| التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الإثنين 04 يوليو 2016, 4:15 am | |
| التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي بقلم: الشيخ عطيــة محمــد سالــم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة غفـــر الله له ولوالديه وللمسلمين ================== بحث تاريخي يحمل روح الفقهاء يقدمه فضيلة الكاتب للقراء، والموضوع في الحقيقة حساس يتقبل كثيراً من المناقشة ولا يزال يحتاج إلى كثير من البحث والتنقيب ولذلك فإن فضيلة المؤلف ببحثه هذا الجديد يثير الفرصة مرة أخرى لإيفاء (التراويح) حقها والهدف الأول والأخير هو الحق ولذلك فإنه ينتظر بفارغ الصبر آراء القراء وملاحظاتهم وفوائدهم حول الموضوع الذي سيستمر في حلقات متتابعة إن شاء الله. (المجلة).
*** الحلقة الأولى *** أولا: العهد النبوي: لا شك أن ميدان التشريع وأصله إنما هو ما يكون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن العصر النبوي هو عصر التشريع لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}, ولقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إلى غير ذلك من النصوص ويلحق بذلك عصر الخلفاء الراشدين لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
والتراويح وإن اختصت برمضان فإنها داخلة في عموم قيام الليل، وقد جاءت النصوص في عموم قيام الليل، وفي خصوص تراويح رمضان. فمن عموم التهجد بالليل قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَك}، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً}. أما خصوص قيام رمضان فالواقع أنها وإن كانت أخص من قيام الليل من حيث الزمن، فهي أعم منه من جهة الطلب.
التدرج في مشروعية التراويح: وبالتأمل في نصوص التراويح يظهر أنها أخذت سبيل التدرج والتطور التصاعدي
وذلك كالآتي: أ- الترغيب المطلق: كما في حديث أبي هريرة عند مسلم وساقه البيهقي ج2ص492 ما نصه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". قال البيهقي: "رواه مسلم في الصحيح عن يحي بن يحي، ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك". ومثله عن أبي هريرة عند البيهقي، وقال: "رواه البخاري عن يحي بن بكير". فهذا ترغيب من غير تحديد بعدد ولا إلزام بفعل ولهذا قال أبو هريرة في سنن البيهقي: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيها بعزيمة فيقول: "مَنْ قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ب- ثم جاء التنصيص على أن قيامه سنة مفروضة بفرضية صيامه كما في حديث عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه ذكر شهر رمضان فقال: "إن رمضان شهر افترض الله صيامه وإني سننت للمسلمين قيامه فمَنْ صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه". ففي هذا النص تدرج من مطلق الطلب إلى أنه سنة وزاد في قوتها اقتران سنية قيامه بفرضية صيامه كما تفيده دلالة الاقتران المعروفة في الأصول.
نتيجة هذا الترغيب: كانت نتيجة هذا الترغيب أن بادر الناس إلى قيامه أفرادا وجماعات يأتمون بمن معهم شيء من القرآن لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الناس يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان بالليل أوزاعا يكون مع الرجل شيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو الستة أو أقل من ذلك أو أكثر يصلون بصلاته"، قالت: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذاك أن أنصب له حصيراً على باب حجرتي ففعلت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة فاجتمع إليه مَنْ في المسجد فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً طويلاً، ثم انصرف فدخل وتركت الحصير على حاله، فلما أصبح النهار تحدثوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَنْ كان بالمسجد تلك الليلة، فأمسى المسجد زاخاً بالناس فصلى بهم صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة ثم دخل بيته، وثبت الناس فقال لي: "ما شأن الناس" فقلت له: "سمع الناس بصلاتك البارحة بمَنْ كان في المسجد فحشدوا لذلك لتصلي بهم". قال: "اطو عنا حصيرك يا عائشة". ففعلت، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم غير غافل وثبت الناس مكانهم حتى خرج إليهم إلى الصبح فقال: "أيها الناس أما والله ما بت والحمد لله ليلتي غافلاً ما خفي عليَّ مكانكم ولكني تخوفت أن يُفرض عليكم اكفلوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا". رواه المروزي بهذا اللفظ ورواه البيهقي وذكر الليالي ثلاثاً أو أربعاً.
وفي مجمع الزوائد عن جابر قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كان القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا فلم نزل فيه حتى أصبحنا ثم دخلنا .." الحديث. وأصل الحديث في البخاري ومسلم. وفيه وفي السنن للبيهقي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام صلى في رمضان عشرين ركعة ولكنه ضعيف بأبي شيبة.
ففي هذا الحديث على رواية المروزي قيام الناس مع من معه شيء من القرآن فهو تدرج من الترغيب إلى الاستناد المقرون بفرضية الصيام، إلى القيام بالفعل في المسجد مع من معه شيء من القرآن ثم خطوة أخرى وهي القيام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته وإن كان لم يشعر بهم على الصحيح كما في سؤاله عائشة: "ما شأن الناس" وقوله: "اطو عنا حصيرك".
وأصرح من هذا حديث أنس عند المروزي: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه ثم جاء آخر ثم جاء آخر حتى كنا رهطا، فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خلفه تجوز في صلاته، ثم دخل منزله، فلما دخل منزله صلى صلاة لم يصلها عندنا فلما أصبحنا قلنا يا رسول الله: أو فطنت لنا البارحة"، فقال: "نعم، وذلك الذي حملني على ما صنعت".
ففي هذا الحديث ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يشعر بهم في أول صلاته لقول أنس: "فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خلفه"، كما أن فيه ما يشعر أنه صلى الله عليه وسلم بدأ صلاته تلك في المسجد بدليل قوله: "تجوز في الصلاة ثم دخل منزله".
وكما يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم علم بصلاتهم خلفه ولم ينكر عليهم، وأصرح من ذلك دلالة على صلاته صلى الله عليه وسلم في المسجد حديث عائشة عند البيهقي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل يصلي في المسجد فصلى رجال يصلون بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك.
وساقت قصة صلاته الليالي إلى الليلة الرابعة. قالت: "عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم". ففيه دلالة صريحة أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة في المسجد، وفيه دلالة على امتلاء المسجد بالمصلين. وهده خطوة أخرى وهي امتلاء المسجد بعد أن كانوا أوزاعا فقد عجز المسجد عن أهله ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يخرج إليهم خشية أن تفرض عليهم. إذن فقد كان من الممكن أن يخرج إليهم لولا تلك العلة التي هي خشية أن تفرض عليهم. وكأن الصلاة بهم والاجتماع إليها أمر جائز لولا الشفقة عليهم وخشية تكليفهم بها ثم يعجزون ولقد أقر صلاة غيره بجماعة من الناس سواء في البيوت أو في المسجد.
أما في البيوت فلحديث أبي بن كعب عند المروزي قال عن جابر رضي الله عنه جاء أبي بن كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقال: "يا رسول الله كان معي الليلة شيء". قال: "وما ذاك؟" قال: "نسوة داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي خلفك بصلاتك فصليت بهن ثمان ركعات فسكت عنه، وكان شبه الرضاء". وأما في المسجد فحديث أبي هريرة عند المروزي أيضا قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا أناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد" فقال: "ما هؤلاء؟" قيل: "هؤلاء أناس ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب يصلي بهم فهم يصلون بصلاته". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصابوا" أو "نعم ما صنعوا".
ثم كانت المرحلة قبل الأخيرة وهي ما جاء في حديث أنس. وحديث أنس عند المروزي "كان النبي صلى الله عليه يجمع أهله ليلة إحدى وعشرين، ويصلي بهم إلى ثلث الليل، ثم يجمعهم ليلة اثنين وعشرين فيصلي بهم إلى نصف الليل، ثم يجمعهم ليلة الثالث والعشرين فيصلي بهم إلى ثلثي الليل. ثم يأمرهم ليلة الرابع والعشرين أن يغتسلوا ويصلي بهم حتى يصبح ثم لا يجمعهم".
فهذا الحديث نص في أنه صلى الله عليه وسلم قام بأهل بيته ثلاث ليال مددا متفاوتة، ويتدرج الأولى إلى الثلث الليل والثانية إلى نصفه والثالثة إلى ثلثيه. وليس ببعيد أن يوحي هذا العمل بين الرغبة في الخير وبين الخوف من أن تفرض، لما يفهم من أنه كان في العشر الأواخر وهي محل الرغبة أكثر وكذلك التدرج في إطالة المدة استجابة لتلك الرغبة. كما يفهم من عدم المواصلة إلى آخر الشهر خشية أن يفرض. ثم جاءت المرحلة الأخيرة في التدرج من حديث أبي ذر قال في المنتقى: "رواه الخمسة وصححه الترمذي" ورواه أيضا البيهقي ونصه في السنن: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا من الشهر شيئا حتى كانت ليلة ثلاث وعشرين قام بنا حتى ذهب نحو ثلث الليل ثم لم يقم بنا من الليلة الرابعة وقام بنا من الليلة الخامسة حتى ذهب نحو من نصف الليل، فقلنا: "يا رسول الله لو نفلتنا بقية الليل"، فقال: "إن الإنسان إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته"، ثم لم يقم بنا ليلة السادسة وقام السابعة وبعث إلى أهله، واجتمع الناس حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح".
قال البيهقي: "ورواه مهيب عن داود قال: "ليلة الرابع وعشرين والسابع مما يبقي، وقال ليلة ست وعشرين الخامس مما يبقي وليلة ثمان وعشرين الثالث مما يبقى".
ففي هذا الحديث وصول بصلاة التراوح إلى حد التجمع والتقرير عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قولهم له: "لو نفلتتا بقية الليلة".
وفي هذا دلائل على أمرين: أ- الأول: أنه صلى الله عليه وسلم علم بهم وأقرهم على تجمعهم في المسجد كما أنه في السابعة وعشرين بعث إلى أهله ويشهد لهذا الجزء ما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان العشر الأواخر شد المئزر وطوى فراشه وأيقظ أهله.
ب- الأمر الثاني: أنه وإن لم يحدد صلى الله عليه وسلم عددا من الركعات إلا أنه أقرهم على طلبهم الزيادة عما كان وإلى بقية ليلتهم.
فلم ينكر عليهم طلب الزيادة ولكنه أرشدهم إلى ما يعوض عنها وهو قيامهم مع الإمام حتى ينصرف.
وهذا مثل قصة (زينب) لما مر عليها صلى الله عليه وسلم وهي تسبح على حصى أو نوى حتى رجع فوجدها على تلك الحالة فقال لها: "لقد قلت كلمات تعدل كل ما قلت سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه".
فلم ينكر عملها وأرشدها إلى ما هو خير منه وهكذا هنا لم ينكر طلبهم الزيادة وأرشدهم إلى ما هو خير منه بل إلى ما يساويه فحسب.
وعليه فهنا صلاة في جماعة بإمام ومأمومين في المسجد وهذا غاية الإثبات لصلاة التراوح في المسجد جماعة وبإمامته صلى الله عليه وسلم.
ثم جاءت الليلة السابعة والعشرون فكانت عامة شاملة شملت أهله صلى الله عليه وسلم مع عامة الناس.
عدد الركعات في ذلك العصر: 1- جاء عن جابر أربع ركعات 2- جاء في بعض النصوص أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات. 3- وجاء في نص ضعيف عشرين ركعة. 4- وجاء الإطلاق بدون تحديد مع التقرير على طلب الزيادة إلى بقية ليلتهم. 5- وجاء التدرج من ثلث الليل ثم نصف الليل ثم ثلثي الليل.
وهل كان ذلك بزيادة في عدد الركعات أم بإطالة في القراءة مع عدم الزيادة في عدد الركعات طيلة الليالي الثلاث وإلى أي حد كانت إطالة القراءة والقيام.
كيفية صلاتها: جاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان فركع فقال في ركوعه: "سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما، ثم سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما، ثم جلس يقول: ربي اغفر لي, ربي اغفر لي مثل ما كان قائما، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال إلى الغداة". فهذا نص في بيان تطويل الصلاة في أربع ركعات في رمضان خاصة.
أما عموم قيام الليل: فقد عقد البخاري بابا بعنوان: كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وساق حديث عبد الله بن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم "يا رسول الله كيف صلاة الليل؟" قال: "مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة". (البقية على صفحة 78).
مقابلة شخصية: قال الربيع بن زياد الحارثي: "كنت عاملا لأبي موسى الأشعري على البحرين فكتب إليه عمر بن الخطاب يأمره بالقدوم عليه هو وعامله، فلما قدمنا المدينة أتيت (يرفأ) فقلت: يا يرفأ ابن سبيل مسترشد أخبرني أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عماله؟ فأومأ إلى الخشونة.
فأخذت خفين مطرقين ولبست جبة صوف ولثت رأسي بعمامة دكناء.
ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه وصعد فينا نظره وصوب فلم تأخذ عينه أحد غيري فدعاني فقال: من أنت؟ قلت: الربيع بن زياد الحارثي. قال: وما تتولى من أعمالنا؟ قلت: البحرين قال: فكم ترزق؟ قلت: خمسة دراهم كل يوم. قال: كثير فما تصنع بها؟ قلت: أتقوت منها شيئا وأعود بباقيها على أقارب لي فما فضل منها على فقراء المسلمين. فقال: لا بأس ارجع موضعك. فرجعت إلى موضعي من الصف. ثم صعد فينا وصوب فلم تقع عيناه إلا علي فدعاني فقال: كم سنوك؟ فقلت: ثلاث أربعون سنة. قال: الآن حين استحكمت.
ثم دعا بالطعام وأصحابي حديثو عهد بلين العيش وقد تجوعت له فأتى بخبز يابس وأكسار بعير، فجعل أصحابي يعافون ذلك وجعلت آكل فأجيد الأكل فنظرت فإذا به يلحظني من بينهم.
ثم سبقت مني كلمة تمنيت أني سخت في الأرض ولم ألفظ بها فقلت: يا أمير المؤمنين إن الناس يحتاجون إلى صلاحك فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا؟.
فزجرني وقال: كيف قلت؟ قلت: أقول لو نظرت يا أمير المؤمنين إلى قوتك من الطحين فيخبز لك قبل إرادتك له بيوم ويطبخ لك اللحم كذلك فتؤتى بالخبز لينا وباللحم غريضا.
فسكن من غضبه وقال: هذا قصدت؟ قلت: نعم. قال: يا ربيع إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق ورقائق وصناب ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم شهواتهم فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا..} ثم أمر أبا موسى أن يقرني وأن يستبدل أصحابي. العقد الفريد - ج1 (تتمة التراويح).
فهذا نص لا حد فيه وأنه يصلي مثنى مثنى إلى أن يخشى الصبح.
وساقه البخاري أيضا عن ابن عباس رضي الله عنه كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشر ركعة يعني بالليل.
وحديث مسروق عن عائشة أنه سألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت: "سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتين الفجر".
ثم بوب البخاري أيضا باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره.
وساق بسنده إلى عائشة رضي الله عنها: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا"، قالت عائشة: فقلت: "يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟" فقال: "يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي".
ولئن كانت عائشة وصفت صلاته صلى الله عليه وسلم بالطول والحسن وحددتها بإحدى عشرة ركعة فقد جاء حديث حذيفة عند مسلم "أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة، وكان إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، أو سؤال سأل، أو تعوذ تعوذ، ثم ركع نحوا مما قام ثم قام نحوا مما ركع ثم سجد نحوا مما قام".
قال ابن حجر بعد أن أورد هذا الحديث: "وهذا إنما يتأتى في نحو ساعتين، فلعله أحيا تلك الليلة كلها". فهذا مما يدل على طول القيام إلى حد أن تستغرق الركعة الواحدة ساعتين. وقد جاء عند البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فلم يزل قائما حنى هممت بأمر سوء" قلنا: "وما هممت؟" قال: "هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم". فتحصل لنا من هذا كله أن صلاة التراويح كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنها مشروعة عنه صلى الله عليه وسلم ابتداء وأنها أخذت تتطور على عدة مراحل فكانت كالآتي:
تطورها في العصر النبوي: 1- أولا: بدأت بالترغيب فيها دون أن يعزم عليهم. 2- ثانيا: انتقلت إلى السنة والندب مقرونة بفرضية الصيام. 3- ثالثا: أديت بالفعل أداها أوزاع من الناس. 4- رابعا: تسلل الناس إلى مصلاه صلى الله عليه وسلم فأتموا به صلى الله عليه وسلم وهو لا يشعر بهم وهو لا يقر على باطل. 5- خامسا: تقريره صلوات الله وسلامه عليه لمن يصلى بالناس سواء في المسجد أو في البيت. 6- سادسا: صلاته هو صلى الله عليه وسلم بالفعل بأهل بيته. 7- سابعا: صلاته هو صلى الله عليه وسلم بالفعل بأهل بيته وبالناس عدة ليال متفرقة. يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحــمــد لــبــن AhmadLbn في الأحد 04 يونيو 2017, 5:36 am عدل 3 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الإثنين 04 يوليو 2016, 4:29 am | |
| أما العدد أي عدد الركعات: أ- فقد صلى أربع ركعات استغرقت الليل كله. ب- وصلى ثمان ركعات. جـ- وصلى إحدى عشر ركعة لا تسل عن حسنهن وطولهن. د- وصلى ثلاث عشرة ركعة.
وهذا ما يقتصر عليه بعض المتأخرين ولكن: 1- جاء الإطلاق بدون حد من قام رمضان إيمانا واحتسابا. 2- جاء تقريره على طلب الزيادة لو نفلتنا بقية ليلتنا؟ 3- وهناك مبحث لم يتطرق إليه أحد فيما أعلم.
وهو: أن عائشة رضي الله عتها قالت: "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط ودخل بيتي إلا وصلى أربعا أو ستا". وجاء عنها أنه كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين.فلو جمعنا حديث ابن عباس (13) ركعة مع حديث عائشة (6) ركعات بعد العشاء مع (2) ركعتين يفتتح بهما صلاة الليل لكان مجموع ذلك كله (13 + 6 = 19 +2= 21) إحدى وعشرون ركعة. وهو العدد الذي جمع عمر رضي الله عنه الناس عليه مع أُبَي ابن كعب ويكون هذا العدد مستندا إلى سنة لا مجرد اختيار عمر رضي الله عته والله أعلم.وبعد هذا فلا يحق لأحد أن يمنع الزيادة على ثمان ركعات وقوفا عند حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها أو يعيب فعل عمر متهما إياه بمخالفة السنة حاشاه رضي الله عنه.
عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: كان عهد الصديق رضي الله عنه غير طويل، وكان الناس حدثاء عهد بعهد النبوة فلم تتكون عوامل تغيير تذكر بالنسبة للتراويح. ولهذا لم يذكر أحد أن التراويح في عهد الصديق رضي الله عنه طرأ عليها جديد مستدلين بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك وكان الأمر على ذلك".
قال البيهقي: "زاد أحمد بن منصور الرمادي في روايته في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر رواه مسلم في الصحيح. ورواه مالك بسنده إلى ابن شهاب وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك في صدر خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر رضي الله عنهما".ولكن حديث عائشة عند البيهقي قالت: "كنا نأخذ الصبيان من الكُتَّاب ليقوموا بنا في شهر رمضان فنعمل لهم (القلية) و(الخشكنانج)" وعند المروزي: "فنعمل لهم (القلية) و(الخشكار) وهو خبز سمراء".
