أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الحاجة إلى الرسل وبيانهم الإثنين 03 سبتمبر 2012, 5:35 am | |
| الحاجة إلى الرسل وبيانهم: معرفة الخالق: أنت أيها الإنسان مخلوق، فهل عرفت خالقك؟ وهل عرفت صفاته؟
معرفة المالك: أنت أيها الإنسان لا تملك من نفسك شيئاً، لا تملك يدك، ولا عينك، ولا قدمك، ولا أصغر عرق أو خلية من جسمك، لأنك لم تخلق شيئاً من نفسك، فهل عرفت مالكك الحق الذي يملك كل شيء فيك؟
معرفة المنعم: أنت أيها الإنسان لا تملك الماء الذي تشربه، ولا الهواء الذي تتنفسه، ولا الطعام الذي تأكله، ولا الأرض الذي تسكن فيها، ولا تملك شيئاً في كل ما تنتفع به وتستخدمه، وتتصرف به في هذا الوجود، فهل عرفت مالك كل هذه النعم؟
معرفة الدين: وأنت أيها الإنسان قد منحت مقدرة على عمل ما تشاء في هذه الأرض، وأعطيت صلاحية التعرف في كثير من الأشياء، فهل عرفت من الذي استخلفك على هذه الأرض، ومن الذي خولك هذه الصلاحيات؟ وهل عرفت ما الذي يرضيه من عملك؟ وما الذي يغضبه من فعلك؟
"أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَُّه" الشورى: 21".
معرفة الحكمة من الخلق: وأنت أيها الإنسان محدود المهلة على هذه الأرض، وأيامك عليها معدودة، وأنت منها خارج كما دخلت عليها: "وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ" الأنعام: 94.
فهل عرفت لماذا جئت إلى الدنيا؟ إن لأنفك حكمة ولم يُخلق عبثاً، وإن لعينك حكمة ولم تُخلق عبثاُ، وإن لقدمك حكمة ولم تُخلق عبثاً، وإن للعرق الصغير وللشعيرة الدموية في جسمك حكمة ولم يُخلقا عبثاً، ولكن هل علمت ما هي الحكمة من وجودك بأكملك؟ ولماذا جئت إلى هذه الدنيا؟
إنك لن تعرف إلا بتعليم من خالقك وحده، لأنه هو الذي خلقك وفقاً لإرادته التي أرادها من خلقك، ولن تعلم إرادته التي خلقك وفقاً لإرادته التي أرادها من خلقك، ولن تعلم إرادته التي خلقك من أجلها إلا بتعليم منه وحده، فإرادته سبحانه لا تعلم إلا بتعليم منه، تماماً كما لا يعلم الناس بالحكمة من أي آلة أو جهاز إلا بتعليم من صانعها وحده.
الجاهلي الأكبر: ولكي تفهم أهمية معرفة الحكمة من وجودك ما هو رأيك في الشخص الذي لا يعرف الحكمة من عينه.
وما رأيك في الشخص الأكثر جهلاً منه الذي لا يعرف الحكمة من عينه وأنفه وأذنه.
وما رأيك في الشخص الأكثر جهلاً الذي لا يعرف الحكمة من عينه ولا أنفه ولا أذنه ولا فمه ولا رأسه ولا يده؟ فهل علمت الآن من هو الجاهلي الأكبر؟ إنه ذلك الشخص الذي لا يعرف الحكمة من وجوده على هذه الأرض.
معرفة المصير: وأنت أيها الإنسان سائر إلى ما سار إليه الأولون، ومنتقل من هذه الدار كما انتقلت من دار الرحم الصغير، إلى هذه الدنيا، فهل عرفت إلى أين المصير؟ وما الذي ينتظرك بعد موتك؟!!
