معرفة أول ما نزل من القرآن الكريم
س: ما هو أول ما نزل من القرآن العظيم؟
ج: اختلف في أول ما نزل من القرآن المجيد على أقوال كثيرة.
أحدها وأصحها جميعا قوله تعالى:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) وقد روى الشيخان وغيرهما عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء- أي الجلوس وحده بعيدا عن الناس- فكان يأتي غار حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها فتزوده لمثلها، حتى فاجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ حتى بلغ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ترجف بوادره) الحديث. والأدلة على هذا كثيرة. هذا هو القول الأول.
أما القول الثاني في أول ما نزل من كتاب الله تعالى:
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد الله (أيّ القرآن أنزل قبل؟ قال: يا أيها المدثر، قلت: أو اقرأ باسم ربك، قال: أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (إني جاورت بحراء، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو: (يعني جبريل) فأخذتني رجفة، فأتيت خديجة فأمرتهم فدثرونى، فأنزل الله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ).
والقول الثالث في أول ما نزل من كتاب الله تعالى:
سورة الفاتحة: جاء في الكشاف: ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت اقرأ، وأكثر المفسرين على أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب.
__________
(1) سورة العلق آية 1.
القول الرابع في أول ما نزل:
بسم الله الرحمن الرحيم: حكاه ابن النقيب في مقدمته وأخرج الواحدي بإسناده عن عكرمة والحسن قالا: أول ما نزل من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم، وأول سورة اقرأ باسم ربك.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: أول ما نزل جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلم قال: يا محمد استعذ ثم قل: بسم الله الرحمن الرحيم. أخرجه ابن جرير وغيره من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنه.
وفي أوائل ما نزل جاء عن الواحدي من طريق الحسين بن واقد قال: سمعت عليّ ابن الحسين يقول: أول سورة نزلت بمكة اقرأ باسم ربك: وآخر سورة نزلت بها المؤمنون. ويقال سورة العنكبوت.
وأول سورة نزلت بالمدينة ويل للمطففين، وآخر سورة نزلت بها براءة.
والخلاصة من كل هذا الاختلاف، أن أول ما نزل من القرآن الكريم: اقرأ. أول سورة العلق. ولا مانع من أن تكون البسملة افتتاحا لها كما هي افتتاح لسور القرآن الكريم عدا سورة براءة. أما سورة المدثر أو سورة القلم فتكون قد نزلت بعد فترة الوحي عن المصطفى صلّى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم (1).
تمارين
س 1 - ما هو أول ما نزل من القرآن على الصحيح وما دليله؟
س 2 - اذكر القول الثالث فيما نزل من كتاب الله تعالى؟
س 3 - ما هي أول سورة نزلت بمكة وآخر سورة نزلت بها؟
س 4 - بين أول ما نزل بالمدينة المنورة من سور القرآن وآخر ما نزل بها منه؟
__________
(1) هذا باختصار. انظر الإتقان للسيوطي ص 69 - 77.
معرفة آخر ما نزل من القرآن الكريم
س: ما هو آخر ما نزل من القرآن العظيم؟
ج: لقد وقع اختلاف كثير في آخر ما نزل من كتاب الله تعالى: فنورد لك أخي القارئ الكريم خلاصة القول في هذا. فنقول وبالله التوفيق.
روى الشيخان عن البراء بن عازب قال: آخر آية نزلت يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ آخر آية من سورة النساء. وآخر سورة نزلت: براءة.
وروى البخاري عن ابن عباس قال: (آخر آية نزلت آية الرّبا) كما جاء هذا أيضا عن البيهقي عن عمر. وعند أحمد وابن ماجة عن عمر كذلك.
وعند ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا عمر: فقال إن من آخر القرآن نزولا آية الرّبا. والمراد بها قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) وأخرج النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ الآية (2) وهذا القول أخرجه أيضا ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير. كما أخرجه ابن جرير من طريق الضحاك والعوفي عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: آخر ما نزل من القرآن كله وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ الآية: وعاش رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ثم مات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.
