منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الطــلاق بدون شهـود

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الطــلاق بدون شهـود Empty
مُساهمةموضوع: الطــلاق بدون شهـود   الطــلاق بدون شهـود Emptyالثلاثاء 28 مارس 2017, 11:27 pm

الطــلاق بدون شهـود
============
السؤال: تزوجت من شاب طيّب إلا أنه طلّقني ثلاث مرات، يندم كل مرة ويعود، وهو الآن نادم أشدّ الندم عما فعل ويريد العودة إليَّ، والطلقاتُ الثلاث كانت تتمّ بدون حضور شهود بيننا، نرجو بيان شيء من أحكام الطلاق.

الجواب
لا جدوى للندم في مثل هذه الحالة، فلقد أعطى الله للزوج ثلاثَ فرص للرجوع ولكنه لم يحافظ عليها، وأما من ناحية الشهود فإن الطلاق لا يُشترط فيه وجود الشهود.

وكان الأَولَى بهذا الزوج أو الأب أن يراجع نفسه ويسيطر عليها قبل أن يتصرف هذا التصرف الأحمق، أمَا وقد وقع التصرف الأحمق بالفعل فلا يحقّ له أن يعود إليكِ مرة أخرى إلا إذا تزوجتِ رجلًا غيره وطُلِّقتِ منه.

(وقال طائفة من العلماء بوجوب الإشهاد على الطلاق والرجعة لِمَا روى أبو داود [2186] وابن ماجه [2025] عن عمران بن حصين ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يُشهد على طلاقها ولا رجعتها، فقال: طُلِّقَت لغير سُنّة ورَجَعَت لغير سُنّة، أَشهِدْ على طلاقها وعلى رجعتها ولا تَعُدْ. وصححه الألبانيّ في صحيح أبي داود [1915].

وقال ابن جريج: كان ابن عطاء يقول: "وأَشهِدوا ذَوَي عدلٍ منكم" [الطلاق: 2] لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهِدَا عدلٍ كما قال الله عز وجل، إلا أن يكون من عذر. تفسير ابن كثير، تفسير سورة الطلاق).

أما عن أحكام الطلاق فقد قال الحق سبحانه وتعالى: (الطلاقُ مرّتانِ فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ ولا يَحِلّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهنَّ شيئًا إلَّا أن يَخافَا ألَّا يُقيمَا حدودَ اللهِ فإن خفتم ألَّا يُقيمَا حدودَ اللهِ فلا جناحَ عليهما فيما افتَدَت به تلك حدودُ اللهِ فلا تَعتَدُوها ومن يَتَعَدَّ حدودَ اللهِ فأولئك هم الظالمون) (البقرة: 229).

الطلاق مأخوذ من التحرر والانطلاق، فكأن الطلاق حَلَّ عقدة كانت موجودة وهي عقدة النكاح، ونحن نعلم أن عقدة النكاح هي العقدة التي جعلها الله عقدًا مغلَّظًا أو ميثاقًا غليظًا.

(سبب نزول الآية، قال القرطبيّ [3/126]: ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد، وكانت عندهم العدة معلومة مقدرة، وكان هذا في أول الإسلام بُرهةً؛ يطلِّق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق فإذا كادت تَحلُّ من طلاقه راجَعَها ما شاء، فقال رجل لامرأته على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا آوِيكِ ولا أدَعُكِ تَحلِّينَ. قالت: وكيف؟ قال: أطلِّقكِ فإذا دنَا مُضيُّ عدَّتكِ راجعتُكِ. فشَكَت المرأة ذلك إلى عائشة، فذكرت ذلك للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأنزل الله تعالى هذه الآية بيانًا لعَدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يَرتجع دون تجديد مهر ووليّ، ونسَخ ما كانوا عليه.

قال معناه عروة بن الزبير وقتادة وابن زيد وغيرهم.

وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم: المراد بالآية التعريف بسُنّة الطلاق؛ أي من طلَّق اثنَتَين فليَتَّق الله في الثالثة، فإما ترَكها غيرَ مظلومة شيئًا من حقِّها وإما أمسَكَها مُحسنًا عشرتَها. والآية تَتضمن هذَين المعنَيَين.

تعريف الطلاق:
قال في الفتح [10/435]: الطلاق في اللغة: حلّ الوثاق. مشتقّ من الإطلاق، وهو الإرسال والترك. وقال إمام الحرمين: هو لفظ جاهليّ ورَد الشرع بتقريره.

وقال القرطبيّ [3/126]: الطلاق هو حلّ العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة.

وقال الشيخ سيد سابق في فقه السنة [2/278]: هو حلّ رابطة الزواج وإنهاء العلاقة الزوجية.

حُكمه
منه ما هو محرّم بالكتاب والسنة والإجماع ومنه ما ليس بمحرّم، فالطلاق المباح باتفاق العلماء هو أن يطلّق الرجل امرأته طلقة واحدة إذا طهُرت من حيضتها بعد أن تغتسل وقبل أن يطأها، ثم يَدَعَها فلا يطلقَها حتى تَنقضيَ عدَّتُها، وهذا الطلاق يسمَّى طلاق السُّنَّة.

فإن أراد أن يَرتجعها في العدة فله ذلك بدون رضاها ولا رضا وليِّها ولا مهر جديد.

وإن تركها حتى تقضيَ العدة فعليه أن يسرِّحها بإحسان فقد بانت منه.

فإن أراد أن يتزوجها بعد انقضاء العدة جاز له ذلك، لكن يكون بعقد، كما لو تزوجها ابتداءً.

وإن كانت المرأة ممَّن لا يَحِضْنَ لصِغَرِها أو كِبَرِها فإنه يطلّقها متى شاء، سواء كان يَطَأُها أو لم يكن يَطَأُها، فإن هذه عدتها ثلاثة أشهر.

الطلاق المحرَّم باتفاق العلماء هو أن يطلِّق الرجل امرأته في الحيض أو بعد أن وَطِئَها وقبل أن يتبيَّن حملُها، فهذا الطلاق محرَّم، ويُسمَّى "طلاقَ البدعة" وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع.

وإن طلَّقها ثلاثًا في طُهر واحد بكلمة واحدة أو كلمات، مثل أن يقول "أنتِ طالق ثلاثًا" أو "أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق" ونحو ذلك من العبارات، فهذا للعلماء فيه ثلاثة أقوال، ورابع محدَث مبتَدَع:
الأول: أنه طلاق مباح لازم. وهو قول الشافعيّ وأحمد في الرواية القديمة عنه.

الثاني: أنه طلاق محرَّم لازم. وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في الرواية المتأخرة عنه، اختارها أكثر أصحابه، وهذا القول منقول عن كثير من السلف.

الثالث: أنه محرَّم ولا يلزم منه إلا طلقة واحدة. وهذا القول منقول عن طائفة من السلف والخلف.

الرابع: أنه لا يلزمه شيء. وهو الذي قاله بعض المعتزلة والشيعة، ولا يُعرف عن أحد من السلف لمزيد من التفصيل راجع فتاوى ابن تيمية [33/5ـ 9].

الألفاظ التي يقع بها الطلاق
قال ابن حزم: لا يقع طلاق إلا بلفظ من أحد ثلاثة ألفاظ، إما الطلاق وإما السَّراح وإما الفراق، مثل أن يقول "أنت طالق" أو يقول "مطلَّقة" أو "قد طلَّقتك" أو "أنت طالقة" أو "أنت الطلاق" أو "أنت مسرَّحة" أو "قد سرَّحتك" أو "أنت السَّرَاح" أو "أنت مفارَقة" أو "قد فارقتك" أو "أنت الفراق" هذا كله إذا نوَى به الطلاق، برهان ذلك قوله عز وجل: "ثم طَلَّقتُموهنَّ" [الأحزاب: 49] وقوله تعالى: "فطَلِّقُوهنَّ" [الطلاق: 1] وقوله تعالى: "وللمطلَّقات متاعٌ" [البقرة: 241] وقوله تعالى: "وسرِّحوهنَّ سراحًا جميلًا" [الأحزاب: 49].

