أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الباب الحادي والعشرون: في بيان الشروط التى تؤخذ على العمال وسيرة السلطان في استجباء الخراج وأحكام أهل الذمة وفيه فصلان الأربعاء 24 فبراير 2016, 7:02 am | |
| الباب الحادي والعشرون:
في بيان الشروط التى تؤخذ على العمال وسيرة السلطان في استجباء الخراج وأحكام أهل الذمة وفيه فصلان
الفصل الأول: في سيرة السلطان في استجباء الخراج والأنفاق من بيت المال وسيرة العمال قال جعفر بن يحيى الخراج عماد الملوك وما استعزوا بمثل العدل وما استنذروا بمثل الظلم وأسرع الأمور في خراب البلاد تعطيل الأرضيين وهلاك الرعية وانكسار الخراج من الجور.
ومثل السلطان إذا أجحف بأهل الخراج حتى يضعفوا عن عمارة الأرضين مثل مَنْ يقطع لحمه ويأكله من الجوع فهو إن شبع من ناحية فقد ضعف من ناحية أخرى وما أدخل على نفسه من الضعف والوجع أعظم ممَّا دفع عن نفسه من ألم الجوع.
ومثل مَنْ كلّف الرعيّة فوق طاقتهم كالذي يطين سطحه بتراب أساس بيته وإذا ضعف المزارعون عجزوا عن عمارة الأرضين فيتركونها فتخرب الأرض ويهرب المزارعون فتضعف العمارة ويضعف الخراج وينتج من ذلك ضعف الأجناد وإذا ضعف الجند طمح الأعداء في السلطان.
وروى أن المأمون أرق ذات ليلة فاستدعى سميراً يحدّثه فقال: يا أمير المؤمنين كان بالموصل بومة وبالبصرة بومة فخطبت بومة الموصل بنت بومة البصرة لابنها، فقالت بومة البصرة: لا أجيب خطبة ابنك حتى تجعلى في صداق ابنتي مائة ضيعة خربة، فقالت بومة الموصل: لا أقدر عليها لكن إن دام وإلينا سلمة الله علينا سنة واحدة فعلت ذلك، قال: فاستيقظ لها المأمون وجلس للمظالم وأنصف الناس بعضهم من بعض وتفقد أمور الولاة والعمال الرعيّة.
وقال أبو الحسن بن علي الاسدي: أخبرني أبي قال: وجدت في كتاب قبطي باللغة الصعيدية ممّا نقل بالعربية أن مبلغ ما كان يُستخرج لفرعون في زمن يوسف الصديق صلوات الله وسلامه عليه من أموال مصر لخراج سنة واحدة من الذهب العين أربعة وعشرون ألف ألف وأربعمائة دينار، من ذلك ما ينصرف في عمارة البلاد كحفر الخلجان، والإنفاق على الجسور وسد الترع وتقوية مَنْ يحتاج الى التقوية من غير رجوع عليه بها لإقامة العوامل والتوسعة في البلدان وغير ذلك من الآلات وأجرة مَنْ يُستعان به لحمل البذر وسائر نفقات تطبيق الأرض ثمانمائة ألف دينار، ولما ينصرف للأرامل والأيتام وإن كانوا غير محتاجين حتى لا يخلو أمثالهم من بر فرعون أربعمائة ألف دينار، ولما ينصرف لكهنتهم وبيوت صلاتهم مائتا ألف دينار، ولما ينصرف في الصدقات ممَّا يُصب صبَّاً وينادى عليه برئت الذمة من رجل كشف وجهه لفاقة ولم يحضر، فيحضر لذلك جمع كثير مائتا ألف دينار، فإذا فُرّقت الأموال على أربابها دخل أمناء فرعون اليه وهنأوه بتفرقة الأموال ودعوا له بطول البقاء ودوام العز والنعماء والسلامة وأمن هو اليه حال الفقراء فيأمر باحضارهم وتغيير شعثهم ويمد لهم السماط فيأكلون بين يديه ويشربون ويستفهم من كل واحد منهم عن سبب فاقته، فإن كان ذلك من آفة الزمان زاد عليه مثل الذي كان له، ولما ينصرف في نفقات فرعون الراتبة في كل سنة مائتا ألف دينار، ويفضل بعد ذلك مما يتسلمه يوسف الصديق عليه السلام للملك ويجعله في بيت المال لنوائب الزمان أربعة عشر ألف ألف وستمائة ألف دينار.
