بسم الله الرحمن الرحيم
المسارعة والمسابقة إلى الخيرات في القرآن الكريم
دراسة موضوعية بيانية
إعداد
د. محمد علي الزغول
أستاذ التفسير المشارك في كلية الشريعة في جامعة مؤتة
د. محمد سعيد حوى
أستاذ الحديث المشارك في كلية الشريعة في جامعة مؤتة
-------------------------
ملخص
اعتنى القرآن الكريم بقضية المسارعة والمسابقة إلى الخيرات عناية جليلة، ووجهنا إلى التحقق بها علماً وعملاً، حالاً وسلوكاً وخلقاً ومنهجاً، في آيات عدة، تارة أمراً، وتارة حثاً، وتارة تحفيزاً لنا من خلال بيان تحقق أكمل الخلق بها، أو من خلال بيان صفات أهلها، وثمرات التحقق بها، وقد اشتملت آيات المسارعة والمسابقة على كثير من المعاني والدقائق ي البيان والنظم بما يوجب على الباحثين اجتلاؤها وفهمها وتدبرها، خدمة لكتاب الله قياماً بحقه.
فجاء هذا البحث للوقوف على بعض هذه الأسرار والدقائق، بما يكشف عن جوانب من روعة معاني القرآن وإعجازه من جهة، وما اشتملت عليه من توجيه للسلوك الإنساني الأسمى من جهة أخرى.
فقمنا باستعراض هذه الآيات وترتيبها وفق تنزلها واستكشاف وحدتها الموضوعية، والتعرف إلى بعض خصائص النظم والبيان فيها، بعد التعريف بدلالات الألفاظ ومعانيها.
مقدمة
في خضم سطوة الحياة المادية واستعار الشهوات، وما نلحظ من أحوال كثيرين من تثاقل عن القيام بحق الله سبحانه وتعالى، أو كسل أو فتور في العزيمة، وما يترتب على ذلك من إحباط ويأس؛ نجد حاجة ملحة للعودة إلى القرآن الكريم، نستنهض به الهمم والعزائم ونعالج فتور النفس وقصورها، ونسعى للارتقاء نحو الهمم العالية والأخلاق الكاملة والصفات الرفيعة.
وكان من الآيات القرآنية التي أولت هذا الجانب اهتماماً خاصاً: آيات المسارعة والمسابقة إلى الخيرات.
نعم، لقد أولى القرآن الكريم قضية المسارعة والمسابقة إلى الخيرات عناية تامة، فكان حديثاً معطراً بنفحات التكريم والتمجيد، حيث دعا دعوة قوية إلى التحلي بفضيلة المبادرة إلى اغتنام الفرص في عمل الخير، لأن الحياة غير مأمونة، والآجال غير معلومة، وما يمكن اليوم لا يمكن غداً، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، واليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل" البخاري، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب رقم 4، في الأمل وطوله، ترجمة حديث رقم 6417.
فنهج القرآن مناهج عدة في بيان أهمية المسارعة والمسابقة إلى الخيرات، والحث عليها وبيان علو شأن أصحابها ومقامهم عند ربهم فتارة من خلال الأمر بالمسارعة والمسابقة إلى الخيرات، أو من خلال وصف الأنبياء بذلك، أو وصف الملائكة، أو وصف الخاصة من أهل الكتاب أو وصف الصحابة، وتارة من خلال بيان خصائص وصفات المسابقين والمسارعين، وثمرات التحقق بذلك، أو من خلال التحذير من صفات المخالفين المسارعين إلى الكفر، وما ذلك كله إلا لأهمية هذا الموضوع وخطره وضرورة العناية التامة به، مما كان دافعاً لنا أن نخص هذه الآيات بالدراسة والبحث.
