ومن بلاغة التراكيب التي تظهر في "التذييل" (135) الذي ختمت به الآية الكريمة: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ غافر: 35، أنه قدم "كل" على "قلب"من أجل (استغراق أفراد القلوب ممن اتصف بهذا الوصف، ومن المقطوع به أن آحاد القلوب موزعة على آحاد الأشخاص لأنه لا يكون لشخص أكثر من قلب بخلاف ما إذا قدم القلب فإنه قد يدعى أن الشخص الواحد، وأن السور لأجل جمعه لأنواع الكبر والجبروت) (136).
ويلحظ هنا أنه وصف القلب بالتكبر والتجبر، (لأنه مركزهما ومنبعهما، كما تقول: "رأت العين، وسمعت الأذن"، ونحوه قوله تعالى: "فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ " البقرة: 283 وإن كان الآثم هو الجملة) (137).
(5) في المشهد الخامس يعلن فرعون إصراره على التكذيب، ويحيد عن الحوار، ويتوارى خلف السلطة وبهرج الملك، ويصدر القرار بالقتل والإبادة لموسى وأتباعه، مجسدا كل معاني الكفر والاستهزاء والغطرسة، وتحدي الإله الحق، وعندها يصرح المؤمن أمام هذه الغطرسة والتكبر أنه هو من يدل على الرشاد لا فرعون، ولكن دون أن يحصر الرشاد فيه كما زعم فرعون، ويفرِّع المؤمن تذكيره لقومه ببيان حقيقة الدنيا والآخرة مقارنا بين الدارين الفانية والباقية، ومطمعا في ثواب الباري – جل وعلا -، متعجبا من دعوى الفريقين، دعوته هو، ودعوة قومه، وهل بين الدعوة إلى الجنة، والدعوة إلى النار تماثل أو تكافؤ؟! أم بين نعيم الإيمان والتوحيد، وشقاء الكفر والشرك تدان او تشابه: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴿36﴾ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴿37﴾ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴿38﴾ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴿39﴾ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿40﴾ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ﴿41﴾ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ﴿42﴾ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴿43﴾ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد ﴿44﴾.
ويحيد فرعون عن حوار المؤمن هروباً من مواجهة الحق، متدرعاً ببهرج السلطة وخيلاء الملك فيقول لوزيره: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا...﴾ غافر: 36-37، أي أن فرعون خاطب "هامان" وانصرف عن المؤمن معرضاً عن جوابه؛ لأنه لم يجد فيه مطعنًا (138)، ويبدو أن منطق الرجل المؤمن وحجته كانت من شدة الوقع بحيث لم يستطع فرعون ومن معه تجاهلها فاتخذ فرعون لنفسه مهرباً جديداً (139).
ويعمد فرعون إلى أسلوب التمني البلاغي (140) في قوله تعالى: ﴿...لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ...﴾ ليلبس على قومه ويوهم عليهم الأمر قال البقاعي: (وتعليله بالترجي الذي لا يكون إلا في الممكن دليل على أنه كان يلبس على قومه وهو يعرف الحق) (141).
قال أبو حيان: وبلوغُ أسباب السماوات غير ممكن، لكنَّ فرعون أبرز ما لا يمكن في صورة الممكن تمويهاً على سامعيه) (142). أي أن مجيء "لعل" في التركيب يفيد معنى التمني لشيء محبوب لا يرجى حصوله لاستحالة أو لبعد تحقيقه (143)، ويجتمع في قوله تعالى …) لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى...) أسلوبان بلاغيان، الأول هو الفصل، حين ترد الآية غير معطوفة على سابقتها؛ لأنها متعالقة مع الآية السابقة، بيانا وتوضيحا لها.
والآخر: تضمنها لأسلوب الإبهام و(المعنى المقصود إذا ورد في الكلام مبهما فإنه يفيد بلاغة ويكسبه إعجابا وفخامة، وذلك لأنه إذا قرع السمع على جهة الإبهام فإن السامع له يذهب في إبهامه كل مذهب)(144)، فقد أبهمت الآية الأسباب ثم أوضحتها، (وفي إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها) (145)، وقد جعل ابن الأثير الآية الكريمة من شواهد الإبهام ثم التفسير، فقال: (ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى" فإنه لما أراد تفخيم ما أمَّل فرعون من بلوغه أسباب السموات أبهمها أولاً ثم فسرها ثانيا، ولأنه لما كان بلوغها أمرا عجيباً أراد أن يورده على نفس متشوقة إليه، ليعطيه السامع حقه من التعجب فأبهمه ليشوف إليه نفس هامان ثم أوضحه بعد ذلك) (146).
