضان.

كأن أعمارهم وأنفاسهم وكتابهم سيتوقف حتى يأتي رمضان.

ولا يدري كل منا متى يقبض؟

وكم من حولنا لم يلحقوا رمضان وكانت تفصلهم عنه سويعات!

فلا تتبع خطوات الشيطان.

وتذكر أن الشياطين تشحذ هممها في تلك الفترة أيضًا قبل أن تسلسل وتقيد في رمضان.

فاستثمر تلك الأيام حتى رمضان فهي بداية صحيفتك الجديدة.

بلغنا الله وإياكم الشهر الكريم.

سارة خليفة
طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.

رابط المادة
http://iswy.co/e1790q