الفصل الثالث
بناء الشخصية الاجتماعية
يعتمد بناء الشخصية الاجتماعية على شقّين:
(الأول): إشباع حاجاته النفسية.
(الثاني): إعداده لممارسة حياته المستقبلية.
1- إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية:
إن هذه الحاجات قد يعيش الإنسان بدونها، ولكن لن يكون شخصاً سوياً أبداً إذا فقدها أو فقد بعضها.
وسنعرضها باختصار:
(أ) حاجته إلى الاحترام والتقدير والاستقلال:
وإشباع هذه الحاجة يعني قَبوله اجتماعياً وزرع الثقة به واكتساب ثقته، وقد حفلَت السنّة بمظاهر احترام الطفل: كسلام النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصبيان ومنادتهم بكُنىً جميلة واحترام حقوقهم في المجالس فقد استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- الغلام أن يُعطي الأشياخ قبله، وكان هو الجالس عن يمين الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
والاحترام لابد أن يكون نابعاً من قلب الوالدين وليس مجرد مظاهر جوفاء، فالطفل وإن كان صغيراً فإنه يفهم النظرات الجارحة والمحتقرة ويفرق بين ابتسامة الرضا والاستهزاء.
وإضافة إلى السلام عليه ومناداته بأحب الأسماء واحترام حقوقه، إجابة أسئلته وسماع حديثه وشكره إذا أحسن والدعاء له والثناء عليه وإعطائه فرصة للدفاع عن نفسه وإبداء رأيه وسماع مشورته.
وأما في مرحلة الطفولة المتأخرة فيجب أن يتفاعل المربي مع ولده تفاعلاً عاطفياً وعملياً، إذ يصادقه ويرافقه في السفر ويشاركه في اللعب المباح والعمل والقراءة، ويسمع شكواه وإذا اختلف المربي معه في الرأي فبينهما الحوار الهادئ واحترام كل للآخر إلا أن للوالدين حق الطاعة والبر.
كما على المربي أن يتقبل فكرة وقوع ولده في الخطأ، وأن يتذكر أن الخطأ ربما كان طريقاً للنجاح واستدراك الفائت، فلا يشنّع عليه ويتيح له فرصة الرجوع والتوبة؛ ليستعيد توازنه النفسي.
وقد أشارت الدراسات إلى أن الأسوياء كان آباؤهم يتلفتون إلى محاسنهم ويمدحونهم على أعمالهم الحسنة أكثر من نقد الأخطاء، ويشاركونهم في اللعب والعمل كالأصدقاء.
وإذا فقدت هذه الصداقة وجدت الطفل في مراهقته يتعلق بزميل أو معلم أو قريب، وقد يكتسب خبرات سيئة كان الأولى أن يكتسبها من والده لو أن الصداقة عقدت بينهما.
كما أن احتقار الطفل يشعره بالغربة بين أسرته والرغبة في العزلة ومن جهة أخرى يقوّي صلته برفاقه الذين يعجبون به، وقد يكون هؤلاء رفقة سيئة فينساق معهم وينحرف، والواقع يشهد بمئات الأمثلة.
وقد تختلف شخصية الطفل وتفكيره عن والده فعندها يجب أن تظل بينهما أواصر الصداقة والمحبة، إذ ليس شرطاً أن يكون الولد صورةً عن أبيه ولكن المهم المحافظة على حالته النفسية.
وأما الاستقلال فيبدأ عند الطفل في سن مبكرة، إذ يحاول الاعتماد على نفسه في تناول الطعام وارتداء الثياب وعلى الأم أن تساعده على الاستقلال والاعتماد على النفس وسيكون أمراً صعباً يحتاج إلى صبر، وينبغي ألا تقدم له المساعدة إلا إذا كان العمل عسيراً لا يستطيعه، ويستمر في ذلك في كل حاجاته وأعماله، مما يدعم ثقته بنفسه ويسهل تكيفه مع المجتمع.
(ب) حاجته إلى الحب والحنان:
وهي من أهم الحاجات النفسية، ولذا حَفلت السنّة بكثير من مظاهر هذا الحب، وتختلف وسائل إشباع هذه الحاجة من مرحلة لمرحلة، ففي مرحلة الطفولة المبكرة يَلَذُّ للمربي ملاعبة الطفل وترقيصه ومداعبته بأرقِّ العبارات وتقبيله وضمه، وبعد أن يبلغ خمس سنوات يحب الطفل أن يجلس قريباً من الوالدين أو يضع رأسه على فخذ أحدهما أو يقبلهما أو غير ذلك، بل إنه تشتد حاجته عند رجوعه من المدرسة أو من مكان لم يصحب فيه والديه أو عند وجود مشكلة خارج البيت أو داخله.
وفي مرحلة المراهقة يظل محتاجاً إلى الحنان والحب من والديه، وذلك أنه قد يخجل من إظهار هذه العاطفة وبخاصة إذا كان والداه ينتقدان حاجته للحب أو ينكران أن يقبّلهما أو يسند رأسه إليهما أو يحسان بالانزعاج والتضايق عندما يعبّر عن حبه لهما.
