مشكلات الطفولة...
أسبابها.. وكيفية علاجها..
*************
بحث علمى
للطالب: محمد رشاد محمد أمين
إشراف الدكتور/ أحمد محرم
************** المقدمــة:
يقول الله تعالي: "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم".
أطفالنا هم المستقبل وإهمالهم من الوالدين يعني أنهم أهملوا غدهم وفرطوا في أعظم ثروة يملكونها، لقد عني القران بالأطفال وتحدث عن أطفال متميزين مثل: إسماعيل عليه السلام الذي أسلم عنقه للسكين طاعة لله وبرًا بأبيه، ويوسف بن يعقوب عليهما السلام ومحنته مع إخوته ومريم ابنة عمران التي تقبَّلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا.
وكذلك حفلت السنة النبوية الشريفة بمواقف ووصايا وأحكامًا تتعلق بالطفولة والعمل على إسعادها وحُسن نموها على أكمل وجه.
ومن الأحاديث الشريفة التي يوجه الرسول الكريم أمته لتربية أولادهم على القيم والعادات الحميدة:
"يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك, وكل ممَّا يليك".
"مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناءُ سبع واضربوهم عليها أبناء عشر".
لذلك فان سوء العناية بالطفل يخلق العديد من المشاكل التي تترك آثارها عليه وعلى مستقبله وعلى أسرته كذلك.
سأقوم في هذا البحث المتواضع بالتعريف بالعديد من مشاكل الطفولة من حيث مفهومها وأعراضها وأسبابها وطرق علاجها ومحاولة وضع التوصيات التي إذا أحيط بها الوالدين والمربون والمدرسين علمًا لخفت آثارها وربما تمت معالجتها العلاج التام.
مفهوم الطفولة:
الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز 18 سنة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك.
الطفل كائن رقيق سهل التشكل وسهل التأثر بما يدور حوله ومن هنا ستكون مسؤوليتنا نحن الآباء والأمهات كبيرة في تنشئة الطفل وتوجيهه إما إلى الطريق الصحيح فينشأ شابًا على نهج سليم بعيدًا عن الاضطرابات والمشاكل النفسية...
وإما أن ينشأ مليئًا بالعقد النفسية التي تؤدي به إلى الجنوح أو المرض النفسي, وتتعدد الأسباب المؤدية لمثل هذه المشاكل فمنها مصدرها الأب والأم معا وأخرى مصدرها الأب وأخرى مصدرها الأم وأخرى مصدرها الطفل نفسه.
أسباب مصدرها الأب والأم معًا:
- المعاملة القاسية للطفل (عقاب جسدي - اهانة).
- التدليل والاهتمام بالطفل الجديد.
- إحساسه بالكراهية بين الأب والأم.
- انغماس أحد الوالدين في ملذاته.
أسباب مصدرها الأم:
- تناول الأم لبعض أنواع العقاقير أثناء الحمل.
- تخويف الطفل من أشياء وهمية (العفاريت – الغولة).
- انشغال الأم الزائد باهتماماتها الشخصية.
- الأم المسيطرة التي تلغي شخصية الأب في البيت.
أسباب مصدرها الأب:
- الأب الذي يلغي شخصية الأم ويهمش دورها في البيت.
- انشغال الأب الزائد بعمله.
- هجرة الأب خارج الوطن مما يجعل الطفل يفتقده كمثل أعلى وكمعلم وقدوة.
أسباب مصدرها الطفل نفسه:
- تواضع قدرات الطفل الذكائية مقارنة بأقرانه.
- وجود عاهة عند الطفل تعرضه لسخرية بقيةالأطفال.
قد يلحظ الوالدين تغيرًا ما في سلوك طفلهما ويظهر ذلك في عدم تكيف الطفل في بيئته الداخلية (الاسرة) او البيئة الخارجية (المجتمع) وتتعدد مشكلات الاطفال.
وتتنوع تبعًا لعدة عوامل قد تكون إما:
جسمية او نفسية أو أسرية أو مدرسية، وكل مشكلة لها مجموعة من الأسباب التي تفاعلت وتداخلت مع بعضها وأدت بالتالي إلى ظهورها لدى الطفل، ومن الصعب الفصل بين هذه الأسباب وتحديد أي منها كمسبب للمشكلة.
