إشراقات أسرية في بداية الحياة الزوجية
إعداد: نورة بنت محمد السعيد
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين
مصدر هذه المادة: الكتيبات الإسلامية
دار القاسم
------------------------------------
الإهــداء:
إلى كلِّ فتاةٍ..
إلى كلِّ فتاةٍ تبحث عن الأُلفة والاستقرار..
والسعادة في ظلِّ الحياة الزوجية..
إلى كلِّ أمّ..
إلى كلِّ أمٍّ تشفق على أبنائها..
وتحلم لهم بحياةٍ زوجيةٍ سعيدة..
***
بسم الله الرحمن الرحيم
التمهيد
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول الله تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" [الروم : 21].
ويقول (صلى الله عليه وسلم): «الدنيا متاع، وخير متاعها الزوجة الصالحة».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
السعادة في هذه الحياة مطلب يسعى إليه الجميع: الكبير والصغير، الرجل والمرأة، الفتى والفتاة، ومن هؤلاء من وفَّقه الله تعالى وأدركها، ومنهم من لم يُحالفه التوفيق إليها؛ فهو لا يزال يطلبها ويتطلَّع إليها.
الأب والأم يرفعان أكفَّ الضراعة إلى الله تعالى ليلاً ونهارًا في صلواتهما وفي كلِّ أحوالهما وأقوالهما يسألان الله توفيق أبنائهما إلى الحياة السعيدة.. والفتاة المقبلة على الزواج تسأل الله قبل زواجها وبعده أن يَمُنَّ عليها بحياةٍ زوجيةٍ سعيدة.
وهنا أقول إنَّ السعادة الحقيقية لا تكون بحالٍ من الأحوال إلا بتقوى الله وخشيته وشدَّة مراقبته جلَّ وعلا، وذلك يكون بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه.. السعادة تكون لمَنْ يُمسِي ويُصبح وهمّه الله في السَّراء والضَّرَّاء، في الخلوة والجلوة.. همُّه هو مرضاة الله في كلِّ أحواله.
ولقد لُوحظ على بعض الأسر في مُجتمعاتنا بعض الأخطاء والتصرُّفات غير المناسبة في الإعداد للزواج والتهيئة له، أو فيما يحدث بعده من أمور تكون محلّ نظرٍ شرعيٍّ أو عرفي، ولذا أحببت مناقشة هذا الموضوع وهذه التصرفات، سائل الله التوفيق والسداد والنفع للإسلام والمسلمين، فما كان من صواب في هذا الطرح فهو من الله وله الحمد والثناء، وما كان من خطأٍ أو تقصير فأسأل الله العفو والمغفرة، وما هذه الكلمات إلا اجتهادات أضعها بين أيديكم وأرجو من الله لها القبول: "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" [هود: 88].
***
حكمة الزواج
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" [النساء: 1].
فلابدَّ أن يكون لسُنة الله في الزواج من حِكمةٍ، ومن دلالة الآية السابقة نُدرك أنَّ حكمة الزواج عظيمة، ومنها الاستمرار والتوسُّع في الخلق، مع تأكيد الآية الكريمة على أهمية التقوى ولزومها.
***
أهداف الزواج
1- طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم):
يقول تعالى: "وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" [النور: 32]..
ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه».
2- تحصين كلٍّ من الزوجين:
يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج».
ومن هنا نعلم أنَّ في الزواج طاعةً لله يُشجَّع عليها الأبناء، وإذا صلحت النية كان التوفيق عاقبتها بإذن الله.
يقول سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ:
"إنَّ كثرة الزواج وانتشاره أمرٌ يدعو إلى السرور والفرح؛ فكثرة الزواج نعمة، ودليل على أنَّ الناس لا يزالون بخير، وإذا زاد الزواج قلَّ الشر والبلاء".
وبالزواج يكثر النسل في الأمَّة الإسلامية:
قال (صلى الله عليه وسلم): «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».
أي: احرصوا على الزواج من المرأة المعروف عن أسرتها من أخوات وخالات وغيرهن أنهن نساءٌ يُنجِبن؛ وذلك من أجل تكثير نسل المسلمين وزيادة أعدادهم.
***
الخِطْبـــَــة:
قد يتقدَّم لخطبة الفتاة شاب كفءٌ، ولكن تكون الفتاة لم تزل صغيرة السن، وهنا نجد الوالدين يتردَّدان في القبول بحُجَّة صغر البنت، وهنا ينبغي ملاحظة هذا الموقف، فقد تزوَّجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهي صغيرة السن، حيث كانت -كما رُوي- في التاسعة من عمرها، ولكن المهم في القضية هو السؤال والتحرِّي الشديد واستخارة الله تعالى وأداء صلاة الاستخارة قبل الموافقة.
