20- إغلاق باب الجهاد ونصرة قضايا المسلمين العادلة في كل مكان:
فكثير من دول الإسلام فتحت باب الجهاد على مصراعية إما جهرة وإما خفية ، حتى حصلت أحداث الإرهاب في دول الإسلام كالسعودية واليمن والمغرب ومصر وأخيراً في الكويت ، حتى أغلقت جميع الدول أبواب الجهاد ، فَحُرِمَ المسلمون من الجهاد في سبيل الله ، ومُنعت دول مظلومة من المجاهدين ، فكان الإثم والوزر لمن كان سبباً في ذلك ، فالدول أغلقت تلك الأبواب خوفاً على مصالحها الداخلية والخارجية ، ولا لائمة عليها في ذلك ، فكانت السيئة لاحقة أولئك الجهال الذين باعوا دينهم بعرض من أعراض الدنيا ، أو بعلم جاهل ضل عن الفهم الصحيح للكتاب والسنة ، فضل وأضل كثيراً وضل عن سواء السبيل.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا " [ أخرجه مسلم والنسائي واللفظ له ] ، وأخرج مسلم أيضاً من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى ، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا " ، وإن الناظر فيما أحدثه بعض الشباب الخارج عن دينه والمارق من عقيدته ليدرك أنها أفعال سيئة ، وأعمال ضالة ، صاحبها مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة .
ثم تقع المسؤولية العظيمة على عاتق من أفتى لأولئك الشباب بتلك الفتاوى الظالمة، والزج بهم في مواجهات مع إخوانهم المسلمين، قال تعالى: "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ " [ النحل 25 ] ، وقال تعالى : " وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ " [ العنكبوت 13 ].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى ، وقوله تعالى : " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة ، أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم وأوزاراً أخرى بسبب ما أضلوا من الناس ، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئاً كما قال تعالى : " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " الآية وفي الصحيح : "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً " ، وفي الصحيح : " ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل " وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا وأخذ مال هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا لم تبق له حسنة أخذ من سيئاتهم فطرح عليه " .
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
"قيل: أن المراد بالآية السابقة ، أعوان الظلمة ، وقيل : أصحاب البدع إذا اتبعوا عليها ، وقيل : محدثو السنن الحادثة إذا عُمل بها من بعدهم ، والمعني متقارب ".
21- وضع البلاد تحت المجهر من قبل الأعداء الذين يتربصون بها الدوائر .
22- إغلاق باب الدعوة إلى الله تعالى:
فكم كانت البلاد ترسل الدعاة على مرور العام ، حتى بلغ عددهم في بعض المرات أكثر من ثلاثمائة داعية ، إلى أن تقلص العدد بسبب تداعيات الأحداث الإرهابية حتى أن الدولة لم ترسل أحداً في الآونة الأخيرة ، نظراً لعدم قبول الدول لهم خوفاً من أن يكونوا إرهابيين ، ولا شك أن ذلك خطراً على عقيدة المخربين الذين بسببهم مُنعت الدعوة إلى الله تعالى ، والله جل وعلا يقول : " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " [ فصلت 33 ].
فأولئك قولهم وفعلهم غير حسن ، لأنهم ليسوا بمسلمين ، لقد أفسدوا ولم يصلحوا شيئاً ، فهم كما قال الله تعالى عن المفسدين من قوم صالح عليه السلام : " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " [ النمل 48 ] ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
23- إساءة الظن بالإسلام والمسلمين:
حتى اعتقد كثير من الكفار أن هذه الأعمال الإرهابية هي أصل من أصول الإسلام ، بينما الحقيقة غير ذلك ، فالإسلام في عهد ازدهاره ، وفي أوج قوته كان رحيماً بالناس كافة ، وبأهله خاصة ، ولم يضيق على الكفار ولم يمنعهم من ممارسة شعائر دينهم خفية لا علانية ، ولم يُجبروا على ترك دينهم والدخول في الإسلام ، بل تُركوا ومن لم يُسلم عليه الجزية ، ويأمن على نفسه وولده وماله ، قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [ البقرة 256 ].
