بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
تعريف التربية والطفل لغةً واصطلاحاً، وحقوق المولود قبل الولادة وبعدها، وصفات المربي الناجح.
المبحث الأول: تعريف التربية والطفل لغةً واصطلاحاً.
المطلب الأول: تعريف التربية لغةً:
بالعودة الى المعاجم نجد أن كلمة تربية من الجذر ربا يربو تحمل المعاني التالية:
1) الزيادة والنمو:
ربا الشيء يربو ربواً ورباءً: زاد ونما.
وأرببته نميته (1)، وفي التنزيل: }ويربي الصدقات{ (2).
2) النشأة:
ربيب رباءً وربياً: نشأت (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر إلى أبي الحسن علي بن اسماعيل بن سيده المرسي ، المحكم والمحيط الأعظم ، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي ، جـ10/327 ، دار الكتب العلمية ، ط1/1421هـ -2000 م
- أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة هـ 395 ، معجم مقاييس اللغة، بتحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، ، جـ2/483، بيروت، دار الجيل.
- الزبيدي ، محب الدين أبي فيض السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي ، تاج العروس من جواهر القاموس ، تحقيق علي شيري ، جـ19/441، دار الفكر ، 1414هـ /1994م.
2) سورة البقرة آية 276
3) الفيروز آبادي ، القاموس المحيط ، ضبط وتوثيق يوسف الشيخ محمد البقاعي ، ص1158 ، بيروت، دار الفكر ، 1415هـ -1995 م .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن الجذر:
ربّ: يَرُبُّ تحمل المعاني الآتية:
1) حفظ الشيء ورعايته:
ربَّ ولده والصبي يَرُبُّه ربّاً بمعنى رباه.
وفي الحديث:
(لك نعمة تربها):
أي تحفظها وترعيها وتربيها كما يربي الرجل ولده (1).
2) حسن القيام بالطفل ووليه حتى يدرك:
رب ولده والصبي يربه رباً : رباه أي أحسن القيام ووليه حتى أدرك أي فارق الطفولية كان ابنه أم لم يكن (2).
3) التعليم:
الرَّبِّي : منسوب الى الرب ، الرباني الموصوف بعلم الرب ، قيل هو من الرب بمعنى التربية ، كانوا يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارهم (3).
4) التأديب:
رب الولد: يؤدبه (4).
5) التكفل بأمور الصغير:
الرابُّ كافل ، وهو زوج أم اليتيم وهو اسم فاعل ، من ربه : يربه أي أنه يكفل بأمره ، وفي حديث مجاهد ، كأن يكره أن يتزوج الرجل إمرأة رابّه، يعني أمرأة زوج أمه لأنه كان يربيه (5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر إلى ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب، جـ2/401 بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى،1410هـ –1990م.
إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيّات، حامد عبد القادلر، محمد علي النجار، المعجم الوسيط،
ص 345، ط2، 1392هـ -1972م.
2) الزبيدي ، محب الدين أبي فيض السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي ، تاج العروس من جواهر القاموس ، جـ2/6-7. ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ،لسان العرب جـ1/401
3) ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ،لسان العرب ،جـ2/44
4) إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيّات، حامد عبد القادلر، محمد علي النجار، المعجم الوسيط، ص345
5) ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ،لسان العرب ، جـ2/405
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثاني: تعريف التربية إصطلاحاً
التربية هي:
"مجموعة التصرفات العملية والقولية التي يمارسها راشد بإرادته نحو صغير ، بهدف مساعدته في اكتمال نموه وتفتح استعداداته اللازمة وتوجيه قدراته ، ليتمكن من الإستقلال في ممارسة النشاطات وتحقيق الغايات التي يعد لها بعد البلوغ ، في ضوء توجيهات القرآن والسنة" (1).
والتربية الإسلامية هي:
"تنمية جميع جوانب الشخصية الإسلامية الفكرية والعاطفية والجسدية والإجتماعية ، وتنظيم سلوكها على أساس من مبادئ الإسلام وتعاليمه ، بغرض تحقيق أهداف الإسلام في شتى مجالات الحياه" (2).