وجاء في المستدرك عن أبيّ بن كعب قال: آخر آية نزلت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى آخر سورة التوبة.
وأخرج بن مردويه عن أبيّ بن كعب أيضا قال: آخر القرآن عهدا بالله هاتان الآيتان لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وأخرجه ابن الأنباري بلفظ: أقرب القرآن بالسماء عهدا.
وأخرج مسلم عن ابن عباس قال آخر سورة نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وهناك أقوال أخرى متعددة في آخر ما نزل من القرآن الكريم سواء في الآيات أو في السور.
__________
(1) البقرة آية 278.
(2) البقرة آية 281.
وقال البيهقي:
يجمع بين هذه الاختلافات إن صحت بأن كل واحد أجاب بما عنده.
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار:
هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، وكلّ قال ما عنده بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن.
ويحتمل أن كل واحد منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي صلّى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل، وغيره سمع منه بعد ذلك وإن لم يسمعه هو، والواضح من هذا كله أن آية وَاتَّقُوا يَوْماً بعد آية الربا أقرب. والله تعالى أعلم.
ومن المحتمل أن تنزل هذه الآية أو تلك وكانت هي بمثابة آخر آية تلاها الرسول صلّى الله عليه وسلم مع آيات نزلت معها. فيؤمر برسم ما نزل بعد رسم تلك الآية فيظن أنها آخر ما نزل في الترتيب (1). والله أعلم.
تمرينات
س 1 - وقع خلاف في آخر ما نزل من القرآن الكريم.
بين ذلك مستدلا على ما تقول من القرآن.
س 2 - ما هي آخر آية نزلت من القرآن الكريم؟
س 3 - وما هي آخر سورة نزلت من الكتاب العزيز؟
__________
(1) هكذا في الإتقان للسيوطي بتصرف. ص 78 - 82.
ما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة رضوان الله عليهم
س: هل نزل شيء من القرآن الكريم على لسان بعض الصحابة؟
ج: نعم؛ القرآن الكريم نزل كله من عند الله تعالى سواء بسبب أو بدون سبب، ولكن هناك جمل جاءت على لسان بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو ما في معناها.
فجاء بها القرآن بعد ذلك موافقا لها بنصها أو بما يتضمن معناها.
ومن ذلك ما جاء موافقا لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنه ما أخرجه البخاري وغيره عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث:
1 - قلت يا رسول الله: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى. فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (1).
2 - وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البرّ والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن. فنزلت آية الحجاب.
3 - واجتمع على رسول الله صلّى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن.
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ (2) فنزلت كذلك.
وقد أخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول صلّى الله عليه وسلم قال: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه).
وليس هذا لعمر فحسب:
بل وقع لبعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أيضا. ومن ذلك ما أخرجه سنيد في تفسيره عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لمّا سمع ما قيل في أمر عائشة رضي الله عنها قال: سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (3) فنزلت كذلك.
ومما وقع من القرآن على لسان بعض أصحابه ما أورده ابن سعد في الطبقات:
قال: أخبرنا الواقدي. حدثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال:
حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ
__________
(1) البقرة آية 125.
(2) التحريم 5.
(3) النور آية 16.
عَلى أَعْقابِكُمْ (1) ثم قطعت يده اليسرى فانحنى على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ الآية. ثم قتل فسقط اللواء.
قال محمد ابن شرحبيل. وما نزلت هذه الآية. يومئذ حتى نزلت بعد ذلك. وأمثلة هذا كثير لا يتسع هذا المختصر لذكره والله أعلم.
تدريبات
س 1 - اذكر كم مرة نزل القرآن موافقا لما رآه عمر رضي الله عنه.
س 2 - بيّن ما نزل موافقا لقول عمر عند ما اجتمع نساء رسول الله عليه.