معرفة أسباب النجاح: وأنت أيها الإنسان لا شك محاسب أمام من استخلفك، ولا بد أن تجد جزاء عملك الذي عملت في هذه الدنيا، وأنه لا يمكن لك أن تعلم ما هي الأعمال المرضية لخالقك وما درجتها عنده؟ وما ثوابها؟ ومثلها الأعمال السيئة التي تغضبه سبحانه؟ وما مقدار سوئها؟ وما عقابها؟ فهل تعرف شيئاً من ذلك أيها الإنسان؟
الحاجة إلى الرسل: إن كل العلوم السابقة تمثل تحدياً للإنسان فمهما أوتي إنسان من ذكاء؛ فإنه لا سبيل إلى معرفة أي شيء مما سبق، إلا بتعليم من الخالق المالك المنعم المحاسب المتصرف، فكل ما سبق لا يمكن لإنسان أن يعرفه إلا بهدي الخالق وحده، لذلك فالبشرية في أمس الحاجة إلى هؤلاء المرسلين، الذين يطلعهم الله على تلك العلوم السابقة لتعليمها وإبلاغها للناس.
قال تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَ َاليُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِ َّالمَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" الجن: 26 ، 27.
مقتضى الكمال الإلهي: وإذا كنا نقرر عجز وتقصير أي شركة صناعية، لا ترسل البيانات الموضحة لفائدة وعمل مصنوعاتها، عند إرسال هذه المصنوعات للناس، فإن خالق الإنسان المفكر هو الكامل الذي يعجزه ولا ينقصه شيء، ومن كمال قدرته وحكمته أنه لا يخلق إنساناً مفكراً متسائلاً عن خالقه، وصفاته، والحكمة من خلقه ومصيره، وغيرها ثم يتركه لحيرته دون هدى أو بيان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
قال تعالى: "رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَِّه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"
بينات الرسل: ولكي لا يكذب أحد رسل الله، ولكي لا يدعي كاذب النبوة والرسالة أيد الله رسله ببينات تشهد لهم أنهم رسله، وتميزهم عن غيرهم، وتقوم بهذه البينات والدلائل الحجة على الناس.
قال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" الحديد: 25. فإذا حاج الرسول بعد هذه البينات وخاصمه جاحد ومكابر أجابهم مستغرباً "أَتُحَاجُّونِي فِي اللَِّه وَقَدْ هَدَانِي" الأنعام: 80. ووصفهم كما وصفهم الله: "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ" يونس: 39.
من بينات الرسل: وهذه أمثلة من البينات التي أيد الله بها رسله، فلقد أيد الله رسوله صالحاً عليه السلام المرسل إلى ثمود بالناقة.
قال تعالى: "وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا" الإسراء: 59.
ذلك أن ثمود طلبوا من رسولهم صالح عليه السلام: أن يخرج لهم ناقة من الصخر لتكون دليلاً على صدق نبوته ورسالته، فأخرج الله لهم ولكنهم لم يؤمنوا بأجمعهم وما آمن له إلا القليل.
وأما سيدنا إبراهيم عليه السلام، فقد ألقاه أعداؤه في النار، ولكن الذي قدر في النار خاصية الإحراق، أنقذ رسوله من كيد الكافرين.
قال تعالى: "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيم" الأنبياء: 68 ، 69. وأما سيدنا موسى عليه السلام، فقد أيده الله بتسع آيات بينات عندما أرسله إلى فرعون. "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ" من سورة الإسراء: 101.
وقال سبحانه: "وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" النمل: 12 - 14. أما سيدنا عيسى عليه السلام فقد أرسله الله ببينات ذكرها القرآن: "إِذْ قَالَ اللَُّه يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجيِلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْْمَهَ وَالأبْْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِين" المائدة: 110.
وربما كان لهذه البينات القوية، كإحياء الموتى التي أيد الله بها عيسى عليه السلام فهم معكوس أعان الجهلة والمحرفين على وصف عيسى أنه ابن الله استغفر الله، تلك بعض آيات الله التي أيد الله بها رسله ليعرف الناس ويستيقنوا، بصدق رسالة الرسل والأنبياء.
وأنت تجد هذه البينات قد قامت على أساس أن يستصحب الرسول معه أشياء لا يملكها إلا الله، حتى يكون ذلك دليلاً على أنه مرسل من لدن صاحب ومالك هذه الأشياء، تماماً كما ترسل بعض الحكومات مندوبيها ومعهم مصفحات أو سيارات الحكومة، وأيدته بما تملك وحدها فيكفي ذلك في تصديقه.
