خطبــة عيــد الـفـطـر الـمـبـــارك
الـحـقــــــوق فـــــــي الإســــــلام
إبراهيــــم بن محمـــد الحقـيـــــل
غفر الله له ولوالديه وللمسلمـين
==================
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْغَفَّارِ، الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ؛ اتَّسَعَ خَلْقُهُ فَدَلَّ عَلَى عَظَمَتِهِ، وَمَضَى فِيهِمْ أَمْرُهُ فَدَلَّ عَلَى قَدَرِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَانْتَظَمَ سَيْرُ مَخْلُوقَاتِهِ فَدَلَّ عَلَى إِتْقَانِ صُنْعِهِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النَّمْلِ: 88].
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ؛ بَسَطَ يَدَيْهِ بِالْعَطَاءِ، وَتَابَعَ عَلَى عِبَادِهِ النَّعْمَاءَ، وَصَرَفَ عَنْهُمُ الضَّرَّاءَ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ رَبٍّ كَبِيرٍ عَظِيمٍ، وَسُبْحَانَهُ مِنْ رَبٍّ عَفُوٍّ غَفُورٍ رَحِيمٍ، وَسُبْحَانَهُ مِنْ رَبٍّ جَوَادٍ كَرِيمٍ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا؛ فَقَدْ مَنَّ عَلَيْنَا بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، وَهَدَانَا بِالْقُرْآنِ، وَبَلَّغَنَا رَمَضَانَ، وَأَعَانَنَا عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَفَتَحَ لَنَا أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ، وَوَعَدَنَا بِالْأَجْرِ وَالثَّوَابِ؛ فَاللَّهُمَّ رَبَّنَا اقْبَلْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَجَمِيعَ أَعْمَالِنَا، وَتَجَاوَزْ عَنْ تَقْصِيرِنَا، وَعَامِلْنَا بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ وَمَغْفِرَتِكَ، وَأَفِضْ عَلَيْنَا مِنْ بِرِّكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ، وَأَعْتِقْنَا وَوَالِدِينَا وَأَهْلَنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَأَحِبَّتَنَا مِنَ النَّارِ، وَاقْبَلْ مِنَّا وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ؛ فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [يُونُسَ: 3]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ هِدَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحُجَّتُهُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَآلٍ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَعَظِّمُوهُ وَأَحِبُّوهُ وَسَبِّحُوهُ وَكَبِّرُوهُ وَاحْمَدُوهُ وَاشْكُرُوهُ؛ فَقَدْ خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، وَعَلَّمَكُمْ مَا يَنْفَعُكُمْ وَإِلَّا لَمْ تَعْلَمُوا شَيْئًا، وَرَفَعَكُمْ فَهَدَاكُمْ وَإِلَّا لَكُنْتُمْ هَمَلًا ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 198]، ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 239].
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا النَّاسُ:
لِكُلِّ أُمَّةٍ دُسْتُورٌ وَنِظَامٌ تَسْتَمِدُّ مِنْهُ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ، وَيَعْرِفُ كُلُّ فَرْدٍ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، وَكَيْفِيَّةَ تَعَامُلِهِ مَعَ الْآخَرِينَ.
وَأُمَّةُ الْإِسْلَامِ يَسْتَمِدُّ أَفْرَادُهَا حُقُوقَهُمْ وَوَاجِبَاتِهِمْ مِنْ كِتَابِ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَهِيَ حُقُوقٌ تَمْتَازُ بِأَنَّهَا رَبَّانِيَّةُ الْمَصْدَرِ، ثَابِتَةٌ لَا تَتَغَيَّرُ، وَهِيَ رَحْمَةٌ لَا عَنَتَ فِيهَا، وَعَدْلٌ لَا ظُلْمَ فِيهَا، وَحَقٌّ لَا بَاطِلَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ».
وَأَعْظَمُ حَقٍّ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ:
حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ خَالِقُهُ وَرَازِقُهُ وَهَادِيهِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ مُحْيِيهِ وَمُمِيتُهُ وَمُجَازِيهِ، وَكُلُّ حَقٍّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الْحُقُوقَ وَأَوْجَبَهَا عَلَى الْعِبَادِ.
وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ:
إِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَعِبَادَتُهُ بِمَا شَرَعَ لَا بِهَوَى النَّفْسِ ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزُّمَرِ: 2].
وَمِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الْعَبْدِ:
حَقُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ هِدَايَتِهِ وَنَجَاتِهِ، وَذَلِكَ بِمَحَبَّتِهِ وَتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِهِ ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النِّسَاءِ:80]، ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الْحَشْرِ: 7]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
وَمِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الْعَبْدِ:
حَقُّ وَالِدَيْهِ عَلَيْهِ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الْإِسْرَاءِ:23-24].
وَفِي الْأُمِّ:
«الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا».
وَمِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الْعَبْدِ:
حُقُوقُ أَرْحَامِهِ وَقَرَابَتِهِ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ:22-23].
وَمِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الْعَبْدِ:
حُقُوقُ جِيرَانِهِ عَلَيْهِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ»، «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ»، «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
وَمِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الْعَبْدِ:
حَقُّ الزَّوْجَاتِ ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النِّسَاءِ: 19]، ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [الْبَقَرَةِ: 228]، وَسَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ قَالَ: تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ».
وَمِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الْعَبْدِ:
حُقُوقُ أَوْلَادِهِ عَلَيْهِ، بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَتَرْبِيَتُهُمْ وَتَعْلِيمُهُمْ، وَالسَّعْيُ فِي إِصْلَاحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التَّحْرِيمِ: 6].
«مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».
وَمِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الْعَبْدِ:
حُقُوقُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الْحُجُرَاتِ: 10]، «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ»، «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
وَمِنَ الْحُقُوقِ عَلَى الْعَبْدِ:
حُقُوقُ الْمُخَالِفِ لَهُ فِي الدِّينِ:
كَافِرًا كَانَ أَمْ مُبْتَدِعًا؛ فَيَدْعُو الْكَافِرَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَيَدْعُو الْمُبْتَدِعَ إِلَى السُّنَّةِ، وَيَحْرِصُ عَلَى هِدَايَتِهِمَا، وَيَجْتَهِدُ فِي إِيصَالِ الْحَقِّ لَهُمَا.
وَلَا يَعْتَدِي عَلَيْهِمَا بِلَا حَقٍّ، وَلَا يَظْلِمُهُمَا.
بَلْ يُعَامِلُهُمَا بِالْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ؛ فَأَهْلُ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ لِلْحَقِّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النَّحْلِ: 125].
تِلْكَ حُقُوقٌ شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَفَرَضَهَا وَبَيَّنَهَا، وَوَعَدَ بِعَظِيمِ الْجَزَاءِ مَنْ قَامَ بِهَا.
حُقُوقٌ تَحْفَظُ أَمْنَ النَّاسِ وَاسْتِقْرَارَهُمْ، وَتَقْضِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مَشَاكِلِهِمْ. حُقُوقٌ لَمْ تُنْتِجْهَا عُقُولُ الْبَشَرِ وَأَهْوَاؤُهُمْ، فَيُغَيِّرُوهَا بَيْنَ حِينٍ وَآخَرَ.
وَإِنَّمَا هِيَ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ؛ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَعَلَّمَنَا، وَقَدْ ضَلَّ عَنِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ كَثِيرٌ مِنَ الْبَشَرِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ رَبِّنَا وَخَالِقِنَا وَرَازِقِنَا وَحَافِظِنَا وَهَادِينَا إِلَى دِينِنَا، وَمُعَلِّمِنَا شَرِيعَتَنَا، وَالْمُنْعِمِ عَلَيْنَا، وَغَافِرِ ذُنُوبِنَا، وَقَابِلِ تَوْبَتِنَا، وَمُبَارِكِ أَعْمَالِنَا؛ فَنَحْمَدُهُ كَمَا هَدَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ عَظِيمُ الذَّاتِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، حَكِيمُ الْأَقْدَارِ وَالْأَفْعَالِ، عَلِيمٌ بِأَحْوَالِ الْعِبَادِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ الْقَائِمُونَ:
اشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى أَعْمَالِكُمُ الصَّالِحَةِ فِي رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْضُ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْكُمْ، وَتُوبُوا مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَابْقَوْا عَلَى الْعَهْدِ مَعَ رَبِّكُمْ؛ فَرَبُّنَا سُبْحَانَهُ يُعْبَدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَحَالٍ، وَتَعِسَ قَوْمٌ يُفَارِقُونَ الْمَصَاحِفَ وَالْمَسَاجِدَ بَعْدَ رَمَضَانَ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ، أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ:
لَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ تَعَالَى الْمَرْأَةَ حَقَّهَا كَامِلًا غَيْرَ مَنْقُوصٍ، وَرَفَعَهَا مِنْ حَضِيضِ الذُّلِّ وَالِاسْتِعْبَادِ إِلَى مَرَاقِي الْعِزَّةِ وَالْكَرَامَةِ، فَجَعَلَهَا أُمًّا يَجِبُ بِرُّهَا، وَزَوْجَةً تُحْسَنُ عِشْرَتُهَا، وَبِنْتًا تَجِبُ رِعَايَتُهَا، فَلَيْسَتْ مُهْمَلَةً وَلَا ضَائِعَةً مُنْذُ وِلَادَتِهَا إِلَى وَفَاتِهَا.
