بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)
شرح الكلمات :
{ الا بالتي هي أحسن } : أي ألا بالخصلة التي هي أحسن من غيرها وهي تنميته والإنفاق عليه منه بالمعروف .
{ حتى يبلغ أشده } : أي بلوغه سن التكليف وهو عاقل رشيد .
{ وأوفوا بالعهد } : أي اذا عاهدتم الله او العباد فأوفوا بما عاهدتم عليه .
{ إن العهد كان مسؤلاً } : أي عنه وذلك بأن يسال العبد يوم القيامة لم نكث عهدك ؟
{ أوافوا الكيل } : أي اتموه ولا تنقصوه .
{ بالقسطاس } : أي الميزان السوي المعتدل .
{ واحسن تاويلاً } : أي مآلاً وعاقبة .
{ ولا تقف } : أي ولا تتبع .
{ والفؤاد } : اي القلب .
{ كان عنه مسئولاً } : أي عن واحد من هذه الحواس يوم القيامة .
{ مرحاً } : أي ذا مرح بالكبر والخيلاء .
{ لن تخرق الأرض } : أي لن تثقبها أو تشقها بقدميك .
{ من الحكمة } : أي التي هي معرفة المحاب لله تعالى للتقرب بها إليها ومعرفة المساخط لتتجنبها تقرباً إليه تعالى بذلك .
{ ملوماً مدحوراً } : أي تلوم نفسك على شركك بربك مبعداً من رحمة الله تعالى .
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في بيان ما قضى به الله تعالى على عباده المؤمنين ووصاهم به فقال تعالى : { ولا تقربوا } أي أيها المؤمنون { مال اليتيم الا بالتي هي أحسن } اي بالفعلة التي هي أجمل وذلك بأن تتصرفوا فيه بالتثمير له والاصلاح فيه ، والانفاق منه على اليتيم بالمعروف أما أن تقربوه لتأكلوه إسرافاً وبداراً فلالا .
وقوله : حتى يبلغ أشده أي حتى يبلغ سن الرشد فتحاسبوه وتعطوه ماله يتصرف فيه حسب المشروع من التصرفات المالية .
وقوله تعالى : { وأوفوا بالعهد } أي ومما أوصاكم به أن توفوا بعهودكم التي بينكم وبين ربكم وبينكم وبين سائر الناس مؤمنهم وكافرهم فلا يحل لكم ان لا توفوا بالعهد وأنتم قادرون على الوفاء بحال من الأحوال .
وقوله { إن العهد كان مسئولاً } تأكيد للنهي عن نكث العهد إذ أخبر تعالى ان العبد سيسأل عن عهده الذي لم يف به يوم القيامة ، ومثل العهد سائر العقود من نكاح وبيع وايجار وما الى ذلك لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود أي بالعهود ، وقوله : { وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم } هذا مما أمر الله تعالى وهو إيفاء الكيل والوزن أي توفيتهما وعدم بخسهما ونقصها شيئاً ولو يسيراً ما دام في الامكان عدم نقصه ، أما ما يعسر التحرز منه فهو من العفو لقوله تعالى : { لا نكلف نفساً الا وسعها } وقوله { ذلك خير وأحسن تاويلاً } أي ذلك الوفاء والتوفية في الكيل والوزن خير لبراءة الذمة وطيب النفس به وأحسن تاويلاً أي عاقبة إذ يبارك الله تعالى في ذلك المال بأنواع من البركات لا يعلمها الا هو عز وجل .
ومن ذلك أجر الآخرة وهو خير فان من ترك المعصية وهو قادرعليها أثابه الله تعالى على ذلك بأحسن ثواب ، وقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } اي لا تتبع بقول ولا عمل ما لا تعلم ، ولا تقل رأيت كذا وانت لم تر ، ولا سمعت كذا وانت لم تسمع .