فهو نص على إقامة التراويح بإمامة الصبيان. وقطعا لم يكن ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهل كان في عهد الصديق فيكون تطويرا جديدا أم في عهد عمر؟ والذي يظهر أنه كان في عهد الصديق رضي الله عنه لأنه كان في عهد عمر كما سيأتي ترتيب أئمة للرجال وإمام للنساء وعلى كل ففيه تطوير جديد، فإن كان في عهد الصديق فهو جديد عما كان من قبل وهو الراجح وإن كان في عهد عمر فيغلب على الظن أن ذلك كان في البيوت لأنهن لن يأخذن الصبيان من الكتاب وعمر جاعل إمام لهن، ولا سيما عائشة رضي الله عنها فأحرى بها رضي الله عنها أن تصلي في بيتها وقد يجتمع لها من النساء.
القراءة زمن الصديق: وقد ظلت القراءة طويلة في زمن الصديق رضي الله عنه لما في حديث عبد الله ولد الصديق، فعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر".وقد طرأ في هذا العصر أيضا نوع مقارنة بين القراء. فكان الناس يميلون إلى من كان حسن الصوت بالقراءة كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله في عهد عمر رضي الله عنه.
في عهد عمر رضي الله عنه: جاء عهد عمر رضي الله عنه والحال كما كان عليه من قبل يصلون أوزاعا فُرادى وجماعات في البيوت وفي المسجد يصور ذلك أكمل تصوير أثران هما: أثر إياس الهذلي، وأثر عبد الرحمن بن عبد.
أ - الأثر الأول: عن نوفل قال إياس الهذلي: كان الناس يقومون في رمضان في المسجد وكانوا إذا سمعوا قارئا حسن القراءة مالوا إليه.
فقال عمر رضي الله تعالى عنه: "قد اتخذوا القرآن أغاني والله لئن استطعت لأغيرن هذا"، فلم تمر ثلاث حتى جمع الناس على أبي ابن كعب.
وقال عمر: "إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة". رواه المروزي.
ب - الأثر الثاني: وهو أثر عبد الرحمن بن عبيد -بالتنوين- (القارّي) خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاعا متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: "إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل" ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم: "نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله. رواه البخاري.
التطور الجديد: نجد في الأثرين السابقين تطويرا جديدا على يد عمر رضي الله عنه وهو جمع الأوزاع والأشتات على قارئ واحد. وهذا التطور وإن تعددت أسبابه فقد جمع عدة مصالح. فالأثر الأول يشير إلى أن السبب له صلة بحسن القراءة وفي هذا مجال فسيح لمنافسة القراء وتسابق المصلين، وهو أمر لو طال به المدى لابتعدت الشقة بسببه بين المصلين، فوحد القارئ لتتوحد القراءة.
وقد يؤخذ منها درء المفسدة على جلب المصلحة؛ لأن تتبع المصلين لمن هو أحسن صوتا مجال لتحسين الصوت بالقراءة وهو أمر مرغوب فيه غير أنه قد يكون مدعاة إلى التغالي حتى يصل إلى التغني كما أشار عمر رضي الله عنه من قبل فجمعهم على قارئ واحد سدا للذريعة ودرءا للمفسدة.
والأثر الثاني يشير إلى وجود جماعات وأفراد لا تربطهم عوامل موحدة، ولو طال بهم المدى أيضا لافتقدوا عامل الائتلاف والاتحاد وضاعت ثمرة الجماعة فوحد الإمام ليجتمع المأموم وكانت نعمة البدعة في كلا الأمرين. وإلى هنا تم توحيد المصلين للتراويح على إمام واحد وهو أبي بن كعب.
تعدد الأئمة: وقد جاء عنه رضي الله عنه أنه جعل إمامين للرجال وهما أبي بن كعب وتميم الداري، وكانا يقومان في الليلة الوحدة يتناوبان. يبتدئ الثاني حيث ينتهي الأول كما جاء في رواية السائب بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميم الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وذلك مع المحافظة على طول القراءة كما في الرواية الأخرى له: كنا نصلي زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان ثلاث عشرة ركعة، ولكن والله ما كنا نخرج إلا وجاه الصبح كان القارئ يقرأ في كل ركعة بخمسين، آية ستين آية. وكما في رواية السائب أيضا أنهم كانوا يقرؤون بالمئين من القرآن وأنهم كانوا يعتمدون على العصا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فالذي تحدد في هذين الأثرين هو: أ- تعدد الأئمة بعد إمام واحد. وهو أُبَي، وسواء كان ذلك رفقا بالإمام الأول فجعل معه آخر يساعده، أو كان ترويحا للمأمومين وتنشيطا للمصلين ولا سيما وقد كانوا حدثاء عهد بتعدد الأئمة حينما كانوا يصلون أوزاعا. وقد مضى عمر رضي الله عنه إلى أبعد من هذا فجعل إماما للنساء، وانتخب أكثر من إمام للتراويح، أما إمام النساء فهو سليمان بن أبي حتمة.
فكما جاء عند المروزي قال: وعن هشام بن عروة عن أبيه: جعل عمر بن الخطاب للناس قارئين فكان أبي بن كعب يصلي بالرجال وكان بن أبي حتمة يصلي بالنساء. فهذا الأثر يفيد أن إمامة سليمان ابن أبي حتمة بالنساء كانت أثناء إمامة أبي للرجال، أي أنهما كانا يصليان في وقت. هذا لهؤلاء وهذا لؤلائي. وقد كان ذلك أقصى ما وصلت إليه التراويح من حيث النشاط والصبر وطول القيام وكثرة القراءة.ثم أخذت قي التدرج إلى الأسهل فتعددت الأئمة وخففت القراءة وكثرت الركعات. أما تعدد الأئمة أكثر من ذلك فهو كما في رواية عاصم عن أبي عثمان رحمه الله أن عمر رضي الله عنه جمع القرآن في رمضان فأمر أخفهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية وأوسطهم خمسا وعشرين وأثقلهم قراءة عشرين.
فنرى هنا تعدد الأئمة وهو أكثر ترويحاً وتخفيفا على نفس الإمام وعلى المأمومين، ثم نرى أيضاً تخفيف القراءة فأقصاها ثلاثون بعد أن كانت تصل إلى الستين والمئين. بل نجد أثرا آخر وهو أن عمر رضي الله عنه أمر أبياً فأمهم في رمضان فكانوا ينامون ربع الليل ويقومون ربعه وينصرفون بربع لسحورهم وحوائجهم. وكان يقرأ بهم خمس آيات ست آيات في كل ركعة ويصلي بهم ثمان عشر ركعة شفعا يسلم في كل ركعتين، ويروحهم قدر ما يتوضأ المتوضئ ويقضي حاجته، بهذا يتضح إلى أي مدى حدث تغيير وتجفيف في الكيفية والقراءة.
أما عدد الركعات فكالآتي: 1- فتقدم أن أول ما أمر عمر أُبَيًّا أن يقوم بالناس أنه أمره بثمان ركعات. وكان يقرأ فيها بالمئين، وكانوا لا ينصرفون إلا ي وجه الفجر.
2- وتقدم أن عمر أمر أُبَيًّا وتَمِيماً أن يقوما للناس ثلاث عشرة ركعة. وهذا بالنسبة إلى ما جاء من ثمان ركعات يكون معها ثلاث وترا. وقد جاءت رواية محمد بن سرين أن معاذا أبا حليمة القاري كان يصلي بالناس إحدى وأربعون ركعة.
ومعاذ أبو حليمة هذا, قال في التقريب: "هو معاذ بن الحارث الأنصاري البخاري القاري أحد من أقامه عمر بمصلى التراويح. وقيل هو آخر يكنى أبا الحارث صحابي صغير استشهد بالحرة ..." اهـ.والحرة كانت سنة 63 يؤيد هذا العدد ويفصله رواية أبي زيد عن صالح مولى التوأمة قال: "أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون فيها بخمسة، فكانت الترويح إحدى وأربعون ينقصها أي ستة وثلاثون ركعة.
وصالح هذا قال في التقريب: "هو صالح بن نبهان المدني مولى التوأمة بفتح المشناة وسكون الواو وبعدها همزة مفتوحة, صدوق اختلط في أخر أمره".
قال بن عدي: "لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي زيد وابن جرير، من الرابعة مات سنة 125. والرواية هنا عنه من رواية الأقدمين. وهو ابن أبي ذئب كما مثل ابن عدي لما لا بأس به عنه. فهو هنا يقول: أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعون ركعة ويوترون منها بخمسة.
وهذا موافق لما قاله محمد بن سرين أن معاذا بن حليمة القاري كان يصلي بالناس إحدى وأربعين ركعة أي ستا وثلاثين قياما وخمسة وترا. أ - فتكون التراويح زمن عمر رضي الله عنه بدأت بثلاث عشرة ركعة أي بما فيها الوتر. ب - ثم إلى ثلاث وعشرين بما فيها الوتر ثلاث. ج - ثم بست وثلاثين ومعها خمس ركعات وترا. والمجموع إحدى وأربعين ركعة إلا أننا نلاحظ أن كثرة الركعات معها تخفيف القراءة لأنه:
أولاً: ثمان ركعات، أو ثمان عشرة ركعة، يقرؤون بالمئين. وكانوا لا ينصرفون إلا على وجه الفجر. وعليه قلنا تكون القراءة لست وثلاثين ركعة كالقراءة لثمان أو لست عشرة ركعة. بل وجدنا عمليا أن عمر رضي الله عنه جمع القراء فأمر من كان أخف قراءة أن يقرأ بثلاثين بينما كانت القراءة بخمسين بستين كما تقدم.وعليه لا يكون تعارض بين الروايات الواردة وعدد الركعات للتراويح زمن عمر رضي الله عنه. كما قال الباجي رحمه الله في شرح الموطأ ج1ص208 ما ملخصه: قد اختلفت الروايات فيما كان يصلى به في رمضان في زمان عمر رضي الله عنه.
فروى السائب بن يزيد إحدى عشرة ركعة، وروى يزيد بن رومان ثلاثا وعشرين ركعة، وروى نافع مولى ابن عمر أنه أدرك الناس يصلون بتسع وثلاثين ركعة يوترون فيها بثلاث. فيحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه بدأ بثمان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أفاده حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم: "ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على ثمان ركعات".
وأمرهم مع ذلك بطول القراءة يقرأ القارئ بالمئين في الركعة فلما ضعف الناس عن ذلك أمرهم بثلاث وعشرين ركعة على وجه التخفيف عنهم من طول القيام، واستدرك بعض الفضيلة بزيادة الركعات وكان يقرأ البقرة في ثمان ركعات أو اثني عشرة ركعة، وقد قيل: إنه كان يقرأ من ثلاثين آية إلى عشرين آية. وكان الأمر على ذلك إلى يوم الحرة، فثقل عليهم القيام فنقصوا في القراءة وزادوا في عدد الركعات فجاءت ستة وثلاثين ركعة والوتر بثلاث فمضى الأمر على ذلك ولعل التخفيف إلى ستة وثلاثين وقع قبل الحرة كما جاء في رواية محمد بن سرين أن معاذ أبا حليمة كان يقوم بهم إحدى وأربعين ركعة. وهو ما مات إلا في وقعة الحرة. والذي يهمنا ما ظهر من التدرج في التراويح في زمن عمر رضي الله عنه بالتخفيف من القراءة وزيادة عدد الركعات فكانت قلة الركعات معها كثرة القراءة وكثرة القراءة معها قلة الركعات.
مناقشة "نعمة البدعة": وقبل أن ننتقل من عهد عمر إلى عهد عثمان رضي الله عنهما يحسن إيراد الجواب على قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة" لجمعه الناس على قارئ واحد وصلاتهم إياها في جماعة. فما مراده بقوله هذا وما الجمع بين قوله: "نعمت" وبين كونها بدعة؟
وخير ما نسوق في ذلك هو كلام شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه (اقتضاء صراط المستقيم ) ص 275 ما نصه قال: "فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فإنه قال: "إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه". ولا صلاتها جماعة بدعة بل هي سنة في الشريعة بل قد صلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثا. وصلاها كذلك في العشر الأواخر في جماعة مرات.
وقال: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة". لما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح. رواه أهل السنن. وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها على حال الانفراد. وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة.
وكان الناس يصلون جماعة في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرهم وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم وأما قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" فأكثر المحتجين بهذا لو أردنا أن نثبت حكما بقول عمر الذي لم يخالف فيه لقالوا: "الصاحب ليس بحجة". فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ومن اعتقد أن قول الصاحب حجة فلا يعتقده إذا خالف الحديث.
فعلى التقديرين لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب. نعم يجوز تخصيص عموم الحديث بقول الصاحب الذي لم يخالف على إحدى الروايتين فيفيدهم هذا (حسن تلك البدعة) أما غيرها فلا. ثم نقول أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي.
فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته أو دل عليه مطلقا ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته صح أن يسمى ((بدعة)) في اللغة لأنه عمل مبتدأ كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة ويسمى محدثا في اللغة. كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرون إلى الحبشة "وإن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم ولم يدخلوا في دين الملك وجاءوا بدين محدث لا يعرف".
ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة في الشريعة وإن سمي بدعة في اللغة أعم من لفظ البدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة. فلفظ "البدعة" في اللغة أعم من لفظ "البدعة" في الشريعة. وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" لم يُرِد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ. وإنما أراد ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم. وإذا كان كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى.
وقد قال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة لما اجتمعوا: "إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". فعلل النبي صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم فانتفى المعارض". وساق بعد ذلك أدلة أخرى كجمع القرآن ونفى عمر ليهود خيبر، وقتال أبي بكر لمانعي الزكاة. ثم قال مبينا ضابط البدعة الحسنة من السيئة بما نصه: "والضابط في هذا والله أعلم أن يقال: إن الناس لا يحدثون شيئا إلا لأنهم يرونه مصلحة، إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه.
فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين فما رآه المسلمون مصلحة نظر في السبب المحوج إليه، فإن كان السبب المحوج إليه أمرا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهنا قد يجوز إحداث ما تدعوا إليه الحاجة إليه -قال رحمه الله عبارة مفادها أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر من غير تفريط-.
وكذلك إن كان المقتضى لفعله قائما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض وقد زال بموته" .أهـ هذا هو كلام شيخ الإسلام بن تيمية بنصه في بيان كلمة عمر رضي الله عنه "نعمت البدعة". وأعتقد أنه واضح في الرد على من يحتج بها على أن صلاة التراويح جماعة بدعة أو أن العدد الذي ورد عن عمر فيها 21 ركعة بدعة. غير أن البحث في إثبات ذلك العدد عنه أو عدم إثباته ويكفي في ذلك روايات مالك في الموطأ والله تعالى أعلم. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الـحـلـقـة الـثـانـيــــة الثلاثاء 19 يوليو 2016, 6:07 am | |
| التراويخ أكثر من ألف عام في المسجد النبوي بقلم: الشيخ عطيــة محمــد سالــم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة غفـــر الله له ولوالديه وللمسلمين ================== الـحـلـقـة الـثـانـيـــــــــــــــــة ================== عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما أما في عهد عثمان رضي الله عنه فإن عليا بنفسه كان يؤم الناس في التراويح أكثر ليالي الشهر، كما في سنن البيهقي رحمه الله عن قتادة عن الحسن قال: "أمّنا علي بن أبي طالب في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه عشرين ليلة، ثم احتبس، فقال بعضهم: قد تفرغ لنفسه، ثم أهم أبو حليمة معاذ القارئ، فكان يقنت".
ففي هذا العهد تولى علي رضي الله عنه بنفسه إمامة الناس عشرين ليلة، وفيه أيضا كان القنوت في العشر الأواخر.
أما مسألة القنوت فكان كذلك "أبيّ" يقنت في النصف الأخير من رمضان رواه البيهقي.
ولم نجد جديدا في عدد الركعات، وأغلب الظن أنها كانت على ما كانت عليه زمن عمر رضي الله عنه، لما سيأتي من عدد ركعاتها في عهد علي رضي الله عنه.
الدعاء في ختم القرآن: غير أننا وجدنا هنا في عهد عثمان رضي الله عنه عملا يكاد يكون جديدا في التراويح وهو الدعاء بختم القرآن في نهاية الختمة، وذلك لما ذكره ابن قدامة رحمه الله في المغني ج2 ص171 قال: "فصل في ختم القرآن، قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله فقلت: أختم القرآن، أجعله في الوتر أو في التراويح؟، قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين، قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام، قلت بما أدعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت بما أمرني، وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه".
قال حنبل: "سمعت أحمد يقول: في ختم القرآن إذا فرغت من قراءة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة"، قال العباس بن عبد العظيم: "وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا شيئا وذكر عن عثمان بن عفان".
فقوله رأيت أهل مكة يفعلونه وفعل سفيان بن عيينة معهم، ثم قول العباس بن عبد العظيم أدركنا الناس بالبصرة وبمكة وبروي أهل المدينة في هذا شيئا وذكر عن عثمان بن عفان يدل أنّه كان عملا عاما في تلك الأمصار مكة والبصرة والمدينة، ويشير إلى أنّه لم يكن قبل زمن عثمان.
كما يدل على أنّه من عمل عثمان رضي الله عنه إن صحت عبارته، ويروي أهل المدينة في هذا شيئاً… الخ.
وعلى كل فقد فعله أحمد رحمه الله مستدلاً بفعل أهل الثلاثة المذكورة ومستأنساً بما يروي أهل المدينة في هذا عن عثمان رضي الله عنه، مما يدل على أنّه كان موجوداً بالمدينة عمل دعاء الختم الذي يعمل اليوم في التراويح مع طول القيام، وسيأتي نصه في سياق مذهب أحمد رحمه الله تعالى إن شاء الله.
العباس بن عبد العظيم: أما العباس بن عبد العظيم الذي أسند إليه القول سابقاً: أدركنا الناس بالبصرة ومكة ويروي أهل المدينة في هذا شيئا وذكر عن عثمان بن عفان؛ فإنّ العباس هذا قد ترجم له في التهذيب ج5 ص122 مستهلا يقول: "عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن توبة العنبري أبو الفضل البصري الحافظ"، وعدّ من روى عنهم نحو العشرين، ثم قال: "وجماعة، وعند الجماعة ولكن البخاري تعليقا"، ثم عدّ عشرة أشخاص ممن أخذوا عنه ثم قال وغيرهم.
ثم قال: قال أبو حاتم: "صدوق"، وقال النسائي: "مأمون"، وذكر ثناء العلماء عليه، وأخيرا قال: قال البخاري والنسائي: "ومات سنة 256" ثم قال: "قلت - أي صاحب التهذيب- وقال مسلمة: "بصري ثقة".
وقال عنه في التقريب: "عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل العنبري أبو الفضل البصري ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة مات سنة40 - حث م عم".
ورمزه بحرف: (خت) أي للبخاري تعليقا، وحرف (م) أي لمسلم، وحرف (عم) أي للجماعة سوى الشيخين.
فتبين بذلك أن نقله عن أهل المدينة نقل ثقة حافظ، والله تعالى أعلم.
فيكون الجديد في التراويح في عهد عثمان رضي الله عنه أنّ عليا بنفسه كان يؤم الناس فيها عشرين ليلة، وأنّه وجد دعاء ختم القرآن.
عهد علي رضي الله عنه: أما عهد علي رضي الله عنه فجاء في سنن البيهقي أنّه رضي الله عنه جعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، ولكنه كان يؤمهم بنفسه في الوتر؛ فعن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال: "دعا القراء في رمضان فأمر منهم رجلاً أن يصلي بالناس عشرين ركعة، قال وكان علي رضي الله عنه يوتر بهم"، قال البيهقي: "وروى هذا من وجه آخر عن علي".
