منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers (إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..) |
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)
(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
|
|
| الفراسة فى القرآن الكريم | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الفراسة فى القرآن الكريم الخميس 31 مارس 2011, 5:53 pm | |
| الفراسة فى القرآن الكريمجامعة الأزهركلية الدراسات الإسلامية والعربيةجامعة الملك فيصل بالأحساءكلية الآداب الفراسة فى القرآن الكريم
إعدادأ د/ عبد الشافى أحمد على الشيخأستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك المقدمة
الحمد لله وحده،والصلاة والسلام على من لا نبى بعده، سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم".
من نعم الله تعالى الوفيرة وعطاياه الجزيلة أن أرسل إلينا أفضل رسله، فادخره لنا وادخرنا له، وأنزل عليه أفضل كتبه وأشملها، وهو القرآن الكريم،ذلك الكتاب الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وقد ضمن الله تعالى هذا الكتاب علم الأولين والآخرين حتى تتحقق هذه الهيمنة التى أشار إليها القرآن ذاته بقوله: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ".
فحَوى القرآن الكريم علوما كثيرة بجانب مهمته الأساسية وهدفه الأكبر وهو هداية الناس إلى طريق الصواب.
ومن العلوم والفنون والتى لها وجود فى واقع الناس المعاش ولها أيضاً أصل فى كتاب الله وأردت أن ألقى عليها بصيصاً من الضوء.
ما يُطلق عليه العلماء (عِلْمُ الفَرَاسَة)
وكان هذا من أهم الأسباب التى دفعتنى إلى اختيار لهذا الموضوع، بجانب أننى لم أر-حسب علمى- مَنْ أفرد لهذا الموضوع "الفراسة فى القرآن" مؤلفاً خاصَّاً فأردتُ أن يكون لى فيه نصيب. طريقتى فى هذا البحث:
قسمت البحث إلى مقدمة تمهيد وأربعة مباحث وخاتمة.المبحث الأول: عرفت فيه بالفراسة لغة واصطلاحا، ودليلها، وأسبابها ودرجاتها وأقسامها، وكيفية التفرس.المبحث الثانى: عرضت فيه لمسألة القضاء بالفراسة وحكمها.المبحث الثالث: وفيه عرض لمواطن الفراسة فى القرآن الكريم وهى أربعة مواطن ملحقة بها مواطن أخرى على سبيل الإجمال.المبحث الرابع: عرضت للفراسة فى السنة النبوية والتى لا يمكن فصلها عن القرآن الكريم: "إن هو إلا وحى يوحى"، ثم عرضت لنمادج من فراسة الصحابة أمثال أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، وكذا نماذج من فراسة غيرهم واللذين اشتهرت عنهم الفراسة.ثم كانت الخاتمة والتى اسأل الله أن يصلحها لنا جميعاً. منهجى فى البحث:
حرصت أن أنقل من المراجع الأصيلة كل فى مجاله.خرجت الآيات القرآنية وكذا الأحاديث النبوية الشريفة من مصادرها الأصلية.عزوت الأقوال والآراء إلى اصحابها.وحسبى أنها محاولة جادة، ومعايشة صادقة مع كتاب الله، أسأل الله ألا يحرمنى من ورائها الأجر يوم القيامة. القرآن الكريم ما زال عطاؤه مستمراً فهو بحر زاخر بشتى العلوم ونواحى المعرفة ذاك أنه ليس مجرد كتاب عادى، بل هو ما تحدى الله به البشر وهو المعجزة الخالدة التى قهرت جميع العصور والأزمان.
ودائماً ما نرى القران الكريم سبَّاقاً إلى كل جديد.
فما من اكتشاف تأكَّدت صحته إلا ووجدنا له أصلاً فى كتاب الله تعالى.
وصدق النبى فى إشارته إلى هذا المعنى فقال عند وصفه للقرآن الكريم: "لا تنقضى عجائبه، ولا يخلق –أى لا يبلى– على كثرة الرد" وهكذا كلما أخذنا من فيضه عاد بكراً، وما زال فى القرآن جواهر ولآلئ تنتظر مَنْ يغوص بحثاً عنها.
وعلى قدر الصدق فى البحث عنها يكون العطاء أن شاء الله تعالى، وطمعاً منى أن أكون لبنة في هذا الصرح التليد المجيد الذي يلتف من خلاله العلماء حول القران الكريم فتتجاذبه يد الاهتمام بمعاول الجد والمثابرة يدفعها الغيرة على كتاب الله وتحدوها العقيدة السليمة الصحيحة ويقننها الاعتدال والتوسط دون إفراط أو تفريط.
وحِسْبَةً لله وحده أردتُ أن يكون بحثى هذا سهماً من سهام الخير التى تنطلق من القران الكريم وجعلت عنوان موضوعه هو: "الفراسة فى القران الكريم".
والله من وراء القصد. المبحث الأول
تعريف الفراسة* وقبل الرمى يراش السهم فقبل الدخول فى تفاصيل الفراسة ونحن على أعتابها يجدر بنا أن نعرفها تعريفا يجلو عنها الجهالة وينفى عنها الالتباس ولننظر إليها من زاويتين: "اللغة، والاصطلاح". أولاً الفراسة فى اللغة:
الفراسة فى اللغة هى التثبت والنظر وقيل الفراسة هى العلم يقولون الله أفرس أى الله اعلم والفِراسة هى بكسر الفاء من قولك تفرست فيه خيراً، وهو يتفرَّس أى يتثبت وينظر ويُقال رجل فارس النظر ومنه الحديث: "اتقوا فراسة المؤمن". وقال صاحب تاج العروس:
"الفراسة اسم من التفرس وهو التوسم، وقال ابن القطاع الفراسة بالعين إدراك الباطن.
واستعمل الزجاج منه أفعل فقال أفرس الناس اى أجودهم وأصدقهم. وهكذا وجدنا علماء اللغة عندما تناولوا تعريف الفراسة يدور كلامهم من خلالها حول النظر والتثبت وهو ما سنبنى عليه كلامَنا فى هذا البحث إن شاء الله تعالى.
أمَّا الفراسة فى الاصطلاح:
اختلفت حولها ألفاظ العلماء لكن جميعها يصب فى معين واحد وهو "الظن الصائب الناشئ عن تثبيت النظر فى الظاهر لإدراك الباطن". والتعبير بالظن جاء تأدبا مع علم الله تعالى لأنه نوع من الغيب المسموح بالخوض فيه، ومعلوم أنه لا يتكلم عن الغيب بصيغة الجزم إلا الله تعالى فى كتابه أو من ساء أدبه فى التعامل مع الله تعالى كحال اليهود الذين تجرأوا على الله تعالى فقالوا: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة".
وعليه فالفراسة لا تعدوا أن تكون ظناً لكنه ترجح بأحد المرجحات أو أكثر وهذا الظن ليس وحياً شيطانياً من غير أساس قويم بل له قواعد وأسس.
ومن هنا أطلقوا عليه لفظ "علم" فالعلم هو ما يقوم على قواعد وأسس ثابتة، لذا قيد بأنه ظن صائب حتى لا يختلط بالظن المذموم فى قوله تعالى: "اجتنبوا كثيرًا من الظن".
وغالباً ما يكون للأشياء ظاهر وباطن وبإنعام النظر فى الظاهر يستدل به على الباطن لكن: "وَمَا يُلقَّاهَا إلّا ذُو حَظٍ عَظِيمٍ".
فالفراسة ليست لكل الناس لكن للأصفياء من خلق الله، ولكن منها أيضاً ما يستطيع الإنسان أن يحصلها إذا أتى بأسبابها كما سيأتى فى موطنه إن شاء الله.
وإن كان غالباً ما تكون هبة وعطاء من الله دون تحصيل أسبابها ولعل قصة سيدنا موسى مع الخضر، ابرز مثال على ما نقول ولذا عبَّر القران عن علم الخضر بأنه علم لدنى: "وَعَلّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا".
يقول ابن الأثير: "هى أى الفراسة بمعنيين:
أحدهما: ما دل عليه ظاهر الحديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" أى ما يوقعه الله فى قلوب أوليائه فيعلموا به أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدث. والثانى: نوع يعلم بالدلائل والتجارب والخَلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس.
ويُفهم من كلامه أن الفراسة منها ما هو مترتب على النظر والاستدلال وممارسة المقدمات والحصول من خلالها على النتائج، ومنها ما يصبه الله فى قلب من شاء من عباده صباً كنوع من الكرامة وهو المشهور والمتعارف عليه بين الناس.
وعليه فالفراسة فى غالبها هبة وعطاء من الله تعالى يختص بها مَنْ صفت معاملته مع الله.
ويمكننا القول بأن الفراسة هى: "الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية" وهى تفيد فى مجالات كثيرة كالأخلاق والطبائع ومعرفة ما خفى من صفات الإنسان بناء على ما ظهر منها.
وقد أكَّدَ العلم على العلاقة الوثيقة بين ظاهر الإنسان من لون وشكل وأعضاء وبين باطنه أى خلقه وصفاته الخفية.
دليلها:
إذا نظرنا فى الفراسة نجد أن لها أصلا فى كتاب الله تعالى وفى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأيضاً فى كلام الأئمة الإعلام كما نلاحظ أيضاً أنها مقرونة غالباً بالصالحين وفيها علامة محبة الله لبعض عباده، فيختص بها أصفياءه وأولياءه، وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسُّنَّة على أن هذه الصفة غالباً ما تكون للصالحين. قال تعالى: "وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ".
فالآية خطاب لسيدنا محمد رسول الله وفيها يمن الله على رسوله بهذا العطاء عطاء التفرس وعطاء الاستدلال بالظاهر على الباطن فهى هبة من الله أن يستدل النبى على خبث طوية اليهود والمنافقين وما يكنوه من حقد دفين وعداء ظاهر وباطن لدين الله وأتباعه وذلك كله من خلال لحن القول وهو أمر ظاهر.
بل الأكثر من هذا أن القرآن ذاته قد دعى الى التفرس والتوسم والاستدلال بالظاهر على الباطن كلَ ذى لب فقال تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ".
روى الترمذى من حديث أبى سعيد الخدرى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "للمُتوسِّمين أى للمُتفرسِّين"وهو أيضاً مروى عن مجاهد.
والتَّوَسُّم هو الفعل من الوسم وهى العلامة التى يستدل بها على مطلوب غيرها.
يُقال تَوَسَّمْتُ فيه الخير إذا رأيت ميسم ذلك فيه ومنه قول عبد الله بن رواحة للنبى -صلى الله عليه وسلم-: "إنى تَوَسَّمْتُ فيك الخير أعرفه، واللهُ يعلمُ إنى ثابت البصر".
على حَدِّ قول الشاعر
توسمته لما رأيت مهابة عليـهوقلت الـمــرء مـن آل هـاشـم واتسَّم الرجل إذا جعل لنفسه علامة يُعرف بها.
وأنشدوا:
وأصبحن كالدوم النواعم غدوة على وجـهـة من ظاعن متوسم وقال ثعلب: "الواسم: الناظر إليك من فرقك الى قدمك".
وأصل التوسُّم التثبت والتفكر، وذاك يكون بجودة القريحة وحدة الخاطر وصفاء الفكر وتفريغ القلب من حشو الدنيا، وتطهيره من أدناس المعاصى وكدورة الأخلاق وفضول الدنيا، روى نهشل عن ابن عباس "للمتوسمين: قال لأهل الصلاح والخير وزعمت الصوفية أنها كرامة.
قال الحسن:
المتوسمون هم الذين يتوسمون الأمور فيعلمون أن الذى أهلك قوم لوط قادر على أن يهلك الكفار فهذا من الدلائل الظاهرة. وروى الترمذى أيضاً من حديث أبى سعيد الخدرى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ: إن فى ذلك لآيات للمتوسمين"، وقال الترمذى حديث غريب.
فانظر كيف امتدح الله بالفراسة بعض عباده الذين يستنبطون الأمور وينعمون النظر فى الأشياء فيستدلون بالظاهر على الباطن.
فالآيتان تدلان على أن الفراسة غالبا ما تكون من عطاء الله للصالحين، وينص عليه أيضاً حديث النبى -صلى الله عليه وسلم- الذى سبق الإشارة إليه: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، وروى أيضاً أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لكل قوم فراسة وإنما يعرفها الأشراف".
والحديثان أيضاً يؤكدان ما أشارت إليه الآيتان من قبل أنها عطاء الله للصالحين ولذا حددها النبى تارة بالمؤمن وتارة بالأشراف.
وبالطبع الشرف عند النبى -صلى الله عليه وسلم- لا يقوم على أساس المادة بقدر ما يقوم على أساس الصلاح.
وروى أيضاً عن النبى -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم" فهو نور بصيرة لِمَنْ اختصَّهُ اللهُ بها ويُسمّيها العلماء الفراسة الإيمانية.
فأصلها هو الحياة والنور اللذان يهبهما الله تعالى لمن يشاء فيستنير القلب وبالتالى لا يكاد تخطئ له فراسة قال تعالى: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".
ولذا يقول شاه بن شجاع الكرمانى: "مَنْ عَمَّرَ ظاهره باتباع السُّنَّةِ وباطنه بدوام المُراقبة وغَضَّ بصره عن المحارم وكَفَّ نفسه عن الشهوات واعتاد أكل الحلال لم تُخطئ له فراسة.
ويُرجع ابن تيمية سببَ الفراسة إلى الصلاح والالتزام بتقوى الله فينير الله القلب قال رحمه الله: "وسر هذا أن الجزاء من جنس العمل، فمَنْ غَضَّ بصره عمَّا حَرَّمَ الله عليه، عوَّضَهُ الله من جنسه ما هو خير منه، فكما أمسك نور بصره عن المُحرَّمات أطلق الله له نور بصيرته وقلبه، فيرى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله".
لذا قالوا إن من فوائد غض البصر أنه يورث نور القلب والفراسة وقد ذكر الله تعالى آية النور عقيب آية غض البصر فى سورة النور: "الله نور السماوات والأرض" بعد قوله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم".
ومعلوم أن ثمَّة فرق بين الفراسة وبين الظن عموماً.
لذا قيدت الفراسة بأنها ظَنٌ صائب.
أمَّا الظن فيُصيب ويُخطئ، كما أن الظن يكون مع الطاعة ومع المعصية بل يكون مع حياة القلب أو مرضه أو حتى موته ومنه ما هو حرام لذا قال تعالى ناصحاً عباده المؤمنين بتحاشى هذا النوع من الظن لأنه مذموم فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا".
أمَّا الفراسة والإلهام فهما يتجاذبان مرتبة واحدة إذا كانت من النوع الأول والذى سبقت الإشارة إليه.
بينما يقدم بعض العلماء الإلهام على الفراسة من وجه فيقول صاحب المنازل ما رواه عنه ابن القيم فى كتابه القيم مدارج السالكين: "وقال صاحب المنازل: الإلهام هو مقام المحدثين وهو فوق مقام الفراسة لأن الفراسة ربما وقعت نادرة واستصعبت على صاحبها وقتاً أو استعصت عليه والإلهام لا يكون إلا فى مقام عتيد...".
فانظر كيف تقترب الفراسة من الإلهام إن لم تساوها فهى على أقل تقدير مقام من المقامات المُعتبرة وهذا على حَدِّ تعبير ابن القيم فى النص الذى سقناه إليك.
ومع هذا فقد وجدنا من العلماء مَنْ يجعل الفراسة صفة لازمة لا تنفك عن صاحبها لا يخلو منها وقتاً من الأوقات.
سُئِلَ الإمام الجنيد -رحمه الله- عن الفراسة فقال هى مصادفة الإصابة، فقيل له هى للمُتفرِّس فى وقت المُصادفة أو على الأوقات؟ قال لا بل على الأوقات لأنها مُوهَبة فهى معه كائنة دائمة".
وبالتأكيد فإن الجنيد فى هذا الرأى إنما يقصد الفراسة بالمعنى الأول التى هى بمعنى عطاء الله تعالى للخواص.
ولا يدخل فيها النوع الثانى أى الاستدلال بالمقدمات على النتائج.
لأنه لَمَّا سُئِلَ أيضاً عن الفراسة فقال: "آيات ربانية تظهر فى أسرار العارفين فتنطق ألسنتهم بذلك فتصادف الحق" فقصرها هنا على العارفين المستحقين لفيوض الله عليهم بهذه البركات.
وعليه فكل من رزق قرب النوافل، فهو ينظر للأشياء بنور الله فيدرك فيها ما لايدركه غيره وفى الحديث القدسى: "لا يزال عبدى يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحِبَهُ فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به...".
أسباب الفراسة:
أمَّا عن أسبابها فيذكر الإمام ابن القيم أن للفراسة سببين:احدهما: جودة الذهن لدى المتفرس وحدة قلبه وحسن فطنته.والثانى: ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه، فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطئ للعبد فراسة، وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة وإذا قوى احدهما على الأخر كانت فراسته بين بين". وعليه:
فالفراسة منها ما هو حالة إيمانية تزيد وتقوى بزيادة أسبابها وتضعف بضعف أسبابها، ومَنْ أراد أن يتلقى فيض الفراسة فعليه أن يتزوَّد ويتسلَّح بالآتي:*الإيمان العميق بالله.*الإخلاص لله فى السّر والعلن.*الإكثار من ذكر الله.*صفاء الفِكْر وحِدَّةِ الخاطر.*طهارة القلب من الشهوات والشبهات.*تفريغ القلب من هموم الدنيا.*الابتعاد عن المعاصى والذنوب.*التخلُّق بالأخلاق الحسنة فى الظاهر والباطن.*تقوى الله وحُسن مراقبته فى السّر والعلن.*تحرّى أكل الحلال.*غض البصر عَمَّا حَرَّمَ الله.*تعمير الباطن بالمُراقبة والظاهر باتباع السُّنَّة.*الصدق فإن الكاذب لديه عمى وضباب، وعدم وضوح الرؤية لنفسه فكيف لغيره. بهذا وغيره من ألوان التقرُّب إلى الله تصفو للإنسان حياته ويصير صالحاً ومستعداً لهبوط فيض الله عليه ومنها الفراسة.
ونذكر هنا بما قاله شاه بن شجاع الكرمانى وكان لا تخطئ له فراسة: "مَنْ عَمَّرَ ظاهره باتباع السُّنَّةِ وباطنه بدوام المُراقبة وغَضَّ بصرهُ عن المحارم وكَفَّ نفسه عن الشهوات، والله تعالى يجزى العبد على عمله بما هو من جنس عمله فغض بصره عما حرم يعوضه الله عليه من جنسه بما هو خير منه فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال بصيرة القلب".
درجات الفراسة:
ذكر الإمام ابن القيم فى مدارج السالكين أن للفراسة درجات ثلاث:الدرجة الأولى:فراسة طارئة نادرة تسقط على لسان وحشى، فى العمر مرة لحاجة سمع مريد صادق إليها لا يتوقف على مخرجها ولا يؤبه لصاحبها وهذا شيئ لايخلص من الكهانة وما ضاهاها. يريد بهذا النوع فراسة تجرى على ألسنة الغافلين الذين ليست لهم يقظة أرباب القلوب فلذلك قال: طارئة نادرة تسقط على لسان وحشى الذى لم يأنس بذكر الله.
وقوله لحاجة مريد صادق: يشير إلى حكمة إجرائها على لسانه وهى حاجة المريد الصادق إليها.
فإذا سمعها على لسان غيره كان أشد تنبهاً له وكانت عنده أعظم موقعاً.
وقوله: ولا يوقف على مخرجها: يعنى لا يعلم الشخص الذى وصلت إليه واتصلت به ما سبب مخرج هذا الكلام.
وقوله: وهذا شيئ لا يخلص من الكهانة يعنى أنه من جنس الكهانة وأحوال الكهان، وما شابهها من سائر أفعال الضلال والإلباس.
الدرجة الثانية:
فراسة تجنى من غرس الإيمان وتطلع من صحة الحال وتلمع من نور الكشف، وهذا النوع من الفراسة مختص بأهل الإيمان ولذلك قال تجنى من غرس الإيمان، وشبه الإيمان بالغرس لأنه يزداد وينمو ويزكو على السقى، ويؤتى أكله كل حين بإذن ربه، وأصله ثابت وفرعه فى السماء، فمن غرس الإيمان فى أرض قلبه الطيبة الزكية وسقى ذلك الغراس بماء الإخلاص والصدق والمتابعة كان من بعض ثمره هذه الفراسة. قوله: وتطلع من صحة الحال: فكلما كان الحال أصدق وأصح فالفراسة كذلك.
وقوله: وتلمع من نور الكشف: يعنى أن نور الكشف من جملة ما يولد الفراسة بل أصلها نور الكشف، وقوة الفراسة بحسب قوة هذا النور وضعفه وقوته بحسب قوة مادته وضعفها.
الدرجة الثالثة:
فراسة سرية لم تجتلبها روية على لسان مصطنع تصريحاً أو رمزاً. قوله سرية يحتمل وجهين:
الأول: سرى أى شريف فالرجل السرى هو الرجل الشريف ومنه ما ورد فى قوله تعالى: " قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا" أى سيداً مُطاعاً وهو المسيح -عليه السلام-. الثانى: سرى من الأسرار التى هى عكس الظواهر فهى متعلقة بالأسرار.
قوله: لم تجتلبها روية: أى لا تكون عن فكرة بل تهجم على القلب هجوماً لا يُعرف سببه.
قوله: على لسان مصطنع أى مختار مصطفى على غيره، تصريحاً أو رمزاً: يعنى أنه يخبِر بهذه الفراسة تارة بالتصريح وتارة بالتلميح إمَّا ستراً لحاله وإمَّا صيانة لِمَا أخبر به عن الابتذال ووصوله إلى غير أهله وإمَّا لغير ذلك من الأسباب، والله أعلم.
أقسام الفراسة:
وكغيرها من الظواهر تناولها العلماء بالشرح والتقسيم وبيان فوائدها وأحوالها وأسبابها وغير ذلك. وعندما أراد العلماء أن يُقَسِّمُوا الفراسة نظروا إليها من أكثر من زاوية وهكذا دأب العلماء الحاذقين.
لذا وجدنا وجهات نظر مختلفة وإن كان الكل يَصُبُّ فى مَعِينٍ وَاحِدٍ.
فعندما نظروا للفراسة ذاتها باعتبار المصدر أو الظاهرة قَسَّمُوهَا إلى قسمين:
وعندما نظروا إلى الفراسة باعتبار المتفرس أو مَنْ يُمارسها قَسَّمُوهَا إلى ثلاثة أقسام وهاك البيان.
ذكر الإمام ابن القيم فى مدارج السالكين أن الفراسة على نوعين:
فراسة علوية شريفة مختصة بأهل الإيمان، وفراسة سفلية دنيئة. هذا إجمالاً أمَّا على التفصيل فقد ذكر رحمه الله الآتى:
*أما الفراسة السفلة الدنيئة فهى مشتركة بين المؤمن والكافر، وهى فراسة أهل الرياضة والجوع والسهر والخلوة وتجريد البواطن من أنواع الشواغل فهؤلاء لهم فراسة كشف الصور والإخبار ببعض المغيبات السفلية التى لا يتضمن كشفها والإخبار عنها كمالاً فى النفس ولا زكاة ولا إيماناً ولا معرفة وهؤلاء لا تتعدَّى فراستهم هذه السفليات لأنهم محجوبون عن الحق تعالى فلا تصعد فراستهم إلى التمييز بين أوليائه وأعدائه وطريق هؤلاء وهؤلاء... ومن خلال كلام ابن القيم عن هذا النوع الأول نجد أنه جعله قسماً مشتركاً بين المؤمن والكافر فلم يشترط فيه ديناً ولا خُلُقاً، وقصر فقط على الأمور السفلية لأنه فى هذه الحالة عطاء بشرى مادى يتوصل إليه بأسبابه ومقدماته، ولا شك أن هناك فارقاً بين عطاء البشر وبين عطاء رَبِّ البشر كالفارق بين الخالق والمخلوق.
وعليه:
فسوف نجد أن النوع الثانى من الفراسة والذى هو عطاء الله لِمَنْ اصطفاه من خلقه لا تَحُدُّهُ حدود ولا يقف عند مستوىً بعينه فهو عطاء خالق القوى والقدر لذا قال عنها ابن القيم: وأمَّا فراسة الصادقين العارفين بالله وأمره فإن همتهم لَمَّا تعلقت بمحبة الله ومعرفته وعبوديته ودعوة الخلق إليه على بصيرة كانت فراستهم متصلة بالله، ومتعلقة بنور الوحى مع نور الإيمان فميَّزت بين ما يحبه الله وما يبغضه، وميَّزت بين الخبيث والطيب، ففراسة هؤلاء دائماً حائمة حول كشف طرق الرسول وتعرفها وتخليصها من بين سائر الطرق... فهذا أشرف أنواع البصيرة والفراسة وأنفعها للعبد فى معاشه ومعاده". وهكذا فرَّق الإمام بين ما هو عطاء الله وبين ما يتوصل إليه الإنسان بأسبابه ومقدماته والذى يشترك فيه المؤمن مع الكافر والمطيع مع العاصى.
كان هذا تقسيماً للفراسة من حيث المصدر لكن إذا نظرنا إليها باعتبار مَنْ يُمارسها أى المتفرس فهى على ثلاثة أقسام:
1- فراسة إيمانية:وهى نور يقذفه الله فى قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل، وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب كوثوب الأسد على الفريسة وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمَنْ كان أقوى إيماناً فهو أحَدُّ فراسة. قال أبو سعيد الخراز:
"مَنْ نظر بنور الفراسة نظر بنور الحق فتكون مواد علمه مع الحق بلا سهو ولا غفلة بل حكم حق جرى على لسان عبده". وقال الواسطى:
"الفراسة شعاشع أنوار لمعت فى القلوب وتمكن معرفة جملة السرائر فى الغيوب، من غيب إلى غيب حتى يشهد الأشياء من حيث أشهده الحق إيَّاها فيتكلم عن ضمير الخلق". وهكذا جعلت الفراسة هنا حالة إيمانية يعيشها مَنْ صفت نفسه وحسن تأدبها مع الله، وغالباً لا يكون للعبد جهد فيها إلا أنه ارتقى فى خُلُقِهِ حتى اصطفاه الله فوهبه من لدنه هذا الفضل، ولعل هذا ما عناه ابن القيم بقوله: "تهجم على القلب كهجوم الأسد على الفريسة".
وعليه فلا يبعد أن تكون كرامة لولى من الأولياء ومعلوم أن مقام الولاية لا يُدَّعَى، أى لا يدَّعِيهِ الإنسانُ لنفسه، كذا الفراسة لا يدَّعيها الإنسان لنفسه بل تظهر عليه.
ولم يأمرنا النبى بأن نتفرَّس بل أمرنا أن نتقى فراسة الغير فلم يقل تفرَّسوا وإنما قال: "اتقوا فراسة المؤمن" فلا يدَّعيها الإنسان بل ينظرها فى غيره ويستفيد منها وهذا هو الأليق بمقام الولاية.
2- فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلى:
فإن النفس إذا تجرَّدت من العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان ولا على ولاية وكثير من الجهال يغتر بها، فللأطباء –مثلاً– فراسة معروفة من حذقهم فى صناعتهم. يتبع إن شاء الله تعالى..
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 07 يونيو 2021, 4:20 am عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الفراسة فى القرآن الكريم الخميس 31 مارس 2011, 5:56 pm | |
| وإذا استحضرنا ما سبق ذكره من تقسيم الفراسة إلى قسمين فلا نكاد نجد فارقا بينهما يذكر وهكذا كانت إشارتنا من قبل أن الخلاف لفظى والكل فى النهاية يصب فى معين واحد . 3- الفراسة الخِلقِية :وهى التى صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخِلق على الخٌلق لما بينهما من الارتباط الذى اقتضته حكمة الله كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل وبكبره على كبر العقل وبسعة الصدر وبعد ما بين جانبيه على سعة خلق صاحبه واحتماله وبسطته، وبخمود العين وكلال نظرهما على بلادة صاحبها ،وبتدويرها مع حمرتها وكثرة تقلبها على خيانته ومكره وخداعه .....
وقال أصحاب الفراسة إذا كان الرجل طويل القامة واللحية فاحكم عليه بالحمق وإذا انضاف إلى ذلك أن يكون رأسه صغيرا فلا تشك فيه . وقال بعض الحكماء: موضع العقل: الدماغ ، وطريق الروح: الأنف وموضع الرعوفة طويل اللحية .
وعن سعد بن منصور أنه قال :قلت لأبى إدريس :أرأيت سلام بن أبى حفصة ؟ قال: نعم رايته طويل اللحية وكان أحمقا وأصل هذه الفراسة أن اعتدال الخلقة والصورة هو من اعتدال المزاج والروح وعن اعتدالها يكون اعتدال الأخلاق والأفعال وبحسب انحراف الخلقة والصورة عن الاعتدال يقع الانحراف فى الأخلاق هذا إذا خليت النفس وطبيعتها ولكن صاحب الصورة والخلقة المعتدلة يكتسب بالمقارنة والمعاشرة أخلاق من يقارنه ويعاشره ولو أنه من الحيوان البهيم فيصير من أخبث الناس أخلاقا وأفعالا وتعود له تلك طباعا ويتعذر أو يتعسر عليه الانتقال عنها وكذلك صاحب الخلق أو الصورة المنحرفة عن الاعتدال يكتسب بصحبة الكاملين بخلطتهم أخلاقا وأفعالا شريفة تصير له كالطبيعة فإن العوائد والمزاولات تعطى الملكات والأخلاق.
فليتأمل هذا الموضع ولا يعجل بالقضاء بالفراسة دونه فإن القاضى حينئذ يكون خطؤه كثيرا ،فإن هذه العلامات أسباب لا موجبة وقد تتخلف عنا أحيانا لفوات شرط أو لوجود مانع .........
ورحم الله ابن القيم حيث أوضح وشدّد على أن هذه العلامات أسباب وهى غير موجبة لأن العلاقة بين الشكل والملامح وبين الأخلاق علاقة غير وطيدة ، فالإنسان لا يكتسب ملامحه ولا سماته الخلقية بينما يكتسب الإنسان الأخلاق والسلوك من بيئته التى يعيشها ، فلو تربى طفل آدمى مع حيوانات فقط ولم يعاشر أيا من الإنس فلن ينقلب الطفل حيوانا قط بينما يكتسب من بيئته التى يعيش فيها أخلاقا وسلوكيات خاصة . كيفية التفرس :
إن المتفرس إذا أراد ممارسة الفراسة فيمن يخاطبه فلا بد أن يستعين بأعضائه ، فينظر إلى أفعاله جيدا ويصغى إلى كلامه بدقة ويمرر كل هذا على قلبه فيجيز ويمنع حسب قوة إدراكه.
فصاحب الفراسة يستعين بعينه وأذنه وإدراكه أو قلبه ،وهذا كله بالطبع يكون فى الفراسة التى يتوصل إليها الإنسان بالأسباب وليس ما يصبها الله فى قلب من يريد ، وعليه فلابد للمتفرس أن يحسن استعمال إذنه وبصره حتى يستطيع ممارسة الفراسة وليحذر :" إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"
قلوب العارفين لها عيون
ترى ما لا يراه الناظرونا وما ذلك إلا لأنهم صفوا فى معاملاتهم مع الله وراقبوا الله فى سمعهم وبصرهم وجميع حواسهم والجزاء – كما سبق- من جنس العمل.
وهذا على حد قول رسول الله إن العبد إذا دلل على حبه لله تعالى بان أدى الفرائض ثم انتقل منها إلى النوافل وواظب عليها تكون النتيجة ما نطقت به الأحاديث الصحاح "كنت سمعه الذى يسمع به ،وبصره الذى يبصر به ......."الحديث
ولنا أن ندرك معنى أن رجلا يرى بنور الله ويسمع بالله وتنبثق كل أفعاله من الله ، أنها مرتبة عظيمة لا يدرك معناها إلا من ذاقها ومن ذاق عرف . ويؤكد ما قلناه ما ذهب إليه ابن القيم حيث يقول وفراسة المتفرس تتعلق بثلاثة أشياء بعينه وأذنه وقلبه :
فعينه للسمات والعلامات ، وأذنه للكلام وتصريحه وتعريضه ومنطوقه ومفهومه ، وفحواه وإشاراته ولحنه وإيمائه ونحو ذلك ، وقلبه للعبور والاستدلال من المنظور والمسموع إلى باطنه وخفيه فيعبر إلى ما وراء ظاهره كعبور النقاد من ظاهر النقش والسكة إلى باطن النقد والاطلاع عليه هل هو صحيح أو زغل ؟ وكذلك عبور المتفرس من ظاهر الهيئة إلى باطن الروح والقلب ،وكذلك نقد أهل الحديث ،فإنه يمر إسناد ظاهر كالشمس على متن مكذوب فيخرجه ناقدهم كما يخرج الصيرفى الزغل من تحت الظاهر من الفضة ، وكذلك فراسة التمييز بين الصادق والكاذب فى أقواله وأفعاله وأحواله
ويقول الإمام الألوسى رحمه الله :"إن كل من رزق قرب النوافل ينظر به تعالى لحديث "كنت سمعه الذى يسمع به " وحينئذ يبصر كل شيئ"
المبحث الثانى
القضاء بالفراسة
إن القضاء مهمة صعبة انتدب الله إليها بعضا من خلقه واستأمنهم على هذه المهمة وهى مهنة الأنبياء "يا داوود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى "وهى وصية الله لكل من تَنَصبَ مهمة القضاء أن يتحرى الدقة ويحكم بين الناس بالحق ولا يركن إلى الهوى .
ومعلوم اختلاف العلماء حول قضاء القاضى بعلمه هل يجوز أولا يجوز؟ والأرجح أنه لا يجوز ، لأن الحكم يقوم على الأدلة والبراهين الظاهرة والله يتولى السرائر ، لذا فإن حكم الحاكم وقضاء القاضى لا يحل حراما ولا يحرم حلالا وإلى هذا المعنى أشار النبى "فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها "الحديث
والفراسة كما هو معلوم حالة فردية وفى أغلب أحوالها أنها لا ضابط لها ، وعليه فالقضاء بالفراسة أمر مرفوض وغير معول عليه حتى لا يصير القضاء فوضويا لا ضابط له بل هى أدلة وبراهين وقرائن ،والنبى ذاته قد يطلعه الله على بعض الغيب حسب إرادة الله ومع ذلك كان فى قضائه وقافا عند الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة "ولعل أحدكم يكون ألحن بالحجة من أخيه فأقضى له "
وإذا كان النبى لم يحكم فى الخصومات لا بعلمه و لا بالفراسة فأولى بنا أن نقتدى برسول الله ونقف فى القضاء عند ما توفر من الأدلة والبراهين والله تعالى يتولى السرائر
وهذا لا يعنى إهمال الفراسة على الإطلاق لكن المراد ألا تكون الفراسة مصدرا من مصادر القضاء والتشريع ومع هذا فيمكن الاستعانة بالفراسة فيما يخص الحكم والقضاء كالاستماع الى الشهود بفراسة أو التفرس فى الشهود الصدق أو الكذب حسب ما يظهر للمتفرس مما يعينه على تثبيت وجهة نظره .
يقول الإمام أبو بكر بن العربى :"إذا ثبت أن التوسم والتفرس من مدارك المعانى فإن ذلك لا يترتب عليه حكم ولا يؤخذ به موسوم ولا متفرس ، وقد كان قاضى القضاة الشامى المالكى ببغداد أيام كونى بالشام يحكم بالفراسة فى الأحكام جريا على طريق إياس بن معاوية أيام كان قاضيا ، وكان شيخنا فخر الإسلام أبو بكر الشاش صنف جزءا فى الرد عليه كتبه لى بخطه وأعطانيه ، وذلك صحيح فإن مدارك الأحكام معلومة شرعا ، مدركة قطعا وليست الفراسة منه ."
ويقول ابن القيم فى مسألة الحكم بين الخصوم بالفراسة :"هذه مسالة كبيرة عظيمة النفع جليلة القدر إن أهملها القاضى أو الحاكم أضاع حقا كثيرا وأقام باطلا كثيرا ،وإن توسع فيها وجعل معوله عليها دون الأوضاع الشرعية وقع فى أنواع الظلم والفساد .
وقد سٌئل أبو الوفاء ابن عقيل عن هذه المسالة فقال: ليس ذلك حكما بالفراسة بل هو حكم الإمارات ، وإذا تأملتم الشرع وجدتموه يجوز التعويل على ذلك وقد ذهب مالك رحمه الله تعالى إلى التوصل بالإقرار بما يراه الحاكم ، وذلك مستند إلى قوله تعالى " إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس فى الإمارات ودلائل الحال ومعرفة شواهده وفى القرائن الحالية والمقالية كفقهه فى كليات الأحكام أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها وحكم بما يعلم الناس بطلانه ........
فههنا نوعان من الفقه لابد للعالم منهما :
1-فقه فى أحكام الحوادث الكلية .
2-فقه فى نفس الواقع وأحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل ،ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطى الواقع حكمه من الواجب ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع .......
وهكذا فالحكم فى القضاء بالفراسة أمر جلل يجب الحذر منه والتحرى ففيه خيط دقيق يجب مراعاته وإلا ترتب عليه ضرر بالغ .
أما استخدام الفراسة فيما يتوصل به إلى الحكم فهو أمر مجمع على جوازه بل وضرورته كالتفريق عند سماع شهادة الشهود ومحاولة استخراج الحق من كلامهم . يقول صاحب الطرق الحكمية :"ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والإمارات فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرار وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم كيف تحملوا الشهادة وأين تحملوها وذلك واجب عليه متى عدل عنه أَثِمَ وجار فى الحكم ..."
وعليه فاستخدام الفراسة فى القضاء والحكم أمر يحتاج إلى ضبط ومراعاة فلا يمنع على عمومه ولا يقبل أيضا على عمومه ،والقاضى أحذق من أن ينبه إلى مثل هذه الأمور.
المبحث الثالث
الفراسة فى القرآن
ذكرنا سابقا أن القران الكريم حوى كل علم نافع إن لم يكن تفصيلا فإجمالا حتى لا يخرج عن هدفه الأصلي ، ومرماه الأساسى ، وهو هداية الناس إلى طريق الحق .
هذا هو الأساس ولكن فى سبيل هذا قد يتناول العديد من العلوم على سبيل الإجمال تارة وعلى سبيل الإشارة تارة وعلى سبيل الاستدلال تارة وتارة على سبيل الحكاية .
والفراسة كغيرها من العلوم لها أصل فى القران الكريم وقد سقنا الآيات القرآنية التى استدل بها العلماء على تأصيل علم الفراسة كقوله :"إن فى ذلك لآيات للمتوسمين " وقوله "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم ولتعرفنهم فى لحن القول "
وفى هذا المبحث ليس المقصود سوق الأدلة على وجود الفراسة ، ولكن إبراز ما أورده القران الكريم من نماذج فى الفراسة وعمدة القول فى هذا : قول ابن مسعود الذى رواه سفيان الثورى عن أبى إسحاق عن أبى عبيدة عن ابن مسعود : "أفرس الناس ثلاثة :العزيز فى يوسف حين قال لامرأته:أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ،وابنة شعيب حين قالت فى موسى :يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين ،وأبو بكر فى عمر رضى الله عنهما حين استخلفه على المسلمين "
فهذا الأثر عن ابن مسعود يوضح ويضع أيدينا على بعض المواطن التى حكى فيها القران الكريم نماذج للفراسة .
وهى مواطن عديدة حواها القران الكريم يرشدنا الأثر الذى أوردناه إلى موضعين ونسير بعده على نفس الدرب فنورد بعض النماذج الأخرى وإن لم يشر إليها هذا الأثر . وهاك البيان :
الموطن الأول :
قال تعالى :" وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا......"
لما كاد إخوة يوسف به ، وكان منهم ما حكاه عنهم القران الكريم ، كان من قدر الله تعالى بيوسف الذى تَحُفهُ رعاية الله أن يلتقطه بعض السيارة ، وهى القوافل التى تمر وتسير فى الصحراء للتجارة أو غيرها ، فيتزودون من كل بئر يمرون عليه بالماء ، وعندما أدلى أحدهم بدلوه تعلق به يوسف وكان صغيرا لما يثقل باللحم بعد ،قال يا بشرى هذا غلام .
وعرضوه للبيع وكانوا فيه من الزاهدين أى لم يطلبوا فيه ثمنا غاليا وذلك لأنهم رأوا من يوسف النجابة والنضارة والجمال فتفرسوا فيه أن يكون من العائلات المالكة فى ذلك الوقت ، وطالما بهذا الجمال فلن يكف أهله عن البحث عنه ولا يبعد أن يكون أهله من عِلية القوم فلو مكث فى أيديهم فتره طويلة فلربما تعرف عليه أهله فيأخذوه منهم وربما أضروهم فليست هيئته هيئة العبيد الذين يفرون من أسيادهم .
ولذا أرادوا أن يستفيدوا بسببه ولو بأقل القليل ولذا باعوه لأول مشتر عرض فيه هذا الثمن البخس ،فهو أحسن من لا شيئ .
انتقل يوسف إلى بيئة جديدة ومستقر جديد وكان من قدر الله أن الذى اشتراه من مصر لم يكن رجلا عاديا بل كان من علية القوم وهذا ما كشفته لنا النسوة كما حكاه عنهن القرآن الكريم : " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ......" كان هذا العزيز لا يولد له ولد وعندما شاهد يوسف ذلك الولد النجيب أعجبه وتفرس فيه ما حكاه عنه القران الكريم :"وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا "وياليت امرأة العزيز استجابت لما قاله زوجها فبدلا من إكرامه نراها قد كادت له وأرادت أن توقعه فى براثنها لولا قدر الله ولطفه بعباده وأوليائه .
ذكر الإمام البيضاوى فى تفسيره أن اسم العزيز الذى اشترى يوسف هو قطفير أو إطفير، وكان الملك يومئذ ريان بن الوليد العمليقى ، وقد آمن بيوسف عليه السلام ومات فى حياته ....
والمشهور أن العزيز اشتراه وهو ابن سبع عشرة سنة ولبث فى منزله ثلاث عشرة سنة ، واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة . وكانت امرأة العزيز راعيل أو زليخا ، أمرها أن تتعهده وأن تجعل مقامه عندها كريما من أجل أن يستظهر به فى مصالحهما وكان عقيما ....وتفرس فيه الرشد "
ويعلل الإمام الشوكانى زهدهم فيه بقوله :"باعوه بذلك الثمن البخس وذلك لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به ...."وذهب إلى أن العزيز اسمه الريان بن الوليد من العمالقة وقيل إن الملك هو فرعون موسى ، ثم يقول :"كان العزيز حصورا لا يولد له ،وقيل كان لا يأتى النساء ،وقد كان تفرس فيه أن ينوب عنه فيما يسند إليه من أمر المملكة وذهب الإمام الألوسى إلى أن يوسف قد بيع مرتين مرة بيع من إخوته للسيارة ومرة أخرى بيع لعزيز مصر يقول "وقال الذى اشتراه من مصر فهذا الشراء غير الشراء الأول السابق الذى كان بثمن بخس وزعم اتحادهما ضعيف جدا وإلا لا يبقى لقوله "من مصر"كثير جدوى
واختلف فى كونه- العزيز –ساعة اشترى يوسف عليه السلام كان كافرا أم مؤمنا ، فذهب الألوسى الى أنه كان كافرا واستدل على ذلك بوجود صنم فى بيته حسبما يذكر فى بعض الروايات أن زليخا عندما أرادته لنفسها قامت وسترت وجه هذا الصنم .
بينما ذهب مجاهد إلى أنه كان مؤمنا ويعلق الألوسى على رأى مجاهد بقوله "ولعل مراده أنه آمن بعد ذلك وإلا فكونه مؤمنا ساعة الاشتراء مما لا يكاد يسلم "
ثم يختم حديثه عن القصة بقوله "وكان هذا القول من العزيز لما تفرس فيه من مخايل الرشد والنجابة "
ويقول الزمخشرى :"عسى أن ينفعنا :لعله إذا تدرب وراض الأمور وفهم مجاريها نستظهر به على بعض ما نحن بسبيله فينفعنا فيه بكفايته وأمانته ،أو نتبناه ونقيمه مقام الولد ،وكان قطفير عقيما لا يولد له ،وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك "
أما الإمام ابن عاشور فيطالعنا فى هذا الموضع بقوله : " المعنى إجعلى إقامته عندك كريمة أى كاملة فى نوعها ،أراد أن يجعل الإحسان إليه سببا فى اجتلاب محبته إياها ونصحه لهما فينفعهما أو يتخذانه ولدا فيبر بهما وذلك أشد تقريبا ، ولعله كان آيسا من ولادة زوجه وإنما قال ذلك لحسن تفرسه فى ملامح يوسف عليه السلام المؤذنة بالكمال وكيف لا يكون رجلا ذا فراسة وقد جعله الملك شرطته فقد كان الملوك أهل حذر فلا يولون أمورهم غير الأكفاء .........
وهكذا حكى لنا القران الكريم هذا النموذج من نماذج الفراسة فى القران الكريم ، ونص جمهور المفسرين من خلال هذا الموطن على تحقق الفراسة فيه .
الموطن الثانى:
" قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ "
خرج موسى عليه السلام من مصر خائفا يترقب بعد أن وكز الرجل المصرى فقتله وقال ما حكاه عنه القران الكريم "فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين "
بعدها توجه موسى بقدَر الله إلى "مدين " وهى بأطراف الجزيرة العربية ، وعندما وصل إليها وجد جماعة من الناس يسقون ماشيتهم وأنعامهم ، وكان زحاما وعندما أرسل نظره هنا وهناك وجد على جانب من هذا الزحام امرأتين تزودان ، يعنى تمنعان أنعامهما عن الماء فلما رأى منهما هذا الفعل سألهما ما خطبكما ؟
فأجابتا إجابة مختصرة ومفيدة لا تطمع فيهما أحدا من غير خضوع فى القول قالتا: لا نسقى حتى يصدر الرعاء" فهى إجابة تنم عن حسن تربية وأرادتا أن تقطع سبيل الكلام مع موسى حتى لا يماطل فى الكلام معهما فقالتا : وأبونا شيخ كبير. ولما علم موسى منهما حسن أخلاقهما وتحريهما الأخلاق الحسنة قابل كلامهما بمعروف فسقى لهما ثم تولى إلى الظل وقال متأدبا فى الطلب من الله تعالى :"رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير "
وتسير القصة فى مسارها الذى قدره الله ، وما هى إلا فترة وجيزة حتى جاءته إحداهما ، تتجمل بالحياء إما فى مشيتها إذا قرأنا "تمشى على استحياء "وأما فى كلامها معه إذا قرأنا "على استحياء قالت …."ولا يبعد أن يكون الحياء منها فى المشى والكلام معا فهى بنت شعيب . قالت له أن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فتوسم موسى خيرا وعلم أن الله قد استجاب دعوته فلما حضر أمام شعيب وقص موسى قصته على شعيب قوى من أزره وعضد من عزيمته وقال له "لا تخف نجوت من القوم الظالمين "
وهنا تفرست بنت شعيب فراستان :
الأولى : فى والدها من خلال كلامه مع موسى ، فتفرست أن أباها راض عن هذا الشاب وعن أفعاله ، فاقتنصت الفرصة وقالت ما حكاه القران الكريم عنها "يا أبت استأجره "كناية عن عرضها الزواج منه بعفة المرأة الحرة الأبية ، إن خير من استأجرت القوى الأمين .
وكانت هذه هى الفراسة الثانية فتفرست فى موسى القوة والأمانة ، وعندما سألها والدها شعيب عن تفرسها ؟
قالت :أما القوة فلأنه بعد انصراف الناس عن البئر قام ورفع حجره وهو ضخم ولا يستطيع رفعه إلا النفر الأقوياء . وأما أمانته :فلأنه عندما أخبرته إن أبى يريدك لم يتبعنى فى السير بل عرض على أن أسير أنا خلفه ويسير هو أمامى فإن ضل الطريق فما عليها إلا أن تقذف بحصيات نحو الطريق الصحيح حتى وصل الى البيت.
فأى أمانة أفضل من هذه الأمانة فهو أمين على الأعراض ، فهنا تفرست بنت شعيب فى موسى القوة والأمانة لما رأت من أفعاله ما يرجح عندها هذه الفراسة ، فاستدلت بما ظهر على ما خفى وهذا هو عين الفراسة .
أورد شيخ المفسرين ابن جرير الطبرى فى تفسيره روايات عديدة توضح لنا جوانب من هذه القصة فيقول :"حدثنا موسى قال :حدثنا عمرو قال :حدثنا أسباط عن السدى قال :ذهب القبطى يعنى الذى كان يقاتل الإسرائيلى فأفشى عليه أن موسى هو الذى قتل الرجل فطلبه فرعون ،وقال :خذوه إنه صاحبنا ،وقال للذين يطلبونه اطلبوه فى بنيان الطريق فإن موسى غلام لا يهتدى الطريق فأخذ موسى فى بنيان الطريق وقد جاءه الرجل فأخبره :"إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك "
ويعرض لنا ابن كثير جانبا آخر فيقول "لما أخبره ذلك الرجل بما تمالأ عليه فرعون ودولته فى أمره خرج من مصر وحده ولم يألف ذلك قبله ، بل كان فى رفاهية ونعمة ورياسة "فخرج منها خائفا يترقب "أى يلتفت "قال رب نجنى من القوم الظالمين "أى من فرعون وملئه فذكروا أن الله تعالى بعث إليه ملكا على فرس فأرشده إلى الطريق والله أعلم .
ولما توجه تلقاء مدين :أى أخذ طريقا سالكا مهيئا فرح بذلك "قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل "أى الطريق الأقوم ففعل الله به ذلك وهداه إلى الصراط المستقيم فى الدنيا والآخرة فجعله هاديا مهديا ...."
ولعلنا أدركنا فطنة ابن كثير وتحريه الدقة فى النقل فهو لا يسوق النصوص هكذا على عوانها كحاطب ليل ، ولكن يعقب عليها بما يجلو صورتها فنراه يعقب باختصار على نزول الملك على موسى فى طريقه بقوله :" فذكروا أن الله سبحانه بعث إليه ملكا على فرس فى طريقه فالله أعلم "
فهو لم يعطها صفة الثبات والجزم بل جعلها مما لا يرفض ولا يقبل ولا حرج على فضل الله ، وبالطبع فإن هذه القرية التى قصدها موسى عليه السلام لم تكن تحت سلطان فرعون ولهذا خرج إليها موسى وهذا ما قرره الإمام الزجاج وحكاه عنه الإمام الشوكانى .
ولما ورد ماء مدين " لفظ الورود قد يطلق على الدخول فى المورد وقد يطلق على البلوغ إليه وان لم يدخل فيه وهو المراد هنا . ومنه قول زهير :
فلما وردنا الماء رزقا حمامهوقيل مدين اسم للقبيلة وهى غير منصرفة ، وتزودان :أى تحبسان أغنامهما من الماء حتى يفرغ الناس ويخلو بينهما وبين الماء .ومعنى الذود المنع والحبس ، ومنه قول الشاعر :أبيت على باب القوافى كأنما أذود بها سربا من الوحش نزعااى أحبس وأمنع . قال لهما موسى :"ما خطبكما "والخطب هو الشأن ،قيل وإنما يقال ما خطبك لمصاب أو مضطهد أو لمن يأتى بمنكر .......
وأما عن لقاء موسى ببنت شعيب عندما جاءته تستدعيه لأبيها فيطالعنا ابن القيم ببراعته فى تتبعه للمعانى وما تكنه الألفاظ من إشارات لطيفة فيقول :"المعنى : فلما شربت غنمهما رجعتا إلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى فبعث إحداهما تدعو موسى ........فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قد سترت وجهها بكم درعها وفى استحيائها ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان من صفتها الحياء فهى تمشى مشى من لم يعتد الخروج والدخول .
الثانى :أنها دعته لتكافئه ،وكان الأجمل عندها أن تدعوه لغير ذلك .
الثالث :لأنها رسول أبيها ."ليجزيك أجر ما سقيت لنا " قال المفسرون : لما سمع موسى هذا الكلام كرهها وأراد أن لا يتبعها فلم يجد بدا للجهد الذى به من اتباعها فتتبعها فكانت الريح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها فناداها : يا أمة الله كونى خلفى ودلينى الطريق "فلما جاءه "أى موسى شعيبا وقص عليه القصص اى أخبره بأمره ،قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين .
أى لا سلطان لفرعون بأرضنا ولسنا فى مملكته ،قالت إحداهما وهى الكبرى :يا أبت استأجره اى اتخذه أجيرا أن خير من استأجرت القوى الأمين :أى خير من استعملت على عملك من قوى على عملك ،وأدى الأمانة ،وإنما سمته قويا لرفعه الحجر على رأس البئر ،وقيل لأنه استقى بدلو لا يقلها إلا العدد الكثير من الرجال . وسمته أمينا لأنه أمرها أن تمشى خلفه ........
ولا شك كان هذا تفرسا من بنت شعيب من خلال ما ظهر لها من سلوك موسى عليه السلام . الموطن الثالث :
"وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"
هذا هو الموطن الثالث والذى أجرى الله فيه الفراسة على لسان هذه المرأة الصالحة التى عاشت فى بيئة كافرة ، فلم تؤثر هذه البيئة الفاسدة على علاقتها مع ربها وجعلها الله مثلا يحتذى به فقال "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"
وأمام هذه القصة –سواء قصة امرأة فرعون أو قصة موسى مع فرعون – يقف العقل البشرى مشدوها أمام قدرة الله وحكمة أفعاله ولا يملك الإنسان عندها إلا أن يقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
فموسى عليه السلام والذى تربى فى بيت فرعون صار نبيا من أنبياء الله ، وموسى الذى رباه جبريل عليه السلام كما بعض الروايات صار مروجا للفتنة وصادا عن سبيل الله فسبحان من بيده مقاليد الأمور .
يفسد فرعون مصر فى البلاد ويستضعف الناس وكان من قدر الله أن يرى رؤيا تفزعه ، وفسرها له المنجمون بضياع ملكه على يد طفل سيولد ويتولى الأمر كله ويفسده عليك .
وعلى الفور – ولأنه المُلك والسلطان الذى تطيش من أجله العقول والألباب ومن أجله أو من أجل الحفاظ عليه يفعل الناس الكثير والكثير- أصدر فرعون مصر قرارا بأن يقتل كل ولد ذكر وأرسل فى المدائن القابلات والعسس لتنفيذ الأمر وبالفعل أعملوا السيف فى كل من يولد ذكرا .
يتبع إن شاء الله تعالى..
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 07 يونيو 2021, 4:21 am عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الفراسة فى القرآن الكريم الخميس 31 مارس 2011, 6:00 pm | |
| وبعد فترة أدرك فرعون ومن معه خطورة الأمر فالقضاء على جميع الذكور معناه أنهم سيفقدون خدمهم وسيضطرون هم لخدمة أنفسهم فأشاروا عليه أن يكون القتل عاما بعد عام .
وكان من قدر الله أن يولد هارون فى عام العفو ، ويولد موسى فى العام الواجب فيه القتل .
خافت أم موسى على وليدها فأوحى الله إليها أن اصنعى تابوتا وضعى فيه موسى حتى تخفيه من أعين جند فرعون " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ "
وكان من قدر الله أيضا أن تلقى أم موسى وليدها فى اليم دون أن تربطه حتى ينفذ قدر الله ومراده فيسير التابوت فى الماء حتى يصل إلى بيت فرعون فتلتقطه ماشطة فرعون وتأخذه وتعرضه على السيدة"آسيا" امرأة فرعون وعلى الفور وقعت محبة موسى فى قلب آسيا كيف لا والله يقول : " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي" تفرس فرعون أن هذا الولد ليس قبطيا وذلك للون البشرة وملامحه وأنه من بلد قريب ولم يأت من مكان بعيد ، علم ذلك وتفرسه من خلال دراسته لحال التابوت الذى وجد فيه موسى .
عزم فرعون على قتل موسى لكن قيض الله لموسى من يدفع ويذب عنه حتى ينفُذَ قدر الله ، على الفور قالت السيدة آسيا وهى من أحبت هذا الطفل النجيب : "لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا "وأقنعت الزوجة زوجها حتى عدل عن فكرة القتل لموسى لكن القدر أخفى لفرعون ما لاطاقة له به .
وهنا تفرست امرأة فرعون فى موسى لما رأت من إمارات النجابة والذكاء أنه ينفعها فقالت : "قرة عين لى ولك " فأجابها فرعون أما لك فنعم وأما لى فلا . فكان كذلك فصار موسى لامرأة فرعون منجاة لها من النيران وصار لفرعون عدوا وحزنا وأغرق الله فرعون على يد موسى عليه السلام فسبحان من إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون .
وهكذا أشرنا إلى هذه القصة بطريقة إجمالية وكيف أن السيدة آسيا امرأة فرعون تفرست فى موسى أنه ينفعها ويمكن أن ندرج هذا النوع من الفراسة تحت أى من الأنواع التى ذكرناها آنفا . فيجوز أن تكون عبر الأسباب التى استخدمتها آسيا .
ويجوز أن تكون من النوع الذى يصبه الله فى قلوب من أراد من عباده دون مباشرة أى أسباب ، وكلا الاحتمالين لا يستبعد . إلا أنى أرجح الاحتمال الثانى كرامة لهذه المرأة والتى خلد الله ذكرها فى القران الكريم , وكذا سنة النبى حيث يقول :"كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنت عمران واسيا امرأة فرعون وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على باقى الطعام ........."
يقول الإمام الألوسى عند معالجته لهذه الآيات الكريمة "ويروى أنها لما ضربها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بنى إسرائيل فعالجتها فلما وقع موسى عليه السلام على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه قلبها بحيث منعها من السعاية ، فقالت لأمه احفظيه، فلما خرجت جاءت عيون فرعون فلفته فى خرقة وألقته فى تنور مسجور ، لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يجدوا شيئا فخرجوا وهى لا تدرى مكانه فسمعت بكاؤه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما ...."
ويذكر الإمام القرطبى رحمه الله أن السيدة آسية فور أن شاهدت جمال موسى فى التابوت قالت : قرة عين لى ولك فأجابها فرعون لك فقط أما لى فلا وهنا يورد القرطبى حديث عن النبى :"لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له"
ويقول الإمام أبو السعود : "روى أنه ذبح فى طلبه عليه الصلاة والسلام تسعون ألف وليد وكانوا مذنبين فعاقبهم الله أن ربى عدوهم على أيديهم " وخاطبته أى فرعون بصيغة الجمع "لا تقتلوه "تعظيما ليساعدها فيما تريده وهذه من حيل النساء "
ويقول الإمام السيوطى فى درره المنثورة "ألقيت عليها رحمته حين أبصرته وهم لا يشعرون أن هلاكهم على يديه وفى زمانه وهكذا يتناول المفسرون القصة كل بطرف وكل يدلو فيها بدلوه والخلاصة التى نود أن نوضحها هى أن السيدة آسية امرأة فرعون تفرست فى موسى وحسن تفرسها
أما عن نوع الفراسة فى هذه القصة هل هى ما يصبها الله فى القلب أم ما يتوصل إليها بالأمارات والأسباب .
الأرجح : أنها من النوع الأول وإلا لاشتهر عنها التفرس ولو اشتهرت به لنقل تواترا فهذا مما لا يخفى وحيث لم ينقل فهى لم تشتهر بالتفرس إلا ما أجراه الله عليها عندما شاهدت جمال موسى وكان موسى قد أعطاه الله من الجمال حظا وافيا ،فضلا عن المحبة التى اختصه الله به "وألقيت عليك محبة منى "
الموطن الرابع " وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِين *ٌقَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ *
هل يتفرس الإنسان من نفسه شيئا ؟ فى الواقع أنه لا مانع أبدا من أن يتفرس الإنسان من نفسه فإِن أَبْصَرَ الناس بالنفس هو صاحب النفس ذاته ،فإنه يعلم من نفسه ما لا يعلمه غيره ، بل ويكشف لنفسه ما يستحى أن يكشفه أمام غيره ،هذا إذا اعتبرنا أنه يمارس مع نفسه الفراسة الرياضية التى تمارس الأسباب والدراسة أما الفراسة الإيمانية فالكل فيها سواء . المهم أن سيدنا يوسف عليه السلام تفرس فى نفسه القدرة على إدارة الأمور الخاصة بالخزانة آنذاك أو على حد تعبير القران الكريم "خزائن الأرض "فإنه لما كاد إخوة يوسف ليوسف ، وقدر الله له النجاة واشتراه عزيز مصر وقربه منه منزلا فلم يلبث حتى مكرت به امرأة العزيز وأرادت أن توقعه فى شراكها فنجاه الله من مكرها وكذلك ينجى الله المؤمنين .
ودخل يوسف السجن واشتهر فيه بتعبير الرؤى حتى وصى صاحبه فى السجن أن يذكره عند ربه "أمام الملك" فكان ذلك بعد فترة . عندما رأى الملك رؤية اعتقد أنها تهدد مستقبل البلاد وبحث عن معبر للرؤى فتذكر صاحب يوسف أيام كان فى السجن ، ودل الملك على يوسف ولما ذهب هذا الرجل ليوسف فى السجن وقص عليه رؤيا الملك ، على الفور أجاب يوسف ولم يتدلل فهو لم يبخل بالبيان على من طلبه وهذه حنكة الدعوة .
ورجع هذا الرجل للملك وأخبره بتأويل يوسف وهو ما حكاه القران الكريم " يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ "
وعلى الفور استدعاه الملك فلما كلمه الملك عرض يوسف على الملك أن يتقلد مفاتيح الأمر فى الخزائن لما تفرس من نفسه القدرة على هذا العمل وهذا لا يتعارض مع التعاليم الصحيحة من أن الإنسان لا ينبغى أن يطلب الإمارة لنفسه وإلا وكل إليها على حد تعبير النبى لأن الإنسان إذا وجد فى نفسه القدرة على ما لا يستطيعه غيره ، فلا حرج أبدا أن يعرض نفسه لهذا لعمل ويوسف عليه السلام تفرس فى نفسه القدرة على هذا العمل .
يقول الإمام الشوكانى :"فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان بسبع سنين فيها خصب والعجاف بسبع سنين فيها جدب وهكذا عبر السبع السنبلات الخضر والسبع اليابسات " ويقول شيخ المفسرين فى قوله تعالى "ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون "هذا خبر من يوسف عليه السلام للقوم عما لم يكن فى رؤيا ملكهم ولكنه من علم الغيب الذى آتاه الله دلالة على نبوته وحجة على صدقة ........
أما عن استدعائه من السجن ومثوله بين يدى الملك وما جرى بينهما من حوار فيصوره لنا الإمام البغوى تصويرا دقيقا فيقول : " روى أنه قام ودعا لأهل السجن ،فقال :اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار، فهم أعلم الناس بالأخبار فى كل بلد ، فلما خرج من السجن كتب على باب السجن : هذا قبر الأحياء وبيت الأحزان وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء ،ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا حسانا وقصد الملك "
ويستمر الإمام البغوى فى تناوله للأحداث إلى أن يصل إلى لقاء الملك بيوسف فيعرضه قائلا :"روى أن الملك قال له أحب أن أسمع رؤياى منك شفاها.
فقال يوسف :نعم أيها الملك رأيت سبع بقرات سمان شهب غر حسان كشف النيل لك عنهن فطلعن عليك من شاطئه تشخب أخلافهن لبنا ، فبينما أنت تنظر إليهم ويعجبك حسنهن إذ نضب النيل فغار ماؤه وبدا يبسه فخرج من حماته سبع بقرات عجاف شعث غبر متقلصات البطون ليس لهن ضروع ولا أخلاف ، ولهن أنياب وأضراس وأكف كأف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع ، فافترسن السمان فأكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن وتمششن مخهن فبينما أنت تنظر وتعجب ، إذ سبع سنابل خضر وسبع أخر سود فى منبت واحد عروقهن فى الثرى والماء فبينما أنت تقول فى نفسك أنى هذا خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهن فى الماء؟
إذ هبت ريح فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات فاشتعلت فيهن النار فاحترقن فصرن سودا فهذا ما رأيت ثم انتبهت من نومك مذعورا ....
فقال الملك : والله ما شأن هذه الرؤيا وإن كانت عجيبة بأعجب مما سمعت منك فما ترى فى رؤياى أيها الصديق ؟
فقال يوسف عليه السلام: "أرى أن تجمع الطعام وتزرع زرعا كثيرا فى هذه السنين المخصبة وتجعل الطعام فى الخزائن بقصبه وسنبله ليكون القصب والسنبل علفا للدواب ، وتأمر الناس فيرفعون من طعامهم الخمس فيكفيك من الطعام الذى جمعته لأهل مصر ومن حولها ويأتيك الخلق من النواحى للميرة فيجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك ، قال الملك : ومن لى بهذا ومن يجمعه ويبيعه ويكفينى الشغل فيه ؟
فقال يوسف : اجعلنى على خزائن الأرض ....
وقد تكلم ابن عاشور فى هذه الواقعة فأجاد وأفاد وأورد كلاما وأحكاما لا غنى لمسلم عنها عند مدارسة هذه الآية رأيت أن أنقله بتمامه لما فيه من عظيم الفائدة : " وجملة " قال اجعلني على خزائن الأرض "حكاية جواب والكلام للملك ولذلك فصلت على طريقة المحاورات و " على " هنا للاستعلاء المجازي وهو التصرف والتمكن أي اجعلني متصرفا في خزائن الأرض ، و " خزائن " جمع خزانة " بكسر الخاء " أي البيت الذي يختزن فيه الحبوب والأموال .
والتعريف في" الأرض "تعريف العهد وهي الأرض المعهودة لهم أي أرض مصر ، والمراد من " خزائن الأرض " خزائن كانت موجودة وهي خزائن الأموال ؛ إذ لا يخلو سلطان من خزائن معدودة لنوائب بلاده لا الخزائن التي زيدت من بعد لخزن الأقوات استعدادا للسنوات المعبر عنها بقوله مما تحصنون" "
واقتراح يوسف " عليه السلام " ذلك إعداد لنفسه للقيام بمصالح الأمة على سنة أهل الفضل والكمال من ارتياح نفوسهم للعمل في المصالح، ولذلك لم يسأل ملكا لنفسه ولا عرضا من متاع الدنيا ولكن سأل أن يوليه خزائن المملكة ليحفظ الأموال ويعدل في توزيعها ويرفق بالأمة في جمعها وإبلاغها لمحالها صلى الله عليه وسلم وعلل طلبه ذلك بقوله " إني حفيظ عليم " المفيد تعليل ما قبلها لوقوع " إن " في صدر الجملة فإنه علم أنه اتصف بصفتين يعسر حصول إحداهما في الناس بله كلتيهما .
وهما : الحفظ لما يليه والعلم بتدبير ما يتولاه ليعلم الملك أن مكانته لديه وائتمانه إياه قد صادفا محلهما وأهلهما وأنه حقيق بهما لأنه متصف بما يفي بواجبهما وذلك صفة الحفظ المحقق للائتمان وصفة العلم المحقق للمكانة وفي هذا تعريف بفضله ليهتدي الناس إلى اتباعه . وهذا من قبيل الحسبة.
وشبه ابن عطية مقام ابى بكر رضى الله عنه بمقام يوسف عليه السلام فى دخوله في الخلافة مع نهيه المستشير له من الأنصار من أن يتأمر على اثنين . قلت : وهو تشبيه رشيق إذ كلاهما صديق ، وهذه الآية أصل لوجوب عرض المرء نفسه لولاية عمل من أمور الأمة إذا علم أنه لا يصلح له غيره
لأن ذلك من النصح للأمة وخاصة إذا لم يكن ممن يتهم على إيثار منفعته على مصلحة الأمة ، وقد علم يوسف " عليه السلام " أنه أفضل الناس هنالك لأنه كان المؤمن الوحيد في ذلك القطر.
فهو لإيمانه بالله يبث أصول الفضائل التي تقتضيها شريعة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب " عليهم السلام " فلا يعارض هذا ما جاء في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها " . لأن عبد الرحمن بن سمرة لم يكن منفردا بالفضل من بين أمثاله ولا راجحا على جميعهم وبهذه الآية استدل الفقهاء على جواز طلب القضاء لمن يعلم أنه أهل وأنه إن لم يول ضاعت الحقوق .
قال المازري : " يجب على من هو أهل الاجتهاد والعدالة السعي في طلب القضاء إن علم أنه إن لم يله ضاعت الحقوق أو وليه من لا يحل أن يولى ، وكذلك إن كان وليه من لا تحل توليته ولا سبيل لعزله إلا بطلب أهله "
وقال ابن مرزوق : لم أقف على هذا لأحد من قدماء أهل المذهب غير المازري ، وقال عياض في كتاب الإمارة أي من شرح صحيح مسلم ما ظاهره الاتفاق على جواز الطلب في هذه الحالة ........."
ويعلق الإمام البيضاوى على كلام يوسف : "اجعلنى على خزائن الأرض "بقوله "وفيه دليل على جواز طلب التولية وإظهار أنه مستعد لها ، والتولى من يد الكافر إذا علم أنه لا سبيل لإقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به وعن مجاهد أن الملك أسلم على يديه ........."
ويقول الإمام النسفى: "وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله وإقامة الحق وبسط العدل والتمكن مما لأجله بعث الأنبياء للعباد، ولعلمه أن أحدا غيره لا يقوم مقامه فى ذلك، فطلبه ابتغاء وجه الله لا لحب الملك والدنيا..."
هكذا أفاض العلماء والمفسرون فى إيضاح قصة يوسف عليه السلام وطلبه من الملك أن يتقلد خزائن الأرض فى زمانه . وقبل أن نترك الحديث عن الفراسة فى القران الكريم نود أن نشير للقارئ الكريم أن هناك مواضع أخرى ذكرت فيها الفراسة نكتفى بما ذكرناه تفصيلا ونورد بعضها إجمالا فيما يلى :
الموضع الأول : ما كان على يد هارون عليه السلام عندما استخلفه موسى على قومه لما ذهب لميقات ربه وكان هذا كله عقيب أن نجى الله موسى وقومه من فرعون وملئه فى هذه الفترة خرج لهم موسى السامرى صاحب الفتنة العظيمة وجمع منهم حليهم وشكله على هيئة عجل ، ثم نثر عليه من تراب فرس جبريل الذى احتفظ به فأحدث صوتا كخوار العجل ، وهنا تفرس هارون أنهم افتتنوا بهذا الصنيع ، وكان كلامه وتصرفه معهم على أساس هذا التفرس ، فعلى الفور وقبل أن يصدر منهم قول أو فعل ، قال ما حكاه عنه القران الكريم :" يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي " فهذه فراسة من هارون عليه السلام ،تفرس من قوم موسى أنهم افتتنوا بفعل السامرى لهم وهذا منه قبل أن يأتوا بصورة من صور الافتتان ، وحتى قبل أن يقول لهم السامرى "هذا إلهكم وإله موسى "
وهذا ما حكاه الإمام الألوسى فى تفسيره :"وقيل :من قبل قول السامرى هذا إلهكم وإله موسى ،كأنه عليه السلام أول ما أبصره حين طلع من الحفيرة تفرس فيهم الافتتان فسارع إلى تحذيرهم .........
الموضع الثانى : ما جاء على لسان الملائكة الذين جاءوا لسيدنا إبراهيم عليه السلام ،واستقبلهم إبراهيم بالكرم ، وهو أبو الضيفان كما يسمى ، جاءهم بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس فى نفسه خيفة وداخله الريب والشك من أمرهم . وعلى الفور تفرس الملائكة هذه الحالة من إبراهيم فأجابوه بما يهدئ من روعه ويشفى غليله فقالوا :" قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ "
هنا هدأ روع سيدنا إبر هيم وتجاوب معهم وزالت منه حالة الخوف والريب ، وكان له منهم بشرى جليلة طالما طلبها إبراهيم وانتظرها من ربه وهى البشارة بالولد عند بلوغه إلى سن متقدمة لكنه عطاء الله ولا حرج على فضل الله " مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا "
ويوضح الإمام الألوسى أن الملائكة إنما أجابت بهذه الإجابة السريعة والتى تهدأ من روع إبراهيم عليه السلام وذلك حين رأوا أثر الخوف وتفرسوا ذلك منه ....... والشوكانى أيضا يؤكد هذا الكلام بقوله فى تفسيره :"قالوا لا تخف " قالوا له هذه المقالة مع أنه لم يتكلم بما يدل على الخوف بل أوجس ذلك فى نفسه فلعلهم استدلوا على خوفه بأمارات كظهور أثره على وجهه ،أو قالوه له بعد ما قال عقب ما أوجس فى نفسه من الخيفة قولا يدل على الخوف كما فى قوله فى سورة الحجرات "قال إنا منكم وجلون " وكذا علل الزمخشرى قولهم بقوله "وإنما قالوا لا تخف لأنهم رأوا أثر الخوف والتغير فى وجهه..."
وهكذا تفهم الفراسة هنا استنباطا من فعل الملائكة ولا نريد أن نتوسع فى هذا المجال من استنباط حالات الفراسة فى القران الكريم قولا وفعلا لأن هذا أمر من الصعوبة بمكان وقد يقتضى التكلف ويتهم فى النهاية بالخروج عن صلب الموضوع ونحن لا يهمنا استقراء جميع المواطن تفصيلا بقدر ما يهمنا الإشارة إلى بعض النماذج التى نثبت من خلالها أن القران الكريم لم يتجاهل موضوع الفراسة بل حكاها على لسان قائليها بأمانة ودقة .
الموضع الثالث : فى هذا الموطن نؤكد أن نوعا من الفراسة غير خاص بالصالحين حيث يحكيها لنا القران الكريم فى هذه المرة على لسان من لا علاقة له بالتقوى وهذا لم يمنعهم من ممارسة الفراسة ،ليثبتوا لنا أن الفراسة منها ما يتوصل إليه بالأسباب .
لما دخل سيدنا يوسف السجن يروى لنا القرآن أنه دخل معه السجن فتيان هذان الفتيان تفرسا فى يوسف الصلاح لما ظهرت عليه من أماراته فهم وإن لم يمارسا الصلاح لكن عندهما قيمه ومعياره . وهذا أمر له دلالته هو أن الذى يأتى بالمعصية قد يكون لديه معيار للصلاح لكنه حُرم ممارسته لذا نجد العاصى تصيبه حالة من الندم والخزى فور إتيانه بالمعصية
صاحبا يوسف رأيا فى منامهما رؤيا أزعجتهما : الأول: رأى وكأنه يعصر خمرا، والثانى: رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه. ومن خلال معاشرتهما ليوسف فى السجن ولما رأوا منه من كريم الخصال والسجايا قالا ما حكاه القرآن الكريم عنهما: "نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين " . يقول ابن عاشور فى تفسيره القيم "وهذان الفتيان هما ساقي الملك، وخبازه غضب عليهما الملك فأمر بسجنهما . قيل : اتهما بتسميم الملك في الشراب والطعام. وهذان الفتيان توسما من يوسف عليه السلام كمال العقل والفهم فظنا أنه يحسن تعبير الرؤيا ولم يكونا علما منه ذلك من قبل وقد صادفا الصواب ولذلك قالا " إنا نراك من المحسنين " أى المحسنين التعبير أو المحسنين الفهم والإحسان : الإتقان ، يقال : هو لا يحسن القراءة أي لا يتقنها . ومن عادة المساجين حكاية المرائي التي يرونها لفقدانهم الأخبار التي هي وسائل المحادثة والمحاورة ولأنهم يتفاءلون بما عسى أن يبشرهم بالخلاص في المستقبل ، وكان علم تعبير الرؤيا من العلوم التي يشتغل بها كهنة المصريين كما دل عليه قوله تعالى حكاية عن ملك مصر " أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون "
ولعلك لاحظت ما عبر به ابن عاشور من أنهما توسما فى يوسف الصلاح ومن ثم القدرة على تعبير الأحلام .
أما الإمام الألوسى فيقول فى هذا المقام :" أنهما لما رأيا يوسف هان عليهما أمر السجن لما وقع في قلوبهما من محبته "وهوى كل نفس حيث حبيبها" ، أخرج غير واحد عن ابن إسحق أنهما لما رأياه قالا له : يا فتى لقد والله أحببناك حين رأيناك فقال لهما عليه السلام : أنشدكما الله تعالى أن لا تحباني ، فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل على من حبه بلاء لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء ثم أحبني أبي فدخل علي من حبه بلاء ثم أحبتني زوجة صاحبي هذا فدخل علي بحبها إياي بلاء فلا تحباني بارك الله تعالى فيكما فأبيا إلا حبه
المبحث الرابع "الفراسة فى السنة " وبعد أن وضعنا نصب أعين القارئ الكريم نماذج من الفراسة فى القران الكريم ،وألقينا عليها بصيصا من الضوء بحيث يتلمسها القارئ بسهولة ويسر .
حان الوقت أن نسوق أيضا نماذج للفراسة من خلال سنة النبى وفى الواقع أن هذا أمر دقيق للغاية ، وينبغى ضبطه فالتوسع فيه يذهب بروح السنة ووحى الله إلى رسوله ، كما أن الاختزال فيه يهضم السنة حقها من ممارسة الفراسة ، ولا نريد أن نتوسع وراء ذكر النماذج حتى لا نذهب بروح السنة المطهرة وإلا لأدخلنا قسطا كبيرا منها ضمن الفراسة وهذا يضعف من مقام السنة فوحى الله لرسوله أقوى بكثير من فراسة المتفرس أيا ما كان نوعها . يقول الإمام ابن القيم فى كتابه "الطرق الحكمية "إن السنة يقع فيها قسط كبير من الفراسة .
ومن أنوع الفراسة ما أرشدت إليه السنة النبوية من التخلص من المكروه بأمر سهل جدا ومن التعريض بقول أو فعل ، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد فى مسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رجل يا رسول الله إن لى جارا يؤذينى .
قال انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق ، فانطلق فأخرج متاعه إلى الطريق فاجتمع الناس إليه فقالوا ما شانك ؟ فقال: إن لى جارا يؤذينى فجعلوا يقولون اللهم العنه اللهم أخرجه ، فبلغه ذلك ، فأتاه فقال ارجع إلى منزلك فوالله لا أوذيك أبدا.
ثم يعلق الإمام ابن القيم على هذه الحادثة " فهذه وأمثالها من الحيل التى أباحتها الشريعة وهى تعين الإنسان بفعل مباح على تخلصه من ظلم غيره وأذاه ،لا الاحتيال على إسقاط فرائض الله واستباحة محارمه ......
ونكتفى هنا بإيراد هذا النموذج فقط حتى لايخرج بنا المقام إلى حد التكلف ، ولا ننكر أبدا أن النبى كان من الناحية البشرية ذا فراسة عالية فصل اللهم وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا .
نماذج من فراسة الصحابة : إذا ذكرنا الفراسة لدى الصحابة انهالت علينا لكل منهم نماذج قد تفوق الحصر فهم للفراسة أكفاء ، وهم أهل لعطاء الله لهم ، مثل هذه الهبات والنفحات الربانية ، ولن نسترسل فى ذكر النماذج حتى لا نطيل على القارئ الكريم فيمل ولكن سنلتزم بأن نورد لكل من نذكره نموذجا واحدا ليس أكثر .
فراسة أبى بكر الصديق رضى الله عنه : كان أبو بكر من أصدق المتفرسين ومواقفه مع الفراسة عديدة ولكننا التزمنا بعدم التطويل ونكتفى فقط بمثال واحد لفراسته وهو تفرسه فى عمر بن الخطاب صلاحيته للحكم والخلافة بعده فاستخلفه على الأمة الإسلامية .
ولعل الأثر عن ابن مسعود ما زال يتردد بآذاننا "أفرس الناس ثلاثة :عزيز مصر فى يوسف ، وبنت شعيب فى موسى ، وأبو بكر فى عمر رضى الله عنه حين استخلفه على المسلمين ."
وورد أن أبا بكر لما عهد بالخلافة لعمر بن الخطاب من بعده – وهذا ما لم يفعله رسول الله -"الاستخلاف"– عاب عليه ولامه بعض الصحابة لشدة عمر وغلظته ، فقال: لإن سألنى ربى عن هذا الفعل لأجبته "استخلفت عليهم قويا فى الحق ...........
فأبو بكر رضى الله عنه تفرس أن الفترة المقبلة فى زمن الأمة لن يصلحها إلا عمر فهو الشديد فى الحق وهو من لا يهاب فى الله لومة لائم ، ولقد صدقت فراسة أبى بكر فى عمر .
فكان عمر جديرا بها دون غيره ،ملأ الدنيا عدلا وتقوى حتى صار مثلا يحتذى به فى العدل بين الرعية وهذا أمر صعب المنال حتى قيل له يا عمر : لقد اجهدت الخلفاء من بعدك ياعمر " يقول ابن القيم "كان الصديق رضى الله عنه أعظم الأمة فراسة، وبعده عمر بن الخطاب رضى الله عنه .
فراسة عمر بن الخطاب رضى الله عنه : إذا ذكرت الفراسة عند الصحابة جاء على رأس القائمة عمر ولو حاولنا حصر نماذج ومواضع فراسته لأعيانا هذا ولأخرجنا منه سفرا عظيما لكننا عند ما اشترطناه على أنفسنا من عدم التطويل .
يقول ابن القيم: " شيخ المتوسمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لم يكن تخطئ له فراسة وكان يحكم بين الأمة بالفراسة المؤيدة بالوحي . يتبع إن شاء الله تعالى..
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 07 يونيو 2021, 4:24 am عدل 1 مرات |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الفراسة فى القرآن الكريم الخميس 31 مارس 2011, 6:05 pm | |
| قال الليث بن سعد أتى عمر بن الخطاب يوما بفتى أمرد وقد وجد قتيلا ملقى على وجه الطريق فسأل عمر عن أمره واجتهد فلم يقف له على خبر فشق ذلك عليه فقال: اللهم أظفرني بقاتله حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبيا مولوداً ملقى بموضع القتيل فأتى به عمر فقال ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى. فدفع الصبي إلى امرأة وقال لها قومي بشأنه وخذي منا نفقته وانظري من يأخذه منك فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها فلما شب الصبي جاءت جارية فقالت للمرأة إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي بالصبي لتراه وترده إليك قالت نعم إذهبي به إليها وأنا معك فذهبت بالصبي والمرأة معها حتى دخلت علي سيدتها فلما رأته أخذته فقبلته وضمته إليها فإذا هي ابنة شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت عمر فأخبرته فاشتمل على سيفه ثم أقبل إلى منزل المرأة فوجد أباها متكئا على باب داره فقال له يا فلان ما فعلت ابنتك فلانة؟
قال : جزاها الله خيرا يا أمير المؤمنين هي من أعرف الناس بحق أبيها مع حسن صلاتها والقيام بدينها ، فقال عمر قد أحببت أن أدخل إليها فأزيدها رغبة في الخير وأحثها عليه فدخل أبوها ودخل عمر معه فأمر عمر من عندها فخرج وبقي هو والمرأة في البيت فكشف عمر عن السيف وقال: اصدقيني وإلا ضربت عنقك ، وكان لا يكذب ، فقالت على رسلك فوالله لأصدقن إن عجوزا كانت تدخل علي فأتخذها أماً ، وكانت تقوم من أمري بما تقوم به الوالدة وكنت لها بمنزلة البنت حتى مضى لذلك حين ثم إنها قالت يا بنية إنه قد عرض لي سفر ولي ابنة في موضع أتخوف عليها فيه أن تضيع وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد فهيأته كهيئة الجارية وأتتني لا أشك أنه جارية فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية حتى اغتفلني يوما وأنا نائمة فما شعرت حتى علاني وخالطني فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جانبي فقتلته ثم أمرت به فألقى حيث رأيت فاشتملت منه على هذا الصبي فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك.. فقال: صدقتِ.. ثم أوصاها ودعا لها وخرج وقال لأبيها نعمت الابنة ابنتك ثم انصرف
وهكذا كانت فراسة الفاروق عمر ، كيف لا وهو من وافق الوحى أو وافقه الوحى فى أكثر من موضع حتى ألف الإمام السيوطى فى هذا مؤلفا أسماه "قطف الثمر فى موافقات عمر "
فراسة عثمان بن عفان:
إن نموذج الفراسة عند سيدنا عثمان بن عفان يعد أصلا من الأصول التى تثبت بها الفراسة ، فتروى كتب السير والتاريخ أن رجلا دخل على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه، فقال له عثمان : يدخل أحدكم على أحدكم وفى عينيه أثر الزنا.
فقال رجل أوحى بعد رسول الله ؟فقال: لا ولكن فراسة صادقة. ومن هذه الفراسة أنه رضى الله عنه لما تفرس أنه مقتول ولابد ، أمسك عن القتال والدفع عن نفسه لئلا يجرى بين المسلمين قتال وآخر الأمر يقتل، فأحب أن يقتل من غير قتال يقع بين المسلمين ........"
فراسة على بن أبى طالب:
لقد تربع الإمام على رضى الله عنه على عرش الفراسة فى زمنه فكان متفرسا حصيفا وبها كان يفك المعضلات حتى ضرب به المثل فى تصديه للمعضلات ويقال فى المثل السائر "قضية ولا أبا الحسن لها " ، ويقال عند مواجهة قضايا صعبة لدرجة كبيرة .
ومن هذه المعضلات التى قضى فيها الإمام على بالفراسة ، " ورد أن رجلين من قريش دفعا إلى امرأة مائة دينار وديعة وقالا لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه فلبثا حولا.
فجاء أحدهما فقال: إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير فأبت، وقالت: إنكما قلتما لي لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه فلست بدافعتها إليك فثقل عليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها إليه ثم لبثت حولا آخر فجاء الآخر فقال ادفعي إلي الدنانير فقالت إن صاحبك جاءني فزعم أنك قد مت فدفعتها إليه.
فاختصما إلى عمر رضي الله عنه فأراد أن يقضى عليها فقالت ادفعنا إلى علي بن أبي طالب فعرف علي أنهما قد مكرا بها ، فقال: أليس قد قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه؟
قال: بلى.. قال: فإن مالك عندها فاذهب فجئ بصاحبك حتى تدفعه إليكما........" أرأيتم فراسة كفراسة على إنها حقا نور الله يعطيه من يشاء من عباده " يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ .........."
رأينا كيف تفرس الإمام على كرم الله وجهه فى فعل هذين الرجلين بالمرأة، فألقمهما حجرا فأصاب منهما مقتلا .
فالفراسة نفحة من نفحات الله وعطية من عطاياه التى لا حدود لها . فراسة عبد الله بن عمر:
إنه ابن الخطاب وأحد العبادلة الأربعة المكثرين من الرواية فى الحديث عن رسول الله ، وكان ملازما لرسول الله لا يفارقه إلا اليسير ، وكان شديد التأسى برسول الله فى كل شيئ فلا عجب أن يرث الفراسة من ينبوعها الصافى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ربيب بيت النبوة، أسلم قبل أبيه وشهد الغزوات العديدة مع النبى.
ومن فراسته ما كان بينه وبين الحسين بن على عندما استدعاه أهل العراق للولاية ومكر به الوالى وحذره الفرذدق بأن قلوب أهل العراق معه لكن سيوفهم تابعة للبيت الأموى فهى عليك يا حسين "قلوبهم معك وسيوفهم عليك "
أصر الحسين على الخروج لأهل العراق لما وصله من بعض الكتب قبل تغيير الموقف هناك ، فلما أراد الحسين أن يودع ابن عمر قال له ابن عمر : أستودعك الله من قتيل " ومعه كتب العراق ، فكانت فراسة ابن عمر فى الحسين أسرع من كتب أهل العراق ، واستشهد الحسين بن على على يد أهل العراق " .
والكلام عن الصحابة وفراستهم لا تمله الآذان ولا تحيط به الأقلام ،وإذا تركنا الكلام والحديث عن فراسة الصحابة إلى غيرهم ممن هو دونهم وجدنا أيضا سفرا عظيما وحمل بعير .
فعطاء الله مستمر ولا يخلو زمن من أولياء يستحقون أن يفيض الله عليهم . فراسة إياس:
إياس بن معاوية يضرب به المثل قديما وحديثا فى حدة الذكاء وقوة الفراسة كان على حد قول الجاحظ فى البيان والتبيين: " وجملة القول في إياس أنه كان مفاخر مُضَر ومن مقدمي القضاة ، وكان رقيق البدن رقيق المسلك في الفطنة وكان صادق الحدس نقابا وعجيب الفراسة ملهما وكان عفيف الطعم كريم المدخل والشيم وجيها عند الخلفاء مقدما عند الأكفاء
ومن فراسته:
أنه تقدم إليه أربع من النسوة فقال إياس أما إحداهن فحامل والأخرى مرضع والأخرى ثيب والأخرى بكر.
فنظروا فوجدوا الأمر كما قال، قالوا: وكيف عرفت؟ فقال: أما الحامل:
فكانت تكلمني وترفع ثوبها عن بطنها فعرفت أنها حامل.وأما المرضع:فكانت تضرب ثدييها فعرفت أنها مرضع.وأما الثيب:فكانت تكلمني وعينها في عيني فعرفت أنها ثيب .وأما البكر:فكانت تكلمني وعينها في الأرض فعرفت أنها بكر...." هذا وما أوردناه من نماذج تدل على أن الفراسة تمتع بها الكثير والكثير وهى أمر لا يمكن إنكاره أو تجاهله ، وينبغى ألا نتوسع فى ضوابطه ،لكن لا يدعونا هذا إلى أن ننكره أو نتجاهله أو ندعى عدم وجوده، فالأدلة والواقع يؤكدان وجود الفراسة فى كل زمان ومكان.
ونلحق بهذا المبحث مبحثا آخر شديد الصلة به وهى الأجوبة الحصيفة البليغة ،فقد أدخلها بعض العلماء ضمن نماذج الفراسة فلا أقل من أن نلحقها بالفراسة.
ومن الأجوبة الحصيفة التى نلحقها بالفراسة الكلامية:
أن العباس عم النبى سُئل : أنت أكبر أم رسولُ الله ؟
فقال : هو أكبر منى وأنا ولدت قبله .وسُئل أيضا قباث بن إشيم؟فقال : رسول الله أكبر منى وأنا أسن منه .ومن ألطف ما يحكى فى ذلك أن بعض الخلفاء سأل رجلا عن اسمه؟فقال : سعد يا أمير المؤمنين .فقال : أى السعود أنت ؟قال : سعد السعود لك يا أمير المؤمنين ، وسعد الدابح لاعدائك وسعد الأخبية لسرك ، فأعجب أمير المؤمنين بحسن جوابه . وأصل هذا الباب قوله تعالى : "وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم" فالشيطان يتحين الفرص لإفساد ذات البين خاصة إذا احتد الخطاب بين المتخاطبين فيحدث ما لا يحمد عقباه
فرب حرب وقودها جثث وهامأهاجها القبح من الكلامكما أن أصله أيضا قول الله تعالى: "وهدوا إلى الطيب من القول "هدى الله الجميع إلى الطيب من القول امتثالا لأمر الله تعالى "وقولوا للناس حسنا " ومن ومحاسن هذاالمبحث أيضا: أن الرشيد رأى فى داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ قال عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل الخيزران لموافقته اسم أم الأمير.
ونظيره أن بعض الخلفاء سأل ولده –وفى يده مسواك– وقال له ما جمع هذا؟ فأجاب الولد: محاسنك يا أمير المؤمنين، فأعجب الخليفة بإبداع جوابه واختياره الطيب من القول.
الخاتمة
وهكذا بعد أن طفنا قليلا حول الفراسة ونماذجها فى الكتاب والسنة ولدى الصحابة والتابعين والقضاة والحكام
* نقرر أن الفراسة ظاهرة لا يمكن إغفالها ، وحسب ما سبق من تقسيمها *نتوصل إلى أن الفراسة منها ما هو فيض من نور الله وهو أمر خاص بمن اختصه الله تعالى وحده .
ومنها أى الفراسة ما هو بالممارسة والتفحص
*ومع إقرارنا بالفراسة ووجودها إلا أننا نحذر من أن تسيطر الفراسة على كل تصرفاتنا ، وتصبح مهيمنة على حياتنا فتتحول الفراسة إلى شبح يطاردنا وعندها نعول عليه كل أفعالنا وعلاقاتنا .
*فما أجمل التوسط فى كل شيئ ، فالجيد فى كل باب هو ما توسط الإفراط والتفريط .
فدعوة إلى التوسط فى موضوع الفراسة بحيث لا إفراط ولا تفريط ، فلا ننكر الفراسة بالكلية كما لا نجعلها مهيمنة ومسيطرة على تصرفاتنا مع الغير .
ويكفينا فى كل شيئ أن نعمل بالأسباب متوكلين على الله تبارك وتعالى .
المراجع
القرآن الكريم
1. أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزى المؤلف : أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزى الناشر : المكتب التجاري - بيروت
2. البيان التبيين للجاحظ المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الناشر : دار صعب – بيروت الطبعة الأولى ، 1968 تحقيق : المحامي فوزي عطوي3. تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي4. التعرف لمذهب أهل التصوف المؤلف : محمد الكلاباذي أبو بكر الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت ، 14..5. التعريفات للجرجانى علي بن محمد بن علي الجرجانيالناشر : دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى ، 14.5 تحقيق : إبراهيم الأبياري6. تفسير ابن جرير "جامع البيان في تأويل آى القرآن"محمد بن جرير، أبو جعفر الطبري،224 - 31. هـ تحقيق أحمد محمد شاكر الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى ، 142.هـ7.تفسير ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي 7.. -774 هـ المحقق : سامي بن محمد سلامة الناشر : دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة : الثانية 142.هـ - 1999 م7. تفسير أبى السعود إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبى السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي ط دار إحياء التراث العربى8. تفسير البغوى " معالم التنزيل محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى 516 هـ حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرشالناشر : دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة : الرابعة ، 1417هـتفسير البيضاوى أنوار التنزيل وأسرار التأويل المؤلف : ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي9. تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور10. تفسير الدر المنثور في التأويل بالمأثور المؤلف : عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي 911هـ الناشر : دار الفكر - بيروت ، 199311. تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن12. المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي أبو عبد الله ط دار أحياء التراث العربى13. تفسير الكشاف لأبى القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله14. تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل المؤلف : عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين أبو البركات النسفي .15. تفسير روح المعانى في تفسير القرآن العظيم والسبع المثانيالمؤلف : شهاب الدين محمود ابن عبد الله الحسيني الألوسي الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت16. تفسير زاد المسير في علم التفسير المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي الناشر : المكتب الإسلامي – بيروت الطبعة الثالثة ، 14.417. تفسير فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير المؤلف : محمد بن علي الشوكاني18. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء المؤلف : أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني19. الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الرابعة ، 14.5 هـ20. سنن الترمذى المؤلف : محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت تحقيق : أحمد محمد شاكر وآخرون21. سنن الدرامى لعبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى ، 14.7 تحقيق : فواز أحمد زمرلي , خالد السبع العلمي22. شرح العقيدة الطحاويةالناشر : المكتب الإسلامي – بيروت الطبعة : الثانية - 141423. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان المؤلف : محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي الناشر : مؤسسة الرسالة – بيروت الطبعة الثانية ، 1414 تحقيق : شعيب الأرنؤوط24. صحيح البخارى الجامع الصحيح المختصر المؤلف : محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي الناشر : دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ، 14.7 هـ25. صحيح مسلم : مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي26. الطرق الحكمية في السياسة الشرعية المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله الناشر : مطبعة المدني – القاهرة تحقيق : د. محمد جميل غازي27. الفائق فى غريب الحديث والأثر: المؤلف : محمود بن عمر الزمخشري الناشر : دار المعرفة – لبنان الطبعة الثانية تحقيق : علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم .28. فتاوى لابن تيمية "مجموع الفتاوى "أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس29. القاموس المحيط للفيروزآبادى30. لسان العرب لابن منظور محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ط دار صادر – بيروت الطبعة الأولى31. مختار الصحاح لزين الدين الرازى محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي الناشر : مكتبة لبنان ناشرون – بيروت الطبعة 1415 تحقيق : محمود خاطر32. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعينالمؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الثانية ، 1393هـ تحقيق : محمد حامد الفقي33. المستدرك على الصحيحين المؤلف : محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1411 - تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا34. مسند الشاميين المؤلف : سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني الناشر : مؤسسة الرسالة - بيروتالطبعة الأولى ، 14.5 تحقيق : حمدي بن عبد المجيد السلفي35. مسند الشهاب المؤلف : محمد بن سلامة بن جعفر أبو عبد الله القضاعي الناشر : مؤسسة الرسالة - بيروتالطبعة الثانية ، 14.7 هـ تحقيق : حمدي بن عبد المجيد السلفي36. مصنف ابن أبى شيبة : المصنف في الأحاديث والآثارالمؤلف : أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي الناشر : مكتبة الرشد – الرياض الطبعة الأولى ، 14.9هـتحقيق : كمال يوسف الحوت37. المعجم الأوسط للطبرانى المؤلف : أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني الناشر : دار الحرمين - القاهرة ، 1415 تحقيق : طارق بن عوض الله بن محمد ,عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني38. المعجم الكبير للطبرانى المؤلف : سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني الناشر : مكتبة العلوم والحكم – الموصل الطبعة الثانية ، 14.4 - 1983تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد السلفي39. منازل السائرين المؤلف : عبد الله الأنصاري الهروي الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت ، 14.8 الفهرس
المقدمة ................... 2
التمهيد .................. 4 المبحث الأول
تعريف الفراسة .................... 5
أسباب الفراسة ..................... 11درجات الفراسة .................... 13أقسام الفراسة ..................... 14كيفية التفرس ....................... 18 المبحث الثانى
القضاء بالفراسة ..................... 2.
المبحث الثالث
الفراسة فى القرآن ...................... 23
الموطن الأول ....................... 24الموطن الثانى ...................... 27الموطن الثالث ...................... 31الموطن الرابع ...................... 35 المبحث الرابع
الفراسة فى السنة .................... 44
نماذج من فراسة الصحابة ................... 45فراسة أبى بكر الصديق ................... 45فراسة عمر بن الخطاب .................... 46فراسة عثمان بن عفان .................... 47فراسة الإمام على ..................... 48فراسة عبد الله بن عمر ....................... 49فراسة إياس ...................... 49الخاتمة ...................... 52المراجع ..................... 53تم بحمد الله تعالى وتوفيقه وشكر الله للمؤلف وجعله في ميزان حسناته. |
| | | | الفراسة فى القرآن الكريم | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|