س 3 - ماذا نزل من القرآن الكريم عند ما أشار عمر باتخاذ مصلى عند مقام إبراهيم عليه السلام؟
س 4 - ماذا نزل من القرآن موافقا ما قاله بعض الصحابة عند ما قيل قول في شأن عائشة رضي الله عنها. ومن الذي قال؟ وما هو النص الذي نزل في هذا الشأن؟
__________
(1) آل عمران 144.
ما تكرر نزوله من القرآن الكريم
س 1 - : هل هناك شيء من القرآن الكريم تكرر نزوله؟ وكيف؟
ج: ذكر أن ما تكرر نزوله من القرآن الكريم أكثر من موضع. وقد يتكرر نزول الآية تذكيرا وموعظة للناس من عند الله تعالى. وبيانا لأهمية ما جاء في بعض هذه الآيات أو السور.
فمنها على سبيل المثال:
أن سورة الفاتحة تكرر نزولها. حيث أنها نزلت مرة في مكة المكرمة وأخرى في المدينة المنورة، لما لها من مكانة عظيمة، وذكر قوم أن ما تكرر نزوله أيضا قوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (1).
وقال الزركشي في البرهان:
قد ينزّل الله الشيء مرتين تعظيما لشأنه وتذكيرا به عند حدوث سببه وعملا على عدم نسيانه.
ثم ذكر منه قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ الآية وفي جمال القراء للسخاوي بعد أن حكى القول بنزول سورة الفاتحة مرتين قال: فإن قيل: ما هي الفائدة من نزولها مرتين؟ قلت: يجوز أن تكون نزلت أول مرة على حرف واحد. ونزلت الثانية ببقية وجوهها نحو: قراءة (ملك، ومالك) و (السّراط والصّراط) ونحو ذلك.
وقد أنكر بعضهم كون شيء من القرآن الكريم تكرر نزوله. هكذا ورد في كتاب الكفيل بمعاني التنزيل، وعلله بأن تحصيل ما هو حاصل لا فائدة فيه، وهذا القول مردود بما تقدم ذكره من فوائد التكرار، وبأنه يلزم منه أن يكون كل ما نزل بمكة تكرر نزوله بالمدينة المنورة مرة أخرى، فإن جبريل كان يعارض الرسول صلّى الله عليه وسلم القرآن كل سنة في شهر رمضان.
وفي آخر رمضان من حياته صلّى الله عليه وسلم عرضه مرتين، وبها تم نزول كل القرآن ونسخ ما نسخ منه وبقى ما بقى بعد ذلك. والله تعالى أعلم.
تمارين
س 1:-لماذا تكرر نزول بعض آيات أو سور القرآن؟
س 2:-ماذا قال الزركشي في البرهان؟
س 3:- ما هي السورة التي ورد أنها نزلت في مكة ونزلت مرة أخرى في المدينة؟
__________
(1) سورة التوبة. آية: 113
ما تأخر حكمه عن نزوله من القرآن الكريم وما تأخر نزوله عن حكمه منه
س: هل تأخر شيء من حكم القرآن عن نزوله؟ وهل تأخر نزول شيء منه عن حكمه؟
ج: نعم؛ قد ورد هذا في بعض آيات وسور القرآن الكريم. وسنعرض لذلك نماذج منه.
أولا: ما سبق نزوله على حكمه.
قال الزركشي في البرهان:
إن قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قد يكون نزولها سابقا على حكمها.
فقد روى البيهقي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما. أنها نزلت في زكاة الفطر، ولم تكن زكاة الفطر قد فرضت بعد.
وقال بعضهم لا أدري ما وجه هذا التأويل.
حيث أن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة ولا صوم.
وأجاب البغوي بأنه يجوز النزول سابقا على الحكم. كما قال لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ فالسورة مكية. ولكن ظهر أثر هذا الحل يوم فتح مكة حتى قال عليه الصلاة والسلام: «أحلّت لي مكة ساعة من نهار» الحديث.