- متى نعتبر سلوك الطفل مشكلة بحد ذاته يحتاج لعلاج؟
قد يلجأ الوالد لطلب استشارة نفسية عاجلة لسلوك طفله ويعتقد أن سلوك طفله غير طبيعي إما لجهله بطبيعة نمو الطفل أو لشدة الحرص على سلامة الطفل وخوفًا عليه من الامراض والاضطرابات النفسية خاصة إذا كان المولود الأول.
وقد يكون الطفل سلوكه عاديًا وطبيعيًا تبعًا للمرحلة التي يمر بها لذا من المهم جدًا عزيزي المربي أن تعرف متى يكون سلوك ابنك طبيعيًا أو مرضيًا.
- يعد سلوك الطفل مشكلة تستدعي علاجًا عندما تلاحظ التالي:
1- تكرار المشكلة:
- لابد أن يتكرر هذا السلوك الذي تعتقد أنه غيرطبيعي أكثر من مرة، فظهور سلوك شاذ مرة أو مرتين أو ثلاث لا يدل على وجود مشكلة عند الطفل، لماذا؟
لأنه قد يكون سلوكًا عارضًا يختفي تلقائيًا او بجهد من الطفل أو والديه.
2- اعاقة هذا السلوك لنمو الطفل الجسمي والنفسي والاجتماعي:
- عندما يكون هذا السلوك مؤثرًا على سير نمو الطفل ويؤدي إلى اختلاف سلوكه ومشاعره عن سلوك ومشاعر مَنْ هم في سنه.
3- أن تعمل المشكلة على الحد من كفاءة الطفل في التحصيل الدراسي وفي اكتساب الخبرات وتعوقه هذه المشكلة عن التعليم.
4- عندما تسبب هذه المشكلة في إعاقة الطفل عن الاستمتاع بالحياة مع نفسه ومع الاخرين وتؤدي لشعوره بالكآبه وضعف قدرته على تكوين علاقات جيدة مع والديه وإخوته وأصدقاءه ومُدرسيه.
اهمية علاج مشكلات الطفوله:
- نظرًا لأهمية الطفولة كحجر أساس لبناء شخصية الإنسان مستقبلاً وبما أن لها دور كبير في توافق الإنسان في مرحلة المراهقة والرشد فقد أدرك علماء الصحة النفسية أهمية دراسة مشكلات الطفل وعلاجها في سن مبكرة قبل أن تستفحل وتؤدي لانحرافات نفسية وضعف في الصحة النفسية في مراحل العمر التالية.
- وقد تبين من دراسة الباحثين في الشخصية وعلم نفس النمو أن توافق الإنسان في المراهقة والرشد مرتبط إلى حدٍ كبير بتوافقه في الطفولة، فمعظم المراهقين والراشدين المتوافقين مع أنفسهم ومجتمعهم توافقًا حسنًا... كانوا سعداء في طفولتهم قليلي المشاكل في صغرهم، بينما كان معظم المراهقين والراشدين سيئي التوافق، تعساء في طفولتهم، كثيري المشاكل في صغرهم.
- كما أن نتائج الدراسات في مجالات علم النفس المرضي وعلم النفس الشواذ أوضحت دور مشكلات الطفولة في نشأة الاضطرابات النفسية والعقلية والانحرافات السلوكية في مراحل المراهقة والرشد.
من المشكلات التي يعاني منها الطفل:
((1)) مشكلة العناد والتمرد على الاوامروعدم الطاعة.
(2)) مشكلة الغيرة.
((3)) مشكلة الغضب.
((4)) الشجار بين الابناء.
((5)) مشكلة الهروب من حل الواجبات المدرسية.
((6)) مشكله الالفاظ النابية.
((7)) مشكلة السرقة.
(( 8)) مشكلة العصيان وعدم الطاعة.
((9)) مشكله الجنوح.
((10)) مشكلة الكذب.
((11)) مشكله الإحساس المُرهف.
((12)) مشكلة الخجل.
((13)) مشكلة الخوف.
((14)) مشكلة التشتت وعدم الانتباه.
