| دروس فضيلة الشيخ: سلمان بن فهد العودة | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: السواك في رمضان الثلاثاء 30 مايو 2017, 12:10 am | |
|
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:10 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: وقت المسلم في رمضان الثلاثاء 30 مايو 2017, 12:29 am | |
| الوقفة الثامنة عشرة وقت المسلم في رمضان ============= وقت المسلم -عمومًا- ثمين، وهو في رمضان - بالذات - أثمن وأغلى.
ولذلك وجب التنبيه إلى بعض الأمور المتعلقة بقضاء الوقت في هذا الشهر: الأول: أن بعض الناس يسهرون الليل كله في رمضان، وهذا خطأ، فلابد أن يجعل الشخص لنفسه جزءًا من الليل ينام فيه؛ لأن نوم الليل ليس كنوم النهار، وإن ساعة أو ساعتين ينامهما المرء في الليل لَتُعوَّضَانِ بدنه كثيرًا من الراحة في غيره.
الثاني: أنه ينبغي للمسلم أن يستغل وقته في رمضان في قراءة القرآن، فيقرأ في المصحف، ويقرأ عن ظهر قلب، في المسجد، وفي البيت، وفي السيارة، وفي غير ذلك من المواضع الممكنة. ويحرص على أن يختم القرآن -إن أمكن- كل ثلاثة أيام، أو كل أسبوع، أو كل عشرة أيام، أو على الأقل أن يختمه مرة في شهر رمضان كله، مع أن في ذلك تفريطًا واضحًا.
الثالث: ضرورة تجنب مجالس اللغو، فإن بعض الشباب يجتمعون بعد التراويح على سهرات دورية، يتبادلون فيها الأحاديث، وربما كثر في مجالسهم اللغو، والهزل، والضحك، بل ربما وقعوا في الغيبة والنميمة، وقول الزور... ونحوه، وهذا كله لا يليق بالمسلم في كل حين، وفي هذا الشهر على وجه الخصوص، وإنه لحرمان أن يعمل العبد شيئًا من الحسنات، ثم ينبري لإتلافها بالمعاصي والآثام.
الرابع: أن بعض الشباب يعدّون رمضان فرصة للعب واللهو، فترى مجموعات منهم يذهبون بعد صلاة العشاء، أو بعد التراويح ليلعبوا الكرة، ويضيَّعوا فيها ليلهم كله حتى وقت السحور، وربما كان فرح بعضهم برمضان من أجل هذه الفرصة، وتراهم مستعدين بالأنوار الكاشفة وغيرها من الأسباب.
ولست -بكلامي هذا- أريد أن أمنع من ممارسة الرياضة، إذا كانت بالقدر المعقول، لكنني لا أشك أن قضاء الليل كله في اللعب إهمال وتفريط، وتضييع للوقت.
وإن نوم العبد في الليل أفضل من حال أولئك الشباب، الذين يقضون ليلهم فيما لا فائدة فيه، سواء في لعب الكرة، أو مشاهدة التلفاز الذي يكون فيه من صور النساء، والموسيقى والغناء، والمسلسلات الهدامة؛ مالا ينبغي لحريص على وقته الثمين أن يضيعه فيه، فيخسر أجرًا، ويحمل وِزْرًا.
الخامس: أن كثيرًا من الشباب يقضون معظم نهارهم في النوم؛ وذلك بسبب سوء ترتيبهم لبرنامجهم اليومي، وتفريطهم في الاستزادة من الخير في هذا الموسم الجليل.
وهذه مشكلة عظيمة، يجب على المسلمين تلافيها، فلئن كان الشخص محتاجًا أن يقضي جزءًا من النهار في العمل أو الدراسة؛ فلابد أن يخصص جزءًا من الليل للنوم؛ حتى يستطيع أن يحضر الصلوات مع الجماعة، ويجعل في نهاره وقتًا لتلاوة القرآن، ولغير ذلك من القربات.
وإن من المؤسف أن ترى بعض الموظفين، ينامون في وقت العمل، وبعض الطلاب، ينامون في وقت الدراسة.
فهل الراتب الذي يتقاضاه الموظف من أجل أن ينام على مكتبه، أو من أجل أن يخدم المراجعين، ويسعى في مصالح المسلمين؟!
لا شك أنه من أجل القيام بما كُلَّف به من أعمال، فلا يجوز له أن ينام في وقت عمله.
وإن كان الكثير من الموظفين -بحمد الله- على درجة من الشعور بالمسؤولية والإحساس بالواجب، وحسن معاملة المسلمين في كل وقت، وفي شهر رمضان خاصة، ولكن هذا لا يمنع من التنبيه على خطأ طائفة قليلة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:12 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: المرأة في رمضان الثلاثاء 30 مايو 2017, 12:35 am | |
|
الوقفة التاسعة عشرة المــــــرأة في رمضان ============ "النساء شقائق الرجال" كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما ثبت للرجال ثبت للنساء، إلا بدليل، فيجب عليهن الصيام، ويستحب لهن الإكثار من تلاوة كتاب الله، والإنفاق في سبيل الله، وقيام الليل، والاجتهاد في الدعاء، وغير ذلك من القربات والطاعات.
بيد أن ثمة أمورًا خاصة بالنساء في رمضان، لعلنا نبين أهمها في هذه الوقفة...
ومن ذلك: أولاً: أن الحائض والنفساء لا تصلي ولا تصوم، ولكنها تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، كما ثبت من حديث عائشة -رضي الله عنها- الذي سبق إيراده، وهو قولها: "كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
ومن الأمور التي قد تخفى على بعض النساء في موضوع الحيض ما يتعلق باستخدام بعضهن لحبوب منع العادة في رمضان، وهذه الحبوب -وإن كنت لا أنصح باستخدامها؛ لأنها تضر في كثير من الحالات- يستعملها بعضهن؛ رغبة في الصلاة والصيام مع المسلمين، أو لأنها تريد أن تعتمر في رمضان، ودورتها تضطرب في رمضان، فتأتيها يومًا، وتذهب يومًا، فتسعى باستعمالها لهذه الأسباب إلى تنظيم العادة، والسلامة من الحرج.