ومما جاء أيضا في النزول السابق للحكم قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ نزلت بمكة. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند ما نزلت (أيّ جمع؟) فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش. نظرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم في آثارهم معلنا بالسيف يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ فكانت ليوم بدر.. أخرجه الطبراني في الأوسط، والأمثلة على هذا كثير لا يسع هذا المختصر لسردها، فانظر إن شئت الإتقان للسيوطي ص 104 - 105.
ثانيا: ما تأخر نزوله عن حكمه.
من الأمثلة الدالة على هذا النوع من تأخر نزوله عن حكمه: آية الوضوء، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة. فأناخ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونزل. فثنى رأسه في حجري راقدا، وأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال: (حبست الناس في قلادة، ثم إن النبي صلّى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت صلاة الصبح. فالتمس الماء فلم يجده.
فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ.. إلى قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فالآية مدنية إجماعا وفرض الوضوء كان بمكة مع فرض الصلاة هناك.
قال ابن عبد البر: والحكمة من نزول آية الوضوء مع ما تقدم العمل به ليكون فرضه متلوّا بالتنزيل.
ومن أمثلة هذا النوع:
آية الجمعة، فإنها مدنية. والجمعة فرضت بمكة.
ومن أمثلته أيضا: قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ الآية (1).
فإنها نزلت سنة تسع من الهجرة. وقد فرضت الزكاة قبلها في أوائل الهجرة.
قال ابن الحصاد: قد يكون مصرفها قبل ذلك معلوما ولم يكن فيه قرآن يتلى، كما كان الوضوء معلوما قبل نزول الآية. ثم نزلت بعد ذلك ليتلى القرآن تأكيدا به ..
والله تعالى أعلم.
تمرينات
س 1: اذكر آية من كتاب الله تعالى سبق نزولها على حكمها.
س 2: بين ما قاله الزركشي في هذا الشأن.
س 3: ما هي الآية التي نزلت بمكة وتحققت يوم بدر؟
س 4: مما تأخر نزوله على حكمه: آية الجمعة. بين ذلك.
س 5: متى نزلت آية إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ومتى فرضت الزكاة؟
__________
(1) التوبة آية 60.
ما نزل من القرآن مفرقا وما نزل جملة
س: هل نزل شيء من القرآن مفرقا وآخر جملة؟
ج: نعم؛ نزل من القرآن مفرقا آيات، منها: أوائل سورة العلق، أوائل سورة والضحى، حيث نزل من العلق من أولها إلى قوله تعالى: ما لَمْ يَعْلَمْ ومن سورة والضحى من أولها إلي قوله: فَتَرْضى هذا ما جاء في حديث الطبراني. وأمثلة هذا كثير.
ومن السور التي نزلت سورة الفاتحة والإخلاص والكوثر وتبّت والبيّنة والنصر والمعوذتين نزلتا معا، ومن السور الطوال سورة المرسلات.
ففي المستدرك عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلم في غار فنزلت: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً، فأخذتها من فيه.
وإن فاه رطب بها فلا أدري بأيها ختم فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ أو وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ. ومنه أيضا سورة الصف).
وسورة الأنعام: فقد أخرج أبو عبيدة والطبراني عن ابن عباس قال: (نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة حولها سبعون ألف ملك).
وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «نزلت علىّ سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك» أخرجه الطبراني من طريق يوسف بن عطية.
ومن هذا يتضح أن القرآن العظيم منه ما نزل مفرقا، ومنه ما نزل مجمعا. والله تعالى أعلم.
تمرينات
س 1 بيّن بعض الآيات التي نزلت مفرقة.
س 2 اذكر بعض السور التي نزلت جملة.
س 3 ما هي السورة التي نزلت جملة ويشيعها سبعون ألف ملك؟
ما نزل من القرآن الكريم على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد قبل النبي محمد صلّى الله عليه وسلم
س: هل نزل من القرآن على النبي محمد صلّى الله عليه وسلم ما لم ينزل على أحد من الأنبياء قبله؟
ج: نعم؛ نزل على النبي محمد صلّى الله عليه وسلم وحده دون غيره من الأنبياء سورة الفاتحة وآية الكرسى وخاتمة سورة البقرة.