السجل الصادق: وإذا سأل سائل ما هي معجزات محمد صلى الله عليه وسلم وبينات رسالته التي آمن بها الناس والتي يمكن أن يؤمن بها الناس اليوم؟
قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف الحقيقة الآتية وهي: إن المعجزات والبينات التي أجراها الله على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا تزال ظاهرة إلى يومنا هذا شاهدة برسالته كما ستتضح بعد هذا، إلا أن البينات والمعجزات التي أجراها الله على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والتي انتهت بانتهاء زمن حدوثها كتأييد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرياح والملائكة، وكنبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم هذه المعجزات والبينات قد سجلت في سجل صادق لا يشك فيه العاقل.
أولاً: القرآن الكريم: لقد سجل القرآن في صفحاته بعض المعجزات التي حدثت وشاهدها الناس فلقد كان ينزل القرآن منجماً على حسب الأحداث، ذاكراً لها، معقباً عليها، شارحاً لأسبابها مستخلصاً للعبر منها:
قال تعالى: "لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ" الأنبياء: 10.
ولا بد أن يعتقد كل عاقل أن ما سجله القرآن من الأحداث حق لا ريب فيه، حتى ولو لم يكن مسلماً.
ذلك القرآن عندما يذكر مثلاً أن الله شتت جموع الأحزاب التي تجمعت لاستئصال المسلمين، ربما أرسل الله عليهم من رياح وجنود لم يرها الناس وأدركوا آثارها.
قال تعالى: "اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَِّه عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَُّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا" الأحزاب: 9.
وعندما يسجل القرآن هذه المعجزة البينة، ويسمع المؤمنون والكافرون ما سجله القرآن أثناء تلاوة القرآن في الصلاة أو المجالس وحلقات العلم، فإن كان ما سجل حقاً فإن المؤمنين يزدادون ولاء للإيمان.
ولا يجد الكافرون إلا الصمت أو الإيمان.
أما لو سجل القرآن ما لم يقع.
فسيقول الذين لم يؤمنوا به: انظروا أيها الناس فيما يزعم محمد: إنه يزعم أن رياحاً وجنوداً قد سلطت علينا، ولم يحدث شيء من ذلك، فكيف نؤمن به ونصدق ما يقول وقد ظهر كذبه!!
غير أن الذي حدث هو أن ازداد المؤمنون إيماناً وشكراً لنعمة ربهم، وتحول الكافرون من عنادهم، وكفرهم، إلى الإسلام وحقائقه الساطعة.
ولقد كان عبدالله بن رواحة أحد الصحابة ينشد قائلاً: وفينا رســـــول الله يتلو كتابه أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا إذا انشق مكنون من الفجر ساطع به موقنــــــــــــات إن ما قال واقع
كما أن كل عاقل يجب أن يطمئن أن القرآن الذي يقرؤه اليوم هو نفس القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فلو أخذ هذه الآية التاسعة من سورة الأحزاب وذهب إلى لندن وباريس، وموسكو، وواشنطن، وبكين، وتل أبيب، وقرى في أدغال إفريقيا، ومكة المكرمة وأخذ مصحفاً من كل هذه الأماكن، وفتح على سورة الأحزاب، بل وما بين دفتي المصاحف جميعاً كلام واحد لم يتغير ولم يتبدل.
قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" الحجر: 9.
ثانياً: الحديث النبوي: لم يوجد رجل في العالم كرسولنا صلى الله عليه وسلم، اهتم جيله بحفظ أحاديثه كلها عن ظهر قلب، وتدارسها كل يوم، وعقد حلقات العلم لتدارسها وتعليمها للأبناء، وإقامة المدارس لمدارستها، وخضوع الناس لمن يحفظ أكبر قدر منها كأئمة المذاهب، وقيام المئات من رواة الحديث يقضون أعمالها في جمع هذه الأحاديث، وترتيبها، وتدوينها، والسفر من بلاد إلى بلاد للمطابقة بين الأحاديث، والتحري من ألفاظ الحديث، ورواته وسيرتهم وذلك كالبخاري ومسلم والنسائي وأحمد والترمذي وأبي داود وغيرهم، حتى دونت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأسانيدها ودرجاتها.