وعدم إشباع هذه الحاجة يؤدي إلى:
انعدام الأمن وعدم الثقة بالنفس، فيصعب على الطفل التكيف مع الآخرين ويصاب بالقلق والانطواء والتوتر، بل يعدّ الحرمان من الحب أهم أسباب الإصابة بمرض الاكتئاب في المستقبل ومن الناحية الاجتماعية تحدث فجوة بين المربي والطفل عندما لا تشبعُ حاجته إلى الحنان فيحس الطفل بالانقباض تجاه والديه ويستقل بمشكلاته أو يفضي بها للآخرين دون والديه، ويصبح عنده جوعة عاطفية تجعله مستعداً للتعلق بالآخرين، والتعلق يتخذ صوراً كالإعجاب والحب المفرط المؤدي إلى العشق المحرم والشذوذ الجنسي.
وفي مقابل ذلك:
فإن الإفراط في الحب وفي التعبير عنه، يمنع المربي من الحزم في تربية الطفل ويعرض الطفل للأمراض النفسية فقد يكون التدليل وتلبية الرغبات وتوفير أكثر الحاجات الضرورية والكمالية سببا في إفساد الطفل، لأنه يتعود على الترف، ويعجز في مستقبله عن مواجهة الواقع ولن يستطيع تحمل المسئوليات لأن حب الوالدين له زاد عن حده وجملهما يمنعانه من الاستقلال وتحمل المسئولية والقيام بالأعمال.
(ج) حاجته إلى اللعب:
ما يحققه اللعب من فوائد نفسية وبدنية وتربوية واجتماعية:
يحقق اللعب للطفل فوائد نفسية وبدنية وتربوية واجتماعية، منها:
(1) استنفاد الجهد الفائض والتنفيس عن التوتر الذي يتعرض له الطفل فيضرب اللعبة متخيلاً أنه يضرب شخصا أساء إليه أو شخصاً وهميًّا عرفه في خياله وفيما يُحكى له من الحكايات.
(2) تعلم الخطأ والصواب وبعض الأخلاق كالصدق والعدل والأمانة وضبط النفس عن طريق اللعب الجماعي، وبناء العلاقات الاجتماعية، إذ يتعلم التعاون والأخذ والعطاء واحترام حقوق الآخرين، كما يتعلم دوره المستقبلي، إذ تمثل الفتاة دور الأم ويمثل الصبي دور الأب، وقد يمثلان مهنة من المهن.
(3) يدل اللعب بكثرة على توَقّد الذكاء والفطنة ويساعد على نمو العضلات وتجديد النشاط، وتنمية المهارات المختلفة.
* ضوابط اللعب:
للعبِ ضوابط منها:
(أ) ضوابط شرعية:
فقد تكون اللُّعبة محرمة في حد ذاتها، كالنرد والقمار واللعب بالحمام ويدخل تحت ذلك اليانصيب والرِّهان غير المشروع، وقد تكون اللعبة حراماً لأنها تشغل عن الواجبات الشرعية، أو لأنها تؤذي الجسم وتعرضه للهلاك، أو أنه يقترن بها محرم ككشف عورة أو لعن أو شتم أو معاداة لمسلم أو موالاة لكافر، أو صورة ذات رُوح أو صليب أو غير ذلك من المحرمات.
والقاعدة في ذلك:
أن كل لعبة مباحة إلا لعبَةَ حرَّمها الشارع، أو اقترن بها محرم أو أدت إلى فوات واجب أو ارتكاب محرم.
ضوابط صحية
(ب) ضوابط صحية:
منها ما ورد في النهي عن اللعب بعد المغرب إلى العشاء، لأن تلك الساعة تنتشر فيها الشياطين فهذا الخطر معلوم شرعاً، وهناك أخطار معلومة بالعقل والتجربة كاللعب بالأدوات الحادة أو في الأماكن الخطرة.
ضوابط تربوية
(ج) ضوابط تربوية منها:
* تَنَاسُبُ اللعبة مع عمر الطفل، ففي السنة الأولى يميل الطفل إلى الألعاب البسيطة كالمكعبات وكرة البلاستيك، ثم يتطور فيصبح بإمكانه اللعب بالتركيبات وأدوات الحَفْر، والبنت تميل إلى اللعب بالدُّمى وأدوات المطبخ، ويمكن تعليمه مسك القلم ومشاهدة الكتب المصورة، وتعد الألعاب الصامتة من أهم الألعاب، لأنها تحتاج إلى تخيل وتمرين وتتيح للطفل فرصة الابتكار وتستحوذ على اهتمامه مدة أطول من الألعاب المتحركة.
* تعويد الطفل على اللعب بمفرده إذا كان وحيداً، وعلى الأم ألا تشارك ولدها اللعب إلا كتمهيد ثم تنسحب تدريجيًّا، ليتعلم كيف يلعب وحده ويعتمد على نفسه.
* اللعب مع الحيوانات الأليفة، مع ضرورة الانتباه إلى الرعاية الصحية، وهي تكفل للطفل متعة وفائدة لا تحد.
* إخفاء بعض الألعاب حتى يشتاق إليها ثم إعادتها إليه.
* عدم الإغراق في شراء ألعاب الحرب لأنها تزيد العدوان عند الطفل.
* تهيئة مكان للعب الطفل، ويحسن أن يكون واسعا مفتوحاً وهذا يكفل سلامة الطفل وترتيب البيت وسلامة الألعاب.
