أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: اليوم الرابع: الاستكثار من الأعمال الصالحة الثلاثاء 17 أغسطس 2010, 5:27 am | |
| اليوم الرابع: الاستكثار من الأعمال الصالحة بقلم: الشيخ عوينات محي الدين غفر الله له ولوالديه وللمسلمين الحمد لله من علينا بإدراك شهر البركات، الذي يعين المؤمنين على عمل الصالحات، ويحثهم على استباق الخيرات، والمسارعة إلى مغفرة الله وجنة عرضها الأرض والسموات. فاغتنموا أيها المسلمون هذه النفحات، استبقوا الخيرات، ونافسوا في جليل القربات، وداوموا على ما أنتم عليه من الباقيات الصالحات، تفوزوا من الله بعظيم المنح والهبات، وتكونوا من الصالحين الذين وصفهم مولاهم بجميل الصفات أحمده سبحانه، يهدي من استهداه، ويجيب من دعاه، ويوفق لفعل الخير من تحراه، ويضاعف المثوبة لمن فعله يبتغي رضاه . في جملة من الآيات يحثنا ربنا على الاستكثار من الأعمال الصالحة، كما قال سبحانه وتعالى: {وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون * أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}. التوبة89 المؤمن الحق كيس فطن، ذكي زكي، موفق معان، ولذلك يحرص على فعل الخير، ويسارع إليه، ويتحرى أهله، ويحضر مكانه، ويرتقب زمانه، فإذا شهد مناسبته، أو عرض له سببه، أو دعي إليه سبق إليه مجيباً لداعيه، ففعل ما استطاع منه، واعتذر عما عجز عنه، ورجا من الله الثواب بفضله ورحمته. وإذا كان هذا مطلوب من المسلم في الأيام العادية فهو في رمضان أوجب. وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأصحابه وهم في غزوة تبوك: «إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض. وفي رواية: إلا شركوكم في الأجر» متفق عليه. وكيف لا يطمع في فضل الله من يعلم سعة رحمته، وعظيم غناه، وأنه الجواد الكريم الرءوف، البر الرحيم، ولذلك يجزي بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وما كان عطاء ربك محظوراً، انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً. وإذا تدبر المسلم في مستقبله وما يعرض له من الآفات التي تعوقه عن مواصلة السير إلى ربه لكان حرياً به أن يستكثر في زمن العافية من هذه الخيرات قبل حلول العوارض، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: [بادروا بالأعمال [أي الصالحة] سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا أو غنى مطغيًا أو مرضًا مفسدًا أو هرمًا مفنداً [أي موقعًا في الفند وهو كلام المخرف] أو موتًا مجهزًا [أي سريعًا] أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر]. رواه الترمذي. ولذا كان أبو سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه يقول: ما كان في الأرض ليلة أُبَشَّر فيها بِغُلام ويُهْدَى إليّ عَروس أنا لها مُحِبّ أحبّ إليّ من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أُصَـبِّح بهم العدو. رواه ابن أبي شيبة وأبو يَعلى. وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. وما ذاك إلاّ لِشِدّة حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخيرات. قال أبو هريرة رضي الله عنه يَصِف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم: وكانوا أحرص شيء على الخير. رواه البخاري. ولَمّا كانوا كذلك.. كَتَب الله لهم الفلاح مع ما نالُوا من الخيرات. قال تعالى: "لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". إذا أقبلت مواسم الخيرات جَدّوا.. وإذا أظلّتهم سحائب المغفرة استمطروها.. وإن طرقتهم نَفَحات ربِّهم تعرّضوا لها.. وإن هَبّت بهم لَفَحات الهاجرة استعذبوا العذاب في ذات الله.. إن علموا شيئا من الخير طاروا إليه زُرافات ووحدانا.. وإن اشرأبّت أعناق الفِتَن.. وجدتهم أحلاس بيوتهم.. تسمو بِهم هِممهم إلى الثريا! بينما تقصُر بهم دون ثرى الشرّ! كانوا إذا علِمُوا شيئا من الخير تسابقوا إليه، وتنافَسُوا فيه. كانوا يُؤثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. إلاّ أنهم لا يُؤثِرُون أحدا بِنصيبهم من الآخرة.. قال أبو الفتح البستي: دع التكاسل في الخيرات تَطلبها = فليس يَسعد بالخيرات كسلان لا ظِلّ للمرء يَعْرى مِن تُقى ونُهى = وأن أظلّته أوراق وأغصان وقال الثعلبي: من أغلب العادة أن الكسل لا يجتمع والسعادة. وقال