ذلك لأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم جزء من الدين الذي ينظم السلوك اليومي للمسلم في صلاته وصيامه وزكاته وحجه، وبيعه وشرائه وزواجه وطلاقه، وعلاقاته بأسرته وجيرانه كما يوضح للمسلم ما الذي يجب عليه نحو ربه وأمته.
هذا الحديث النبوي الذي لقي من المسلمين هذا الاهتمام بعد أن أمرهم ربهم بقوله: "وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" الحشر: 7.
هذا الحديث النبوي المدون المضبوط، وثيقة تاريخية، يقف العاقل أمامها موقف التقدير والاحترام.
وسنجد في هذه الوثيقة التي دقق في حفظها معجزات وبينات قد أظهرها محمد صلى الله عليه وسلم للناس.
وعلى أساسها آمن الناس وصدقوه.
السيرة النبوية: وإذا أردت أن تعرف أهمية السيرة النبوية في تسجيل الحقائق، وأدق تفاصيل وأعمال حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتأمل في أعظم زعيم اليوم، وسل نفسك هل تعرف اسم أمه أو جده أو بنته؟!
وهل تعرف أين ولد هذا الزعيم، وأين تربى، ومن أرضعته ومن كفله، ومن هم أصحابه، وما أسماؤهم، وكيف كانت بداية صداقته معهم، وما الذي يحب هذا الزعيم من المأكل والملبس والمشرب؟ وما هو رأي هذا الزعيم في أمور الحياة بأجمعها؟ وعندئذ ستجد أن هناك ألغازاً في حياة الزعيم أنت تجهلها، بالرغم من الكتب والصحف والإذاعات التي تتحدث عن هذا الزعيم..
وستجد أنك تعرف هذه الأمور بالنسبة لحياة سيدنا محمد صلى الله بل ستجد كتباً قد خصصت لوصف وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقامته ولونه، وملبسه، وأدق تفاصيل حياته ولست وحدك.
بل إن ملايين البشر في كل بقاع الأرض في كل زمن قد علموا بكل تفاصيل حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، أدق وأوضح سيرة على وجه الأرض.
ولسنا نعرف رجلاً اشتغلت الملايين في قرنه وعهده وما بعدها من قرون، بتفاصيل أعماله ودقائق أفعاله لتجعلها منهاجاً للحياة وشريعة للناس وأدعية في الصلاة والعبادات كما حدث ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم، فقد أحصيت آثاره، ونقدت بحذر ومحصت بدقة، وسبب هذه العناية بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتسجيل كل ما دار وحدث له عليه الصلاة والسلام، أن الاشتغال بهذه العلوم عبادة يؤجر صاحبها وتقربه إلى الله، وترفعه منزلة اجتماعية، وتكسبه تقديراً وحباً بين الناس.
ونحن نجد أن بعض المعجزات والبينات التي أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم والتي انتهت بانتهاء وقوعها قد سجلت لنا في سجلات صادقة هي: القرآن الكريم والحديث النبوي، والسيرة النبوية، ويمكن لأي إنسان أن يقف على هذه البينات والمعجزات من خلال هذه السجلات الصادقة.
حملة ثقات: وإذا كانت معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حفظت في سجلات صادقة فإن حملتها هم أوثق من عرفته البشرية، لأن البلاد التي فتحها المسلمون قد أجمعت في شهادتها بصدق إيمان الفاتحين.
فالتحقت بهم ودخلت في دينهم، وقاتلت معهم، وانتسبت إليهم، وتعلمت دينهم ولغتهم ولا تزال إلى يومنا هذا تمجد ذلك اليوم الذي تم فيه فتح أرضها على أيدي المسلمين وخاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه وزكاهم وطهرهم بتوجيهاته وتحت إشرافه، وإذا كانت الأمم قد شهدت للفاتحين من الصحابة والتابعين بصدق الإيمان فانقادت لهم محبة وإكباراً فإن هؤلاء الفاتحين قد شهدوا لعلمائهم الضابطين الأتقياء ووثقوهم بانقيادهم لهم، واعترافهم بكرامتهم وفضلهم، وهؤلاء العلماء الضابطون هم الذين حملوا الدين، وصان الله بهم القرآن وثبت بهم الحديث والسيرة.