فربما يظن بعضهن أنه يجب عليها قضاء الأيام التي توقفت فيها عنها العادة بسبب هذه الحبوب، ويسأل كثير منهن عن ذلك. والصواب أنه لا قضاء عليها في هذه الحال.
ثانيًا: كثير من النساء يرتدن المساجد من أجل صلاة التراويح، وهذا أمر لا بأس به، وإن كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل، لكن على كل حال إن جاءت إلى المسجد؛ لأنها لا تجيد التلاوة، أو ليكون وجود الجماعة أنشط لها ؛ فلا بأس بذلك، لكن عليها إذا خرجت إلى المسجد أن تخرج إليه بصفة شرعية، فلا يجوز لها أن تخرج وهي متعطرة، أو متجملة.
ولا يجوز أن يخضعن بالقول؛ درءًا للفتنة، ولا أن ترفع صوتها في المسجد؛ فإن ذلك أمر مذموم، وفيه إيذاء للمصلين.
كما يجب عليها إذا خرجت إلى المسجد ألا تغفل عن صبيانها، فقد يتعرضون إذا غفلت عنهم للخطر، من دعس سيارة، أو اختطاف، أوغير ذلك.
وربما يكون بين الصبيان في أثناء لعبهم شباب أكبر منهم سنًا، فقد يفسدهم بعض الخبثاء من أولئك الكبار، إما بإيقاعهم في التدخين، أو في المخدرات، أو الفاحشة، أو غير ذلك من المفاسد.
فمن الخطأ أن تشتغل الأم بنافلة عن فريضة، فإن رعاية أطفالها، والمحافظة عليهم في أخلاقهم وأرواحهم؛ واجبة عليها وعلى أبيهم كذلك.
ثالثًا: من الأخطاء التي ينبغي تحذير المرأة منها دائمًا، وفي رمضان خاصة: الغِيْبة، فإن الغيبة ذنب عظيم، وإثم كبير، بل لقد ذكر القرطبي أن الإجماع قائم على أن الغيبة من كبائر الذنوب، وقد قال الله تعالى: ( أَيحُِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهُتُمُوهُ ) [الحجرات: 12].
رابعًا: أن فرصة وجود المرأة في المسجد حَرِيّةٌ بأن يستثمرها الدعاة والمصلحون في إثارة موضوعات تخص المرأة؛ من أحكام، أو آداب، أو توجيهات، أو مواعظ، فإن النساء قلَّما تصل إليهن المواعظ، وخروجهن في رمضان أمر معروف، فينبغى استغلاله بحيث يكون الحديث موجهًا إليهن، ولو في بعض الأيام على الأقل.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:13 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: العُمْـرَة الثلاثاء 30 مايو 2017, 12:40 am | |
| الوقفة العشرون العُمْـــــــــــــــــرَة ========= عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
وهذا الفضل العظيم للعمرة عامٌّ في كل حين، وأما في رمضان فإن فضلها يتضاعف؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من حجة الوداع قال لامرأة من الأنصار اسمها أم سنان: "ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: أبو فلان -زوجها- له ناضحان، حج على أحدهما، والأخر نسقي عليه. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة، أو قال: حجة معي".
ويا له من فوز أن تكون كمن حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف معه بعرفة، وبات معه بمزدلفة، وأفاض بصحبته إلى منى، وطاف بجواره وسعى -كما هو المفهوم من ظاهر هذا الحديث-.
وإن مما يثلج الصدر أن نرى إقبال المسلمين على العمرة في هذا الشهر الفاضل.
لكن هناك أخطاء يقع فيها بعض الناس في هذا الباب، فلا مناص من التنبيه إليها، ومنها: أن بعض المعتمرين يهملون أهليهم الذين استرعاهم الله إياهم، فقد يسافر الأب والأم إلى مكة للعمرة، ويتركان أولادهما -من أجل الدراسة- في بلدهم، فيقضي الوالدان نصف رمضان أو أكثر في مكة، والأولاد طوال هذه المدة بدون رقيب، وقد يكونون من الصغار الذين لا يدركون، أو من المراهقين الذين يخشى أن ينـزلقوا في مزالق كبيرة - ذكورًا أو إناثًا-؛ بسبب استفزاز شياطين الجن والإنس لهم. وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول!
وقد يحدث الخطأ بصورة أخرى وهي أن كثيرًا من الناس يسافرون بأهليهم إلى مكة، ثم يعتكف الأب في الحرم، أو يقضي غالب وقته فيه، ويغفل تمامًا عن مراقبة أبنائه وبناته، تاركًا لهم الحبل على الغارب؛ فينتج عن ذلك من المساوئ ما يندى له الجبين. ومن مظاهر ذلك ما رأيناه - ورآه غيرنا - في أطهر بقعة من التبرج، وتضييع الحشمة لدى بعض البنات.
حقًا، إن اصطحاب الأبناء إلى البلد الحرام أمر طيب، فيه تربية لهم، وتمكين لهم من إدراك فضيلة الزمان والمكان، ومضاعفة الحسنات، فإذا كان الأب رجلاً حازمًا يستطيع أن يحافظ على رعيته فحبذا ذاك، وأما إن كان عاجزًا عن رعايتهم ومراقبتهم، وضبط تصرفاتهم؛ فليبقَ في بيته؛ طلبًا للسلامة من الفساد والضرر البالغ، الذي قد يلحق برعيته؛ فيرجع بوزرهم بدلاً من الرجوع بالثواب المضاعف.
ومنها: أن بعضًا من أئمة المساجد، ومن المصلحين: الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، والوعاظ، والموجهين؛ يتركون ثغورهم ويؤمون مكة؛ ليعتمروا ويقضوا العشر الأواخر هناك، ولا ريب أن من كان مرتبطًا بإمامة أو وعظ أو وظيفة يحتاج إليها المسلمون؛ فإن الأوجب في حقه أن يبقى على ثغره؛ فإن في ذلك من تحصيل المصالح المتعدية خيرًا كثيرًا.
