حكم الاحتفال بالسنة الهجرية
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَنْ اهتدى بهداه..
أما بعد:
فقد اطلعت على ما كتبه الأخ: فريد بن عبد الحفيظ مياجان في صحيفة المدينة الصادرة في 15 \ 2 \ 1415هـ يؤيد بذلك ما كتبه عبد الله أبو السمح من تحبيذ الاحتفال بالمناسبات الإسلامية.
فرأيت أن من الواجب التنبيه على غلطهما في ذلك; نصحاً لله ولعباده، وعملا بقوله عز وجل: ((وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))..
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم وغيره.
وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم وحذَّر منه عباده، كما في قوله سبحانه: ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))..
وقوله عز وجل: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)).
ولا شك أن الدعوة إلى إقامة الاحتفالات الإسلامية التي لم يحتفل بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم من البدع المحدثة في الدين، ومن أسباب الغلو في دين الله، وشرع عبادات لم يشرعها الله، وقد يكون بعضها مع كونه بدعة وسيلة للشرك الأكبر; كالاحتفال بالمولد النبوي، وموالد الصحابة والعلماء، وقد قال الله عز وجل: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ))..
وقال سبحانه: ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))..
وقال سبحانه: ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أخرجه مسلم في صحيحه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه: ((أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة))، خرَّجه مسلم في صحيحه.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على علماء المسلمين، وعلى طلبة العلم، وعلى كل مسلم أن يتقي الله، وأن يحذر الدعوة إلى غير ما شرعه من البدع والمحدثات، وأن يرضى بما رضي الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، ففي ذلك السعادة والعاقبة الحميدة، والنجاة في الدنيا والآخرة، والبُعد عن التشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى الذين أحدثوا في دينهم ما لم يأذن به الله، فضلوا وأضلوا.
ومن الواجب على المسلم -بدلاً من إحداث البدع والدعوة إليها- التواصي بالحق والتناصح، والعناية بتدبر القرآن الكريم والإكثار من تلاوته، والعناية بالسنة الصحيحة والدعوة إلى ذلك قولاً وعملاً في المساجد والبيوت، والعناية بحلقات العلم والإكثار منها، حتى يتعلم الجاهل، ويتذكر الناسي، ويكثر الخير، ويقل الشر، كما كان السلف الصالح رحمة الله عليهم يقومون بذلك ويتواصون به.
والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل به، وأن يُصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يجعلنا من المتواصين بالحق والدَّاعين إليه على بصيرة، وأن ينصر دينه ويُعلي كلمته، وأن يُصلح أحوال المسلمين جميعاً، ويُولي عليهم خيارهم، ويُصلح قادتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
فتاوى الشيخ ابن باز (5/ 328).
والفتاوى في هذا المعنى كثيرة، فعلى هذا لا يجوز الاحتفال بعيد رأس السنة الهجري ولا بغيره من الأعياد المخترعة، وقد جعل الله تعالى عيد الفطر وعيد الأضحى أعياد أهل الإسلام.