ويكفينا ما شهد الله به لأصحاب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لنعرف مقدار الدرجة التي وصلوا إليها وأن الله سبحانه قد هيأهم لحمل دينه إلى العالمين.
قال تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَِّه" آل عمران: 110.
وقال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" البقرة: 143.
وأخبر المولى أنه قد هيأ هذا الجيل لحمل الرسالة فقال سبحانه: "وَاعْلَمُوا أَن َّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَِّه لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِير مِنْ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِن َّاللََّه حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإيِمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ"الحجرات: 7.
وقال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم: "هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين"
وقال سبحانه مبيناً صدق إيمان هؤلاء الصحابة والتابعين وتابع التابعين الذين حملوا هذا الدين فمكن الله لهم في الأرض واستخلفهم.
"وَعَدَ اللَُّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا" النور: 55.
وهذه الأمة الراشدة الصادقة الوسط هي التي حملت هذا الهدى.
الخلاصة: *إن جهل الإنسان بخالقه، ومالكه.
والمنعم عليه، والدين الذي يرضي ربه، والحكمة من خلقه، ومصيره الذي يسير إليه بموت، وأسباب النجاح التي تنجيه عند ربه وأسباب الخسران في آخرته.
إن الجهل بكل ذلك لا يزيله إلا هدي يأتي من عند الله.
*إن العدل والكمال الإلهي يقتضيان إرسال البيان الشافي لمن خلقهم الله من بني الإنسان المتسائلين عما سبق بيانه.
*ولكي تقوم الحجة على الناس، ولكي لا يدعي النبوة دجال، أو كذاب، فإن الله يؤيد رسله ببينات واضحة، ومعجزات لا تأتي لبشر تشهد لهم بصدق الرسالة والنبوة.
*من أمثلة بينات الرسل السابقين، ناقة صالح، ونار إبراهيم، وآيات موسى التسع، وإحياء عيسى للموتى، وشفاؤه للأعمى، وغيرها من البينات الأخرى.
*ولقد أيد الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ببينات كثيرة ودلائل دائمة، ومعجزات متعددة، لا تزال باقية ظاهرة، وأما تلك التي انتهى حدوثها في زمانه، كتسخير الرياح له، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام القليل فقد سجلت في سجلات صادقة.
*يعتبر القرآن سجلاً صادقاً للأحداث التي وقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد كان ينزل منجماً حسب الحوادث، وكان ما يسجله عن الأحداث لا يتشكك فيه مؤمن، ولا يعارضه كافر، ولو سجل فيه ما لم يقع لعارضه الكافرون، وتشكك فيه المؤمنون.
*ويعتبر الحديث النبوي سجلاً صادقاً أيضاً فلقد كان هم المسلمين حفظ كل حديث يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم، أو كل موافقة منه لأن ذلك جزء من دينهم الذي ينظم سلوكهم الشخصي، وعلاقاتهم بربهم، وأهلهم، وجيرانهم الذي ينظم سلوكهم الشخصي، وعلاقاتهم بربهم، وأهلهم، وجيرانهم ومجتمعهم وكان من يقضي عمره من المسلمين في الاشتغال بعلوم الحديث، ينال الدرجة العالية بين الناس، وينال رضاء ربه.
*والسيرة النبوية أوضح وأدق سيرة عرفت للإنسان على وجه الأرض فليس فيها غموض، أو لبس، بل هي أوضح بعشرات المرات من سيرة أشهر الزعماء المعاصرين، وقد محصت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بدقة، وعكف عليها دراسة، وحفظاً، وتمحيصاً عبر القرون، وهي بهذا سجل صادق لأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم مع قومه.
*ولقد حمل هذا الهدى رجال ثقات شهدت لهم الأمم التي كانت تعيش معهم إيمانهم، وصدق قولهم، فاتبعت دينهم وما زالت تتابعهم إلى اليوم، كما شهد القرآن الكريم بصلاحية وصدق هؤلاء الحملة لدين الله من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
إشعار سابق: قال تعالى: "وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوْلََّينَ" الشعراء: 196.
من بينات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بينة سابقة لظهوره لا دخل له فيها، تلك البينة هي الإشعار السابق من الله سبحانه للناس في الكتب الإلهية السابقة.
