تــــــوبة مفـــــحط مشــــــهور
(يا شباب الإسلام: لن تجدوا السعادة في التفحيط، ولا في السفر والمخدرات، لن تجدوها أو تشموا رائحتها إلا في الالتزام والاستقامة على دين الله).
هذا ما قاله المفحط المشهور سابقاً... (أبو خالد) بعد أن منّ الله عليه بالهداية، بعد رحلة طويلة مؤلمة، مليئة بالعجائب والمغامرات.
يحدثنا عنها فيقول:
أنا شاب نشأت في بيت محافظ نوعاً ما، كنت متفوقاً في دراستي، وفي بداية المرحلة الثانوية حاول مجموعة من الشباب الصالحين في المدرسة ضمي إليهم أنا وصديق لي خوفاً علينا من رفقاء السوء، ونظراً لصغر سني، وجهلي بما ينفعني، رفضت الانضمام إليهم، وكنت أحاول التهرب منهم، ومن الطبيعي أن يتلقفني رفقاء السوء، وما أكثرهم في هذا الزمان، وفي كل زمان.
ومما زاد الأمر خطورةً أن والدي -عفا الله عنه- اشترى لي سيارةً، وإنني -بهذه المناسبة- أذكّر الآباء وأولياء الأمور بأن يتقوا الله في أولادهم، وألا يهيئوا لهم أسباب الفساد والانحراف، ومنها السيّارة، لاسيما من كانوا في سن المراهقة، فهذه نصيحة مجرب، وفي المثل: (أسأل مجرب ولا تسأل حكيم).
المهم: تطورت الأمور، واشترى لي أبي سيارة جديدة، وازداد عدد الشلة (شلة المصالح)، ورسبت سنتين متتاليتين في السنة الأولى من المرحلة الثانوية بسبب الهروب المستمر من المدرسة.
وفي تلك السنة كانت ظاهرة التفحيط قد بلغت أوج قوتها وانتشارها، فتعلمت التفحيط على أيدي رفقاء السوء، وأنا حين أذكر التفحيط، أذكر ما يجر إليه من مشكلات ومصائب (مخدرات، سرقات، فواحش... الخ) فكما أن الخمر أم الخبائث، فالتفحيط هو أبوها، ولكن بحمد الله وفضله، ثم بفضل أبي وإخواني الذين أفاقوا من سباتهم وانتبهوا لي حيث سارع أحد إخواني بنقلي إلى مدرسة أخرى، فبدأت أهتم بالدراسة نوعاً مّا، وابتعدتُ عن كثير من الخبائث التي تصاحب التفحيط، كالمخدرات وغيرها، وإن كنت مصراً على التفحيط ومعاصٍ أخرى، أسأل الله عفوه ومغفرته.
واصلت مسيرتي في التفحيط حتى أصبحتُ رمزاً من رموزه المشهورين الذين يشار إليها بالبنان، وكثر حولي الأصدقاء والمحبون والمعجبون!! حتى الأموال والسيارات كنت أستطيع أن أحصل عليها بكل يسر وسهولة عن طريق المعجبين!!
ولكني مع هذا كله، لم أجد السعادة التي كنتُ أبحث عنها، أبتسمُ وأضحكُ في نهاري، وفي الليل أبكي وأحزن على واقعي الأليم، كنت أشعر أن بداخلي منادياً يناديني يقول: (هذه ليست رسالتك في الحياة)، فإذا خرجتُ من المنزل، أجد التشجيع والتبجيل والتعظيم، فضلاً عن تضليل الشيطان وكيده، فأتجاهل ذلك المنادي الصارم.
وإني اليوم أوجه هذا السؤال لكل شاب ملتزم:
أين أنتم عنا وعن أمثالنا؟ لماذا تركتمونا نتخبط في ذلك الوقت العصيب؟ ألا تزكون علمكم؟ ألا تشكرون نعمة الله عليكم بالهداية فتهدون غيركم؟.
نعم أين أنتم من الشباب الضائع؟
والله لا أذكر أن أحداً من الصالحين جاء لمناصحتي وإنقاذي من ذلك الضلال والضياع إلا رفيقاً سابقاً منّ الله عليه بالهداية فحاول نصحي وهدايتي.
المهم أني واصلت دراستي باجتهاد وتخرجتُ من الثانوية بتقدير (جيد) مع إصراري على التفحيط حتى أن رجال المرور لما جاءوا يبحثون عني في المدرسة تعجب المدير، وقال: إن هذا الطالب من أحسن الطلاب خلقاً وحضوراً.
وانتقلتُ إلى المرحلة الجامعية، والتحقت بالجامعة، وكان قريب لي يدرس في أمريكا يضغط عليّ لإكمال دراستي هناك عنده فكنتُ أرفض بشدة، فما زال منادي الخير يناديني ويذكرني بالله، ولكن موعد الهداية لم يحن بعد.
اتسعت شهرتي كمفحط، حتى إن بعض الصحفيين جاءني ليجري معي مقابلة صحفية فرفضت، لأنني كنت أشعر في قرارة نفسي بأني أسير في طريق خاطئ.