2- إعداده لممارسة حياته المستقبلية:
ولن يكون هذا ا لإعداد إلا بزرع الثقه في نفس الطفل وتعويده الاعتماد على النفس وتقوية إرادته وعزيمته وتنمية مواهبه، وهناك وسائل تساعد على ذلك منها:
احترام الطفل:
وهذا الاحترام يحمل على إكرام الطفل وعدم السخرية منه، ولو أخفق في عمل ما، بل إن احترامه يقتضي الثناء عليه عند نجاحه، واستشارته في بعض الأمور، واستحسان رأيه الصائب، وإرشاده برفق إلى خطأ رأيه، وإذا كان أحد الوالدين أو بعض الأقرب يستهزئ بالطفل أو يواجهه بالنقد الجارح كانتقاد الشكل أو العقل، فعلى الأطراف الأخرى أن تدعم الطفل، وتنمي ثقته بنفسه، وتمدحه، وتمنع الأطراف الأخرى من الانتقاص من الطفل؛ لأن ذلك يضعف ثقته بنفسه في المستقبل، ويهز شخصيته، ويجعله مستعداً للتخلي عن أفكاره بسرعة إذا انتقده الآخرون ولو كانت تلك الأفكار صائبة؛ لأنه لم يتعود على الثقة بالنفس واحترامها منذ الطفولة.
تكليفه ببعض الأعمال:
وأول خطوة في ذلك:
استغلال رغبته في الاستقلال وتأكيد الذات.
فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الطفل يسعى إلى الاستقلال في سن مبكرة، فيحاول الأكل وحده وغسل يديه وتمشيط شعره وارتداء ملابسه، ويجب مساعدة الآخرين، وعلى الأم خاصة أن تُرضي هذه الحال فتعص أطفالها حريتهم في الاستقلال وتساعدهم دون سخرية ولا تدللهم بدافع المحبة الزائدة.
* وتأتي الخطوة الثانية في:
تعويد الطفل على ترتيب غرب4 وقضاء حوائجه الخاصة، وإذا كان في البيت خدم فينبغي أن يعلم أن الخدم للبيت عامة، وعلى كل فرد القيام بعمله وحوائجه.
* الخطوة الثالثة:
تتمثل في أشياء كثيرة منها: استئمانه على الودائع وتكليفه بالبيع والشراء، وأعمال أخرى بحسب قدرة الطفل وقوته.
* اختلاطه بالناس لأن الحياة مدرسة لن يتعلم الطفل إلا من ممارستها فيعوَّدُ الطفل على حضور المجالس ومصاحبة والده في زياراته وحضور الولائم والأعراس بشروطه وضوابطه، لأن هناك جوانب لن تتضح إلا إذا خرج الطفل من البيت والتقى بالغرباء، وقد يأتي بعادات سيئة أو كلمات بذيئة ليس لهما علاج إلا التصحيح السريع وأما منعه من ذلك فخطأ جسيم يمنعه من تعلم أشياء كثيرة ومن ثم يصعب عليه التكيُّف مع الآَخرين.
* ويجب أن يعلِّم المربي ولده آداب المجالس والحديث ويتركه يعتمد على نفسه فلا يلقنه الإجابة إذا سُئل، ويحذره من الثرثرة ويطلب منه المشاركة في الحديث.
* تقوية إرادته عن طريق: تعويده الصبر وإبعاده عن الترف.
ويتعلم الطفل الصبر وضبط السلوك في الشهور الأولى من حياته إذا تريثت الأم قليلاً في إجابة ندائه وتحقيق طلباته من طعام أو شراب أو غير ذلك، وهذا التريث قليل لا يصل إلى حد الإضرار به وكذلك: عدم إجابة طلباته وحرمانه من بعض الكماليات حتى لا يفسد بالترف.
* تعويده الخضوع للسلطة المرشدة التي تضبط سلوكه وتحد من رغباته المتهورة، وعلى يدها يتعلم السلوك الصحيح ويتوافق مع المجتمع الذي يعيش فيه بخضوعه قيم الاجتماعية المتعارف. ويستحسن أن يُقنِع المربي ولده بالعادات الاجتماعية، وأما التكاليف الشرعية فليس ضرورياً أن يقتنع بها، بل ينبغي أن يعلم حرمتها ويحترم كونها أمراً شرعيا".
* ينبغي أن يختلف إعداد الفتى عن الفتاة، فلا بد من منع الطفلة من مجالسة الرجال إذا بلغت الرابعة أو الخامسة ومن الخروج إلى الشارع، وتُعَلَّم الأدب والحشمة والحياء، وتُلزَمَ بالحجاب، وتُعلَّم أعمال المنزل وكل ما يساعدها لتكون زوجة ناجحة وأماً مثالية ومن الواجب أن تكون الأم صديقة لبنتها فتشركها معها في أعمال المنزل والتزيُّن والمكوث في البيت وتشابه اللباس.
والأب يصادق ولده ويخرج معه إلى قضاء الحوائج والصلاة ويلبس مثله، ولكن ليحذر من أخذه معه في رحلات أصدقائه لأنه قد يتعلق بأحدهم وبخاصة إذا كان مراهقاً ويحدُث الانحراف من حيث لم يحذر الوالد.