وقوله تعالى : { إن السمع والبصر والفؤاد } أي القلب { كل أولئك كان عنه مسئولاً } أي لا تقف ما ليس لك به علم ، لأن الله سائل هذه الأعضاء يوم القيامة عما قال صاحبها أو عمل فتشهد عليه بما قال او عمل مما لا يحل له القول فيه أو العمل . ومعنى اولئك اي تلك المذكورات من السمع والبصر والفؤاد ، وقوله تعالى : { ولا تمش في الأرض مرحاً } أي خيلاء وتكبراً أي مما حرم تعالى لا يدخل الجنة ، وقوله { إنك لن تخترق الأرض } طولاً مهما تعاليت وتطاولت فإنك كغيرك من الناس لا تخرق الأرض أي تثقبها أو تقطعها برجليك ولا تبلغ علو الجبال فلذا أترك مشية الخيلاء والتكبر ، لأن ذلك معيب ومنقصة ولا يأتيه الا ذو حماقة وسفه .
وقوله تعالى : { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً } أي كل ذلك المأمور به والمنهي عنه من قوله تعالى : { وقضى ربك } الى قوله { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } سيئة كالتبذير والبخل وقتل الاولاد والزنا وقتل النفس وأكل مال اليتيم ، وبخس الكيل والوزن ، والقول بلا علم كالقذف وشهادة الزور ، والتكبر كل هذا الشيء مكروه عند الله تعالى اذا فلا تفعله يا عبدالله وما كان من حسن فيه كعادة الله تعالى وحده وبر الوالدين والاحسان الى ذوي القربى والمساكين وابن سبيل والعدة الحسنة فكل هذا الحسن هو عند الله حسن فأته يا عبدالله ولا تتركه ومن قرأ كنافع كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها فإنه يريد ما اشتملت عليه الآيات من التبذير والبخل وقتل النفس الى آخر المنهيات .
وقوله تعالى : { ذلك مما أوحى اليك ربك من الحكمة } أي ذلك الذي بينا لم يا رسولنا من الاخلاق الفاضلة والخلال الحميدة التي أمرناك بالاخذ بها والدعوة الى التمسك بها ، ومن الخلال القبيحة والخصال الذميمة التي نهيناك عن فعلها وحرمنا إيتانها مما أوحينا إليك في كتابنا هذا من أنواع الحكم وضروب العلم والمعرفة ، فلله الحمد وله المنة .
وقوله : { ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً هذه أم الحكم بدأ بها السياق وختمه بها تقريراً وتأكيداً اذ تقدم قوله تعالى : { ولا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموماً مخذولاً} والخطاب وان كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان كل أحد معني به فأي إنسان يشرك بربه أحداً مبعداً من رحمة ربه التي هي الجنة .
وهذا اذا مات قبل ان يتوب فيوحد ربه في عباداته .
إذ التوبة إذا صحت جبت ما قبلها .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- حرمة مال اليتيم أكلاً وإفساداً أو تضييعاً وإهمالاً .
2- وجوب الوفاء بالعهود وسائر العقود .
3- وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة بخس الكيل والوزن .
4- حصول البركة لمن يتمثل امر الله في كيله ووزنه .
5- حرمة القول أو العمل لما يفضي اليه ذلك من المفاسد ولان الله تعالى سائل كل الجوارح ومستشهدها على صاحبها يوم القيامة .
6- حرمة الكبر ومقت المتكبرين .
7- إنتظام هذا السياق لخمس وعشرين حكمة الأخذ بها خير من الدنيا وما فيها ، والتفريط فيها هو سبب خسران الدنيا والآخرة .
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
شرح الكلمات :
{ أفاصفاكم } : الاستفهام للتوبيخ والتقريع ومعنى اصفاكم خصكم بالنين واختارهم لكم .
{ ولقد صرفنا في هذا القرآن } : أي بينا فيه من الوعد والوعيد والأمثال والعظات والأحكام والعبر .
{ ليذكروا } : أي ليذكروا فيتعظوا فيؤمنوا ويطيعوا .
{ لأبتغوا الى ذي العرش سبيلا } : اي لطلبوا طريقا الى الله تعالى للتقرب إليه وطلب المنزلة عنده .
{ ومن فيهن } : أي في السموات من الملائكة والأرض من انسان وجان وحيوان .
