بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)
شرح الكلمات :
{ إن المتقين } : أي الذين خافوا ربهم فعبدوه بما شرع لهم من العبادات .
{ ونزعنا ما في صدروهم من غل } : أي حقد وحسد وعداوة وبغضاء .
{ على سرر متقابلين } : أي ينظر بعضهم الى بعض ما داموا جالسين وإذا انصرفوا دارت بهم الأسرة فلا ينظر بعضهم الى قفا بعض .
{ لا يمسهم فسها نصب } : أي تعب .
{ العذاب الأليم } : أي الموجع شديد الإيجاع .
{ ضيف إبراهيم } : هم ملائكة نزلوا عليه وهم في طريقهم الى قوم لوط لإهلاكهم كان من بينهم جبريل وكانوا في صورة شباب من الناس .
{ إنا منكم وجلون } : اي خائفون وذلك لما رفضوا أن يأكلوا .
{ بغلام عليم } : أي بولد ذي علم كثير هو أسحق عليه السلام .
{ فيم تبشرون } : أي تعجب من بشارتهم مع كبره بولد .
{ من القانطين } : أي الآيسين .
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى جزاء اتباع ابليس الغاوين ، ناسب ذكر جزاء عباد الرحمن أهل التقوى والإيمان فقال تعالى مخبراً عما أعد لهم من نعيم مقيم : { إن المتقين } أي الله بترك الشرك والمعاصي { في جنات وعيون } يقال لهم { ادخلوها بسلامٍ آمنين } أي حال كونكم مصحوبين بالسلام آمنين من الخوف والفزع.
وقوله { ونزعنا ما في صدورهم من غل } أي لم يبق الله تعالى في صدور أهل الجنة ما ينغص نعيمها ، او يكدر صفوها كحقد او حسد او عداوة او شحناء .
وقوله : { إخواناً على سررِ متقابلين } لما طهر صدورهم مما من شأنه ان ينغص أو يكدر ، أصبحوا في المحبة لبعضهم بعضاً أخواناً يضمهم مجلس واحد يجلسون فيه على سررٍ متقابلين وجهاً لوجه ، واذا أرادوا الانصراف الى قصورهم تدور بهم الأسرة فلا ينظر احدهم الى قفا أخيه .
وقوله تعالى : { لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين } فيه الإخبار بنعيمين : نعيم الراحة الأبدية اذ لا نصب ولا تعب في الجنة ونعيم البقاء والخلد فيها اذ لا يخرجون منها ابداً ، وفي هذا التقرير لمعتقد البعث والجزاء بأبلغ عبارة واوضحها .
وقوله تعالى : { نبئ عبادي اني أنا الغفور الرحيم } أي خبر يا رسولنا عبادنا المؤمنين الموحدين أن ربهم غفور لهم ان عصوه وتابوا من معصيتهم .
رحيم بهم فلا يعذبهم .
{ وأن عذابي هو العذاب الأليم } ونبئهم أيضاً أن عذابي هو العذاب الأليم فليحذروا معصيتي بالشرك بي ، أو مخالفة أوامري وغشيان محارمي .
وقوله تعالى : { ونبئهم عن ضيف إبراهيم .
إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً } أي سلموا عليه فرد عليهم السلام وقدم لهم قرى الضيف وكان عجلاً حيذا ، كما تقدم في هود وعرض عليهم الأكل فامتنعوا وهنا قال : { إنا منكم وجلون } أي خائفون ، وكانوا جبريل وميكائيل وإسرافيل في صورة لشباب حسان .
فلما أخبرهم بخوفه منهم ، لأن العادة أن النازل على الانسان اذا لم ياكل طعامه ذل ذلك على انه يريد به سوء .
{ قالوا لا توجل } اي لا تخف ، { إنا نبشرك بغلام عليم } أي بولد ذي علم كثير .
فرد إبراهيم قائلاً بما أخبر تعالى عنه بقوله : { قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر فيم تبشرون } أي هذه البشارة بالولد على كبر سني أو عجيب ، فلما تعجب من البشارة وظهرت عليه علامات الشك والتردد في صحة الخبر قالوا له : { بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين } أي الآيسين .
وهنا ورد عليهم قائلاً نافياً القنوط عنه لأن القنوط حرام .
{ ومن يقنط من رحمة به الا الضالون } أي الكافرون بقدرة الله ورحمته لجهلهم بربهم وصفاته المتجلية في رحمته لهم وإنعامه عليهم .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير نعيم الجنة ، وأن بعضها جسماني روحاني معاً دائم أبداً .
2- صفاء نعيم الجنة من كل ما ينغصه أو يكدره .
