{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}
"الهدف رقم واحد لغُزاة التاريخ" (عثمان بن عفان).
"غفر اللَّه لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما أخفيت وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة"
"ما ضَرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم.. ما ضَرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم"
"لكل نبيٍ رفيق ورفيقي (يعني في الجنة) عثمان"
"ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؟"
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-).
"هذا عثمان بن علي سميته بعثمان بن عفان"
(علي بن أبي طالب).
"قتلتموه وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن؟!!"
(أم المؤمنين عائشة).
"رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعاً يديه يدعو لعثمان اللهم عثمان رضيت عنه فأرض عنه"
(أبو سعيد الخدري).
"رأيت عثمان نائماً في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجيئ الرجل فيجلس إليه ثم يجيئ الرجل فيجلس إليه كأنه أحدهم"
(الحسن بن علي).
"كان عثمان يطعم الناس طعام الإمارة ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت!"
(شرحبيل بن مسلم).
كنت قد ذكرت في بداية هذا الكتاب أن الصحابي الجليل (عمرو بن العاص) رضي اللَّه عنه وأرضاه هو ثاني أكثر شخصية إسلامية تعرضت للتشويه في تاريخ المسلمين، وأن هناك رجلًا آخر في تاريخ المسلمين تعرض تاريخه إلى أكبر عملية تشويه، وذكرت حينها أنني سأفرد له أكثر عددٍ من الصفحات من بين كل عظماء أمة الإسلام المائة.
ذلك لأن هذا الرجل إنما هو رجل استثنائي، فهو ثالث أعظم مخلوقٍ خلقه اللَّه بعد الأنبياء، وهو ثالث العشرة المبشرين بالجنة، وهو الإنسان الوحيد في تاريخ البشرية الذي تزوج من ابنتي نبيٍ مرسل، وهو ثالث الخلفاء الراشدين، وهو الرجل الذي تستحي منه الملائكة، وهو رفيق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجنة، وهو الإنسان الذي جمع القرآن الذي نقرأه إلى يومنا هذا، وهو مجهز جيش العسرة، وهو الذي اشترى بئر رومة وجعلها ملكًا للمسلمين، وهو الرجل الذي تمَّت بسببه بيعة الرضوان...
أعظم بيعة في تاريخ الأرض، إننا في صدد الحديث عن رجلٍ من نوعية خاصة قلّما ظهرت في التاريخ، إننا في صدد الحديث عن صهر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ذي النورين، صاحب الهجرتين، المُصلّي إلى القبلتين، إنه التوّاب الأوّاب، العابد الخاشع، المُحسن الخاضع، إنه المسلم التقي، المؤمن النقي، الكريم الحيي، السهل السخي، السمح السري، إنه الجواد الكريم، صاحب السخاء العظيم، رجل البر والجود والإحسان، جامع القرآن... عثمان بن عفان.
ولا أخفي القارئ الكريم سرًا أنني كنت قد عزمت في البداية أن يكون عثمان بن عفان هو أول شخصية افتتح بها هذا الكتاب، لا لأنه يفوق أبا بكر الصديق في الفضل، بل لإنه أكثر شخصية إسلامية تعرَّضت للتشويه في تاريخ الأمة.
بل إنني لا أعتبر نفسي مبالغًا إذا ما زعمت أنّ عثمان بن عفّان هو أكثر شخصيةٍ تعرضت للتشويه والتزييف في تاريخ العنصر البشري على الإطلاق!
لذلك رأيت أنّ من واجبي أن أدافع بقلمي عن هذا الرجل الذي لطالما دافع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، في هذا الوقت الذي تتطاول فيه الأقزام على عمالقة الإنسانية، ويتدافع فيه المنافقون من كل حدبٍ وصوبٍ لتدمير تاريخ عظمائنا، لتدمير هذه الأمة من الداخل، بعدما أن علم الغزاة أن حروبهم التي شنّوها على هذه الأمة لم تستطع أن تنهيَ وجودها، بل بالعكس، فقد قامت هذه الأمة ونفضت عن غبارها بعد كل حرب لتعود من جديد أقوى بألف مرة من سابق عهدها.
فاختار هؤلاء الأشرار في القرنين الأخيرين طريقة جديدة لتدمير الإسلام، لا من خلال الغزو العسكري، بل من خلال الغزو التاريخي، فعملوا على ضرب رموزنا، وتشويه صورتهم، والتشكيك في منجزاتهم الحضارية.