{ وإن من شيء الا يسبح } : أي وما شيء الا يسبح بحمده من سائر المخلوقات .
{ حليماً غفوراً } : حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على معصيتكم إياه وعدم طاعتكم له .
معنى الآيات :
يقول تعالى مقرعاً موبخاً للمشركين الذين يئدون البنات ويكرهونهن ثم هم يجعلون الملائكة إناثاً { أفأصفاكم ربكم بالبنين } أي أخصكم بالبنين { واتخذ من الملائكة إناثاً إنكم لتقولون قولاً عظيماً } أيها المشركون إذ تجعلون لله ما تكرهون افترءً وكذباً على الله تعالى ، وقوله تعالى : { ولقد صرفنا في هذا القرآن } أي من الحجج والبينات والأمثال والمواعظ الشيء الكثير من أجل ان يذكروا فيذكروا ويتعظوا فيبينوا الى ربهم فيوحدونه وينزهونه عن الشريك والولد ، ولكن ما يزيدهم القرآن وما في من البينات والهدى الا نفوراً وبعداً عن الحق .
وذلك لغلبة التقليد عليهم ، والعناد والمكابرة والمجاحدة . وقوله تعالى { قل لو كان معه آلهة كما تقولون } أي قل يا نبينا لهؤلاء المشركين المتخذين لله أنداداً يزعمون أنها آلهة مع الله قل لهم لو كان مع الله قل لهم لو كان مع الله آلهة كما تقولون وان كان الواقع يكذبكم اذ ليس هناك آلهة مع الله ولكن على فرض انه لو كان مع الله آلهة { لابتغوا الى ذي العرش سبيلاً } اي لطلبوا طريقاً الى ذي العرش سبحانه وتعالى يلتمسون فيها رضاه ويطلبون القرب منه والزلفى اليه لجلاله وكماله ، وغناه وحاجتهم وافتقارهم اليه . ثم نزه سبحانه وتعالى نفسه ان يكون معه آلهة فقال { سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً } .
وقوله : { تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن } فأخبر تعالى منزهاً نفسه مقدساً ذاته عن الشبيه والشريك والولد والعجز ، فأخبر أنه لعظمته وكماله تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن بكلمة.. سبحان الله وبحمده { وإن من شيء الا يسبح بحمده } كما أخبر أنه ما من شيء من المخلوقات الا وسبح بحمده بلسان قاله وحاله معاً فيقول سبحان الله وبحمده .
وقوله : { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } لاختلاف الألسنة واللغات .
وقوله ان كان أي { الله حليماً } : اي لا يعاجل بالعقوبة من عصاه { غفوراً } يغفر ذنوب وزلات من تاب اليه واناب طلباً مغفرته ورضاه .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- حرمة القول على الله تعالى بالباطل ونسبة النقص اليه تعالى كاتخاذه ولداً او شريكاً .
2- مشروعية الاستدلال بالعقليات ، على إحقاق الحق وإبطال الباطل .
3- فضيلة التسبيح وهو قول : سبحان الله وبحمده حتى إن من قالها مائة غفرت ذنوبه ولو كانت في الكثرة مثل زبد البحر .
4- كل المخلوقات في العوالم كلها تسبح الله تعالى أي تنزهه عن الشريك والولد والنقص والعجز ومشابهة الحوادث إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
5- حلم الله يتجلى في عدم تعجيل عقوبة من عصاه ولولا حلمه لعجل عقوبة مشركي مكة وأكابر مجرميها .
ولكن الله أمهلهم حتى تاب أكثرهم .
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
شرح الكلمات :
{ حجاباً مستورا } : أي سائراً فلا يسمعون كلام الله تعالى .
{ وجعلنا على قلوبهم أكنة } : أي أغطية على القلوب فلا تعي ولا تفهم .
{ وفي آذانهم وقراً } : أي ثقلاً فلا يسمعون القرآن ومواعظه .
{ ولو على أدبارهم نفوراً } : أي فراراً من السماع حتى لا يمسعوا .