وَدُعَاةُ تَحْرِيرِ الْمَرْأَةِ يُرِيدُونَ نَقْلَهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي فَرَضَهَا لَهَا إِلَى حُرِّيَّةِ الْغَرْبِ الْبَائِسِ الَّذِي ضَاعَتْ فِيهِ حُقُوقُهَا لَمَّا حَرَّرُوهَا وَجَعَلُوهَا نِدًّا لِلرَّجُلِ.
فَلَا كَرَامَةَ لَهَا، وَلَا قِيمَةَ لِعِرْضِهَا وَشَرَفِهَا، بَلْ هُوَ أَرْخَصُ شَيْءٍ تَبْذُلُهُ، وَلَا رِعَايَةَ لَهَا مُنْذُ بُلُوغِهَا حَتَّى تُوَسَّدَ قَبْرَهَا، فَتَقْضِي شَبَابَهَا فِي اللَّهْوِ وَالْعَبَثِ، وَالتَّنَقُّلِ بَيْنَ أَحْضَانِ مُفْتَرِسِيهَا.
وَتَقْضِي كُهُولَتَهَا وَشَيْخُوخَتَهَا وَحِيدَةً مَعَ كَلْبِهَا أَوْ قِطَّتِهَا.
فَهَلْ حَالُهَا كَحَالِ عَجُوزٍ مُسْلِمَةٍ يَتَحَلَّقُ الْيَوْمَ أَوْلَادُهَا وَأَحْفَادُهَا عِنْدَ رِجْلَيْهَا، يُقَبِّلُونَ أَيَادِيَهَا، وَيَسْتَبِقُونَ إِلَى بِرِّهَا وَإِرْضَائِهَا، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا؟!
حَفِظَ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِنَّ عَافِيَتَهُ وَسِتْرَهُ، وَكَفَاهُنَّ شَرَّ الْأَشْرَارِ، وَمَكْرَ الْفُجَّارِ، إِنَّهُ عَزِيزٌ جَبَّارٌ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
هَذَا يَوْمُ عِيدِكُمْ، وَهُوَ يَوْمُ فَرَحٍ وَحُبُورٍ وَسُرُورٍ، وَيَوْمُ شُكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، فَافْرَحُوا بِعِيدِكُمْ بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ، وَبَرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَكْرِمُوا جِيرَانَكُمْ، وَأَدْخِلُوا الْبَهْجَةَ وَالسُّرُورَ عَلَى نِسَائِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، وَلاَ تَنْسَوا إِخْوَانَكُمْ المُضْطَهَدِينَ فِي دِينِهِمْ، المُشَرَّدِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ، أَكْرِمُوهُمْ بِعَطَائِكُمْ، وَخُصُّوهُمْ بِدُعَائِكُمْ؛ فَلَهُمْ حَقٌ عَلَيكُمْ فَأَدُّوهُ إِلَيهِمْ.
وَإِيَّاكُمْ وَالْمُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّهَا سَالِبَةُ النِّعَمِ، جَالِبَةُ النِّقَمِ، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 7].
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَعَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ صَالِحَ الْأَعْمَالِ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 56].