((15)) مشكلة الطفل الفوضوي.
((16)) مشكلة التبول اللاارادي.
((17)) مشكلة اضطرابات الكلام.
((18)) مشكلة مص الإصبع.
((19)) مشكلة اضطرابات التعلق الانفعالى.
((20)) مشكلة قلق الانفصال.
((21)) مشكلة اضطراب الهوية الجنسية.
((22)) مشكلة الاكتئاب.
((23)) مشكلة التخريب.
((24)) مشكلة قضم الأظافر.
((25)) مشكلة العدوانية.
((26)) مشكلة اضطرابات النوم.
((27)) مشكلة كثرة البكاء.
((28)) مشكلة تمارض الأبناء عند الذهاب إلى المدرسة.
أولاً: المشاكل النفسية الانفعالية
الخوف.. تعريفه:
هو حالة انفعالية طبيعية يشعر بها الإنسان وكل الكائنات الحية في بعض المواقف التي يهدده فيها نوع من الخطر.
وقد تظهر هذه المخاوف بصورة واضحة في سن الثالثة من العمر، وتتراوح درجاتها بين: الحذر، والهلع، والرعب.
أنواع الخوف:
يمكن تقسيم الأولاد من حيث الخوف إلي:
(1) أطفال لا يخافون:
وهذا أمر نادر للغاية، ويرجع عادة لقلة الإدراك، مثل: ضعاف العقل، أو الصغير الذي لا يفهم ما حوله، كالذي يُمسك الثعبان جهلاً، أو سهوًا، أو من عدم الانتباه.
(2) أطفال يخافون خوفا عاديًّا:
قد يكون الخوف شعورًا طبيعيًا يحسه كلٌ من الطفل والبالغ عندما يخاف مما يخاف منه أغلب مَنْ هم في عُمره كالخوف من حيوان مفترس.
(3) أطفال يخافون خوفا مَرَضِيًّا:
وهو خوف شاذ مُبالغ فيه ومُتكررأو شبه دائم مما لا يخيف أغلب مَنْ هم في عمر الطفل، وقد يكون وهميّا (Phobia)... إلخ.
علامات الخوف:
في سنة الطفل الأولي: فزع علي ملامح الوجه وصراخ.
بعد السنة الثانية: صياح، وهروب، ورعشة، وتغيرات في ملامح الوجه، والكلام المتقطع، وقد يصحبه عرق وتبول لا إرادي.
التعرف علي مدي تأثير الخوف عند الأطفال بمقارنته بدرجة مخاوف الآخرين:
- الخوف من الظلام طبيعي لطفل الثالثة، أما إذا نتج عنه فزعٌ شديد، وفقد الطفل اتزانه، كان خوفًا شاذَّا في ضوء التقاليد السائدة.
- مرحلة الحضانة والطفولة المبكرة مرحلة هامة لزرع الشعور بالأمن والطمأنينة.
- كبح جماح الطفل في التعبير عن الخوف، والضغط عليه لضبط انفعالاته بالتخويف، يحول دون نموه وجدانيّا نحو حياة غنية بالخبرات، ويؤدي به إلي الضحالة الانفعالية والانطواء.
- دفع الطفل في المواقف التي تخيفه بهدف مساعدته للتغلب علي الخوف لا يجدي معه، وقد يضره بشدة.
- الطفل الأكثر ذكاءً في البداية يخاف من أشياء كثيرة بسبب نمو مدركاته واستطلاعه لما حوله، ومع تقدم السن تقل هذه المخاوف غير المنطقية وهناك نوع من الخوف يطلق عليه اسم الفوبيا (Phobia).
وهذه الفوبيا لها عدة صور منها:
* الخوف من المجهول.
* الخوف من الفشل.
* الخوف من الموت المرتبط بالتهديد.
وعمومًا فالخوف من الأشياء التي لا تُمثل تهديدًا حقيقيًا وفعليًا للإنسان في الحاضر.
مِمَّ يخاف الأطفال؟:
في السنة الأولي: يخاف الطفل من الأصوات العالية الفجائية بصفة أساسية.
ومن 2: 5 سنوات: تزداد تأثيرات الخوف بتعدد أنواعها.