{ بما يستمعون به } : أي بسببه وهو الهزء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
{ وإذ هم نجوى } : أي يتناجون بينهم يتحدثون سراً .
{ رجلاً مسحوراً } : أ ي مغلوباً على عقله مخدوعاً .
{ ضربوا لك الأمثال } : أي قالوا ساحر ، وقالوا كاهن وقالوا شاعر .
{ فضلوا } : أي عن الهدى فلا يستطيعون سبيلاً .
معنى الآيات :
قوله تعالى : { وإذا قرأت القرآن } يخبر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إنه أن قرأ القرآن على المشركين ليدعوهم به الى الله تعالى ليؤمنوا به ويعبدوه وحده جعل الله تعالى بينه وبين المشركين حجاباً ساتراً ، أو مستوراً لا يرى وهو حقاً حائل بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يسمعوا القرآن الذي يقرأ عليهم فلا ينتفعون به .
وهذا الحجاب ناتج عن شدة بغضهم للرسول صلى الله عليه وسلم وكراهيتهم لدعوته فهم لذلك لا يرونه ولا يسمعون قراءته .
وقوله تعالى : { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } جميع كنان وهو الغطاء حتى لا يصل المعنى المقروء من الايات الى قلوبهم فيفقهوه ، وقوله : { وفي آذانهم وقراً } أي وجعل تعالى في آذان أولئك المشركين الخصوم ثقلاً في آذانهم فلا يسمعون القرآن الذي يتلى عليهم ، وهذا كله من الحجاب السائر والأكنة ، والوقر في الآذان عقوبة من الله تعالى لهم حرمهم بها من الهداية بالقرآن السابقة الشر لهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين ببعضهم للرسول وما جاء به وحربهم له ولما به من التوحيد والدين الحق .
وقوله تعالى : { وإذا ذكرت بك في القرآن وحده } بأن قلت لا إله الا الله ، أو ما أفهم معنى لا إله الا الله ولي المشركون على أدبارهم نفوراً من سماع التوحيد لحبهم الوثنية وتعلق قلوبهم بالشرك .
وقوله تعالى { نحن أعلم بما يستمعون به } يقول تعالى لرسوله نحن أعلم بما يستمع به المشركون أي بسبب أنهم يستمعون من أجل الاستهزاء بك والسخرية منك ومما تتلوه لا انهم يستمعون للعلم والمعرفة ولطلب الحق والاهتداء إليه . وقوله : { إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى } أي يناجي بعضهم بعضاً { إذ يقول الظالمون } أي المشركون { إن تتبعون } أي لا تتبعون { إلا رجلاً مسحوراً } أي مخدوعاً مغلوباً على أمره ، فكيف تتبعونه إذاً ؟
وقوله تعالى : { انظر كيف ضربوا لك الامثال } أي انظر يا رسولنا كيف ضرب لك وهؤلاء المشركون المعاندون الأمثال فقالوا عنك : ساحر ، شاعر ، وكاهن ومجنون فضلوا في طريقهم ( فلا يهتدون سبيلاً ) إنهم عاجزون عن الخروج من حيرتهم هذه التي أوقعهم فيها كفرهم وعنادهم .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير قاعدة حبك الشيء يعمى ويصم : فإن الحجاب المذكور في الآية وكذا الأكنة والثقل في الآذان هذا كلها حالت دون سماع القرآن من أجل بغضهم للرسول صلى الله عليه وسلم وللقرآن وما جاء به عن الدعوة الى التوحيد .
2- بيان مدى كراهية المشركين للتوحيد وكلمة الاخلاص لا إله الا الله .
3- بيان مدى ما كان عليه المشركون من السخرية والاستهزاء بالرسول والقرآن .
4- بيان اتهامات المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم بالسحر مرة والكهانة ثانية والجنون ثالثاً بحثاً عن الخلاص من دعوة التوحيد فلم يعثروا على شيء كما قال تعالى : { فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً } .
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)
شرح الكلمات :
{ وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا } : الأستفهام اللإنكسار والاستعباد والرفات الأجزاء المتفرقة .