وقال أبو رهم: كانت أرض مصر أرضاً مدبرة حتى أن الماء ليجري تحت منازلها وأفنيتها فيحبسونه حيث شاؤا ويرسلونه حيث شاؤا وذلك قول فرعون: (أليسَ لي مُلكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تجري من تحتي) الاية.. وكان مُلكُ مصر عظيماً لم يكن في الأرض أعظم منه مُلكاً وكانت الجِنَان بحافتي النيل متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء والزروع كذلك من أسوان إلى رشيد وكانت أرض مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعاً لما دبروا من جسورها وحافاتها والزروع ما بين الجبلين من أولها إلى آخرها وذلك قوله تعالى: (كم تركوا من جنَّات وعُيون وزُروع ومُقام كريم).
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: استعمل فرعون هامان على حفر خليج سردوس فأخذ في حفره وتدبيره فجعل أهل القرى يسألونه أن يجري لهم الخليج تحت قراهم ويعطوه مالاً فكان يذهب به من قرية إلى قرية من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى القبلة ويسوقه كيف أراد وإلى حيث قصد فليس خليج بمصر أكثر عطوفاً منه فاجتمع له من ذلك أموال عظيمة جزيلة فحملها إلى فرعون وأخبره بالخبر فقال له فرعون إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبده ويفيض عليه من خزائنه وذخائره ولا يرغب فيما بأيديهم فرد على أهل القرى أموالهم ورد عليهم ما أخذه منهم فإذا كانت هذه سيرة مَنْ لا يعرف الله ولا يرجو لقاءه ولا يخاف عذابه ولا يؤمن بيوم الحساب فكيف تكون سيرة مَنْ يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويوقن بالحساب والثواب والعقاب.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (اجعلني على خزائن الأرض) قال هي خزائن مصر ولما استوثق أمر مصر ليوسف عليه السلام وكمُل وصارت الأشياء اليه وأراد الله تعالى أن يعوضه على صبره لما لم يرتكب محارمه وكانت مصر أربعين فرسخاً في مثلها وما أطاع يوسف فرعون وهو الريان بن مصعب وناب عنه إلا بعد أن دعاه إلى الإسلام فأسلم وكانت السنون التي حصل فيها الغلاء والجوع مات العزيز وتملك يوسف وافتقرت زليخا وعمي بصرها فجعلت تتكفف الناس فقيل لها لو تعرضت للملك ربما يرحمك ويعينك ويغنيك فطالما كنت تحفظينه وتكرمينه ثم قيل لها لا تفعلى لأنه ربما يتذكر ما كان منك إليه من المراودة والحبس فيسيء إليك ويكافئك على ما سبق منك إليه، فقالت، أنا أعلم بحلمه وكرمه فجلست له على رابية في طريقه يوم خروجه وكان يركب في زهاء مائة ألف من عظماء قومه وأهل مملكته فلما أحست به قامت ونادت سبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيتهم والعبيد ملوكاً بطاعتهم، فقال يوسف عليه السلام: مَنْ أنتِ؟ فقالت: أنا التى كنت أخدمك بنفسي وأرجل شعرك بيدي وأكرم مثواك بجهدي وكان مني ما كان وقد ذقت وبال أمري وذهبت قوتي وتلف مالي وعمي بصري وصرت أسأل الناس فمنهم من يرحمني ومنهم من لا يرحمني وبعدما كنت مغبوطة أهل مصر كلها صرت مرحومتهم بل محرومتهم وهذا جزاء المفسدين.