والطفل يخاف من الأماكن الغريبة الشاذة، ويخاف الوقوع من مكان مرتفع، ويخاف الغرباء، كما يخاف الحيوانات والطيور التي لم يألفها، ويخاف تكرار الخبرات المؤلمة كالعلاج والعمليات الجراحية مما يخاف منه الكبار في بيئته سواء كانت مخاوف واقعية أو وهمية أو خرافية، ويخاف الظلام، والدخان المتصاعد من النار، ويخاف الغول، ويخاف تصديق الأطفال للتهديدات المحيطة مثل: سأذبحك وسأصل الكهرباء إلي جسمك، العفريت ينتظرك في هذا المكان.
الخوف والثقة بالنفس:
بعض الأطفال يعانون من الخوف مع معظم المواقف، وهؤلاء يُعانون من ضعف الثقة بالنفس، وعدم الشعور بالأمن والطمأنينة، وقد يصاحبها ظهور مخاوف غير واقعية، وأعراض أخري كعدم القدرة على الكلام والتهتهة والانطواء والخجل والاكتئاب والتشاؤم وتوقع الخطر.
أسباب عدم الثقة بالنفس:
(1) التربية الخاطئة في الطفولة الأولي، كالحماية الزائدة، أو التدليل الزائد.
(2) مقارنة الآباء بين طفل وآخر، بهدف التحفيز والتحميس مما يأتي بنتائج عكسية.
(3) النقد والزجر والتوبيخ والضرب.
(4) التنشئة الاعتمادية.. التي لا تدفع الطفل إلي التعرف بمفرده علي مواقف الحياة.
(5) تسلط الآباء وسيطرتهم.
(6) اضطراب الجو العائلي ومنازعات الوالدين.
(7) النقص الجسماني (عرج - حول - طول مفرط - قصر شديد - تشوه - سمنة مفرطة - انخفاض درجة الذكاء - التأخر الدراسي).
(8) النشأة في بيئة تعاني من القلق النفسي والخوف وعدم الثقة.
(9) تكرار الفشل والإخفاق.
مظاهر أو أعراض الخوف:
- الشعور بالضعف والهبوط والدوار والغثيان
- زيادة نبضات القلب.
- اصفرار الوجه وضيق حدقة العين وجفاف الفم وتصبب العرق.
علاج الخوف والوقاية منه:
الوقاية من الخوف:
*إحاطة الطفل بجو من الدفء العاطفي والحنان والمحبة، مع الحزم المعتدل والمرن.
* إذا صادف الطفل ما يخيفه يجب علي الأم ألا تساعده علي النسيان حتى لا تصبح مخاوف مدفونة، فبالتفاهم والطمأنينة وإجابة الأسئلة التي تُحيِّرهُ يستطيع التخلص من مخاوفه.
* تربية روح الاستقلال والاعتماد علي النفس في الطفل.. بالتقدير وعدم السخرية وعدم المقارنة.
* توفير جو عائلي هادئ ومستقر يشبع حاجاته النفسية.
* اتزان وهدوء سلوك الآباء (بلا هلع ولا فزع) في المواقف المختلفة خاصة عند مرضه، أو إصابته بمكروه؛ لتفادي الإيحاء والتقليد والمشاركة.
* مساعدته علي مواجهة مواقف الخوف - دون إجبار أو نقد - وتفهمه حقيقة الشيء الذي يخاف منه برقة وحنان.
* إبعاده عن مثيرات الخوف (المآتم- الروايات المخيفة- الخرافات- الجن والعفاريت-.. إلخ).
* عدم الإسراف في حثه علي التدين والسلوك القويم بالتخويف من جهنم والشياطين حتى لا يزيد شعوره بالضيق والخوف.
* مساعدته علي معرفة الحياة وتفهم ما يجهل، وبث الأمن والطمأنينة في نفسه.
* تنشئته علي ممارسة الخبرات السارة كي يعتاد التعامل بثقة وبلا خوف.
* عدم قلق الآباء علي الأبناء، والتقليل من التحذير وعدم المبالغة والاستهزاء والحماية الزائدة.