{ مما يكبر في صدوركم } : أي يعظم عن قبول الحياة في اعتقادكم .
{ فطركم } : خلقكم .
{ فسينغضون } : أي يحركون رؤوسهم تعجباً .
{ متى هو ؟ } : الأستفهام للاستهزاء أي متى هذا البعث الذي تعدنا .
{ يوم يدعوكم } : أي يناديكم من قبوركم على لسان إسرافيل .
{ فتستجيبون } : أي تجيبون دعوته قائلين سبحانك الله وبحمدك .
{ وتظنون إن لبثتم الا قليلا } : وتظنون أنكم ما لبثتم في قبوركم الا قليلا .
معنى الآيات :
ما زال السياق في تقرير العقيدة في الآيات قبل هذه كان تقرير التوحيد والوحي وفي هذه الآيات تقرير البعث والجزاء الآخر ففي الآية ( 47 ) يخبر تعالى عن إنكار المشركين للبعث واستبعادهم له بقوله : { وقالوا أئذا كنا عظاماً ورفاتاً } أي أجزاء متفرقة كالحطام { أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً } وفي الآية ( 48 ) يأمر تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم كونوا ما شئتم فإن الله تعالى قادر على إحيائكم وبعثكم للحساب والجزاء وهو قوله تعالى ؟ قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً مما يبكر في صدروكم أي مما يعظم في نفوسكم أن يقبل الحياة كالموت مثلاً فغن الله تعالى سيحييكم ويبعثكم .
وقوله تعالى : فسيقولون من يعيدنا ؟ يخبر تعالى رسوله أن منكري البعث سيقولون له مستبعدين البعث : من يعيدنا وعمله الجواب فقال له قل الذي فطركم أي خلقكم أول وهو جواب مسكت فالذي خلقكم ثم أماتكم هو الذي يعيدكم كما بدأكم وهو أهون عليه .
وقوله تعالى { فسينغضبون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو ؟ } يخبر تعالى رسوله بما سيقوله منكروا البعث له فيقول تعالى ( فسينغضون ) أي يحركون إليك رؤوسهم خفضاً ورفعاً استهزاء ويقولون : { متى هو؟ } أي متى البعث أي في أي يوم هو كائن .
وقوله تعالى : { قل عسى أن يكون قريباً } علمه تعالى كيف يجيب المكذبين .
وقوله { يوم يدعوكم بأمر الله تعالى إسرافيل من قبوركم فتستجيبون أي فتجيبونه بحمد الله وتظنون إن لبثتم الا قليلا } أي ما لبثتم في قبوركم الا قليلا من اللبث لما تعانيون من الأهوال وتشاهدون من الأحوال المفزعة المرعبة .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء وبيان حتميتها .
2- بيان ما كان عليه المشركون من شدة إنكارهم للبعث الآخر .
3- تعليم الله تعالى لرسوله كيف يجيب المنكرين المستهزئين بالتي هي أحسن .
4- بيان الأسلوب الحواري الهادي الخالي من الغلظة والشدة .
5- استقصار مدة اللبث في القبور مع طولها لما يشاهد من أهوال البعث .
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
شرح الكلمات :
{ التي هي أحسن } : أي الكلمة التي هي أحسن من غيرها للطفها وحسنها .
{ ينزغ } : أي يفسد بينهم .
{ عدواً مبيناً } : أي بين العداوة وظاهرها .
{ ربكم أعلم بكم } : هذه هي الكلمة التي هي أحسن .
{ وما أرسلناك عليهم وكيلا } : أي فيلزمك إجبارهم على الايمان .
{ فضلنا بعض النبيين } : أي بتخصيص كل منهم بفضائل أو فضيلة خاصة به .
{ وآتينا داود زبوراً } : أي كتاباً هو الزبور هذا نوع من التفضيل .
