أن يُعلِمَكَ وأن يُؤتيك الحكمة، وأن يرزُقُكَ طيباً، وأن يستعملك صالحاً، وما أكثر ما أذكّر أخوتي وجلسائي بالفكرة التالية:
إن رأيتُ إنساناً له عمل شريف يخدم به المسلمين أقول له: " إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك".
لك مهنة شريفة مشروعة ، تخدم بها الناس ، تتقاضى أجراً معتدلاً تنصحهم ، هذا عمل شريف ، وظفك الله في بعض الوظائف الدينية جعلك تعلم الناس التجويد ، فهذا جميل ، جعلك تعلم الناس الفقه فهذا أجمل جعلك تعلم الناس القرآن ، وجعل الخير على يديك ، فهذه قاعدة ، إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، انظر عملك ، هل أساسه الرحمة بالناس أم الإضرار بهم ، أساسه بث الأمن في الناس أم سلب الأمن من الناس أساسه العطاء أم الأخذ ، أساسه الطمأنينة أم القلق أساسه أن ترحم أم أن تقسو ، فلذلك يعني هناك أشخاص لو عُرِضَ عليهم مبالغ فلكية ، على أن يكونوا في أعمال تقوم على إيذاء الناس لا يرضون .. بل يقول: معاذَ الله ، الله الغني ، الله الكريم ، أنا أعيش على آلام الناس أنا أبني مجدي على أنقاضهم ، أأبني غناي على فقرهم وأبني طمأنينتي على قلقهم ، وأبني حياتي على موتهم ، معاذَ الله، الله الغني.
إذاً: الرحمة الخاصّة مشروطة بالطاعة والمجاهدة وبذل المال ومعاونة الضعيف ورحمة اليتيم ، ومعاونة الأرملة ، وتفقّد الجيران وحضور مجالس العلم وغض البصر والذِكر والتلاوة ، هذه قنوات تصلك من خلالها الرحمة الخاصّة وتشعر أنك إنسان متميّز ، لك عند الله مكانة هذه المكانة تتبدى في اللُطف ، وفي الحِفظ وفي الرعاية ، لذلك قالوا معية الله الخاصة: النصر والتأييد والحفظ والتوفيق ، تشعر بها ، تلمسها بيديك فحينما يكون شخص أثيراً عند شخص ذي مكانة تراه يشعر بشعور عجيب كأنه فوق الناس جميعاً ، فهو قريب من شخص مهم، وإذا التقطتْ له صورة بصحبة تلك الشخصية ازدهى نفْساً وتعاظمَ ويقول مثلاً البارحة كنا معاً على العشاء ، فكيف إن كانت لك مع خالق الكون مودة؟
قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)" (مريم: 96).
كيف إذا كان اللسان طليقاً في ذكر الله ، كيف إذا كان البيان ساطعاً في فهم كلام الله أو في تفسير كلام الله عز وجل ، فيا أيها الإخوة القراء الكرام رحمة الله الخاصّة ، تحتاج إلى مجاهدة ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
" رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " ، جهاد النفس والهوى ..
الآن هناك شيء سنسميه تحفّظاً ؛ الإنسان إذا رَحِمَ إنساناً يقول لك تمزَّق قلبي لمنظره وبؤسه ، فقد ترى طفلاً صغيراً واقفاً على قارعة الطريق الساعة الحادية عشرة في البرد الشديد ليبيع الخُبز أو غيره ، ألا تشعر برحمة ؟ ألا تُحِسُ بتمزّق ؟ أين أهله ؟ لعلهم محتاجون فالواجب التخفيف عن هؤلاء وهذه رحمة . إن المسلم إنسان يمتلئ قلبه بالرحمة ويدرك أنه من لا يَرحم لا يُرحم .. فإذا شعر رجل أنه سبب في شقاء الآخرين أو أنه يستطيع أن يخفف عن الآخرين آلامهم وبؤسهم ثم لم يفعل هذا الشعور يشقيه إلى الأبد ...