3- وعد الله بالمغفرة لمن تاب من أهل الإيمان والتقوى من موحديه .
4- وعيده لأهل معاصيه إذ لم يتوبوا إليه قبل موتهم .
5- حرمة القنوط واليأس من رحمة الله تعالى .
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)
شرح الكلمات :
{ قال فما خطبكم } : أي ما شأنكم ؟
{ الى قوم مجرمين } : هم قوم لوط عليه السلام .
{ إنا لمنجوهم أجمعين } : أي لإيمانهم وصالح اعمالهم .
{ الغابرين } : اي الباقين في العذاب .
{ قوم منكرون } : أي لا أعرفكم .
{ بما كانوا فيه يمترون } : أي بالعذاب الذي كانوا يشكون في وقوعه بهم .
{ حيث تؤمرون } : أي الى الشام حيث أمروا بالخروج إليه .
{ وقضينا إليه ذلك الأمر } : أي فرغنا الى لوط من ذلك الامر ، وأوحينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين .
معنى الآيات :
ما زال السياق في الحديث عن ضيف إبراهيم ، وها هوذا قد سألهم بما اخبر به تعالى عنه بقوله : { قال فما خطبكم أيا المرسلون } أي ما شأنكم أيها المرسلون من قبل الله تعالى اذ هم ملائكته ؟ { قالوا إنا ارسلنا الى قوم مجرمين } أي على أنفسهم ، وعلى غيرهم وهو اللوطيون لعنهم الله .
وقوله تعالى : { الا آل لوط } أي آل بيته والمؤمنين معه ، { إنا لمنجوهم أجمعين الا امرأته قدرنا } أي قضينا { إنها لمن الغابرين } أي الباقين في العذاب ، أي قضى الله وحكم بإهلاكها في جملة من يهلك لأنها كافرة مثلهم ، الى هنا انتهى الحديث مع إبراهيم وانتقلوا الى مدينة لوط عليه السلام قال تعالى { فلما جاء آل لوط المرسلون } أي انتهوا اليهم ودخلوا عليهم الدار قال لوط عليه السلام لهم { إنكم قوم منكرون } أي لا أعرفكم وأجابوه قائلين : نحن رسل ربك جئناك بما كان قومك فيه يمترون أي يشكون وهو عذابهم العاجل جزاء كفرهم وإجرامهم ، { وأتيناك بالحق } الثابت الذي لا شك فيه { وإنا لصادقون } فيما أخبرناك به وهو عذاب قومه المجرمين .
وعليه { فأسر بأهلك بقطع من الليل } أي أسر بهم في جزء من الليل ، و { اتبع أدبارهم } أي امش وراءهم وهو أمامك { ولا يلتفت منكم أحد } بأن ينظر وراءه ، أي حتى لا يرى ما يسوءه عند نزول العذاب بالمجرمين ، وقوله { وامضوا حيث تؤمرون } أي يأمركم ربكم وقد أمروا بالذهاب الى الشام ، وقوله تعالى : { وقضينا اليه ذلك الأمر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين } أي وفرغنا الى لوط من ذلك الأمر ، وأوحينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ، أي أنهم مهلكون عن آخرهم في الصباح الباكر ما أن يطلع الصباح حتى تقلب بهم الأرض ويهلكوا عن آخرهم .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- التنديد بالإجرام وبيان عقوبة المجرمين .
2- لا قيمة للنسب ولا للمصاهرة ولا عبرة بالقرابة إذا فصل الكفر والإجرام بين الأنساب والأقرباء فأمراة لوط هلكت مع الهالكين ولم يشفع لها أنها زوجة نبي ورسول عليه السلام .
3- مشروعية المشي بالليل لقطع المسافات البعيدة .
4- مشروعية مشي المسئول وكبير القوم وراء الجيش والقافلة أحوالهم ، والاطلاع على من يتخلف منهم لأمر ، وكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل .
5- كراهية الإشفاق على الظلمة الهالكين ، لقوله : ولا يلتفت منكم أحد أى : بقلبه .
وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)
شرح الكلمات :
{ وجاء أهل المدينة يستبشرون } : أي ومدينة سدوم ، أي فرحين بإتيانهم الفاحشة .
{ واتقوا الله ولا تخزون } : أي لا تذلوني في انتهاك حرمة ضيفي .
{ أو لم ننهك عن العالمين } : أي عن إجارتك لهم واستضافتك .
{ لفي سكرتهم يعمهون } : أي غوايتهم ، وشدة غلمتهم التي أزالت عقولهم ، يترددون .
{ مشرقين } : أي وقت شروق الشمس .