معنى الآيات :
ما زال السياق في طلب هداية أهل مكة ، من طريق الحوار والمجادلة وحدث أن بعض المؤمنين واجه بعض الكافرين اثناء الجدال بغلظة لفظ كأن توعده بعذاب النار فأثار ذلك حفائظ المشركين فأمر تعالى رسوله يقول للمؤمنين إذا خاطبوا ان لا يغلظوا لهم القول فقال تعالى : { وقل لعبادي } أي المؤمنين { يقولوا التي هي أحسن } من الكلمات لتجد طريقاً الى قلوب الكافرين ، وعلل ذلك تعالى فقال { إن الشيطان ينزغ بينهم } الوسواس فيفسد العلائق التي كان في الامكان التوصل بها الى هداية الضالين ، وذلك ان الشيطان كان وما زال للإنسان عدواً مبيناً أي بين العداوة ظاهر فهو لا يريد للكافر أن يسلم ، ولا يريد للمسلم أن يؤجر ويثاب في دعوته . وقوله تعالى : { ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم } فيتوب عليكم فتسلموا .
{ إو أن يشأ يعذبكم } بأن يترككم تموتون على شرككم فتدخلوا النار .
مثل هذا الكلام ينبغي أن يقول المؤمنون للكافرين لا أن يصدروا الحكم عليهم بأنهم أهل النار والمخلدون فيها فيزعج ذلك المشركين فيتمادوا في العناد والمكابرة . وقوله تعالى : { وما أرسلناك عليهم وكيلا } .
يقول تعالى لرسوله إنا لم نرسلك رقيباً عليهم فتجبرهم على الإسلام وإنما أرسلناك مبلغاً دعوتنا إليهم بالأسلوب الحسن وهدايتهم إلينا ، وفي هذا تعليم للمؤمنين كيف يدعون الكافرين الى الإسلام .
وقوله تعالى : { وربك أعلم بمن في السموات والأرض } يخبر تعالى لرسوله والمؤمنين ضمناً أنه تعالى أعلم بمن في السموات والأرض فضلاً عن هؤلاء المشركين فهو أعلم بما يصلحهم وأعلم بما كتب لهم أو عليهم من سعادة أو شقاء ، وأسباب ذلك من الايمان أو الكفر ، وعليه فلا تحزنوا على تكذيبهم ولا تيأسوا من إيمانهم ، ولا تتكلفوا ما لا تطيقون في هدايتهم فقولوا التي هي أحسن واتركوا أمر هدايتهم لله تعالى هو ربهم وقوله تعالى : { ولقد فضلنا بعض النبين على بعض وآتينا داود زبوراً } ، يخبر تعالى عن انعامه بين عباده فالذي فاضل بين النبيين وهو أكمل الخلق وأصفاهم فهذا فضله بالخلة كإبراهيم وهذا بالتكليم كموسى ، وهذا بالكتاب الحافل بالتسابيح والمحامد والعبر والمواعظ كداود ، وأنت يا محمد بمغفرته لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وبإرسالك الى الناس كافة إلى غير ذلك من الإفضالات وإذا تجلت هذه الحقيقة لكم وعرفتم أن الله أعلم بمن يستحق الهداية وبمن يستحق الضلالة ، وكذا الرحمة والعذاب ففوضوا الأمر إليه ، وادعوا عباده برفق ولين وبالتي هي أحسن من غيرها من الكلمات .
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
1- النهي عن الكلمة الخشنة المسيئة الى المدعو الى الإسلام .
2- بيان أن الشيطان يسعى للإفساد دائماً فلا يمكن من ذلك بالكلمات المثيرة للغضب والحاملة على اللجج والخصومة الشديدة .
3- بيان نوع الكلمة التي هي أحسن مثل { ربكم أعلم بكم أن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم } .
4- بيان ان الله تعالى أعلم بخلقه فهو يهب كل عبد ما أهله له حتى إنه فاضل بين أنبيائه ورسله عليهم السلام في الكمالات الروحية والدرجات العالية .
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
شرح الكلمات :
{ فلا يملكون } : أي لا يستطيعون .
{ كشف الضر } : أي بإزالته بشفاء المريض .
{ ولا تحويلا } : أي للمرض من شخص مريض الى آخر صحيح ليمرض به .