وقوله تعالى: "فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ" [البقرة: 229] وقوله تعالى: "فأمسِكوهنَّ بمعروفٍ أو فارِقوهنَّ بمعروفٍ" [الطلاق: 2] وقوله تعالى: "وإن يَتفرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا من سَعَتِه" [النساء: 130] لم يذكر الله تعالى حِلَّ الزوج للزوجة إلا بهذه الألفاظ، فلا يجوز حلُّ عقدة عُقدَت بكلمة الله عز وجل وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بما نصّ الله عز وجل عليه "ومن يَتعدَّ حدودَ الله فقد ظلَم نفسَه" [الطلاق: 1].

وأما قولنا: إن نوى مع ذلك الطلاق. فلقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى".

وأما ألفاظ "السراح والفراق" فإنها تقع في اللغة التي بها خاطبنا الله عز وجل في شرائعه على حلِّ عقد النكاح، وعلى معانٍ أُخَرَ وقوعًا مستويًا، ليس معنًى من تلك المعاني أحقَّ بتلك اللفظة من سائر تلك المعاني، فيكون "أنت مسرَّحة" أي: أنت مسرَّحة للخروج إذا شئت. وبقوله "قد فارقتك، وأنت مفارَقة" في شيء مما بينهما ما لم توافقه فيه؛ فلما كان ذلك كذلك لم يجُز أن يُحكم بحلّ عقد صحيح بكلمة الله عز وجل بغير يقين ما يوجب حلَّها، وبالله تعالى التوفيق. المحلَّى [11/ 493، 494 مسألة 1960].

وقال الدكتور عبد الكريم زيدان: إن الصيغة الصريحة في الطلاق تكون باللفظ الصريح الدال عليه أو بما يقوم مقامه في هذه الدلالة.

فما هو اللفظ الصريح في الطلاق؟
قال صاحب "مغني المحتاج": وهو ما لا يَحتمل ظاهرُه غيرَ الطلاق مغني المحتاج في فقه الشافعيّ [3/279].

وقال صاحب "كشاف القناع" في تعريفه الصريحَ في الطلاق هو: ما لا يَحتمل غيرَه بحسَب الوضع العرفيّ كشاف القناع في فقه الحنابلة [3/147].

ومثله في شرح الأزهار في فقه الزيدية [2/381] وفي "الهداية" في فقه الحنفية في تعريف اللفظ الصريح في الطلاق: هو الذي يستعمل في الطلاق ولا يستعمل في غيره الهداية [3/44].

ويوضح ذلك الإمام علاء الدين الكاسانيّ بقوله: الألفاظ التي يقع بها الطلاق في الشرع نوعان، صريح وكناية، أما الصريح فهو اللفظ الذي لا يستعمل إلا في حلِّ قيد النكاح، وسُمِّيَ هذا النوع صريحًا لأن الصريح في اللغة اسم لما هو ظاهر المراد مكشوف المعنى عند السامع البدائع للكاسانيّ [3/101].

وفي ضوء ما ذكرنا من تعاريفَ لِلَّفظ الصريح في الطلاق يمكن القول بأن اللفظ الصريح في الطلاق هو: اللفظ الذي لا يُستعمل إلا في حلِّ عقدة النكاح في عرف من نطَق به والسامع له والموجَّه إليه، بناء على الوضع اللغويّ لهذا اللفظ، أو بناء على العرف العام عند الناس في استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى.

طلاق السنة وطلاق البدعة
الطلاق منه طلاق سُنّة أباحه الله تعالى وطلاق بدعة حرَّمه الله، فطلاق السنة أن يطلِّقها طلقة واحدة إذا طهُرت من الحيض قبل أن يجامعها أو يطلقها حاملًا قد تبيّن حملها.

فإن طلَّقها وهي حائض أو وَطِئَها وطلَّقها بعد الوطء قبل أن يتبيَّن حملها فهذا طلاق محرَّم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.

وتنازع العلماء: هل يَلزَم أو لا يَلزَم؟ على قولين، والأظهر أنه لا يلزم.

وإن طلَّقها ثلاثًا بكلمة أو بكلمات في طُهر واحد قبل أن يراجعها، مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثًا، وأنت طالق ألف طلقة، أو أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق.

ونحو ذلك من الكلام فهذا حرام عند جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه.

وكذلك لو طلَّقها ثلاثًا قبل أن تنقضيَ عدتها فهو أيضًا حرام عند الأكثرين، وهو مذهب مالك وأحمد في ظاهر مذهبه.

وأما "السُّنَّة": إذا طلَّقها طلقة واحدة لم يطلِّقها الثانية حتى يراجعها في العدة أو يتزوجها بعقد جديد بعد العدة، فحينئذ له أن يطلقها الثانية، وكذلك الثالثة، فإذا طلقها الثالثة كما أمر الله ورسوله حرُمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره.

وأما لو طلقها "الثلاث" طلاقًا محرَّمًا مثل أن يقول لها: أنتِ طالق ثلاثًا. جملةً واحدة فهذا فيه قولان للعلماء:
أحدهما: يَلزمه الثلاث.
والثاني: لا يَلزمه إلا طلقة واحدة، وله أن يرتجعها في العدة ويَنكِحَها بعقد جديد بعد العدة.

وهذا قول كثير من السلف والخلف، وهو قول طائفة من أصحاب مالك وأبى حنيفة وأحمد بن حنبل، وهذا أظهر القولين لدلائل كثيرة، منها ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال: كان الطلاق الثلاث على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، واحدةً أخرجه مسلم [1472/ 15 ـ 17].

ومنها ما رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد جيد عن ابن عباس أن رُكانة بن عبد يزيد طلَّق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، وجاء إلى النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "إنما هي واحدة" ورَدَّها عليه.

وهذا الحديث قد ثبَّته أحمد بن حنبل وغيره رواه أحمد في المسند [1/265] وقال الشيخ شاكر [2387]: إسناده صحيح. ورواه أبو داود [2208] وابن ماجه [2051] وضعفه الألبانيّ في ضعيف أبي داود [481] وانظر الإرواء [7/139].

وسبب ذلك أن الأصل في الطلاق الحظرُ وإنما أُبيح منه قدرُ الحاجة، كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمُهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا. فيقول: ما صنعتَ شيئًا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرّقتُ بينه وبين امرأته" قال: "فيُدنيه منه ويقول: نَعَم أنت" أخرجه مسلم [2813/ 67].

وقد قال تعالى في ذم السحر: "فيَتعلَّمون منهما ما يُفرِّقون به بين المرءِ وزوجِه". وفي السنن عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن المختلِعات والمنتزِعات هنَّ المنافقات" رواه أحمد في المسند [2/414] والنسائيّ في المجتبَى [3461] عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وصححه الألبانيّ في صحيح النسائيّ [3238] ورواه الطبريّ في التفسير [2/467] والطبرانيّ في الكبير [17/935] عن عقبة بن عامر الجُهَنيّ رضي الله تعالى عنه. وذكره الهيثميّ في الزوائد [5/8] وقال: رواه الطبرانيّ، وفيه قيس بن الربيع، وثَّقه الثوريّ وشعبة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وفي السنن أيضًا عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "أيُّما امرأة سألت زوجَها الطلاقَ من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أحمد في المسند [5/277، 283] وأبو داود [2226] والترمذيّ [1187] وابن ماجه [2055] وابن الجارود في المنتقى [748] وابن حبان [4184] وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. والبيهقيّ في السنن الكبرى [14860] من حديث ثوبان مرفوعًا بلفظ: "أيُّما امرأة سألت زوجَها طلاقًا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" وهذا لفظ أبي داود. وصحّحه الألبانيّ في صحيح سنن أبي داود [1947].