وإن أبى إلا الذهاب للعمرة فليكن ذلك في مدة وجيزة يومًا أو يومين، يعود بعدها إلى مكانه؛ فإن من غير الحسن أن تخلو المساجد وغيرها من الوعاظ والمرشدين، والأئمة المؤثرين في هذا الزمان الفاضل -وخاصة العشر الأواخر-، فلينتبه الحريصون على الخير لذلك، ولينظروا إلى الأمور بميزان عادل.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:14 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: الاعتكـاف الثلاثاء 30 مايو 2017, 12:54 am | |
| الوقفة الحادية والعشرون الاعتكـــــــــــــــــــــــــــاف ============== وهو لزوم المسجد بنية مخصوصة؛ لطاعة الله تعالى، وهو مشروع مستحب باتفاق أهل العلم، قال الإمام أحمد -فيما رواه عنه أبو داود-: "لا أعلم عن أحد من العلماء إلا أنه مسنون"، ونقل عن الإمام مالك أنه قال: "تأملت أمر الاعتكاف، وما ورد فيه، وكيف أن المسلمين تركوه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتركه؛ فرأيت أنهم إنما تركوه لمشقة ذلك عليهم"، وقال -رحمه الله-: "ولم أعلم عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن"، وما قاله الإمام مالك متعقب، فإنه قد نقل عن جماعات من السلف أنهم كانوا يعتكفون.
وقال الزهري -رحمه الله-: "عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله".
سرُّ الاعتكاف: إن في العبادات من الأسرار والحكم الشيء الكثير، ذلك أن المدار في الأعمال على القلب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
وأكثر ما يفسد القلب: الملهيات، والشواغل التي تصرفه عن الإقبال على الله؛ من شهوات المطاعم، والمشارب، والمناكح، وفضول الكلام، وفضول النوم، وفضول الصحبة...، وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب، وتفسد جمعيَّته على طاعة الله، فشرع الله تعالى قربات تحمي القلب من غائلة تلك الصوارف، كالصيام - مثلاً-، الصيام الذي يمنع الإنسان من الطعام والشراب والجماع في النهار؛ فينعكس ذلك الامتناع عن فضول هذه الملذات على القلب، فيقوى في سَيْره إلى الله، وينعتق من أغلال الشهوات التي تصرف المرء عن الآخرة إلى الدنيا.
على أن هذا الامتناع عن رغبات النفس في حال الصيام امتناع معتدل، ليس فيه ما في الأديان الأخرى والمذاهب الأرضية الباطلة من الغلو، كما هو حال الذين يصومون شهرًا كاملاً ليله مع نهاره، أو يمنعون أنفسهم من الأكل والشرب والنوم عدة أيام - وربما على مدى شهور-، أو يدفنون أنفسهم في الأرض، أو يفعلون غير ذلك من صور الجور على الجسد، والغلو في منعه من رغباته.
هذا كله ليس في الإسلام، وإنما فيه صيام معتدل تحصل به تربية الجسد، وحماية القلب وتقويته، من دون إفراط أو تجاوز.
وكما أن الصيام درع للقلب يقيه مغبة صـوارف الشهوة: من فضول الطعام، والشراب، والنكاح؛ فكذلك الاعتكاف، ينطوي على سر عظيم، وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة؛ فإن الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال؛ فيصير شأنها شأن التُّخمَة بالمطعومات لدى الإنسان...
كما قال الشاعر: عدوُّك مِن صَديقكَ مُسْتَفاد فلا تَسْتَكثِرَنَّ من الصِّحَابِ فإن الـدَّاء أَكْثـرُ ما تَـرَاه يَكُون مِنَ الطعامِ أو الشَّـرابِ
وفي الاعتكاف -أيضًا- حماية للقلب من جرائر فضول الكلام؛ لأن المرء غالبًا يعتكف وحده، فيقبل على الله تعالى بالقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء.. ونحو ذلك.
وفيه –كذلك- حماية من كثرة النوم؛ فإن العبد إنما اعتكف في المسجد؛ ليتفرغ للتقرب إلى الله، بأنواع من العبادات، ولم يلزم المسجد لينام.
ولا ريب أن نجاح العبد في التخلص من فضول الصحبة، والكلام، والنوم؛ يسهم في دفع القلب نحو الإقبال على الله تعالى، وحمايته من ضد ذلك.
الجمع بين الصوم والاعتكاف: لا ريب أن اجتماع أسباب تربية القلب بالإعراض عن الصوارف عن الطاعة أدعى للإقبال على الله تعالى، والتوجه إليه بانقطاع وإخبات؛ ولذلك استحب السلف الجمع بين الصيام والاعتكاف، حتى قال الإمام ابن القيم- رحمه الله-: "ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرًا قط؛ بل قد قالت عائشة: لا اعتكاف إلا بصوم".
ولم يذكـر الله -سبحـانه- الاعتكاف إلا مع الصـوم، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم.
فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف: "أن الصوم شرط في الاعتكاف، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية"اهـ.
واشتراط الصوم في الاعتكاف نُقِل عن ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما-، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة، واختلف النقل في ذلك عن أحمد والشافعي.
وأما قول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرًا قط"؛ ففيه بعض النظر، فقد نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في شوال، ولم يثبت أنه كان صائمًا في هذه الأيام التي اعتكفها، ولا أنه كان مفطرًا؛ فالأصح أن الصوم مستحب للمعتكف، وليس شرطًا لصحته.
مع النبي صلى الله عليه وسلم في معتكفه: اعتكف صلى الله عليه وسلم في العشر الأواسط؛ يلتمس ليلة القدر، ثم تبين له أنها في العشر الأواخر فاعتكفها.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة، ويستقبل إحدى وعشرين؛ يرجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، ثم إنه أقام في شهر، جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم بما شاء الله، ثم قال: إني كنت أجاور هذه العشر، ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه، وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين، قال أبو سعيد رضي الله عنه: مُطِرْنا ليلة إحدى وعشرين، فوكف المسجد في مصلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت إليه، وقد انصرف من صلاة الصبح، ووجهه مبتل ماء وطينًا"؛ فتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وهذا من علامات نبوته.
ثم حافظ صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف في العشر الأواخر، كما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده. وفي العام الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يومًا، أي: العشر الأواسط والعشر الأواخر جميعًا...
وذلك لعدة أسباب: أولها: أن جبريل عارضه القرآن في تلك السنة مرتين؛ فناسب أن يعتكف عشرين يومًا؛ حتى يتمكن من معارضة القرآن كله مرتين.
ثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم أراد مضاعفة العمل الصالح، والاستزادة من الطاعات؛ لإحساسه صلى الله عليه وسلم بدنو أجله، كما فهم ذلك من قول الله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ تَوَّابَاً) [ النصر: 1- 3] فإن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإكثار من التسبيح والاستغفار في آخر عمره، وهكذا فعل صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يكثر في ركوعه وسجوده من قول: "سبحانك اللهم، وبحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن.
ثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك شكرًا لله - تعالى - على ما أنعم به عليه من الأعمال الصالحة: من الجهاد، والتعليم، والصيام، والقيام…، وما آتاه من الفضل: من إنزال القرآن عليه، ورفع ذكره…، وغير ذلك مما امتن الله تعالى به عليه.
هذه- والله أعلم- أبرز الأسباب التي جعلته صلى الله عليه وسلم يعتكف عشرين يومًا في العام الذي قبض فيه.
وكان صلى الله عليه وسلم يدخل معتكفه قبل غروب الشمس، فإذا أراد - مثلاً -أن يعتكف العشر الأواسط دخل المعتكف قبل غروب الشمس من ليلة الحادي عشر، وإذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل المعتكف قبل غروب الشمس من ليلة الحادي والعشرين.
أما ما ثبت في الصحيح من أنه صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ثم دخل معتكفه، فإنما المقصود أنه دخل المكان الخاص في المسجد بعد صلاة الفجر، فقد كان يعتكف في مكان مخصص لذلك، كما ورد في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية.
وكان صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه وهو معتكف في المسجد إلى عائشة -رضي الله عنها- وهي في حجرتها، فتغسله وترجَّله، وهي حائض -كما جاء في الصحيحين-، وفي مسند أحمد أنه كان يتكئ على عتبة باب غرفتها، ثم يخرج رأسه، فترجله.
وفي ذلك دليل على أن إخراج المعتكِفِ بعض جسده من المعتَكَف لا بأس به، كأن يخرج يده أو رجله أو رأسه، كما أن الحائض لو أدخلت يدها أو رجلها - مثلاً - في المسجد فلا بأس؛ لأن هذا لا يعدُّ دخولاً في المسجد.
ومن فوائد هذا الحديث- أيضًا- أن المعتكَفِ لا حرج عليه أن يتنظف، ويتطيب، ويغسل رأسه، ويسرحه، فكل هذا لا يخل بالاعتكاف.
ومما وقع له صلى الله عليه وسلم في اعتكافه ما رواه الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه، وإنه أمر بخبائه فضرب؛ أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائه فضرب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر نظر فإذا الأخبية، فقال: آلبِرَّ تُرِدْن؟، فأمر بخبائه فقوض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأول من شوال".
ومعنى قوله: "آلبر تردن"؟ أي: هل الدافع لهذا العمل هو إرادة البر، أو الغيرة والحرص على القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
والأظهر -والله أعلم- أن اعتكافه صلى الله عليه وسلم في شوال من تلك السنة بدأ بعد يوم العيد، أي في الثاني من شوال، هذا هو الأظهر، ويحتمل أن يكون بدأ من يوم العيد، فإن صح ذلك فهو دليل على أن الاعتكاف لا يشترط معه الصوم؛ لأن يوم العيد لا يُصام.
ومما وقع له صلى الله عليه وسلم في اعتكافه ما رواه الشيخان -أيضًا- أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "على رِسْلِكُما، إنما هي صفية بنت حُيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكبر عليهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم.
وفي لفظ: يجري من الإنسان مجرى الدم. وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا.
وفي لفظ: شرًا".
فمن شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على صدق إيمان هذين الأنصاريين، وخشيته أن يلقي الشيطان في قلوبهما شيئًا؛ فيشكّا في الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك كفرًا، أو يشتغلا بدفع هذه الوسوسة؛ بَيَّن صلى الله عليه وسلم الأمر، وقطع الشك، ودفع الوسواس، فأخبرهما أنها صفية - رضي الله عنها-، وهي زوجته.
هذه القصـة مما وقع له في اعتكـافه صلى الله عليه وسلم وفيهـا من الدروس ما هو جدير بالتفصيـل، لولا خشية الاستطراد عن الموضوع الذي نحن بصدده.
ملحوظات حول الاعتكاف: الأولى: أن بعض الباحثين ذهبوا إلى أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى.
والصواب أن الاعتكاف جائز في كل مسجد تُصلّى فيه الفروض الخمسة، قال الله تعالى: (وَلاَ تُباشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ في الْمَسَاجِدْ) [البقرة: 187]؛ فدل عموم قوله ( في الْمَسَاجِدْ ): على أنه جائز في كل مسجد. ويستحب أن يكون في مسجد جامع؛ حتى لا يحتاج المعتكف إلى الخروج للجمعة.
وأما حديث: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة"؛ فهو -على القول بصحته- مؤول، بمعنى أن أكمل ما يكون الاعتكاف في هذه المساجد -كما قال أهل العلم-، وقد انقدح في ذهني تأويل آخر للحديث، وهو أن يكون المراد أن من نذر أن يعتكف في مسجد يحتاج إلى سفر للوصول إليه، فإنه لا يسافر إلا أن يكون نذر الاعتكاف في شيء من المساجد الثلاثة.
فلو نذر أحد أن يعتكف مثلاً في مسجد (جُوَاثَى)- وهو أول مسجد صليت فيه الجمعة خارج المدينة المنورة، ولا يزال معروفًا في الأحساء اليوم لو نذر أن يعتكف فيه، فإنه لا يجوز أن يشدُّ الرَّحْل، ويسافر إليه؛ ليعتكف فيه، ولكن يعوض ذلك بأن يعتكف في أحد مساجد بلده، أو يسافر إلى أحد المساجد الثلاثة، ويعتكف فيه.
وإذا نذر المرء أن يعتكف في المسجد الحرام وجب عليه الوفاء بنذره، فيعتكف في المسجد الحرام. ولكن لو نذر -مثلاً- أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجوز له أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو في المسجد الحرام؛ لأن المسجد الحرام أفضل، ولو نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى جاز له أن يعتكف في المسجد الأقصى، أو في المسجد الحرام، أو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهما أفضل من المسجد الأقصى.