فقد وجدنا هنا تجديدا في زمن علي حيث أنّه كان في عهد عثمان رضي الله عنه يصلي بهم التراويح وفي العشر الأخير يقتصر لنفسه، وهنا نجد عليا رضي الله عنه يصلي بهم الوتر.
أما إمام النساء في زمن علي رضي الله عنه فهو عرفجة الثقفي كما عند المروزي، قال عرفجة الثقفي: "أمرني علي رضي الله عنه فكنت إمام النساء في قيام رمضان".
ففي زمن علي رضي الله عنه كانت التراويح عشرين والوتر ثلاث، وهذا أغلب الظن كما كانت في عهد عثمان رضي الله عنه، وعهد عمر رضي الله عنه، وأن الزيادة إنما أحدثت بعد عهد علي رضي الله عنه أي الست والثلاثين المتقدمة.
وفي زمنه أيضا تولى هو الإمامة في صلاة الوتر على خلاف عثمان وعمر رضي الله عنهما.
ما بين عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: مما تقدم يظهر للمتأمل أن عدد ركعات التراويح كان مستقرا إلى ثلاث وعشرين، منها ثلاث ركعات وترا كما في رواية يزيد بن الرومان عند مالك كما تقدم، قال: "كان الناس يقومون زمن عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة؛ وهو كما قال عنه في التقريب: يزيد بن الرومان المدني مولى آل الزبير ثقة من الخامسة، مات سنة ثلاثين أي بعد المائة، فيكون قد عني بزمن عمر فقط، وإلا لقال: "وعثمان وعلي".
وعليه تكون الزيادة التي وردت في روايات كل من معاذ القارئ وصالح مولى التوأمة أنها وجدت بعد عمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم، لأنها محددة بما قبل الحرة، ولم تعين أي وقت كان قبلها.
فإذا كانت النصوص تحدد بثلاث وعشرين زمن عمر، وتظل تنص على ثلاث وعشرين أيضاً من فعل علي في عهد علي فيكون من البين أن هذا العدد كان مستقرا وثابتا إلى زمن علي رضي الله عنه، وأن الزيادة إنما جاءت بعده، وقد استمرت إلى عمر بن عبد العزيز فيما بعد.
تحديد الزيادة التي طرأت على عهد علي رضي الله عنه: 1- أولا: جاءت رواية نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه كما تقدم عند الباجي أنّه قال: "أدركت الناس يصلون بسبع وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث".
أي أن التراويح زادت من عشرين إلى ست وثلاثين ماعدا الوتر ثلاث؛ ونافع مات سنة 117 أي بعد وفاة عمر بن عبد العزيز رحمه الله بست عشرة سنة، لأنّ عمر مات سنة 101.
وقوله: أدركت الناس، يشير إلى أنّ ذلك من قبل خلافة عمر بن عبد العزيز، وقد صرح بهذا العدد في عهد عمر بن العزيز رحمه الله أبان بن عثمان أيضا، وداود بن قيس عند المروزي؛ قال: "أدركت المدينة في زمن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز يصلون ستا وثلاثين ركعة يوترون بثلاث، وفي بعض الروايات ويوترون بخمس".
وبالنظر في رواية داود بن قيس وإحدى روايتي نافع يتبين أن التروايح كانت في عهد عمر بن عبد العزيز ستا وثلاثين ركعة.
وبالنظر في رواية معاذ القارئ وإحدى روايتي نافع الأخرى يتبين لنا أن تلك الزيادة وجدت قبل عمر بن عبد العزيز، لأنّ فيها أنّه كان يصلي إحدى وأربعين ركعة.
وإحدى روايتي نافع أنّه أدرك الناس يصلون ستاً وثلاثين ويوترون بخمس ومجموعها إحدى وأربعون، فتتفق روايات كل من نافع وداود بن قيس وصالح مولى التوأمة على وجود إحدى وأربعين ركعة، منها الوتر بخمس، وأن ذلك من قبل عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وأنّه أقرها على ذلك.
وقد استمرت إلى ما بعده كما سيأتي من رواية وهب بن كيسان.
وقد قال الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: ج1ص142 ما نصه: "ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين، وأحب إلى عشرين لأنّه روي عن عمر، وكذلك يقومون بمكة، ويوترون بثلاث".
عهد الأئمة الأربعة رحمهم الله أولا: عهد مالك رحمه الله إمام دار الهجرة: لقد أدرك مالك رحمه الله عمر بن عبد العزيز، وأدرك من حياته ثمان سنوات لأنّ عمر رحمه الله مات سنة101، ومالك ولد سنة93، فكانت وفاة عمر بعد ولادة مالك بثمان سنوات أي حين كان مالك في أوائل طلب العلم، وقد جاءت النصوص أنّ عدد ركعات التراويح ستا وثلاثين أثناء وجود مالك؛ بل كانت موجودة وعمره أربع وثلاثون سنة كما في رواية وهب بن كيسان، قال: "ما زال الناس يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث إلى اليوم في رمضان" وقد مات وهب سنة127.
وقد نص مالك رحمه الله بما هو أصرح من ذلك حيث جاء عن ابن أيمن عند المروزي قال مالك: "أستحب أن يقوم الناس في رمضان بثمان وثلاثين ركعة ثم يسلم الإمام والناس، ثم يوتر بهم بواحدة"، وهذا العمل بالمدينة قبل الحرة منذ بضع ومائة سنة؛ فيفهم من قول مالك هنا: "وهذا العمل قبل الحرة منذ بضع ومائة سنة"، أنّ التسع والثلاثين بما فيها الوتر كانت قبل عمر بن عبد العزيز، وأنّه العدد الذي أقره واستحبه مالك وأخذ به.
ولذا كان يكره أن ينقص عن هذا العدد، كما روى ابن القاسم عنه قال: "سمعت مالكا يذكر أن جعفر بن سليمان أرسل عليه يسأله أننقص من قيام رمضان فنهاه عن ذلك، فقيل له: قد كره ذلك؟ أي قيل لابن القاسم قد كره مالك ذلك، قال: نعم…" راجع المدونة ج1ص 222.
وقد قام الناس هذا القيام قديماً، قيل له: فكم القيام؟ فقال: تسع وثلاثون ركعة بالوتر، وسيأتي نص مذهب مالك مفصلاً في ذلك على حدة إن شاء الله، مع نصوص المذاهب الأربعة بعد، والمراد هنا ذكر حالة التراويح في عصره في المسجد النبوي.
وقد أدرك الشافعي مالكاً وأخذ عنه، وجاء عن الشافعي أيضاً هذا العدد في المدينة المنورة، قال الزعفراني عن الشافعي: "رأيت الناس يقومون بالمدينة تسعاً وثلاثين ركعة".
أما مذهبه فأشار عليه بقوله عقب ذلك: "وأحب إلي عشرون"، قال: "وكذلك يقومون بمكة" أي بالعشرين، قال: "وليس في شيء من هذا ضيق، ولا حد ينتهي إليه لأنّه نافلة فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن، وهو أحب إلي، وإن أكثروا السجود فحسن".
وسيأتي تفصيل مذهبه إن شاء الله عند ذكر المذاهب الأربعة في المسألة، وعليه فلا جديد في عدد الركعات. يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الثلاثاء 19 يوليو 2016, 6:12 am | |
| ولكن قد وجد جديد في نواح أخرى منها: 1- منها كيفية القراءة أي مقدارها، فقد كانت بعشر آيات في كل ركعة كما في رواية عبد الرحمن بن القاسم عند المروزي: "سئل مالك عن قيام رمضان بكم يقرأ القارئ؟ قال: بعشر عشر، فإذا جاء السور الخفيفة فليزد مثل الصافات، وطسم، فقل: له خمس، قال: بل عشر آيات".
ونص ابن وهب في المدونة الكبرىج1ص223: "أن عمر بن عبد العزيز أمر القُرَّاء يقومون بست وثلاثين ويوترون بثلاث، ويقرأ بعشر آيات في كل ركعة".
بينما نجد في زمنه من يقرأ القرآن كل ليلة، قال مالك: "كان عمر بن جعد من أهل الفقه والفضل، وكان عابداً، ولقد أخبرني رجل أنّه كان يسمعه في رمضان يبتدئ القرآن في كل يوم، قيل له: كأنه يختم! قال: نعم، وكان في رمضان إذا صلى العشاء انصرف، فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين قامها مع الناس، ولم يكن معهم غيرها"، فقيل له: "يا أبا عبد الله فالرجل يختم القرآن كله في ليلة؟ قال: ما أجود ذلك إن القرآن إمام خير أو إمام كل خير".ا.هـ
الجهر بالبسملة: 2ـ ومنها أنّه وجد في زمنه هيئة افتتاح القراءة لم تكن من قبل، وهي الجهر بالبسملة والاستعاذة.
قال ابن وهب: "سألت مالكاً قلت: أيتعوذ القارئ في النافلة؟ قال: نعم، في شهر رمضان يتعوذ في كل سورة يقرأ بها يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قيل له: ويجهر بذلك؟ قال: نعم؛ قيل له: ويجهر في رمضان بسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: نعم".
وعن ابن القاسم: "سئل مالك عن القراءة إذا كبَّر الإمام افتتح بأعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ قال: لا أعلمه يكون إلا في رمضان، فإن قراءنا يفعلون ذلك، وهو من الأمر القديم".
وقوله "هو من الأمر القديم": يشهد له ما جاء عن أبي الزناد قال: "أدركت القراء إذا قرءوا في رمضان تعوذوا بالله السميع من الشيطان الرجيم ثم يقرؤون"، قال المروزي: "وكان إذا قام في رمضان يتعوذ حتى لقي الله لا يدع ذلك".
وأبو الزناد مات سنة 130هـ أي بعد عمر بن عبد العزيز وقبل مالك.
وجاء أنّ قُرَّاء عمر بن عبد العزيز كانوا لا يدعون التعوذ في رمضان، ولعل هذا هو مراد أبي الزناد بقوله أدركت القراء، يعني قراء عمر بن عبد العزيز، لأنّ بين وفاته ووفاة عمر بن عبد العزيز تسعة عشر سنة فقط.
وظل هذا الأمر بعد أبي الزناد إلى سعيد بن إياس قال: "رأيت أهل المدينة إذا فرغوا من أم القرآن ولا الضالين، وذلك في شهر رمضان يقولون: "ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم".
أما حكم المسألة عند ملك فكما قال الباجي في شرح الموطأ: "مسألة: ولا بأس بالاستعاذة للقارئ في رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة، وروى عنه أشهب في العتبية: "ترك ذلك أحب إليّ".
وقد وجه الباجي كلا الروايتين، والواقع أن البسملة كما قيل: إنها حرف أي جاءت رواية في القراءات السبع بإثباتها، ورواية بإسقاطها، وهما عن نافع رحمه الله.
فرواية ورش ترك البسملة، ورواية قالون عنه إثباتها وعليه البيت الآتي في القراءات: وورش الوجهان عنه نقلا قالون بين السورتين بسملا
ونافع هو قارئ المدينة، وعنه أخذ مالك، ومالك في ذلك رجح قراءة قالون، والرواية عن ورش التي فيها الإثبات.
أما ما يبدأ به القراءة في أول ليلة من رمضان فقد قال المروزي قال أبو حازم: "كان أهل المدينة إذا دخل رمضان يبدءون في أول ليلة بـ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}.
وأخبرني الشيخ حماد الأنصاري المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة أنّ هذا هو عمل البلاد إلى اليوم وقد تركهم يفعلونه قبل أن يهاجر إلى المدينة، وقد باشر هذا بالفعل حينما كان إماماً في بلاده في التراويح، وأهل تلك البلاد كلهم على مذهب مالك.
مقارنة بين قيام أهل المدينة وأهل مكة في ذلك الوقت: مما تقدم من كلام مالك أنّه يستحب أن يقوم الناس بثمان وثلاثين ويوترن بواحدة أي تمام تسع وثلاثين، مع ما تقدم من كلام الشافعي أنّه أدرك الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين؛ فإنّ ذلك كله يبين ما كان عليه القيام بالمدينة زمن مالك والشافعي.
ولكن الشافعي قال فيما تقدم: "وأحب إليّ عشرون"، وقال: "وكذلك يقومون بمكة"، ثم قال: "إنّه نافلة وليس في ذلك حد ينتهي إليه".
ومن مجموع هذه الأقوال يثار سؤال وهو: لِمَ كان أهل المدينة يقومون بتسع وثلاثين ويستحبه مالك، في الوقت الذي لا يقوم فيه أهل مكة إلاّ بعشرين وهو أحب إلى الشافعي؟
أما قول الشافعي رحمه الله: "وأحب إليّ عشرين، وأنّه قيام مكة"؛ فإنّ الظاهر والله تعالى أعلم أنّ الأصل أي ما كان عليه العمل زمن الخلفاء الثلاثة: عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعليه إجماع الصحابة أنهم قاموا بذلك العدد في المسجد، وقام به علي بنفسه في زمنه، أي أمر القارئ أن يصلي بعشرين وكان هو يوتر لهم، وقال أبو زرعة في طرح التثريب ج1ص198: "والسر في العشرين أن الراتبة في غير رمضان عشر ركعات فضوعفت فيه لأنّه وقت جد وتشمير".
وعلى كل فهو عمل يدخل في سنة الخلفاء الراشدين المهديين رضوان الله عليهم.
فكان أهل مكة عاملين بالأصل، وليس هناك موجب للزيادة على العشرين، وإن كانت كما قال الشافعي: "إنّه تطوع وليس في ذلك حد ينتهي إليه".
أما قيام أهل المدينة بست وثلاثين فهو زائد عن ذاك الأصل، وهو وإن كان تطوعا فلم يستحبه مالك؟ ثم ولم زاد أهل المدينة على ما كان الأصل مع أنّ المتوقع أن يكونوا هم أولى بالوقوف عند ما هو الأصل: عشرين ركعة.
والجواب عن ذلك ما حكاه النووي في المجموع شرح المهذب، وحكاه غيره من أن المسألة من باب الاجتهاد في الطاعة، والمنافسة في الخير، وأنّ الموجب الأساسي لذلك هو أن أهل مكة كانوا إذا تروحوا ترويحة قاموا إلى البيت فطافوا سبعا، وصلوا ركعتي الطواف، ثم عادوا إلى الترويحة الأخرى.
ومعلوم أنّ الترويحة أربع ركعات بتسليمتين وكانت الاستراحة تقع بين كل أربع ركعات فيكون لديهم فرصة للطواف أربع مرات بين التراويح، فأراد أهل المدينة أن يتعوضوا عن الطواف فجعلوا ترويحة مقابل كل طواف.
قال النووي في المجموع ما نصه: "وأما ما ذكروه من فعل أهل المدينة فقال أصحابنا سببه أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافا ويصلون ركعتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأرد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادت ست عشرة ركعة، وأوتروا بثلاث فصار المجموع تسعا وثلاثين والله أعلم".
قال الزركشي وهو من أعلام المائة الثامنة في كتابه: (إعلام الساجد بأحكام المساجد) ص260: ما نصه: "قال الماوردي والروياني: اختلفوا في السبب في ذلك على ثلاثة أقوال: أي سبب الزيادة على العشرين المذكورة:
أحدها: أن أهل مكة كانوا إذا صلوا ترويحة طافوا سبعا إلاّ الترويحة الخامسة فإنهم يوترون بعدها، ولا يطوفون فتحصل لهم خمس ترويحات وأربع طوافات فلما لم يكن لأهل المدينة مساواتهم في أمر الطواف الأربع، وقد ساووهم في الترويحات الخمس، جعلوا مكان كل أربع طوافات أربع ترويحات، زوائد فصارت تسع ترويحات، فتكون ستا وثلاثين ركعة لتكون صلاتهم مساوية لصلاة أهل مكة وطوافهم.
والثاني: السبب فيه أن عبد الملك بن مروان كان له تسعة أولاد فأراد أن يصلي جميعهم بالمدينة فقدم كل واحد منهم فصلى ترويحة فصارت ستا وثلاثين.
والثالث: أن تسع قبائل من العرب حول المدينة تنازعوا في الصلاة، واقتتلوا فقدم كل قبيلة منهم رجلا، فصلى بهم ترويحة فصارت سنة والأول أصح"، انتهى منه.
والظاهر أن السبب الحقيقي إنما هو الأول فقط لأنّ الثاني وإن كان يعطينا فكرة عن أبناء الأمراء والخلفاء ومنازل الشرف وميادين المنافسة بالتقدم إلى الصلاة بالناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلاّ أنه كان من الممكن حصول ذلك لهم بالتناوب لكل واحد ليلة، ويبقى العدد على ما هو عليه.
أما الثالث: فهو فضلا عن أنّ فيه صورة العصبية فإنّه أبعد أن يكون في الصدر الأول، ولا سيما للمسجد إمام مسؤول عنه، وقد صلوا جميعا بصلاته فريضة العشاء، فكيف يتنازعون عليه في النافلة.
إختصاص أهل المدينة بهذا العدد: وهل هذا العمل خاص بأهل المدينة أم لغيرهم لمن أراد المنافسة في الخير؟.
فقد ناقش العلماء هذه المسألة: فأكثر الشافعية يقولون هو خاص بهم.
قال الزركشي الشافعي في كتابه إعلام الساجد: في خصائص المدينة في المسألة العشرين: قال ما نصه: "قال أصحابنا وليس لغير أهل المدينة أن يجاوروا أهل مكة ولا ينافسوهم" انتهى.
وقال ولي الدين العراقي في طرح التثريب ج1ص98 ما نصه: "وقال الحليمي من أصحابنا في منهاجه فمن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاثين أيضا لأنهم إنما أرادوا بما صنعوا الاقتداء بأهل مكة في الاستكثار من الفضل لا المنافسة كما ظن بعض الناس".
والظاهر من مذهب المالكية أنفسهم أنها ثلاث وعشرون ركعة، أي في غير المدينة.
وجاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجموع ج22ص272 في كلامه على قيام رمضان ما نصه: قال: "ثم كان طائفة من السلف يقومون أربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن".
وعلى هذا فلا يقوم دليل على خصوصية هذا العدد بأهل المدينة إلاّ بالعمل وبالنقل على مدى الزمن إلى القرن السابع ومن ثم إلى أواخر عهد الأشراف وقبل العهد السعودي.
وقد تقدم أن سبب زيادة أهل المدينة على أهل مكة أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين سبعا ويصلون ركعتين سنة الطواف فجعل أهل المدينة مكان كل طواف ترويحة زائدة حتى بلغ عدد تراويحهم ستا وثلاثين.
وهذا على إطلاقه يفيد أن هذا العمل أي الطواف كان لجميع أهل مكة، ولكن الواقع خلاف ذلك، وهو أنّ أهل مكة كانوا يصلون بأربعة أئمة للمذاهب الأربعة، ولم يكن يفعل ذلك أي الطواف بين التراويح إلا إمام الشافعية فقط، وهذا بناء على ما ذكره ابن جبير في رحلته وقد كان في مكة سنة 579 قال: "والشافعي في التراويح أكثر الأئمة اجتهادا، وذلك أن يكمل التراويح المعتادة التي هي تسليمات ويدخل الطواف مع الجماعة، فإذا فرغ من السبع وركع عاد لإقامة تراويح آخر وضرب بالفرقعة الخطيبة ضربة يسمعها كل من في المسجد لعلو صوتها كأنها إيذان بالعودة إلى الصلاة فإذا فرغوا من تسليمتين ثم عادوا للطواف هكذا إلى أن يفرغوا من عشر تسليمات فيكمل لهم عشرون ركعة ثم يصلون الشفع والوتر وينصرفون، وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئاً".
