قصة مسافر
أنا في السنة النهائية في المرحلة الثانوية .
لم يبق على الامتحانات إلا القليل .
وعدني أبي إن نجحتُ أن يوافق على رحيلي إلى الخارج للسياحة .
مرت الأيام .
امتحنت .. نجحت ..
الأرض لا تسعني من شدة الفرح كالمجنون .. أخبر كل من ألقاه بنجاحي
حتى الذين لا يعرفون العربية .. حتى عامل النظافة قلت له: أني ناجح
.. بل عانقته !!
وصلت إلى البيت .
رقص المنزل فرحاً ... ومال طرباً .
كلهم سعداء .
بعد الغداء .. ذكّرتُ والدي بوعده وضرورة الحفاظ على عهده .. وافق
.. مدّ يده ... وأخرج شيكاً ..
سجلتُ في إحدى الحملات السياحية لزيارة الدول الأوربية ... ما أسرع
ما يمضي الوقت ..
في السماء أفكر .. أخيراً تركت أرضي ... إلى البلاد المفتوحة .. وصلنا..
كل شيء مُعد للاستقبال .. الفندق .. جدول الزيارات والرحلات البرية ..
عالم غريب ..
تختلط فيه أصوات السكارى .. مع آهات الحيارى لا تسألني ماذا فعلت ..
فعلت كل شيء .. كل شيء ..
إلا الصلاة ... وقراءة القرآن ... فلم يكن هناك وقت لذلك .. لولا سحنة وجهي ..
وسمار لوني العربي ... لظنَّ الناس أني غربي ... بحركاتي .. وسكناتي .. ولباسي .. وكلامي
... كل شيء يدل على أنني غربي .. لولا الوجه واللون .
أحبوني كلهم .. قائد الرحلة .. والمُرشدة ... والمسؤول عن الفرقة التي كنت فيها
.. والمشتركون والمشتركات .. الجميع بلا استثناء .. دخل حبي في قلوبهم ..
مر الوقت سريعاً ..
لم يبق على انتهاء الرحلة إلا يوماً واحداً وكما هو محدد في الجدول .. نزهة برية
... وحفل تكريم .
الأرض بساط أخضر .. يموج بالألوان الساحرة .. والخطوط الفاتنة تناثرت
هنا وهناك ..
مالت الشمس إلى الغروب ..
وسقطتْ صريعة خلف هاتيك الجبال الشامخات .. والروابي الحالمات .. فلبستْ
السماء ثوب الحداد .. حزناً على ذهاب يوم مضى .
عندها ..
بدأ ليل العاشقين .. وسعي اللاهثين ..
واختلطت أصوات الموسيقى الحالمة .. بتلك الآهات الحائرة ... ثم أعلن مقدم الحفل ...
أن قد بدأ الآن حفل الوداع ... وأول فقرة من فقراته .. هو اختيار الشاب المثالي في
هذه الرحلة الممتعة ... ثم تعليق الصليب الذهبي في عنقه... تكريماً له من قائد الرحلة
... وقام قائد الرحلة ... وأمسك بالمُكبر .. حتى يُعلن للجميع اسم ذلك المحظوظ
الفائز ..
هدأت الأنفاس ... وسكنت الحركات ...
وأعلن القائد ..
الشاب المثالي في الرحلة هو ...
(مـــــــــــــــــــــازن سعــــــــــــــــــــيد) .
تعالت الصرخات .. وارتفع التصفيق وعلا الهتاف ...
وأنا لا أصدق أذني ... ذُهلت .. تفاجأت .
لم أصدق إلا بعد أن قام المشاركون بحملي .... والاحتفال بي ...
صُدمت ... لا تبدو على وجهي آثار الفرحة .
.. فكرت سريعاً ... لماذا اختاروني أنا ؟ ... هناك الكثير ممَّن هو على دينهم ...
ألأني مُسلم اختاروني ... ؟!
توالت الأسئلة .. وتتابعت علامات الاستفهام والتعجب
... تذكرت أبي وصلاته ... وأمي وتسبيحها .
تذكرت إمام المسجد ... الخطبة كانت عن السفر إلى الخارج .
تذكرت الشريط الذي أهداه لي صديقي .. كان عن التنصير .
تذكرت الرسول صلى الله عليه وسلم ... تخيلته أمامي ... ينظر إليَّ .. ماذا سأفعل ...
وصلت إلى المنصة ..
أمسك القائد بالصَّليب الذهبي ...
إنه يلمع كالحقد ... ويسطع كالمكر .
اقترب القائد ... وهو يبتسم ابتسامة الرضى والفوز ..
أمسك بعنقي ... ووضع الصليب ...
(قـف!! إنـك مـسـلـم) .
أمسكت بالصليب الذهبي .. وقذفته في وجهه ... ودسته تحت قدمي ...
أخذت أجري وأجري ... أجري وأجري ... صعدت إلى ربوة ..
وصلت إلى قمتها ...
صرخت في أذن الكون ...
وسمع العالم ..
اللهُ أكبرُ ... اللهُ أكبرُ ...
أشهدُ أن لا إله إلا الله ...
أشهدُ أن محمداً رسولُ الله .
من كتاب :
الميلاد الجديد
إبراهيم بن عبدالله الغامدي