أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: بدعة المّولد النَّبوي (خطبة جمعة) الأحد 04 ديسمبر 2016, 7:32 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم بدعة المولد النبوي المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام ========================= الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد: عباد الله: مر على الناس زمان هو شر الأزمنة وأسوء الأوقات يصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله كما عند مسلم: (.. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأمَرَتْهُمْ أن يُشركوا بي ما لم أُنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب..) فلما أراد الله سبحانه وتعالى أن يرحم الخلق وأن يُخرجهم من الظلمات إلى النور قَدَّرَ مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وُلِـد الُهـــــدى، فالكائنات ضياءُ وفم الزمـــــــــــــان تَبَسُّمٌ وثناءُ الروح والمـــــلأ الملائـك حـوله للدين والدنيـــــــــــــا به بُشـراء والعيش يزهو، والحظيرة تزدهي والمنتهى والسِّـــــــدرة العصماء يا خيــــــرَ مَنْ جاء الوجودَ تحيةٌ من مرسلينَ إلى الهدى بك جاءوا يومٌ يتيـــــه على الزمان صبـاحُه ومســاؤه بمحمـــــــد وضّــــــاءُ
فكان -صلى الله عليه وسلم- رحمة، وكان مولده مِنَّةً، ومن ذلك اليوم تغيَّر الكون كله، وتورَّدت الأرض خجلاً فقد شَرُفتْ باستقبال خير مخلوق على الأرض والسماء، ففتح بمولده صفحة جديدة على الكون، وبات العارفون من أهل الكتاب ينتظرون الحدث الأعظم، وهو مبعث الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم-.
وشَبَّ -صلى الله عليه وسلم- على معانِ الخير واليُمن والإيمان والرحمة والكرامة والكرم، فهو الخُلُقُ كلّه، ونشأ خير نشأة، وكمّلَه الله بكل فضلٍ، فهو الجمالُ، فقد فاق حسنه حسن القمر، وما فَضَّلَ يوسفَ على نفسه الشريفة إلا تواضعاً منه.
وفي ربوع مكةَ الطاهرة ولِدَ، وفي أعلى قبيلةٍ نسباً أنتسب، فكأنه خُلِقَ كما شاء.
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لــــم تلد النساءُ خُلِقْتَ مُبَـــرَءَاً من كل عيبٍ كأنك قـــــد خُلِقْتَ كما تشاءُ
ويكفي أن تقول محمد بن عبدالله لتجمع كل الأخلاق السامية والمعان السامقة، ومن يوم أوحي إليه بادر بالدعوة، ولم يتأخر، ولم يتململ، ولم يكسل، ولم يكن على الحق إلا هو، ولكن كان أنسه في قلبه، فقد رُويت نفسه بماء الإيمان، وتخللها عبير اليقين، فنبتت شجرة الإسلام، وأثمرت نخلة الإيمان، وأورقت زهرة الإحسان.
عباد الله: لقد قيَّض اللهُ لنبيه -صلى الله عليه وسلم- رجالاً هم خير صحب نبي وأشرف تابع لرسول، ولقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة على طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فما يطلب أمراً إلا وتسابقوا عليه، وكيف لا يفعلوا ذلك؟ وهو الذي أنقذهم الله به من النار.
وقد وصفهم فأحسن وصفهم عروة بن مسعود الثقفي يوم الحديبية فقال: (يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في مُلكه وقيصر في مُلكه والنَّجاشي في مُلكه وإني والله ما رأيت مَلِكَاً في قومه قط مثل محمدٍ في أصحابه، ولقد رأيت قوماً لا يُسلمونه لشيءٍ أبداً، وكان لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه).
فقد كانوا يعرفون له قدره العظيم وينزلونه منزله الكبير، وكانوا لا يخرجون عن أمره ولا ينازعونه حكمه، فقد ربَّاهم فأحسن تربيتهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- لهم والد وأخ وأستاذ وحبيب، فيُلاعب الصغار، ويقدر الكبار، ويواسي المكلوم، وينصر المظلوم، ويمشي في حالة ذا الحاجة، ويشاركهم أفراحهم حتى يدخل الغريب عليهم ولا يعرفه من بينهم، فما خص نفسه بلباس، ولا مكان مرتفع، ولا مزية خاصة، فهو منهم وهم منه.
ولقد زكَّاهم ربنا في محكم التنزيل فقال: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100].
عباد الله: لقد أحب الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من حب الوالد والولد فهذه صحابيَّة من بنى دينار أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: خيراً يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه حتى أنظر إليه. قال: فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل.
وأما أنهم فدوه بأرواحهم فهذا أمر متواتر لا يحتاج للبيان وهذا أنس بن مالك –رضي الله عنه- يصف لنا يوم موت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لما كان اليوم الذى قدم فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء منها كل شئ، فلما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كل شئ).
هذا غيض من فيض، ونقطة من بحر، وإلا فأخبار محبة الصحابة للنبي ص لا يكفيها سِفْرٌ ولا تروى في دهرٍ، ولكن حسبُك من القلادة ما أحاط بالعنق.
عباد الله: تتابع كثير من الناس على عمل المولد النبوي بدعوى حُب الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وحملت بعض القنوات الفضائية لواء الترويج للمولد النبوي ولنا معهم وقفات سريعة:
الأولى: إن كنتم تؤمنون أن محمد -صلى الله عليه وسلم- قد بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة فلماذا تزيدون في دينه ما ليس منه؟
قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَتَرَكَهُمْ عَلَى الْمَحَجَّة الْبَيْضَاء لَيْلهَا كَنَهَارِهَا لا يزيغ عنها إلا هالك) ((..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً..)) [المائدة: 3].