ومعلوم أن الشافعية في غير مكة لا يزيدون على ثلاث وعشرين ركعة، والعلم عند الله تعالى.
وبهذا العرض تنهي المائة الثانية ثم قد استهل عصر التأليف والتدوين والاجتهاد والاستنباط والأئمة الأربعة رحمهم الله، وفي أوائل المائة الثالثة بدأ تميز المذاهب الأربعة، وسنفرد لهم فصلا نورد فيه مذاهبهم رحمهم الله كل مذهب على حدة وذلك في نهاية البحث إن شاء الله بعد الفراغ من العرض المسلسل تاريخياً، ونعقد مقارنة بين أقوال المذاهب في حكم التراويح وعددها والقراءة فيها وعمل الختم، وختم أهل مكة وختم أهل المدينة، ثم نعقبه بمتنوعات عن التراويح مما يتم به العرض وبالله التوفيق وإلى المائة الثالثة في الحلقة التالية. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الثلاثاء 19 يوليو 2016, 6:38 am | |
| التراويخ أكثر من ألف عام في المسجد النبوي بقلم: الشيخ عطيــة محمــد سالــم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة غفـــر الله له ولوالديه وللمسلمين ================== الـحـلـقـة الـثـالثـــــــــــــــــة ================== إلى حضرات القراء الكرام قدمنا في الحلقات السابقة من هذا البحث التراويح في العهد النبوي وعهد الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم الآن نقدم ما بعد عهدهم إلى نهاية الألف عام: ما جرى على التراويح في المسجد النبوي من زيادة أو نقص ومن صورة أو شكل.
وقد أبدينا الرأي أنه بحث تاريخي فقهي وأنه للجميع وقد التمسنا من كل من يقف على هذا المبحث سابقاً أو لاحقاً أن يتكرم بإبداء ما عنّ له من توجيه ويهدي إلينا ما وقف عليه مما لم نطلع عليه في المراجع التي بين أيدينا أو مما لم يصل إلينا.
ولاسيما مع ضيق الوقت وكثرة العمل وضعف الجهد مما يجعلنا نلتمس من الجميع المشاركة في هذا العمل وبالله التوفيق.
المائة الثالثة.. مضت المائة الثانية والتراويح ست وثلاثون وثلاثة وتر فيكون المجموع تسع وثلاثون.
وكان هناك من يرى إحدى وأربعين ركعة كما تقدم.
ودخلت المائة الثالثة وكان المظنون أن تظل على ما هي عليه تسع وثلاثون بما فيه الوتر.
ولكننا وجدنا نصاً للترمذي رحمه الله المتوفى في أواخر المائة الثالثة في سنة 279 أن التراويح بلغت إحدى وأربعين ركعة بالوتر.
فقال: "واختلف أهل العلم في قيام رمضان فرأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة".
فقوله: "والعمل على هذا عندهم بالمدينة" ظاهر في بقاء هذا العمل أو وجوده بالفعل عند حكاية له.
فهل زادت التراويح في المائة الثالثة إلى إحدى وأربعين ركعة أي عمل بأحد الأقوال المتقدمة.
أم أنهم اعتبروا التسع والثلاثين تراويح وزادوا لها ثلاثاً فصارت إحدى وأربعين كما تقدم بحث هذه المسألة في أول الكلام على عدد الركعات في زمن عمر بن عبد العزيز وزمن مالك رحمه الله على كل فإن الستة والثلاثون مؤكد وجودها والباقي بين تتمة التسع والثلاثين أو الإحدى والأربعين.
المائة الرابعة والخامسة والسادسة: عادت التراويح في تلك الفترة كلها إلى عشرين ركعة فقط بدلاً من ست وثلاثين كالسابق.
لأن المنطقة كلها أي منطقة الشرق الأوسط بل من مصر والحجاز والعراق قد شهدت اضطراباً شديداً بسبب نزاع العبيديين مع العباسيين.
وقد بدأ حكم العبيديين في مصر سنة 359 تسع وخمسين وثلاثمائة أي في منتصف المائة الرابعة، وظل منبر الحجاز مؤرجحاً بين العباسيين في العراق والفاطميين في مصر حوالي مائتي سنة إلى أن توفي آخر خليفة عبيدي سنة 567 سبع وستون وخمسمائة أي منتصف القرن السادس.
وباستيلاء الفاطميين على الحجاز تغيرت الأوضاع تغيراً شديداً، ولاسيما من جهة الأمن، والسُّنَّة وظهور البدع لأنهم لم يكونوا على مذهب أهل المدينة آنذاك.
قال ابن جبير في رحلته وقد وصل المدينة سنة 580 ثمانين وخمسمائة وصور ما شاهده من بدع هؤلاء آنذاك في المدينة، ملخصة من رحلته.
قال: "وفي يوم الجمعة وهو السابع من محرم سنة 580 شاهدنا من أمور البدع أمراً ينادي له الإسلام يا لله يا للمسلمين، وذلك أن الخطيب وصل للخطبة وصعد منبر النبي صلي الله عليه وسلم وهو ما يذكر على مذهب غير مرضي وكان ضد الشيخ الإمام (العجمي) الذي كان ملازماً لصلاة الفريضة في المسجد المكرم فالإمام الراتب على طريقة من الخير والورع لائقة بإمام مثل ذلك الموضع الكريم.
فلما أذن المؤذنون قام هذا الخطيب أي الذي قدم للخطبة وهو من الشيعة وقد نفد منه الرانيان السوداوان وقد ركزنا بجانبي المنبر الكريم فقام بينهما فلما فرغ من الخطبة الأولى جلس جلسة خالف فيها جلسة الخطباء المضروب بها المثل في سرعة وابتدر الجمع (مردة) من الخدم يخترقون الصفوف ويتخطون الرقاب كدية (أي شحاذة) على الأعاجم والحاضرين لهذا الخطيب القليل التوفيق، فمنهم من يطرح الثوب النفيس ومنهم من يخرج الشقة الغالية من الحرير، فيعطيها وقد أعدها لذلك، ومنهم من يخلع عمامته لينبذها.
ومن النساء من تطرح خلخالها إلى يطول الوصف، والخطيب جالس على المنبر يلحظ هؤلاء المستجدين بلحظات يكرها الطمع إلى أن كاد الوقت ينقضي والصلاة تفوت، وقد ضج من له دين واجتمع له من ذلك السُّحت كوماً عظيماً أمامه.
فلما أرضاه قام وأكمل خطبته وصلى بالناس، وانصرف أهل التحصيل باكين على الدين، يائسين من فلاح الدنيا متحققين من أشراط الساعة" اهـ بإيجاز.
فمن هذا يظهر لنا الوضع في المسجد النبوي مما يؤكد طروء تغيير الأوضاع العامة في المسجد عما كانت عليه من قبلهم.
وقد أكد ذلك ما قاله ابن فرحون في مخطوط له أثناء حديثه عن المسجد النبوي ما نصه: "ولم يكن لأهل السُّنَّة خطيب ولا إمام ولا حاكم منهم"، أي من أهل السنة، ثم قال: "والظاهر أن ذلك منذ أن استولى العبيديون على مصر والحجاز فإن الخطبة بالمدينة كانت باسمهم إلى سنة 662 اثنتين وستين وستمائة أي إلى منتصف القرن السابع حيث تغلب العباسيون على الحجاز وأقيمت الخطبة لهم من ذلك العهد إلى يومنا هذا" اهـ. أي إلى يوم المؤلف.
ثم قال: "وكان أخذ الخطابة من آل سنان سنة 682 أثنين وثمانون وستمائة" اهـ.
ويشهد لهذا ما وقع في مكة من وهن علمي, كما جاء في كتاب السيد السباعي في تاريخ مكة ج1 ص 165 في حديثه عن الناحية العلمية في مكة في العهد العباسي الثاني قال: "ثم ما لبث أن توزع أعلام مكة في الأمصار فضعف النشاط العلمي فما وافى القرن الرابع الهجري حتى كانت علامات الضعف قد زادت وضوحاً في البلاد.
وكان العالم الإسلامي قد زخر في هذا العهد بالاختلافات الدينية فاشتدت دعوة الخوارج وشاعت أقوال المعتزلة، والمرجئة، وذاعت المذاهب الشيعية على اختلاف أنواعها"، إلى قوله: "أما المذهب الشيعي فقد وجد على خلاف غيره من يناصره في مكة والمدينة وبعض مدن الحجاز في أوقات مختلفة".
ومما يؤيد القول بوجود مناصرين للمذهب الشيعي في مكة والمدينة ما ذكره السيد السباعي في تاريخ مكة أيضاً قوله: "وما لبث الأشراف في مكة على إثر اتصالهم بالفاطميين أن أضافوا إلى الآذان عبارة (حي على خير العمل) وهو تقليد كان يتبعه الفاطميون، وكان ذلك في عام 358 أي في المائة الرابعة".
فقد نص على وهن الحالة العلمية، وعلى مناصرة الأشراف للمذهب الشيعي تبعاً للسياسة آنذاك في كل من مكة والمدينة وهو بعد المنطقة عن مقر الحكم العباسي في بغداد، والحكم الفاطمي في مصر.
وتنازع الطرفان لمنبر الحرمين رغبة في التأييد لمكانة الحرمين من العالم الإسلامي وأن من استولى عليهما فقد أصبح أحق بالخلافة.
ومن وراء ذلك يستدر الحاكمون بمكة والمدينة عطاء كلا الجهتين.
وهكذا دواليك ثم قال: "وقد ظل الوهن العلمي على ذلك أي في مكة والمدينة طيلة القرن الرابع والخامس والسادس للهجرة".
فتصوير السباعي لوهن الحالة العلمية وتصوير ابن جبير لحالة الجمعة مما يؤكد حتماً وقوع تغير في صلاة التراويح في المسجد النبوي في تلك الفترة وهي مدة حكم الفاطميين على الحجاز.
وقد امتد حكم الفاطميين على العالم الإسلامي إلى سنة 567 وانتهى بموت الخليفة العاضد آخر خلفاء العبيدين.
ولكن على أي صورة كان التغيير إلى مذهب الشيعة أنفسهم أصحاب الحكم أم إلى مذهب الشافعي الذي كان سائداً بمكة ثم نقلوه إلى المدينة والجدير بالذكر أن مذهب الشيعة في التراويح هو كما قال الحلي وغيره من أئمتهم ما نصه: "نافلة شهر رمضان، والأشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان زيادة على النوافل المرتبة يصلي في كل ليلة عشرين ركعة ثمان بعد المغرب، واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء على الأظهر.
وفي كل ليلة من العشر الأواخر ثلاثين على الترتيب المذكور.
وفي ليالي الأفراد الثلاث في كل ليلة مائة ركعة زيادة على ما عليه" ولهم تفصيلات في ذلك فمن أرادها فليراجعها في ج1 ص 65 من كتاب الشريعة للحلي.
والذي يظهر أن التغيير الذي وقع للتراويح كان على مذهب الشافعي رحمه الله لما جاء في أقوال أبي زرعة عن أبيه ما نصه: "ولما تولى والدي إمامة المسجد النبوي أعاد إليها سنتها أي في التراويح بست وثلاثين ركعة.
ولكنه كان يصلي التراويح في أول الليل عشرين ركعة كالمعتاد وستة عشر ركعة بعد منصف الليل مراعاة للخلاف" فقوله: "يصلي التراويح أول الليل عشرين ركعة" يدل على أنه أخذ بمذهب الشافعي بقرينه قوله: "مراعاة للخلاف" وقوله "كالمعتاد" يدل على أنه العدد الذي كان معتاداً من قبله وأبو زرعة من أعيان القرن الثامن وشافعي المذهب.
ومما يدل على أن مذهب الشافعي هو الذي كان مقدماً في مكة والمدينة في عهد الفاطميين ما نقله ابن جبير عن صورة الختم في رمضان في التراويح بمكة في القرن السادس.
وكان الحكم بها للفاطميين كما أفاده قوله ما ملخصه: "أن هلال شهر رمضان استهل ليلة الاثنين التاسع عشر من ديسمبر وصيام أهل مكة ليوم الأحد بدعوى في رؤية الهلال لم تصح، لكن أوصى الأمير بذلك ووقع الإيذان بالصوم ليلة الأحد المذكور لموافقة مذهبه ومذهب شيعته العلويين ومن والاهم".
لأنهم يرون صيام يوم الشك فرضاً حسبما يذكره.
ثم قال: "وتفرقت الأئمة لإقامة التراويح فرقاً فالشافعية فوق كل فرقة منها قد نصبت إماماً لها في ناحية من نواحي المسجد، والحنبلية كذلك، والحنفية كذلك والزيدية ..." الخ اهـ.
وقد بين أن صلاة أهل مكة كلهم عشرون ركعة فقط حيث قال: "والشافعي في التراويح أكثر الأئمة اجتهاد وذلك أنه يكمل التراويح المعتادة التي هي عشر تسليمات و يدخل في الطواف مع الجماعة".
وذكر طوافهم وعودتهم إلى أن قال: "هكذا إلى أن يفرغوا من عشر تسليمات فيكمل لهم عشرون ركعة ثم يصلون الشفع والوتر وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئاً". اهـ.
فظهر بذلك كله أن التراويح في تلك الفترة وهي فترة حكم العبيديين عادت إلى عشرين ركعة عملاً بمذهب الشافعي إلى أن أعادها أبو زرعة مع تغيير في صورة الأداء كما سيأتي إن شاء الله في المائة الثامنة.
المائة الثامنة عادت التراويح فيها إلى ست وثلاثين ركعة ولكن مع اختلاف في الأداء وهذا ما يفهم مما وجد في كتاب (طرح التثريب في شرح التقريب) للإمام زين الدين أبي الفضل والد الحافظ ولي الدين أبى زرعة العراقي المولود في عام 725 خمس وعشرين وسبعمائة، والمتوفى ولده عام818 ثمانية عشر وثمانمائة أي أنهما عمّرا ما بين أوائل المائة الثامنة إلى أوائل المائة التاسعة.
ساق أبو زرعة على حديث صلاته ذات ليلة في المسجد في رمضان فصلى بصلاته أناس... الخ.
فذكر الشرح وما يتعلق بفقه الحديث ثم تعرض لذكر عدد الركعات في التراويح والخلاف فيها، ومناقشة كلام الناس في الزيادة على العشرين ركعة وأنها سنة أهل المدينة.
ثم قال وهو محل الشاهد: "ولما ولى والدي رحمه الله إمامة المسجد النبوي أحيا سنتهم القديمة في ذلك مع مراعاة ما عليه الأكثر فكان يصلي التراويح أول الليل بعشرين ركعة على المعتاد.
ثم يقوم آخر الليل في المسجد بست عشرة ركعة فيختم في الجماعة في شهر رمضان ختمتين واستمر على ذلك عمل أهل المدينة بعده فهم عليه إلى الآن". اهـ. راجع طرح التثريب ج1ص98.
فقوله رحمه الله: "ولما ولي والدي إمامة مسجد المدينة أحيا سنتهم القديمة" يدل على أنه طرأ على التراويح تغيير في الفترة التي قبل والده.
وقوله: "فكان يصلي التراويح أول الليل بعشرين ركعة على المعتاد" يدل أيضاً على أنها كانت قبله عشرين ركعة وهو العدد المعتاد عندهم من قبله.
وقوله: "واستمر على ذلك عمل أهل المدينة" أي على عشرين ركعة أول الليل وستة عشر بعد منتصف الليل تتمة الستة والثلاثين ركعة السابقة.
وقوله: "فهم عليه إلى الآن" نص على وجود ذلك العمل إلى حياة المؤلف في أوائل المائة التاسعة في سنة 818 ثمانية عشر وثمانمائة. يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الثلاثاء 19 يوليو 2016, 6:45 am | |
| المائة التاسعة وبناء على ما تقدم من كلام أبي زرعة تكون التراويح قد استمرت على ست وثلاثين ركعة مفصلة كالسابق عشرين في أول الليل وستة عشر في آخره. وقد استمر هذا العمل إلى نهاية المائة التاسعة وأوائل المائة العاشرة كما ينص عليه السمهودي في الآتي:
المائة العاشرة وهي تمام الألف سنة دخلت المائة العاشرة والتراويح في المسجد النبوي ست وثلاثون ركعة كما جاء عند السيد السمهودي في كتابه (وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى) ج1 ص84 في المسألة (الثمانون) فيما اختصت به المدينة عن غيرها من البلدان ما نصه: "الثمانون: اختص أهلها في قيام رمضان بست وثلاثين ركعة على المشهور عند الشافعية، قال الرافعي والنووي: قال الشافعي: رأيت أهل المدينة يقومون بتسع وثلاثين ركعة، منها ثلاث للوتر، قال أصحابنا: وليس لغير أهل المدينة ذلك لشرفهم بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره" اهـ.
وقد توفي السمهودي سنة 911 وهو شافعي المذهب أيضاً وسيأتي أن ولده كان من أئمة الشافعية في المسجد النبوي.
ثم قال في المرجع نفسه ص85: "والقيام بهذا العدد بالمدينة باق إلى اليوم إلا أنهم يقومون بعشرين ركعة عقب العشاء، ثم يأتون آخر الليل فيقومون بست عشرة ركعة". هـ فنص على وجود العدد والكيفية التي أعادها أبو زرعة رحمه الله.
تنبيه: تقدم ذكر الشافعي رحمه الله عدد التراويح (تسع وثلاثون) منها ثلاثة للوتر ولم يفصل نوع وكيفية الصلاة للوتر والمعروف عند الشافعي رحمه الله أنه ثلاث مفرقات.
ولكن السيد السمهودي أشار إلى تغيير في الكيفية حيث قال عقب كلامه الأول ما نصه: "فوقع له خلل في أمر الوتر نبهنا عليه في كتاب (مصابيح القيام في شهر الصيام) وكنت قد ذكرت لهم ما يحصل به إزالة ذلك ففعلوه مدة، ثم غلبت الحظوظ النفسية على بعضهم فعاد الأمر كما كان".
قوله هنا: "فوقع لهم خلل في أمر الوتر نبهنا عليه... إلخ" لم نعلم ما نوع هذا الخلل وما هو تنبيهه عليه.
والمعلوم أنه لا يوجد خلاف في الوتر إلا في صورته ما بين الجمع والتفريق كما هو بين الأحناف يجمعون الثلاثة كالمغرب, والجمهور يفرقون بينهما يسلمون من اثنتين ويأتون بواحدة مفردة.
والأحناف يقنتون في الوتر إلا أن الحنابلة يجهرون فيه والأحناف يسرون والشافعية والمالكية يقنتون في الصبح إلا أن الشافعية بعد الركوع والمالكية قبله.
ولعل الخلل هو بسبب تعدد الأئمة وتعدد صور الوتر كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله عند الكلام عن المائة الثالثة عشرة وإيراد رسالة الشيخ سليمان العمري في الوتر وكلام أئمة وعلماء المسجد النبوي أنذاك في هذا الموضوع.
ما بعد الألف المائة الحادية عشرة: يغلب على الظن أنه لم يطرأ تغيير على التراويح في المائة الحادية عشرة لأننا وجدنا كلام السيد السمهودي المتوفى سنة 911 أن التراويح كانت ستاً وثلاثين ركعة وثلاثة وترا فالمجموع تسع وثلاثون وأنهم كانوا يصلونها على فعله أبو زرعة رحمه الله.