لماذا يجري معي مقابلة صحفية؟
هل أنا من العلماء والدعاة الذين نذروا أنفسهم، وجعلوها وقفاً له سبحانه؟
أم أنا من المجاهدين في سبيله؟ ماذا قدمت لديني وأمتي؟
ولكن هذه حال كثير من كتّاب صحفنا ومجلاتنا –وللأسف الشديد– إنهم يتجاهلون أموراً عظيمة، وقضايا حساسة، ويجرون خلف أمور تافهة هامشية بغرض الإثارة، وترويج بضاعتهم على حساب أوقات الناس وعقولهم.
وتطورت الأمور، وأصبحت أملك سيارة خاصة للتفحيط، حصلت على ثمنها من طريق بعض المعجبين ومن طريق الحرام، ولا عجب، فالتفحيط يجرّ إلى أكبر من ذلك.
وفي تلك الفترة التي بلغت فيها قمة الشهرة، -قدّر الله جلّ وعلا- وتوفي صديق لي -وهو من كبار المفحطين- بحادث انقلاب، فثبتُ واستقمتُ أياماً قليلة، ثم عدت إلى ما كنتُ عليه وكأن شيئاً لم يكن.
ثم إني وجدتُّ (شلة) متطورة ومتخضرة -كما يدّعون- (شلة بانكوك ومانيلا)، وبدأت أسافر إلى الخارج، أطلب السعادة في أحضان المومسات وشرب المُسكرات، ولكن القضية هي هي: سكر وضحك وفرح في الليل، وهمّ وغمّ وحزن في النهار، قال تعالى: (ومَن أعرضَ عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى).
وقد كنتُ في أيام الدراسة الجامعية تعرفتُ على شاب أصغر مني سناً، فكانت علاقتنا تزداد مع الأيام حتى أننا لا نستطيع الافتراق أكثر من أسبوع، ولم تكن تلك الصداقة لله، وإنما للتعاون على الإثم والعدوان، مع أنها لا تخلو من بعض الخير.
وفي السنة الثالثة من المرحلة الجامعية، بدأ منادي الخير يقوي في قلبي ويذكرني ببعض أصدقائي الذين منّ الله عليهم بالهداية فبدءوا يتعهدونني بالزيارة والنصيحة، ومن جهة أخرى، أشرق في بيتنا نور جديد، وغرّد داع للهدى، فأختي بدأت في طريق الالتزام، فبدأت تناصحني وترغبني في الهداية.
ووالله يا أحبة لقد كان المنادي يقوى، والظروف تتحسن من حولي، ولكنّ موعد الهداية لم يحن بعد.
وفي ذلك العام ذهبتُ بالأهل إلى مكة في شهر رمضان المبارك، وفي العشر الأواخر من رمضان عشتُ حياة جديدة أقلعتُ فيها عن كثير من المعاصي، واستبدلتُ بالدخان السواك، وبالأغاني القرآن، وحافظتُ على صلاة التراويح والقيام والرفقة الطيبة.
هذه هي السعادة الحقيقية، التي أبحثُ عنها طوال عمري، حياة نقية، طاهرة زكية، ما أحلاها من لذة عندما تشعر أنك تنتصر على نفسك الأمّارة بالسوء، وتدحض الشيطان، وترضي الرحمن.
قد تظنونها النهاية، لا والله، فما زال موعد الهداية لم يحن بعد.
عدتُ إلى الرياض وأنا عازم على السير في تلك الطريق، وكنتُ في المسجد الحرام أدعو ربي وأسأله أحد أمرين: إما أن يفتح على قلب صاحبي فيصحبني في هذا الطريق، أو أن يفرق بيننا، واستجاب الله -عز وجل- لدعائي، فبعد يوم واحد من لقائي بصاحبي حدث بيننا خلاف، وكان الفراق، ولكن -ويا للأسف- لم أجد البديل من الرفقاء الصالحين.
وأقبلت الامتحانات، فبدأتُ بالمذاكرة، وكنتُ محافظاً على الصلاة مقلعاً عن الكبائر، مقيماً على الصغائر، فدعاني قريبي الذي يدرس في أمريكا مرةً ثانيةً للذهاب إليه في الصيف، وتعلّم اللغة الإنجليزية هناك لصعوبتها عليّ في الجامعة، فقلت في نفسي: هذه فرصة سانحة لأبتعد عن الجو الذي أعيش فيه ثم أعود بعد زمن، وأسلك الطريق المستقيم.
ولكن أبى الله -عز وجل- إلا أن يتم أمره ومشيته، ففي يوم من أيام الاختبارات دخلت قاعة الامتحان وقد نسيتُ في جيبي ورقة تتعلق بمادة الاختبار، وبعد ساعة من الزمن، لمح المراقب تلك الورقة، فأدخل يده في جيبي، وأخرجها ثم سجّل عليّ محضراً بالغش ومن ثم حرماني من دخول الامتحان في المواد المتبقية، وعندها شعرت بالظلم، وأظلمتْ الدنيا في عيني، وظننتُ أن ذلك شرٌ لي ولكن الله لا يقضي إلا خيراً، وإن كان بالنسبة لنا قد يكون شراً، فالشر المحض لا ينسب إلى الله أبداً.
