وهم الحقيقة” بالتكرار يغيرون مبادئ ومعتقدات الأفراد والشعوب
هناك تأثير في علم النفس يطلق عليه illusory truth effect يقول إن كلما تكررت كلمة أو شيء معين أمامك سواء سمعتها، أو قرأتها، أو شاهدتها من خلال أي وسيلة ستصبح أقرب للحقيقة بالنسبة لك. أي لو أن هناك شخصًا أخبرك أن فلانًا أو أن تلك الجهة المعينة سيئة وشريرة، وبقي يكرر لك الأمر بين الحين والآخر، ستبدأ فعلًا تحس بما قاله لك، وكلما تزداد المصادر، تظن أن ما قاله فعلًا حقيقي، وكل ما يكون المصدر قوي، أو تثق فيه أنت فقد يوصلك لمرحلة الإيمان. المسألة مررنا بها جميعًا، وكي أزيدك من الأمثلة أذكر أننا عندما ندخل لفصل جديد أو عندما يأتي أستاذ جديد لتدريسك فتجد الجميع يقول لك إنه سيئ واحذر منه، و… فتبدأ أنت تصدق هذا الكلام، وتدخل لحصته وأنت تحمل هذه النظرة حوله، وبعدها تفاجأ أن كل ما قيل لك كذب وافتراء. هذا الموضوع أيضًا يستخدم في التسويق، فتجد إعلانًا عن صابون مثلًا، أو معجون في التليفزيون، وفي النت، وفي الشارع، ويقولون إن أفضل الأطباء في العالم ينصحون به، فأول ما تدخل الصيدلية تشتري من هذا النوع مباشرة، لأنك ترى أنه الأحسن.
ويستخدم هذا الموضوع أيضًا في نشر الخرافات، كأن تسمع من جدك، والناس الكبيرة أن في منطقة معينة كان هناك رجل غريب يقتل الناس ويقوم بأفعال غريبة، وهذه مجرد خرافة من الخرافات المنتشرة. عندما تتكرر مجموعة من الأفكار في وسائل متعددة وتمر على عقلك في كل وقت، حتى وإن كانت أفكارًا خاطئة، فإنها ستترسخ في ذهنك، وستأثر في سلوكك وتوجهك، أنا في البداية ضربت أمثلة بسيطة، ولكن المسألة أعمق من هذا، فهذه الطريقة تستخدم اليوم لتغيير شعوب، وتحريفها، وتبديل معتقداتها، وتوجهاتها. فانظر من حولك لحال المسلمين وما وصل إليه تجد العجب العجاب، سلوكيات ومعتقدات لم نكن نفكر أن تدخل لمجتمعاتنا، أفكار وتوجهات ونزعات، لم نكن حتى نتخيل أن تنخر مجتمعنا وتدق حتى بابه، هي اليوم أصبحت عادية، بل أصبح الذي لا يقوم بها ولا يسر معها هو المتخلف والرجعي. المريض النفسي الذي يأكل أظافره باستمرار وبدون وعي، يحصل له هذا لأن عقله أوجد عنصرًا خاصًا بالظفر، فأول ما يكبر الظفر فيصبح هذا العنصر نشطًا، ويرسل رسالة يقول لك ابدأ بقضم أظافرك.
ونفس الشيء نعيشه اليوم، فتلك الأفكار التي ترسخت في عقولنا جراء تكرارها قد تحولت لحقيقة، وتأمل حال عباد الأصنام وموجدي الأديان المزيفة أنهم في البداية لم يكونوا يؤمنون بها، بل أوجدوها لأنهم سيحققون من خلالها مصلحة، فما وجدوا حالهم إلا وهم قد صدقوا ما أوجدوا، وأصبحوا هم أنفسهم يعبدونها. فهذا هو ما نعيشه اليوم، وما تلك الأفكار الغريبة التي أصبحت عادية، وما تلك السلوكيات والمظاهر التي انتشرت، وأصبح الذي لا يقوم بها هو غير العادي، إلا نتيجة تكرارها المستمر مما جعلها تترسخ في أذهاننا، وتصبح أمورًا عادية. إن الدول المتقدمة اليوم لم تعد كالسابق تحمل السلاح وتجهز الجند وتدخل على الدول فتستعمرها وتخضعها لها، بل المسألة أصبحت أعمق من هذا، فقد أصبحت حرب أفكار، حرب عن بعد من دون تدخل أي جندي، ومن دون أعلام أي أحد، فتجد دولة كاملة تحتلك وتسيطر عليك وتخضعك لها وأنت لا تدري، كل هذا تم عن طريق الأفكار