ثم وجدنا للشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته التي كتبها عن المدينة في المائة الثانية عشرة أن التراويح أيضاً تسع وثلاثون ركعة مما يؤكد أنها مضت في طريقها إلى عهده وشاهدها على ما جاء عنه تفصيله كالأتي:
المائة الثانية عشرة دخلت المائة الثانية عشرة والتراويح على حالها كما كانت قبل الألف عشرون ركعة في أول الليل وست عشرة ركعة في آخره وتسمى الستة عشرية كما جاء من وصف الشيخ النابلسي في رحلته إلى المدينة وما نقلته مجلة العرب عن الرحلة في عدد ذي القعدة الجزء الخامس من السنة الأولى للمجلة سنة 1386ص430 نقلاً عن الشيخ النابلسي قوله: "كنا نصلي عند الشيخ السيد علي السمهودي، وولدي يصلي إماما وكان ولد السمهودي إماما من أئمة الشافعية أنذاك وقال: "إن عادة أهل المدينة بعد فراغ الصلاة التراويح يخرجون من الحرم، ويقفلون أبوابه، فإذا مضى وقت من الليل نحو الثلاث ساعات أو أربع يعود كثير منهم, فيفتحون أبواب الحرم ويوقدون القناديل، ويصلون ست عشرة ركعة جماعة يسمونها الستة عشرية" اهـ. وهذا هو محل الشاهد على بقاء التراويح على ما كانت عليه زمن السمهودي في المائة العاشرة ولم يطرأ عليها تغيير إلا أنهم يسمون الصلاة التي في آخر الليل الستة عشرية أي نظراً لعدد الركعات ست عشرة ركعة وهذا مما يؤكد أن التراويح ظلت بعد الألف تسع وثلاثون ركعة منها ثلاثة وتراً وتصلى عشرين أول الليل وست عشرة آخره.
غير أنه قد وجد أو كان موجوداً من قبل تعدد الأئمة للتراويح حسب تعدد الإمامة للفريضة والذي كان موجوداً آنذاك أئمة لمذهبين فقط هما الشافعية، والحنفية وكان عدة خطباء للائمة الثلاثة أي بزيادة المذهب المالكي، كما جاء في مجلة العرب أيضاً في الجزء الرابع من سنتها الأولى عدد شوال سنة 1386هـ ص334 نقلاً عن رحلة النابلسي أيضاً ما نصه: "وللحرم الشريف خمسة عشر إماما منهم الحنفيون ومنهم الشافعيون وله واحد وعشرون خطيباً، منهم اثنا عشر خطيباً حنفيين، وثمان خطباء شافعيين، وخطيب واحد مالكي.
فالأئمة يصلون بالنوبة في كل يوم إمام واحد من الحنفية، وإمام واحد من الشافعية فيبدؤون من الظهر إلى الصبح والإمام الشافعي يصلي أولاً، ثم الإمام الحنفي إلا في المغرب فيتقدم الحنفي لكراهة تأخير المغرب عنده.
ويصلي الإمام الحنفي يوماً في محراب النبي صلى الله عليه وسلم الذي في الروضة الشريفة فيصلي الإمام الشافعي ذلك اليوم في المحراب الذي خلف المنبر (محراب السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان) ثم في ثاني يوم يصلي الإمام الشافعي كذلك.
ويصلي الحنفي مثل ما صلى هو أول يوم".
وهؤلاء يصلون التراويح أيضاً في وقت كل لجماعته إلا في ليلة الختم للشافعي فإنهم يصلون جميعاً العشاء والتراويح خلف إمام واحد هو إمام الشافعية وكان إمام الشافعية هو المقدم آنذاك.
في الفريضة يصلي أولاً وفي التراويح يختم هو أولاً أيضاً في حفل وحفاوة بالغة كالآتي: صورة الختم بالمدينة في المائة الثانية عشرة.
قال النابلسي يصف حضوره لختم القرآن العظيم في صلاة التراويح في الروضة الشريفة مع السادة الشافعية.
وما شاهده بنفسه كالآتي: "جاء في مجلة العرب ج9 من سنتها الأولى سنة 1387 عدد ربيع الأول.
نقلاً عن رحلة النابلسي ما نصه: وذكر أي النابلسي: "أنهم يختمون في كل رمضان في صلاة التراويح ختماً كاملاً، يجعلونه ليلة السابع والعشرين من رمضان وأن الحنفية يجعلون الختم ليلة التاسع والعشرين من رمضان".
والنابلسي حنفي المذهب.
ثم قال: "وجلسنا في الروضة الشريفة حين أذن العشاء، واجتمع الناس وحضر العلماء والأعيان، والأكابر على طبقاتهم، كل واحد منهم له سجادة مبسوطة في مرتبته، وحضر مفتي الحنفية، ومفتي الشافعية، وقاضي المدينة، وشيخ الحرم، وخدام الحجرة المطهرة، والخطباء والأئمة كلهم، وكان الشريف سعد بن زيد أمير الحجاز قد سافر قبل ذلك مع أولاده وعساكره إلى جهة مكة" أي أنه لم يحضر لسفره.
ولعل هذا يشير إلى حضور الأمير في مثل ذلك اليوم.
قال: "وحضر المؤذنون كلهم فأقاموا الصلاة، وصلى الإمام بالناس كلهم صلاة العشاء".
أي أنهم جميعاً صلوا بصلاة إمام واحد فريضة العشاء على غير المعتاد في بقية الأيام.
وذلك تمهيداً لصلاتهم جميعاً التراويح بإمام واحد ولذا قال: "وكانت النوبة في الإمامة للشاب الفاضل حادي الفضائل السيد عمر بن السيد السمهودي الشافعي".
أي أن إمامة الشافعية موزعة على عدة أشخاص من الشافعية أنفسهم ويتناوبون الصلاة بالشافعية وكذلك الحال عند الأحناف لهم عدة أئمة كما تقدم بيان عدد الجميع.
ثم قال -وهو محل شاهد-: "ثم صلى بهم التراويح إلى أن فرغ منها"، أي أن الإمام الشافعي وهو السيد عمر بن السيد السمهودي شافعي المذهب صلى بالجميع التراويح تلك الليلة إلى أن فرغ منها.
ثم قال مبيناً صورة الختم وحفاوتهم به: "فاجتمع المؤذنون في الروضة الشريفة وأنشدوا القصائد النبوية المشتملة على المديح، وذكر الروضة، والمنبر والحجرة المطهرة وحصل الخشوع والبكاء.
وأنشدوا القصائد في وداع شهر رمضان، وضج الناس بذلك، وكانت الهيبة العظيمة والجلال والخشوع.
وقد أشعلوا الشموع الكثيرة، وصفوها في الروضة الشريفة والقناديل العديدة موقدة ومباخر الطيب بالعنبر والعود دائرة، وماء الورد كأنه سحابة هامرة وكل جماعة من الحاضرين قدامهم طبق موضوع من الزهور والفل والفاغية، وأنواع الرياحين، حتى أرسل شيخ الحرم إلى الإمام بعد فراغه بالخلعة السنية الفضية الذهبية.
وقام الناس يباركون له الختم الشريف وهو جالس في محراب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك المقام المنيف وقد حصل لنا كمال الثواب والأجر في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وزرنا النبي صلى الله عليه وسلم" ثم ذكر رجلاً من أهل اليمن مجذوب الحال كان يحمل قربة ماء من البئر الذي في صحن الحرم النبوي ويقول شقا شقا ولا يأخذ شيئاً من أحد.
ثم ذكر انتهاء ذلك الحفل وانصرف ذلك الجمع واطفئت القناديل والشموع.
وبهذه المناسبة فإن عمل الاحتفال المذكور لختم القرآن في رمضان كان معمولاً به في مكة من القرون السابقة حيث جاء عند ابن جبير في رحلته وصف عمل الحفل المذكور بأعظم وأكبر من هذه الصورة سنوردها آخر البحث إن شاء الله.
كما أنه كان موجودا أيضاً بالمدينة في نهاية العهد التركي وعلى أوضاع متعددة سيأتي ذكرها عند الكلام على القرن الرابع عشر إن شاء الله في أواخر عهد الأتراك والأشراف.
ولا نستبعد أن تكون صورة الختم تلك ممتدة من ذي قبل وليست وليدة القرن الثاني عشر فقط.
ولا سيما وأن المقدم فيه هو ختم الشافعية الذين لهم الأولوية في الإمامة من زمن مسبق من على عهد الأتراك أنفسهم والذين يناصرون المذهب الحنفي مما يدل على أن هذا الحفل ليس من مبتكرات الأتراك بل لعله من بقايا الفاطميين والله أعلم.
المائة الثالثة عشرة أواخر العهد التركي دخلت المائة الثالث عشرة والتراويح على حالتها الأولى حيث لم يطرأ ما يستوجب تغييرها تبعاً لوضع المنطقة كلها؛ لأن المدينة ومكة ظلتا تحت حكم الأشراف حكماً مباشراً وإن كانت تبعاً للخلافة العثمانية في تلك الفترة.
وتقدم لنا أن الحجاز ظل تحت حكم الأشراف من قبل وإن كان مؤرجحا بين الفاطميين والعباسين إلى أن قامت الخلافة العثمانية التركية، ابتداء من السلطان سليم بمصر، سنة 922 ودعا له منبر مكة سنة 923 وظلت الحجاز أيضاً بأيدي الأشراف تحت سلطان الخلافة العثمانية.
إلى أن قامت الحرب العالمية الأولى وانتهت الخلافة بانتهائها وكان آخر قائد تركي بالمدينة هو فخري باشا، قائد الحامية التركية، وسلم المدينة سنة 1337هـ.
وآخر أمير للأشراف بمكة الشريف الحسين، وبالمدينة الشريف علي.
وفي سنة 1345 نودي بالشريف الحسين ملكا على البلاد العربية.
فلم تخرج المدينة في تلك الفترة عن الحكم المباشر للأشراف سواء كان ذلك في أوائل العهد التركي أو في أواخره.
فلم يطرأ في المائة الثالث عشرة أي تغيير على التراويح إلى أن دخلت المائة الرابعة عشرة أي هذا القرن الحالي.
وقد شاهد المعاصرون التراويح على ما كانت عليه إلا أنه تعددت لها الأئمة في المسجد النبوي على النحو الآتي بيانه في الكلام على القرن الرابع عشر إن شاء الله. يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الثلاثاء 19 يوليو 2016, 7:11 am | |
| التراويخ أكثر من ألف عام في المسجد النبوي بقلم: الشيخ عطيــة محمــد سالــم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة غفـــر الله له ولوالديه وللمسلمين ================== التراويح اليوم في المسجد النبوي: إنّ كل مواطن أو مشاهد في غنى عن التحدث إليه عن واقع التراويح الشاهد الملموس، ولكن الذين لم يقدر لهم حضور رمضان ولا جزءاً منه بالمدينة لا شك أنهم يتطلعون إلى كل شيء في المسجد النبوي، ولاسيما عن هذا العمل الفاضل، القيام في شهر الصيام، وفي مسجد النبي عليه السلام، ومن الذي يستطيع تصوير ذلك كما ينبغي، ولكني أحاول التحدث عنه حسب ما نشاهده وبقدر ما يمكن إعطاء الفكرة عنه، ومعلوم أن الكتابة لا تصل حد المشاهدة، فليس كالعين في النظر، ولا الأذن في السماع ولكن بقدر المستطاع.
أولاً: وقتها: معلوم أن وقتها بعد صلاة العشاء ولكن الجديد فيه هو أن العشاء في غير رمضان يؤذن لها بعد غروب الشمس بساعة ونصف أي تسعين دقيقة وتصلى بعد ربع الساعة من الأذان.
أما في رمضان فلا يؤذن للعشاء إلا في تمام الساعة الثانية بعد الغروب مراعاة للمصلين الذين يحضرون أولاً لتناول ما يفك صيامهم في الحرم النبوي من تمرات خفيفات ثم يصلون المغرب ثم ينصرفون إلى بيوتهم لتناول وجبة الإفطار ومن ثم يعودون إلى الحرم لصلاة العشاء والتراويح.
والكثيرون منهم يحضرون من أماكن بعيدة فروعيت ظروفهم وتيسر حضورهم فإذا مضت الساعتان وأذن للعشاء أقيمت الصلاة بعد عشر دقائق فقط ويصليها فضيلة الشيخ عبد العزيز وبعدها يتنفل من شاء من ركعتي سنة العشاء ثم تبدأ التراويح على الكيفية الآتية:
كيفية أدائها: تبدأ في الساعة الثامنة والنصف إلا خمس دقائق تقريباً يبدأها فضيلة الشيخ عبد العزيز، فيصلي عشر ركعات في خمس تسليمات وتستمر إلى الساعة الثالثة إلا خمس دقائق أي تستغرق نصف ساعة تماماً ثم يبدأ فضيلة الشيخ عبد المجيد في العشر ركعات الأخرى مباشرة يصليها بخمس تسليمات تستمر إلى الساعة الثالثة والنصف إلا خمس دقائق ثم يصلي الوتر ثلاث ركعات مفرقة ينتهي منه في تمام الثالثة والنصف تماماً ومجموع القراءة في كل ليلة من كل منهما معاً جزء كامل.
والجدير بالذكر أن صلاة كل منهما حفظهما الله متساوية في الزمن وفي الأداء نصف ساعة لكل عشر ركعات بنصف جزء فيكون العشرون ركعة ساعة كاملة بجزء كامل.
وقد بلغ حرص المصلين على حضور التراويح بالمسجد النبوي حتى أصبحت التراويح كالجمعة لكثرة الزحام ووفرة القائمين من أطراف المدينة والزائرين من خارجها، وهذا العدد يتضاعف والزحام يشتد ليلة تسع وعشرين ليلة الختم، ختم القرآن لما فيه من الدعاء.
الوتر في رمضان في هذا العصر: أما الوتر ففي التراويح فيما قبل العشر الأواخر فإن فضيلة الشيخ عبد المجيد يوقعه في نهاية التراويح بعد الخمس تسليمات الأخيرة التي يصليها تتمة للعشر تسليمات ويوقعه بثلاث ركعات منفصلة يسلم من ركعتين ثم يأتي بواحدة مفردة ويقنت جهراً بعد الرفع من الركوع.
أما في العشر الأواخر من الشهر المبارك والتي يكون فيها القيام آخر الليل يكون الوتر كالتالي: 1- يترك فضيلة الإمام ونائبه الوتر في صلاة التراويح ليؤدياه مع صلاة القيام آخر الليل لحديث: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".
ولا يوقعه أول الليل لحديث: "لا وتران في ليلة" فيوتر بالجماعة أول الليل محمد العلمي على النحو المتقدم، هذا عمل الجماعة العامة لجميع المصلين.
ما عدا جماعة الأحناف فإنهم لا يوترون مع الإمام بل ينفردون به بإمام منهم طيلة الشهر وذلك بعد فراغ الإمام الراتب أو نائبه من الوتر بعد التراويح ويوقعونه ثلاث مجتمعات كالمغرب، وسنلم بمبحث الوتر عند الأحناف في نهاية دعاء القنوت في التهجد ليلة الثلاثين من رمضان سنة 1390هـ بعد الختم بليلة نقل من التسجيل.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين من تهون به علينا مصائب الدنيا.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا.
اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها وخير أعمارنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار، ونسألك الجنة وما قرب منها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ونسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيراً لنا يا رب العالمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وارزقنا وارض عنا.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا..
اللم اجعل مجتمعنا هذا مجتمعاً مرحوماً واجعل تفرقنا بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين.
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
ربنا تقبل منا إنك أنت السمع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصل اللهم على سيدنا محمد وسلم.
صلاة القيام آخر الليل: تقدم أن أهل المدينة منذ القرون المتقدمة من عهد أبي زرعة رحمه الله كانوا إذا فرغوا منن التراويح يرجعون إلى المسجد في ثلث الليل الأخير لصلاة الست عشرية وذلك طيلة ليالي الشهر كله يصلون ست عشرة ركعة وكانوا ينادون لها على المنارة لاجتماع الناس إليها وكانت ست عشرة ركعة مع عشرين أول الليل تتمة ست وثلاثين كما تقدم، ولكن في هذا العهد لا يصلي من آخر الليل شيء في أول الشهر.
فإذا كان العشر الأواخر ابتداء من ليلة عشرين فإن المصلين يعودون إلى المسجد بدون نداء على المنابر فإذا كان ثلث الليل الأخير حضر الإمام ونائبه وقد تجمع جم غفير من أنحاء المدينة رجالاً ونساء شيباً وشباباً ترى على الوجوه سمة الخير ووقار السكينة وإشراقة التهجد.
فيقوم الإمام في الروضة الشريفة في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا بدأ الصلاة ساد شعور لا يمكن وصفه ولا تصويره، من جلال وإجلال ورغبة ورهبة، وتلاحق في الزمن الماضي المشرق للمسجد المبارك، والآثار العطرة للروضة المطهرة.
وتراءت صور المصلين عبر القرون الماضية، وأحسست بخيوط من الأشعاع تربطك بالسلف وهبات من نسيم الرحمة تبلل جفاف القلوب وتحيي مواته وتمس شغافه فتزكي شعوره وتوقظ انتباهه وتملك زمامه.
فإذا قرأ الإمام ورتل اجتذب المسامع واستصغى الأفئدة وهناك يمضي الوقت ولا يكاد يحسب من العمر أو يعد من الحياة لأنه أسمى ساعات العمر وفوق لحظات الحياة يصلي الإمام ركعتين ثم يصلي نائبه ركعتين وهكذا بالتناوب إلى أن تنتهي العشر ركعات بخمس تسليمات يبدأهن فضيلة الإمام ويختمهن أيضاً يقرأ في كل ليلة ثلاثة أجزاء ويوتر فضيلة الإمام بثلاث ركعات ويقنت كما تقدم ويطيل قنوته وهكذا الليالي التسع.
فإذا كانت الليلة الأخيرة وهي ليلة تسع وعشرين والتي يقع فيها الختم فإن الصلاة تكون فيها كالتالي: أولاً: في التراويح تكون قراءة الختمة الأولى قد بلغت إلى جزء (عم) فيصلي الإمام التراويح كلها عشرين ركعة فإذا كان في الركعة الأخيرة وقرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} دعا بدعا ختم القرآن الكريم قبل أن يركع، وأطال في الدعاء واجتهد في الإنابة إلى الله والضراعة إليه والمصلون معه يؤمنون ويبتهلون وما أن يسترسل الإمام في دعائه وتظهر رقته في صوته إلا ويجهش الجميع بالبكاء ويضج المسجد بالدعاء إلى أن ينهي الإمام دعاءه ثم يركع ويكمل الركعة الأخيرة، ثم يترك الوتر للشيخ العلمي فإذا كان في القيام من آخر الليل عمر المسجد بالمصلين وأطلقت مباخر الطيب.
وتكون القراءة في تلك الليلة قد وصلت جزء (قد سمع) فيبدأ الإمام الصلاة كالمعتاد ويتناوب معه نائبه وتكون الركعتان الأخيرتان للإمام كما تقدم فإذا كان في الركعة الأخيرة كما تقدم وقرأ سورة (الناس) رفع يديه وبدأ الختم المبارك على النحو المتقدم، فإذا فرغ منه أتم صلاته ثم أوتر وقنت.
ولعظم شأن هذا الختم في المسجد النبوي المبارك وشدة روعته وكبير أثره فإني أورده بشيء من التفصيل في المبحث الآتي مبيناً أقوال العلماء في أصله ومستنده وكيفيته ومكانه من الصلاة وخاصة في المسجد النبوي.
مبحث عمل الختم في المسجد النبوي في الوقت الحاضر سنة 1390هـ. وبما أن العمل في المدينة وفي المسجد النبوي ومن الإمام الراتب له أهميته وقيمته في العالم الإسلامي كله.
وقديماً كان علماء أهل المدينة حجة عند إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله بناء على أنهم توارثوه عن السلف وأنها منبع السنة.