فقد روى مسلم عن ابن عباس: (أتى النبي صلّى الله عليه وسلم ملك فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة).
وأخرج البيهقي في الشّعب عن ابن عباس قال: (السبع الطوال لم يعطهن أحد إلا النبي صلّى الله عليه وسلم).
وأخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعا: «أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» ونكتفي بهذا في هذا النوع.
س: هل نزل على محمد والأنبياء من قبله- عليهم جميعا الصلاة والسلام- شيء من القرآن؟
ج: نعم؛ نزلت سورة سبح اسم ربك الأعلى على النبي محمد صلّى الله عليه وسلم كما نزلت في صحف إبراهيم وموسى.
فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس قال: لما نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال صلّى الله عليه وسلم: «كلها في صحف إبراهيم وموسى» ولما نزلت وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فبلغ وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال: وفي أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى إلى قوله: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى. فقد ورد أنها جاءت أيضا في صحف إبراهيم وموسى مثلها نزلت على النبي محمد صلّى الله عليه وسلم.
- ما نزل على إبراهيم ومحمد (عليهما الصلاة والسلام).
أخرج الحاكم من طريق القاسم عن أبي أمامة قال: أنزل الله على إبراهيم مما أنزل على محمد التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ إلى قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى قوله تعالى: هُمْ فِيها خالِدُونَ وإِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ الآية.
والتي في سأل الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ إلى قوله تعالى: قائِمُونَ فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمد صلّى الله عليه وسلم.
- ما نزل على موسى ومحمد صلّى الله عليه وسلم:
قد أخرج ابن الضريسي وغيره عن كعب قال: فتحت التوراة ب الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ وختمت ب الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً إلى قوله تعالى وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.
وأخرج أبو عبيد عنه قال: أول ما أنزل الله في التوراة عشر آيات من سورة الأنعام بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ الآيات ..
وقال بعضهم: يعني أن هذه الآيات اشتملت على الآيات العشر التي كتبها الله لموسى في التوراة أول ما كتب، وهي توحيد الله، والنهي عن الشرك واليمين الكاذبة، والعقوق، والزنى، والسرقة، والزور، ومد العين إلى ما في يد الغير، والأمر بتعظيم السبت.
- ما أنزل على سليمان ومحمد صلّى الله عليه وسلم:
أخرج الدارقطني من حديث بريدة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لأعلمنك آية لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري (بسم الله الرحمن الرحيم)».
وروى البيهقي عن ابن عباس قال: (أغفل الناس آية من كتاب الله لم تنزل على أحد قبل النبي صلّى الله عليه وسلم إلا أن يكون سليمان بن داود (بسم الله الرحمن الرحيم)).
- ما نزل على يوسف ومحمد صلّى الله عليه وسلم:
يدخل في هذا النوع ما أخرجه ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال:
البرهان الذي أري يوسف. ثلاث آيات من كتاب الله تعالى وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ وقوله تعالى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ الآية. وقوله: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وزاد غيره آية أخرى وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى .. والله تعالى أعلم.
تمرينات
س 1: مما أعطي للنبي محمد صلّى الله عليه وسلم وأمته آية عند المصيبة. ما هي؟
س 2: ما هي السورة التي أعطيت للنبي دون غيره؟
س 3: سورة سبح اسم ربك الأعلى. نزلت على من من الأنبياء قبل النبي محمد صلّى الله عليه وسلم؟
س 4: على من نزلت آية إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ الآية .. غير النبي محمد صلّى الله عليه وسلم؟
س 5: البسملة: على من نزلت من الأنبياء قبل رسول الله. صلوات الله وسلامه عليه؟
العالي والنازل من أسانيد القرآن الكريم
س: نريد أن نعرف العالي من الإسناد والنازل منه فما هو؟
ج: اعلم يا أخي الكريم أن طلب معرفة الإسناد سنة؛ لأنه قرب إلى الله عز وجل.