الفصل الرابع
تنمية وإذكاء روح علو الهمة
إن تربية الطفل ليصبحَ ذا همّة عالية تعتمد على عدة أمور منها:
* تقوية إرادة الطفل:
وذلك باحترام رأيه واستشارته وعدم تحقيره وإهانته لأن ذلك يجعل الطفل يحتقر نفسه ويعود الذلة والمهانة، وبتعويده على الصبر وقهر الهوى ومخالفة النفس لأن النفس بذلك تشعر بالعزة وعلو الهمّة.
* تعويده على طلب الكمال وإحسان العمل:
ويجب الحذر من أن يكون ذلك في اللباس والطعام والمسكن والمركب لأن هذا حال أكثر الناس، وهذا يدفع الطفل إلى ارتكاب المعاصي لأجل المتاع الزائل، وإنما المقصود تعويده على طلب الكمال في الخلق والدين وطلب محاسن الأعمال، فإذا كان معه طعام أو مال عود البذل، وان اعتدى عليه أحد عود على العفو والتسامح.
* تعليقه بالقضايا العالية:
كحثه على طلب العلم ليصبح عالما ربانياً يقود الناس إلى الجنة، وتدريبه على الشجاعة ليجاهد في سبيل الله، وكسب المال لإنفاقه في وجوه الخير، والحذر من تعليقه بالتطلعات الأرضية التي يتساوى فيها المسلم والكافر كالأكل والشرب وملذات الدنيا، فهذا الأسلوب يعطل طاقات الإنسان ويجعله مُخلِداً إلى الشهوات والصَّغار، والرضى بالدون.
* ربطُهُ بالقدوات العالية الهمة:
عن طريق تعليمه المغازي، وسيرَ ذوي الهمة العالية في الالتزام بالعقيدة، والتضحية في سبيَلها " وذوي الخُلُق العالي، فيكنَّى ويسمّى بأسمائهم وكناهم، ويحدث بسيرتهم ليقتدي بهم.
الفصل الخامس
التعليم وتنمية المواهب الإبداعية:
الأسباب التي تمكن المربي أن يحقق هذا الهدف"
يمكن للمربي أن يحقق هذا الهدف ببذل الأسباب التي سنحاول استقصاءها فيما يلي:
* الإعداد لطلب العلم:
ويبدأ منذ المهد حيث يُلقّن الطفل شهادة التوحيد ويُعلّم الإجابة على الأسئلة التالية: مَن ربك؟ وما دينيك؟ ومَن نبيك؟، ثم يُعلّم قصار السور وأركان الإسلام والسيرة النبوية والمناقب والمغازي وغيرها.
كما يتعلم ويرى من والديه حب العلم والإنصات إلى أحاديث العلماء المسموعة والمقروءة، وإجلال الكتب وبخاصة الشرعي منها، واحترام أدوات العلم من ورق وأقلام وكتب، ويحبّب في المدرسة ويسمح له بزيارتها مع إخوته الأكبر سنًا ويتحاشى إخوته ذكر ما ينفّر من المدرسة كالتضجر من كثرة الدروس والواجبات وتسلط بعض المدرسين والنهوض مبكراً.
* التدريس النظامي:
الذي تحول في كثير من الدول إلى قانون ملزم، وهو مفتاح طلب العلم، ولكن يجب العناية باختيار المدرسًة ذات المستوى العلمي الراقي، والحذر من المدارس التنصيرية والبحث عن مدارس تضم أفراد صالحين.
الأمور التي ينبغي على المربي تداركها:
(1) إلحاقه بحلق التحفيظ في المساجد، أو تعيين معلم خاص له يحفظه القرآن الكريم.
(2) تعويده القراءة في الكتب وسماع الأشرطة المسموعة والمرئية، وتكوين مكتبة علمية تضم ما يناسب سنه وعقله، ويَحسُن أن تكون في غرفة الجلوس لتكون قريبة التناول، ويراعى حسن تأثيثها وجمال كتبها وتنوع موضوعاتها.
(3) حضور مجالس العلم من ندوات ومحاضرات وخطب ومواعظ في المساجد أو الأندية الثقافية أو المؤسسات.
(4) إلحاقه بالمشايخ والعلماء الذين يدرِّسون في المساجد أو البيوت، وليختر المربي أكملهم علماً وخلقاً وليتأكد من مناسبة الدروس لولده.
وبالإضافة إلى ما سبق ينبغي على المربي أن يجنب ولده المعاصي والذنوب لأنها تعمي البصيرة وكذلك التوترات والانفعالات النفسية التي تَعوق التعلم وليختر المربي أن يغرس في ولده أنَّ العلم وسيلة للعمل لا لمجرد المباهاة أو الحفظ أو الوظيفة؛ ولذا فالأولوية للعلوم الشرعية ثم ما تحتاجه الأمة من العلوم الأخرى.
تنمية المواهب الإبداعية:
تهدف التربية إلى تنمية مواهب الطفل وقدراته ثم إعداده ليكون عضواً نافعاً في المجتمع انطلاقاً من رغبته وهوايته ليبدع في مجال عمله، ويمكن اكتشاف موهبة الطفل وقدراته من خلال اللعب والأعمال الأخرى، وهذا الاكتشاف المبكر يساعد في توجيهه نحو البرامج التي تصقل قدراته.