وهكذا اليوم منزلة المدينة في نفوس المسلمين وقداستها في قلوبهم وإمامتها في أنظارهم فهي دار الهجرة وموطن التشريع.
وعمل الختم في نهاية التراويح والتهجد في رمضان بالمسجد النبوي في هذه الآونة طبقت أخباره الآفاق والأمصار، ويفد لحضوره عدد من جميع الأقطار، فلا بد وأن يكون موضع تساؤل عن أصل مشروعيته ولا سيما من الذين يتطلعون إلى أدلة كل عمل، وقد تساءل عبد الله بن أحمد بن حنبل مع أبيه حين سمعه يذكر عمل الختم فقال له: إلى أين تذهب في ذلك، أي ما هو دليلك فيه؟ فأجابه بما عنده فيه وسيأتي قريباً إن شاء الله.
وقبل كتابة هذه الرسالة تساءل معي أحد الإخوان الذين لهم غيرة على السُّنَّة وشدة على البدعة وشبهته في ذلك من جهتين:
الجهة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل التراويح كاملة في رمضان، ولم يقرأ القرآن كله في تراويح ولا في تهجد، وعليه فلم يدع بهذا الدعاء ولا محل له عنده؛ لأنه لم يوقع الختم الذي يدعو بعده فمن أين إذاً أصل المشروعية؟.
والجهة الثانية: إن الناس في حالة سماع التلاوة طيلة الشهر يكونون في هدوء تام وحسن إصغاء وصمت، وعند دعاء الختم تعتريهم حالات الضراعة والبكاء والابتهال ويقول: إن الدعاء لا يكون أعظم تأثيراً من كلام الله تعالى.
هكذا أورد لي وجهة نظره وربما كان لا يحضر ولا يشارك في هذا العمل فكان من المستحسن إيراد الجواب على وجهة النظر تلك وعرض ما أقف عليه من الأدلة عن السلف رحمهم الله سواء المرفوع منها أو الموقوف العام فيها أو الخاص مما تستأنس له النفس ويطمئن إليه القلب إن شاء الله.
أما الأدلة: فقد وجدت في مجمع الزوائد ج1 ص172 حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة" رواه الطبراني، وفيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف، وعن ثابت أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم. رواه الطبراني ورجاله ثقات. ا هـ.
فهنا حديث مرفوع بسند ضعيف وأثر موقوف على صحابي رجاله ثقات فيعضد أحدهما الآخر، وفي رسالة للشيخ حسين مخلوف ما نصه: (يسن الدعاء عقب الختم) وساق حديث العرباض المتقدم وقال: رواه الطبراني وغيره.
وعن أنس مرفوعاً: "مَنْ قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه، فقد طلب الخير مكانه" رواه البيهقي في الشُّعَبْ، وكان عند ختم القرآن يجمع أهله ويدعو.
فقد وجدنا حديث العرباض رواه الطبراني وغيره ووجدنا أثراً موقوفاً ومرفوعا عند البيهقي ومؤيداً بعمل الصحابي الذي رواه مرفوعاً.
وعند المروزي في كتاب (قيام الليل) قال: "كان رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن عباس يجعل عليه رقيباً فإذا أراد أن يختم قال لجلسائه: قوموا حتى نحضر الخاتمة".
وروي عن مجاهد أنه قال: "تنزل الرحمة عند ختم القرآن ويقولون الرحمة تنزل".
فهذه نصوص عامة في الدعاء عقب ختم القرآن مطلقاً من غير قيد الصلاة أو غيرها.
وقد وجدنا عند ابن قدامة تفصيلاً كاملاً في خصوص هذا العمل لأحمد رحمه الله.
قال في المغني ج2 ص171 قال: "فصل في ختم القرآن. قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله فقلت: ختم القرآن أجعله في الوتر أو في التراويح قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاءين اثنين، قلت كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع لنا ونحن في الصلاة وأطل القيام، قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت بما أمرني وهو خلفي يدعو قائماً ويرفع يديه".
فقد فصل لنا هذا النص عن أحمد كيفية العمل في الختم وبين لنا محله وعموم الدعاء فيه.
ونص عن حنبل قال: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: "رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة".
قال العباس بن عبد العظيم: "وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة. ويروي أهل المدينة في هذا شيئاً وذكر عن عثمان بن عفان.
ففي هذا نجد الفضل بن زياد يسأل أحمد لا عن مشروعية الدعاء عند الختم، بل عن موضعه من الصلاة وكيفية العمل فيه وأقره أحمد رحمه الله وبين له الكيفية والموضع مما يدل على أن أصل المشروعية معلوم لهما.
فلا غرو أن يقع التساؤل اليوم عن مشروعية هذا العمل، وقد وقع من قبل بين حنبل وأحمد رحمهما الله وقال له: إلى أين تذهب في ذلك، أي إلى دليل عليه.
وأحاله أحمد رحمه الله على ما عنده فيه مما رآه بالفعل من عمل أهل مكة، وفعل الإمام الجليل سفيان بن عيينة مع أهل مكة، وما يروى عن أهل المدينة، وما كان يفعل في الأمصار الثلاثة الرئيسية البصرة ومكة والمدينة مناطق العلم ومواطن الإقتداء آنذاك بالإضافة إلى ما عند أهل المدينة في ذلك عن عثمان رضي الله عنه، وكذلك ما رأينا عن ابن عباس رضي الله عنه، فظهر من هذا كله مستند مشروعية الدعاء عقب ختم القرآن سواء على الإطلاق أو في التراويح مع بيان الكيفية عن أحمد رحمه الله.
وهي في مجموعها كافية لمثل هذا العمل بناء على أن ما كان مشروعاً بأصله فهو جائز بوصفه، فأصل الدعاء مشروع وكونه متصفاً بصورة الختم لا تنفي مشروعيته ومثله القنوت، دعاء في الصلاة.
ومهما يكن من شيء فإن ما تقدم من عرض ما ورد عن السلف يكسب طمأنينة ويورث ارتياحاً لمشروعية هذا العمل، وأن فيه اقتداءً بسلف الأمصار الثلاثة البصرة ومكة والمدينة. يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الثلاثاء 19 يوليو 2016, 7:15 am | |
| أما التأثر بالدعاء أشد من التأثر بالتلاوة: فهذه مقارنة بين حالتي المصلين في سماع التلاوة طيلة الشهر في هدوء وطمأنينة وسماع الدعاء عند الختم في ضراعة وبكاء وخشية وابتهال، وهما حالتان متغايرتان.
إلا أنهما وإن اختلفتا في الشكل فهما متحدتان في المعنى والحقيقة لأن آداب التلاوة في حسن الاستماع والإنصات، وخصائص الدعاء الابتهال والخشوع.
وللدعاء مكان لا تتأتى فيه التلاوة كالسجود أقرب ما يكون العبد فيه إلى الله تعالى، ومع هذا القرب لا تجوز التلاوة وينبغي الاجتهاد في الدعاء وكالحالات التي وردت فيها نصوص أدعية خاصة في الصباح وفي المساء ودخول المسجد وافتتاح الصلاة والقنوت.
وكما أن للتلاوة آداباً فللقرآن مواضع تمر بالمستمع من مواعظ وأخبار وتشريع وحلال وحرام وغير ذلك مما ينقل ذهن السامع من معنى إلى معنى آخر.
وأما الدعاء فإن المستمع والداعي تتركز أحاسيسهم وأفكارهم وشعورهم وقلوبهم إلى وجهة واحدة هي الضراعة والإنابة والابتهال إلى المولى عز وجل.
بل إن الفطرة توجه القلب في حالة الاضطرار والفزع إلى خالص الدعاء وذل السؤال كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة".
ومن الواضح البيّن ما كان منه صلى الله عليه وسلم يوم بدر لما قام في العريش حين التقت قوى الحق على قلتها مع قوى الشر على كثرتها توجه إلى الله تعالى بالدعاء وألح على ربه في السؤال حتى أشفق عليه الصديق قائلاً: بعض مناشدتك ربك يا رسول الله.
فقد اجتهد صلى الله عليه وسلم في الدعاء ولم يلجأ إلى التلاوة، وكذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة عن يوم الفزع الأكبر حين يذهب صلى الله عليه وسلم لطلب الشفاعة فإنه يسجد سجوداً طويلاً ويلهمه الله بمحامد لم يكن يعلمها من قبل، ولم يوجه صلى الله عليه وسلم إلى التلاوة مما يبين أن للتلاوة مكاناً وحالات وآداباً وتأثيراً، وللدعاء مكان وحالات وتأثير، فهما متوافقان في الحقيقة وإن اختلفا في الصورة، وكلاهما متلائم في مكانه.
أما عمل الختم بالمسجد النبوي اليوم فالواقع أن الحديث عنه شيق كيف لا والحديث في حد ذاته عن ختم القرآن في أي مكان حديث ممتع للروح منعش للنفس منبه للضمائر الإسلامية لارتباطه بالقرآن الكريم المنزل من رب العالمين.
وإذا كان هذا الحديث يتعلق بالمسجد النبوي وفي الجوار الطاهر الكريم وفي شهر رمضان المعظم وفي آخر العشر الأواخر كان ذلك أعظم من أن يصور بحديث أو يقدم في موضوع، ولكن نسوق للقارئ الكريم وصفاً عملياً بقدر ما يمكن تصويره من وحي الشعور به فنقول وبالله التوفيق:
يقع الختم في المسجد النبوي في شهر رمضان مرتين مرة في صلاة التراويح وأخرى في صلاة القيام آخر الليل وذلك في ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان في أول الليل وفي آخره.
ولعل في ذلك ارتباط وإن كان من غير قصد بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام كان يدارسه القرآن الكريم في رمضان كل سنة مرة وفي السنة التي قبض فيها صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين.
وفي هذه الليلة يقع الدعاء في المسجد النبوي في صلاة الجماعة أربع مرات: مرتين في الختم ومرتين في الوتر مما يجعل تلك الليلة ليلة مشهودة عبادتها موصولة.
أما ختم التراويح الذي يكون في أول الليل فإنه إذا جاءت ليلة التاسع والعشرين فيكون قد بقي من قراءة الختمة الأولى جزء (عم يتساءلون)، وهو الجزء الأخير من المصحف الشريف وفي هذه الليلة يصلي فضيلة الإمام الشيخ عبد العزيز بن صالح التراويح كلها بدون تناوب فيها مع أحد.
وعند الفراغ من قراءة سورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} في آخر ركعة من التراويح وقبل أن يركع يبدأ الدعاء بالختم يفتتحه بقوله: صدق الله العظيم الذي لا إله إلا هو، المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً المنفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً إلى آخر ما يدعو به، وسيأتي نص ما أمكن تدوينه في نهاية هذا البحث إن شاء الله.
والجدير بالذكر هنا أنه حفظه الله يطيل القيام ويكثر السؤال ويجتهد في الابتهال ويظهر من الخشوع والخضوع إلى الله، ومن الإنابة والضراعة ما يحرك القلوب ويوقظ الشعور ويفتح الآفاق بالآمال ويطمع في رحمة الله وعظيم النوال لما يرد في الدعاء من نصوص مأثورة تجمع خيري الدنيا والآخرة.
فإذا فرغ من الدعاء ركع وأكمل صلاة الركعة الأخيرة من التسليمة الأخيرة والتي هي تمام العشرين ركعة وسلم وهي نهاية التسليمة العاشرة.
ويترك الوتر إلى الشيخ محمد العلمي فيوتر ويقنت في الوتر ويدعو هو أيضاً بدعاء القنوت المشهور الذي أوله: اللهم اهدنا فيمن هديت..الخ.
ويحضر هذا الختم في أول الليل من المصلين رجالاً ونساءً شيباً وشباباً مما يماثل بهجة العيد.
وتطلق مباخر العود وتنثر أنواع العطور ويتبادل المصلون الدعوات والتباريك ببهجة وفرحة وغبطة تفوق الوصف، ثم ينصرفون موفوري الرجاء والآمال في سعة فضل الله ورحمته.
فإذا كان ثلث الأخير عاد إلى المسجد خلق وفير من أهل المدينة وممن يفدون إليها بغية المشاركة وحضور هذا الختم فيتكامل عدد كبير رجالاً ونساء صغاراً وكباراً..
ويفيض المسجد بالجلال والوقار والهيبة والإكبار ينتظرون الإمام والبعض لم يبرح مكانه خاصة من وجد مكاناً في الروضة فيأتي الإمام ويقوم في الروضة في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون قد بقي من الختمة الثانية ثلاثة أجزاء (قد سمع) و (تبارك) و (عم)، فيصلي الإمام كالمعتاد بالتناوب مع مساعده يبدأ الإمام بالركعتين الأوليين ويختم بالركعتين الأخيرتين.
وإذا فرغ من سورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} بدأ دعاء الختم ثم يكمل الركعتين ويسلم ثم يصلي هو الوتر حيث لم يوتر أول الليل ويقنت في الركعة الأخيرة منه، وإذا سلم من الوتر تسابق الناس إليه وإلى بعضهم البعض بأحر التهاني وخالص الدعاء وعظيم الرجاء في القبول وطلب العودة إلى تلك الفرصة الكريمة من كل عام.
وهنا وقفة مع التاريخ الذي سردناه للتراويح في هذا المسجد المبارك فلئن سجل العلماء والمؤرخون وأصحاب الرحلات كالنابلسي وابن جبير وابن بطوطة والعياشي صور الختم في الحرمين من احتفال هائل بإيقاد الشموع والمشاعل ونثر الزهور والرياحين وضرب الفراقع والمقارع وإنشاء القصائد والابتهالات، وغير ذلك.
فإنه في هذا الوقت وقد انقضى عهد الشموع بالكهرباء والثريات الكبريات فإن ليلة الختم في هذا العصر في المسجد النبوي أصبحت مقصد الكثيرين ومحط رحال المسافرين يفدون إليها من أطراف المملكة التماساً لبركاتها وتعرضنا لنفحاتها في هذا المسجد الكريم وفي هذا الجوار العظيم حيث يتوفر لها فضل الزمان من شهر رمضان وفضل المكان من تضاعف الأعمال.
عوامل تجعل لختم القرآن بالحرم النبوي في شهر رمضان وفي الثلث الأخير من الليل تفيض عليه روحاً ويضفي الله عليه نوراً ويكسوه جمالاً ويكسبه حلاوة ويزيده معنوية تفيض كلها على المصلين وجميع الحاضرين والمستمعين رحمات ورضوانا يجل قدرها عن الوصف، ويقصر دونها البيان، ولا يقدر قدره إلا من حضره.
وكيف يمكن وصف الحالات الروحية التي تشمل المكان كله وهي فوق حدود الوصف أو تقييم النفحات الربانية وهي أبعد من مقاييس التقييم حين تكتنف الحاضرين جميعاً.
ومن يقدر على تصوير الأحاسيس النفسية والشعور العميق بالبهجة العظمى لختم القرآن في نهاية رمضان في روضة من الجنان، إنها حالة يغيب فيها الشعور عن الوصف وتفقد فيها القدرة على البيان، فلا يسمع إلا أنات القلوب وزفرات الصدور، ولا ترى إلا عبرات الباكين من أعين الخاشعين في أكف الضارعين.
صور تجل عن الوصف ندركها ولا نقدرها ونلمسها ولا نصورها فتبقى في إطار الذكرى ماثلة وفي حلقات التاريخ نيرة عطرة.
ولا ينتهي الإمام من دعائه ويفرغ من تضرعاته إلا وقد استشعر كل فرد في قرارة نفسه ببرد الطمأنينة، وذاق حلاوة المناجاة وغسلت دموعه آثاراً تامة، وأحس بالارتياح وزاد بهجة وغبطة واهتز في إطار ما يكتنفه من شعور بجلال المقام وشرف الجوار وفضل المكان واسترجع بذاكرته عجلة التاريخ أربعة عشر قرناً يستعرض الماضي بعزته وإشراقته ويدرك سر القوة ومصدر الإشعاع الروحي من هذا المكان ينزل به جبريل عليه السلام كل ذلك في لمحات خاطفة وخطرات عابرة ثم يوتر الإمام ويقنت، ثم يكمل الوتر ويسلم فيقبل المصلون بعضهم على بعض بالتهاني وصالح الدعوات متمنين العودة ومؤملين القبول، نسأل الله تعالى أن يقبلنا معهم ويجعلنا وإياهم من عتقائه من النار. آمين.
نص الدعاء عند ختم القرآن في المسجد النبوي في هذا الوقت الحاضر في التراويح من المعلوم أنه لا توجد نصوص خاصة بذلك ولا معينة له لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرا القرآن كله في الليالي التي صلاها أول الأمر فلم يؤثر عنه دعاء في ذلك.
ولكن كما قال ابن دقيق العيد: "ما كان مشروعاً بأصله فهو جائز بوصفه" أي أن الدعاء مشروع بأصله وهو مخ العبادة، وقال تعالى في أصل ذلك: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وحث صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد في الدعاء في السجود بدون تحديد لا في الآية ولا في الحديث ومن هنا كان الأصل في الدعاء الإطلاق والعموم إلا ما جاء منصوصاً عليه كالدعاء في القنوت أو في آخر التشهد أو في أول الافتتاح في الصلاة وكذلك عند دخول المسجد وخروجه وغير ذلك فمثل هذا تكون السنة فيه التقيد بما ورد، وما عداه فهو على عمومه يجتهد الداعي بما تيسر له كما فعل صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر.
وهكذا في هذا العمل فهو موضع اجتهاد وقد تقدم عن أنس أنه كان يجمع أهله ويدعو ولم يعثر على نص معين، كما تقدم عموم لفظه فله دعوة مستجابة أي بعد ختم القرآن وصلاة فريضة على ما سبق بحثه.
ومن هنا لم يتقيد أحد بنص معين بل يتخير من الدعاء ما تيسر له وما يحقق له رغباته ويعبر عن حاجاته ومتطلباته، سواء من الأدعية العامة المأثورة أو من غيرها، وتقدمت إجابة أحمد للسائل عن الدعاء في الختم فقال: أدع بما شئت.
وقد نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نصوصاً للدعاء في هذا العمل وهو دعاء جامع شامل وليس بالطويل المسهب ولا بالقصير الموجز، ولم يتقيد الإمام بنص معين بل يدعو بما تيسر وجميع أدعيته من المأثو. ولكنه يفتتح الدعاء بقوله: صدق الله العظيم الذي لا إله إلا الله، المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، المنفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، الذي أرسله إلى جميع الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة وآلائك الجسيمة، حيث أنزلت علينا خير كتبك وأرسلت إلينا أفضل رسلك وشرعت لنا افضل شرائع دينك، وجعلتنا من خير أمة أخرجت للناس وهديتنا لعالم دينك الذي ارتضيته لنفسك وبنيته على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام. ولك الحمد على ما يسرته من صيام شهر رمضان وقيامه، وتلاوة كتابك العزيز الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك.
نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عند أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا.
اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم اجعلنا ممن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه ويتلوه حق تلاوته.
اللهم اجعلنا ممن يقيم حدوده ولا تجعلنا ممن يقيم حروفه ويضيع حدوده.
اللهم اجعلنا ممن اتبع القرآن فقاده إلى رضوانك والجنة ولا تجعلنا ممن اتبعه القرآن فزج في قفاه إلى النار، واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، واهدهم سبل السلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وبارك لهم في أسماعهم وأبصارهم وذرياتهم وأزواجهم أبداً ما أبقيتهم واجعلهم شاكرين لتعمك مثنين بها عليك، وأتمها عليهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لجميع موتى المؤمنين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك.
اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك ونسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك ومن النار.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا.
ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ا هـ.
هذا نص الدعاء المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية ولكن فضيلة الإمام الشيخ عبد العزيز بن صالح يزيد فيه جملاً مناسبة منها:
اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
اللهم إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالإجابة فلا تردنا خائبين.
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين.
اللهم إن رحمتك أوسع من ذنوبنا وعفوك أوسع من خطايانا.
اللهم هب المسيئين منا للمحسنين.
اللهم أنت الغني عنا ونحن الفقراء إليك..
إلى مثل ذلك من العبارات التي تحرك القلب وتزكي الروح.
ثم يختم بنحو قوله: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم يركع ويكمل الركعتين، ثم يأتي بركعتي الشفع ثم بركعة الوتر.
ولا يقام عمل ختم آخر نظراً لعدم تقدم الإمامة في الصلاة وإنما يجري ذلك كله في جماعة واحدة وفي ليلة واحدة من إمام واحد وهو الإمام الراتب الشيخ عبد العزيز بن صالح. يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الثلاثاء 19 يوليو 2016, 6:29 pm | |
| التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي بقلم: الشيخ عطيــة محمــد سالــم القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة غفـــر الله له ولوالديه وللمسلمين ================== القرن الرابع عشر دخل القرن الرابع عشر والتراويح في المسجد النبوي على ما هي عليه من قبل وظلت إلى قرابة منتصفه.
ولم يطرأ عليها أي تغيير لا في العدد ولا في كيفية أدائها فكانت ستا وثلاثين ركعة وثلاثا وترا تصلى عشرون بعد العشاء وست عشرة ركعة بعد منتصف الليل وينادي لهذه الأخيرة باسم الستة عشرية كما قاله النابلسي سابقا في القرن الثاني عشر.
ولكن الجديد في التراويح في هذا الوقت أي أوائل القرن الرابع عشر هو تعدد الأئمة والجماعات المتعددة زيادة على أئمة المذاهب الأربعة، وكانوا كثيرين يزيدون تارة وينقصون أخرى. ولكن الدائمين أو الرسميين منهم ستة: 1- إمام للحاكم وحاشيته. 2- إمام للقاضي وكتابه وأعوانه. 3- إمام للأغوات ومن يصلي معهم. 4- إمام للمفتي. 5- إمام لرئيس العسكر. 6- إمام للنساء. 7- أئمة للعوائل، تقيم بعض العوائل الكبار التراويح لأفرادها خلف إمام خاص بها، وهؤلاء الأئمة كانوا يصلون التراويح أثناء صلاة الإمام الراتب أي مع أئمة المذاهب السابقين وكانوا يختلفون عنهم في القراءة فيقتصرون على بعض الآيات وقصار السور لأنهم يصلون بأصحاب أعمال لا يستطيعون انتظار أئمة الفريضة لأن الأئمة الآخرين أئمة المذاهب كانوا يصلون بعموم الناس وكانوا يختمون مرتين مرة في الصلاة الأولى، ومرة في الصلاة الأخيرة التي هي الست عشرية.
وكان لهؤلاء الأئمة مواضع خاصة، فكان إمام الأغوات يصلي بهم عند الدكة الخاصة وفي محراب التهجد وهو المحراب الواقع حاليا في مؤخرة الحجرة والذي في الشبك الواقع بين الحجرة والدكة، أي دكة الأغوات محل أهل الصفة.
كما أن النساء كان يصلي بهن داخل القفص, وكان القفص عبارة عن شبك خشبي مزركش يحجز النظر يمتد في الجناح الشرقي من جهة باب النساء ممتدا إلى الشمال إلى الباب المجيدي من مؤخرة المسجد آنذاك وبعرض الجناح الشرقي كله.
وكان بارتفاع نحو ثلاثة أمتار، وغير مسموح لأحد بدخوله سوى النساء والأطفال والأغوات إذا لزم الأمر.
وقد أزيل هذا القفص قبل التوسعة الجديدة الحالية.
وكان إمام لشيخ الروضة يقوم في الحصوة الأولى التي بين باب الرحمة وباب النساء مما يلي مؤخرة الحرم.
ومن العجب ما أخبرني به السيد سعيد باشا شامل أن إمام شيخ الروضة كان يقرأ القرآن كله كل ليلة في التراويح طيلة الشهر، وقال: "كان هذا الإمام يقرأ بسرعة شديدة بحيث أنه كان تأخذه هزة وينسى نفسه وربما قرأ الجزء في الركعة الواحدة".
وقد سمعت من فضيلة الشيخ حسن الشاعر شيخ قراء المسجد النبوي أن رجلا كان يقرأ القرآن الكريم كله في ليلة واحدة من ليالي رمضان في صلاة التراويح، ولكن كان يفعل ذلك مرة واحدة تأكيدا لحفظه، وقال: كان يسرع في القراءة حتى لا تكاد تسمع منه إلا رؤوس الآية أو أواخرها من شدة السرعة، ومثل هذا يكون لضبط الحفظ لا للتدبر.
صلاة شيخ الحرم: وسمعت من الشيخ السيد أحمد الرفاعي وهو شيخ الحرم الآن، أن شيخ الحرم في عهد الأتراك والأشراف كان يصلي التراويح أحيانا في دكته أي دكة شيخ الحرم شتاء وهي الدكة الصغيرة الواقعة بين باب جبريل ودكة الأغوات على يمين الداخل من الباب ولا تزال موجودة حتى الآن وتتسع لثلاثة صفوف كل صف فيه ثلاثة أشخاص وترتفع قدر نصف المتر تقريبا كان يصلي به إمام خاص به وبمن يصلي معه فكان يصلي التراويح بتلك الدكة شتاء ويصلي التراويح بالحصوة الأولى صيفا.
ومما يدل على صلاة التراويح بالحصوة على وجه العموم ما جاء عن النابلسي أنه قال عن بعض الليالي قال: "وكنا في صلاة التراويح فنزل المطر فدخلنا إلى الداخل" مما يدل على أنهم كانوا يصلون التراويح في الحصوة صيفا وفي الداخل شتاء وأن ذلك عمل البعض، لأنهم يذكرون صلاة أئمة الفريضة في محاريب معينة ويصلون فيها أيضا التراويح.
وسيأتي ذكر صلاة بعض أمراء المدينة في العهد السعودي للتراويح في الحصوة أيضا زمن الصيف إن شاء الله.
وبجانب هؤلاء الأئمة الست أئمة أيضا لبعض العوائل الكبار تجتمع العائلة بجميع أفرادها من عميدها وكبيرها إلى غلمانها فيأتي إمامهم فيصلي بهم في جهة ما من المسجد إلى أن ينهي التراويح طيلة رمضان.
إمامة طارئة من نوع جديد وطريف: وكانت هناك إمامة الغلمان الذين يحفظون القرآن ويختمونه في تلك السنة من أي سنة من السنين فإذا تم حفظه في أي وقت من أوقات السنة ظل ينتظر حتى يأتي شهر رمضان فيحضر إلى الحرم ويحضر معه شيخه الذي حفظه وأبوه وزملاؤه الذين يحفظون معه وبعض الأقارب والأصدقاء فيقوم الغلام بصلاة التراويح ويقرأ القرآن الكريم كله في أثناء الشهر أو أقل بسماع شيخه والحاضرين فيكون بمثابة اختبار له وشهادة منهم على حفظه ثم يعمل له والده حفل ختم القرآن كلٌّ حسب اقتداره ومجهوده.
وقد يبذل والد الغلام الشيء الكثير في هذا الحفل فرحا بحفظ ولده للقرآن العظيم وقد يهدي الحلل والهدايا الثمينة للشيخ والحاضرين علاوة على الطعام والحلوى ثم يلبس الغلام حلة وعمامة تشعر بأنه ختم القرآن وصلى به التراويح بالمسجد النبوي.
وقد حدثني الشيخ السيد جعفر فقيه عن هذا العمل حديثاً شيِّقاً ولاسيما ما فعله والده نفسه لأحد أولاده، كما سمعت من فضيلة الشيخ محمد سعيد دفتر دار طرقاً عديدة في ذلك.
وقد كان لهذا العمل فضل عظيم في تشجيع طلاب الكتاتيب على حفظ القرآن الكريم.
وكان بالحرم النبوي عدة كتاتيب يقوم عليها نخبة من معلمي القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن وكانت تلك الكتاتيب هي اللبنة الأولى في تعليم أبناء المدينة كلهم ومنها إلى دروس الحرم أو المدارس فيما بعد.
ولا زالت صلاة هؤلاء الطلاب الصغار الذين ختموا القرآن يصلون بأهاليهم وزملائهم ومشائخهم لازال موجودا حتى الآن إلا أنه على نطاق ضيق ومن قلة من الناس.
ولا يبدؤون صلاتهم إلا بعد أن يفرغ الإمام من الصلاة بالناس.
والجدير بالذكر أنه أخذ يتناقص حتى أصبحنا لا نرى إلا الواحد أو الاثنين فقط وأن الكتاتيب نفسها قد ألغيت ولم تبق إلا آثار وبقايا في جوانب المسجد لا تستطيع مواصلة السير مع الصبيان حتى تعلمهم وتحفظهم القرآن.
كما أن آباء هؤلاء الصبيان لا يرضون لأبنائهم قضاء الوقت في أمثالها فيبادرون بهم إلى المدارس ومن ثم يثقل الطفل بالمواد فلا يستطيع حفظ القرآن اللهم إلا من وجدوا عناية خاصة من آبائهم أو التحقوا بمدارس تحفيظ القرآن التي أنشأتها وزارة المعارف تسد هذا الفراغ وساندها أهل الخير بإنشاء جمعيات لهذا الغرض، وقد التحق بها العديد من أبناء الحاضرة والبادية.
ولقد استطرد بنا الحديث إلى تلك الكتاتيب فلنعد إلى التراويح من أول العهد السعودي.
العهد السعودي تمهيد: من أصعب المواضيع على الكتاب هو الموضوع الذي لم يسبق إليه، حيث لا مثال يحتذي ولا مصدر يستقى منه، وسيكون الكاتب، وإن قيل أن له قصب السبق إلا أنه سيكون موضع التجربة، ومحل النقد، لأنه سيتصيده من بحار الكتب ثم يجمع ما تصيده في سلك التأليف.
فإذا لم يكن له وجود في الكتب، ولم يقيد قط، ولم يكن الكاتب يعاصره كان ذلك أصعب عليه، لأنه لا مرجع يؤخذ منه، ولا مشاهدة يستقي منها، بل سيتصيد ذلك من أقوال الرجال، وإذا كان العهد بعيدا كانت الصعوبة أشد لما يعرض للناس من آفة النسيان، وسيجد اختلافات عديدة وأقوال متنوعة، وعليه هو أن يستخلص منها ما يوصله إلى مطلوبه، وفي مثل هذه الحالة لن يسلم من الخطأ بزيادة أو نقص.
ومبحث التراويح في العهد السعودي وفي أوائله بالذات من هذا القبيل، فلا هو مدوَّن في كتب التاريخ، فيرجع إليها، ولا هو مشاهد فيستقى من الواقع.
وقد اتصلت بالكثيرين ممن شاهدوا أواخر العهد السابق وأوائل هذا العهد فكان كل يدلي بما حفظته الذاكرة ولم تضيعه عليه الأيام، وما نقص من عند هذا يكمل من عند ذاك، وكانت في مجموعها متفقة في أصولها وإنما الخلاف في صورها وأشكالها فاستخلصت منها ما سنقدمه للقراء الكرام ليأخذوا ولو صورة مجملة.
وإني لأجدد الذكرى بما أسلفت من رجاء من حضرات القراء أن من اطلع على شيء يتعلق بهذا الموضوع فإنه يتفضل بتقديمه إلينا تتمة للبحث وتوفية للموضوع وخدمة للمعرفة، وتأييدا للحق.
بدء العهد السعودي بالحجاز: بدأ العهد السعودي قبيل منتصف هذا القرن وبدأ في المدينة المنورة بالذات سنة 1344هـ، وقد كانت التراويح من قبله تصلى جماعات متعددة بأئمة متعددين في وقت واحد وكانوا جميعا يصلون عشرين ركعة في أول الليل، والبعض منهم وخاصة المالكية يرجعون آخر الليل إلى المسجد النبوي يصلون ست عشرة ركعة المتقدم ذكرها وقد زال هذا التعدد من أوائل العهد السعودي.
أما وجوده فكان طارئا على المدينة لم يحدث إلا بعد القرن السابع وكانت المدينة سبعة قرون تصلي الصلوات كلها بإمام واحد ولا تتعدد فيها الجماعة لفريضة واحدة بل إن مالكا رحمه الله وهو إمام دار الهجرة ممن يكره تعدد الجماعة في المسجد الواحد للفريضة الواحدة.
وقد مرَّت بالمدينة قبل هذا العهد أطوار مذهبية ساد أولا فيها مذهب مالك ثم ساد بعده مذهب الشافعي، ثم بعده مذهب أبي حنيفة رحمهم الله جميعا، وذلك بدون تعدد في وقت واحد ثم تعدد المذاهب في المدينة بعد أن ظهرت الدراسات المذهبية وتميز طلاب كل مذهب، وبدأت المنافسة ثم تحولت إلى مناقشة, ثم انتهت إلى تعصب، وأخيرا تعدد الأئمة في الصلوات الخمس، ثم جاء العهد السعودي فتوحدت فيه الجماعة في المسجد النبوي وفي المسجد الحرام للصلوات الخمس وللتراويح.
أما عدد الركعات وكيفية الصلاة فكانت عشرين ركعة بعد العشاء وثلاثا وترا، وذلك طيلة الشهر فإذا دخل العشر الأواخر زيدت عشر ركعات في آخر الليل باسم القيام، ومعها ثلاث وترا.
فيكون مجموع الركعات في العشر الأواخر ستا وثلاثين ركعة إذا أضفنا الوتر أول الليل وآخره فيتفق العدد مع ما كانت عليه من قبل، ولكن هل كان ذلك مقصودا أم جاء عفوا واتفاقا يغلب على الظن أنه جاء عفوا وإن الزيادة قصد بها الاجتهاد في العشر الأواخر كما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.
وعنها أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر طوى فراشه وشد مئزره وأيقظ أهله.. إلى غير ذلك.
ولاسيما شدَّة التحري لليلة القدر التي تضافرت النصوص أنها في العشر الأواخر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر دون غيرها.
وعليه فتكون التراويح قد استقرت على عشرين ركعة على ما عليه العمل في جميع البلاد وعليه المذاهب الثلاثة.
وخصت ليالي العشر الأواخر بعشر ركعات تهجداً وقياماً.
الجديد في هذا العهد: فيكون الجديد في التراويح في هذا العهد بالنسبة لما قبله هو: توحيدها في الجماعة الأولى، وإبطال التعدد الذي كان يشوش بعضهم على بعض.
وقد سمعت من الشيخ محمد مظهر أن جده كان يخرج إلى بيته يصلي التراويح فرار عن التشويش في المسجد.
والجدير بالذكر أن من أعظم نعم الله على الأمة أن تتوحد في الصلوات كلها في جماعة واحدة، وعلى إمام واحد أيا كان مذهبه من المذاهب الأربعة التي لم تخرج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولسنا في معرض مناقشة تعدد الأئمة والجماعة في الصلاة الواحدة في المسجد الواحد لا لشيء إلا لاختلاف مذهب هذا عن مذهب ذاك مع اتفاق أئمة المذاهب أنفسهم رحمهم الله على جواز صلاة كل منهم خلف الآخر.
ولسنا كذلك في معرض المقارنة بين مذهب ومذهب فكلهم يرجعون إلى أصل واحد هو الكتاب والسنة.
فلسنا في معرض هذا أو ذاك ولكن يهمنا وحدة الأمة، وبالأخص في عمل هو شعار الوحدة، ويكفي في ذلك الإشارة إلى ما سلف ذكره عن عمر رضي الله عنه لما دخل المسجد ووجد تعدد الجماعات فساءه ذلك فجمعهم على إمام واحد كراهية تفرقتهم أوزاعا، ولما رآهم من الغد ورأى اجتماعهم بعد الفرقة أعجبه ذلك وقال: "نعمت البدعة تلك".
أما العدد والاقتصار منه على عشرين ركعة فإنه العدد المعمول به عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة والشافعي وأحمد في غير المدينة وأخذا برواية ((يزيد بن رومان)) في نفس المدينة وعدم الأخذ بالزيادة في مقابل طواف بعض أهل مكة الذي تقدم الكلام عليه.
وهذا العدد هو ما كان العمل عليه في المائة الرابعة وما بعدها إلى عهد أبي زرعة رحمه الله وتقدم أنه لما أراد بإعادة الست والثلاثين ركعة لم يعدها مجتمعة بل راعى خلاف الأئمة فصلى عشرين ركعة بعد العشاء عملا بما عليه الاتفاق، وأتى بالست عشرة ركعة آخر الليل مراعاة لعمل أهل المدينة، وقد كان يختم القرآن مرتين إحداهما في العشرين ركعة أول الليل، والأخرى في الست عشرة ركعة التي يصليها في آخر الليل.
وهذا الختم موجود كذلك في هذا العهد حيث يختم الإمام في التراويح أول الليل ثم يختم مرة أخرى في العشر ركعات في آخر الليل من العشر الأواخر.
فالتقى هذا العهد مع الذي قبله تقريباً في النتيجة، وهي ختم القرآن الكريم مرتين وإن اختلف عنه في عدد الركعات وفي كيفية توزيع الصلاة، وانفرد هذا العهد بتوحيد الجماعة وإن وجد عدة أئمة يتناوبون الصلوات الخمس دون أن تتعدد الجماعة للصلاة الواحدة.
وكان أول من تولى الإمامة في العهد السعودي من السعوديين هو الشيخ الحميدي بردعان من أهالي حائل.
وتولاها معه ومن بعده عدة أئمة كانوا من أئمة سابقين يصلون بأتباع المذاهب الثلاثة على الوضع الأول فكانوا يتناوبون جميعا للصلوات الخمس يصلي كل واحد منهم بالجميع فريضة دون تعدد الجماعات.
فكان الشيخ محمد خليل من أئمة الشافعية سابقا أسندت إليه صلاة الظهر للجميع.
وكان الشيخ مولود من أئمة المالكية سابقا أسندت إليه صلاة العصر.
وكان الشيخ أسعد توفيق من أئمة الأحناف أسندت إليه صلاة العشاء.
وأسندت صلاتي المغرب والفجر إلى الشيخ عبد الرزاق حمزة.
وكان ينوب عنه الشيخ تقي الدين الهلالي.
كما كان يصلي أيضاً الشيخ محمد عبد الله التنبكتي.
ثم كان من بعدهم جميعاً لجميع الصلوات الخمس وللتراويح فضيلة المرحوم الشيخ صالح الزغيبي تولى الإمامة حوالي ربع قرن ظل فيها إلى أخريات حياته.
ولما كبر كان يساعده فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح ابتدأ من شعبان سنة 1367هـ ثم انفرد بالإمامة فضيلة الشيخ عبد العزيز بعد وفاة الشيخ صالح الزغيبي رحمه الله سنة 1376هـ تقريبا.
وفي سنة 1376هـ عيِّن فضيلة الشيخ عبد المجيد بن حسن مساعداً لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح. يتبع إن شاء الله... |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي الثلاثاء 19 يوليو 2016, 6:33 pm | |
| ولا تزال إمامة المسجد النبوي الرسمية لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح ونائبه فضيلة الشيخ عبد المجيد بن حسن إلى تاريخ كتابة ذلك.