بأنه سيرسل رسولاً بعد عيسى عليه السلام، حدد الله مكانه وبين علامات زمانه، ووضح أوصافه هذا الرسول لكي يعرف بها عند ظهوره، وعندما بدأت أمارات الزمن تظهر، أخذ الأحبار والرهبان من اليهود والنصارى يعلنون عن قرب ظهور النبي المنتظر، وبينما الناس ينتظرون ظهور هذا النبي إذا به يظهر في المكان المحدد وفي الوقت المعلوم، ويأتي علماء النصارى وأحبار اليهود، فيتفرسون في أوصافه صلى الله عليه وسلم، فيعرفون انطباق كل الأوصاف عليه فيعلن الكثير منهم إسلامه وإيمانه ومفارقة دينه، وتحوله إلى الدين الجديد، تلميذاً متعلماً بدلاً من العالم المعلم، وفرداً وتابعاً بدلاً من زعيم متبوع، حتى حاج القرآن المشركين بإسلام هؤلاء العلماء من بني إسرائيل:
"أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ" الشعراء: 197.
"الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ" القصص: 52 ، 53.
زمن ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1 – حرفت التوراة والإنجيل فانعدم وجود التوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، وبقي لدى اليهود أسفار يدعون أنها التوراة، وليست إلا كتابات قام بها بعض علمائهم، وينقص هذه الأسفار وجود سند متصل إلى موسى عليه السلام كما أن إنجيل عيسى عليه السلام قد اختفى وضاع من بين أيدي المسيحيين، واستبدل بدلاً عنه سبعون إنجيلاً اختصرت أخيراً إلى أربعة أناجيل هي: إنجيل متى، إنجيل مرقص، إنجيل لوقا، إنجيل يوحنا.
وأنت ترى أن كل إنجيل قد نسب إلى صاحبه الذي كتبه.
فهذه الأسفار والأناجيل بمثابة سيرة لموسى وعيسى عليهما السلام وهي أيضاً سير ليست صحيحة كلها، أو ملزمة، وقد احتوت التوراة والإنجيل، وبلغ الضياع الديني أوجه عندما انقسم النصارى إلى فرق متعددة يكفر بعضها بعضاً، وكل منهم لا يستند على شيء ثابت كما بلغ الصراع بين اليهود والنصارى درجة كبيرة كل يسفه الآخر ويسخر منه، ولقد سجل القرآن الكريم هذا الموقف: "وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ" البقرة: 113.
وهكذا خلا العالم من هدى الله، وتخبط الناس في ظلمات الجاهلية المشركة أو الوثنية، وهكذا بدا لكل من يعرف سنة الله في خلقه أنه لابد للهادي سبحانه أن يبعث نوراً يهدي به الناس إلى طريقه القويم، ولقد جاء في إنجيل (برنابا) في الفصل الثاني والسبعين على لسان عيسى عليه السلام مخبراً للحواريين عن زمن مجيء الرسول الذي من بعده قائلاً : (إنه لا يأتي في زمنكم بل يأتي بعدة سنين حيثما يبطل إنجيلي ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمناً، في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء).
كثرة أخبار ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم: لما ظهرت علامات الزمان الذي سيظهر فيه الرسول المنتظر، أخذ الأحبار والرهبان الذين لهم اطلاع يكثرون من الإعلان عن قدوم الرسول المنتظر، وقد حفظ القرآن، وكتب الحديث والسيرة طرفاً من هذه الأخبار.
فهذا سيف بن ذي يزن الحميري يبشر عبدالمطلب بأنه سيأتي من نسله النبي المنتظر بعد أن استمع إلى نسبة المتصل بإسماعيل عليه السلام.
وهذا زيد بن نفيل وجماعة من أصحابه، قد خرجوا عن دين إبراهيم فوصل زيد إلى راهب بالشام قال لزيد: إنك لتطلب ديناً ما أنت بواجد من يدلك عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها يبعث بدين إبراهيم فالحق به.
وهذا قس بن ساعدة الإيادي يقول في خطبة له في سوق عكاظ: (إن لله ديناً هو أحب من دينكم يتحدث لقومه العرب ونبياً قد حان حينه وأظلكم أوانه).