{ من سجيل } : أي طين طبخ بالنار .
{ لآيات للمتوسمين } : أي الناظرين المعتبرين .
{ لبسيل مقيم } : أي طريق قريش الى الشام مقيم دائم ثابت .
{ أصحاب الأيكة } : أي قوم شعيب عليه السلام ، والأيكة غيصة شجر بقرب مدين .
{ وإنهما لبإمام مبين } : أي قوم لوط ، وأصحاب الأيكة لبطريق مبين واضح .
معنى الآيات :
ما زال السياق مع لوط عليه السلام وضيفه من الملائكة من جهة ، وقوم لوط من جهة .
قال تعالى : { جاء أهل المدينة } أي مدينة سدوم وأهلها سكانها من اللوطيين ، وقوله { يستبشرون } أي فرحين مسرورين لطعمهم في ايتان الفاحشة ، فقال لهم لوط ما أخبر الله تعالى به : { قال إن هؤلاء } يشير الى الملائكة { ضيفي فلا تفضحون } أي فيه وأي بطلبكم الفاحشة ، { وتقوا الله } أي خافوه { ولا تخزون } أي تهينوني وتذلوني .
فأجابوا بما اخبر تعالى به عنهم : { قالوا أو لم ننهك عن العالمين } أي أتقول ما تقول ولم تذكر أنا نهيناك عن استضافة أحد من الناس أو تجيره ، فأجابهم لوط عليه السلام بما أخبر تعالى به عنه : { قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين } أي هؤلاء بناتي فتزوجوهن إن كنتم فاعلين ما آمركم به أو أرشدكم إليه .
وقوله تعالى : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } أي وحياتك يا رسولنا ، إنهم أي قوم لوط { لفي سكرتهم } غوايتهم التي أذهبت عقولهم فهبطوا الى درك أسفل من درك الحيوان ، { يعمهون } أي حيارى يترددون ، { فأخذتهم الصيحة مشرقين } أي صيحة جبريل عليه السلام مشرقين مع إشراق الشمس .
وقوله تعالى { وأمطرنا عليهم } فوق ذلك { حجارة من سجيل } أي من طين مطبوخ بالنار .. وقوله تعالى : { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } أي ان في ذلك المذكور من تدمير مدن كاملة بما فيها لآيات وعبر وعظات للمتوسمين أي الناظرين نظر تفكر وتأمل لمعرفة الأشياء بسماتها وعلاماتها .
وقوله تعالى : { وإنها لسبيل مقيم } أي وإن تلك القرى الهالكة لبطريق ثابت باق يمر به أهل مكة في أسفارهم الى الشام .
وقوله : { إن في ذلك لآية للمؤمنين } أي لعبرة للمؤمنين فلا يقدمون على محارم الله ، ولا يرتكبون معاصيه .
وقوله تعالى : { وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين } .
هذا إشارة خاطفة الى قصة شعيب عليه السلام مع قومه أصحاب الأيكة ، والأيكة الفيضة من الشجر الملتف .. وكانت منازلهم بها وكانوا مشركين وهو الظلم في قوله: { وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين } لأنفسهم بعبادة غير الله تعالى ، وقوله تعالى : { فانتقمنا منهم } أي أهلكناهم بحر شديد يوم الظلة وسيأتي الحديث عنهم في سورة الشعراء قال تعالى هناك فأخذتهم عذاب يوم الظلة أنه كان عذاب يوم عظيم .
وقوله : { وإنهما لبإمام مبين } الإمام الطريق لأن الناس يمشون فيه وهو أمامهم ، ومبين واضح . والضمير في قوله وإنهما عائد على قوم لوط ، وقوم شعيب وهم اصحاب الأيكة لا أصحاب مدين لأنه ارسل الى اصحاب الأيكة والى اهل مدين ، والطريق طريق قريش الى الشام ، والقصد من ذكر هذا وعظ قريش وتذكرهم ، فهل يتعظون ويتذكرون ؟
هداية الآيات
من هداية الايات :
1- بيان إهلاك قوم لوط .
2- إنكار الفاحشة وأنها أقبح فاحشة تعرفها الإنسانية هي إيتان الذكور .
3- بيان دفاع لوط عليه السلام عن ضيفه حتى فداهم .
4- شرف النبي صلى الله عليه وسلم حيث أقسم تعالى بحياته في قوله { لعمرك } .
5- الحث على نظر التفكير والاعتبار والتفرس فإنه أنفع للعقل البشري .
6- بيان نقمة الله تعالى من الظالمين للاعتبار والاتعاظ .
7- تقريرنبوة الرسول صلى وسلم إذ مثل هذه الأخبار لن تكون الا عن وحي إلهي .