"والتربية الإسلامية ذات طابع شمولي تكاملي لجميع جوانب الشخصية الروحية والعقلية والوجدانية والإخلاقية والجسمية والإجتماعية والإنسانية ، وفق معيار الإعتدال والإتزان ، فلا إفراط في جانب دون غيره ولا تفريط في جانب لحساب آخر" (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) محب الدين أبو صالح ، مقدار بالجن ، الأستاذ عبد الرحمن النحلاوي ، دراسات في التربية الإسلامية ، ص13 ،1400هـ 1979 م
- انظر الى حلبي ، عبد المجيد طعمه ، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً ، ص 34-38 ، بيروت ، دار المعرفة ، ط1 ، 1422-2001 م
- أحمد فريد ، التربية على منهج أهل السنة والجماعة ، ص17 -19 مصر ، المكتبة التوفيقية
2) صبحي طه رشيد ابراهيم ، التربية الإسلامية وأساليب تدريسها ، ص9 عمان ، دار الأرقم للكتب ، ط1 ، 1403 – 1983 م
3) محمد خير فاطمه ، منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ ، ص 52 ، بيروت ، دار الخير ، ط1 ، 1419 هـ -1998م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثالث: تعريف الطفل لغةً
الطفل لغةً:
من الفعل الثلاثي طَفَلَ.
والطَّفل:
هو النبات الرخص، والرخص الناعم والجمع طفال وطفول .
والطفل والطفلة:
الصغيران.
والصبي يدعى طفلاً حين يسقط من بطن أمه إلى إن يحتلم (1).
وجاء في المعجم الوسيط: (2).
الطفل:
الرخص الناعم الرقيق والطفل المولود ما دام ناعماً رخصاً ، والجمع طفوله وطفال.
وفي التنزيل العزيز:
}واذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا {(3)
وقال تعالى:
}ثم نخرجكم طفلاً} (4)، {أو الطفل الذين لم يظهروا على عوارات النساء{ (5).
وهو الولد حتى البلوغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب، جـ10/401 الزبيدي ، محب الدين أبي فيض السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي ، تاج العروس من جواهر القاموس ، جـ15/433-434.
2) ابراهيم مصطفى وآخرون ،لسان العرب، ص 586-587
3) سورة النور ، آية 59.
4) سورة الحج ، آية 5
5) سورة النور ، آية 31
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الرابع: الطفل في الإصطلاح
الطفل:
هو "عالم من المجاهيل المعقدة كعالم البحار الواسع الذي كلما خاضه الباحثون، كلما وجدوا فيه كنوزاً وحقائق علمية جديدة، لا زالت منخفية عنهم وذلك لضعف وضيق إدراكهم المحدود من جهة، واتساع نطاق هذا العالم من جهة أخرى" (1).
مدة الطفولة:
"والواقع أن الطفولة البشرية تمتد سنوات لا تقل عن اثني عشر سنة، كما أن الطفولة البشرية تزداد بازدياد التقدم البشري" (2).
"والطفولة:
المرحلة من الميلاد الى البلوغ" (3).
"ومرحلة الطفولة من أهم مراحل التكوين ونمو الشخصية، وهي مجال إعداد وتدريب للطفل للقيام بالدور المطلوب منه في الحياة، ولمّا كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة ودوره في الأرض هو أكبر وأضخم دور، اقتضت طفولته مدة أطول، ليحسن إعداده وتربيته للمستقبل ومن هنا كانت حاجة الطفل شديدة لملازمة أبويه في هذه المرحلة من مراحل تكوينه" (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الله أحمد ، بناء الأسرة الفاضلة ، ص181، بيروت . دار البيان العربي ، 1410هـ، 1990م بواسطة سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية ،ص 94 ، بيروت ، المكتبة العصرية ، ط1 ، 1417ه-1997 م
(2) فاخر عامل ، معالم التربية دراسات في التربية العامة والتربية العربية ، ص 16 ، بيروت ،دار العلم ، ط5، 1983م
(3) إبراهيم مصطفى وآخرون ، الوسيط ، ص 587 .
(4) سهام مهدي جبار ، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية ، ص96ابراهيم مصطفى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثاني: حقوق المولود قبل الولادة:
المطلب الأول:
إختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح.
إن الأسرة هي الرابطة بين الرجل والمرأة والأولاد وهي أساس بناء المجتمع.
ولتكوين هذه الأسرة لابد من زواج مبني على أساس ودعائم ايمانية لإنشاء جيل واع راشد مستخلف في الأرض.
"فالزواج فطرة إنسانية ومصلحة اجتماعية للمحافظة على النوع البشري وعلى الإنسان ولسلامة المجتمع من الإنحلال الخلقي والأمراض، وهو سكن روحاني ونفساني، ويبدأ هذا الزواج باختيار الزوجة الصالحة (1).