كما أن في تكرار "أسباب" معرفة بـ "ال" مرة ومضافة أخرى، تفخيما لشأنها، فإنها أسباب تحوي أسرار السموات وحقائق الكون المهيب. قال الزمخشري: (إذا أبهم الشيء ثم أوضح كان تفخيما لشأنه فلما أراد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السموات أبهمها ثم أوضحها ولأنه لما كان بلوغها أمرا عجيبا أراد أن يورده على نفس متشوفة إليه ليعطيه السامع حقه من التعجب فأبهمه ليشوف إليه نفس هامان ثم أوضحه) (147).
ومن لطائف البيان أن يرد أمر فرعون ببناء الصرح أثناء محاجته الذي آمن و بعد انصرافه عن قتل موسى، ولذلك وقع ذكره بين مواعظ الذي آمن واحتجاجاته (148)، وتتناص خاتمة الآية الكريمة مع آي أخر في الكتاب العزيز حين تتوعد الخاسرين المكذبين بـ "التباب"، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ هود: 101، وقوله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ المسد: 1 ومن أوجه تناسب المعاني في الآية الكريمة، الجمع بين السبب والمسبب، في قوله تعالى (فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى...) فإنه (لما ذكر هذا السبب، ذكر المسبب عنه.
فقال: "فَأَطَّلِعَ إِلَى" أي فلعله يتسبب عن ذلك ويتعقبه أني أتكلف الطلوع... تنبيها على أن ما أبرزه الخبيث في عداد الممكن إنما هو تمني محالٍ غير ممكن في العادة) (149).
ومن بلاغة التركيب اجتماع الحذف والذكر في الآية الكريمة، فقد حذف الفاعل في قوله تعالى: ﴿...وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾ غافر: 37، فإنه (لما كان الضار هو التزيين لا المزين الخاص، بناه للمفعول فقال: "زُيِّنَ" أي: زين المزين النافذ الأمر، وهو لله تعالى حقيقة بخلقه وإلزامه" (150).
وأما الذكر ففي تكرار "فرعون"، قال البقاعي: "فإنه" أعاد الاسم ولم يضمره لئلا يخص بحيثية من الحيثيات فقال: فرعون) (151)، ويجتمع التكرار والتعريض في الآية التالية: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ غافر: 38، فقد جمعت الآية بين لونين بلاغيين، الأول: تكرار النداء "يا قوم" في صدر الآية وما يفيده التكرار من حدب المؤمن على قومه وحرصه على هدايتهم، والآخر: التعريض بفرعون في قول المؤمن: (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) رداً على قول فرعون الذي قال: ﴿...مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ غافر: 29.
وتكرار (النداء يدل على غفلة المنادَى والاهتمام بالنصيحة المنادَى لها بتكرارها إجمالا وتفصيلا والتوبيخ لجعلهم لا يفيد فيهم، ولا يسمعهم نداء واحد) (152)، ويرتب المؤمن كلامه على أسلوب تقديم الإجمال ثم تعقيبه بالتفصيل، فابتدأ بقوله: "اتبعون أهدكم سبيل الرشاد"، وسبيل الرشاد مجمل وهو على إجماله مما تتوق إليه النفوس...وأعاد النداء تأكيدا لإقبالهم إذ لاحت بوارقه، فأكمل مقدمته بتفصيل ما أجمله يذكرهم بأن الحياة الدنيا محدودة بأجل غير طويل، وأن وراءها حياة أبدية (153).
ومن بلاغة النظم القرآني التفات المؤمن عن خطاب فرعون، ليخاطب قومه في قوله: "يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ..."، قال البقاعي: (لما كان فساد ما قاله فرعون أظهر من أن يحتاج إلى بيان، أعرض المؤمن عنه تصريحا، ولوح إلى ما حكاه الله عنه من أنه محيط به الهلاك تلويحاً في قوله منادياً قومه ومستعطفا لهم ثلاث مرات: الأولى على سبيل الإجمال في الدعوة، والأخريان على سبيل التفصيل) (154).
