أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: "أسد القسطنطينية" (أبو أيوب الأنصاري). الأحد 11 ديسمبر 2016, 6:25 am | |
| "أسد القسطنطينية" (أبو أيوب الأنصاري).
"يا يزيد... أقرأ عني السلام على جنود المسلمين، وقل لهم: يوصيكم أبو أيوب أن تُوغِلُوا في أرض العدو إلى أبعد غاية، وأن تحملوه معكم، وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية" (أبو أيوب الأنصاري).
كانت دموع القائد الأعلى لجيش القسطنطينية (يزيد بن معاوية) تختلط مع دموع أخيه (الحسين بن علي) وهما ينظران إلى هذا الشيخ الثمانيني وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فتذكَّرَ كلٌ منهما قصة هذا البطل الأسطوري الذي كان الإنسان الوحيد على وجه الأرض الذي نال شرف استضافة أعظم مخلوقٍ خلقه اللَّه في التاريخ.
يومها كان هذا الشيخ ومَنْ معه من المسلمين مُهدَّدين من قبيلة في مجاهل صحراء العرب لا يبلغ عدد أفراد جيشها الألف، أمَّا الآن فإن هذا الشيخ الطّاعن في السِّن يُهدد بنفسه عاصمة أكبر إمبراطورية عرفتها أوروبا في تاريخها، يُهدّد القسطنطينية أحصن مدينة على وجه الأرض.
لقد كان هذا الشيخ العظيم هو خالد بن زيد بن كُليب بن مالك بن النَّجار، والذي عُرف بأبي أيوب الأنصاري.
وقصة هذا الصحابي تصلح لكي تُدَرَّس في مقاهي البلاد الإِسلامية المكتظَّة بعشرات المُسنّين مِمَّن يُضَيّعُون أوقاتهم في المقاهي بلعب الطاولة بانتظار مجيئ السَّاعة القاضية التي ينتهي فيها "سِنُّ اليَأس"!
إننا لا نتحدث عن شابٍ عشريني أو كهلٍ ثلاثيني أو حتى شيخٍ ستيني، إننا نتحدث عن هرمٍ جاوز الثمانين من عمره، ورغم ذلك يخرج مُجاهدًا في سبيل اللَّه، ليدُكَّ حُصون أعظم مدينة على وجه الأرض!
نرجع إلى الوراء 53 سنة عبر التاريخ لكي نعرف قصة أبي أيوب من بدايتها، وبالتحديد من اليوم الذي وصل فيه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة مهاجرًا إليها من مكة.
هناك تمنَّى كلُّ إنسانٍ أن يكون هو صاحب الشَّرف العظيم في استضافة رسول اللَّه، أعظم ضيفٍ في التاريخ, ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة مُشرقة قائلًا: "خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة".
فقد تَرَكَ الرسول قرار اختيار مُضِيفَهُ إلى اللَّه تعالى، فاختار اللَّهُ تعالى من فوق سبع سماوات أبا أيوب من دون كل البشر!
فقد وقفت النَّاقَةُ أمام بيت أبي أيوب، فوثب أبو أيوب على النَّاقَةِ من دون أن يتكلَّم شيئًا وحمل متاع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مسرعًا به قبل أن يُنافسه رجلٌ آخر على ذلك الشرف!
كان بيت أبي أيوب الأنصاري مُكَوَّنًا من طابقين، لذلك عرض أبو أيوب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يسكن في الطابق العُلوي لأنه يستحيي أن يسكن فوق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبره رسول الرحمة بكل تواضع أنه يُفَضِّلُ الطّابق الأرضي نظرًا لكثرة ضيوفه.
لكن أبا أيوب -رضي الله عنه- لم يكن ليهنأ في نومه خَشْيَةَ أن يُزعج رسولَ اللَّه من تحته.