ابن القيم: أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدْرَك بالنعيم، وأن من رافق الراحة. "ولِهذا قالت العقلاء قاطِبة على أن النعيم لا يُدْرك بالنعيم، وأن الراحة لا تُنال بالراحة، وأن من آثر اللذات فاتته اللذات". وقال كذلك، والتكاثر أن يَطلب الرجل أن يكون أكثر مِن غيره، وهذا مذموم إلاَّ فيما يُقَرِّب إلى الله، فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومُسَابَقة إليها. في هذا كانت مُنافسة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم.. فقد جاء فقراء الْمُسْلِمِينَ إلى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ: ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً. رواه البخاري ومسلم. زاد مسلم: قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالُوا: سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا ,فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. قال ابن رجب: فَكَان الفقراء يَحزَنُونَ على فواتِ الصَّدقة بالأموال التي يَقدِرُ عليها الأغنياء، ويَحْزَنُون على التخلُّف عن الخروجِ في الجهاد؛ لِعَدَم القُدْرَة على آلَتِه. اهـ. لقد كان التنافس على أشدِّه بين سلف هذه الأمة على فعل الخيرات.. حتى كان بعض سادات التابعين يقولون: أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يفوزوا بمحمد صلى الله عليه وسلم دوننا؟ والله لأزاحمنهم عليه حتى يعلموا أنهم خَلّفوا بعدهم رجالاً! سَارِع إلى الخيرات في موسم الخيرات.. وحَذَارِ أن تكون مَحروما.. فقد صَعَد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: آمين، آمين، آمين. قيل: يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين. فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني فقال لي: مَن أدرك شهر رمضان فلم يُغْفَر له، فدخل النار، فأبعده الله، قُل آمين، فقلت: آمين. ومَن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يَبرّهما فمات، فدخل النار، فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين. ومَن ذُكِرْتَ عنده فلم يُصَلّ عليك فمات، فدخل النار، فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين. رواه ابن خزيمة والحاكم وصححه، ورواه ابن حبان. والـبُعد هنا بِمعنى الطرد والهلاك، ففي رواية: فأبعده الله وأسحقه. "مَن أدرك شهر رمضان فلم يُغْفَر له، فدخل النار، فأبعده الله".. مَن أدرك رمضان فلم يُغفَر له فَمتى يلتمس المغفرة؟ من أدرك مواسم الخيرات فلم يُغفَر له فمتى يرجو المغفرة؟ من لم يستغل هذه الفرصة فأي فرصة يرجوها؟ "فأبعده الله".. وذلك لأنه اجتمع له في شهر رمضان ما لم يجتمع له في غيره من سائر الأيام.. شهر فُتِحت فيه أبواب الجِنان، وغُلِّقَت فيه أبواب النيران.. ويُنادي فيه منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.. ولله عتقاء من النار في هذا الشهر، وذلك كل ليلة. شَهْر صُفِّدَت فيه مَرَدَة الشياطين، فلم تخلص إلى ما كانت تخلص إليه في غير رمضان.. شهر يجِد فيه المؤمن على الخير أعوانا.. شهر يضعف فيه سُلطان الشهوات.. ويقوى فيه سُلطان العقل.. فلما اجتمعت كل هذه الخصال في شهر الخير.. كان المحروم من حُرِم خير هذا الشهر.. ولذا لَمَّا دخل رمضان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن هذا الشهر قد حَضَركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرِمها فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحْرَم خَيرها إلاَّ مَحْرُوم. رواه ابن ماجه، وحسّنه الألباني. ولو لم يكن في المسارعة إلى الخيرات وفيها، إلاّ السلامة من البُعد عن الله، والفوز بِثناء الله، إذ يقول: (وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ). إن العبد إذا استجاب لداعي الخير فسارع إليه وسبق الناس فيه، فإنه يفوز من الله الكريم بمنح كريمة، وعطايا جزيلة، وأجور عظيمة، فإنه بذلك يكون مستجيباً لله والرسول، وجزاءه على ذلك الحياة الطيبة الكريمة، والأمن من أن يحال بينه وبين قلبه، والعافية من المحن، والنجاة من الفتن. اللهم اجعلنا للصالحات من السابقين، ولفرص الخير من المغتنمين، وللجنان من الداخلين، وللفردوس الأعلى من الساكنين، وفي شهر رمضان من الفائزين... اللهم آمين.
|
|