غير أن المؤمن يرد على فرعون تلميحا في قوله: "أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ" ومعرضا بزعم فرعون حين قال: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ غافر: 29، ومن تناسب المعاني المختوم بالتعريض في كلام المؤمن هنا أنه (افتتح بذم الدنيا، وتصغير شأنها.... وثنى بتعظيم الآخرة الاطلاع على حقيقتها، وأنها هي الوطن والمستقر، وذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف، وينشط لما يزلف، ثم وازن بين الدعوتين: دعوته إلى دين الله الذي ثمرته الجنة، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار، ...وفيه تعريض شبيه بالتصريح أن ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغي) (155).
ومن بلاغة تخير المفردات، مجيء الفعل "آمن" في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ...﴾ غافر: 38 حيث (عبر بالفعل إشارة إلى أنه ينبغي لأدنى أهل الإيمان أن لا يحقر نفسه عن الوعظ) (156)، وينتظم قول المؤمن: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ غافر: 39 في سياق الآيات السابقة وفق علاقة التفسير بعد الإبهام، ففي الآية السابقة أبهم المؤمن ثم فسر، فـ (الآخرة هي دار القرار).
أي طريق الصواب الذي ترشدون إذا أخذتم فيه وسلكتموه ثم أشار إلى تفسير ما أبهمه بقوله: "يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ") (157)، ومن بلاغة الإيجاز في كلام المؤمن أنه وصف الآخرة بدار القرار في قوله: (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) دون أن يفصل جزاء الفريقين، قال الطبري: "استقرت الجنة بأهلها، واستقرت النار بأهلها" (158).
ومن قصر الموصوف على الصفة قوله: "إنما هذه الحياة الدنيا متاع" وهو (قصر قلب لتنزيل قومه في تهالكهم على منافع الدنيا منزلة من يحسبها منافع خالدة) (159)، ومثله في مقابلها القصر بالضمير "هي" لبيان شأن الآخرة في قوله: "وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ" ليتم التقابل بين وصف الدارين فناء وبقاء، وتماثلا في أسلوب القصر.
وإذ يذم المؤمن الدنيا ويمدح الآخرة، فإنه يناسب بين تلك المعاني (160) والآية التالية، فيذكر جزاء الدارين فيقول: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ غافر: 40، فهاهو المؤمن لما ذم الدنيا وبين أن الآخرة هي دار القرار، ذكر عاقبة الأعمال فيها حسنها وسيئها (161).
ومن الدلالات البليغة للجملتين الاسمية والفعلية(162) في الآية الكريمة: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ غافر: 40 أنه جعل الجزاء للمؤمنين جملة اسمية مصدرة باسم الإشارة، تأكيدا وتثبيتا، وجزاء المسيئين بالفعل المبني للمجهول محتملا التغير والتخفيف.
قال البقاعي: (ولما بين أنهم دعوه إلى ما هو عدم فضلاً عن أن يكون له نفع أو ضر في جملة فعلية إشارة إلى بطلان دعوتهم وعدم ثبوتها. بين لهم أنه ما دعاهم إلا إلى ما له الكمال كله... فقال مشيراً بالجملة الاسمية إلى ثبوت دعوته وقوتها "وَأَنَا أَدْعُوكُمْ") (163).
ولا تخلو الآية الكريمة من تقابل خفي قال الزمخشري: ("بِغَيْرِ حِسَابٍ" واقع في مقابلة "إِلَّا مِثْلَهَا" يعني أن جزاء السيئة لها حساب وتقدير، لئلا يزيد على الاستحقاق، فأما جزاء العمل الصالح فبغير تقدير وحساب بل ما شئت من الزيادة على الحق والكثرة والسعة) (164).
كما تضمنت الآيتان تقابلا بلاغيا بين الثواب والعقاب، فالله يجزي المؤمنين، ويجازي الكافرين، مبتدئا برحمته قبل غضبه، قال البقاعي: "ولما بيّن العدل في العقاب، بيّن الفضل في الثواب، تنبيهًا على أن الرحمة سبقت الغضب" (165).