وللأسف... فقد نجحوا في مبتغاهم هذه المرة!
فانتصر غزاة التاريخ في حربهم الشعواء التي خاضوها ضد رموز هذه الأمة، فأصبحت ثوابت هذه الأمة في مهب الريح لسنواتٍ عدة، تملّكت فيها روح اليأس والهزيمة قلوبَنا، فأصبحنا أجسادًا بالية تسكنها أرواحٌ مهزومة في داخلها، فهُنّا على الناس، بعد أن هُنّا على أنفسنا!
ولكن كدَيْدَن هذه الأمة العجيبة، وعندما ظن الجميع أنها على وشك النهاية المحققة، وبعد أن سمع الجميع حشرجات الموت تخرج من جسدها المهترئ، حدث شيء عجيب!
فقد خرج من بين تلك الضلوع المشلولة مولودٌ جديدٌ تبدو عليه قسمات العظمة، يشبه في ملامحه ملامحَ عظماء الأمة السابقين، إلا أنه لم يجد مَنْ يستعين به لقيامه، فأخذ يترنح ويتخبط في كل الاتجاهات لا يعرف إلى أين يتجه، فتارةً يتجه إلى الشرق، وتارةً يتجه إلى الغرب، وتارة يأخذه اليأس والغضب، فيدمر ما حوله نتيجة لذلك، ليظل على ذلك الأمر من التخبط حتى سخَّر اللَّهُ له في السنوات الأخيرة رجالًا هبّوا وقاموا قومة رجلٍ واحد ليرشدوا ذلك المولود الجديد، فقاموا بإزاحة التراب عن كتب التاريخ، ليحدِّدوا البَوْصلة التي تُرشد ذلك الطفل الوليد إلى الاتجاه الصحيح.
فقاموا بحمل راية الجَرح والتعديل، ولكن هذه المرة لروايات التاريخ المطوية منذ مئات السنين، عندها بدأت ملامح شخصية ذلك الطفل تنمو شيئًا فشيئًا، كل ذلك بفضل اللَّه، ثم بفضل مَنْ أحب أن أطلق عليهم اسم "المؤرخين الجدد".
فهؤلاء كانوا أصحاب السبق في إعادة إحياء هذه الأمة الميتة، وهؤلاء هم من استعنت بأعمالهم في إيجاد مادة هذا الكتاب، وهؤلاء هم الذين استعنت بهم لمعرفة حقيقة هذا الرجل المظلوم تاريخيًا...
وعثمان بن عفان تعرض تاريخه لأقذر عملية تشويه وتزييف في تاريخ البشر، حتى بات عثمان في أعين المسلمين أنفسهم ذلك الرجل الانتهازي الفاحش الثراء الذي بنى القصور له ولأهله، وانتشرت في عهده المحسوبية، فجعل أبناء عمومته أمراءً على الولايات الإسلامية على حساب بقية المسلمين من العامة، وشحَّ في عهده العدل، وانتشر الظلم، وتعطل شرع اللَّه، فعمّت الفوضى أرجاء الخلافة الإسلامية في عهده، مما أدّى في نهاية الأمر إلى مقتله على أيدي من سمّاهم المستشرقون باسم "الثوار"!
فكان ذلك -على حد زعمهم- نتيجةً لظلمه وطغيانه، وحبّه للمال، بينما رأى كثيرٌ من المحبين لعثمان ابن عفان أنه وإن كان رجلًا صالحًا فإنه ذو شخصية ضعيفة لا تصلح للسياسة، فهو بضعف شخصيته تلك أدى إلى نشوب أول فتنة في تاريخ المسلمين، لا تزال تداعياتها مستمرةً حتى يوم الناس هذا.
فأصبح عثمان بن عفان هو السبب الرئيسي لدمار الحلم الإسلامي الكبير الذي بدأه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وثبَّت أركانه أبو بكر الصديق، ليجعله عمر بن الخطاب حقيقة علمية يراها الناس بأعينهم، قبل أن يأتي ابن عفان ليدمر ذلك البناء الجميل بظلمه وضعف شخصيته... على حد زعمهم أيضًا!