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)
شرح الكلمات :
{ أصحاب الحجر } : هم قوم صالح ومنازلهم بين المدينة النبوية والشام .
{ وآتيناهم آياتنا } : أي في الناقة وهي أعظم آية .
{ ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } : من بناء الحصون وجمع الأموال .
{ الصفح الجميل } : أي اعراض عنهم اعراضاً لا جزع فيه وهذا قبل الأمر بقتالهم .
{ سبعاً من الثماني } : هي آيات سورة الفاتحة السيع . { أزواجاً منهم } : أي أصنافاً من الكفار . { واخفض منهم } : أي أصنافاً من الكفار .
{ واخفض جناحك : أي ألن جانبك للمؤمنين .
معنى الآيات :
هذا مشروع في موجز قصة أخرى هي قصة أصحاب الحجر وهم ثمود قوم صالح ، قال تعالى : { ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين } وفي هذا موعظة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كذبه قومه من أهل مكة فليصبر على تكذيبهم فقد كذبت قبلهم أقوام .
وقال تعالى { المرسلين } ولم يكذبوا الا صالحاً باعتبار ان من كذب رسولاً فقد كذب عامة الرسل ، لأن دعوة الرسل واحدة وهي ان يعبد الله وحده بما شرع لإكمال الإنسان وإسعاده في الحالتين .
وقوله { وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين } إن المراد من الآيات القائمة بالناقة منها أنها خرجت من صخرة ، وأنها تشرب ماء البلد يوماً ، وانها تقف أمام كل بيت ليحلب اهله منها ما شاءوا ، وإعراضهم عنها ، عدم ايمانهم وتوبتهم الى الله تعالى بعد أن آتاهم ما طلبوا من الآيات .
وقوله { وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً } أي كانوا يتخذون بالنحت بيوتاً داخل الجبال يسكونها شتاء آمنين من ان تسقط عليهم لقوتها ومن ان ينالهم برد أو حر لوقايتها لهم ، وقوله تعالى { فأخذتهم الصيحة مصبحين } وذلك صيحة اليوم الرابع وهو يوم السبت فهلكوا أجمعين ، { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } من المال والعتاد وبناء الحصون بل هلكوا ولم ينجح منهم أحد الا من آمن وعمل صالحاً فقد نجاه الله تعالى مع نبيه صالح عليه السلام .
وقوله تعالى : { وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما الا بالحق } أي الا من أجل أن أذكر وأشكر ، فلذا من كفر بي فلم يذكرني وعصاني فلم يشكرني اهلكته .
لأني لم أخلق هذا الخلق العظيم لهواً وباطلاً وعبثاً . وقوله { وإن الساعة لآتية } أي حتماً لا محالة وثم يجزي كل بما كسب فلا تحزن على قومك ولا تجزع منهم فإن جزاءهم لازم وآت لا بد ، فأصبر واصفح عنهم وهو معنى قوله تعالى { فاصفح الصفح الجميل } أي الذي لا جزع معه .
وقوله { إن ربك هو الخلاق العليم } خلق كل شيء وعلم بما خلق فعلة كثرة المخلوقات يعلم نياتها ، وأعمالها ، واحوالها ولا يخفى عليه شيء من أمرها كما بدأها ويحاسبها ويجزيها بما كسبت .
وهذا من شأنه أن يساعد الرسول صلى الله عليه وسلم على الصبر والثبات على دعوته حتى ينصرها الله تعالى في الوقت الذي حدده لها .
وقوله تعالى : { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } أي أعطيناك سورة الفاتحة أم القرآن وأعطيناك القرآن العظيم وهو خير عظيم ولا يقادر قدره .
إذاً { لا تمدن عينيك } متطلعاً { إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } أي أصنافاً من رجالات قريش .
فما آتيناك خير مما هم عليه من المال والحال التي يتمتعون فيها بلذيذ الطعام والشراب .
وقوله : { ولا تحزن عليهم } إن هم لم يؤمنوا بك ولم يتابعوك على ما جئت به ، فإن أمرهم الى الله تعالى ، وأمره تعالى أن يلين جانبه لأصحابه المؤمنين فقال : { واخفض جناحك للمؤمنين } فحسبك ولاية الله لك فذر المكذبين أولي النعمة ، وتعايش مع المؤمنين ، ولين جانبك لهم ، واعطف عليهم فإن الخير فيهم وليس في أولئك الأغنياء الأثرياء الكفرة الفجرة .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- إذا أراد الله هلاك امة فإن قوتها المادية لا تغني عنها شيئاً .