ويجب على المربي أن يمد الطفل بالأدوات والمواد ويشجعه لكي يكتشف مواهبه الكامنة وقد دعا ابن القيم -رحمه الله- إلى النظر إلى استعداد الطفل فإن كان سريع الفهم صحيح الإدراك قويَّ الحفظ وجَّهه نحو العلم، وإن كان يحب صنعة أخرى مكّنه من أسبابها ولذا فالإلحاح على الولد ليتابع دراسته النظرية في مجال ما وهو يميل إلى تعلّم حرفة أخرى خطأ جسيم، فلا بد من إعطائه حرية الاختيار مع نصحه وإرشاده بعد المعرفة الدقيقة لقدراته وإمكانياته العقلية والبدنية.
الباب الثالث
أحكام الطفل في الإسلام:
تميزت الشريعة الإسلامية بشمولها، فكان للطفل أحكام خاصة تكفل حفظ حياته وماله وصيانة دينه وعرضه وسنعرفها بإيجاز! هذا الباب..
الفصل الأول
حكم الوأد وإسقاط الأجنة:
للطفل حقه في الحياة، ولذا كانت أول حقوقه الترغيب في كثرة الولد والوعد بمباهاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته الأمم يوم القيامة، ودعوته إلى الزواج بالولود، وأما تحديد النسل فدعوة تنصيرية تسعى إلى إضعاف المسلمين، وقد أباح العلماء استخدام مانع الحمل إذا كان القصد إعطاء الطفل حقه في الرضاعة والرعاية أو كان الحمل يعرِّض حياة المرأة للهلاك بشهادة طبيب مسلم عدل.
* ولرعاية الطفل والمحافظة على حياته شرعت عدة أحكام هي:
(1) إباحة الفطر للحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما.
(2) تأجيل إقامة الحدود والعقوبات على المرأة الحامل حتى تضع وتُرضع وتَفْطم.
(3) حماية الجنين مادام حَمْلاً في بطن أمه، فإن كان في الأشهر الأولى -أي قبل نفخ الروح- فللعلماء أقوالٌ تدور بين التحريم والكراهة، والمبيحون للإجهاض مع الكراهة تركوا ذلك لتقوى الأم وورعها "ومقتضى الورع أن يتجنب الإنسان هذه الشبهات خوفاً من التورط في الحرام".
وأما الإجهاض بعد نفخ الروح فحرام بالإجماع.
وإن أسقطته أمه أو غيرها بفعل متعمد فله حالتان:
* أن يقع حياً ثم يموت بسبب ذلك الفعل، ففي هذه الحال يجب على من تسبب في قتله الدية كاملة، وكفارة قتل النفس المؤمنة وهي عتق رقبة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين وعليه إجماع أهل العلم.
* أن يقع ميتاً بسبب ذلك الفعل، فيجب على الفاعل غرَّةُ عبد أو أمَة والكفارة كما سبق.
ولا يحل للفاعل أن يرث شيئاً من ميراثه.
(4) وجوب إخراج الجنين الحي إذا ماتت الأم ولو بعملية.
(5) وجوب دفنه فإن كان لأقل من أربعة أشهر لُفَّ في خرقة ودُفن، وأما إن كان لأكثر غُسِّل وكفِّن وصُلِّيَ عليه وسُمِّي ودُفن، وإن وُلد حيًّا ثم مات في حينه أو بعدها بقليل فيسن أن يُعَقَّ عنه.
(6) وجوب التقاط الطفل المنبوذ أو المتروك، وضمان حريته، ونفقته على بيت المال وكذلك وجوب كفالة اليتيم.
الفصل الثاني
التسمية والعقيقة وثبوت النسب:
بعد ولادة الطفل يستحب أن يؤذَّن في أذنه اليمنى، اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حين أذَّن في أذن الحسن -رضي الله عنه- فيكون التوحيد أول شيء يقرع سمعه فيهرب الشيطان عنه منذ صغره، ويسن التهنئة فيقال: بورك في الموهوب وشكَرتَ الواهبَ، وبلغ أشدّه ورُزقت بره.
ويُسن أن يذبح عنه عقيقةً يوم سابعه تفاؤلاً ببقائه وطول عمره، وهي مثل الأضحية في صفاتها إلا أنه لا يُكسر عظمها، وطبخها أفضل من توزيعها وهي نيئة، ولا يشترك فيها اثنان لعدم ورود ذلك وهذه العقيقة عن الغلام شاتان متقاربتان وعن الجارية واحدة ويجوز تأخيرها عن وقتها إذا لم يجد فتكون في الرابع عشر أو الحادي والعشرين أو بعدها.
ولهذه السنة فوائد منها:
أن الشيطان يتعلق بالطفل من لحظة خروجه إلى الدنيا ليبعده عن الفطرة فتكون العقيقة سبباً لفك رهانه من الشيطان، وفداء له من حبسه لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: { كل غلام رهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه } ويجب على المربي تسمية الطفل بالاسم المشروع، وتكون التسمية بعد الولادة مباشرة أو يوم سابعه ويجب أن يختار من الأسماء أحسنها لأن الطفل إذا وعي وكان اسمه حسناً أحب أن يتوافق عمله وخلقه مع اسمه الحسن وكره أن يكون خلاف ذلك والتسمية حق الأب ولكن استشارة أمه وإخوانه تحقِّق الألفة.
وأحب الأسماء إلى الله:
عبد اللّه وعبد الرحمن ثم كل اسم عُبِّد لله، ثم التسمي بأسماء الأنبياء والرسل، ثم بأسماء الصالحين، ثم بكل اسم مباح لم يحرمه الشارع.