التعليق: الإنسان عندما يقف أمام حالة بائسة يُحِسُ أنه يكاد يتفطُّر قلبُهُ ، يُحِسُ أنه يتمزق في أعماقِهِ ، يُحِسْ بمشاعر رحمةٍ معينة ، يا ترى رب العالمين ، هل تعتريه هذه المشاعر، لا !! هو منزّه عن هذا لأنه إله ، لكنه يرحم كل خلقه .
والشيء الثاني:
عندما الإنسان يرحم مخلوقاً معذّباً فإنما يرحمه حتى يُريح نفسه مما اعتراه من مشاعر منغصة ، فهذا ضعف فيه ، لكنَّ الله عز وجل يرحم لمصلحة المخلوق لا لمصلحة الراحم ، نقطتان مهمتان يعني مشاعر الرحيم من بني البشر فالله سبحانه وتعالى مُنزّهٌ عن مثل هذه المشاعر ، وحينما تندفع لرحمة مخلوق فاندفاعك هذا كي تستريح ، إذاً هذه الرحمة معلولة ، أنت بهذا العطاء تبتغي راحة نفسك ، لكنَّ خالق الكون يرحم مخلوقاته ليرحمهم ، لا يرحمهم ليتخلّص من شعور محصن اعتراه لا ... فالله عز وجل مُنزّه عنه .
ثم إننا نلج باب موضوع دقيق جداً ؛ الفرق بين الرحمن والرحيم:
فبعض العلماء قال: الرحمن في ذاته ، اسم من أسماء ذاته والرحيم في أفعاله وبعضهم قال الرحمن في الدنيا والآخرة ، على كلٍ فالقضية تحتاج إلى تفصيل وإيراد أمثلة ، أُم وأب ، وابن يده اسودّت ، هذا مرض الموات وعلاجه قطع يد الابن ، الأُم ترفُض أشدَّ الرفض أن تُقطَع يده ، الأب يُصر أشدَّ الإصرار على قطع يده فأيهما أشدُ رحمة ؟ الأم تبكي وتصرخ ، والأب ساكت مُصِرّ على قطع يده ، لأن الأب عالم بالعقابيل والأم مُصِرَّة على عدم قطع يده ، الحقيقة الأب أشد رحمة لأنه بهذا الضرر المحدود ينفع كامل البدن ، فيخلصه من أن يسري الداء ويتفشى في سائر الجسم ، أما الأم فرحمتها المؤقتة بابنها تكون قد أودت به وأوردته المهالك فمعنى رحمن: " يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) " (مريم: 45).
وهذا سؤال كبير جداً ، يا أخي الله رحيم ، وهذه الزلازل وهذه الفيضانات ، وهذه المجاعات ، وهذه الحروب الأهلية في العالم وهذا القهر وهذا الفقر وهذه الأمراض الخطيرة ، يحتار في أمرها المرء ويذهل دونها فهذه كلها التي تؤذي عينك مصدرها من الرحمن ، لأنَّ الرحمن يشمُل الدنيا والآخرة ، الإنسان إذا مرض فهذا من مصائب الدنيا فقط ؛ فالفقر مُؤلم والمرض مُؤلم ، والحرمان مُؤلم ، والقهر مُؤلم ، والذُلْ مُؤلم ، أما إذا كان هذا الحرمان سبباً لعطاء مديد إذا كان هذا الإضرار سبباً لنفع طويل ، إذا كان هذا القبض سبباً لبسط كثير ، فهذا إذاً ضُرُّ لمنفعة لذلك إذا رأيت شيئاً أمراً مؤذياً فاعلم أن الله سبحانه وتعالى يَضُرّ لِينفع ، ويأخُذ لِيُعطي ويبتلي لِيَجزي ، ويُذِل لِيُعِز ، ويقبض لِيَبسِط لذلك أجمل كلمة قالها بعض العارفين: " الشر المطلق لا وجود له في الكون ".
