ومع هذا، ثمة موضوعات أساسية في الدعاية الصهيونية نوجزها فيما يلي:
1 ـ إشاعة الاعتذاريات الصهيونية المختلفة عن أن اليهود شعب عضوي غربي أبيض، أو شعب يهودي خالص، أو شعب اشتراكي يدافع عن حقوق الإنسان... إلخ. ولكن الموضوع الأساسي في كل هذه الاعتذاريات هو أن الجماعات اليهودية هي في واقع الأمر "أمة يهودية" واحدة لابد من جَمْع شمل أعضائها لتأسيس دولة يهـودية في فلسـطين، مع التـزام الصمـت الكامـل حيــال العـرب لتغييبـهم أو محاولـة تشـويه صـورتهم إن كـان ثمــة ضرورة لذكرهم.
2 ـ ركزت الدعاية الصهيونية في الغرب (وبخاصة في مرحلة ما قبل بلفور) على محاولة إعادة إنتاج صورة اليهودي حتى يمكن توظيفه في خدمة المشروع الصهيوني. فاليهودي إنسان لا جذور له، طفيلي يشعر بالاغتراب ما دام خارج أرض الميعاد. وهو مُضطهد بشكل دائم عبر التاريخ (ابتداءً من طَرْد اليهود بعد هَدْم الهيكل على يد تيتوس إلى إبادتهم بأعداد ضخمة على يد هتلر). هذا اليهودي يصبح الإنسان العبري، القوي، المحارب، الذي يمكنه أن يدافع عن نفسه وعن مصالح الحضارة الغربية.
3 ـ توجَّهت الدعاية الصهيونية إلى الجماعات اليهودية تُبيِّن لها أن وجودها في عالم الأغيار يتهددها (ويتهدد هويتها) بالخطر. وركَّزت الدعاية الصهيونية على دعوة ال يهود للخروج من الجيتو والهجرة إلى إسرائيل للحفاظ على خصوصيتهم وهويتهم اليهودية.
4 ـ ركزت الدعاية الصهيونية على قضية العداء الأزلي لليهود وعلى الإبادة النازية لليهود والستة ملايين يهودي، وهي تهدف من هذا إلى ابتزاز العالم الغربي وتبرير عملية اقتلاع الفلسطينيين من بلادهم، كما أنها تقوي التضامن اليهودي في الوقت نفسه.
5 ـ من الموضوعات الأساسية التي تطرحها الدعاية الصهيونية قضية البقاء، فالدولة الصهيونية ليست دولة معتدية وإنما هي تحاول الحفاظ على بقائها وأمنها وحسب. وتختلف طبيعة هذا البقاء من حقبة لأخرى وحسب موازين القوى.
6 ـ أما بالنسبة للمستوطنين الصهاينة، فقد ركزت الدعاية الصهيونية على حقوقهم التاريخية المطلقة وعلى قضية الوعي اليهودي. كما طورت الدعاية الصهيونية رؤية مزدوجة للمُستوطَن الصهيوني باعتبار أن بقاءه مهدد دائماً من قبَل العرب ولكنه قوي جداً لدرجة أنه لا يمكن أن يتهدده أحد، فهو قادر على البقاء وعلى سَحْق أعدائه وضربهم في عقر دارهم. وقد ركزت الدعاية الصهيونية على قضية التنشئة الاجتماعية حتى تضمن دَمْج المهاجرين والأجيال الجديدة في المجتمع الاستيطاني.
7 ـ وقد حاولت الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية تحويل مشاعر العداء للسامية من الفرع اليهودي إلى الفرع العربي. واستبدلت بصورة اليهودي التي سيطرت عليها صفات مثل الخيانة والبخل والعدوانية والخداع صورة على النقيض، فأصبح اليهودي: مسالماً ـ متحضراً ـ أميناً ـ ذكياً ـ صديقاً، ونجحت في ترسيخ صفات سلبية عن العربي، فقد أصبح: متخلفاً ـ بربرياً ـ جشعاً ـ عدوانياً بطبعه، وفي نهاية الأمر غائباً لا وجود له.