وأمر آخر دعانا للبحث في هذا الموضوع الرغبة في أن نقف معاً على النظم القرآني ولطائفه، ونكاته البيانية، في هذه الآيات الكريمات، فقد لوحظ أن الأمر بالمسارعة والمسابقة إلى الخيرات تارة يعدى بنفسه، وتارة بحرف الجر "في"، وتارة بإلى، وتارة باللام فلماذا؟! ومرة يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وسارعوا﴾... ومرة: ﴿سابقوا﴾، فما سر ذلك؟! إضافة إلى أسرار ودقائق أخرى كثيرة... ثم ما هي العلاقة بين السور التي تحدثت عن هذه القضية المهمة؟ ما هي الوحدة الموضوعية بينها؟ وما هي ميادين المسابقة والمسارعة؟ وما ثواب السابقين المسارعين؟ قضايا كثيرة وكثيرة جداً أحببنا أن نعيش معها وفي ظلالها، وذلك بعض ما يجب علينا تجاه كتاب ربنا على طريق التدبر والفهم والعمل والتحقق.
وقد اقتضت طبيعة هذا البحث تناوله في المطالب الآتية:
المطلب الأول: تعريف المسابقة والمسارعة.
- لغة واصطلاحاً.
- والألفاظ ذات الصلة.
المطلب الثاني: بيان مقام السابقين والمسارعين وصفاتهم، وفيه تحليل آيات المسارعة والمسابقة من حيث النظم ولطائف البيان وفق تنزل سور القرآن.
المطلب الثالث: ميادين المسابقة والمسارعة.
المطلب الرابع: ثواب السابقين والمسارعين إلى الخيرات.
إضافة إلى خاتمة سجلنا فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.
فنسأل الله أن يتقبل منا، وأن يوفقنا، فإن أصبنا فبفضل الله ورحمته، وإن قصرنا فمن أنفسنا ونسأله تعالى المغفرة.
الباحثـــان
------------
المطلب الأول
ألفاظ المسارعة والمسابقة في اللغة والاصطلاح
المسارعة لغة:
السين والراء والعين: "أصل صحيح يدل على خلاف البطء، فالسريع خلاف البطيء وسَرْعان الناس أوائلهم الذين يتقدمون سراعاً"، وسرعان الخيل أوائلها، ويقال أسرع وسارع أي خف وبادر، ومنه قوله تعالى: "يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ " (90: الأنبياء)، يمضون نحوها مسرعين مبادرين، وتسرع بالأمر بادر به، والمسارعة إلى الشيء: المبادرة إليه، والمتسرع المبادر إلى الشر خاصة.
ويقال هؤلاء مساريع في الحرب، أي جمع مسراع، وهو الشديد الإسراع إلى النضال، وسارع الأمر بمعنى أسرع، وجاء سَرعاً أي سريعاً.
ومنه قوله تعالى: "يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا" (44: ق) وقوله تعالى: "يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا" (43: المعارج) وقوله تعالى: "أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ" (55-56: المؤمنون).
ويقال أسرع الرجل إذا سَرُعت دابته كما قالوا أخف إذا كانت دابته خفيفة.
وإذا نحن تأملنا هذه المعاني لمادة سرع نجد فيها معنى المبادرة والتقدم والسبق والخفة إلى الشيء، ومن خف في طلب شيء كان سهلاً عليه، في متناوله، متمكناً منه، إلى ما في ذلك مما يخالف معنى البطء، والتثاقل، ويدل على علو الهمة، والإقبال على الأمر.
ولذا نجد القرآن الكريم يثني على أولئك الذين يسارعون في الخيرات، أي يبادرون بخفة ونشاط وهمة وتقدم وسبق.
على عكس أولئك الذين يتثاقلون إذا جاءهم الأمر "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ" (38: التوبة).
قال الزمخشري: "ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة: الإقبال على ما يستحسن".
كما يتضمن معنى المسارعة الجد والرغبة في الأمر لذا عدى بفي، فالمسارعة إذن: "المبادرة والمضي إلى الأمر بجد وهمة ونشاط ورغبة وإقبال والتقدم فيه متمكناً من غير بطء ولا توان ولا تقصير".
وقد يكون في الخير، وقد يكون في الشر، كما في قوله تعالى: "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ" (52: المائدة).
فهؤلاء المنافقون يبادرون ويخفون نحو أوليائهم من اليهود الراغبين فيهم غير متوانين في نصرتهم.