أسس اختيار الزوجة من أجل طفل أفضل:
"هذه هي أهم خطوة في طريق بناء الأسرة، فزوجة الرجل هي رفيقة عمره وأمينة سره، وأم ولده وألصق شيء بنفسه وحسه، ولهذا كان على الزوج حين يريد ويعزم على اختيار شريكة حياته أن يتحرى عن الأسس التي تساعد على استقرار الحياة الزوجية ووقايتها من الإضطراب والإنحلال، وتمكنه من حسن اختيار شريكة حياته لأن سعادة الإنسان وتعاسته يكون رهن هذا الإختيار، الذي ينبغي ان يخضع لمنطق العقل لا لحكم الهوى، وأن يصدر عن حكمه ورويه، وذلك لأن من أكثر وأهم مشكلات الزواج يكون نتيجة التسرع في اختيار شريك أو شركة حياة دون معرفة وبحث دقيق ، فلهذا يجب بذل المزيد من الجهد في سبيل حسن اختيار الأم لما لها من أثر عميق ودور كبير في حياة الأسرة وتماسك بنيانها ، فالأم الصالحة تنشئ أطفالاً متكاملين في تكوينهم العقلي والخلقي والنفسي والجسمي" (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. ابراهيم الخطيب ، زهدي محمد عيد ،تربية الطفل في الإسلام ، ص 14-15 باختصار ، عمان ، دار الثقافة ، الدار العلمية الدولية ، ط1 ، 1423 هـ - 2002 م
(2) سهام مهدي جبار ، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية ، ص 105-106
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"والزواج عقد شراكه، الأصل بقاؤه مستمراً حتى نهاية الحياة لذلك كان من حق الطرفين اختيار شريكه ، ولذا كان من حق الفتاه أن تختار الكفؤ المناسب لها ولا يجوز لأوليائها أن يكرهوها على من لا ترغب في مشاركته حياة زوجية، أسها الأول أن يرضى الطرفان بإنشائها" (1).
عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر) فقيل يا رسول الله: كيف اذنها؟ قال: (إذا سكتت) (2).
الأسس التي يتم اختيار الزوجين بناءً عليها لقيام حياة زوجية وأسرية مستقرة (3):
1) الدين والأخلاق الحسنة.
حدَّث الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن الركيزه الأولى في بناء الأسرة وهي اختيار الزوج والزوجه ذوي الدين والخلق فقال – صلى الله عليه وسلم موضحاً ذلك:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حلبي . عبد المجيد طعمه ، التربية الإسلامية للأولاد ، منهجاً وهدفاً وأسلوباً ، ص 21.وانظر إلى كشك، عبد الحميد، بناء الأسرة المسلمة، ص33 ، دار المختار الإسلامي.
(2) أخرجه البخاري حديث برقم 6968، ، كتاب الحيل ، باب في النكاح ، انظر ابن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي ، فتح الباري شرح البخاري ، طبعة جديدة ومنقحة ومصححة ومطبوعة عن الطبعة التي حقق أصلها عبد العزيز بن باز ، محمد فؤاد عبد الباقي ، جـ12/477 ، دار مصر ، ط1 ، 1421هـ -2001م
وأخرجه مسلم ، حديث رقم 1419 ، كتاب النكاح ، باب استئذان الثيب بالنكاح بالنطق ، والبكر بالسكوت، انظر إلى ، النووي ، يحيى بن شرف، صحيح مسلم بشرح النووي ، النيسابوري ، مسلم الحجاج القشيري ، ضبط نص الصحيح ورقمت كتبه وأبوابه وأحاديثه على الطبعة التي حققها محمد فؤاد عبد الباقي ، جـ9/173 ، بيروت دار الكتب العلمية ، 1420هـ-2000 م.
(3) انظر الى سهام مهدي جبار ، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية ، ص 108.
- ابراهيم الخطيب ، زهدي محمد عيد ، تربية الطفل في الإسلام ،ص 16 .
-علوان ، عبد الله ناصح ، تربية الأولاد في الإسلام ، جـ1/38-41 ، القاهرة ، دار السلام ، ط6، 1403- هـ-1983م.
- عماره ، محمود محمد ، تربية الأولاد في الإسلام من الكتاب والسنة ، ص 30، المنصورة ، مكتبة الإيمان
- د. سميح أبو مغلي ، د.عبد الحافظ سلامه ، محمد الشناوي ، تربية الطفل في الأسلام ، ص 18 ، اليازوري ، ط1، 2001م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض) (1).
وقد وضح الرسول –صلى الله عليه وسلم– أهمية الدين في انتقاء الزوجة فهي الدعامة الأرسخ والأقوى فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: (تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) (2).