خرجتُ من قاعة الامتحان غاضباً مهموماً، وانطلقتُ أبحث عما يزيل عني ذلك الهم، فانهمكتُ في سماع الغناء ومشاهدة الأفلام والمباريات وشرب الدخان، فلم أزدد إلا همّاً على هم.
كانت تلك الحادثة يوم السبت، ورحلتي إلى أمريكا يوم الأربعاء، وفي مساء السبت جاء الفرج من الله، وتنزلت رحمته، وكان موعدي مع الطهر والنقاء، والسعادة والطمأنينة، والاستجابة الحقيقية لداعي الله -عز وجل- فبينما أتناول طعام العشاء في أحد المطاعم إذ بداعي الخير يناديني مرة أخرى، ولكن في الليلة بقوة وإلحاح، يقول لي: أتذهب إلى بلاد الكفر تجالس المومسات وتتعاطى المسكرات، كيف لو أتاك هادم اللذات ومفرّق الجماعات وأنت على هذه الحال، أما أن لك أن تعود إلى طريق الاستقامة؟
فخرجت من المطعم كالتائه الذي يبحث عن أهله، وكالأم التي تبحث عن ولدها، وكالمريض الذي يبحث عن علاجه.. فركبت سيارتي، وانطلقتُ أهيم على وجهي من شارع إلى شارع، وفتحتُ درج سيارتي فوجدتُ شريطاً للشيخ محمد المحيسني -جزاه الله عني كل خير- كان هذا الشريط قد أهدي إلىّ من قبل أحد الأصدقاء، فاستمعتُ إلى قراءة الشيخ وكان يقرأ بخشوع ويبكي، والناس من وراءه يبكون، فلم أتمالك نفسي من البكاء، فقد نزلتْ هذه الآيات على قلبي وكأني أسمعها لأول مرة.
بكيتُ بكاءً مرّاً، ثم أوقفت سيارتي على جانب الطريق، وأخرجت علبة (السجائر) وأشرطة اللهو والباطل، وأعدمتها بدون محاكمة، واعتزمت على التوبة النصوح والاستقامة على دين الله، وأن أكون داعية خير بعد أن كنت داعية شر وفساد.
عدتُّ إلى البيت، فاستقبلني أبي، ولاحظ على وجهي تغيراً وخشوعاً ونوراً فاحتضنني وضمني إلى صدره، فبكيتُ بين يديه، واعتذرتُ له عمّا سببته له هو ووالدتي وإخواني من مصائب ومشكلات، ففرحوا بتوبتي فرحاً شديداً.
وبعد التوبة كان من الطبيعي أن يضاعف الشيطان جهوده ويكلف أولياؤه وجنده من الجن والإنس بالعمل -ولو (خارج دوام)- من أجل إضلالي وإعادتي إلى مدرسته، ولكن الله -سبحانه- ثبتني فـواجهت تعنيف الشيطان من داخلي وهو يقول لي: لِمَ لم تذهب -يا غبي- إلى الخارج حيث الحرية والانطلاق..، ولكني كنت قد قطعتُ على نفسي خط الرجعة، فأول مكان ذهبت إليه بعد توبتي هو محل الحلاقة حيث أزلتُ شعر رأسي بالكلية، حتى صديق العزيز لم أستجب له وقد جاءني يذكرني بالأيام الماضية من حياتي، ويرغبني فيها، وصبرتُ على الغم والهم والحزن الذي أصابني في بداية الأمر حتى استحال ذلك وانقلب إلى سرور وطمأنينة وراحة بال.
وصدق الإمام ابن القيم -رحمه الله- حين قال: (إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد، مَن تركها لغير الله، أما من تركها صادقاً مخلصاً من قبله لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة، ليُمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب؟ فإن صبر على تلك المشقة قليلاُ استحالت لذة...
وتعرفت على مجموعة من الشباب الأخيار، وازداد إيماني بالله ويقيني به سبحانه، وتفضل الله عليّ بمنة أخرى ألا وهي هداية صديقي العزيز على يديّ.
وفي ختام حديثي، أوجهها نصيحة صادقة لجميع الشباب فأقول:
يا شباب الإسلام، لن تجدوا السعادة في السفر، ولا في المخدرات ولا في التفحيط، لن تجدوها أو تشموا رائحتها إلا في الالتزام والاستقامة..
في خدمة دين الله..
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ماذا قدمتم -يا أحبة- للإسلام؟ أين آثاركم؟ أهذه رسالتكم؟
شباب الجيـل للإسلام عــودوا فأنتــم روحــــه وبكـم يســود
وأنتــم سرُّ نهضتـه قديــماً وأنتـم فجـره الزّاهـي الجــديدُ
أسأل الله لي ولكم الثبات، وصلى الله على نبينا محمد..
أبو خالد