إننا إذا تأملنا معنى المسارعة لغة ندرك سر إيراد القرآن لها دون غيرها في مواطنها؛ إما صفة للمؤمنين أو دعوة لهم كما سيرد تفصيل ذلك، كما ندرك سر وصف المنافقين بها في إسراعهم نحو الشر والباطل، وندرك أيضاً سر وصف أحوال الناس في يوم الحشر "يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا" (43: المعارج) "يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا" (44: ق).
المسابقة لغة:
السبق: "أصل صحيح يدل على التقدم"، ويقال: "سبق يسبق سبقاً أي تقدم في السير أو في غيره من الحسيات والمعنويات، والاستباق هو التسابق الذي يكون بين أكثر من واحد، وكل منهم يبذل وسعه ليسبق غيره، وسابقه باراه في السير، وأسبق القوم إلى الأمر وتسابقوا بادروا"، واستبقا تباريا.
فأصل السبق التقدم في السير، ثم يتجوز به في غيره من التقدم، قال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ" (11: الأحقاف) وقال تعالى: "سبقت من ربك" (14: الشورى) أي نفدت وتقدمت، ويستعار السبق لإحراز الفضل والتبريز، وعلى ذلك قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ" (10: الواقعة) أي المتقدمون إلى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة.
والسبقُ من الخيل المبكرة بالحمل، ويأتي السبق ليدل على فوات أمر، يقال: سبق الطريد أي فات من الطلب، وعلى هذا قوله تعالى: "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَـاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَـا يَحْكُمُونَ" (4: العنكبوت) وقوله تعالى: "فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ" (39: العنكبوت) تنبيه أنهم لا يفوتوننا.
ومثله قوله تعالى: "وما نحن بمسبوقين" (41: المعارج) أي لا يفوتوننا، وقوله: "فاستبقوا الصراط" (66: يس) أي جاوزوه وتركوه حتى ضلوا، قال الأزهري: "جاء الاستباق في كتاب الله بثلاثة معان مختلفة، أحدها: قوله عز وجل: "إنا ذهبنا نستبق" (17: يوسف)، قال المفسرون معناه ننتضل في الرمي، أي المسابقة في الرمي.
وقوله عز وجل: "واستبقا الباب" (25: يوسف) معناه ابتدرا الباب، يجتهد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه... والمعنى الثالث في قوله تعالى: "وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ" (66: يس) معناه تجاوزوا الصراط وخلفوه، وهذا الاستباق في هذه الآية من واحد، والوجهان الأولان من اثنين، لأن هذا بمعنى سبقوا والأولان بمعنى المسابقة.
ففي المسابقة معنى التقدم والمبادرة والإسراع، وتدل على وجود متسابقين، مما يفيد بذل غاية الجد والاجتهاد لتحصيل السبق والفوز على الآخر.
وهؤلاء السابقون في الخير هم ممن بادروا إلى بذل غاية جدهم واجتهادهم وطاقتهم ليكون لهم التقدم، وتحقيق معنى الانتصار على الغير، فهم يسابقون الهوى فينتصرون عليه بتحقيق مراد الله فيهم، وهم يسابقون الشيطان فينتصرون عليه بطاعة الله تعالى، كما أنهم يسابقون الخيرين ليكونوا متقدمين بينهم.
الفرق بين المسارعة والمسابقة:
كلاهما فيه معنى المبادرة والجد في الأمر وعدم البطء فيه والإقدام وعدم التواني والتقصير، إلا أن المسارعة تتعلق بذات العامل بقطع النظر عمن ينافسه في ذلك، فهو يجد ويجتهد أبلغ الاجتهاد لذاته، يحركه ما يراه من واجب عليه في ذات الأمر... وهذا لا يكون إلا لمن علت همته وسمت اهتماماته.
أما المسابقة فتكون حال وجود قرين يسابق فتجتهد لتحصيل السبق، فيكون وجود القرين المسابق المخالف دافعاً لك لمزيد من بذل الجهد والتحري.
كما يلحظ في المسارعة خشية فوات الفرصة، كما يظهر فيها جانب ضيق الوقت خشية عدم إدراكه، فهو يسارع لذلك، وفي المقابل يلحظ في المسابقة ظهور النتيجة، وهي مادية واضحة.