ولهذا لم يُبَحْ إلا ثلاث مرات، وحرُمت عليه المرأة بعد الثالثة حتى تنكح زوجًا غيره، وإذا كان إنما أُبِيحَ للحاجة فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باقٍ على الحظر.

طلاق البدعة هل يقع؟
الطلاق المحرَّم الذي يسمَّى "طلاق البدعة" إذا أوقعه الإنسان هل يقع أم لا؟ فيه نزاع بين السلف والخلف، والأكثرون يقولون بوقوعه مع القول بتحريمه.

وقال آخرون: لا يقع. مثل طاووس وعكرمة وخلاس بن عمرو ومحمد بن إسحاق وحجاج بن أرطأة وأهل الظاهر كداود وأصحابه وطائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد ويروى عن أبي جعفر الباقر وجعفر ابن محمد الصادق وغيرهما من أهل البيت وقع في الأصل: "وخلاس وعمر" والصواب المُثبَت، وهو من رجال الستة، ثقة وكان يُرسِل. التقريب [1780] المحلَّى [مسألة 1953] زاد المعاد [5/221ـ 241].

والذين لا يَرَونَ الطلاق المحرَّم لازمًا يقولون: هذا هو الأصل الذي عليه أئمة الفقهاء، كمالك والشافعيّ وأحمد وغيرهم، وهو أن إيقاعات العقود المحرَّمة لا تقع لازمة، كالبيع المحرم والنكاح المحرم والكتابة المحرمة، ولهذا أبطلوا نكاح الشغار ونكاح المحلّل، وأبطل مالك وأحمد البيع يوم الجمعة عند النداء.

وهذا بخلاف الظهار المحرَّم فإن ذلك نفسه محرَّم، كما يحرم القذف وشهادة الزور واليمين الغموس وسائر الأقوال التي هي في نفسها محرَّمة، فهذا لا يمكن أن ينقسم إلى صحيح وغير صحيح، بل صاحبها يستحق العقوبة بكل حال، فعُوقبَ المظاهِرُ بالكفارة ولم يحصل ما قصده به من الطلاق، فإنهم كانوا يقصدون به الطلاق، وهو موجَب لفظه، فأبطل الشارع ذلك لأنه قول محرَّم وأوجَبَ فيه الكفارة.

أما الطلاق فجنسه مشروع، كالنكاح والبيع، فهو يَحلّ تارة ويحرم تارة، فينقسم إلى صحيح وفاسد، كما ينقسم البيع والنكاح.

والنهيُ في هذا الجنس يَقتضي فسادَ المنهيّ عنه، ولما كان أهل الجاهلية يطلِّقون بالظهار فأبطل الشارع ذلك لأنه قول محرَّم كان مقتَضَى ذلك أن كل قول محرَّم لا يقع به الطلاق، وإلا فهم كانوا يقصدون الطلاق بلفظ الظهار كلفظ الحرام.

وهذا قياس أصل الأئمة، مالك والشافعيّ وأحمد، ولكن الذين خالفوا قياس أصولهم في الطلاق خالفوه لما بلغهم من الآثار، فلما ثبت عندهم عن ابن عمر أنه اعتدَّ بتلك التطليقة التي طلَّق امرأته وهي حائض قالوا: هو أعلم بقصته. فاتَّبَعوه في ذلك.

ومن نازَعَهم يقول: ما زال ابن عمر وغيره يَروُون أحاديثَ ولا تأخذ العلماء بما فَهموه منها، فإن الاعتبار بما رَوَوه لا بما رأوه وفَهِموه. وقد ترك جمهور العلماء قولَ ابن عمر الذي فسَّر به قوله: "فاقدِرُوا له" جزء من حديث أخرجه البخاريّ [1906] من حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ مرفوعًا بلفظ: "لا تصوموا حتى تَرَوا الهلال، ولا تُفطروا حتى تَرَوه، فإن غُمَّ عليكم فاقدِرُوا له". ومسلم [1080/ 3] وترك مالك وأبو حنيفة وغيرهما تفسيره لحديث "البَيِّعان بالخيار" جزء من حديث أخرجه البخاريّ [2079] من حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ مرفوعًا بلفظ: "البَيِّعان بالخيار ما لم يَتفرَّقا" أو قال: "حتى يَتفرَّقا، فإن صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لهما في بيعهما، وإن كَتَمَا وكَذَبَا مُحِقَت بركةُ بَيعهما" ومسلم [1531/ 43] مع أن قوله هو ظاهر الحديث.

وترك جمهور العلماء تفسيره لقوله: "فَأْتُوا حَرْثَكم أنَّى شئتم" وقوله: نزلت هذه الآية في كذا. وكذلك إذا خالف الراوي ما رواه، كما ترك الأئمة الأربعة وغيرُهم قولَ ابن عباس أن بَيعَ الأَمَةِ طلاقُها، مع أنه روَى حديث بَرِيرة وأن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ خيَّرها بعد أن بِيعَت وعَتِقَت جزء من حديث أخرجه البخاريّ [5283] فإن الاعتبار بما رَوَوه لا ما رأوه وفَهِموه.

الطلاق الذي يقع
والطلاق الذي يقع بلا ريب هو الطلاق الذي أذِن الله فيه وأباحه، وهو أن يطلِّقها في الطُّهر قبل أن يَطأها أو بعد ما يَبِينُ حملُها طلقةً واحدة يجدر الإشارة إلى أن فضيلة الشيخ الإمام محمد متولي الشعراويّ حفظه الله تعالى يأخذ برأي الجمهور في هذه المسألة ويقول بوقوعه مع القول بتحريمه فأما الطلاق المحرَّم، مثل أن يطلِّقها في الحيض أو يطلِّقها بعد أن يَطأها وقبل أن يَبِينَ حملُها، فهذا الطلاق محرَّم باتفاق العلماء.

وكذلك إذا طلَّقها ثلاثًا بكلمة أو كلمات في طُهر واحد فهو محرَّم عند جمهور العلماء.

وتنازعوا فيما يقع بها، فقيل: يقع بها الثلاث.

وقيل: لا يقع بها إلا طلقة واحدة... وهذا هو الأظهر الذي يدل عليه الكتاب والسنة، كما قد بُسط في موضعه.

وكذلك الطلاق المحرَّم في الحيض وبعد الوطء: هل يلزم؟ فيه قولان للعلماء، والأظهر أنه لا يَلزم كما لا يَلزم النكاح المحرَّم والبيع المحرَّم. وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة أخرجه مسلم [1472/ 15ـ 17] بلفظ: كان الطلاق على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وسنتَين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر ابن الخطاب: إن الناس قد استعجَلوا في أمر قد كانت لهم فيه أنَاةٌ، فلو أمضَيناه عليهم! فأمضاه عليهم وثبت أيضًا في مسند أحمد أن رُكانة بن عبد يزيد طلَّق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "هي واحدة" رواه أحمد في المسند [1/265] وقال الشيخ شاكر [2387]: إسناده صحيح. وأبو داود [2208] وضعّفه الألبانيّ في ضعيف أبي داود [481] وانظر: الإرواء [2063].

ولم يثبت عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ خلاف هذه السنة، بل ما يخالفها إما أنه ضعيف بل مرجوح، وإما أنه صحيح لا يدل على خلاف ذلك، كما قد بُسط ذلك في موضعه. والله أعلم. فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، كتاب الطلاق 33/ 70 ـ 71.