ما معنى الشر المطلق ؟ الشر الذي يُبتغى لذاته .
الأب الطبيب العالم الذي قلبه يمتلئ رحمة يصر على قطع يد ابنه ، يتلافى الضررالأكبر بالضرر الأصغر ، هذا المثل يجب أن يكون واضحاً جداً عند الإخوة القراء الأكارم؛ كل أنواع المصائب في الدنيا ، كل أنواع الرزايا كل أنواع الابتلاء ، هذا كله ضرر أقل تلافياً لضرر أشد هل هناك آية قرآنية تؤكد هذا المعنى ، قال تعالى: " وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) " (السجدة: 21).
الله عزَّ وجل رحيم ورحمن ، رحيم يمتعك بالصحة ، رحيم يمنحك المال ، رحيم يوفر المأوى ، رحيم يبث فيك الراحة النفسية ، لكنه رحمن ينظر إلى آخرتك فيأخذ بيدك للعمل الصالح، وينظر إلى هذه الحياة الأبدية لتسعد بها ، التي سوف تحياها ، ولمصلحة هذه الحياة الأبدية ربما يُذهب كل مالك .
ذات مرةٍ قال لي شخص وأَقْسَم:
أن له بيتاً تزيد مساحته عن خمسمائة متر ، وله حدائق يقوم على أمرها والعناية بها موظفون وما أدخل إلى بيته فاكهة إلا بكميات كبيرة ، وعنده طباخ وعنده خدم وعنده حشم وله ثلاث مركبات ، وله تجارة واسعة وعنده معمل ألبسة ، وبعد حين رأيته في بعض أحياء دمشق الفقيرة ، قال أنا أنام على طاولة التفصيل وآكل من هذه العلبة، بلا صحن ، كيف سُلب ماله كله ..
قصة طويلة فإزاء هذه الواقعة هل نحن أمام رحمن أم رحيم ؟ ، رحمن ، لأنَّ هذا الشيء لمصلحة آخرته ، كان لا يصلي ، وكان يشرب الخمر ، ويعتدي على أعراض الناس باعترافه الشخصي ، فأراد الله عز وجل أن يَرُدَّهُ إليه سلبه كل المال .
واللهِ الذي لا إله إلا هو ، كل قصة تسمعها ، تُعد هي بنفسها قرآناً لأنه ماذا قال الله عز وجل: "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " .
فكأن هذه الحادثة تُجسّد هذه الآية ، لذا أيها القارئ الكريم أن البطولة تأتي رَبَّك طوعاً ، وأن تأتيه راغباً ، وأن تأتيه مختاراً ، وأن تأتيه بمبادرة منك ، أن تأتيه وأنت صحيح ، أن تأتيه وأنت شاب ، أن تأتيه وأنت لك مكانة ، أن تأتيه وأنت في وظيفتك لا بعد التقاعد ، بعد أن ولّت الدنيا وأصبحتَ هرماً ، يتنقل من مسجد إلى مسجد لعله يبحث عن مكان مريح ، وأنت في كامل عافيتك البدنية والمالية أغدُ إلى بيت الله واسع إلى مرضاة اللهَ .
رحمن الدنيا والآخرة ، من أجل سعادتك في الآخرة قد يصرف عنك الدنيا كلها ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ، لكن اُدع الله عز وجل أن يرزقك الدنيا والآخرة ، والدعاء القرآني:
" وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) " (البقرة: 201).
إنّ الله عز وجل يقول: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) " (النساء: 147).
إنّ الإمام الغزالي له كلمة رائعة جداً يقول:
" لعلك تقول ما معنى كونه تعالى رحيماً وكونه أرحم الراحمين ، والرحيم لا يرى مبتلى ولا مضروراً ولا معذباً ولا مريضاً وهو يقدر على إماطة ما بهم إلا ويبادر إلى إماطته، والرب سبحانه وتعالى قادر على كفاية كل بلية ، ودفع كل فقر وغمة ، وإماطة كل مرض ، وإزالة كل ضر والدنيا طافحة بالأمراض والمِحن والبلايا ، وهو قادر على إزالتها جميعها "، لماذا لا يفعل؟..