أما يهود المدينة فقد أكثروا من الإعلان بمقدم النبي المنتظر وكانوا يتوعدون العرب المشركون بظهوره، وبأنهم سيتبعونه ويقتلونهم معه قتل عاد إرم.
ولقد سجل القرآن موقف اليهود هذا، وواجههم به، واحتج عليهم بما كانوا يقولون قبل نزول القرآن، وأخذ المسلمون بدورهم يحاجون اليهود، فلا يجد اليهود إلا أن يعترفوا أمام المؤمنين.
وإذا خلا بعضهم إلى بعض تلاوموا.
لقد كان اليهود يقولون إذا دهمهم أمر: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة.
وسجل القرآن الكريم استفتاح اليهود هذا على العرب المشركين عندما يظهر النبي المنتظر بقوله: "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَِّه مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَِّه عَلَى الْكَافِرِينَ" البقرة: 89.
كما سجل القرآن الحوار والجدال اللذين كانا يدوران بين المسلمين واليهود حول ما كان اليهود يعلنون من أن نبياً سيظهر.
قال تعالى: "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَُّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ أَوَ لا يَعْلَمُونَ أَن َّاللََّه يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ" البقرة: 76 ، 77.
فلقد كان اليهود يعترفون بما كان منهم سابقاً، ويؤكدونه، وهم يعلمون أن ذلك سيكون عليهم حجة عند ربهم لعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، لذلك كانوا يلومون بعضهم على ما كانوا يقولون للناس الذين سيشهدون عليهم يوم القيامة بأنهم يعرفون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما آمنوا به فكانوا يصفون أنفسهم على فعلهم هذا بالجنون (أفلا تعقلون)، ويرسمون طريقاً آخر لكتمان الحقيقة بعدم التحدث عما في التوراة من بشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يعتقدون أن الله لا يحاسبهم إلا بما شهد عليهم به الناس.
"أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَُّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَ َالتَعْقِلُونَ".
وهذه المدينة يسلم أهلها قبل إسلام أهل مكة.
مع طول لبث الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، بسبب ما كانوا يسمعون من جيرانهم من اليهود -سكان المدينة- من أوصاف وبشارات بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم فلقد كان ما قاله أول وفد أسلم من المدينة عندما رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم: إن هذا والله للنبي الذي توعدكم به (يهود) فلا يسبقنكم إليه.
المتحققون: 1 الراهب (بحيرا): عندما خرج محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب أثناء سفره الأول إلى الشام، التقيا بالراهب بحيرا الذي تفرس في محمد صلى الله عليه وسلم ورأى معالم النبوة في وجهه، وبين كتفيه فسأل أبا طالب: الراهب: ما هذا الغلام منك؟ أبو طالب: ابني. الراهب: ما ينبغي أن يكون أبوه حياً! أبو طالب: فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلى به. الراهب: صدقت ارجع به إلى بلدك واحذر عليه (يهود) [ 4].
2 الراهب (نسطورا): وكما تعرَّف بحيرا على محمد النبي أثناء رحلته الأولى إلى الشام، تعرف عليه أيضاً الراهب (نسطورا) الذي رأى الغمامة تظله عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: "أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ" المؤمنون: 69.
3 نجاشي الحبشة (أصمحة): عندما سمع النجاشي بعضاً من آيات القرآن يتلوها عليه جعفر بن أبي طالب بكى حتى اخضلت لحيته وقال: (إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرجان من مشكاة واحدة) [ 5] ولهذا كانت الحبشة مأوى للمسلمين في هجرتهم الأولى والثانية إذا ضاقت بهم أرض العرب، ولما وصل عمرو بن أمية الضمري بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعوه فيه إلى الإسلام، وضع النجاشي على رأسه ونزل من على سريره تواضعاً، وكتب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً يعلن فيه: أنه قد آمن.
وأرسل النجاشي وفداً من النصارى كان فيهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام هم: بحيرا الراهب، وإدريس، وأشرف وأبرهة، وثمامة فبكوا حين سمعوا القرآن.
وفي هؤلاء العلماء من النصارى الذين اغرورقت عيونهم بالدمع عند سماعهم القرآن نزل قوله تعالى: "لَتَجِدَن َّأَشَد َّالنَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَن أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَن َّمِنْهُمْ قِسِّيسِين وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ" المائدة: 82 ، 83.