طلاق الحائض
ومَنشَأ النزاع فيه أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعمر بن الخطاب لما أخبره أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض: "مُره فليُراجِعْها، حتى تحيض، ثم تطهُر، ثم تحيض، ثم تطهُر" فمن العلماء من فَهِم من قوله "فليُراجِعْها" أنها رجعة المطلقة وبَنَوا على هذا أن المطلقة في الحيض يؤمَر برجعتها مع وقوع الطلاق.

وهل هو أمر استحباب أو أمر إيجاب؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد. والاستحباب مذهب أبي حنيفة والشافعيّ، والوجوب مذهب مالك.

وهل يطلِّقها في الطهر الأول الذي يَلي حيضة الطلاق أو لا يطلِّقها إلا في طهر من حيضة ثانية؟ على قولين أيضًا، هما روايتان عن أحمد، ووجهان في قول أبي حنيفة.

وهل عليه أن يطأها قبل الطلاق الثاني؟ جمهورهم لا يوجبه، ومنهم من يوجبه، وهو وجه في مذهب أحمد، وهو قويّ على قياس قول من يوقع الطلاق، لكنه ضعيف في الدليل.

وتنازعوا في علة منع طلاق الحائض، هل هو تطويل العدة كما يقول أصحاب مالك والشافعيّ وأكثر أصحاب أحمد؟ أو لكونه حالَ الزهد في وطئها فلا تطلق إلا في حال رغبة في الوطء لكون الطلاق ممنوعًا لا يباح إلا لحاجة، كما يقول أصحاب أبي حنيفة وأبو الخطاب من أصحاب أحمد؟ أو هو تعبد لا يُعقل معناه كما يقوله بعض المالكية؟ على ثلاثة أقوال.

وفي الصحيح عن عمران بن حصين أن رجلًا أعتق ستة مملوكين فجزّأهم النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاثة أجزاء، فأعتَقَ اثنَين ورَدَّ أربعة للرِّقِّ أخرجه مسلم [1668/ 56] بلفظ أن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجزّأهم أثلاثًا ثم أقرَع بينهم، فأعتَقَ اثنَين وأرَقَّ أربعة، وقال له قولًا سديدًا.

وفي السنن عن ابن عباس أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ردَّ زينبَ على زوجها أبي العاص بالنكاح الأول رواه أبو داود [2240] بلفظ: رَدَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابنتَه زينبَ على أبي العاص بالنكاح الأول، لم يُحدِثْ شيئًا. وصححه الألبانيّ في صحيح أبي داود [1957] فهذا رَدٌّ لها.

وأمَرَ عليَّ بن أبي طالب أن يردَّ الغلام الذي باعه دون أخيه، وأمَرَ بَشيرًا أن يردَّ الغلام الذي وهَبه لابنه، ونظائر هذا كثيرة.


الطــلاق بدون شهـود 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الطــلاق بدون شهـود Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطــلاق بدون شهـود   الطــلاق بدون شهـود Emptyالثلاثاء 28 مارس 2017, 11:30 pm

ومن العلماء من قال:
قوله "مُرْهُ فليُراجِعْها" لا يستلزم وقوع الطلاق، بل لما طلَّقها طلاقًا محرَّمًا حصل منه إعراض عنها ومجانبة لها لظنِّه وقوعَ الطلاق فأمَرَه أن يردَّها إلى ما كانت، كما قال في الحديث الصحيح لمن باع صاعًا بصاعَين: "هذا هو الربا، فرُدُّوه" أخرجه مسلم [1594/ 97] من حديث أبي سعيد الخدريّ ـ رضي الله تعالى عنه ـ وفيه: "هذا الربا فرُدُّوه" ولفظ "المراجعة" تدل على العود إلى الحال الأول.

ثم قد يكون ذلك بعقد جديد كما في قوله تعالى: "فإن طلَّقها فلا جناحَ عليهما أن يَتراجَعَا" [البقرة: 230] وقد يكون برجوع بدن كلٍّ منهما إلى صاحبه وإن لم يحصل هناك طلاق، كما إذا أخرَجَ الزوجةَ أو الأمَةَ من داره فقيل له: راجعها. فأرجَعَها كما في حديث عليّ حين راجَعَ الأمرَ بالمعروف، وفي كتاب عمر لأبي موسى: وأن تراجع الحق فإن الحق قديم.

واستعمال لفظ "المراجعة" يقتضي المفاعلة، والرجعة من الطلاق يَستقلّ بها الزوج بمجرد كلامه فلا يكاد يُستعمل فيها لفظ المراجعة، بخلاف ما إذا ردَّ بَدَنَ المرأة إليه فرجَعَت باختيارها فإنهما قد تَراجَعَا كما يَتراجعان بالعقد باختيارهما بعد أن تَنكح زوجًا غيره. وألفاظ الرجعة من الطلاق هي الرد والإمساك، وتُستعمل في استدامة النكاح كقوله تعالى: "وإذ تقولُ لِلَّذي أنعَمَ اللهُ عليه وأنعَمتَ عليه أَمسِكْ عليك زوجَكَ" [الأحزاب: 27].

ولم يكن هناك طلاق، وقال تعالى: "الطلاقُ مرتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ" [البقرة: 229] والمراد به الرجعة بعد الطلاق.

والرجعة يَستقلّ بها الزوج ويؤمر فيها بالإشهاد، والنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يأمر ابنَ عمر بالإشهاد وقال: "مُرْهُ فليُراجِعْها" ولم يقل: ليَرتَجِعْها. وأيضًا فلو كان الطلاق قد وقع كان ارتجاعُها ليطلقها في الطُّهر الأول أو الثاني زيادةً وضررًا عليها وزيادةً في الطلاق المكروه، فليس في ذلك مصلحةٌ لا له ولا لها، بل فيه إن كان الطلاق قد وقع بارتجاعه ليطلق مرة ثانية زيادةُ ضرر.

وهو لم يمنعه عن الطلاق بل أباحه له في استقبال الطهر مع كونه مُريدًا له، فعُلم أنه إنما أمَرَه أن يمسكها وأن يؤخر الطلاق إلى الوقت الذي يباح فيه، كما يؤمر من فعل شيئًا قبل وقته أن يرُد ما فعل ويفعله إن شاء في وقته، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ" أخرجه مسلم [1718/ 18] واتفقا على إخراجه بلفظ: "من أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ" البخاريّ [2697] ومسلم [1718/ 17].

والطلاق المحرَّم ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مردود، وأمَرَه بتأخير الطلاق إلى الطهر الثاني ليتمكن من الوطء في الطهر الأول، فإنه لو طلَّقَها فيه لم يجُز أن يطلقها إلا قبل الوطء، فلم يكن في أمره بإمساكها إليه إلا زيادةُ ضرر عليها إذا طلقها في الطهر الأول.

وأيضًا فإن ذلك معاقبة له على أن يعمل ما أحله الله، فعوقب بنقيض قصده. وبسط الكلام في هذه المسألة واستيفاء كلام الطائفتين له موضع آخر، وإنما المقصود هنا التنبيه على الأقوال ومأخذها.

لا ريب أن الأصل بقاء النكاح، ولا يقوم دليل شرعيّ على زواله بالطلاق المحرَّم، بل النصوص والأصول تقتضي خلاف ذلك. والله أعلم. فتاوى ابن تيمية، كتاب الطلاق [33/ 98ـ 101].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: في الصحيح والسنن والمسانيد عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتغيظ عليه النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "مُرهُ فليُراجِعْها حتى تحيض ثم تطهُر، ثم إن شاء بعدُ أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها، فتلك العدةُ التي أمَر اللهُ أن يُطلَّقَ لها النساءُ".