لذلك... لن أتبع في هذه الصفحات الطريقة الاعتيادية التي يستخدمها أساتذتنا في معرض ترجمتهم لعثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- وأرضاه، فلقد أصبح معلومًا للجميع سخاء عثمان وكرمه وتجهيزه لجيش العُسْرَةِ وكيف اشترى بئر رومة وكيف تصدق به للمسلمين، وبات معلومًا أيضًا سر تسميته بذي النورين وكيف أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- تمنَّى أن لو كان له بنتًا ثالثة ليزوجها لعثمان بعد أن ماتت ابنته.
ولن أتطرق إلى تلك الأزمات الإقتصادية التي لم تجد إلّا عثمانها المِعْطَاءَ لحلّها!
بل سيكون المنهاج الذي سأسير عليه خلال الصفحات القادمة هو عرض جميع التُّهم والشُّبه التي ألقيت جزافًا على عثمان، وأنا حينما أقول (جميع التُّهم) فأنا أقصد ما أقوله بالحرف الواحد، فلا يوجد في تاريخ هذه الأمة منذ نشأتها ما يدعونا للخزي منه، وما كان صمت علمائنا جزاهم اللَّه كل خير عن التطرق إلى موضوع الفتنة التي عصفت بالمسلمين إلّا محاولة التركيز على جوهر الإسلام بدلًا من إثارة روح الثأر!
فقد حان الوقت لعلماء هذه الأمة أن يتخلوا عن صمتهم، فالخطر كبيرٌ كبيرٌ، والإسلام مهددٌ الآن أكثر من أي يومٍ مضى، وأحاديث محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- باتت عرضةً للتشكيك، وصحيح البخاري أصبح محلًا للنقاش على شاشات الفضائيات وأعمدة الصحف.
كل ذلك لأننا أهملنا الجانب التاريخي في حياة هذه الأمة، وركَّزنا على الجوانب العقائدية، ونسينا أن العقيدة نفسها قد نقلت إلينا من خلال صحابة محمد!
فإذا استمر سكوتنا عن الطعن في أولئك الرجال وتاريخهم، أصبحت تلك الأحاديث النبوية التي نقلوها هم إلينا عرضة للشك، بل أصبح كتاب اللَّه نفسه كتابًا باطلًا، فعثمان هو الرجل الذي جمع القرآن لنا، فإذا قبلنا الشك في ذمته... بات لزامًا علينا أن نقبل الشك في القرآن!
والسائل يسأله هنا: لماذا عثمان بالذات؟
لماذا ليس الصدّيق أو عمر؟
بل لماذا ليس محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- هو من تناله سهام المشككين ورماح غزاة التاريخ؟
والواقع أن جميع هؤلاء قد نالوا نصيبهم من جراح الحرب التاريخية، إلّا أن الهدف من تلك الحرب الشعواء أخطر من الطعن في الشخصيات نفسها بكثير، وأكبر من شخص أبي بكر وعمر وباقي الصحابة، بل إن الهدف أكبر من شخص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسه!
إن الهدف الرئيسي لغزاة التاريخ هو دين اللَّه، الهدف هو الإسلام نفسه!
هذا الدين الذي لا نعرف نحن قيمته تقام له المؤتمرات السرية لدراسة سُبل إنهائه من على وجه الأرض، ولا شكّ أن الخبراء الإستراتيجيين من غزاة التاريخ قد أدركوا أن سر قيام المسلمين بعد كل سقوطٍ لهم يكمن في الدرجة الأولى في ذلك الكتاب العجيب الذي يسميه المسلمون "القرآن الكريم".
ولا شك أنهم عرفوا أيضًا أن رجلًا من بني أمية يقال له (عثمان بن عفان) هو الذي جمع هذا الكتاب، لذلك أصبح هذا الرجل هو العدو الأول لغزاة التاريخ، بل أصبح (بنو أمية) أنفسهم هدفًا لسهامهم المسمومة، لذلك فإن الحرب على عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأرضاه إنما هي حربٌ على كتاب اللَّه!
والآن لنستعرض تلك الشُّبُهَات التي ذكرها غزاة التاريخ من المستشرقين وعملائهم من الشيعة الروافض والمنافقين من المثقفين، لنجيب نحن عليها بشكلٍ علمي وهادئ، بعيدًا عن التعصب الأعمى...