فالعالى من الإسناد والنازل منه له تقسيمان: أحدهما عن أهل الحديث.
والثاني عند القراء.
وإليك بيان كل منهما:
1 - الأول: تقسيم أهل الحديث.
لقد قسم أهل الحديث الإسناد إلى خمسة أنواع:
النوع الأول:
القرب من الرسول صلّى الله عليه وسلم من حيث العدد بالإسناد النظيف غير الضعيف، وهو أفضل أنواع العلوّ وأعظمها.
وذلك فيما يقع للشيوخ، في هذا الزمان إسناد رجاله أربعة عشر رجلا.
وهذا يقع من قراءة ابن عامر من رواية ابن ذكوان. ثم يكون خمسة عشر. وذلك فيما يقع من قراءة عاصم من رواية حفص. وهكذا.
النوع الثاني:
القرب من أحد أئمة الحديث، كالأعمش وهيثم وابن جرير والأوزاعي ومالك. وهو هنا القرب إلى أحد الأئمة السبعة. فأعلى ما يقع اليوم للشيوخ بالإسناد المتصل بالتلاوة إلى الإمام نافع اثنا عشر.
النوع الثالث:
العلوّ بالنسبة إلى رواية واحد من الكتب الستة في الحديث الشريف. بحيث لو روى حديثا لرواه من طريق كتاب من الكتب الستة وقع عندئذ أنزل ممّا لو رواه من غير طريقها.
ومثل ذلك في العلوّ بالنسبة إلى بعض الكتب المشهورة في القراءات مثل كتاب النشر والشاطبية.
النوع الرابع:
تقدم وفاة الشيخ عن قرينه الذي أخذ عن شيخه؛ فمثلا الذي أخذ القراءة عن التاج ابن مكتوم أعلى من الذي أخذها عن أبي المعاني بن اللّبّان. وابن اللبّان أعلى من البرهان الشامي وإن كانوا شركاء في الأخذ عن أبي حيان. وذلك لتقدم وفاة الأول عن الثاني، والثاني عن الثالث. وهكذا.
النوع الخامس:
العلوّ بموت الشيخ نفسه لا مع الالتفات لأمر آخر أي شيخ آخر متى يكون ذلك.
وقد قال بعض المحدثين:
يوصف الإسناد بالعلوّ إذا مضى على موت الشيخ خمسون سنة، وقال ابن قندرة: ثلاثون سنة؛ فعلى هذا يكون الأخذ عن أصحاب ابن الجزري عال من سنة ثلاث وستين وثمانمائة؛ لأن ابن الجزري آخر من كان مسنده عاليا ومضى عليه حينئذ من موته ثلاثون سنة، وهذا مما حرره من السيوطي من قواعد الحديث في كتابه الإتقان في علوم القرآن.
2 - ثانيا: تقسيم القرّاء:
وتقسيم القراء في الإسناد يدور حول القراءة والرواية والطريق والوجه .. فالخلاف في القراءة إن وقع لأحد الأئمة السبعة أو الثلاثة المتممين للعشرة واتفقت عليه الروايات والطرق عنه فهو قراءة.
وإن كان هذا الخلاف للراوي عنه، فهو رواية.
وأما إذا كان لمن بعده فنازلا فهذا طريق.
وإذا كان راجعا إلى تخيير القارئ فهو وجه.
وبهذا يكون قد اتضح لك العلوّ بأقسامه وأنواعه، ومنه تعرف كيفية النزول فإنه ضده. هذا باختصار (1) .. والله تعالى أعلم.
تمرينات
س 1: إلى كم قسم ينقسم الإسناد؟ وما هو كل قسم؟
س 2: ما هو النوع الأول من تقسيم أهل الحديث للإسناد؟
س 3: اذكر النوع الرابع من تقسيم أهل الحديث.
س 4: اذكر كيفية تقسيم القراء للإسناد.
__________
(1) فارجع إن شئت التوسع في هذا الباب إلى كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ص 207 - 210.
يتبع إن شاء الله...