أخرج البخاريّ [4908] ومسلم [1471/4] وأحمد في المسند [2/61، 81] وأبو داود [2182] والنسائيّ في المجتبَى [3391] والبيهقيّ في السنن الكبرى [14910] أن عبد الله بن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض فذكر عمر للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتغيظ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قال: "مُرهُ فليُرجِعْها حتى تحيض حيضة أخرى مستقبَلَة سوى حيضتها التي طلقها فيه، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا من حيضتها قبل أن يَمَسَّها، فذلك الطلاقُ للعدة كما أمر اللهُ" وهذا لفظ مسلم وفي رواية في الصحيح أنه أمَرَه أن يطلقها طاهرًا أو حاملًا أخرجه مسلم [1471/ 5].

وفي رواية في الصحيح: قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يا أيها النبيّ إذا طلَّقتم النساءَ فطلِّقوهنَّ لِعدَّتِهنَّ" أخرجه مسلم [1471/ 14] وأبو داود [2185] والبيهقيّ في السنن الكبرى [14929] وعبد الرزاق في المصنف [10960].

وعن ابن عباس وغيره من الصحابة: الطلاق على أربعة أوجه، وجهان حلال ووجهان حرام، فأما اللذان هما حلال فأن يطلق امرأته طاهرًا في غير جماع أو يطلقها حاملًا قد استبان حملُها، وأما اللذان هما حرام فأن يطلقها حائضًا أو يطلقها بعد الجماع لا يَدري أشتَمَلَ الرحمُ على ولد أم لا. رواه الدارقطنيّ وغيره رواه عبد الرزاق في المصنف [10950] ومن طريقه الدارقطنيّ في سننه [3845] بلفظ "على أربعة وجوه".
وفيه أيضًا "فأما الحلال" بدلًا من "فأما اللذان هما حلال" وفيهما أيضًا "وأما الحرام" بدلًا من "فأما اللذان هما حرام" وقد بيَّن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لا يَحلّ له أن يطلّقها إلا إذا طهُرت من الحيض قبل أن يجامعها، وهذا هو الطلاق للعدة، أي لاستقبال العدة، فإن ذلك الطهر أو العدة.

فإن طلَّقها قبل العدَّة يكون قد طلقها قبل الوقت الذي أذن الله فيه ويكون قد طوَّل عليها التربّص وطلَّقها من غير حاجة به إلى طلاقها.

والطلاق في الأصل مما يُبغضه الله، وهو أبغض الحلال إلى الله، وإنما أباح منه ما يَحتاج إليه الناس كما تُباح المحرَّمات للحاجة، فلهذا حرَّمها بعد الطلقة الثالثة حتى تَنكح زوجًا غيره عقوبةً له لينتهيَ الإنسان عن إكثار الطلاق.

فإذا طلَّقها لم تَزَلْ في العدة متربِّصةً ثلاثةَ قروء، وهو مالكٌ لها يَرِثها وتَرِثه، وليس له فائدة في تعجيل الطلاق قبل وقته، كما لا فائدة في مسابقة الإمام، ولهذا لا يُعتدّ له بما فعله قبل الإمام بل تبطُل صلاته إذا تعمّد ذلك في أحد قولَي العلماء، وهو لا يزال معه في الصلاة حتى يسلّم.

ولهذا جوّز أكثر العلماء الخلع في الحيض لأنه على قول فقهاء الحديث ليس بطلاق بل فرقة بائنة، وهو في أحد قولَيهم تُستبرأ بحيضة لا عدةَ عليها، وهذه إحدى الروايتين عند أحمد.

ولأنها تملك نفسها بالإخلاع فلهما فائدة في تعجيل الإبانة لرفع الشرّ الذي بينهما؛ بخلاف الطلاق الرجعيّ فإنه لا فائدة في تعجيله قبل وقته بل ذلك شرّ بلا خير. وقد قيل: إنه طلاق في وقت لا يُرغب فيها وقد لا يكون محتاجًا إليه، بخلاف الطلاق وقت الرغبة فإنه لا يكون إلا عن حاجة.

وقول النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابن عمر: "مُرْهُ فليُراجِعْها" مما تنازع العلماء فيه في مراد النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففَهِمَ منه طائفة من العلماء أن الطلاق قد لَزِمَه فأمَرَه أن يَرتجعها ثم يطلقها في الطهر إن شاء.

وتنازع هؤلاء: هل الارتجاع واجب أو مستحبّ؟ وهل له أن يطلقها في الطهر الأول أو الثاني؟ وفي حكمة هذا النهي أقوال ذَكَرناها وذَكَرنا مأخَذَها في غير هذا الموضع.

وفَهِمَ طائفة أخرى أن الطلاق لم يقع ولكنه لما فارَقَها ببدنه، كما جرت العادة من الرجل إذا طلق امرأته اعتزلها ببدنه واعتزلته ببدنها، فقال لعمر: "مره فليراجعها" ولم يقل: فليرتجعها. "والمراجعة" مفاعلة من الجانبين، أي ترجع إليه ببدنها فيجتمعان كما كانَا، لأن الطلاق لم يَلزَمه، فإذا جاء الوقت الذي أباح الله فيه الطلاق طلقها حينئذ إن شاء.

قال هؤلاء: ولو كان الطلاق قد لَزِمَ لم يكن في الأمر بالرجعة ليطلقها طلقةً ثانيةً فائدةٌ بل فيه مَضَرّةٌ عليهما، فإن له أن يطلقها بعد الرجعة بالنص والإجماع، وحينئذ يكون في الطلاق مع الأول تكثيرُ الطلاق وتطويلُ العدة وتعذيبُ الزوجين جميعًا، فإن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يوجب عليه أن يَطأها قبل الطلاق بل إذا وَطِئَها لم يَحلَّ له أن يطلقها حتى يَتبيَّن حملُها أو تَطهُرَ الطُّهرَ الثانيَ.

وقد يكون زاهدًا فيها يَكره أن يطأها فتَعلَقَ منه، فكيف يجب عليه وطؤها! ولهذا لم يوجب الوطءَ أحدٌ من الأئمة الأربعة وأمثالِهم من أئمة المسلمين، ولكن أخّر الطلاق إلى الطهر الثاني.

ولولا أنه طلقها أولًا لكان له أن يطلقها في الطهر الأول؛ لأنه لو أبيح له الطلاق في الطهر الأول لم يكن في إمساكها فائدةٌ مقصودةٌ بالنكاح إذا كان لا يُمسكها إلا لأجل الطلاق، فإنه لو أراد أن يطلقها في الطهر الأول لم يحصل إلا زيادةُ ضرر عليهما، والشارع لا يأمر بذلك، فإذا كان ممتنعًا من طلاقها في الطهر الأول ليكون متمكنًا من الوطء الذي لا يعقُبُه طلاق، فإن لم يَطأْها أو وَطِئَها أو حاضت بعد ذلك فله أن يطلقها، ولأنه إذا امتنع من وطئها في ذلك الطهر ثم طلقها في الطهر الثاني دل على أنه محتاج إلى طلاقها لأنه لا رغبة فيها، إذ لو كانت له فيها رغبة لَجَامَعَها في الطهر الأول.

قالوا: لأنه لم يأمر ابنَ عمر بالإشهاد على الرجعة كما أمَرَ الله ورسوله، ولو كان الطلاق قد وقع وهو يَرتجعها لأمَرَ بالإشهاد؛ ولأن الله تعالى لما ذكَر الطلاق في غير آية لم يأمر أحدًا بالرجعة عقيب الطلاق، بل قال: "فإذا بلَغنَ أجلَهنَّ فأمسِكوهنَّ بمعروف أو فارِقوهنَّ بمعروف" فخيَّر الزوجَ إذا قارَب انقضاءُ العدة بين أن يُمسكها بمعروف وهو الرجعة وبين أن يفارقها فيُخلِّيَ سبيلها إذا انقضت العدة ولا يحبسها بعد انقضاء العدة كما كانت محبوسة عليه في العدة، قال الله تعالى: "لا تُخرِجوهنَّ من بيوتِهنَّ ولا يَخرُجنَ إلا أن يَأتينَ بفاحشةٍ مبيِّنةٍ".