فالخلاصة أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة": لا اعتكاف ينذر ويسافر إليه، وأن الاعتكاف يصح في كل مسجد، وقد أجمع الأئمة -خاصة الأئمة الأربعة- على صحة الاعتكاف في كل مسجد جامع، ولم يقل بعدم صحة الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أحد من الأئمة المعروفين المتبوعين، لا الأربعة، ولا العشرة، ولا غيرهم، وإنما نقل هذا عن حذيفة رضي الله عنه وواحد أو اثنين من السلف.
الثانية: أن بعض الناس يعدون الاعتكاف فرصة للخلوة ببعض أصحابهم وأحبابهم، وتجاذب أطراف الحديث معهم، وهذا ليس بجيد.
حقًا أنه لا حرج في أن يعتكف جماعة معًا في مسجد، فقد اعتكف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه، حتى لقد كانت إحداهن معتكفةً معه، وهي مستحاضة ترى الدم وهي في المسجد، فلا حرج أن يعتكف الشخص مع صاحبه أو قريبه أو حبيبه أو صديقه، ولكن الحرج في أن يكون الاعتكاف فرصة للسمر والسهر، والقيل والقال، وما شابه ذلك.
ولذلك قال الإمام ابن القيم -بعدما أشار إلى ما يفعله بعض الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم-، قال: "فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون".
الثالثة: أن بعض الناس يترك عمله، ووظيفته وواجبه المكلف به؛ لكي يعتكف، وهذا تصرف غير سليم؛ إذ ليس من العدل أن يترك المرء واجبًا ليؤدي سنة، فيجب على من ترك عمله الوظيفي واعتكف، أن يقطع الاعتكاف، ويعود إلى عمله.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:15 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: العشر الأواخـر الثلاثاء 30 مايو 2017, 1:04 am | |
| الوقفة الثانية والعشـرون العشـــــــــر الأواخــــــــــر ============== كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، مالا يجتهد في غيرها، ومن ذلك أنه كان يعتكف فيها -كما سبق-، ويتحرَّى ليلة القدر خلالها.
وفي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها-: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر "أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشَدَّ مِئْزره".
زاد مسلم: "وَجَدَّ، وشد مِئْزَره".
قولها:
"وشد مئزره": كناية عن الاستعداد للعبادة، والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد، ومعناه التشمير في العبادات، كما يقال: شددت لهذا الأمر مئزري: أي تشمرت له وتفرغت.
وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء، وترك الجماع، وهذا هو الأقرب، فإن هذه كناية معروفة عند العرب...
كما قال الشاعر: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم دون النساء ولو باتت بأطهار
وقولها : "أحيا الليل": أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وقد جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها-الآخر: "لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى الصباح، ولا صام شهرًا كاملاً قط غير رمضان.
فيحمل قولها: "أحيا الليل"
على أنه يقوم أغلب الليل، أو يكون المعنى أنه: يقوم الليل كله، لكن يتخلل ذلك العشاء والسحور وغيرهما، فيكون المراد أنه يحصي معظم الليل.
وقولها: "وأيقظ أهله" أي:
أيقظ أزواجه للقيام. ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في سائر السنة، لكن كان يوقظهم لقيام بعض الليل، ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال:"سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟! ماذا أنزل من الخزائن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة".
وفيه كذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم يوقظ عائشة - رضي الله عنها - إذا أراد أن يوتر، لكن إيقاظه صلى الله عليه وسلم لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السَّنَةِ.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:16 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: ليلة القـدر الثلاثاء 30 مايو 2017, 1:11 am | |
| الوقفة الثالثة والعشـرون ليــــــــــــلة القــــــــــــــدر ============== أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (حم وَالْكِتبِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ في لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرين فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِندِنَا إنَّا كُنَّا مُرْسِلين رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إنّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الدخان: ا- 6].
أنزل القرآن الكريم في تلك الليلة التي وصفها رب العالمين بأنها "مباركة"، وقد صح عن جماعة من السلف: منهم ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقتادة، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وغيرهم...؛ أن الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر.
( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ): أي تقدر في تلك الليلة مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والحاج والداج( )، والعزيز والذليل، والجدب والقحط، وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة.
والمقصود بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر- والله أعلم- أنها: تنقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما-:"إن الرجل يُرَى يفرش الفرش، ويزرع الزرع، وإنه لفي الأموات"، أي أنه كتب في ليلة القدر أنه من الأموات، وقيل: إن المعنى أن المقادير تبين في هذه الليلة للملائكة.
وفي سورة القدر يقول الله سبحانه وتعالى عن هذه الليلة العظيمة: ( إنَّا أَنزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مٍنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَلُ الملائِكَةُ وَالْرُّوحُ فيِها بإِذْنِ رَبِهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) [القدر: ا- 5]، فسماها الله تعالى ليلة القدر؛ وذلك لعظيم قدرها، وجلالة مكانتها عند الله - جل وعلا-، ولكثرة مغفرة الذنوب، وستر العيوب فيها، فهي ليلة المغفرة، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه".
وقيل: إنها سميت ليلة القدر؛ لأن المقادير تُقَدَّر وتكتب فيها.
وقال الخليل بن أحمد: إنما سميت ليلة القدر؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة، من (القدر) وهو التضييق، قال تعالى: {وَأَمّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 16] أي: ضيق عليه رزقه.
قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2] تنويهًا بشأنها، وإظهارًا لعظمتها.
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أي: خير مما يزيد على ثلاث وثمانين سنة- كما سبقت الإشارة إلى ذلك- وهذا فضل عظيم لا يقدر قدره إلا رب العالمين- تبارك وتعالى-.
* تحري ليلة القدر: يستحب تحريها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه خاصةً، وفي الأوتار منها بالذات، أي ليالي: إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان".
وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى". فهي في الأوتار أحرى وأرجى إذن.
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة. أي في الأوتار.
وفي هذا الحديث دليل على شؤم الخصام والتنازع، وبخاصة في الدين، وأنه سبب في رفع الخير وخفائه.