2- لم يخلق الله الخلق عبثاً بل خلقه ليعبد بالذكر والشكر ، فمن عبده نجا ، ومن اعرض عن ذكره وترك عبادته أذاقه عذاب الخزي في الدنيا والآخرة أو في الاخرة وهو أشد وأخرى .
3- بيان أن الفصح الجميل هو الذي لا جزع معه .
4- بيان أن من أوتي القرآن لم يؤت أحد مثله من الخير قط .
5- فضل الفاتحة إذ هي السبع المثاني .
6- على الدعاء الى الله ان لا يلتفتوا الى ما في أيدي الناس من مالٍ ومتاع ، فإن ما آتاهم الله من الايمان والعلم والتقوى خير مما آتى أولئك من المال والمتاع .
7- استحباب لين الجانب للمؤمنين والعطف عليهم والرحمة لهم .
وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
{ شرح الكلمات } :
{ النذير المبين } : المبين النذارة .
{ على المقتسمين } : أي الذين قسموا كتاب الله فقالوا فيه شعر ، وقالوا سحر ، وقالوا كهانة .
{ جعلوا القرآن عضين } : هم المقسمون للقرآن وجعلوه عضين جمع عضة وهي القطعة والجزء من الشيء .
{ فاصدع بما تؤمر } : أي اجهر به وأعرضه كما أمرك ربك .
{ يضيق صدرك بما يقولون } : أي من الاستهزاء والتكذيب لك .
{ حتى يأتيك اليقين } : أي الموت ، أي الى أن تتوفى وأنت تعبد ربك .
معنى الآيات :
ما زال السياق في إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه ما ينبغي أن يكون عليه فأمره تعالى بقوله : { وقل إني أنا النذير المبين } أي أعلن لقومك بأنك النذير البين النذارة لكم يا قوم ان ينزل بكم عذاب الله ان اصررتم على الشرك والعناد والكفر ، وقوله : { كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرأن عضين } انذركم عذاباً كالذي أنزله الله وينزله على المقتسمين الذين قسموا التوارة والانجيل فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وهم اليهود والنصارى ، والمقتسمين الذين تقاسموا أن يبيتوا صالحاً فأنزل الله بهم عقوبته والمقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين أي أجزاء فقالوا فيه شعر وسحر وكهانة ، المقتسمين الذين قسموا طرق مكة وجعلوها نقاط تفتيش يصدون عن سبيل الله كل ما جاء يريد الإسلام وهؤلاء كلهم مقتسمون وحل عذاب الله ونقمته .
وقوله تعالى : { فوربك لنسألنهم اجمعين عما كانوا يعملون } يقسم الجبار تبارك وتعالى لرسوله أن ليسألنهم يوم القيامة عما كانوا يعملون ويجزيهم به فلذا لا يهولنك أمرهم واصبر على أذاهم .
وقوله { فاصدع بما تؤمر } أي أجهر بدعوة لا اله الا الله محمد رسول الله ، وما تؤمر ببيانه والدعوة إليه أو التنفير منه ، { وأعرض إلهاً آخر فسوف يعلمون } والمراد بهؤلاء المستهزئين الذين واعد تعالى بكفاية رسوله شرهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل ، وعدي بن قيس .
وقوله تعالى : { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } أي من الاستهزاء بك والسخرية ، ومن المبالغة في الكفر والعناد فنرشدك الى كما يخفف عنك الألم النفسي { فسبح بحمد ربك } أي قل سبحان الله وبحمده أي أكثر من هذا الذكر ( وكن من الساجدين ) أي المصلين إذ لا سجود الا في الصلاة أو تلاوة القرآن .
إذا فافزع عند الضيق الى الصلاة فلماذا كان صلى الله عليه وسلم إذا أحزنه أمر فزع الى الصلاة ، وقوله : { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } أي واصل العبادة وهي الطاعة في غاية الذل والخضوع لله تعالى حتى يأتيك اليقين الذي هو الموت فإن القبر أول عتبة الآخرة وبموت الإنسان ودخوله في الدار الأخرة أصبح إيمانه يقيناً محضاً .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- حرمة الاختلاف في كتاب الله تعالى على نحو ما اختلف فيه أهل الكتاب .
2- مشروعية الجهر بالحق وبيانه لا سيما اذا لم يكن هناك اضطهاد .
3- فضل التسبيح بجملة : سبحان الله وبحمده ومن قالها مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وهذا مروي في الصحيح .
4- مشروعية صلاة الحاجة فمن حزبه أمر أو ضاق به فليصل صلاة يفرج الله تعالى بها ما به او يقضي حاجته أن شاء وهو العليم الحكيم .