ومن اللطيف في قول المؤمن أن جانب الرحمة غالب على جانب العقاب في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) فالسيئة تجزى بمثلها ،والحسنة تجزى بلا حساب (166).
ومن بلاغة التركيب في الآية الكريمة (حذف الفاعل في قوله "يُرْزَقُون": أي من غير احتياج إلى تحول أصلاً ولا إلى أسباب، ولعل ذلك من أسرار البناء للمفعول) (167)، ولا ينفك المؤمن يوظف أسلوب التقابل البلاغي بين الهداية والغواية في قوله: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾ غافر: 41 فهو يكشف لهم حقيقة الحياة الدنيا ،يقرر لهم قاعدة الحساب والجزاء، يستنكر الدعوة إلى النار في مقابل دعوته إلى الجنة، ينسف دعوتهم الشركية ويبطلها، يحذرهم من خطر الشرك والإسراف، ثم يفوض ويعدهم بتذكّر نصيحته يوم لا ينفع التذكر (168).
ويمضي المؤمن على التكرار في نداء قومه (َيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ) وهو إنما (كرر نداءهم إيقاظاً لهم عن سنة الغفلة واعتناءً بالمنادى له ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصْحه) (169).
ولا يبعد أن يتضمن التكرار مزيدا من العاطفة الإنسانية بين المؤمن وقومه، ولذا (كرر ذلك زيادة في استعطافهم بكونهم أهله فهو غير متهم في نصحهم، لأنه لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه) (170).
ثم أعقب النداء بالتفسير، فالدعوة إلى النار إجمال للدعوة إلى أنواع من الكفر والضلال ثم بينه مبتدئا بأعظمها وهو الإشراك بالله، فقال: ﴿...وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ. تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾ غافر: 41-42، قال البقاعي: (ولما أخبر بقلة إنصافهم إجمالاً، بينه بقوله: "تدعونني") (171).
وأضاف إلى ذلك تقابلية أخرى بين دعوته ودعوتهم، فقد دعاهم إلى أعرف المعارف الله تعالى، العزيز الغفار، ودعوه إلى ما ليس له به علم، إنها دعوة الإيمان والتوحيد تقابل دعوة الكفر والشرك.
ومن البلاغة في تخيّر الألفاظ أن اختار المؤمن أداة ما لا يعقل "ما" على أداة ما يعقل "من" في قوله: "مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ..." ليناسب بين الأداة والمعنى المقصود من تحقير ما سوى الله قال البقاعي: (ولما كان كل ما عداه – سبحانه - ليس له من ذاته إلا العدم أشار إلى حقارته بالتعبير، بأداة ما لا يعقل) (172).
ولقد كرر المؤمن نداء قومه ثلاث مرات، في المرة الأولى دعاهم إلى قبول ذلك الدين على سبيل الإجمال وفي المرتين الباقيتين على سبيل التفصيل.
(أما الإجمال فهو قوله: "يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ..." وفيه تصريح بأن ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغي. وأما التفصيل فهو حين بين حقارة الدنيا وكمال حال الآخرة، أما حقارة الدنيا فهي قوله: "يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ..." والمعنى أنه يستمتع بهذه الحياة الدنيا في أيام قليلة، ثم تنقطع وتزول، وأما الآخرة فهي دار القرار والبقاء والدوام) (173).
ومن أسرار الإعجاز البياني في نداءات المؤمن، المجيء بالواو في النداء الثالث دون الثاني، وفق أسلوب الفصل والوصل، قال الرازي: (وأما المجيء بالواو العاطفة فلأن الثاني يقرب من أن يكون عين الأول؛ لأن الثاني بيان للأول، والبيان عين المبيَّن، وأما الثالث فلأنه كلام مباينٌ للأول والثاني، فحسن إيراد الواو العاطفة فيه) (174).
ويخرج الاستفهام في الآية الكريمة عن غرضه الحقيقي إلى غرض بلاغي هو التوبيخ في قوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ؟!﴾ غافر: 41 إلى معنى التوبيخ (175)، أو التعجب، قال أبو السعود: (ومدار التعجب الذي يلوح به الاستفهام دعوتهم إياه إلى النار ودعوته إياهم إلى النجاة) (176)، ومضيا على أسلوب الإجمال والتفصيل، يفصل المؤمن دعوة كل من الفريقين بعد أن أجملها في الآية السابقة، فيقول: ﴿تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾ غافر: 42.
ومثله خروج الخبر عن غرضه الحقيقي إلى غرض بلاغي (177) في قول المؤمن: "فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ" فقد خرج الخبر من معنى الإخبار إلى معنى التهديد، أي: ستذكرون صدق كلامي عندما يحل بكم العذاب، وإلى معنى الوعيد، قال الثعالبي: (ثم توعدهم أنهم سيذكرون قوله عند حلول العذاب بهم) (178)، ثم جمع إلى التهديد والوعيد التوكل على الله وتفويض أمره إليه في قوله (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) أي: أتوكل على الله، وأسلّم أمري إليه، قال القرطبي: (وهذا يدل على أنهم أرادوا قتله) (179)، وفي خاتمة كلام المؤمن ما يشير إلى بلوغه الغاية من النصح والإرشاد ولم يعد لديه مزيد (ولذا ختمه بما يدل على المتاركة بقوله: "وأفوض أمري إلى الله") (180).
ومن بلاغة التقديم أنه قدم "العزيز" على "الغفار" لأن (العفو إنما يُمدح به بعد القدرة فالتمكن، والقدرة من لوازمه) (181). كما أن في تخير الوصفين والنص عليهما وجه من المناسبة ومراعاة حال المؤمن وقومه (لما فيهما من الدلالة على الخوف والرجاء المناسب لحاله وحالهم) (182).
ومن بلاغة الفواصل القرآنية وتناسبها مع معاني الآي الكريمات، أن تختتم الآية بـ"الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ" (إشارة إلى كونه كامل القدرة، وفيه تنبيه على أن الإله هو الذي يكون كامل القدرة، وأما فرعون فهو غاية العجز، فكيف يكون إلهاً؟!... وقوله: "الْغَفَّارِ" إشارة إلى أنه لا يجب أن يكونوا آيسين من رحمة الله بسبب إصرارهم على الكفر مدة مديدة) (183)، وثمة تناسب في الجمع بين الوصفين العظيمين "العزيز" و"الغفار"، قال البغوي: ("العزيز" في انتقامه ممن كفر، "الغفار" لذنوب أهل التوحيد) (184).
كما تتناسب الآيات في معانيها، فبعضها آخذ برقاب بعض، فالتخويفُ والتذكير للمعاندين الذين لا سند لهم في قول المؤمن: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ غافر: 44، يلي ذكرَ المعاد،، ثم يختم كلامه بتفويض أمره إلى الله وتوكله عليه، قال البقاعي: (ولما تقرر أنه لا أمر لغير الله، وأنه لا بد من المعاد، تسبب عنه قوله: "فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ..." ولما ذكر خوفهم الذي لا يحميهم منه شيء، ذكر خوفه الذي هو معتمد فيه على الله ليحميه) (185).
ويضع المؤمن الاسم الظاهر لفظ الجلالة "الله" موضع المضمر كما بينه البلاغيون (186)، فيكرر لفظ الجلالة "الله" دون الضمير في فاصلة الآية الكريمة: ﴿...إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾، قال البقاعي: (وكرر الاسم الأعظم بياناً لمراده بأنه "بصير" أي: بالغ البصر "بالعباد") (187).
ومن الإعجاز البياني في حديث المؤمن أن المتمعن في قوله: "وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ..." يلمح التناص بين كلامه وكلام موسى – عليه السلام -؛ الذي عاذ بربه حين توعده فرعون فقال: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ غافر: 27، فمضى المؤمن على طريقة موسى - عليه السلام- في العياذ بربه وتفويض أمره إليه.
وفي قول المؤمن: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ...﴾ من الإبهام (188) المشتمل على التخويف والتهديد ما لا يخفى، قال الرازي: (وهذا كلام مبهم يوجب التخويف ويحتمل أن يكون المراد أن هذا الذكر يحصل في الدنيا، وهو وقت الموت، وأن يكون في القيامة وقت مشاهدة الأهوال وبالجملة فهو تحذير شديد) (189).