علاج الخوف:
* إزالة خوف الطفل بربط ما يخيفه بانفعال سرور(تطبيق قاعدةالاشتراط تطبيقا عكسيا).
* العلاج النفسي بالكشف عن مخاوفه ودوافعها المكبوتة، وتصحيح مفاهيمه.
* العلاج الجماعي بتشجيعه علي الاندماج مع الأطفال وتفاعلهالاجتماعي السليم.
* علاج مخاوف الوالدين وتحسين الجو المنزلي.
* تعاونالمدرسة مع الآباء في علاج الأطفال وعدم استعمال التخويف والضرب في المدرسة.
* علي الأم أن تعلم ولدها دائما الخشية من الله -عز وجل- حتى يرق قلبه، وتصير التقوىصفة لازمة له.
قال تعالي: {وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوي} [النازعات: 40- 41].
وقال: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46]، وتعلمه الخوف من المعاصي: {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} [الأنعام: 15]، ولكن عليها أن تحذر من الإسراف في تهديد طفلها من التخويف والتهديد بالعذاب والنار، وتدرك أن خوف الطفل من الله وحده يمنع عنه الخوف مما سواه.
مرض الفوبيا عند الاطفال:
الرهاب أو الفوبيا هو الخوف الشديد الذي يحدث لبعض الأفراد عندما يواجهون بعض المواقف مثل التواجد في أماكن معينة، أو التعرّض لبعض أنواع الحيوانات.
وإن للرهاب ثلاث مكونات:
حيث يتضمن المكون النفسي الذي يمتاز بشعور الهلع الذي يصيب الفرد عند التعرّض للشيء المرهوب، ويتميز المكون البدني بخفقان القلب واضطراب التنفس والتعرق واصفرار الوجه، وأما المكون السلوكي فيهدف إلى تفادي الموقف أو الشيء المرهوب منه والابتعاد عنه.
الخوف والرهاب:
وليس للرهاب صورة واحدة محددة عند جميع المرضى المصابين به ولكنه يتعدد بوجود انعكاسات المواقف المختلفة على الشخص المهيأ نفسيا للاستجابة له.
ومن صور الرهاب:
الرهاب الأحادي أو النوعي:
وهو ينتج من الخوف المرضي من رؤية أشياء محددة كأدوات الطعن أو القطع الحادة أو الاقتراب من الحيوانات كالقطط والكلاب أو الثعابين والعناكب والطيور.
ويصاحب الشعور بالخوف المكونان الآخران للرهاب، ويستمر طوال فترة الوجود مع هذه الحيوانات أو الأشياء، ويزداد حدة عند الاقتراب منها، ويقل بنسبة الابتعاد عنها، ويحدث الخوف أيضا عند مجرد مشاهدة صور لهذه الأشياء أو سماع الحديث عنها.
رهاب الأماكن المتسعة أو الضيقة أو المرتفعة:
في رهاب الأماكن المتسعة (اجورافوبيا)- ويعني حرفيا: الخوف من ساحة السوق- تظهر الأعراض عند الاقتراب أو التواجد في الأماكن الفسيحة، مثل الميادين ومحلات التسوق، وأبهاء الفنادق، وصالات المطارات.
وهو عادة يصيب النساء في منتصف أعمارهن.
فالمرأة إذا ابتعدت بضع خطوات خارج منزلها تشعر بأن ساقيها تلينان كالعجين، ولا تقويان على حملها، وتشعر بالغثيان والدوخة، ويمكن أن تسقط على الأرض، فيتحلق حولها المارة، ويسدون عليها تيار الهواء، مما يضيق عليها التنفس، ويزيد انزعاجها.
ويتفادى هؤلاء المرضى التعرض لهذه الأماكن، ويحتمون داخل منازلهم، مما يحد من حركتهم الطبيعية في حياتهم اليومية.
أما في فوبيا الأماكن الضيقة (كلوستروفوبيا) فلا يستطيع المريض دخول القطارات أو الحافلات أو المصاعد أو التواجد في الحجرات فترة طويلة، وإذا اضطر لذلك يشعر بالضيق والتوتر وعدم استقرار القدمين على الأرض، ومن يعانون من هذا الرهاب يجدون أن رحلة السفر بالطائرة تجربة مزعجة، ويتفادون السفر ما وسعهم، وإذا اضطروا للقيام بذلك استعدوا لها بطقوس معقدة.