وليلة القدر في السبع الأواخر أرجى؛ ولذلك جاء في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر".
وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند أحمد، ومن حديث معاوية رضي الله عنه عند أبي داود؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليلة القدر ليلة سبع وعشرين".
وكونها ليلة سبع وعشرين هو مذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء، حتى إن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه كان يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن زر أنه سئل عن ليلة القدر، فقال: كان عمر وحذيفة وناس من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يشكّون أنها ليلة سبع وعشرين.
ومن الأمور التي استنبط منها أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين: أن كلمة "فيها" من قوله تعالى: ( تَنَـزَّلُ المْلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) [القدر: 4] هي الكلمة السابعة والعشرون من سورة القدر.
وبعض العلماء استدلوا على أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين بطريقة حسابية، وذلك أن كلمة "ليلة القدر"، تسعة أحرف، وقد ذكرت في السورة ثلاث مرات، فبِضرْب التسعة في الثلاث تكون النتيجة سبعًا وعشرين.
وهذا ليس عليه دليل شرعي، فلا حاجة لمثل هذه الحسابات، فبين أيدينا من الأدلة الشرعية ما يغنينا. ومما يرجح أنها ليلة سبع وعشرين ما ورد : من أن رجلاً رآها ليلة سبع وعشرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها".
لكن كونها ليلة سبع وعشرين أمر غالب- والله أعلم- وليس دائمًا، فقد تكون –أحيانًا- ليلة إحدى وعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي سبق ذكره، وهو حديث متفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد صبيحة إحدى وعشرين في ماء وطين.
* ومما يتعلق بليلة القدر أنه يستحب فيها الإكثار من الدعاء، وبخاصة الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم عائشة- رضي الله عنها- حين قالت: "يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عَفُوٌّ تحب العفو فاعف عني".
* العلامات التي تعرف بها ليلة القدر: العلامة الأولى: ثبت في صحيح مسلم من حديث أُبيَّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها.
العلامة الثانية: ثبت من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند ابن خزيمة، ورواه الطيالسي في مسنده، وسنده صحيح؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها صفيقة حمراء".
العلامة الثالثة: ثبت عند الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ليلة القدر ليلة بَلْجَة، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم".
هذه ثلاثة أحاديث صحيحة في بيان العلامات الدالة على ليلة القدر.
وهناك حديث رواه أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وسنده صحيح، إلا ما يخشى من انقطاعه، لكن يشهد له ما سبق، وهو حديث طويل وعجيب، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنها: "صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعًا، ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمَى به فيها، حتى تصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ".
وقد ذكر بعض أهل العلم علامات أخرى، لا أصل لها، وليست بصحيحة، وإنما أذكرها؛ لأنبه إلى عدم صحتها: ذكر الطبري أن قومًا قالوا: إن من علاماتها أن الأشجار تسقط حتى تصل إلى الأرض، ثم تعود إلى أوضاعها الأصلية. وهذا لا يصح.
وذكر بعضهم أن المياه المالحة تصبح في ليلة القدر حلوة، وهذا لا يصح.
وذكر بعضهم أن الكلاب لا تنبح فيها، وهذا لا يصح.
وذكر آخرون أن الأنوار تكون في كل مكان، حتى في الأماكن المظلمة، في تلك الليلة، وهذا لا يصح.
* ونختم الحديث عن ليلة القدر بالأمرين التاليين: الأول: ينبغي أن يعلم أنه لا يلزم أن يعلم من أدرك ليلة القدر أنه أدركها، وإنما العبرة بالاجتهاد والإخلاص، سواء علم بها أو لم يعلم.
وقد يكون من الذين لم يعلموا بها، لكنهم اجتهدوا في العبادة والخشوع، والبكاء والدعاء؛ قد يكون مِنْهم مَنْ هم أفضل عند الله تعالى، وأعظم درجة ومنـزلة ممن عرفوا تلك الليلة.
الثاني: أن ليلة القدر ليست خاصة بهذه الأمة على الراجح، بل هي عامة لهذه الأمة، وللأمم السابقة، فقد روى النسائي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله هل تكون ليلة القدر مع الأنبياء، فإذا ماتوا رفعت؟ قـال صلى الله عليه وسلم : "كلا، بل هي باقية".
وهذا الحديث أصح من الحديث الذي رواه مالك في الموطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم أُري أعمار أمته، فكأنه تقالَّها، فأعطي ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر -وقد تقدم ذكر هذا الحديث-.
وعلى فرض صحة هذا الحديث فهو قابل للتأويل، وأما حديث أبي ذر رضي الله عنه فهو صريح في أن ليلة القدر تكون مع الأنبياء. ومما يقوي ذلك قول الله تعالى: (إِنَّا أنـزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) [القدر: 1].
فمن المعلوم أن القرآن يوم أُنْزِل أُنزِلْ بالنبوة على محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن قبل ذلك نبيًا، حتى تكون تلك الليلة ليلة القدر في حقه.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:18 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: مـع العيـد الثلاثاء 30 مايو 2017, 1:18 am | |
|
الوقفة الرابعة والعشـرون مـــــــــــــع العيــــــــــــــــد ============== العيد اسم لكل ما يعتاد، والأعياد شعارات توجد لدى كل الأمم، سواء أكانت كتابية أم وثنية أم غير ذلك؛ ذلك أن إقامة الأعياد ترتبط بفطرة، طبع الناس عليها، فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات فرح يظهرون فيها السرور، ويتذكرون الماضي.
وأعياد الأمم الكافرة ترتبط بأمور دنيوية، مثل قيام دولة، أو سقوطها، أو تنصيب حاكم، أو تتويجه، أو زواجه، أو بحلول مناسبة زمانية كفصل الربيع، أو غير ذلك.
ولليهود أعيادهم، وللنصارى أعيادهم الخاصة بهم، فمن أعياد النصارى العيد الذي يكون في الخميس الذي يزعمون أن المائدة أنزلت فيه على عيسى عليه السلام؛ وكذلك عيد ميلاد عيسى، وعيد رأس السنة (الكريزمس)، وعيد الشكر، وعيد العطاء… ويحتفلون بها الآن في جميع البلاد الأوربية والأمريكية وغيرها من البلاد التي للنصرانية فيها ظهور؛ وإن لم تكن نصرانية في الأصل، وقد يشاركهم بعض المنتسبين إلى الإسلام من حولهم عن جهل، أو عن نفاق.