فبكي يوسف عليه السلام بكاءً شديداً وقال لها: هل في قلبك من حبك إياي شيء؟ قالت: نعم والذي اتخذ إبراهيم خليلاً لنظرة إليك أحب إليَّ من ملء الأرض ذهباً وفضة، فمضي يوسف وأرسل إليها يقول: إن كنت إيما تزوجناكِ، وإن كنت ذات بعل أغنيناكِ، فقالت لرسول الملك: أنا أعرف أنه يستهزىء بي هو لم يردني في أيام شبابي وجمالى فكيف يقبلني وأنا عجوز عمياء فقيرة، فأمر بها يوسف عليه السلام فجهزت وتزوج بها وأدخلت عليه فصَّف يوسف عليه السلام قدميه وقام يصلي ودعا الله تعالى باسمه العظيم الأعظم فرد الله عليها حُسنها وجمالها وشبابها وبصرها كهيئتها يوم راودته فواقعها فإذا هي بكر فولدت له إفراثيم بن يوسف ومنشا بن يوسف وطاب في الإسلام عيشهما حتى فرَّق الموت بينهما.
فينبغي للقوي أن لا ينسي الضعيف وللغني أن لا ينسي الفقير فرُب مطلوب يصير طالباً ومرغوب فيه يصير راغباً ومسؤول يصير سائلاً وراحم يصير مرحوماً فنسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته ويغنينا بفضله.
ولما ملك يوسف عليه السلام خزائن الأرض كان يجوع ويأكل من خبز الشعير، فقيل له: أتجوع وبيدك خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسي الجائع.
ومن حُسن سيرة العُمَّال: رُويَ أن عمر رضي الله عنه استعمل على حمص رجلاً يُقال له عُمير بن سعد، فلما مضت السنة كتب إليه عمر رضي الله عنه أن أقدم علينا، فلم يشعر عمر إلا وقد قدم عليه ماشياً حافياً عكازته بيده وإداوته ومزوده وقصعته على ظهره، فلما نظر إليه عمر قال له: يا عُمير أأجبتنا أم البلاد بلاد سُوء؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما نهاك الله أن تجهر بالسُّوء وعن سُوء الظّن وقد جئت إليك بالدُّنيا أجُرُهَا بقرابها، فقال له: وما معك من الدنيا؟ قال: عكازة أتوكأ عليها وأدفع بها عدواً إن لقيته، ومزود أحمل فيه طعامي، وإداوة أحمل فيها ماء لشربي ولطهورى، وقصعة أتوضأ فيها وأغسل فيها رأسي وآكل فيها طعامي، فوالله يا أمير المؤمنين ما الدنيا بعد إلا تبع لما معى قال فقام عمر رضي الله عنه من مجلسه إلى قبر رسول الله وأبي بكر رضي الله عنه فبكي بكاءً شديداً ثم قال: اللهم ألحقني بصاحبيَّ غير مفتضح ولا مبدل ثم عاد إلى مجلسه فقال: ما صنعت في عملك يا عمير؟ فقال: أخذت الإبل من أهل الإبل والجزية من أهل الذمة عن يد وهم صاغرون ثم قسمتها بين الفقراء والمساكين وأبناء السبيل فوالله يا أمير المؤمنين لو بقي عندي منها شيء لأتيتك به، فقال عمر: عد إلى عملك يا عمير، قال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تردني إلى أهلي، فأذن له فأتي أهله فبعث عمر رجلاً يُقال له حبيب بمائة دينار وقال له: اختبر لي عميراً وانزل عليه ثلاثة أيام حتى ترى حاله هل هو في سعة أم ضيق؟ فإن كان في ضيق فادفع إليه المائة دينار، فأتاه حبيب فنزل به ثلاثاً، فلم ير له عيشاً إلا الشّعير والزَّيت، فلما مضت ثلاثة أيام قال يا حبيب: إن رأيت أن تتحول إلى جيراننا فلعلهم أن يكونوا أوسع عيشاً منَّا فإننا والله وتالله لو كان عندنا غير هذا لآثرناك به، قال: فدفع إليه المائة دينار وقال: قد بعث بها أمير المؤمنين إليك فدعا بفرو خلق لامرأته فجعل يصر منها الخمسة دنانير والستة والسبعة ويبعث بها إلى إخوانه من الفقراء إلى أن أنفدها فَقَدِمَ حبيب على عمر وقال: جئتك يا أمير المؤمنين من عند أزهد الناس، وما عنده من الدنيا قليل ولا كثير، فأمر له عمر بوسقين من طعام وثوبين، فقال يا أمير المؤمنين: أما الثوبان فأقبلهما وأما الوسقان فلا حاجة لي بهما عند أهلي صاع من بر هو كافيهم حتى أرجع إليهم.