أما في رهاب الأماكن المرتفعة فنجد المثال النموذجي في الشخص الذي يصعد الدرج، فما أن يصل الطابق الثاني حتى يشعر بالتعب والإجهاد ويعتريه الإحساس بالإغماء وتقلصات بالمعدة، فيتهاوى جالسا على الدرج وظهره إلى أعلى موجها نظره إلى أسفل المبنى.
يشعر البعض بالخوف الشديد عندما يضطرون إلى المشاركة في بعض المناسبات الاجتماعية، مثل الخروج إلى تناول الطعام في المطاعم بحيث يشعرون أنهم تحت مراقبة الآخرين، وانهم هدف للنقد والتعليق ممن حولهم، فيتوترون وتفسد شهيتهم، وإذا دعوا لتناول الشاي عند الأصدقاء يشعرون بالحرج من المناسبة الاجتماعية، فتهتز الأقداح في أيديهم وتصطك الصحون، فتلتفت إليهم الأنظار، مما يزيد توترهم، وغالبا ما ينتهي بهم الأمر إلى الامتناع عن تلبية هذه الدعوات.
ومن أمثلة الرهاب الاجتماعي:
الخوف من مجابهة الجمهور عند إلقاء محاضرة، أو الاشتراك في ندوة، أو مناظرة، وغالبا ما يبدأ في سن المراهقة، حين يكون المراهق شديد الحساسية للنقد وتعليقات الآخرين على أسلوبه الخاص في التصرف، ولكنه يتلاشى بعد تجاوز هذه المرحلة، وقد يستمر بعضه حتى سن متأخرة.
ويمكن أن يتواجد نوعان أو أكثر من الرهاب عند الشخص نفسه:
فيتواجد رهاب الأماكن الضيقة مع رهاب الارتفاعات كما هو الحال في الطائرات والمصاعد، أو رهاب الحيوانات مع الرهاب الاجتماعي.
ويصيب الرهاب بعض الأفراد في مرحلة منتصف العمر ويدعى برهاب الخوف من الإصابة بالأمراض الخطيرة كفوبيا السرطان، أو أمراض القلب، أو السكر، أو الايدز، وإن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يعلمون أنهم غير مصابين فعلا بهذه الأمراض، لكنهم يحملون معهم الخوف المبالغ فيه من الإصابة بهذه الأمراض في المستقبل القريب أو البعيد.
والأطفال يصابون:
وإذا كان الرهاب يصيب الكبار فإنه ينتشر عند الأطفال، متمثلا بالخوف من الظلام، والحيوانات الأليفة، والحشرات، والأشخاص الغرباء، إلا أن الخوف من الظلام والحيوانات يقل تدريجيا كلما اقترب الطفل من مرحلة المراهقة، ويستمر الخوف من الغرباء غالبا حتى الكبر.
وإذا كان الخوف من الظلام شديدا لدرجة تمنع الطفل من النوم، فيمكن استخدام ضوء ليلي خافت، أو اعطاء الطفل دمية يرتاح إليها ويداعبها حتى يهدأ وينام.
ومن أنواع الرهاب المعروفة عند الأطفال:
رهاب المدرسة الذي ينتشر بدرجة ملحوظة في المراحل الدراسية الأولى، ويتمثل في الخوف الشديد من الذهاب إلى المدرسة، أو حتى عند ذكر اسمها، فيحتال الطفل، وينتحل الأعذار لعدم الذهاب، أو يرفض ذلك بصراحة وإصرار، وغالبا لا يكون ذلك لسبب في المدرسة، بل في وجود تلاميذ يخشى عدوانهم أو سخريتهم، أو مدرسين يهددونه بالعقاب، وأحيانا يكمن السبب في المنزل الذي تتوافر فيه الحماية الزائدة والتدليل المفسد، فيتمسك الطفل بالبقاء في المنزل، كارها المدرسة التي لا تتوافر فيها مثل هذه المعاملة اللينة.