8 ـ تدخل الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية الموجهة للعرب في إطار الحرب النفسية التي تهدف إلى تحطيم معنويات العرب بل تحطيم الشخصية القومية العربية وغَرْس مفاهيم مثل "جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يُقهَر" و"السلام العبري". وقد أشرف على الحرب النفسية الإدارة النفسية العسكرية (التابعة للوكالة اليهودية) قبل عام 1948. فخلقت حالة من الذعر الجماعي بين السكان العرب وروجت أخبار الأوبئة الوهمية والمذابح ووزعت المنشورات واستخدمت مكبرات الصوت المحمولة على عربات مطالبة السكان بالخروج قبل 16 مايو باعتباره الوسيلة الوحيدة لتجنُّب مذبحة كبرى. وحتى حوادث العنف التي ارتكبها الصهاينة ضد العرب خُطِّطت بطريقة رشيدة جداً تراعي الجانب الدعائي، وذلك بتعمُّد ترك شهود أحياء يتمكنون من الفرار حتى يشيعوا الذعر في المناطق المجاورة.
وتشرف وزارة الدفاع وجهاز المخابرات الإسرائيلية على الأنشطة الدعائية في المناطق العربية المحتلة بعد عام 1948. ومن المؤسسات الأخرى الإذاعة الإسرائيلية من القدس التي تبث إرسالها إلى عرب فلسطين والبلاد العربية، والقسم العربي بالهستدروت. وتركز الدعاية الصهيونية الموجهة للعرب على إشاعة التقسيمات الطائفية وعلى تقويض المقاومة ضد الاحتلال.
وتعتمد الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية على مبدأ التضليل بصفة عامة. ويتم هذا لا من خلال الكذب المباشر إنما من خلال الاختصار والاعتماد على لغة الإبهام والغموض، كما يلجأ الصهاينة أحياناً للغش المصقول. وقد بيَّن أبا إيبان أن الدبلوماسية الإسرائيلية عادةً ما تختار حلاًّ للصراع العربي الإسرائيلي تعلم مسبقاً أن العرب لا يمكن أن يقبلوه، ثم تبدأ آلة الإعلام في التهليل له. وحينما يرفض العرب مثل هذا الاقتراح، فإن الصهاينة يتوجهون للعالم يعتصرهم الألم لرفض العرب اقتراحهم السلمي. ولما كانت الأهداف المتعددة تقتضي أساليب متعددة وأصواتاً متعددة فإن الدعاية الإسرائيلية توظِّف الأدوات بحيث يمكنها إصدار عدة أصوات مختلفة، فهناك صوت يساري معتدل وآخر يميني متطرف وصوت وسط يقف بين الاثنين ويُسمَح لكل الأصوات بأن تظهر فيما يشبه الجوقة على أن يصل لكل متلق الصوت الذي يحبه (ولذا يُطلَق على هذه الآلية «دبلوماسية الجوقة»). ومن الآليات الأساسية التي لجأت لها الدعاية الصهيونية اعتماد أجهزة الدعاية الإسرائيلية على محترفين في الحرب الإعلامية يعلمون أسرار المهنة قلباً وقالباً.
وتُعتبَر أهم وسائل الإعلام الإسرائيلي ما يلي:
1 ـ مراسلو وكالات الأنباء الغربية والصحف وشبكات التليفزيون في إسرائيل وجميعهم من الإسرائيليين.
2 ـ إقامة علاقات اتصال مع شخصيات وجمعيات أمنية مؤثرة، سواء عن طريق الزيارات المتبادلة أو المراسلة وتوظيف ذلك دعائياً بما يخدم أهداف إسرائيل.
3 ـ تقوم المنظمات الصهيونية في كل أنحاء العالم بنشاطات إعلامية من خلال تجنيد شخصيات ومؤسسات ومراكز إعلامية ومراكز أبحاث تُزوَّد بمطبوعات ونشرات تتحدث عن إسرائيل بالتعاون مع الملحقيات الصحفية.