الثانية: أليس الصَّحابة أوْلَى مِنَّا بفعل المَولد إن كان فيه أجر؟ أليسوا يحبون النبي -صلى الله عليه وسلم- فوق حبنا له؟
الثالثة: مَنْ هم أول من بدأ بالمولد؟
قال الحافظ السخاوي في فتاويه: "عمل المَولد الشريف لم يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما حدث بعد".أهـ
وقال الإمام المقريزي: "وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم ومنها (رأس السنة)، (ويوم عاشوراء)، (ومولد النبي -صلى الله عليه وسلم-)، (ومولد علي بن أبي طالب)، (ومولد الحسن والحسين)، (وليلة أول رجب)، (وعيد الغدير)، (ويوم النوروز) (1).
ومن النقل السابق تَدَبَّر معي كيف حُشِر المَولد النبوي مع البدع العظيمة مثل: بدعة الرفض والغلو في آل البيت المتمثل في إقامة مَولد علي وفاطمة والحسن والحسين –رضي الله عنهم.
وحتى تعرف مَنْ هم العبيديين حكام الدولة الفاطمية إسمع لقول الإمام ابن كثير –رحمه الله- حيث قال: (.. كتب جماعة من العلماء والقضاة والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين وشهدوا جميعا أن ملوك الفاطميين... كفّارٌ فُسّاقٌ فُجّارٌ مُلحدونَ زنادقةٌ مُعطلون َوللإسلام جاحدونَ ولمذهب المَجُوسية والثنوية مُعتقدون قد عطَّلوا الحُدود وأباحوا الفُروج وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء وسبُّوا الأنبياء ولعنوا السَّلف وادَّعوا الربوبية..) (2)، ورؤي الفقيه عبدالله المالكي عبدالله التبان يبكي بحرقة فقيل له في ذلك فقال: (خشية أن يشُك الناس في كفر بني عبيد فيدخلوا النار) (3).
فهؤلاء هم أول مَنْ احتفل بالمَوالد فهل تحب أن تكون معهم؟
ومِمَّنْ جدَّد المَولد النبوي المستعمرين وعلى رأسهم نابليون المستعمر الفرنسي قال المؤرخ المصري الجبرتي: "وفي (سنة 1213هـ في ربيع الأول): سأل صاري العسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتوقف الأحوال وتعطل الأمور وعدم المصروف فلم يقبل وقال (لابد من ذلك) وأعطى الشيخ البكري ثلاثمائة ريال فرانسية يستعين بها، فعلّقوا حبالاً وقناديل واجتمع الفرنسيس يوم المولد ولعبوا ودقوا طبولهم وأحرقوا حرَّاقة في الليل وسواريخ تصعد في الهواء ونفوطاً" (4).
ولعل سائلاً يسأل: ما هدفهم من تأييد ودعم مثل هذه البدع وهذه الموالد؟
ندع الجواب للمؤرخ الجبرتي حيث قال: "ورخَّص الفرنساوية ذلك للناس لِمَا رأوا فيه من الخروج عن الشَّرائع واجتماع النّساء واتباع الشهوات والتّلاهي وفعل المُحرَّمَات" (5).
الحمد لله... عباد الله: نكمل الوقفات مع المروجين للمولد النبوي الشريف.
الخامسة: ما الذي يحدث في المَوالد من المخالفات الشرعية؟
قال الشيخ العلامة السيد رشيد رضا: "فالمَوالد أسواق الفُسوق فيها خيام للعَواهر وخانات للخُمور ومَراقص يجتمع فيها الرجال لمُشاهدة الرَّاقصات المُتهتّكات الكاسيات العاريات ومواضع أخرى لضروب من الفُحش في القول والفعل يُقصَدُ بها إضحاك الناس...
(إلى أن قال): "فلينظر النَّاظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التَّصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع...) (6).
هذا في زمان رشيد رضا فما الذي يحدث هذه الأيام؟
سادسا: هل يجوز المولد النبوي لو خلا من كل المنكرات؟
أترك الجواب للشيخ الإمام أبي حفص تاج الدين الفاكهاني: أنْ يعمله رجل مِنْ عَيْن مالِهِ لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون [في]، ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام [10]، فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام، سُرُج الأزمنة، وزين الأمكنة) (7).
أخيراً يا عباد الله: أسرد أسماء بعض العُلماء الذين حرَّموا المولد وليس مع المبيحين له علماء من السَّلف الصالح، ومعنا الأئمة الأعلام...
ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة الشيخ تاج الدين المشهور بالفاكهاني، وهو عالم مالكي المذهب توفي بالاسكندرية سنة 734هـ والأستاذ أبو عبد الله محمد الحفَّار وهو من علماء المغرب.
والعلامة ابن الحاج محمدبن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي توفي بالقاهرة (732هـ).
والشيخ العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية، والإمام الشاطبي وهو عالم مالكي أندلسي. (8) والشيخ رشيد رضا، والشيخ أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي وهو من علماء الهند والشيخ بشير الدين القنوجي وهو من علماء الهند، والشيخ محمد بن عبد السلام خضر الشقيري في كتابه السنن والمبتدعات. وغيرهم كثير جداً... ========== الهـــــــــــــــوامش ========== (1) 1/ 490 مختصراً. (2) البداية 10/ 346. (3) الأثر السياسي للعلماء في عصر المرابطين ـ ابن بيه ـ 26. (4) عجائب الآثار(2/ 249 ،201) ومظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس ص47. (5) تاريخ عجائب الآثار(2/ 306). (6) المنار (2/ 74-76). (7) الإمام أبي حفص تاج الدين الفاكهاني. (8) في فتوى له في كتاب طبع باسم فتاوى الإمام الشاطبي. |
|