هُنا السؤال .. كم مصيبة في الأرض ، كم ضائقة ، كم من حالات صعبة جداً والله قادر وبيده كل شيء ، كُنْ فيكون ، قال الجواب: إنَّ الطفل الصغير قد تَرُقُّ له أمه فتمنعه من الحجامة والأب العاقل يحمله عليها قهراً ، والجاهل يظن أن الرحيم هي الأم دون الأب، والعاقل يعلم أن إيلام الأب إياه بالحجامة من كمال رحمته وعطفه وتمام شفقته، وأن الأم له عدو في صورة صديق.
الرحيم مع الجهل عدو في صورة صديق ، أحياناً يقول الأب لابنه سأدعه ينبسط ، فبعَثُه إلى إنكلترا وأعطاه مائتي ألف ، أب ميسور اذهب يا بني وانبسط ، هذا عدو .. إذا عاد الابن زانياً أو عاد شارباً للخمر أو عاد وهو يحتقر أمَّته ويرى أن أولئك الذين كان عندهم هم الذين يحيون وحدهم في هذه الدنيا ، وانتهى دينه إلى ضياع نهائياً ، فهذا الأب عدو في صورة صديق ، وكل إنسان يدعوك إلى أن تستمتع بالدنيا ولكن على حساب طاعة الله عز وجل فهذا عدو بصورة صديق .
لذلك ربنا عز وجل يقسو أحياناً لمصلحة آخرتك ، قد يقول قائل: مصيبة ، نعم ؛ تصيب الهدف ، وأنا أقول دائماً الله عز وجل إذا أراد أن يداوي مخلوقاً يعلم كيف يداويه ومن أي زاوية أرد يداويه ، من المكان الصعب ، من المكان الحرِج ، من حيث هو مطمئن ، يُؤتى الحذر من مأمنه ، لا ينفع حذر من قدر .
طبيبُ قلبٍ في أمريكا ، عدَّ الجريَ هو الوقاية التامة للقلب وألَّفَ مقالات وأجرى محاضرات وهو يجري في اليوم ساعتين أو أكثر وكأن الجري هو إله يحميه من كل مرض، مات وهو يجري.
الجري مفيد جداً ، وليس هذا غلطاً ، لكن حينما ألّهَ الجري وعدَّه هو السبب الكافي والشافي ، فالله عز وجل خيّبَ ظنه .
ترى أحياناً إنساناً باختصاصه يُصاب ، ما هو السبب ؟ لأنه متَّكل على اختصاصه متَّكل على علمه ، متَّكل على خبرته ، فجاءه من مكان طمأنينته ، من مكان أمنه .
هذا الموضوع دقيق الدلالات جداً ، الله سبحانه وتعالى خلقك للآخرة ، لذلك يمكن أن يضحي لك بدنياك كلها ، من أجل آخرتك ، لكن أنت إذا كنت مُفلحاً وموفقاً اطلب منه ، واضرع إليه أن يجمع لك بين الدنيا والآخرة ، يعني إئته طوعاً ، ارغب فيما عنده حتى يُطمئِنُكَ في الدنيا والآخرة هذا معنى قوله تعالى: " وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "، إن الآية التالية يجب ألاّ تبرح أذهانكم أيها القراء الكرام اطلاقاً لا بمنطوقها ولا بمضمونها: "مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا".
فالله غني لماذا يُفقرك ؟ لماذا يُضيّق عليك إلا حُباً بك ورحمة بك ودفعاً بك إلى باب عبوديته .
الكلمة اللطيفة كما قال بعضهم: الألم القليل إذا كان سبباً لِلذّةٍ دائمة ليس شراً بل هو خير .