وروى أن عمر رضي الله عنه صَرَّ أربعمائة دينار وقال للغلام: إذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرَّاح ثم تربَّص عنده في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع بها فذهب بها الغلام إليه وقال له: يقول لك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اجعل هذه في بعض حوائجك، قال: وصله الله ورحمه ثم دعا بجاريته وقال لها: اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفدها فرجع الغلام إلى عمر وأخبره فوجده قد عدَّ مثلها لمُعاذ بن جبل فقال له: انطلق بها الى مُعاذ بن جبل وانظر ما يكون من أمره، فمضي إليه وقال له: كما قال لأبي عبيدة بن الجراح، ففعل معاذ كما فعل أبو عبيدة، فرجع الغلام فأخبره عمر، فقال: إنهم إخوة بعضهم من بعض رضي الله تعالى عنهم أجمعين. يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 27 يوليو 2021, 1:27 pm عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الحادي والعشرون: في بيان الشروط التى تؤخذ على العمال وسيرة السلطان في استجباء الخراج وأحكام أهل الذمة وفيه فصلان الأربعاء 24 فبراير 2016, 7:24 am | |
| الفصل الثاني: في أحكام أهل الذمة روى عن عبد الرحمن بن غنم قال كتبنا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من نصاري مدينة كذا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، إنكم لمَّا قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدائننا ولا فيما حواليها كنيسة ولا ديراً ولا قلية ولا صومعة راهب ولا نُجدد ما خرب منها ولا ما كان مختطاً منها في خطط المسلمين في ليل ولا في نهار وأن نوسع أبوابها للمار وابن السبيل وأن ننزل مَنْ مرَّ بنا من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم ولا نؤوي في كنائسنا ولا في منازلنا جاسوساً ولا نكتُمه عن المسلمين ولا نعلّم أولادنا القرآن ولا نظهر شرعنا ولا ندعو إليه أحداً ولا نمنع أحداً من ذوي قراباتنا الدخول في دين الإسلام إن أراده وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس وأن لا نتشبه بالمسلمين في شيء من ملابسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكني بكناهم ولا نركب في السروج ولا نتقلد بالسيوف ولا نتخذ شيئاً من السَّلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش على خواتمنا بالعربية ولا نبيع الخمر وأن تُجز مقادم رؤوسنا ونلزم زينا حيثما كنَّا وأن نشد الزنار على أوساطنا ولا نظهر صُلباننا ولا كُتُبنا في شيء من أسواق المسلمين وطرقهم ولا نضرب بالنواقيس في كنائسنا إلا ضرباً خفيفاً ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران في شيءٍ من طُرُق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ولا نتطلع على منازلهم وقد شرطنا ذلك على أنفسنا وعلى أهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا في شيءٍ ممَّا شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمَّة لنا وقد حلَّ بنا ما يحل بأهل المعاندة والشّقاق.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن امض ما سألوه والحق فيه حرفين واشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم [ أن لا يشتروا شيئا من سبايا المسلمين ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده.
ورُويَ أن بني ثعلبة دخلوا على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين إنّا قومٌ من العرب أفرض لنا قال نصارى قالوا نصارى قال ادعو إلي حجاماً ففعلوا فجز نواصيهم وشق من أرديتهم حزماً يحتزمون بها وأمرهم أن لا يركبوا بالسُّروج وأن يركبوا على الأكف من شق واحد.
ورُويَ أن أمير المؤمنين الخليفة جعفراً المتوكل أقصى اليهود والنصارى ولم يستعملهم وأذلهم وأبعدهم وخالف بين زيهم وزي المسلمين وقرب منه أهل الحق وأبعد عنه أهل الباطل فأحيا الله به الحق وأمات به الباطل فهو يذكر بذلك ويترحم عليه ما دامت الدنيا وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لا تستعملوا اليهود والنصارى فإنهم أهل رشا في دينهم ولا يحل في دين الله الرشا.
ولما استقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعرى رضي الله عنه من البصرة وكان عاملاً بها للحساب دخل على عمر وهو في المسجد فاستأذن لكاتبه وكان نصرانياً فقال له عمر قاتلك الله وضرب بيده على فخذه وليت ذمياً على المسلمين أما سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنو لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) الآية.. هلا اتخذت حنيفياً فقال يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه فقال لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله.