***
النظر بين الخاطب ومخطوبته:
ندب الشرع الحكيم إلى أن ينظر الخاطب إلى من خطبها، وللمرأة المخطوبة كذلك أن تنظر إلى من تقدَّم إليها قبل إعلان الموافقة، فقد خطب المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- امرأة، فلمَّا أخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال له: «اذهب فانظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما».
ومن المهم أن نعلم أنَّ هذه النظرة تكون من غير خلوة، وبعدها لا تخلو الحال من أحد أمرين:
1- إمَّا أن يُكتب لهما القبول ورضا كلا من الطرفين بالآخر فذلك بفضل الله.
2- وإمَّا أن يكون الأمر على غير ذلك، فعلى الطرفين مراعاة ما يلي:
أ- الرضا بتدبير الله وإدراك أنَّ له حكمةً بالغة، وما قدَّره سبحانه كلّه خير.
ب- عدم إفشاء سرّ الطرف الآخر والحفاظ على خصوصياته وتقديره.
وهنا أمر يجب التنبه إليه والعناية به:
ذلك أنه على أهل الخاطب عدم المبالغة في وصف مخطوبته له والثناء عليها وذِكر محاسنها؛ لأنَّ ذلك يجعل الخاطب يتوقَّع أشياء أكثر مِمَّا في المخطوبة؛ ولذا فعليهم وصفها بشكلٍ تقريبيٍّ ويدعون الحكم النهائي له.
وفي فترة الخطبة يجب التنبُّه إلى أمورٍ لا يجوز تجاهلها أو الغفلة عنها.
ومن أهم هذه الأمور:
1- المكالمات الهاتفية أو عبر الجوال:
فإن كانت المكالمات قبل العقد فالأمر مقطوعٌ به، ومعلومٌ عند الجميع أنَّ ذلك غير جائز؛ فالبنت لا تزال أجنبية بالنسبة لخاطبها.
أمَّا إن كانت المكالمات بعد عقد الزواج فهي بين أمرين:
إما أن تكون المكالمات ابتداءً من الخاطب وهو الذي يتَّصل ويُطيل المكالمات، فعلى مَنْ حوله من الأهل والوالدين إبلاغه وتنبيهه إلى أنَّ هذا الأسلوب خاطئ، وقد يُحدِث مضايقةً لأهل المخطوبة، وقد يُنقِص من قدره واحترامهم له، وأمَّا إن كانت المكالمات وكثرتها تصدر من المخطوبة فالمعهود من النساء الحياء وعدم الجُرأة.
وبما أنه سهلت في زماننا هذا وسائل الاتصال عن طريق الجوال أو غيره فقد يحدث اتصال الفتاة بخطيبها في مكان غير مناسب، كأن يكون الشاب الخاطب في عمله أو بين زملائه، فيصبح محلاًّ للتعليق أو الضحك من زملائه، وكذا بالنسبة للمخطوبة؛ فهي لا تزال تجهل عادات وطباع خطيبها، فلربما ظنَّ بها الظنَّ السيئ، ولقد سبق أن حدث بين خطيبين اتصالات كثيرة مِمَّا أدَّى في النهاية إلى الانفصال قبل إتمام الزواج، كما أنه في قلَّة المكالمات يكون الرجل أكثر تشوُّقًا إلى زوجته المستقبلة وأشدّ إقبالاً عليها.
2- ومما ينبغي ملاحظته والإشارة إليه في هذا المقام مراعاة عدم إطالة فترة الخطوبة قدر الإمكان:
لأنها تؤدِّي إلى القلق وانشغال الذهن لكلا الطرفين، كما أنها تؤدِّي إلى انشغال المخطوبة بالتجهيز للزواج، مع أنه بالإمكان حسم الموضوع وإنهاؤه في فترة شهر أو شهرين أو أقلّ من ذلك.
***
صداق المرأة
يقول الله تعالى: "وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا" [النساء: 4].