{ يدعون } : أي ينادونهم طالبين منهم أو متوسلين بهم .
{ يبتغون إلى ربهم الوسلية } : أي يطلبون القرب منه باالطاعات وأنواع القربات .
{ كان محذوراً } : أي يحذره المؤمنون ويحترسون منه بترك معاصي الله تعالى .
{ في الكتاب مسطوراً } : أي في كتاب المقادير الذي هو اللوح المحفوظ مكتوباً .
{ أن نرسل بالآيات } : أي بالآيات التي طلبها أهل مكة كتحويل الصفا الى جبل ذهب . أو إزالة جبال مكة لتكون أرضاً زراعية وإجراء العيون فيها .
{ إلا ان كذب بها الأولون } : إذ طالب قوم بالآية ولما جاءتهم كفروا بها فأهلكهم الله تعالى .
{ الناقة مبصرة } : أي وأعطينا قوم صالح الناقة آية مبصرة واضحة بينة .
{ فظلموا بها } : أي كفروا بها وكذبوا فأهلكهم الله تعالى .
{ إلا تخويفاً } : إلا من أجل تخويف العباد بأنا إذا أعطيناهم الآيات ولم يؤمنوا أهلكناهم .
{ أحاط بالناس } : أي قدرة وعلما فهم في قبضته وتحت سلطانه فلا تخفهم .
{ وما جعلنا الرؤيا } : هي ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الأسراء والمعراج عن عجائب خلق الله تعالى .
{ والشجرة المعلونة } : هي شجرة الزقوم الوارد لفظها في الصافات والدخان .
{ ونخوفهم } : بعذابنا في الدنيا والآخرة والإبادة وفي الآخرة بالزقوم والعذاب الأليم .
{ فما يزيدهم } : أي التخويف إلا طغينانا وكفراً .
معنى الآيات :
ما زال السياق في تقرير التوحيد فيقول تعالى لرسوله قل يا محمد صلى الله عليه وسلم لأولئك المشركين أدعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله سبحانه وتعالى فإنهم لا يملكون أن يكشفوا الضر عن مريض ولا يستطيعون تحويله عنه إلى آخر عدو له يريد أن يمسه الضر لأنهم أصنام وتماثيل لا يسمعون ولا يبصرون فضلاً على أن يستجيبوا دعاء من دعاهم لكشف ضر أو تحويله الى غيره ، هذا ما دلت عليه الآية الأوى ( 54 ) { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه ، فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً } .
وقوله تعالى : { أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته } { ويخافون عذابه } .
يخبرهم تعالى بان أولئك الذين يعبدونهم من الجن أو الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين هم أنفسهم يدعون ربهم ويتوسلون للحصول على رضاه .
بشتى أنواع الطاعات والقربات فالذي يَعْبُدُ لا يُعْبَد ، والذي يتقرب الى الله بالطاعات لا يتقرب إليه وإنما يتقرب إلى من هو يتقرب إليه ليحظى بالمنزلة عنده ، وقوله { يرجون رحمته ويخافون عذابه } ، أي أن أولئك الذين يدعوهم الجهال من الناس ويطلبون منهم قضاء حاجاتهم هم أنفسهم يطلبون الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه .
لأن عذابه تعالى كان وما زال يحذره العقلاء ، لأنه شديد لا يطاق .
فكيف يُدعى ويُرجى ويُخاف من هو يَدعو ويَرجو ويَخاف لو كان المشركون يعقلون.
وقوله تعالى : { وإن من قرية } أي مدينة من المدن { الإ نحن مهلكوها } أي بعذاب إبادة قبل يوم القيامة ، { أو معذبوها عذاباً شديداً } بمرض أو قحط أو خوف من عدو { كان ذلك في الكتاب مسطوراً } أي مكتوباً في اللوح المحفوظ ، فلذا لا يستعجل أهل مكة العذاب فإنه إن كان قد كتب عليهم فإنه نازل بهم لا محالة وان لم يكن قد كتب عليهم فلا معنى لاستعجاله فإنه غير واقع بهم وهم مرجون للتوبة أو لعذاب يوم القيامة.