وللمجوس -كذلك- أعيادهم الخاصة بهم، مثل عيد المهرجان، وعيد النيروز، وغيرهما.
وللرافضة -أيضًا- أعيادهم، مثل عيد الغدير الذي يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع فيه عليًا رضي الله عنه بالخلافة، وبايع فيه الأئمة الاثني عشر من بعده، وللرافضة في هذا العيد مصنفات كثيرة، حتى إن منها كتابًا اسمه "يوم الغدير" يقع في عشرات المجلدات.
أما المسلمون فليس لهم إلا عيدان: عيد الفطر، وعيد الأضحى. ففي سنن أبي داود والنسائي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال صلى الله عليه وسلم: "كان لكم يومان تلعبون فيهما. وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى".
ولذلك قال الشاعر: عيدانِ عند أولي النُّهى لا ثالث *** لهما لمن يبغي السلامة في غدِ الفطــر والأضحــى، وكــلُّ زيـادة *** فيها خروجٌ عَنْ سَبِيل محمـدِ
قال ذلك ردًّا على الشاعر الذي أضاف عيدًا ثالثًا، هو عيد مولد محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: المسلمون ثلاثةٌ أعيادهــم *** الفطر والأضحى وعيد المـولِدِ فإذا انتهت أعيادهم فسرورهم *** لا ينتهي أبـدًا بحـبّ محمـدِ
وهذان العيدان اللذان شرعهما الله للمسلمين هما من شعائر الإسلام التي ينبغي إحياؤها، وإدراك مقاصدها، واستشعار معانيها.
* أحكام العيد: أولاً: يحرم صوم يومي العيدين؛ لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر.
ثانيًا: يستحب الخروج للصلاة، للرجال والنساء، لقول أم عطية- رضي الله عنها- ": أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحُيَّض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين.
فما دامت الحُيَّض والعواتق، وذوات الخدور قد أُمِرن أن يخرجن لصلاة العيد؛ فلا شك أن من الأولى أن يؤمر الرجال شيبًا وشبابًا بالخروج لها، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الخروج لصلاة العيد؛ لهذا الحديث، ولغيره من الأدلة؛ كقول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحً مَنْ تَزَكَّى وَذكَرَ اسْمَ رَبِهِ فَصَلَّى) [الأعلى: 14- 15].
قال بعضهم: المقصود في هذه الآية صلاة العيد.
ثالثًا: من أحكام العيد أن الصلاة فيه قبل الخطبة، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر، وأبي سعيد، وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى قبل الخطبة.
رابعًا: يستحب للإمام أن يكبر في الصلاة سبعًا في الأولى، وخمسًا في الثانية، فقد ثبت هذا عن جماعة من الصحابة، والتابعين؛ كعمر، وعثمان، وعلي، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما ، وغيرهم.
وقد ورد في ذلك أحـاديث عدة عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ومن طريق كثير بن عبد الله المزني عن عمرو بن عوف رضي الله عنه.
لكن كل تلك الأحاديث المرفوعة لا تصح.
وإنما ثبت ذلك في آثار موقوفة.
ويجوز أن يكبر الإمام أربع تكبيرات في الركعة الأولى، وأربعًا في الثانية، فقد ثبت هذا عن جماعة من السلف، منهم ابن مسعود رضي الله عنه، كما رواه عن الفريابي وغيره، وهو مذهب الأحناف.
خامسًا: يستحب أن يقرأ الإمام في صلاة العيد بـ"ق" و"اقتربت الساعة"، كما في صحيح مسلم أن عمر رضي الله عنه سأل أبا واقدٍ الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهمـا بـ: (ق وَالْقرْآنِ الْمَجِيدِ) [ق: 1]، و(اقْتَرَبَت السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1].
وأكثر ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بـ"سبح" و"الغاشية" كما كان يقرأ بهما في الجمعة.
سادسًا: لا نافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها، كما روى الستة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم العيد، فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما.
إلا إن صلى الناس العيد في المسجد فلابد –حينئذ- من صلاة ركعتين تحية للمسجد.
* آداب العيد: أولاً: الاغتسال قبل الخروج للصلاة، فقد صحَّ في الموطأ وغيره أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى، وصح عن السائب بن يزيد، و سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قال: "سُنَّة العيد ثلاث: المشي، والاغتسال، والأكل قبل الخروج".
هذا من كلام سعيد بن جبير، ولعله أخذ ذلك عن بعض الصحابة.
وذكر النووي - رحمه الله - اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد.
والمعنى الذي يستحب بسببه الاغتسال للجمعة وغيرها من الاجتماعات العامة موجود في العيد، بل لعله في العيد أوضح.
ثانيًا: ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات؛ لما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات.
وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم.
وأما في عيد الأضحى فإن المستحب هو ألا يأكل إلا بعد الصلاة من أضحيته.
ثالثًا: التكبير في يوم العيد، قال الله تعالى: (وَلتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبرواْ اللهَ عَلَى ما هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، وقد نقل عن ابن عمر -رضي الله عنهما- من طرق، وبأسانيد صحيحة، عند البيهقي وابن أبي شيبة؛ أنه كان يكبَّـر إذا خرج من بيته إلى المصلّى.
ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلى المصلى، وإلى دخول الإمام أمرًا مشهورًا جدًا عند السلف. وقد نقله جماعة من المصنفين، كابن أبي شيبة، وعبدالرزاق، والفريابي في كتاب (أحكام العيدين)، عن جماعة من السلف. ومن ذلك أن نافع بن جبير كان يكبر، ويتعجب من عدم تكبير الناس فيقول: " ألا تكبَّرون؟! " وكان محمد بن شهاب الزهري يقول: "كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم، حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا".
فالخلاصة: أنه يشرع أن يكبر المسلم من حين خروجه من منـزله إلى أن يدخل الإمام.