(6) والمشهد السادس هو مشهد النهاية ومآل القوم إلى خاتمة مؤسفة، فقد أودى التكذيب والكفر بقوم المؤمن إلى النار التي حذر منها، وتلك عاقبة من اتبع فرعون الذي هداهم إلى الغي، فأوردهم العذاب البرزخي والأخروي: فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴿45﴾ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴿46﴾ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ ﴿47﴾ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴿48﴾ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ ﴿49﴾ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴿50﴾.
ويعود نص قصة مؤمن آل فرعون إلى التناص مع ما ورد في الكتاب العزيز، وتلك سمة النص القرآني المتعالقة نصوصه وتراكيبه، ففي قوله تعالى: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ غافر: 45، تناص مع قوله تعالى: ﴿...وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ...﴾ فاطر: 43.
ومن فنون البلاغة التي تضمنها التعقيب الإلهي على قصة المؤمن أن قوله تعالى: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) تفريع (190) على تفويضه الأمر إلى الله فكفاه الله شرهم ووقاه سيئات مكرهم، وفيه إشارة إلى أنهم قصدوه بالسوء لكن الله دفعهم عنه.
ومن دلالات التراكيب البلاغية تخير المصدر "سوء" وإضافته إلى "العذاب" في قوله تعالى: ﴿...وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ غافر: 45 وهو من إضافة الصفة إلى موصوفها، وفي التوصيف بالمصدر مبالغة، كما انه ذكر "آل فرعون" ولم يذكر فرعون، والعلة كما يقول البيضاوي أنه قد (استغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك وقيل بطلبة المؤمن من قومه) (191).
وفي خاتمة المشهد في قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ غافر: 46 تجتمع ألوان من الإعجاز البياني، وأولها التفصيل بعد الإجمال، فإن الله لما أجمل في قوله ﴿...وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ عاد فبين المراد بسوء العذاب فقال: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا...﴾، وقد جاء التفصيل بعد الإجمال بلا عطف في تركيب بلاغي هو الفصل، فإن الآية قد تلت سابقتها بلا عاطف لكمال الاتصال بين الآيتين، فالثانية بيان للأولى، وجملة البيان لا تحتاج إلى عاطف.
ومن الأساليب البلاغية التي تضمنتها الآية، إيجاز الحذف (192)، ففي قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ غافر: 46 إيجاز بالحذف، والتقدير: "يقال: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب"، ومن الإيجاز الخفي أن الغدو والعشي في الآية الكريمة قد أغنى عن ذكر كل أوقات العذاب، قال القاسمي: (واكتفى بالطرفين المحيطين – الغدو والعشي – عن الجميع) (193).
ومن بلاغة التعريف (194)، أنه تخير "أل" دون المعرفات الأخرى لأنها أبلغ في التعريف قال ابن جني: (لا تضاف "آل" هذه إلا إلى الأخص الأعرف فتقول: هؤلاء آل الله، قال سبحانه: "أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ". فلا تقول: "رأيت آل رجل"، ولا: "كلمت آل امرأة" (195).
خاتمة:
تتبعَ هذا البحثُ جوانب الإعجاز البياني الذي توافرت عليه قصة مؤمن آل فرعون كما وردت في السورة الكريمة "غافر"، وما اشتملت عليه من ألوان البيان المعجز، محاولا أن يستقصي كل مستويات النص المعجز من حيث الأصوات والألفاظ والتراكيب، ودلالات السياق الذي وردت فيه القصة.
وقد صير البحث القصة في ستة مشاهد حوارية تضمن الأول مفتتح النص أي: الدعوة إلى الإيمان، والدعوة إلى الكفر، وجاء المشهد الثاني لعرض حوار الرؤساء موسى وفرعون، وتبعه الثالث لحوار الأتباع مؤمن آل فرعون في حواره مع فرعون وقومه، يحدوه الأمل أن يؤمنوا ويقبلوا، وفي المشهد الرابع يدور الحوار بين المؤمن وقومه بلغة مغايرة بعد أن كذبوا وأعرضوا، وفي المشهد الخامس يعلن فرعون وملؤه الكفر والحيدة عن الحوار فتكون المواجهة الصريحة، وفي المشهد الأخير تأتي النهاية المؤسفة للقوم المكذبين.
يتبع إن شاء الله...