" ونقصد بالدين الفهم الحقيقي للإسلام والتطبيق العلمي السلوكي لكل فضائله الساميه ، وآدابه الرفيعة ، ونقصد كذلك الإلتزام الكامل بمنهاج الشريعة ومبادئها الخالدة على مدى الزمان والأيام " (3).
" ومما لاشك فيه أن المرأة المطيعة لزوجها ، المحبة له ، هي المرشحة أولاً وقبل غيرها للنجاح في تربية الجيل تربية صالحة فيها نفع للدين والأمة والوطن ، وهي المؤهلة لأداء الطاعة للزوج لأن ربها أمرها بذلك.
وكذلك الزوج الصالح التقي ، الوقّاف عند حدود الله هو المؤهل دون غيره ، لرعاية الزوجة المؤتمن عليها ، وهو القادر على إعطائها حقها غير منقوص مما يجعل مستقبل الأسرة زاهراً مضموناً.
وأما الجمال والنسب والحسب فهي خصال محموده شريطة أن تتوافق مع الخصلة الأساس الدين والأخلاق لأن الدين والأخلاق هو الخصلة التي تحيط تلك الخصال بسياج منيعه ودرع، وتمنع هذه الخصال من الإيقاع بالمرأة بمهاوي المهالك ، وبراثن المعاصي" (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حديث حسن غريب، أخرجه الترمذي ، انظر إلى ، المباركفوري، أبي العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ، جـ4/173، بيروت ، دار الكتب العلمية، ط1، 1422 هـ - 2001م.
(2) حديث صحيح، أخرجه البخاري ،حديث برقم 5090 كتاب النكاح ، باب الأكفاء في الدين ، انظر ابن حجر العسقلاني ، فتح البادر شرح صحيح البخاري ، جـ9/45 ومسلم حديث رقم 1466، كتاب الرضاع ، باب استحباب نكاح ذات الدين ، انظر إلى النووي، يحيى بن شرف صحيح مسلم بشرح النووي ، جـ10/44
(3) عبد الله ناصح علون ، تربية الأولاد في الإسلام ، جـ 1/38
(4) حلبي، عبد المجيد طعمه ، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً ، ص 22.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزوج والزوجه ذوي الدين والخلق فقال – صلى الله عليه وسلم موضحاً ذلك:
2) المال:
إن المتتبع لإحكام الإسلام العامة يرى أنها جامعة لخاصتيّ العاطفية والمثالية ، فلم يجعل من العاطفة الشرط الوحيد لنجاح الحياة الزوجية مهما كانت جياشة قوية ، اذ خشي الإسلام ألا تصمد العواطف العارمة أمام قسوة الحياة المادية ، وشظف العيش الشديد ، لذا عالج الإسلام الواقع البشري معالجة ميدانية واقعية أولاً ، ثم ارتفع بها نحو المثالية شيئاً فشيئاً (1).
عن فاطمة بنت قيس ذكرت للنبي –صلى الله عليه وسلم– أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباها فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم– (أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد) فكرهته، ثم قال (انكحي أسامه) فنكحته فجعل الله فيه خيراً، واغتبطت" (2).
قال النووي: " وأما إشارته – صلى الله عليه وسلم- بنكاح أسامه ، فَلِما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله فنصحها بذلك " ( 3).
إن كان الرجل تقي ذو خلق وميسور الحال فهذا جيد ، أما إذا كان كثير المال ، قليل التقوى ففي هذه الحاله يقدم التقي على كل من سواه، فميزان التقوى هو الإساس للزوج والزوجة.
3) الحسب والمكانة الاجتماعية:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حلبي ، عبد المجيد طعمه ، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً ، ص 23
(2) صحيح،أخرجه مسلم ، حديث رقم 1480 ، كتاب الطلاق، باب المطلقة البائن لا نفقة لها، انظر إلى النووي، يحيى بن شرف صحيح مسلم بشرح النووي ، جـ 10/81.
(3) النووي، يحيى بن شرف صحيح مسلم بشرح النووي ، جـ 10/85.
(4) سورة الحجرات ، آية 13.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الزواج كفعل اجتماعي يقوّي من إدراك أهمية التنوع المؤدي إلى التعاون والتعارف القائمين على أساس الوعي والفهم المتبادل بين الشعوب ،...، وإنَّ الشرائح الاجتماعية المتقاربة المستوى والعادات والأعراف قادرة على فهم بعضها أكثر من المستويات الأخرى المتباينة، وبالتالي فإنَّ فرص نجاح الحياة الزوجية بين الشرائح المتقاربة اكبر من فرص النجاح بين الشرائح المتباينة، ومع كل ذلك فهذا لا يعني أنَّ الزوجين المنتميين إلى شريحتين اجتماعيتين مختلفتين فاشلان مخفقان في حياتهما الزوجية حتماً ، فقد تنجح الحياة الزوجية بينهما لأن حكمنا الغالب الأعم وليس على المطلق" (1).