وأيضًا فلو كان الطلاق المحرَّم قد لَزم لكان حصَل الفساد الذي كَرِهه الله ورسوله، وذلك الفساد لا يرتفع برجعة يُباح له الطلاق بعدها، والأمرُ برجعة لا فائدة فيها مما تَنَزَّهَ عنه الله ورسوله، فإنه إن كان راغبًا في المرأة فله أن يرتجعها، وإن كان راغبًا عنها فليس له أن يرتجعها، فليس في أمره برجعتها مع لزوم الطلاق له مصلحةٌ شرعيةٌ بل زيادة مفسدة، ويجب تنزيهُ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الأمر بما يستلزم زيادةَ الفساد، واللهُ ورسوله إنما نهَى عن الطلاق البدعيّ لمنع الفساد، فكيف يأمر بما يَستلزم زيادةَ الفساد!

وقول الطائفة الثانية أشبه بالأصول والنصوص، فإن هذا القول متناقض؛ إذ الأصل الذي عليه السلف والفقهاء أن العبادات والعقود المحرمة إذا فُعلت على الوجه المحرَّم لم تكن لازمة صحيحة، وهذا وإن كان نازَعَ فيه طائفة من أهل الكلام فالصواب مع السلف وأئمة الفقهاء؛ لأن الصحابة والتابعين لهم بإحسان كانوا يستدلون على فساد العبادات والعقوبة بتحريم الشارع لها، وهذا متواتر عنهم. وأيضًا فإن لم يكن ذلك دليلًا على فسادها لم يكن عن الشارع ما يبيِّن الصحيح من الفاسد، فإن الذين قالوا: النهي لا يقتضي الفساد.

قالوا: نعلم صحة العبادات والعقود وفسادها بجعل الشارع هذا شرطًا أو مانعًا ونحو ذلك، وقوله: هذا صحيح، وليس بصحيح، من خطاب الوضع والإخبار، ومعلوم أنه ليس في كلام الله ورسوله.

وهذه العبارات مثل قوله: الطهارة شرط في الصلاة، والكفر مانع من صحة الصلاة، وهذا العقد وهذه العبادة لا تصحّ. ونحو ذلك، بل إنما في كلامه الأمرُ والنهيُ والتحليلُ والتحريمُ، وفي نفي القبول والصلاح، كقوله: "لا يقبل الله صلاة بغير طُهور ولا صدقة من غُلول" رواه النسائيّ في المجتبَى [139] من حديث أسامة بن عُمير، وصححه الألبانيّ في صحيح النسائيّ [135] وأخرجه مسلم [224] بنحوه، وأحمد في المسند [2/20] والترمذيّ [1] من حديث ابن عمر وقوله: هذا لا يصلُح جزء من حديث أخرجه مسلم [1624/ 19] من حديث جابر رضي الله عنه، وفيه "فليس يصلُح هذا، وإني لا أَشهَد إلا على حق" وفي كلامه: "إن الله يَكره كذا" جزء من حديث أخرجه البخاريّ [1477] من حديث المغيرة بن شعبة ـ رضي الله تعالى عنه ـ وفيه: "إن الله كره لكم ثلاثًا، قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال" وفي كلامه الوعدُ ونحو ذلك من العبارات، فلم نستفد الصحة والفساد إلا بما ذكره، وهو لا يلزم أن يكون الشارع بيَّن ذلك، وهذا مما يُعلم فساده قطعًا.

وأيضًا فالشارع يحرِّم الشيء لما فيه من المفسدة الخالصة أو الراجحة ومقصودُه بالتحريم المنعُ من ذلك الفساد وجعلُه معدومًا، فلو كان مع التحريم يترتب عليه من الأحكام ما يترتب على الحلال فيجعله لازمًا نافذًا كالحلال لكان ذلك إلزامًا منه بالفساد الذي قَصَدَ عَدَمَه، فيَلزَم أن يكون ذلك الفساد قد أراد عَدَمَه مع أنه ألزَمَ الناسَ به، وهذا تناقُض يُنزَّه عنه الشارع صلى الله عليه وسلم.

وقد قال بعض هؤلاء: إنه إنما حرَّم الطلاق الثلاث لئلَّا يندم المطلق، دل على لزوم الندم له إذا فعله، وهذا يقتضي صحته.

فيقال له: هذا يتضمن أن كل ما نهى الله عنه يكون صحيحًا، كالجمع بين المرأة وعمتها، لئلَّا يُفضي إلى قطيعة الرحم.

فيقال: إن كان ما قاله هذا صحيحًا هنا دليل على صحة العقد؛ إذ لو كان فاسدًا لم تحصل القطيعة، وهذا جهل؛ وذلك أن الشارع بيَّن حكمته في منعه مما نهى عنه، وأنه لو أباحه للزم الفساد، فقوله تعالى: "لا تَدري لعل اللهَ يُحدثُ بعد ذلك أمرًا" وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنكح المرأةُ على عمتها ولا خالتها؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" رواه ابن حبان في صحيحه [4116] وحسّنه الأرنؤوط.

والطبرانيّ في الكبير [11/11931] عن ابن عباس بلفظ: نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تُزوَّج المرأةُ على العمة والخالة، قال: "إنكم إذا فعلتم قطعتنَّ أرحامكنَّ" ورواية الطبرانيّ: "إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" ونحو ذلك بيَّن أن الفعل لو أُبيح لحصل به الفساد فحرِّم منعًا من هذا الفساد.

ثم الفساد ينشأ من إباحته ومن فعله إذا اعتقد الفاعل أنه مباح أو أنه صحيح، فأما مع اعتقاد أنه محرَّم باطل والتزام أمر الله ورسوله فلا تحصل المفسدة، وإنما تحصل المفسدة من مخالفة أمر الله ورسوله، والمفاسد فيها فتنة وعذاب، قال الله تعالى: "فلْيَحذَرْ الذين يُخالِفون عن أمرِه أن تُصيبَهم فتنةٌ أو يُصيبَهم عذابٌ أليمٌ" [النور: 63].

وقول القائل: لو كان الطلاق غيرَ لازم لم يحصل الفساد.

فيقال: هذا هو مقصود الشارع، فنهَى عنه وحكَم ببطلانه ليزول الفساد، ولولا ذلك لفعَلَه الناس واعتقَدوا صحته فيَلزَم الفساد.

وهذا نظير قول من يقول: النهيُ عن الشيء يدل على أنه مقصود وأنه شرعيّ، وأنه يسمَّى بيعًا ونكاحًا وصومًا.

كما يقولون في نهيه عن نكاح الشغار ولعنه المحلِّلَ والمحلَّلَ له ونهيه عن بيع الثمار قبل أن يبدوَ صلاحها، ونهيه عن صوم يوم العيدين، ونحو ذلك.

فيقال: أما تصوره حسًّا فلا ريب فيه، وهذا كنهيه عن نكاح الأمهات والبنات وعن بيع الخمر والميتة ولحم الخنزير والأصنام، كما في الصحيحين عن جابر أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلَى بها السفن ويُدهن بها الجلود ويَستصبِح بها الناس. فقال: "لا، هو حرام" ثم قال: "قاتَلَ الله اليهودَ، حُرِّمت عليهم الشحوم فجمَّلوها وباعوها وأكلوا أثمانها" أخرجه البخاريّ [2236] ومسلم [1581/ 71].