فالصداق نعمة من الله على نساء المسلمين، ولأهميته ذَكره الله عزَّ وجل في كتابه الكريم، وذكر أنه خاص بالمرأة وحدها، ولقد فسّر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله الآية السابقة بقوله: "لَمّا كان كثيرٌ من الناس يظلمون النساء ويهضمون حقوقهنَّ خصوصًا في الصداق الذي قد تكون قيمته كبيرة ودفعة واحدة فيشقُّ دفعه للزوجة، أمرهم وحثَّهم على إيتاء النساء "صَدُقَاتِهِنَّ"، أي: مهورهن "نِحْلَةً" أي: عن طِيب نفسٍ وحال طمأنينة، فلا تماطلوهنَّ أو تبخسوا منه شيئًا، وفيه أنَّ المهر يُدفع إلى المرأة إذا كانت مكلَّفة، وأنها تملكه بالعقد؛ لأنه أضافه إليها". انتهى.
وبعد أن علمنا ذلك، أليس الأولى أن تشكر المرأة ربها على هذه النعمة التي خصَّها الله بها؟.. وشُكرها هو حُسن التصرُّف في ذلك المال، وإذا تذكَّرنا حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول: «لن تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع...»، وذكر منها «ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟».
إذا تذكرنا ذلك تحتَّم علينا إنفاق ذلك المال وصرفه فيما يُرضي ربَّنا عزَّ وجل، لا في الإسراف والتبذير أو المحرَّمات والمنكرات.
أختي المؤمنة:
هل فكرت يوم أن ملكت المهر من أين أتى ذلك المهر؟.. وكيف حصل عليه ذلك الشاب؟
إنَّ أغلب الشباب اليوم يجدون كلفةً شديدةً في تحصيل ذلك المال ليُقدموا على الزواج، فإمَّا أن يكون قد جمعه بكدِّه وتعبه ولمدة سنين طويلة، وإما أن يكون ذلك الشاب فقيرًا قد تحصَّل عليه بمساعدة الآخرين وزكواتهم، أو بمساندةٍ من جهةٍ خيريةٍ ونحو ذلك، وهدفه تحصين نفسه ورضا ربِّه.
إذن الأمل والغاية هو إحسان تصرف الفتاة فيه، فليس من اللائق تبذيره في سويعات أو أيام قلائل في أمور كمالية يمكن اختصارها والاستغناء عن كثيرٍ منها، كالملابس والأحذية ونحوها مِمَّا قد تَمِلُّه الفتاة أو تزدريه بعد أيامٍ قلائل من شرائه، أو بعد لبسه لمرَّةٍ واحدة، بينما لو احتفظت بجزء من هذا المبلغ وصرفته حسب الحاجة وادَّخرته لأمورٍ قد تحتاجها بعد الزواج لكان أولى وأفضل.
فلقد ذُكِر عن فتاةٍ أنها جلست سنة ونصف تقريبًا بعد زواجها وهي تصرف من مهرها، وفتاة أخرى صرفت جزءًا من مهرها لحاجاتها الضرورية واشترت قطعة أرض بجزئه الآخر..!
وهناك نقاط أحبُّ الإشارة إليها حول هذا الموضوع ومنها:
1- الإكثار من فساتين السهرة الغالية الثمن خسارةٌ عظيمةٌ باعتراف كثيرٍ من الفتيات.
2- ليكن لك حظٌّ من الإنفاق في سبيل الله مِمَّا رزقك الله لتكون لك البركة في الدنيا والآخرة.
3- تقوى الله وعدم إنفاق شيءٍ من المال –وإن كان يسيرًا– فيما حرَّم الله.
***
ليلة الزفـــــــــــــــاف:
ليلة الزفاف هي أوَّل ليلة في الحياة الزوجية وهي بدايتها، وقد جرت السُنة بالاحتفال بهذه المناسبة السعيدة إشهارًا للزواج وإظهارًا للفرح والابتهاج، وشُكرًا لله سبحانه وتعالى الذي أتمَّ على الزَّوجين نعمته وجمع شملهما بفضله ورحمته، ومن هنا فإنَّ حفل الزواج يجب أن يكون وفقًا لميزان الإسلام تُظلِّله آدابه، وذلك حرصًا على طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، وابتغاءً للبركة، وإشفاقًا من عقوبة الله في اقتراف معصية فيه.
وحين أسبغ الله على العروسين هذه النعمة العظيمة كان جديرًا بهما وأهلهما شُكر الله تعالى، وشُكره يتمثَّل بالحرص التام على عدم وقوع ما لا يرضيه في هذه المناسبة من المخالفات التي ابتلي بها بعض من الناس في هذه الأزمنة، سواء كانت فيما يتعلَّق بالإعداد لتلك الليلة أو فيما يتعلّق بالعروس من لباسٍ أو زينةٍ ونحوهما.
يتبع إن شاء الله...