رابعًا: من آداب العيد التهنئة التي يتبادلها الناس فيما بينهم، أيًّا كان لفظها، مثل قول بعضهم لبعض: عيدكم مبارك، تقبَّل الله منا ومنكم. وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة.
والتهنئة كانت معروفة عند الصحابة، ورخّص فيها أهل العلم، كالإمام أحمد وغيره، وقد ورد ما يدل عليه؛ من مشروعية التهنئة بالمناسبات، وتهنئة الصحابة بعضهم بعضًا عند حصول ما يسُرُّ، مثل: أن يتوب الله تعالى على امرئ؛ فيقومون بتهنئته بذلك، إلى غير ذلك.
والآثار المنقولة عن الصحابة التي يحتج بها على أنه لا بأس أن يهنئ الناس بعضهم بعضًا بالعيد آثار عديدة.
ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم الأخلاق، ومحاسن المظاهر الاجتماعية بين المسلمين.
وأقل ما يقال في موضوع التهنئة أن تهنئ من هنّأك بالعيد، وتسكت إن سكت، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إن هنأني أحد أجبته، وإلا لم أبتدئه".
خامسًا: التجمل بأحسن الملابس؛ لما روى البخاري عن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: أخذ عمر رضي الله عنه جبة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابتعْ هذه تجمَّلْ بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هذه لباس من لا خَلاَق له"... الحديث.
فدل ذلك على أن التجمل للعيد كان معروفًا، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمل، لكنه أنكر عليه شراء هذه الجبة؛ لأنها من حرير.
وعن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة.
وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه".
فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثياب عند الخروج للعيد.
أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن؛ لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب، وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة، فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة.. أفتُراَهُ يصح من مؤمنة أن تعصي من خرجت لطاعته، وتخالف أمره بلبس الضيق والثوب الملون الجذاب اللافت للنظر، أو مس الطيب أو نحوه؟
* تنبيهات على بعض المنكرات: أولاً: بعض الناس يعتقدون مشروعية إحياء ليلة العيد بالصلاة، ويتناقلون في ذلك حديثًا لا يصح، وهو أن "من قام ليلتي العيد محتسبًا لله؛ لم يمتْ قلبه يوم تموتُ القلوب".
وهذا الحديث جاء من طريقين، أحدهما ضعيف، والآخر ضعيف جدًا، فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بذلك من بين سائر الليالي، وأما من كان يقوم في سائر الليالي؛ فلا حرج أن يقوم في ليلة العيد.
ثانيًا: اختلاط النساء بالرجال في بعض المصليات والشوارع وغيرها، ومن المحزن أن هذا يحدث في أقدس البقع، في المساجد، بل في المسجد الحرام، فإن بعض النساء- هداهن الله- يخرجن متجملات متعطرات، سافرات، متبرجات، ويحدث في المسجد الزحام الشديد؛ وفي ذلك من الفتنة والخطر العظيم مالا يخفى.
ثالثًا: أن بعض الناس يجتمعون في العيد على الغناء؛ واللهو المحرم، وهذا لا يجوز في العيد ولاغيره ، وليس مناسبة لانتهاك المحرمات ، ولكنه مناسبة شكر لله وفرح بفضله.
رابعًا: أن بعض الناس يفرحون بالعيد؛ لأنهم تركوا رمضان، وانتهوا من الصيام، وهذا خطأ، فإن العيد إنما يفرح به المؤمنون؛ لأن الله تعالى وفقهم لإكمال عدة الشهر وإتمام الصيام، وليس الفرح بسبب إنهاء الصيام الذي يعده بعض الناس عبئًا ثقيلاً عليهم.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:20 pm عدل 2 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644
| موضوع: مع صدقـة الفطـر الثلاثاء 30 مايو 2017, 1:22 am | |
|
الوقفة الخامسة والعشرون مــــــع صدقـــــــة الفطــــــر =============== وهي فرض على الذكر والأنثى، والصغير والكبير، كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- المتفق عليه: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين".
وأما الأصناف التي تُخرِج منها صدقة الفطر، ففي حديث أبي سعيد رضي الله عنه في الصحيحين قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب".
وفي بعض الروايات -كما في صحيح ابن خزيمة-: "أو صاعًا من سُلْت".
والسُّلْت: نوع من جيد الشعير، ليس فيه قشر.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عند ابن خزيمة أنه قال: "من أدى سُلتًا قُبِلِ منه، ومن أدى دقيقًا قُبِل منه، ومن أدى سويقًا قُبِل منه"؛ ولذلك بَوَّبَ ابن خزيمة- رحمه الله- باب: "إخراج جميع الأطعمة في صدقة الفطر..".
فالصحيح أن صدقة الفطر تخرج من طعام البلد، صاعًا من قوت البلد، أيًا كان قوته.
وصدقة الفطر إنما هي للمساكين خاصة، وليست لسائر أصناف أهل الزكاة الثمانية؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صدقة الفطر: "طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين".
وهذا ما رجحه جماعة من أهل العلم، كابن تيمية، وابن القيم -رحمهما الله-.
وتؤدَّى صدقة الفطر قبل الخروج لصلاة العيد، كما في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر -رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر، قبل خروج الناس إلى الصلاة.
ومن أداها قبل العيد بيوم أو يومين فلا حرج، كما جاء في البخاري: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين".
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أُخرت عنها فإنما هي صدقة من الصدقات.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 24 أبريل 2021, 2:21 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ذكــرى الثلاثاء 30 مايو 2017, 1:56 am | |
| الوقفة التاسعة والعشرون ذكــــــــــــــــــــــــــــــــرى ========== اغتنم -يا أخي- أيام هذا الشهر الكريم، ولياليه، وساعاته؛ في الاستزادة من الخير، والإقبال على القرب، فإن العاقل الحازم لا يفرط في مواسم الخيرات، بل يهتبل الفرص، ويتعرض لنفحات الله، ويتزود ليوم الرحيل، ومن يدري - يا أخي- لعلك مكتوب في سجلَّ الموتى في هذا العام، فالبدارَ البدار، ما دمت في زمن الإمكان.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله تعالى وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. |
|
| |
| دروس فضيلة الشيخ: سلمان بن فهد العودة | |
|