توبة شاب يمني
يقول الحق تبارك وتعالى: ((وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)) (يوسف: 105، 106).
وصدق الله العظيم، فإن من تأمل حال الناس اليوم، رأى مصداق هذه الآية ماثلاً للعيان، فما أكثر المسلمين اليوم، وأما أقل الموحدين منهم، ومن أراد الدليل والبرهان فليطف ببعض مساجد المسلمين ليرى العجب العجاب من التعلق بالقبور والأموات والغائبين، وهذا من أعظم أسباب تخلف المسلمين، وتأخرهم.
فإن للتوحيد الصحيح أثراً عظيماً في بث روح العزة والأنفة في نفس صاحبه، فلا يركع إلا لله، ولا ينحني لغيره، ولا يدعو إلا إياه، ولا يدع فعل الأسباب المشروعة بحجة التوكل، لأن توحيده الصحيح يقول له: إن التوكل الحق لا ينافي فعل الأسباب، بل لا بنفك عنها، وإلا صار تواكلاً لا توكلاً، ولعل في قصة هذا الشاب اليمني أوضح مثال لما أقول.
يقول هذا الشابّ:
أنا شابّ من إحدى قرى اليمن، نشأت منذ نعومة أظافري على المحافظة على الصلوات، وحبّ المساجد، فكنت –ولله الحمد– أقوم بالاعتناء بالمساجد وكنسها وتنظيفها.. وعلى الرغم من كثرة تردّدي عليها، لم أجد مَن يقف بجانبي، أو يعلّمني حتّى كيف أتوضّأ، فقد كنت لا أحسن الوضوء.
المساجد كانت مليئة بالمصلّين، لكنّها مليئة بالجهل والشرك والأفّاكين، كيف وإمام المسجد الذي كنت أصلّي فيه كان من كبار الصوفية الذين يجوّزون دعاء الموتى والالتجاء إليهم في الملمّات.
ومن الذين يقولون بأن الله –جلّ جلاله موجود في كلّ مكان بذاته العليّة– تعالى الله عن ذلك –فالله عزّ وجلّ– بنصّ القرآن وإجماع السلف – في السماء مستوٍ على العرش استواء يليق بجلاله، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل: ((ليسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (الشورى: 11).
وكذلك كانت القرية مليئة بالسحر والشعوذة، فمنهم مَن يدّعي علم الغيب، ويستعين بالشياطين لمعرفة بعض المُغيّبات الحادثة، أمّا المُستقبلية فلا سبيل إلى معرفتها، ومنهم مَن يقوم بالشعوذة ورُقية المرضى، بالرُّقى الشِّركية الشيطانية، ومنهم السحرة الذين يفرّقون بين المرء وزوجه، ولكن، حسبنا هذا الجزاء من الآية الكريمة: ((وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ)) (البقرة: 102).
نشأت وترعرعت، والجهل مخيّم على هذه القرية، كنّا –أنا وأفراد أسرتي– نقوم بزيارة بعض القبور المعروفة، وكذا دأب الأسر الأخرى، فكنّا نطلب من الأموات ما لا يقدر عليه إلا الله، والله أعلم هل هؤلاء الموتى من أهل الجنّة أم من أهل النار، وكنّا نأتي في كلّ عيد نُسلّم على هذه الأحجار، ونقبّلها، وبينما أنا في هذه الحال، أتخبط في لجج الظلام، إذ أتى شهر رمضان المبارك من عام 1412هـ، وكنت في قرية أخرى غير قريتي، فدخلت أحد المساجد السلفية، فلفت نظري دولاب صغير قد وضعت فيه بعض الكتيّبات للاستعارة، فاستعرت بعضها، ثمّ أعدت الكرّة، حتّى قرأتها جميعاً في فترة وجيزة جدّاً، وكان معظمها يتحدّث عن الشرك، والتحذير من دعاء غير الله من الأموات والغائبين، وبيان حقيقة التوحيد ومعنى لا إله إلا الله، فإذا بأنوار التوحيد تحرق لجج الظلام في قلبي، وتقتلع الشرك من جذوره، ومنذ ذلك الحين وأنا أحرص على قراءة الكتب النافعة، وسماع الأشرطة المفيدة، وأعبّ منها عبّاً، كالذي وجد الماء الزلال بعد عطش شديد كاد يودي بحياته.
ثمّ بدأت أحضر حلقات العلم في المساجد، وأتعلّم العقيدة السلفية النقيّة على يد من نذروا أنفسهم لنشر التوحيد، ومحو الشرك، وكما جرت سنّة الله عزّ وجلّ في سائر العصور أن كلّ من دعا إلى التوحيد الخالص لابدّ أن يؤذي ويُفترى عليه، وتوجّه إليه التهم، فقد أُوذينا في الله، وواجهنا كثيراً من المصاعب، وكانت الأعين تراقبنا، والدعايات الكاذبة تلاحقنا من قبل أهل الأهواء والبدع، فقد كان شغلهم الشاغل هو: ماذا يشيعون علينا من أخبار سيئة، وافتراءات أثيمة فلم نأبه لهذه الافتراءات بل بدأنا –ولله الحمد– ننتشر في مساجد القرية، ونقيم الدروس والمواعظ المختصرة بقدر ما فتح الله علينا من العلم، وبدأ أنصار التوحيد والسنّة يتزايدون، ثمّ بدأنا بالدعوة الفردية لأعيان البلد من أهل الشرك والشعوذة والسحر الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، فأخذتهم العزّة بالإثم، وقابلوا النصح والتذكير بالسبّ والشتم والتهديد، بل بعضهم هدّد بالقتل، وهكذا وقف الجميع، إلا من رحم الله – في وجه هذه الدعوة، حتّى أُدخلنا السجن في بعض الفترات، وأراد منّا من يدّعي الإصلاح أن نتأسف لمن نصحناه، ونقبّل يده وركبته (!)، فامتنعنا أشدّ الامتناع، وقلنا بكلّ وضوح: لا دناءة في دين الله.
ومع هذا كلّه، فلله الحمد والشكر، فقد أدّت هذه النصائح ثماراً طيبة، فقد قبلها بعض الناس، وترك ما هو فيه من ضلال وشرك.
وما زلنا –ولله الحمد– ندعو إلى الله عزّ وجلّ بما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا إليه سلف الأمّة رضوان الله عليهم، نسأل الله أن يثبتنا على دينه.
أخوكم أبو عبد الله من اليمن.