ويحرم كل اسم معبد لغير الله: كعبد النبي وعبد الكعبة وغيرهما، والتسمي بأسماء الكفار ورءوسهم: كالفراعنة والجبابرة، وبما نهي عنه كالتسمي: بملك الأملاك وقاضي القضاة وحاكم الحكام، والتسمي بأسماء الشياطين كخنزب والولهان والأعور والأجدع والحباب.
والأسماء المشتملة على تزكية:
كبَرَّة وأفلحَ ويسار ونجيح وبركة ويعلى، ويلحق بها: إيمان وهدى وملاك وغيرها، ومما نهي عنه الأسماء المشتملة على معنى مكروه: كحرب وحية ومرة وحزن وعاصية وغيرها، ويكره التسمي بأسماء الملائكة.
ويَحرم اسم:
سيد ولد آدم أو سيد البشر لأن هذا للرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وأما النهي عن الجمع بين كنيته واسمه:
فقد كان في حياته، إذ بعد موته سمي أربعة من أبناء الصحابة بمحمد وكنوا بأبي القاسم ويمكن القياس على ذلك في تسمية البنات فتسمى بأسماء الصالحات من الأمم السابقة أو من الصحابيات والصالحات بعدهن: كآسية وهاجر وسارة ومريم وزوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبناته.
ويثبت للطفل نسبه بولادته لأنه يترتب على ذلك حقوق شرعية أخرى كالولاية والحضانة والرضاعة والإرث والوصية والوقف والهبَة والنفقة وغيرها مما يعد حقاً للطفل وحقاً للأبوين والإخوة والأقارب.
ويثبت النسب بولادة الطفل من أمه المتزوجة أو المعتدة بعد دخول الزوج بستة أشهر على الأقل، وإذا كان الولد مجهول النسب وادعاه رجل فيثبت له النسب بشرط أن يكون من الممكن أن يولد له ولد، وأن لا ينازعه فيه رجل آَخر، وهذه الأحكام مبسوطة في كتب الفقه.
الفصل الثالث
الميراث والنفقة
* يثبت للطفل حقوق مالية في الإسلام وهي:
(1) الميراث:
ويستحقه إذا كان موجوداً حال موت مورِّثه، ويشترط أن ينفصل عن أمه حياً بأي علامة من علامات الحياة كالعطاس أو البكاء أو الرضاع وغيرها، فإن مات بعد ذلك وَرث وَوُرِّثَ، وإن بقي حياً وكان وارثاً حفظ ماله حتى يبلغ الرشدَ، والأولى أن لا يقسم الإرث إلا بعد الوضع ليعلم هل هو ذكر أم أنثى، وهل هو واحد أو أكثر.
(2) النفقة:
وتجب للطفل وهو حمل في بطن أمه، فالمطلقة الحامل ينفق عليها حتى تضع حملها، ويستمر وجوب النفقة على الطفل حتى يبلغ الصبي ويستغني بقدرته على الكسب، وأما الجارية فلا تَسقط النفقة عليها حتى تتزوج ويدخل بها الزوج، وإذا طلقت أو ترمَّلت عادت نفقتها على وليها.
ويجب على المربي العدل في النفقة بين الأولاد، والعدل يعني أن يعطى كل واحد ما يحتاجه فالطفل الذي يدرس يحتاج إلى أدوات مدرسية بخلاف من لم يدخل المدرسة، والبالغ المحتاج إلى الزواج يزوجه أبوه ولا يعطي إخوانه مثله إلا إذا بلغوا واحتاجوا الزواج، لأن النفقة حسب الحاجة.
(3) الهِبَة:
ويشترط أن يعدل بين الأولاد في الهبة ويقسم بينهم كما قسم الله ذلك بأن للذكر مثل حظ الأنثيين، ويجوز للأب أن يعود في عطيته دون غيره.
(4) الوقف:
ينال الطفل نصيبه من الوقف إذا كان موجوداً حال تخصيص الوقف.
(5) الوصية:
تصح الوصية للطفل وهو حمل في بطن أمه بشرط أن يولد حياً وأن يكون موجوداً حال موت الموصي، وأما الوصية من الصبي فتصح إذا بلغ عشر سنين، وأما مَن له سبع سنين ففيه خلاف.
الفصل الرابع
الرضاعة:
* الرضاعة الطبيعية لها فوائد كثيرة منها:
أن حليب الأم أنسب حليب للطفل ويتناسب مع حاجاته اليومية، إضافة إلى نظافته وانضباط درجة حرارته، كما أنه مفيد للأم نفسها وله فوائده النفيسة إذ يشبع عاطفة الأمومة ويبعث في الطفل الأمان والاستقرار، وهو علاج الفزع ويجعل الطفل في المستقبل معطاء ذا ألفة ومودة، ولذا تنصح الأم التي ترضع الرضاعة الصناعية باتباع القواعد وحمل الطفل إلى صدرها وضمه بحنان.
وللرضاعة فوائدها التربوية إذ تعوِّد على الصبر لأن الرضاعة تتطلب جهدا يبذله الطفل وبعدها يدر الحليب قليلاً ثم يتدفق.
وما أجمل كلمة عمرو بن عبد اللّه -رضي الله عنهما- لامرأته: "لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها، قد عطفت عليه من الرحمة بالرحم، ولكن أرضعيه تتوخين ابتغاء ثواب الله، وأن يحيى برضاعك خلق عسى أن يوحد الله ويعبده".