الألفاظ ذات الصلة:
ومن الألفاظ المتصلة بموضوعنا:
- المبادرة، ولها أصلان في اللغة، الأصل الأول يدل على كمال الشيء وامتلائه، ومنه قولهم لكل شيء تمّ: بدر، وسمي البدرُ بدراً لتمامه وامتلائه.
والمعنى الثاني: الإسراع إلى الشيء ومنه قوله تعالى: "وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِداراً" أي مسارعة، وبادر الشيء مبادرة وبداراً أي عاجله وأسرع إليه، وبدرت دمعته إذا سبقت.
وبين المعنين صلة فإنه من بادر إلى الخيرات بالإسراع والمعاجلة إليها يكون سائراً على طريق التحقق بالكمال والتمام في شأنه كله.
- المنافسة، واشتقت من النفاسة، فيقال لكل شيء ذي خطر وشأن نفيس، والمتنافس: يبرز أعلى ما عنده فيما فيه خطر وشأن، وهي في اصطلاحهم "مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل والُّلحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره ، ومن ذلك قوله تعالى: "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ" (26: المطففين) وهي إذن تدل على علو همة، وطلب الأعلى شأناً، وإبراز كل ما هو نفيس ذي خطر وشأن عندك.
- العجلة، الأصل في العجلة طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشهوة فلذلك صارت مذمومة في عامة القرآن، وفي الحديث (التأني من الله والعجلة من الشيطان)، أبو يعلى، مسند أبي يعلى، رقم 1054 والبيهقي، السنن الكبرى، ج 10، ص 104، وهو حديث صحيح، ومن ذلك قوله تعالى: "خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ " (37: الأنبياء) "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ" (6: الرعد) "وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً" (11: الإسراء) "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا" (18: الإسراء) "وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى" (83: طه).
إلا أن العجلة وردت في كتاب الله في موضعين في سياق محمود:
الأول:
في قوله تعالى على لسان موسى: "وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى" (84: طه) فكأن المقام وإن كانت العجلة لذاتها مذمومة، ومن وقع فيها لم يكن محموداً، فقال له ربه: "وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ " إلا أنه إذا كانت طلباً لرضا الله سبحانه وتعالى فتكون أمراً محموداً مطلوباً، وثمة لفت نظر دقيق هنا: "أن الإنسان قد يطلب أمراً محموداً مطلوباً لكنه إذا لم يقم به على الوجه الصحيح والتأني بما يقتضيه سلامة التحقق به فقد يؤدي إلى عكس المراد منه".
الثاني:
في سورة الفتح "فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا" (20: الفتح).
قال المفسرون:
فعجل لكم هذه أي فتح خيبر، ويلاحظ هنا أنه عبر عما قدم للمؤمنين من غنائم وفتح سريع بلفظ التعجيل، وكأنه لفت نظر أن لا يلتفتوا إلى ما في هذه الأمور الدنيوية لذاتها، فإنها من العاجلة التي لا يحسن بالمؤمنين التطلع إليها لذاتها إلا أن تكون في ظل الإيمان والطاعة وقصد وجه الله سبحانه، كما وردت في سياق التعجل في منى على وجه الإباحة مشروطاً بالتقوى، مما يؤكد أن العجلة تصرف لما ليس بمحمـود ابتداءً.
ومما سبق يتبين لنا جواب من يسأل: ألا تتعارض فضيلة المسارعة والمسابقة مع قوله صلى الله عليه وسلم: (التأني من الله والعجلة من الشيطان)، فقد تبين لنا أن المسارعة والمسابقة تكون ابتداء ولغة في الخير أو الشر لكن المطلوب منك أن تسارع إلى ما هو محمود، فالمسابقة والمسارعة مشروطة دائماً أن تكون إلى الخيرات وفي القربات، وأن تغتنم الفرص فإنها لا تعوض، كما قال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" الحاكم، المستدرك على الصحيحين، كتاب الرقاق، ج4، ص 306، وهو حديث صحيح.
أما العجلة فتكون في طلب ما لم يحن أوانه، فمن الأمور ما يحمد فيها التأخير وحقها التأني فيها وحصولها على مهل وتدرج فمن تعجل فيها لم يكن محموداً، لأنه تعجل في غير مكانه.
يتبع إن شاء الله...