من حديث جابر ـ رضي الله تعالى عنه ـ مرفوعًا بلفظ: "إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام" قيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة...إلى أن قال: "قاتل الله اليهودَ؛ إن اللهَ لمّا حرَّم شحومَها أجمَلوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه" هذا هو لفظهما.

وجمَّل الشحم: أذابه. المعجم الوسيط [1/126] فتسميته لهذا نكاحًا وبيعًا لم يمنع أن يكون فاسدًا باطلًا بل دلّ على إمكانه حسًّا.

وقول القائل: إنه شرعيّ. إن أراد أنه يسمَّى بما أسماه به الشارع فهذا صحيح، وإن أراد أن الله أَذِنَ فيه فهذا خلاف النص والإجماع، وإن أراد أنه رتَّب عليه حُكمَه وجعَلَه يحصِّل المقصود ويَلزَم الناسَ حُكمُه كما في المباح فهذا باطل بالإجماع في أكثر الصور التي هي من موارد النزاع، ولا يمكنه أن يدعيَ ذلك في صورة مُجمَع عليها، فإن أكثر ما يَحتج به هؤلاء بنهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الطلاق في الحيض ونحو ذلك مما هو من موارد النزاع، فليس معهم صورة قد ثبت فيها مقصودهم لا بنصّ ولا إجماع.


وكذلك "المحلِّل" المعلون وردت فيه أحاديث منها:
1ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه: لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المحلِّل والمحلَّل له". رواه الترمذيّ [1120] واللفظ له، والنسائيّ في المجتبَى [3416] وأحمد في المسند [1/448، 462] وقال الشيخ شاكر [4283، 4403]: إسناده صحيح. والبيهقيّ في السنن الكبرى [14185] وصححه الألبانيّ في صحيح الترمذيّ [894] وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير [1530]: وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاريّ.

2 ـ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، بنفس لفظ ابن مسعود. رواه أحمد في المسند [2/323] وقال الشيخ شاكر [8270]: إسناده صحيح. وابن الجارود في المنتقى [684] والبيهقيّ في السنن الكبرى [14186] وسنده حسن.

3 ـ عن عليّ رضي الله تعالى عنه: "لعن الله المحلِّل والمحلَّل له". رواه أبو داود [2076] واللفظ له، والترمذيّ [1119] وابن ماجه [1935] وأحمد في المسند [1/83، 87، 88] وقال الشيخ شاكر [635]: إسناده ضعيف. والبيهقيّ في السنن الكبرى [14183] وسنده ضعيف لضعف الحارث الأعور، انظر: التقريب [1036] وصححه الألبانيّ لشواهده في صحيح أبي داود [1827] وانظر: الإرواء [1897].

4 ـ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما باللفظ السابق. رواه ابن ماجه [1934] بسند ضعيف، فيه زمعة بن صالح، ضعيف، انظر: التقريب [2046] وللحديث شواهد؛ لذلك صححه الألبانيّ في صحيح ابن ماجه [1570] وانظر الإرواء [6/308، 309].

5 ـ حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألَا أخبرك بالتيس المستعار؟" قال: بلى يا رسول الله. قال: "هو المحلِّل، ولعن الله المحلِّل والمحلَّل له". رواه ابن ماجه [1936] والحاكم في المستدرك [2/199] وصححه ووافقه الذهبيّ. والبيهقيّ في السنن الكبرى [14187] وصححه الألبانيّ في صحيح ابن ماجه [1572] وانظر: الإرواء [1897] لعَنَه لأنه قَصَد التحليلَ للأول بعقده لا لأنه أحلَّها في نفس الأمر، فإنه لو تزوَّجها بنكاح رغبة لكان قد أحلَّها بالإجماع، وهذا غير ملعون بالإجماع، فعُلم أن اللعنة لمن قصد التحليل، وعُلم أن الملعون لم يحلِّلها في نفس الأمر، ودلَّت اللعنة على تحريم فعله، والمنازِعُ يقول: فعله مباح.

فتَبيَّنَ أنه لا حجة معهم، بل الصواب مع السلف وأئمة الفقهاء، ومن خرَج عن هذا الأصل من العلماء المشهورين في بعض المواضع فإنه لم يكن له جواب صحيح وإلا فقد تَنَاقَضَ كما تَنَاقَضَ في مواضع غيره هذه.

والأصول التي لا تناقُض فيها ما أُثبت بنص أو بإجماع، وما سوى ذلك فالتناقُض موجود فيه، وليس هو حجة على أحد.

والقياس الصحيح الذي لا يتناقض هو موافق للنص والإجماع، بل لا بد أن يكون النصّ قد دلّ على الحكم، كما قد بسط في موضع آخر، وهذا معنى العصمة، فإن كلام المعصوم لا يَتناقض، ولا نزاع بين المسلمين أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ معصوم فيما بلَّغه عن الله تعالى، فهو معصوم فيما شرَّعه للأمة بإجماع المسلمين، وكذلك الأمة أيضًا معصومة أن تجتمع على ضلالة، بخلاف ما سوى ذلك، ولهذا كان مذهب أئمة الدين أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويُترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم رواه أبو نُعيم في الحلية [3/300].

وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" [1762ـ 1765] بسند صحيح عن مجاهد أنه قال: ليس أحد بعد النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا يؤخذ من قوله ويترك، إلا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فإنه الذي فَرض اللهُ على جميع الخلائق الإيمانَ به وطاعتَه وتحليلَ ما حلَّله وتحريمَ ما حرَّمه، وهو الذي فرَّق الله به بين المؤمن والكافر، وأهل الجنة وأهل النار، والهدى والضلال، والغيّ والرشاد، فالمؤمنون أهل الجنة، وأهل الهدى والرشاد هم متَّبِعوه، والكفار أهل النار، وأهل الغيّ والضلال هم الذين لم يتَّبعوه، ومن آمَن به باطنًا وظاهرًا واجتَهَد في متابعته فهو من المؤمنين السعداء وإن كان قد أخطأ وغَلِطَ في بعض ما جاء به فلم يَبلُغْه أو لم يَفهَمْه، قال الله تعالى عن المؤمنين: "ربَّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.." [البقرة: 286]. 


وقد ثبت في الصحيح عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله قال: "قد فعلتُ" أخرجه مسلم [200/ 126] والترمذيّ [2992] والطبريّ في تفسيره [6457 شاكر] والحاكم في المستدرك [2/286] من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفي السنن عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخَذ به أخَذ بحظّ وافر" رواه أبو داود [3641ـ 3642] وابن ماجه [223] وابن حبان [88] وحسنه الأرنؤوط، من حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه. وصححه الألبانيّ في صحيح أبي داود [3096].

وقد قال سبحانه وتعالى: "وداودَ وسليمانَ إذ يَحكُمان في الحَرثِ إذ نَفَشَت فيه غنمُ القومِ وكنّا لحُكمهم شاهِدِين. ففَهَّمنَاها سليمانَ وكُلًّا آتينا حكمًا وعلمًا" [الأنبياء: 78 ـ 79].

فقد خَصَّ أحدَ النبيَّين الكريمَين بالتفهيم مع ثنائه على كل منهما بأنه أوتيَ علمًا وحكمًا، فهكذا إذا خَصّ الله أحدَ العالِمِين بعلمِ أمرٍ وفهمِه لم يوجب ذلك ذمَّ من لم يحصُل له ذلك من العلماء، بل كل من اتقى الله ما استطاع فهو من أولياء الله المتقين وإن كان قد خَفيَ عليه من الدين ما فَهِمَه غيره، وقد قال واثلة بن الأسقع، وبعضُهم يرفعُه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم: من طلَب علمًا فأدرَكَه فله أجران، ومن طلَب علمًا فلم يُدرِكْه فله أجرٌ رواه الدارميّ [340] والطبرانيّ في الكبير [22/165].