"حث النبي – صلى الله عليه وسلم – كل راغب في الزواج أن يكون الإنتقاء على أساس الأصالة والشرف والصلاح والطيب" (2).
4) الجمال:
"حب الجمال فطرة في الإنسان ،...، لذا حث الإسلام الخاطب على رؤية مخطوبته لعله يجد ميلاً تجاهها ، أو يتعرف على عيوب جسدية أو معنوية وذلك حرصاً على استقرار الحياة المستقبلية لكليهما" (3).
عن أبي هريرة –رضي الله عنه– أن رجلاً تزوج إمرأة من الأنصار فقال له –صلى الله عليه وسلم– (أنظرت اليها): قال: لا، قال: (فاذهب فانظر اليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) (4).
ولكن الرجل "في دوامة الإعجاب بالفتاة الجميلة وتحت وطأة الحب الذي يعمى ويصم، لا يرى الخاطب آثار الدماء في معارك الطلاق" (5).
إن على رأس الأسس في اختيار الزوج والزوجة التقوى والدين والأسس الأخرى مساعدة إن توفرت زاد فرصة النجاح وقل الفشل.
"إذن فتربية الأولاد في الإسلام يجب أن تبدأ أول ما تبدأ بزواج مثالي يقوم على مبادئ ثابتة لها في التربية أثر في إعداد الجيل تكوين وبناء.
[إن من] أوجد في بيته حجر الأساس الذي يبني عليه ركائز التربية القوية ودعائم الإصلاح الإجتماعي ومعالم المجتمع الفاضل، ألا وهو المرأة الصالحة" (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً ، ص 24
(2)عبد الله ناصح ، تربية الأولاد في الإسلام ، ص42
(3) المصدر السابق ، ص24
(4) صحيح أخرجه مسلم ، حديث رقم 1424 ، كتاب النكاح ، باب ندب النظر إلى وجه المرأه وكفيها لمن يريد تزوجها، انظر إلى النووي، يحيى بن شرف صحيح مسلم بشرح النووي ، جـ9/179.
(5) عمارة محمود محمد ، تربية الأولاد في الإسلام من الكتاب والسنة ، ص37
(6) علوان ، عبد الله ناصح ، تربية الأولاد في الإسلام ، ص48
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثاني: حقوق الجنين
الجنين في اللغة:
من الفعل الثلاثي جَنَنَ:
أي استتر ، وجنَّ الليل أظلم ، والجنين الولد ما دام في الرحم والجمع أجنه وأجبن(1)، وكل شيء سُتر عنك فقد جنَّ عنك (2).
والجنين عند الأطباء:
ثمرة الحمل في الرحم حتى نهاية الأسبوع الثامن ، وبعده بدعى بالحمل.
والجنين في علم الحياء:
النبات الأول في الحبة، والحيّ من مبدأ انقسام اللاقحه حتى يبرز الى الخارج (3).
قال تعالى:
}وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم{ (4).
"إن الشريعة تعتبر الجنين كائناً مستقلاً يتمتع بالحقوق الإنسانية التي يتمتع بها الآخرون دون أن يؤثر في ذلك أنه مستظل بحياة أمه داخل في كينونتها وغير منفصل عنها" (5).
من الحقوق التي تتعلق بحياء الجنين وسلامته:
1) وجهة الشارع الآباء الى اتخاذ الوسائل التي تكون بها حماية الطفل وصيانته من نزعات الشيطان عند وصفه في الرحم وذلك بالدعاء عند الجماع رجاء الولد الصالح (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ابراهيم مصطفى وآخرون، الوسيط، ص 161.
2) ابن منظور، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب ، جـ3/92.
الزبيدي ، محب الدين أبي فيض السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي ، تاج العروس من جواهر القاموس ، جـ18/113.
3) المصدر السابق، ص162.
4) سورة النجم ، آية 32.
5) العك، خالد عبد الرحمن، تربية الأبناء والبنات في ضوء القرآن والسنة، ص 30، بيروت، دار المعرفة ، ط4، 1422هـ -2001م.
6) سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 143. انظر إلى عمارة ، محمود محمد ، تربية الأولاد في الإسلام، ص71. محمد خير، فاطمه، منهج الإسلام في تربية عقيدة الناشئ ، ص 147.