الكفيف والشرطة
في إطار الجهود الأوروبية لتسهيل الحياة اليومية للمكفوفين وإدماجهم في المجتمع، أطلق مركز هولندي تابع لأكاديمية الشرطة مشروعاً لتوظيف مكفوفين في عمل الشرطة للتصنت على المكالمات الهاتفية لمجرمين أو إرهابيين مشتبه بهم.
تبذل مختلف الدول الأوروبية جهوداً حثيثة من أجل تسهيل الحياة اليومية للمكفوفين وإدماجهم في المجتمع من خلال توليهم مختلف الوظائف وفي شتى المجالات بما فيها مجالي الشرطة ومكافحة الجريمة.
ومشروع توظيف مكفوفين في عمل الشرطة للتصنت على المكالمات الهاتفية لمجرمين أو إرهابيين مشتبه بهم يحقق نجاحاً كبيراً.
فيرا فاندين بروش تجلس في مكتب الشرطة ببلدة آبيلدورن الهولندية أمام جهاز كومبيوتر والسماعة على أذنيها للاستماع إلى شريط صوتي وتدوين ما ورد فيه.
ويقوم جهاز الكتروني خاص عبر الصوت بترديد ما كتب لتتأكد الشرطية البالغة من العمر 36 عاماً مما كتبت.
توظيف المكفوفين لملاحقة المجرمين وتسهيل حياة المكفوفين عن طريق اعتماد تقنيات جديدة.
وتعد المترجمة فيرا، وهو اسم مستعار لأسباب أمنية، واحدة من بين نحو 20 موظفاً مكفوفاً تستعين بهم الشرطة الهولندية في مراقبة المكالمات الهاتفية لملاحقة مافيا المخدرات أو المتاجرين بالبشر أو إرهابيين مشتبه.
وعن تجربتها تقول:
“فقدان حاسة جسدية يؤدي إلى تقوية حواس أخرى، أنا لم أعد أبصر لكن في المقابل أشم وألمس وأسمع بصفة أفضل وأقوى من أناس مازالوا يبصرون“.
والجهة التي أطلقت المشروع هي: “مركز الخبراء الوطني للتنوع” في أكاديمية الشرطة ببلدة آبيلدورن.
وعن أهداف هذه التجربة ترى الموظفة هيلما رودينبورش أنه يجب على الشرطة أن تتحول إلى مرآة للمجتمع وتقول: “إننا نبذل جهودنا من أجل إدماج عدد أكبر من المهاجرين والنساء والسحاقيات ومثليي الجنس وكذلك معاقين في عمل الشرطة، وتبين لدى المكفوفين أنهم قادرون على التنصت على المكالمات الهاتفية والخروج بمعلومات أكثر من زملائهم غير المكفوفين”.
حاسة السمع لدى المكفوفين أقوى من غيرهم، ففقدان حاسة البصر يؤدي في الغالب إلى تقوية حواس أخرى.
وتستطيع فيرا التمييز في عدة لغات بين لهجات مختلفة، فهي تعرف ما إذا كانت المحادثة تتم في قاعة بها ستائر نوافذ أو سجاد.
وإذا اشترى شخص ما مشروباً في محطة للوقود وألقى بالزجاجة على المقعد الجانبي فإنها تدرك ما إذا كان المشروب غازياً أم لا، كما أنها تستطيع التعرف عما إذا كان شخص يكذب أم لا.
وساهمت فيرا بصفة مفاجئة في تقديم حلول لبعض القضايا عندما تتعرف على صوت صادفته في حادثة مختلفة تماماً، وفي هذا السياق تقول: “لا يمكن نسيان صوت استمعت إليه في حالات مختلفة من الحياة اليومية: يعني قبل أن يذهب للنوم، عند استيقاظه، أو جلوسه أمام التلفزيون أو إذا كان غاضباً أو يعاني من الملل ـ إنه مثل شريك الحياة، إلى هذا الحد يكون الصوت معروفاً، وحتى بعد مرور عشر سنوات أدرك فوراً أنني أعرف هذا الصوت”.
زملائها في العمل:
زملاء فيرا كانوا مجبرين في البداية على التعود على موظفة مكفوفة، إذ كانوا مرغمين فجأة على الانتباه إلى أسلاك كهربائية مبعثرة فوق الأرض، وكانوا يطلقون عبارات عنيفة في اتجاهها حين يرددون بأن العمل يتم لدى الشرطة وليس في مؤسسة خيرية، بل ينتقصون أحياناً من عملها.
وعليه كانت فيرا مصممة على إظهار أهمية الاستماع الجيد، ويزداد فخرها في كل مرة تساهم في حل قضية شائكة وتقول: ”أسمع ما لا يلتقطه آخرون“.
وتقول: ”لا يمكن لي وضع صفاد اليدين وإلقاء القبض على أحد، عملي هو الإصغاء بتركيز، وهذا تحد متجدد ومثير“.