من طريق يزيد بن ربيعة: حدثنا ربيعة بن يزيد عن واثلة مرفوعًا بلفظ: "من طلَب العلمَ فأدرَكَه كان له كِفلَان من الأجر، فإن لم يدركه كان له كِفل من الأجر" لفظ الدارميّ، وسنده ضعيف جدًّا، فيه يزيد بن ربيعة، متروك الحديث. لسان الميزان [6/371] وقال الألبانيّ في المشكاة [253]: وسنده ضعيف جدًّا. وأعلَّه بيزيد هذا.

وهذا يوافق ما في الصحيح عن عمرو بن العاص وعن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر" أخرجه مسلم [1716/ 15] بلفظ: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" وهذه الأصول لِبَسطِها موضع آخر، وإنما المقصود هنا التنبيه على هذا؛ لأن الطلاق المحرَّم مما يقول فيه كثير من الناس إنه لازم، والسلف أئمة الفقهاء والجمهور يسلِّمون أن النهيَ يقتضي الفساد ولا يذكرون في الاعتذار عن هذه الصورة فرقًا صحيحًا، وهذا مما تسلَّط به عليهم من نازعوهم في أن النهيَ يقتضي الفساد واحتجَّ بما سلَّموه له من الصور، وهذه حجة جدلية لا تفيد العلم بصحة قوله، وإنما تفيد أن منازعيه أخطأوا إما في صور النقض وإما في محل النزاع، وخطأُهم في إحداهما لا يوجب أن يكون الخطأ في محل النزاع، بل هذا الأصل أصل عظيم عليه مدار كثير من الأحكام الشرعية، فلا يمكن نقضه بقول بعض العلماء الذين ليس معهم نص ولا إجماع، بل الأصول والنصوص لا توافق بل تناقض قولهم. فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية كتاب "الطلاق" [33/ 20 ـ 30] بتصرف).

والحق سبحانه وتعالى وصف الزواج بأنه ميثاق غليظ، وذلك في قوله سبحانه: (وإن أردتُّم استبدالَ زوجٍ مكانَ زوجٍ وآتيتم إحداهنَّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مُبِينًا. وكيف تأخذونه وقد أفضَى بعضُكم إلى بعض وأَخَذْنَ منكم ميثاقًا غليظًا) (النساء: 20 ـ 21) إن استرداد المهر بعد الدخول بالزوجة إثم وبهتان واضح، وكيف يستحلّ الرجل لنفسه ذلك بعد أن أباح الله للرجل والمرأة عورات كل منهما للآخر‍!

إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يضع القواعد التي تنظم العلاقات الزوجية بما لا يُظلم معها أحد وأن تُحَلَّ المشاكل بأيسر الطرق، إن حلَّ عقدة النكاح يكون بكلمة واحدة، هي الطلاق، ولكن لها تَبِعَات، ورباطُ عقدة النكاح بكلمة واحدة لها تَبِعَات أيضًا، والرجل حين يدخل الزواج بكلمة فإنه لا يدخل إلى دنيا الزواج إلا بعد أن تكون كل أموره مدروسة وأعدَّ عدَّته لذلك، لكن الطلاق حين يتم فالإنسان لا يملك أغيار نفسه، فيشاء الحق سبحانه وتعالى أن يجعل حلَّ العصمة المنعقدة بين الزوجين بأنَاة ورَوِيَّة وصبر واحتمال لعل النفوس تَهدأ ثم تَرضَى، فقال سبحانه وتعالى: (الطلاقُ مرتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ) (البقرة: 229).

والناس قد تتصور أن حلف الرجل على زوجته بقوله: أنت طالق بالثلاثة، يعني أنه طلَّقها الطلاق النهائيَّ، لا، لأن الحق يقول: (الطلاقُ مرتان) أي مرة مرة، ثم بعد ذلك (فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ) أي أن للرجل مجالَ اختيار في طلقتَين للمرأة، وأما الطلقة الثالثة فهي حَلٌّ كامل لعقدة النكاح.

لماذا؟
لأن المرأة تَبِين بينونة كبرى.

ويحدد الله سبحانه المسألة في أمرين: الأمر الأول (فإمساكٌ بمعروفٍ) الأمر الثاني (أو تسريحٌ بإحسانٍ) إذًا فالحق سبحانه وتعالى وضع مسافة زمنية بين كل طلقة، فلا يحق للرجل أن يقول للزوجة: أنت طالق بالثلاثة.

وتكون بائنةً منه بينونةً كبرى، وإنما له المراجعة بنفسه ما دامت في العدة، فإن تأخر في المراجعة حتى انقضت عدتها فله مراجعتُها بعقد جديد ومهر جديد، وإن وقع طلاق ثالث فقد بانت منه ولا تحلُّ له من بعدُ حتى تَنكِح زوجًا غيره.

ولقد أراد عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن يجعل من الطلاق بالثلاثة أمرًا واقعًا ليمنع المسلمين من الاستعجال والعجلة لعلهم يَكُفُّون، لكن الناس لم تَكُفَّ، لذلك فالطلاق مرتان؛ مرة تصح بعدها العودة، ومرة ثانية تصح بعدها العودة ثم على الرجل إما أن يمسك بمعروف أو أن يسرِّح زوجته بإحسان.

الأولى: الطلاق الرجعيّ.
واضح من نفس اللفظ، أي أن الزوج له الحق في أن يراجع نفسه ويتراجع عما أتى ويُرجِعَ إليه زوجته إذا لم تَنتهِ شهور العدة.

الثانية: البائن بينونة صغرى.
فمعنى ذلك أنه لابد أن يعقد عليها عقدًا جديدًا بمهر جديد، وهذا في حالة انقضاء شهور العدة إذا كان الطلاق رجعيًّا، وكذلك يكون الطلاق بائنًا بينونةً صغرى إذا كان قبل الدخول، وسيأتي الحديث عنه.

الثالثة: وهي البينونة الكبرى ذات الثلاث طلقات.
فلا تحلّ له أبدًا حتى تَنكِح زوجًا غيره، بمعنى إذا تزوجت المرأة من غيره زواجًا شرعيًّا دون اتفاق على تحليل وغيره ثم إذا طلقها الثاني حينئذ يمكنها الزواج من الزوج الأول.

الرابعة: وإذا تمرد الرجل على السكن وخرج عن القواعد الشرعية لمراعاة حق الله في المرأة، فإن الحق يضع العقاب الذي يهدّ كبرياء هذا الرجل الذي أساء استخدام الحقوق التي وضعها له الله سبحانه وتعالى. والحق سبحانه وتعالى بذلك يشرع ألَّا تَحلَّ المطلقة ثلاث طلقات لزوجها إلَّا بعد أن ينكحها زوج آخر وأن تذوق عُسيلته ويذوق عُسيلتها، كما أوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إن في هذا زجرًا ونهيًا عن الطلاق ثلاثًا لمن له رغبة في زوجته؛ لأن الرجل يكره أن يحدُث ذلك مع امرأة يحبها ويرغبها، فإذا طلقها الزوج الثاني فلا بأس أن تقضيَ العدة وتعودَ إلى زوجها الأول إن كان في ظنِّ كلٍّ مهما أن العشرة بالمعروف سوف تتحقق وتعود بينهما.


الطــلاق بدون شهـود 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الطــلاق بدون شهـود
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مواهب بدون إنجاز
» مواهب بدون إنجاز
» علاج الصداع بدون مسكنات
» إشحن جوالك بدون كهرباء.. تخيل.
» ألبوم لك عدت للمنشد أسامة الصافي نسخة( بدون ايقاع)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــه الــدنــيــــا والديـــــن :: فتاوى النِّساء للشَّعراوي-
انتقل الى: