أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: اليوم العاشر: يا ابن آدم، انفق ينفق عليك الجمعة 20 أغسطس 2010, 5:13 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اليوم العاشر: يا ابن آدم، انفق ينفق عليك بقلم: الشيخ عوينات محي الدين غفر الله له ولوالديه وللمسلمين في شهر رمضان تسخوا النفوس، ويقلُّ فيها الشح، وتمتلئ بالإيمان القلوب، فتعظم لديها الآخرة، وتصغر في نظرها الدنيا، ويسهل عليها البذل، فتسيل الأيدي بالعطاء، ويهون شأن المال، فيكثر ويبارك فيه، ويتحقق الوعد الإلهي، ويستجاب دعاء الملك الذي يرسله الله تعالى كل يوم كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)). فلو استجاب الناس لداعي ربهم، ووثقوا في وعده تعالى، الوعد الحق الصادق الذي لا يتخلّف موعوده، هو وعد الرحمن الذي وصف به نفسه في محكم التنزيل وأصدق القيل حيث قال سبحانه: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأنفُسِكُم مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيراً وَأعظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20]. وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]. فإن المال لا ينقص بسبب النفقة، بل يزيد بركة ونفعاً، وتزيد القلوب إيماناً ويقيناً، وتصلح النفوس وتزكوا... لو فعلنا ذلك لسعدنا قي دنيانا وأخرانا. ولقد كان شأن سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم عجيباً في عطائه وسخائه وجوده، فعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، وفي صحيح مسلم عنه قال: ما سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه فجاء رجل فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة. وفي مغازي الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان يومئذ وادياً مملوءاً إبلاً ونعماً، فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي، وعن جابر قال: ما سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال لا، وكان جوده صلى الله عليه وسلم كله لله وفي ابتغاء مرضاته، وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده فيُعطي عطاءً يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء فيأتي عليه الشهر والشهران لا توقد في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع. وكان قد أتاه سَبْيٌ مرة فشكت إليه فاطمة رضي الله عنها ما تلقى من خدمة البيت وطلبت منه خادماً يكفيها مؤونة بيتها فأمرها بأن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها وقال: " لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع. وكان جوده -صلى الله عليه وسلم- يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل -عليه السلام-، وكان يلقاه جبريل كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة. رواه البخاري ومسلم. كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضاً. وفي تضاعف جوده -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان فوائد كثيرة منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، وفي الترمذي عن أنس مرفوعاً: (أفضل الصدقة صدقة في رمضان). ومنها إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، ومنها أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لاسيما في ليلة القدر والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”. فمَنْ جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل، ومنها أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن في الجنة غُرُفاً يُرَى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها” قالوا: لِمَنْ هِيَ يا رسولَ الله؟ قال: “لِمَنْ طَيَّبَ الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلّى بالليل والنَّاسُ نِيَام”. ومنها أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقص وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه، ولهذا وجبت في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، ومنها أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا أعان الصائمين على التقوى على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله. وقال الشافعي -رضي الله عنه-: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم. ولقد كان مما وعد الله به المؤمنين المنفقين أموالهم في وجوه الخيرات حسن العاقبة بكمال الإخلاف عليهم كِفاء البذل والسخاء بمال الله الذي آتاهم إياه، واستخلفهم فيه، تفضلاً منه ومناً، وجوداً وإحساناً وبراً وكرماً، فقال عَزَّ اسمه: أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدَل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب. كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: (قال الله عز وجل: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك)، ألا وإن دعاء المَلك بالإخلاف على المنفق عام في الدنيا بحصول البركة في المال ونمائه وطيبه وازدياده، وفي الآخرة بحسن الثواب وكريم الجزاء. وأمَّا دُعاء المَلك الآخر على المُمسك بالتلف فهو إمَّا بذهاب ذلك المال بعينه، أو بتلف نفس صاحب المال، والمُراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها. وفي الصحيحين أيضاً عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله: ((أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك))، وهو نهي لها رضي الله عنها أن تمنع الفضل من مالها، فلا تنفقه في وجوه الطاعات خشية نفاده، فتكون العاقبة عند ذاك أن يقطع الله عنها مادة الرزق، ويحجب عنها بركة الإنفاق، وبئست العاقبة وقَبُحَ المآل. وإزاء هذا الوعد الرباني يأتي وعد الشيطان للإنسان بالفقر إذا هو أنفق مما آتاه الله، قال تعالى: ((الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللهُ يَعِدُكُمْ مغفرةً منه وفضلاً واللهُ واسعٌ عليمٌ)) البقرة 268. فهذا -كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله- وعد الشيطان وهو الكاذب في وعده، الغادر الفاجر في أمره، فالمستجيب لدعوته مغرور مخدوع مغبون، فإنه يدلي من يدعوه بغروره، ثم يورده شر الموارد. هذا وإن وعده له بالفقر ليس شفقة عليه، ولا نصيحة له كما ينصح الرجل أخاه، ولا محبة في بقائه غنياً، بل لا شيء أحب إليه من فقره وحاجته، وإنما وعده له بالفقر، وأمره إياه بالبخل ليُسيء ظنه بربه، ويترك ما يحبه من الإنفاق لوجهه، فيستوجب منه الحرمان. فهذا وعد الله، وذاك وعد الشيطان، فلينظر البخيل والمنفق أي الوعدين هو أوثق، وإلى أيهما يطمئن قلبه، وتسكن نفسه، والله يوفق من يشاء، ويخذل من يشاء وهو الواسع العليم. اللهم اجعلنا من أهل الجود والكرم، وطهر قلوبنا من البخل والشح، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. والحمد لله رب العالمين.
|
|