قالوا: الرحيم هو الذي يريد الخير للمرحوم ، وليس في الوجود شر إلا وضمنه خير ، شرٌ مطلق لا يوجد في الكون .
مثلاً فتح البطن واللهِ عمل مزعج ، إنسان أدخل المستشفى فأحضر الطبيب مشرطاً وذَبَحَ اللحم ، نفر الدم ، أخذتَ الملاقط ، لقطتَ الأوعية كلها ، أتيتَ بالمشدات شددْتها ، دخلتَ للزايدة استأصلتها ، هذا عمل ظاهره فيه قسوة ودماء ، ولكن باطنه رحمة ، لأنها إذا أهمل ثم انفجرت مشكلةٌ كبيرةٌ جداً ، كالتهاب الزايدة فيبادر ذووه مباشرةً إلى المستشفى ، أرحم الناس وأقرب الناس يقول: مباشرةً إلى المستشفى هناك فتح بطن ، وقطع ، ووصل ، وخياطة ، وتخدير ، طبعاً هذه الرحمة ما دُمتَ تفهم أن كل المصائب التي تأتي هي من نوع فعل الطبيب الرحيم فأنت على حق.
لذلك ؛ أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو وأنا أرحم بعبدي من الأم بولدها .
وبعد ، فقبل أن أختم البحث ، هناك سؤال يلح علينا:
إن خَطَرَ لك نوع من الشر لا ترى تحته خيراً ، أو خَطَرَ لك أنّ تحصيل ذلك الخير كان ممكناً من دون اتباع أساليب الإيلام ؟ فماذا تفعل .
إنْ رأيت مصيبة هينة وأمرها بسيط ، وإذا بدا لك نوع من الشر لا ترى تحته خيراً أو خطر لك أنه كان من الممكن أن يكون هذا الخير من دون ذلك الشر ؟ ما الجواب ؟..
قال العلماء:
فاتَّهم عندئذٍ عقلك القاصر وقل أنا فهمي محدود وعقلي قاصر عن رؤية الغد ، مستحيل أيها الإخوة مستحيل أن تكون مصيبةٌ بالأرض بلا سبب ، أو بلا خير ضمني ، أو بلا هدف نبيبل ، أو بلا غاية عُظمى ، لكن الشر المطلق لذات الشر فهذا شيء لا يُمكن أن يكون له وجود في الكون كله ، فكل شيءٍ وقع أراده الله ، وكل شيءٍ أراده الله وقع وإرادة الله عزَّ وجل مُتعلقة بالحِكمة المُطلقة وحِكمته مُتعلقة بالخير المُطلق، والدليل: " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) " (آل عمران: 26).
"بِيَدِكَ الْخَيْرُ"، لم يقل والشر، الإعزاز خير، الإذلال خير إيتاء المُلك خير، سلب المُلك خير، أما إذا قلت إِن هذا الشر لا خير تحته أو لا خير وراءه، قالوا فإنّ: هذا مما تقصر العقول عن معرفته.
لقد أسمعت لو ناديت حيـــــاً ولكن لا حياة لمن تنادي
ونار لو نفخت بها أضــــاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
يعني إذا شخص آتاه الله عِلماً وبصيرةً وآتاه قُدرةً على تفسير المصائب تفسيراً يليق بذات الله عز وجل وأسمائه الحسنى ، فهو راضٍ بقضائه وقدره ، ويرى يد الله تعمل في الخفاء ، ويرى يد الله فوق أيدي الناس ، فإذا الإنسان ابتعد عن التوحيد يقع في آلام لا تُحتمل ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا "* (سنن الترمذي).
إنّ الإنسان إذا لم يُوّحد يقع في شقاء لا نهاية له ، والتوحيد ألاّ ترى مع الله أحداً ، وأن ترى كل شيء ينتهي إلى خير ، " بِيَدِكَ الْخَيْرُ " وأن تدعو الله عزَّ وجل أن يرحمك في الدنيا والآخرة ، وأن يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة .
والحمد لله رب العالمين.