ولا يصح أبدا إرغام الطفل على الذهاب بالقوة والقسر، إذ ينتج عن هذا ردة فعل نفسية عنيفة، فيتبول الطفل في ملابسه، أو حتى يتبرز بسبب الهلع.
تحدث معظم حالات الرهاب نتيجة تعلمها واكتسابها من الآخرين، فالأم التي تهاب القطط تنقل لأولادها هذه الرهبة، وعلى الأخص بناتها، ويتعلم الطفل الخوف من الظلام من والديه الصارمين الذين هددوا بمعاقبته بتعريضه للظلام، وكذلك الحال في رهاب الأمراض الخطيرة، فغالبا ما تكون هناك تجربة سابقة عايش فيها المريض صديقا أو قريبا عانى من الإصابة بأحد الأمراض القاتلة والصعبة، فتولد عنده الإحساس بالخوف من خوض هذه التجربة أو معاناة نفس المرض.
لكن في بعض أنواع الرهاب الأخرى كالأماكن الفسيحة، يؤدي الرهاب وظيفة دفاعية عن النفس، وآلية حماية لها، لتفادي مواقف معينة، أو الامتناع عن القيام بمهام بغيضة، تكون مزعجة للشخص، ويكون الرهاب هو العذر اللاواعي، أو حتى الواعي لذلك، وينطبق هذا المفهوم أيضا على معظم حالات رهاب المدرسة.
نماذج علاجية:
تستجيب معظم الحالات للعلاج السلوكي، وعلى الأخص أنواع الرهاب الأحادي، ويعتمد العلاج على نظرية التعلم، ففي حالة رهاب القطط تعالج الحساسية الزائدة منها بالتدريج، فيدرب المريض على الاسترخاء العضلي والنفسي، ثم تعرض عليه من مسافة بعيدة ولفترة قصيرة صورة لقطة، حتى يتعود على منظرها ولا يخافها، ثم تقرب إليه الصورة بالتدريج، وهو مسترخٍ.
وفي جلسات علاجية لاحقة تستخدم قطة حقيقية في قفص مغلق، ويكرر هذا الأسلوب معه حتى يتعود على وجودها قريبة منه، ويتمكن من إخراجها من القفص ومداعبتها باطمئنان وثقة.
ويمكن استخدام أسلوب آخر، مبني على نظرية التعلم نفسها، وهو ما يسمى الإغراق، فتقرب قطة حقيقية إلى المريض، لتثير فيه الخوف والفزع فترة زمنية يستنفذ خلالها شحنة الخوف المتراكمة لديه حتى يرى بنفسه أنه لا يوجد خطر حقيقي يلحق به من جراء التصاقه بالقطة، وهذا العلاج يستلزم تعاونا كبيرا من المريض كي ينجح.
وفي حالات الخوف من الظلام توضع للطفل الحلوى أو اللعب في حجرة مظلمة، ويطلب منه أن يأخذ منها ما يشاء إذا أحضرها من الداخل، فتتغلب رغبته في اكتساب ما يحبه على خوفه من الظلام، وبتكرار التجربة يتحول الخوف إلى اطمئنان، لارتباط الظلام عنده بما يفرحه ويسره.
ويمكن استخدام العلاج بالتنويم في رهاب السفر بالطائرات وأمثاله، فينوم المريض ويدرب على الاسترخاء التام، ثم يطلب منه أن يتخيل وجود طائرة بعيدة عنه، وعليه أن يقترب منها تدريجيا وهو في حالة الاسترخاء، ويكرر معه ذلك في جلسات لاحقة، حتى يستطيع أن يدخل الطائرة وهو واثق مطمئن، وعند الوصول إلى هذه المرحلة تحت تأثير التنويم يكون المريض قد وصل إلى مرحلة يستطيع فيها تطبيق ذلك بسهولة في الواقع.
ويفضل بعض المعالجين استعمال المهدئات النفسية المتوسطة المفعول قبل الخروج من المنزل للسفر حتى يصل المريض إلى المطار وهو هادئ ويتمكن من دخول الطائرة، وبعضهم يوصى بتناول عقار منوم وهو داخل الطائرة، إذا طالت فترة الطيران.
يتبع إن شاء الله...