لاسيما ولم يصدر منهم ما يدعو إلى قتالهم ، وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، ولم يمارسوا طقوس دينهم علانية وجهراً ، بل حتى في شهر رمضان المبارك لا يجهرون بشيء من الإفطار احتراماً للإسلام وأهله ، فعلام قتالهم ، مع أن المفترض أن نكون دعاة للإسلام فندعوهم بالكلمة والفعل الحسن ، ومراكز دعوة الجاليات في هذه البلاد الموفقة شاهدة بذلك .
وأولئكم الشباب اليوم يقتلون كل كافر في بلاد الإسلام، ويستحلون دمه وماله، لأي شيء فعلوا ذلك؟ وعلى أي دليل استندوا؟ العلم عند الله تعالى.
وفيما ذكرت من أدلة جواباً دامغاً لتحريم أفعالهم ، قال تعالى : " لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " [ الممتحنة 8 ] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ ، وَأَسْلَمُوا ، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ " [ أخرجه البخاري ].
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ن وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ ، أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ حِينَ ظُهِرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ، فَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا ، فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا ، عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا ، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا " ، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ " [ أخرجه البخاري ومسلم ].
24- كثرة الفقراء والمحتاجين من أهالي الشهداء الذين قتلوا بلا ذنب:
ولا شك أن موت عائل الأسرة كارثة كبيرة ، ومصيبة عظيمة تحط رحالها بأفراد الأسرة قاطبة .
25- انتشار الجريمة:
وأقصد بذلك أنه ربما ضاع كثير من أطفال أولئك القتلى من الفريقين ، فتتلقفهم أيدي السوء وعصابات الأطفال ، فتربيهم وتنشئوهم تنشئة سلبية لا أخلاقية ولا دينية ، فينشأ لدينا جيل جريمة وقتل وفساد .
26- القتل في الأشهر الحرم ، وفي البلد الحرام:
وكل الناس شاهد ذلك ، فقد انتهكوا حرمة الحرم المكي وقتلوا المسلمين هناك ، وانتهكوا حرمة الأشهر الحرم فقتلوا المسلمين فيها ، فأي دين يدين به أولئك الإرهابيون ؟ وأي عقيدة يعتنقون ؟
الوقاية من الإرهاب:
أما سبل الوقاية من ذلك الداء الخطير، والانحراف العقدي المرير، فلا شك أنه بالتمسك أولا بالكتاب والسنة، وكثرة المحاضرات والندوات الدينية التي تُعنى بأمر التوعية بخطورة الإرهاب، في المدارس والكليات والجامعات وغيرها من الدوائر، ثم طباعة المؤلفات التي تبين أضرار الإرهاب، وعمل المطويات الداعية إلى ذلك ، وإدخالها كل بيت من بيوت المسلمين ، ليعي الناس خطورة الوضع القائم اليوم .
وكذلك ضرورة توعية الآباء والأمهات بمتابعة أبنائهم وبناتهم ، وتحسس مواضع الخطر ، ومكامن الضرر لديهم ، ومن ثم إيجاد العلاج الملائم لذلك .
ومن أهم سبل الوقاية من الإرهاب أيضاً ، إيجاد مناهج تعليمية مقتبسة من الكتاب والصحيح من السنة ، الدالة على خطورة الإرهاب ، وضرره على الأفراد والجماعات ، والدول والشعوب قاطبة ، على أن لا تتخلى المناهج عن قيمها الثابتة ، وأصولها الأصيلة التي لا تقبل المزايدة ولا المراهنة ، ولا الزحزحة ولا الزعزعة ، كعقيدة الولاء والبراء ، وتثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الناشئة ، حتى ينشأ لنا جيل يدين يعقيدة التوحيد الخالص ، جيل يدين بدين الإسلام الصحيح الذي لا تخالطه الشوائب ولا الشكوك ، ولا تكتنفه الظنون ولا الأماني .