الفصل الخامس
حلق الشعر والختان:
يسن أن يحلق شعر رأس المولود في اليوم السابع، ويتصدق بوزنه ورقا (فضة)، وفي ذلك تقوية للشعر وفتح لمسام الرأس ومن العلَماء من خصه بالصبي دون الجارية، ولكنه يباح لها إذا ثبتت فائدته ومن العلماء من جعله للجارية والغلام على حد سواء.
وأما الختان فهو واجب عند العلماء وسنة مؤكدة عند آخرين، ووجوبه ليس على الفور، ولكن يشترط أن يبلغ الصبي مختونًا لتصح عبادته، ويفضل أن يكون الختان في الأيام الأولى سواءً في السابع أو بعد ذلك ليكون أسرع في شفائه وأقل ألمًا، وأما الجارية والختان في حقها مستحب.
كما يستحب للجارية أن تثقب أذنها لحاجتها إلى الحلي، وأما الصبي فلا يجوز له ذلك.
الفصل السادس
الحضانة:
إن الانفصال بين الأم والطفل يؤدي إلى تفكك العلاقة وتشويهها، ويسبب اضطرابات نفسية وسلوكية عند الطفل؛ ولذا كانت الأم أحق بالطفل عند انفصال الزوجين، إذ لها حق الحضانة ما لم تتزوج، ثم أمهاتها وإن علون، ثم الأب وأمهاته ثم الجد وأمهاته، ثم الأخت من الأبوين، ثم الأخت من الأب ثم من الأم.
وتسقط حضانة الفاسق والكافر، والرقيق لعدم تفرغه، والمتزوجة من أجنبي عن الطفل.
وتستمر حضانة الطفل إلى سبع سنوات، يخير بعدها الصبي بين والديه، وأما الجارية فالمذهب عند الحنابلة أنها تكون بعد السابعة عند أبيها، وإذا بلغت فلا خلاف في انتقالها إلى والدها.
الباب الرابع
أنواع التربية ووسائلها:
تتميز التربية الإسلامية باستمرارها طيلة حياة الإنسان، ولأنها تتناسب مع عمر الإنسان، وتشمل جوانب شخصيته كان لها أشكال متعددة لا تنفصل بل تتعاون لتربي الطفل المسلم، وقبل ذلك يجب أن نذكر قاعدة جليلة أشار إليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثه: {رحم الله رجلاً أعان ولده على بره} والمراد أن لا يأمر ولده بأمر يشق عليه فيجره ذلك إلى العقوق، ولذا على المربي أن يحذر من مناداة الطفل وهو مشغول بالأكل أو يحاول النوم أو وهو مستغرق في اللعب، وقد نادى بذلك بعض المفكرين ودعا بعضهم إلى إبعاد الأشياء الثمينة القابلة للكسر فإذا تنبه الوالدان لذلك قلت أخطاء الطفل.
والتربية خمسة أنواع على النحو التالي:
الفصل الأول
أنواع التربية
للتربية خمسة أنواع على النحو التالي:
أولا التربية بالملاحظة:
تُعد هذه التربية أساساً جَسَّدَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في ملاحظته لأفراد المجتمع؛ تلك الملاحظة التي يعقبها التوجيه الرشيد، "والمقصود بالتربية بالملاحظة ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقيدي والأخلاقي، ومراقبته وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي، والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في تربيته الجسمية وتحصيله العلمي"، وهذا يعني أن الملاحظة لا بد أن تكون شاملة لجميع جوانب الشخصية.
ويجب الحذر من أن تتحول الملاحظة إلى تجسس، فمن الخطأ أن نفتش غرفة الولد المميز ونحاسبه على هفوة نجدها، لأنه لن يثق بعد ذلك بالمربي، وسيشعر أنه شخص غير موثوق به، وقد يلجأ إلى إخفاء كثير من الأشياء عند أصدقائه أو معارفه، ولم يكن هذا هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في تربيته لأبنائه وأصحابه.
كما ينبغي الحذر من التضييق على الولد ومرافقته في كل مكان وزمان، لأن الطفل وبخاصة المميز والمراهق يحب أن تثق به وتعتمد عليه، ويحب أن يكون رقيباً على نفسه، ومسئولاً عن تصرفاته، بعيداً عن رقابة المربي، فتتاح له تلك الفرصة باعتدال.
وعند التربية بالملاحظة يجد المربي الأخطاء والتقصير وعندها لابد من المداراة التي تحقق المطلوب دون إثارة أو إساءة إلى الطفل، والمداراة هي الرفق في التعليم وفي الأمر والنهي بل إن التجاهل أحياناً يُعد الأسلوب الأمثل في مواجهة تصرفات الطفل التي يستفز بها المربي، وبخاصة عندما يكون عمر الطفل بين السنة والنصف والسنة الثالثة حيث يميل الطفل إلى جذب الانتباه واستفزاز الوالدين والإخوة، فلا بد عندها من التجاهل، لأن إثارة الضجة قد تؤدي إلى تشبثه بذلك الخطأ كما أنه لا بد من التسامح أحياناً لأن المحاسبة الشديدة لها أضرارها التربوية والنفسية.