4 وفد علماء النصارى إلى مكة: عندما سمع النصارى بظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم أرسل النصارى وفداً إليه مكوناً من عشرين شخصاً فلما جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وسمعوا القرآن وأجوبة الرسول صلى الله عليه وسلم على أسئلتهم، فاضت أعينهم بالدمع وأسلموا.
فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا: خيبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل فلم تطل مجالستكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم! ما نعلم ركباً أحمق منكم -أو كما قال لهم- فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نألوا أنفسنا خيراً.
وفي هذا الوفد نزل قوله تعالى مسجلاً الحادث: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِين (53) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلام عَلَيْكُمْ َلا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ" القصص: 52 - 55.
5 عبدالله بن سلام: وهو من كبار أحبار اليهود، لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة توجه إليه عبدالله بن سلام يتحقق من العلامات فلما تحقق أعلن إسلامه، ولكنه طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكتم إسلامه حتى يسمع رأي اليهود فيه، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود وأخذ يسألهم عن صاحبهم عبدالله بن سلام -وعبدالله مختبئ في مكان قريب- فقالوا: إنه سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، فخرج عليهم عبدالله بن سلام ودعاهم إلى الإسلام والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة، فرفضوا واستكبروا وفي هذا العالم اليهودي نزل قوله تعالى مخاطباً العرب: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَِّه وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِن َّاللََّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"الأحقاف: 10.
6 زيد بن سعنة: وهو من أحبار اليهود الذين أسلموا: لنتركه يروي بنفسه قصة إسلامه قال: لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه [ 6]: 1 يسبق حلمه جهله. 2 ولا تزيده شدة الجهل إلا حلماً.
فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله فابتعت منه إلى أجل فأعطيته الثمن، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيت فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله يا بني عبدالمطلب لأنتم قوم مطل (مماطلون).
فقال عمر: يا عدو الله، أتقول لرسول الله ما أسمع؟ فوالله لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك.
ومحمد صلى الله عليه وسلم ينظر عمر في سكون وتؤدة، وتبسم ثم قال: (أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن الاقتصاء، اذهب يا عمر فاقضه حقه وزد عشرين صاعاً مكان ما روعته -أي بدل ترويعك له- ففعل.
فقلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله. ولا تزيده شدة الجهل إلا حلماً.
فقد خبرتهما، فأشهدك أني قد رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً [ 7].
7 سلمان الفارسي: ولما سمع سلمان الفارسي بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ذهب للقائه وأخذ يمتحن فيه ثلاث علامات:
-1 لا يأكل الصدقة. -2 يقبل الهدية. -3 علامة على ظهره كبيضة.. أمارة جسدية بأنه النبي المنتظر، وكان قد تعلم هذه العلامات من راهب الشام.
فقدم سلمان حفناً من تمر للرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: هذه صدقة، ففرقها الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ولم يأخذ منها.. هذه واحدة.
ثم عاد سلمان بحفن آخر وقال له: هذه هدية، فأخذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال سلمان وهذه الثانية، ثم أخذ سلمان يحاول رؤية ختم النبوة في ظهر النبي صلى الله عليه وسلم حتى رآه فأعلن إسلامه.
8 مخيريق اليهودي: وهذا مخيريق اليهودي يتحقق من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيعلن إسلامه ويحارب معه، ويقدم الدليل على إيمانه بأن يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون ماله له إن هو قتل في المعركة، فاستشهد رحمه الله، وكان ماله من بعده صدقة لفقراء المدينة.
إن ما سبق ذكره أمثلة فقط للآلاف والملايين من أهل الكتاب الذين أعلنوا إيمانهم وإسلامهم عن طواعية ورضا.
وذكر القرآن مواقف بعضهم محتجاً على الأعراب الذين لا يزالون يكابرون في الحق.
قال تعالى: "أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ" الشعراء: 197.
وقال تعالى: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ" البقرة: 146. يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحــمــد لــبــن AhmadLbn في الخميس 13 أكتوبر 2016, 5:53 am عدل 1 مرات |
|