حج المرأة بغير إذن زوجها
===============
السؤال: هل يجوز حج المرأة بغير إذن زوجها؟
الجواب:
على المرأة أن تستأذن زوجها في الخروج إلى الحج الفرض، وعليه أن يأذن لها ولا يمنعها إذا كانت مع رفقة مأمونة، وله أن يسافر معها، ولها أن تعجِّل بالحج إن كانت مستطيعة لتبرئ ذمتها، تمامًا كما لها أن تصليَ أول الوقت، وأما حج التطوع فله منعها منه (أخرج البخاريّ [5233] ومسلم [1341/424] عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخطب يقول: "لا يَخلُوَنَّ رجل بامرأة" أي أجنبية، لقوله: "إلا ومعها ذو مَحرَم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحرَم" فقام رجل ـ قال المصنف: لم أقف على تسميته ـ فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجةً، وإني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا. فقال: "انطلق فحُجَّ مع امرأتك".
وقد دل الحديث على تحريم الخَلوة الأجنبية، وهو إجماع.
وقد ورد في حديث:
"فإن ثالثهما الشيطان" جزء من حديث رواه الترمذيّ [1171] عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ وفيه: "ألَا لا يَخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثُهما الشيطانَ".
وقال الأرناؤوط في المسند [114]:
إسناده صحيح رجاله ثقات وهل يقوم غيرُ المَحرَم مقامَه في هذا بأن يكون معهما مَن يزيل معنى الخَلوة؟ الظاهر أنه يقوم؛ لأن المعنى المناسب للنهي إنما هو خشية أن يوقع بينهما الشيطانُ الفتنةَ.
وقال القفّال:
لا بد من المَحرَم عملًا بلفظ الحديث.
ودلّ أيضًا على تحريم سفر المرأة من غير مَحرَم، وهو مطلَق في قليل السفر وكثيره، وقد وردت أحاديث مقيِّدة لهذا الإطلاق إلا أنها اختَلَفَت ألفاظها أخرجها كلها مسلم في صحيحه كتاب [15] الحج باب [74] سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره.
ففي لفظ:
"لا تسافر المرأة مسيرة ليلة إلا مع ذي محرم".
وفي آخر:
"فوق ثلاث" وفي آخر "مسيرة يومين".
وفي آخر:
"ثلاثة أميال".
وفي لفظ "بَريد":
وفي آخر "ثلاثة أيام".
قال النوويّ:
ليس المراد من التحديد ظاهرَه، بل كل ما يسمَّى سفرًا فالمرأة منهيَّة عنه إلا بالمَحرَم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يُعمل بمفهومه.
وللعلماء تفصيل في ذلك، قالوا:
ويجوز سفر المرأة وحدها في الهجرةِ من دار الحرب والمخافةَ على نفسها ولقضاء الدَّين وردِّ الوديعة والرجوعِ من النشوز، وهذا مجمع عليه.
واختلفوا في سفر الحج الواجب، فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز للشابّة إلا مع محرم، ونُقل قول عن الشافعيّ أنها تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنًا. ولم ينهض دليله على ذلك.
قال ابن دقيق العيد:
إن قوله تعالى "ولله على الناس حِجُّ البيت" [آل عمران: 97] عموم شامل للرجال والنساء، وقوله: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" عموم لكل أنواع السفر، فتعارض العمومان.
ويجاب بأن أحاديث لا تسافر للحج إلا مع ذي محرم مخصِّص لعموم الآية، ثم الحديث عام للشابَّة والعجوز.
وقال جماعة من الأئمة:
يجوز للعجوز السفر من غير محرم.
وكأنهم نظروا إلى المعنى فخصَّصوا به العموم. وقيل: لا يخصص، بل العجوز كالشابة.
وهل تقوم النساء الثقات مقام المحرم للمرأة؟
فأجازه البعض مستدلًّا بأفعال الصحابة، ولا تنهض حجةً على ذلك لأنه ليس بإجماع.
وقيل:
يجوز لها السفر إذا كانت ذات حَشَم. والأدلة لا تدل على ذلك.
وأما أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ له بالخروج مع امرأته فإنه أخَذ منه أحمد أنه يجب خروج الزوج مع زوجته إلى الحج إذا لم يكن معها غيره.
وغير أحمد قال:
لا يجب عليه، وحمَل الأمرَ على الندب.
قال:
وإن كان لا يُحمل على الندب إلا لقرينة عليه، فالقرينة عليه ما عُلم من قواعد الدين أنه لا يجب على أحد بذلُ منافع نفسه لتحصيل غيره ما يجب عليه.
وأخذ من الحديث أنه ليس للرجل منعُ امرأته من حج الفريضة؛ لأنها عبادة قد وجبت عليها، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، سواء قلنا إنه على الفور أو التراخي، أما الأول فظاهر.
قيل:
وعلى الثاني أيضًا، فإن لها أن تسارع إلى براءة ذمتها كما أن لها أن تصليَ أول الوقت وليس له منعها، وأما ما أخرجه الدارقطنيّ من حديث ابن عمر مرفوعًا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يؤذن لها في الحج: "ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها" فإنه محمول على حج التطوع جمعًا بين الحديثين، على أنه ليس في حديث الكتاب ما يدل أنها خرَجَت من دون إذن زوجها.
وقال ابن تيمية:
إنه يصح الحج من المرأة بغير مَحرَم ومن غير المستطيع، وحاصله أن من لم يجب عليه لعدم الاستطاعة مثل المريض والفقير والمعضوب والمقطوع طريقه والمرأة بغير محرم وغير ذلك إذا تكلَّفوا شهودَ المَشَاهِدِ أجزأهم الحج، ثم منهم من هو مُحسن في ذلك كالذي يحج ماشيًا، ومنهم من هو مسيء في ذلك كالذي يحج بالمسألة والمرأةِ تحج بغير مَحرَم، وإنما أجزأهم لأن الأهلية تامة، والمعصية إن وقَعَت فهي في الطريق لا في نفس المقصود. سبل السلام 2/701 ـ 702).