ولنستمع إلى هذه القصة التي يرويها لنا بطلنا الإِسلامي العظيم بنفسه: "في ليلةٍ من الليالي انكسرت جرَّة فيها ماء ونحن نبيتُ في الأعلى من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسَالَ المَاءُ، فخشينا أن يتقاطر على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو نائم في الأسفل، فأخذنا أنا وأم أيوب لحافنا، وواللَّه ما كان عندنا غيره، فأخذنا نُنَشِّفُ به المَاءَ طِيلةَ الليل حتى لا تُصيب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قطرة من الماء وهو نائم في الأسفل، فتُؤذيه فيَستفيق من نومه".
وفي عهد أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنهما-، انتشرت سُوقُ الجِهاد بشكل كبير كما أخبر (ابن كثير) في "البداية والنهاية".
فلقد ابتكر معاوية نظام الصَّوَائِفِ والشَّوَاتِي في الجهاد، فكانت الجيوش في عصر الدولة الأموية تتبع هذا النظام الذي أسَّسَهُ "خَالُ المُؤمنينَ" لنشر الإِسلام على الأرض صيفًا وشتاء.
وفي سنة 53هـ خرج القائد الإسلامي يزيد بن معاوية على رأس جيشٍ يضم بين أفراده الحُسين بن علي، والعَبَادِلَةَ الأربعة عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو ابن العاص، وعبد اللَّه بن الزبير، وعبد اللَّه بن العباس، ليدكوا عاصمة الإمبراطورية الرُّومانية بكتائب التَّوحيد.
فأبَى أبُو أيوبٍ الأنصَاري (وقد بلغ الثمانين) إلا أن يُشارك في الجهاد!
فما إن وصلت كتائب النور الإِسلامية بقيادة القائد يزيد إلى أسوار القسطنطينية، حتى رأى الجنود من كلا الطرفين رجلًا مُلَثَّمَاً يطير طيرانًا بفرسه البيضاء نحو حصون الرُّوم، فيحمل ذلك الرجلُ المُلَثَّمُ على كتائب الرُّوم حتى يشتّتها، والرُّوم مذهولين من هَوْلِ ما يَرَوْنَ.
فَأمْعَنَ المسلمون النَّظر بهذا الرجل الذي يُقبِلُ على الموت إقبالًا لكي يتعرَّفوا على هويته، فإذا هو ذلك الرجل الثمانيني أبو أيوب الأنصاري... وكأنه قد حلّ في إِهَابِهِ شباب التاريخ!
فأخذ أبو أيوب يُزَلْزِّلُ جَحَافِلَ الرُّوم بسيفه حتى أحَسُّ بِدُنُوِّ أجله، فطلب من القائد الإسلامي يزيد ابن معاوية أن يُبلغ سلامه للمسلمين وأن يدفنوه على أقرب نقطة من أسوار القسطنطينية، لتُطوَى بذلك صفحة باسلة، ليس في تاريخ البطولة الإِسلامية فحسب، بل في تاريخ الإنسانية جمعاء.
فعليك السلام ورحمة اللَّه وبركاته يا أبا أيوب، يا صاحب رسول الله، وجزاك اللَّه كل خير أيها البطل الشَّهم جزاءً وفَاقًا لِحُسْنِ ضيافتك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ولكن... لماذا أوصى أبو أيوب -رضي الله عنه- أن يُدفن تحت أسوار القسطنطينية رغم أنها لم تكن أرض إسلام حينها؟ وما هي الرسالة التي أراد أبو أيوب إيصَالها للمسلمين من بعده بتلك الوصية العجيبة؟ وماذا فعل الرُّوم بقبره بعد مرور ثمانية قرون على ذلك الحدث؟ وما هي البشارة العظيمة التي كان أبو أيوب يعلمها من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والتي دفعته للجهاد على أسوار القسطنطينية بالذات؟ ومَنْ هو ذلك الأمير الإِسلامي العظيم الذي بَشَّرَ به رسولُ اللَّه على أصحابَه ليظهر بعد ذلك بمئات السنين؟ يتبع... يتبع إن شاء الله... |
|