وكتب بعض العمال إلى عمر رضي الله عنه إن العدو قد كثر وإن الجزية قد كثرت أفنستعين بالأعاجم فكتب إليه إنهم أعداء الله وإنهم لنا غششة فأنزلوهم حيث أنزلهم الله.
ولما خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى بدر لحقه رجل من المشركين عند الحرَّة فقال إني أريد أن أتبعك وأصيب معك، قال: "أتؤمن بالله ورسوله"؟ قال: لا، قال: "ارجع فلن نستعين بمشرك"، ثم لحقه عند الشجرة فقال جئتك لأتبعك وأصيب معك، قال: "أتؤمن بالله ورسوله"؟ قال: لا، قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك"، ثم لحقه عند ظهر البيداء فقال له مثل ذلك، فأجابه بمثل الأول، فقال: نعم، فخرج به وفرح به المسلمون، وكان له قوة وجلد، وهذا أصلٌ عظيم في أن لا يُستعان بكافر وهذا وقد خرج ليُقاتل بين يدي النبي (صلى الله عليه وسلم) ويُراق دمه فكيف استعمالهم على رقاب المسلمين؟
وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه إلى عماله: أن لا تولوا على أعمالنا إلا أهل القرآن فكتبوا إليه إنا قد وجدنا فيهم خيانة فكتب إليهم إن لم يكن في أهل القرآن خير فأجدر أن لا يكون في غيرهم.
قال أصحاب الشافعي ويلزمهم أن يتميزوا في اللباس عن المسلمين وأن يلبسوا قلانس يميزونها عن قلانس المسلمين بالحمرة وشدوا الزنانير على أوساطهم ويكون في رقابهم خاتم من نحاس أو رصاص أو جرس يدخلون به الحمام وليس لهم أن يلبسوا العمائم ولا الطيلسانات وأما المرأة فإنها تشد الزنار تحت الإزار وقيل فوق الإزار وهو الأولى ويكون في عنقها خاتم تدخل به الحمام ويكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض ولا يركبون الخيل ولا البغال ولا الحمير بالأكف عرضاً ولا يركبون بالسُّروج ولا يتصدرون في المجالس ولا يُبدؤن بالسَّلام ويلجأون إلى أضيق الطرق ويُمنعون أن يتطاولوا على المسلمين في البناء وتجوز المساواة وقيل لا تجوز وإن تملكوا داراً عالية أقروا عليها ويُمنعون من إظهار المُنكر كالخمر والخنزير والنَّاقوس والجهر بالتوراة والإنجيل ويُمنعون من المُقام في أرض الحجاز وهي مكة والمدينة واليمامة وإن امتنعوا من أداء الجزيَّة والتزام أحكام أهل الملّة انتقض عهدهم.
وإن زني أحد منهم بمسلمة أو أصابها بنكاح أو آوى عيناً للكفار أو دلَّ على عورة المسلمين أو فتن مسلماً عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق تنتقض ذمته وفي تقدير الجزية اختلاف بين العلماء فمنهم مَنْ قال: إنها مقدرة الأقل والأكثر على ما كتب به عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف بالكوفة فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهماً وعلى مَنْ دونه أربعة وعشرين درهماً وعلى من دونه اثني عشر درهماً وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولم يُخالفه أحد، وكان الصرف اثنا عشر بدينار وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأحد قولي الشافعي ويجوز للإمام أن يزيد على ما قدَّره عمر ولا يجوز أن ينقص عنه ولا جزية على النّساء والمماليك والصبيان والمجانين وأما الكنائس فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تهدم كل كنيسة بعد الإسلام ومنع أن تجدد كنيسة وأمر أن لا تظهر عليه خارجة من كنيسة ولا يظهر صليب خارج من كنيسة إلا كُسِرَ على رأس صاحبه، وكان عروة بن محمد يهدمها بصنعاء وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين وشدَّد في ذلك عمر بن عبد العزيز وأمر أن لا يُترك في دار الاسلام بيعة ولا كنيسة بحال قديمة ولا حديثة والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
|
|