وقوله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات } أي بالمعجزات وخوارق العادات { إلا أن كذب بها } أي بالمعجزات الأولون من الأمم فأهلكناهم بتكذيبهم بها ، فلو أرسلنا نبينا محمداً بمثل تلك الآيات وكذبت بها قريش لأهلكهم ، وهو تعالى لا يريد أهلاكهم بل يريد هدايتهم ليهتدي على أيهديهم خلقاً كثيراً من العرب والعجم والأبيض والأصفر فسبحان الله العليم الحكيم.
وقوله تعالى { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } أي آية مبصرة أي مضيئة بينة فظلموا بها أي كذبوا بها فعقورها فظلموا بذلك أنفسهم وعرضوها لعذاب الإبادة فأبادهم الله فأخذتهم الصيحة وهو ظالمون هذا دليل على ان المانع من الأرسال بالآيات هو ما ذكر تعالى في هذه الآية.
وقوله تعالى : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } يخبر تعالى أنه ما يرسل الرسل مؤيدين بالآيات التي هي المعجزات والعبر والعظات إلا لتخويف الناس عاقبة الكفر والعصيان لعلهم يخافون فيؤمنون ويطيعون قوله تعالى { وإذا قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } أي اذكر يا محمد إذ قلنا لك بواسطة وحينا هذا إن ربك أحاط بالناس . فهم في قبضته وتحت قهره وسلطانه فلا ترهبهم ولا تخش منهم أحداً فإن الله ناصرك عليهم ، ومنزل نقمته بمن تمادى في الظلم والعناد .
وقوله تعالى : { وما جلعنا الرؤيا التي أريناك } يريد رؤيا الإسراء والمعراج حيث أراه من آياته وعجائب صنعه وخلقه ، ما أراه { إلا فتنة للناس } أي لأهل مكة اختباراً لهم هل يصدقون أو يكذبون ، إذ ليس لازماً لتقرير نبوتك وإثبات رسالتك وفضلك أن نريك الملكوت الأعلى وما فيه من مظاهر القدرة والعلم والحكمة والرحمة .
وقوله تعالى : { والشجرة الملعونة } أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن الكريم وهي شجرة الزقزم وأنها { تخرج في أصل الجحيم } إلا فتنة كذلك لأهل مكة حيث قالوا كيف يصح وجود نخلة ذات طلع في وسط النار ، كيف لا تحرقها النار قياساً للغائب على الشاهد وهو قياس فاسد ، وقوله تعالى { ونخوفهم } بالشجرة الملعونة وأنها { طعام الأثيم تغلي في البطون كغلي الحميم } وبغيرها من أنواع العذاب الدنيوي والأخروي ، وما يزيدهم ذلك إلا طغياناً كبيراً أي ارتفاعاً وتكبراً عن قول الحق والاستجابة له لما سبق في علم الله من خزيهم وعذابهم فاصبر أيها الرسول وامض في دعوتك فإن العاقبة ذلك .
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- تقرير التوحيد بالحكم على عدم استجابة الآلهة المدعاة لعابديها .
2- بيان حقيقة عقيلة وهي أن الأولياء والاستغاثة بهم والتوسل إليهم بالذبح والنذر هو أمر بالطل ومضحك في نفس الوقت ، إذ الأولياء كانوا قبل موتهم يطلبون الوسيلة الى ربهم بأنواع الطاعات والقربات ومن كان يَعْبُدْ لا يُعْبَدْ .
ومن كان يقترب إليه ، ومن كان يتوسل لا يتوسل اليه بل يعبد الذي كان يعبد ويتوسل الى الذي كان يتوسل إليه ويتقرب الى الذي كان يتقرب اليه ، وهو الله سبحانه وتعالى .
3- تقرير عقيدة القضاء والقدر .
4- بيان المانع من عدم إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم الآيات على قريش .
5- بيان علة الإسراء والمعراج ، وذكر شجرة الزقزم في القرآن الكريم .
يتبع إن شاء الله...