وكنَّا نود أن نقدم الكثير عن أصحاب الفضيلة أئمة المسجد النبوي في هذا العهد وخاصة الذين صلوا التراويح ولكن ذلك يطول ذكره ويبعدنا عن الموضوع.
ولكن لا يسعنا إلا أن نورد عبارات موجزة ولمحات خاطفة إلى أن يقيض الله من يترجم لهم جميعا تراجم وافية في رسالة مستقلة خدمة للمسجد ووفاء بحق أئمته.
وقد ترجم ابن فرحون للعديدين من أئمة المسجد النبوي في عصره وساق طرفا عنهم رحمهم الله.
ثم أعقبهم بتراجم للمؤذنين ثم للخدام وذكر الكثير من ذلك في عصره رحمه الله.
مما يلفت النظر إلى أسبقية هذا العمل وأنه محل عناية المؤرخين والكتاب والمؤلفين.
ولاسيما إذا تناول البحث جانباً علمياً وحُكْماً فقهياً لنوع الإمامة وكيفية القراءة وهيئات الصلاة... إلخ.. لما لهذا المسجد الشريف من مكانة في النفوس ومنزلة في القلوب جعلته المثل الذي يحتذى والقدوة التي به يقتدى.
ولئن عني بالإمامة في هذا المسجد في السابق فلهي اليوم أولى بالعناية وألزم حيث تزايد عدد المصلين وتضاعف عدد الوافدين وتطلعت الأنظار إلى بلوغ الكمال، وما يتناسب ومقام المسجد من تعظيم وإجلال ولا سيما وقد كان ذلك مقام الرسول صلى الله عليه وسلم ثم خلفائه من بعده.
وإنها لنعمة يسوقها الله لمن أسعدهم من خلقه يشرفون بها ويؤدون حقها.
ومن ثم عظم حق الأئمة في هذا المسجد الشريف على سائر الناس وعظم الواجب في حقهم أقل ما يكون هو ترجمة شخصياتهم وبيان مزاياهم ليقتدي بهم أئمة مساجد الدنيا في الحفاظ على الأوقات وإتمام العمل في الصلوات وما إلى ذلك.
إذا كنا لا نستطيع إيفاء الواجب كما ينبغي فلا أقل من نبذة موجزة للتعريف لا للتأليف، ونقول بإيجاز:
أئمة المسجد. أما الشيخ الحميدي واسمه الشيخ الحميدي بردعان تقدم أنه كان من أهالي حائل وهو أول من تولى الإمامة في المسجد النبوي في أول العهد السعودي مكث لمدة سنتين ثم طلب من الملك عبد العزيز رحمه الله أن يسمح له بالعودة إلى بلده تلبية لرغبة جماعته ليعلمهم ويصلي بهم فامتنع عليه أولاً ثم سمح له أخيراً. وبعد مدة رغب العودة إلى المدينة فلم يتيسر له.
أما الشيخ مولود فكان من أهالي المغرب وكان قد هاجر إلى المدينة قبل العهد السعودي وتوفي بالمدينة ولم أعلم أنه صلى التراويح.
وأما الشيخ محمد خليل والشيخ أسعد فمن أهالي المدينة والشيخ أسعد هو الذي تولى صلاة التراويح وتوفي كل منهما بالمدينة وعقبا أبناءً كراماً.
وكان الثلاثة رحمهم الله من أئمة المذاهب الثلاثة في المسجد النبوي قبل هذا العهد.
أما الشيخ عبد الرزاق حمزة فقد هاجر من مصر إلى المدينة في أوائل هذا العهد وتولى الإمامة للمغرب والفجر لمدة فوق السنتين ثم نقل إلى مكة المكرمة، ولم يعد إلى المدينة المنورة وظل بين مكة والطائف.
وفي سنة 72ـ 1373هـ انتدب لتدريس المصطلح والحديث في المعهد العلمي بالرياض وانتهى به المطاف الآن إلى الطائف لكبر سنه، نسأل الله لنا وله العافية.
والشيخ تقي الدين الهلالي هو: هاجر من المغرب في سنة 1340-1341هـ إلى مصر ومكث بها سنة واحدة لقي فيها السيد رشيد رضا وتنقل بين قبلي وبحري والإسكندرية في دعوة سلفية.
ثم سافر إلى الحج تلك السنة ومكث ثلاثة أشهر طرف الشيخ محمد نصيف وكان حفظه الله مركزاً لكل سلفي يقدم جدة.
ثم سافر إلى الهند للدراسة والاطلاع على المكتبات وألقى دروسا في مدرسة علي خان من مدارس أهل الحديث في دلهي ثم تنقل في أرجاء الهند، ولقي شارح الترمذي صاحب التحفة أثناء كتابته للشرح المذكور وقد قرظه بقصيدة يهيب فيها بطلاب العلم إلى التمسك بالحديث والاستفادة من الشرح المذكور وقد طبعت تلك القصيدة في الجزء الرابع من الطبعة الهندية.
ثم سافر إلى العراق لمقابلة الشيخ الألوسي فلم يدركه ومكث بها ثلاث سنوات وتزوج بها وأنجب.
ثم جاء إلى الحجاز سنة 1345هـ مرة أخرى ومر بالشيخ رشيد رضا بمصر فكتب معه كتاباً للملك عبد العزيز يشير عليه بإقامة الشيخ تقي الدين لديه.
فأراد الملك رحمه الله أن يوليه الإمامة في المسجد النبوي ولكنه اشترط أن يؤدي الصلاة على نحو عشر تسبيحات في الركوع والسجود فاعتبر ذلك تطويلاً فعين مراقباً للدروس في الحرم النبوي وعين زميله الشيخ عبد الرزاق حمزة إماماً ولكن الشيخ عبد الرزاق كان ينيبه عنه في بعض الصلوات خاصة في صلاة الصبح.
ومكث سنتين بالمدينة المنورة ثم وقع نزاع بينه وبين أمير المدينة آنذاك فسافر إلى مكة مدرساً في المعهد السعودي وهو معهد ثانوي ديني وقد سمعت من فضيلته أن سبب هذا النزاع هو الاختلاف في أسلوب الدعوة وتغيير المنكر بين الشدة واللين وقد هجا بعض الأشخاص المسؤولين آنذاك لتراخيه في أمر العقيدة وقد أملى علي أبياته في هجائه غير أني لم أرد ذكره لما فيه من التصريح باسمه، وقد توفي قريباً رحمه الله فلا حاجة لذكرها بعد وفاته.
والجدير بالذكر أن زميله الشيخ عبد الرزاق كان سفره إلى مكة لنفس السبب، ثم سافر حفظه الله إلى الهند بدعوة السيد الندوي ومكث ثلاث سنوات ثم رجع إلى العراق ومن ثم سافر إلى أوربا لتحصيل شهادة رسمية عالية بجانب شهادته القروية من جامعة القيروان.
فسافر إلى جنيف ولقي الأمير شكيب أرسلان فتوصل إلى التدريس في جامعة ((بون)) محاضراً في اللغة العربية ودرس حتى نال الدكتوراه سنة 1940م.
ثم سافر إلى المغرب ومكث حتى انتهت الحرب فرجع إلى العراق وعمل أستاذاً في جامعة بغداد إلى قيام ثورة عبد الكريم قاسم فهرب إلى ألمانيا ومنها إلى المغرب فعين مدرساً في جامعة الملك محمد الخامس.
ومن ثَمَّ دُعِيَ إلى المدينة المنورة للتدريس في الجامعة الإسلامية ابتداءً من سنة 1388هـ ولم يزل بها حتى الآن مدرساً وعضو المجلس الإداري.
هذه خلاصة ما سمعته مشافهة من فضيلته، وقد سجلته نظراً إلى أنه يعتبر من أسبق المعاصرين لأوائل هذا العهد.
أما الشيخ عبد الله التنبكتي فهو من بلاد مالي من إقليم تنبكتو وهي العاصمة العلمية والسياسية لتلك البلاد وقد كان من علماء العربية والفقه.
وكان له نشاط حميد في الدعوة بالمدينة ولظروف ما عاد إلى بلاده حوالي سنة 1344هـ وزاول نشاطاً منقطع النظير في الدعوة إلى الله بفتح المدارس وتعليم عقيدة السلف، وكانت له جولات مع أعدائه على أيدي المستعمرين الفرنسيين آنذاك ولكن الرجل في نصرة دين الله فكان الله ناصراً له كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} ولم يستطع الأعداء هناك النيل منه وبقي على عمله حتى توفاه الله.
ولعلي آتي بتفاصيل أوفى عنه وعن نشاطه في رسالة التراويح هذه التي ستطبع إن شاء الله تعالى قريباً في كتيب مستقل.
أما الشيخ صالح رحمه الله فقد آلت إليه الإمامة بعد هؤلاء جميعاً وقام بها وحده منفرداً بها منقطعاً إليها ومكث بها مدة خمس وعشرين سنة تقريبا.
وتوفي رحمه الله عن عمر يناهز الثمانين.
وكان من أهل القصيم وكتب عنه الشيخ محمد سعيد دفتر دار كتابة وافية في كتابه المخطوط أعلام المدينة.
ولكن الذي يهمنا هو جانب الإمامة وما له فيه من غرائب ونوادر لم تنقل عن غيره منها ما سمعته من فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح عنه أنه كان رحمه الله إذا أتى المسجد لصلاة العصر لم يخرج حتى يصلي العشاء، وإذا أتى لصلاة الفجر لا يخرج حتى تطلع الشمس.
ومنها ما سمعته من الشيخ عبد الرحمن الحصين أنه لم يؤخذ عليه سهو في الصلاة إلا النادر كما سمعت من فضيلة الشيخ عبد المجيد أنه دخل في الصلاة مرة ثم التفت وأشار إليهم مكانكم وذهب فتطهر وعاد للصلاة ولم يستخلف لأنه كان حريصاً ألا تفوته صلاة وهو بالمدينة.
ولذا فالمشهور أنه لم يتخلف عن صلاة قط مدة وجوده بالمدينة إلا لمرض ولم يخرج من المدينة إلا إلى الحج وحج مرة واحدة.
ومن الطريف أن إمام الحرم المكي في وقته كان ربما أطلق على نفسه إمام الحرمين فجاء إلى المدينة وأراد أن يصلي بالمسجد النبوي ولو فريضة واحدة كي يبرر هذا الإطلاق فلم يمكنه الشيخ صالح من ذلك أبداً.
ومن العجائب ما حدثني به رحمه الله أنه في بعض الأيام استيقظ لصلاة الفجر وكان من عادته أن يبكر قبل الوقت بساعة تقريباً يتوضأ ويوتر ثم ينزل إلى الحرم وبعد أن أتم وضوءه وأراد لبس حذائه فإذا بعقرب فلدغته في قدمه، ولم يجد من يسعفه في ذلك الوقت ولم يستطع إخبار نائبه ليصلي عنه فصبر وتجلد ونزل إلى الحرم كعادته، وانتظر الموعد المحدد الذي ألف الناس إقامة الصلاة فيه وهو بعد الأذان بثلث ساعة ثم صلى بالناس، ولم يقدم الصلاة عن الموعد المحدد حرصاً على إدراك الناس للجماعة، وكل ذلك لم يعلم بحالته أحد حتى انتهى من صلاته وعندئذ نفد صبره وانهارت قواه فلم يستطع النهوض وأخبر بعض الحاضرين فقرأ عليه بعضهم ثم نقل إلى بيته وأسعف هناك بمصل ضد العقرب.
وكان في أخريات حياته ينوب عنه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح ثم لما ثقلت عليه القراءة صار ينوب عنه في الجهرية وفي خطبة الجمعة وهكذا في التراويح وفي العشر الأواخر.
أما فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي الآن ومساعده فضيلة الشيخ عبد المجيد المعاصران فإن معاصرتهما وإمامتهما تغني عن التحدث عنها، ومعرفة الجميع لها تكفي عن التعريف بهما وما يعرفه المعاصرون عنهما أكثر مما سيكتب بخصوصهما.
ولكن ما لابد منه لهذا العرض وما له صلة بصلاة التراويح، وما يقتضيه المقام من الإشارة بإيجاز فإني أوجزه في الآتي:
أولاً: فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح آل صالح ولد بالمجمعة ونشأ في أسرة كريمة عرف جميع أفرادها بالفضل وتحتل مكانتها في البلدة المذكورة بأصالة الرأي وحسن القدوة في أعيانها، فنشأ حفظه الله على أسس كريمة فاضلة ومحبة للخير فحفظ القرآن الكريم في صغره قبل البلوغ.
ودرس على المشايخ الأوائل، وأكثر من أخذ عنه العلامة الفاضل الشيخ عبد الله ابن عبد العزيز العنقري من كبار علماء عصره وصاحب الحاشية المعروفة بحاشية العنقري على الروض المربع في ثلاث مجلدات.
ثم أنهى دراسة التجويد على الشيخ القراء في المسجد النبوي وإمام عصره في القراءات فضيلة الشيخ حسن الشاعر سنة 1370هـ على قراءة حفص.
ومنذ بدء دراسته حفظه الله وهو دائب الجد والتحصيل وكانت دراستهم مناقشة ومنافسة على نظام الحلق والمراجع بدون تقيد بوقت ولا اختيار في مقرر وهي الطريقة التي كانت سائدة في عامة البلاد قبل الدراسات النظامية.
فكانت مجالاً واسعاً للتحصيل والنبوغ.
وقد ظهرت مخايل نبوغه في صغره فاختير لمساعدة إمام مسجدهم لصلاة التراويح وعمره 16 سنة ثم عين إماماً في المجمعة ثم رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمجمعة مع مواصلة الدراسة، ثم عُين في سلك القضاء فعين في الرياض مع فضيلة الشيخ عبد الله بن زاحم رحمه الله فاتصل في تلك المدة بأصحاب الفضيلة من المشايخ بالرياض وخاصة آل الشيخ وسماحة المفتي رحمه الله، وفي سنة 1363هـ اختار الملك عبد العزيز رحمه الله فضيلة الشيخ عبد الله بن زاحم وكان من خواص رجالاته المقربين ذوي المكانة الخاصة لدى جلالته اختاره لرئاسة محكمة المدينة المنورة، فاختار هو أيضاً فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح ليكون معه بمحكمة المدينة.
وفي شعبان سنة 1367هـ بدأ فضيلته الإمامة في المسجد النبوي مساعداً لفضيلة الشيخ صالح الزغيبي رحمه الله وكان يساعده في الصلوات الجهرية خاصة ثم عموم الصلوات والجمعة.
وفي سنة 1370هـ توفي الشيخ صالح رحمه الله فأسندت الإمامة والخطابة إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز حفظه الله وبجانب عمله الرسمي بالمحكمة الكبرى وكان آنذاك مساعد الرئيس مع دروس في الفقه والفرائض بالمسجد ثم بالبيت.
وفي 12 رجب سنة 1374هـ توفي فضيلة الشيخ عبد الله رئيس المحكمة فأسندت الرئاسة إلى الشيخ عبد العزيز بن صالح، وفضيلته من ذاك التاريخ هو الإمام والخطيب ورئيس المدرسين بالمسجد النبوي بجانب رئاسة المحاكم والدوائر الدينية بمنطقة المدينة.
وبعد نظام كادر القضاة عين فضيلته على رتبة قاضي تمييز واختير عضواً في المجلس الأعلى للقضاء وهو المجلس الذي يشرف على سير القضاء كله في المملكة كلها.
وكل ذلك معلوم للجميع الذين عرفوا فضيلته وما ذكرنا ذلك إلا بياناً لمقدار الإمامة بالمسجد النبوي وأنها لأعظم منصب وأكبر خطراً من ذلك كله.
ومما هو غني عن الذكر في هذا أن فضيلته وجه الخطابة إلى المشاكل والقضايا الاجتماعية درساً وتحليلاً وعلاجاً وتوجيهاً، فنقلها عن الدواوين المسطورة إلى الوقائع المشهورة.
أما التراويح موضوع الرسالة والكتابة فهي في صورتها وكيفية أدائها تلاوة وطمأنينة فهي في الواقع تعتبر الوسط الفاضل، فلا هي طويلة على ذوي الحاجات ولا هي قصيرة عند ذوي الرغبة في العادات، بل هي ترتيل من غير تطويل، وتخفيف من غير تحريف سواء من فضيلته أو من فضيلة مساعده عبد المجيد بن حسن.
تلك نبذة يسيرة لعمل تاريخي من زاوية محدودة لا ترجمة ولا تعريفاً إذ التراجم دراسات من مقدمات ونتائج وليس هذا مجالها والتعريف بمن يكون مجهولاً ولا محل للجهالة مع عظمة هذا المنصب الذي يعرف بصاحبه لدى القاصي والداني حفظه الله وأمد في عمره لخدمة هذا المنصب الجليل.
أما فضيلة الشيخ عبد المجيد بن حسن فقد بدأ دراسته أولاً في بلاده ثم واصل دراسته في مدرسة دار العلوم الشرعية بالمدينة إبان حدتها وقوة دراستها حين كان بها القسم العالي للعلوم الدينية والعربية وواصل دراسته أيضاً الدينية والعربية في المسجد النبوية على عدة مشائخ منهم الشيخ الطيب رحمه الله.
وقد اختير للتعليم فالتحق بمديرية التعليم آنذاك وكان أول مؤسس لمدرسة شقراء سنة 1360هـ فقام بها خير قيام وكان لفضيلته أكبر الأثر في جميع أبنائها خاصة في أهالي البلدة عامة.
وفي سنة 1366هـ التحق بسلك القضاء فعين بمحكمة رابغ وعمل بها لمدة ست سنوات إلى نهاية عام 1371هـ.
وفي عام 1371هـ نقل إلى محكمة المدينة ثم كان المساعد الثاني لفضيلة الرئيس الشيخ عبد الله ابن زاحم رحمه الله، وكان المساعد الأول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح.
وفي سنة 1373هـ بدأ الصلاة بالمسجد النبوي مساعداً لفضيلة الإمام عبد العزيز بن صالح وفضيلته الآن المساعد الأول لفضيلة الإمام يعاونه في الصلوات الخمس وينوب عنه في جميعها وفي الخطبة عند غيابه.
ويشترك معه في صلاتي التراويح والقيام على النحو الآتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وفي عام التسعين والثلاثمائة والألف عند كتابة هذه الأحرف عين فضيلته عضواً في محكمة التمييز بالمنطقة الغربية وانتدب إلى الهيئة العلمية.
وكما أسلفت فلست في معرض الترجمة ولا بيان المزايا الشخصية والخصائص الفردية لكل من الشيخين فضيلة الإمام ونائبه، فهناك الشيء الكثير سواء ما عرفته من كل منهما، أو عرفه بعض خواصهما أو عرفه كل منهما عن الآخر بحكم ما بينهما حفظهما الله من قوة الصلة وروابط الإخاء والصداقة الشخصية فوق حدود الزمالة والعمل من أول ارتباطهما معاً في عمل واحد.
فلسنا في معرض بيان كل ذلك فكما أسلفنا معاصرة فضيلتهما أغنت عن تفصيل الحديث عنهما، وما يعرفه الناس عنهما أكثر مما يمكن أن يقال فيهما. أمد الله في حياتهما وبارك فيهما أمين.
هذه لك عندي، فما لي عندك؟ طلب بعض الملوك كاتبا لخدمته، فقال للملك: أصحبك على ثلاث: فقال ما هي؟ قال: لا تهتك ستراً، ولا تمنع عذراً، ولا تقبل فيَّ قول قائل. فقال: هذه لك عندي، فما لي عندك؟ قال: لا أفشي لك سراً، ولا أؤخر عنك نصيحة، ولا أؤثر عليك أحداً. |
|
| |
| التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي | |
|