4 ـ تنشط المنظمات الصهيونية لإقامة جمعيات صداقة بين إسرائيل والدول التي توجد فيها جاليات يهودية كجمعيات التضامن والصداقة (طبية ـ اقتصادية ـ حقوقية... إلخ) وتضم هذه اللجان شخصيات يهودية وأخرى غير يهودية مهمتها الدعاية لإسرائيل.
5 ـ شبكة واسعة من الدوريات الصهيونية في أنحاء العالم كافة.
وتُعتبَر إدارة الإعلام التابعة لوزارة الخارجية المشرف على تخطيط الدعاية الإسرائيلية في الخارج. وتقوم السفارات والقنصليات ومراكز الإعلام الإسرائيلية (التابعة للسفارات) وأبرزها في نيويورك وباريس وبيونس إيرس وزيورخ بتنفيذ وتوجيه العمل الدعائي. وتلعب المنظمة الصهيونية العالمية ـ كما أسلفنا ـ دوراً مهماً في نشاط الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية. وكان عام 1969 عاماً حاسماً في تاريخ الوظيفة الدعائية للمنظمة حين اتُخذ قرار بتنظيم الوكالة اليهودية والفصل بينها وبين المنظمة الصهيونية العالمية واختصاص الأخيرة بكل ما يتصل بالدعاية الدولية. وتضم المنظمة مجموعة من المكاتب والإدارات المركزية التابعة لها للإشراف على العمل الدعائي الصهيوني. ولا تَخفَى الصلة الوثيقة بين المنظمة الصهيونية ومئات المنظمات الصهيونية التي تمارس الدعاية والمنتشرة في أنحاء العالم والتي تتخذ شكل منظمات مستقلة مثل النداء اليهودي الموحَّد والصندوق الاجتماعي بفرنسا. وبالإضافة إلى مئات المنظمات التي تبدو مستقلة، تمارس العديد من المنظمات الإسرائيلية الدعاية بالخارج، ومنها فروع الأحزاب والهستدروت التي تضم إدارتين واحدة للعلاقات الخارجية وأخرى للتعاون الدولي تلعبان دوراً دعائياً بارزاً بالخارج باتجاه الجمهور العمالي والمنظمات العمالية الأجنبية.
ويرجع نجاح الدعاية الصهيونية إلى عدة عناصر:
1 ـ تعدُّد المنظمات الدعائية وتنوُّعها وضخامة عددها واعتمادها التخطيط العلمي.
2 ـ تقوم الدعاية الصهيونية بتوظيف أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب فهم يشـكلون جزءاً عضوياً داخل الجسـد الغربي (رغم اسـتقلاله النسبي)، ومن ثم تبدو الدعاية الصهيونية كما لو أنها ليست وجهة نظر دولة أجنبية وإنما تعبير عن مصالح أقلية قومية.
3 ـ غياب الدعاية العربية وفجاجتها في كثير من الأحيان.
ولكن السبب الحقيقي والأول هو أن إسرائيل دولة وظيفية أسَّسها التشكيل الحضاري والإمبريالي الغربي لتقوم على خدمته، ولذا فهي تحظى بكثير من التعاطف لأن بقاءها كقاعدة للاستعمار الغربي جزء من الإستراتيجية العسكرية والسياسية والحضارية للعالم الغربي.
المؤســسة العـسكرية الإســرائيلية وعســكرة المجتمع الإســـرائيلي
Israeli Military Establishment and Militarization of Israeli Society
المجتمعات الاستيطانية (سـواء في أمريكا الشـمالية أو في جنوب أفريقيا) مجتمعات ذات طابع عسـكري بسـبب رفض السكان الأصليين لها. وإسرائيل لا تشكِّل أيَّ استثناء من هذه القاعدة، فهي مجرد تحقُّق جزئي لنمط متكرر عام. وقد ظهرت منظمات ومؤسسات وميليشيات عسكرية قبل عام 1948 دُمجت كلها في مؤسسة واحدة، هي المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي أصبحت العمود الفقري للتجمُّع الاستيطاني الصهيوني. ويتميَّز المجتمع الإسرائيلي بصبغة عسكرية شاملة قوية، فجميع الإسرائيليين القادرين على حمل السلاح رجالاً ونساءً يؤدون الخدمة الإلزامية. وينطبق على هذا المجتمع وصف «المجتمع المسلح»، أو «الأمة المسلحة» كما يصف الإسرائيليون أنفسهم.