أولًا: الشبهة المالية:
لو اختار هؤلاء الطاعنون الأغبياء أي تهمةٍ أخرى غير هذه التهمة في حق عثمان لكان خيرًا لهم، فعثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأرضاه (وبشهادة هؤلاء الطاعنين أنفسهم) كان أغنى العرب على الإطلاق حتى قبل توليه منصب الخلافة، وعثمان هو الرجل الذي كان يُعالج الأزمات الإقتصادية التي مر بها المسلمون في حضرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وأنا هنا أرُدُّ بما رَدَّ به هو نفسه على المنافقين عندما اتهموه بذمته المالية بقوله: "إن العرب جميعًا تعلم أني أكثر العرب بعيرًا وشاةً وقد أنفقت ذلك كله في سبيل اللَّه ولا أملك الآن إلّا بعيرين اثنين للحج!".
ثانيًا: محاباة عثمان لأقاربه!
دعوني أعترف أنني أستغرب فعلًا في عدد الولاة من بني أمية الذين عَيَّنَهُمْ ابن عمهم عثمان بن عفان، ولكن لا لكثرتهم، بل لقلتهم!!
فلقد كان عدد الولاة من بني أمية في زمن عثمان بن عفان الأموي اثنين فقط، هما الصحابيين الجليلين (معاوية بن أبي سفيان) و (عبد اللَّه ابن السائب بن قريظ) -رضي اللَّه عنهما-.
ونحن نتحدث عن واليين فقط في دولة ممتدة من "أذربيجان" إلى "تونس"، بل إن معاوية بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنه وعن أبيه- كان واليًا على الشام منذ عهد الفاروق عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، وعمر هو من هو في اختيار ولاته!
والحقيقة أنني أستغرب في عدم تولية عثمان لأقاربه من بني أمية والذين يعتبرون أفضل العرب في شئون الحكم والسياسة على الإطلاق.
بل إن عجبي ذلك قد زاد عندما أحصيت الولاة من بني أمية الذين استأمنهم أعظم مخلوق في تاريخ الأرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بنفسه على الولايات الإسلامية لأجد هذه النتيجة العجيبة...
• أبو سفيان بن حرب بن أمية:
أسلم قبل فتح مكة، ولَّاهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على "نجران".
• معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية:
أمَّنه الرسول صلى اللَّه على كتابة الوحي المنزل من السماء، وجعله أميرًا على لواءٍ من ألوية الجيوش النبوية.
• عبد اللَّه بن سعيد بن العاص بن أمية:
من أوائل مَنْ أسلموا، وأحد شهداء بدر الثلاثة عشر، أمره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بتعليم القرآن بالمدينة ثم ولَّاهُ بعض قرى العرب.
• عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية:
قديم الإسلام شهد بدرًا وهاجر الهجرتين، ولَّاهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على "وادي القرى".
• خالد بن سعيد بن العاص بن أمية:
قديم الإسلام جدًا، أسلم في أيام الإسلام الأولى، من مهاجرة الحبشة، ولّاهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على "صنعاء".
• أبان بن سعيد بن العاص بن أمية:
أسلم أثناء غزوة خيبر عام 7 هـ، ولَّاهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على "الخطّ" (حاليًا القطيف).
• عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية:
أسلم يوم فتح مكة، ولّاهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على "مكة"، ليكون هذا الأمير الأموي أول حاكم إسلامي لمكة!
ومن ذلك نرى أن الطَّعن في ذمة بني أمية هو طعن في ذمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي كان هو أول مَنْ ولاهم، ومن ثَمَّ الطَّعن في اللَّه نفسه الذي لم يُحذّر رسوله من خطر بني أمية المزعوم!!!
ثالثًا: حرق عثمان للمصاحف:
وهذا حقٌ أراد به الشيعة باطلًا، فلقد جمع عثمان بن عفان القرآن كله في مصحفٍ واحدٍ، ثم حرق بقية المصاحف الأخرى ليبقى القرآن محفوظًا بالمصحف العثماني الذي لا نزال نتعبَّد به اللَّه.
وأرفق هنا صورة للمصحف العثماني الأصلي الموجود إلى يوم الناس هذا في "متحف إسطانبول" بتركيا بخط يد الصحابي الجليل (زيد بن ثابت) رضي اللَّه عنه وأرضاه.
رابعًا: أحقية عثمان بالخلافة:
عثمان بن عفان هو ثالث أعظم رجلٍ في هذه الأمة بشهادة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بعد أبي بكرٍ وعمر -رضي اللَّه عنه-، وعثمان هو الذي استأمنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ابنته رقية بنت محمد عليها السلام، ثم بعد موتها على أختها أم كلثوم بنت محمد عليها وعلى أبيها السلام.
ثم إن عثمان انتُخِبَ انتخابًا من الناس بعد أن قام الصحابي الجليل (عبد الرحمن ابن عوف) باستفتاء أهل المدينة الذين كانوا يحبونه ويوقرونه، ثم إن الصحابة جميعهم بلا استثناء بايعوا عثمان وكان أولهم الصحابي البطل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه.
خامسًا: تغييره لسُنَّةِ الرسول:
وذلك أنه وسَّعَ المسجد النبوي وزاد من درجات منبره، المضحك أن أغلب أولئك الطاعنين هم من الشيعة الذين لا يؤمنون بسُنَّةِ رسول اللَّه أصلًا!
وتناسى الشيعة وغيرهم أن عدد المسلمين قد زاد في عهد عثمان لدرجة أن المسجد لم يعد يستوعب أعداد المصلين، وأن كثرة عدد المصلين أوجبت على عثمان أن يزيد من ارتفاع المنبر لكي يسمعه المصلون ويروه من على بُعْدٍ!
سادسًا: انتشار الفقر والظلم في عهده:
لو كنت من أولئك المنافقين -والعياذ باللَّه- لبحثت عن كذبة أخرى يمكن للمرء أن يُصَدّقُهَا، فعهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأرضاه كان أكثر زمن انتشر فيه الرخاء الاقتصادي في تاريخ أمة الإسلام على الإطلاق.
أما في مسألة العدل فنحن أمام ثلاث احتمالات:
- فإمّا أن نؤمن بأن عثمان كان عادلًا بين الناس فنصدق بذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي بشره بالجنة.
- وإما أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يكذب علينا عندما أخبرنا بعدل صحابته الكرام.
- وإما أن يكون اللَّه مُقَصّرًا في بين رسوله الكريم باختياره لأولئك الرجال ليكونوا أصحابًا لرسوله الذي اصطفاه من بين العالمين.
وحاشى اللَّه ورسوله وصحابته!
سابعًا: نفيه لأبي ذر الغفاري:
وهذه الشبهة منتشرة للأسف بين صفوف إخواننا من المتصوفة الطرقيين، والحقيقة أن عثمان لم ينفِ أبا ذرٍ البتة، بل إن أبا ذرٍ الغفاري رضي اللَّه عنه وأرضاه قد اختار لنفسه العيش في الصحراء بعد أن انتشر التمدن والغنى -كما أسلفنا- في عهد عثمان بن عفان.
وذلك لأن طبيعة أبي ذر هي طبيعة زاهدة في الحياة ولا يمكن لها أن تتقبل هذا الثراء الذي انتشر في أرجاء الخلافة الإسلامية بعد أن امتلك المسلمون كنوز كسرى وقيصر، وهذا شيءٌ لا يضير أبا ذر، كما أنه لا يضير أخاه عثمان بن عفان.
ثامنًا: ضعف شخصية عثمان:
يا لحماقة أولئك القوم! فكيف يكون الرجل ظالمًا متجبرًا ويكون ضعيف الشخصية في آنٍ واحد؟!!
ولكن هذا هو ديدن المنافقين... الغباء!
فكيف لرجلٍ يُتهم بضعف الشخصية أن يبيد الإمبراطورية الفارسية ويمسحها من خارطة التاريخ؟
وكيف له أن يقضي على الفتن والقلاقل في أرمينية وأذربيجان؟
وكيف له أن يفتح إفريقية؟
وكيف له أن يفتح جمهوريات الاتحاد السوفييتي المسلمة؟
وكيف له أن يرسل رسالة مكتوب عليها "من عثمان بن عفان خليفة رسول اللَّه إلى إمبراطور الصين... أسلم تسلم!"؟
بل كيف يرضى الصحابة وعلى رأسهم الصحابي البطل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه بأن يكون الرجل الذي يحكمهم ضعيف الشخصية؟!!!
أمّا إذا كان غزاة التاريخ يقصدون حِلم الخليفة عثمان بن عفان وعفوه على المنافقين وعدم قتاله لأولئك المجرمين الذين جاءوا ليقتلوه، فهذا حقٌ آخر يُراد به باطل.
يتبع إن شاء الله...