الأمر بإخراج الكفار من جزيرة العرب:
عن عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا" [أخرجه مسلم]، وعَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا رضي الله عنه بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةِ؟ -يعني الحجة التي استخلفه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا" [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
هذان الحديثان وما في معناهما من الأحاديث دلت على أن الأصل إخراج الكفار من جزيرة العرب كائناً من كانوا ، فلا فرق بين يهودي ولا نصراني ولا علماني ولا رافضي ولا غيرهم من ملة الكفر، فالكفر ملة واحدة، مهما اختلفت دياناتهم ، وهم أعداء للإسلام والمسلمين، هذا هو الأصل، إخراج الكفار من ديار الإسلام.
لكن لما كانت المصلحة ملحة، والحاجة داعية لوجودهم، بقي منهم من يحتاج المسلمون لخبرته وحرفته، ودل على ذلك نصوص كثيرة، فأبي لؤلؤة المجوسي عندما قتل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، كان ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه ، فلما لم يخرجه المسلمون من ديارهم في عهد الخليفتين الراشدين.
فدل ذلك على أن من كان وجوده لازماً وضرورياً فبقاؤه أفضل من خروجه، لاسيما وأنه يرى تعامل المسلمين بالحق والمعروف وحسن الخلق والوفاء بالعهد ، والصدق والتسامح وغير ذلك من الصفات الحميدة ، فربما دعاه ذلك إلى الإسلام ، وفعلاً قد أسلم الكثير منهم منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا .
فأبي لؤلؤة المجوسي كان ماهراً في صنع بعض الأسلحة التي يستعملها المسلمون في قتالهم ضد أعدائهم، وربما تعلم منه هذه الصنعة بعض المسلمين وأتقنوها، فوجوده خير من خروجه، فإذا تعلمنا منه ما نريد وكان وجوده كخروجه من البلاد عرضنا عليه الإسلام فإن قبل، وإلا أخرج، ولا تُقبل منه جزية، فإما الإسلام وإما القتل أو الخروج، وهذا مثال من أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها الآن.
حقيقة مهمة:
ثم لا نخفي حقيقة مهمة واضحة للعيان، وهي أن البعض من تلك العمالة الكافرة كانت سبباً لتلوث أفكار بعض الشباب المسلم، فمنهم من تم القبض عليه مُصَنِّعَاً للخمور، أو داعياً إلى دعارة، أو مشيراً إلى كفر وفكر منحرف، وغير ذلك كثير، فهؤلاء وجودهم خطر على أمة الإسلام، فيجب إخراجهم بالقوة والجبروت لأن ضررهم متعد إلى غيرهم.
حقيقة لا مراء فيها:
المملكة العربية السعودية تحكم شرع الله تعالى في كل قضاياها الشرعية وربما غير الشرعية ، وهذا واقع ملموس ، يلمسه كل من له قضية في محاكمها الشرعية ، وكذلك الدولة رعاها الله لا تمنع كل مواطن من التحلي والتمسك بشعائر الدين الواجبة والمستحبة ، فإطلاق اللحى وتقصير الثياب وارتياد المساجد وإلقاء الدروس والمحاضرات والندوات وغيرها كثير أبواب مشرعة ، مفتوحة على مصراعيها ، وكذلك أبواب الحكام غير مغلقة لمن أراد الحق ودعا إليه .
فمادام أن الأمر كذلك، فأي جهاد يدعو إليه أولئك القتلة الإرهابيون في بلاد الحرمين؟
لاسيما ونحن لم نر كفراً بواحاً ، أو حتى دعوة إليه من قبل حكام هذه البلاد ، فالكفر من الأسباب الداعية إلى الخروج على الحاكم وقتاله ، ولم يشهد أحد بأن حكام البلاد السعودية قد وقع منهم ما يخل بعقيدتهم ، وزعزعة إيمانهم.
أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ! حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: "أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
نعم الكفر الصريح هو الذي يبيح للمسلمين خلع بيعة الحاكم ومنابذته بالسيف ، أما ما يحصل من أخطاء وظلم وجور فهذا واقع في كل زمان ومكان ، لأن البشر أهل خطأ وزلل ، ولا يجوز بحال قتال الدولة من أجل ذلك ، مادام أن الإسلام قائم ، وحكمه سائد.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ "قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ".
فهذا الحديث أصل عظيم لمن وهبه الله العلم والبصيرة ، وتوقع عواقب الأمور ونتائجها السيئة، لاسيما على الإسلام وأهله ، فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وتدمير برجي التجارة في أمريكا ، والدول الإسلامية تعاني الضنك والنصب ، فضيق عليها الخناق كثيراً ، وأحجمت عن كثير من الأعمال ، بينما تصول وتجول دول الكفر وخاصة اليهود لأنهم بمنأى عن الإرهاب كما زعموا وهم أهله ومبتكروه ، وما يحدث في أرض فلسطين لهو خير شاهد على تلطخ أيديهم بدماء الشهداء من المسلمين هناك .
وما يحدث في أرض الرافدين بالعراق من قتل وتمثيل بالجثث وأعمال إجرامية وتعذيب واغتصاب وتشريد ودمار على أيدي القوات المتعددة الجنسيات وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا لهو أعظم دليل على خبث النوايا ، وسوء الطوايا .
وما يحدث من الكفار في كل بقاع الأرض ضد المسلمين لهو دليل على الحقد الدفين للإسلام وأهله .
وما تعانيه الأمة اليوم من الاضطهاد والذل والصغار ، والحروب الأهلية الداخلية، ووجود تيارات جارفة، لهو أثر من آثار الإرهاب ، ولن يصب إلا في مصلحة دول الكفر والفساد ، فالإرهاب دمار وخراب ، ولن يكون المتضرر الأول فيه إلا أهل الإسلام ، فعلا عقل شبابنا ذلك ؟ فليت شعري لو حكموا كتاب ربهم ، واتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا العلم من العلماء الراسخين المعروفين المشهود لهم بالخير والعطاء ، وتركوا سقيم الفتاوى ، ومريض الدعاوى، لعاشت الأمة في خير ونعيم أفضل من ذي قبل .
لهم حق:
ربما كان العنوان مبهماً ، والمقصود منه رجال الأمن البواسل ، فكما أن لنا حقوقاً عليهم ، ومن أعظمها وأهمها حماية أمننا ، وإيجاب سبل الراحة والطمأنينة للمجتمع كافة ، فكذلك لهم علينا حقوقاً من أعظمها الدعاء لهم بالتوفيق والسداد ، وهذا السلاح الفتاك ربما غفل عنه الكثيرون، فلهم منا كل الدعاء بأن ينصرهم على تلكم الفئة التي ضلت سبيل الرشاد ، ولم ترد إلا الفساد ، ومن حقوقهم علينا تسهيل مهامهم المنوطة بهم ، وإرشادهم لأوكار الإرهاب وأهله ، فنسأل الله تعالى أن يوفقهم ويجعل التوفيق حليفهم.
وفي الختام:
أسأل الله العلي القدير أن يتم نعمة الإسلام علينا، وأن يمن علينا بعمة الأمن والأمان، والصحة في الأبدان، وأن يجعلنا اخوة متحابين متعاونين على البر والتقوى، متناهين عن الإثم والعدوان، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اهد شباب المسلمين، ورد ضالهم إليك رداً جميلاً، اللهم هيئ لهم علماء ناصحين داعين إلى الحق آمرين به، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
=====================
كتبه:
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك
8 / 1 / 1426هـ