ثانياً التربية بالعادة
المبحث الأول أصول التربية بالعادة:
الأصل في التربية بالعادة حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن الصلاة، لأن التكرار الذي يدوم ثلاث سنوات كفيل بغرس العبادة حتى تصبح عادة راسخة في النفس، وكذلك إرشاد ابن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال: "وعودوهم الخير، فإن الخير عادة" وبهذا تكون التربية بالعادة ليست خاصة بالشعائر التعبدية وحدها، بل تشمل الآداب وأنماط السلوك.
المبحث الثاني كيفية التربية بالعادة:
يبدأ تكوين العادات في سن مبكرة جداً، فالطفل في شهره السادس يبتهج بتكرار الأعمال التي تسعد من حوله، وهذا التكرار يكوّن العادة، ويظل هذا التكوين حتى السابعة وعلى الأم أن تبتعد عن الدلال منذ ولادة الطفل، ففي اليوم الأول يحس الطفل بأنه محمول فيسكت، فإذا حمل دائماً صارت عادته، وكذلك إذا كانت الأم تسارع إلى حمله كلما بكى، ولتحذر الأم كذلك من إيقاظ الرضيع ليرضع لأنها بذلك تنغص عليه نومه وتعوده على طلب الطعام في الليل والاستيقاظ له وإن لم يكن الجوع شديداً، وقد تستمر هذه العادة حتى سن متأخرة، فيصعب عليه تركها.
ويخطئ بعض المربين إذ تعجبهم بعض الكلمات المحرمة على لسان الطفل فيضحكون منها، وقد تكون كلمة نابية، وقد يفرحون بسلوك غير حميد لكونه يحصل من الطفل الصغير وهذا الإعجاب يكوّن العادة من حيث لا يشعرون.
وترجع أهمية التربية بالعادة إلى أن حسن الخلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين:
(الأول): الطبع والفطرة.
(والثاني): التعود والمجاهدة، ولما كان الإنسان مجبولاً على الدين والخلق الفاضل كان تعويده عليه يرسخه ويزيده.
ولكي نعود الطفل على العبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمال والمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة وغيرها من الوسائل التربوية.
ثالثا التربية بالإشارة:
تستخدم التربية بالإشارة في بعض المواقف كأن يخطئ الطفل خطأ أمام بعض الضيوف أو في مَجْمَع كبير، أو أن يكون أول مرة يصدر منه ذلك، فعندها تصبح نظرة الغضب كافية أو الإشارة خفية باليد، لأن إيقاع العقوبة قد يجعل الطفل معانداً لأن الناس ينظرون إليه، ولأن بعض الأطفال يخجل من الناس فتكفيه الإشارة، ويستخدم كذلك مع الطفل الأديب المرهف الحس.
ويدخل ضمنه التعريض بالكلام فيقال: إن طفلاً صنع كذا وكذا وعمله عمل ذميم، ولو كرر ذلك لعاقبته، وهذا الأسلوب يحفظ كرامة الطفل ويؤدب بقية أهل البيت ممن يفعل الفعل نفسه دون علم المربي.
رابعا التربية بالموعظة وهدي السلف فيها:
تعتمد الموعظة على جانبين الأول بيان الحق وتعرية المنكر، والثاني إثارة الوجدان، فيتأثر الطفل بتصحيح الخطأ وبيان الحق وتقل أخطاؤه وأما إثارة الوجدان فتعمل عملها لأن النفس فمها استعداد للتأثر بما يُلقى إليها والموعظة تدفع الطفل إلى العمل المرغب فيه.
* ومن أنواع الموعظة:
1- الموعظة بالقصة، وكلما كان القاص ذا أسلوب متميز جذاب استطاع شد انتباه الطفل والتأثير فيه، وهو أكثر الأساليب نجاحا.
2- الموعظة بالحوار تشد الانتباه وتدفع الملل إذا كان العرض حيويًا وتتيح للمربي أن يعرف الشبهات التي تقع في نفس الطفل فيعالجها بالحكمة.
3- الموعظة بضرب المثل الذي يقرب المعنى ويعين على الفهم.
4- الموعظة بالحدث فكلما حدث شيء معين وجب على المربي أن يستغله تربوياً، كالتعليق على مشاهد الدمار الناتج عن الحروب والمجاعات ليذكر الطفل بنعم الله، ويؤثر هذا في النفس لأنه في لحظة انفعال ورقَّة فيكون لهذا التوجيه أثره البعيد.
وهدي السلف في الموعظة:
الإخلاص والمتابعة، فإن لم يكن المربي عاملاً بموعظته أو غير مخلص فيها فلن تفتح له القلوب ومن هديهم مخاطبة الطفل على قدر عقله والتلطف في مخاطبته ليكون أدعى للقبول والرسوخ في نفسه كما أنه يحسن اختيار الوقت المناسب فيراعي حالة الطفل النفسية ووقت انشراح صدره وانفراده عن الناس، وله أن يستغل وقت مرض الطفل لأنه في تلك الحال يجمع بين رقة القلب وصفاء الفطرة وأما وعظه وقت لعبه أو أمام الأباعد فلا يحقق الفائدة.
ويجب أن يحذَر المربي من كثرة الوعظ فيتخوَّل بالموعظة ويراعي الطفل حتى لا يملّ، ولأن تأثير الموعظة مؤقت فيحسن تكرارها، مع تباعد الأوقات.
يتبع إن شاء الله...