وتتشكَّل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من العناصر العسكرية في المجتمع الإسرائيلي، وتضم هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، والضباط المحترفين فيه، وأجهزة المخابرات المختلفة، ومعاهد الدراسات الإستراتيجية، ومختلف التنظيمات التي يمتد إليها إشراف الجيش، وأفواج الضباط السابقين المنتشرين في المناصب الإستراتيجية في مختلف أنحاء الدولة، بالإضافة لرجال الشرطة، والسياسيين الذين ارتبطت حياتهم ومواقفهم بدور الجيش. ومع هذا فمن العسير جداً تحديد حدود المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بسبب استيطانية الدولة الصهيونية ولا تاريخيتها، وبالتالي حتمية لجوئها للعنف لتنفيذ أي مخطط، لهذا نجد أن إسرائيل هي دولة تأخذ معظم الأنشطة فيها صفة مدنية/عسكرية في آن واحد. وحيث إن معظم جيشها من قوات الاحتياط يصبح من الصعب التمييز بين المدنيين والعسكريين، ويصبح في حكم المستحيل العثور على حدود فاصلة بين النخبة العسكرية والنخبة السياسية، إذ يتبادل أفراد النخبتين الأدوار ويقيمون التحالفات في الأحزاب والهستدروت والكنيست وغيرها من المنظمات.
ولا تمثل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالنسبة لإسرائيل مجرد آلة مسلحة لتحقيق أهدافها السياسية ومصالحها الحيوية، ولكنها تتغلغل في معظم أوجه الحياة السياسية، بدءاً بإقامة المستوطنات وتنظيم الهجرة إلى إسرائيل، وتحقيق التكامل بين المهاجرين إليها، وتنظيم البرامج التعليمية لأفراد الجيش، ومراقبة أجهزة الإعلام وتوجيهها،وتطوير البحث العلمي، إلى تحديد حجم الإنفاق العسكري بما يؤثر على عموم الأحوال الاقتصادية للدولة، والتأثير على مجال الصناعة وخصوصاً الصناعات الحربية والإلكترونية، ومجال القوى العاملة والتنمية الإدارية. وتقوم المؤسسة العسكرية بدور مهم في التأثير في وضع الأراضي العربية المحتلة وتحديد الأراضي التي يتم ضمها إلى إسرائيل، وطرد العرب من هذه الأراضي. ويُضاف إلى ذلك أن المؤسسة العسكرية تحتفظ بصلات وثيقة، بهدف التنسيق والمتابعة، مع معظم أجهزة الدولة مثل وزارات الخارجية والمالية والتجارة والصناعة والعمل والتربية والتعليم والشرطة والزراعة والشئون الدينية. وللمؤسسة العسكرية شبكة للعلاقات الخارجية تشمل الاتصالات من أجل الحصول على معلومات أو أسلحة، والقيام بعمليات سرية في الخارج، وتدريب أفراد من الدول النامية على القتال.
وتُشكِّل وزارة الدفاع الإسرائيلية وقمة جيش الدفاع مركزاً لقوة سياسية واقتصادية واجتماعية لا مثيل لها في العالم باستثناء بعض أنظمة الحكم الديكتاتورية العسكرية مثل جنوب إفريقيا (قبل سقوط النظام العنصري). فحجم التفاعلات التي تشترك فيها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تقدم نموذجاً خاصاً ومتميِّزاً لدور العسكريين، وهو الدور الناجم عن البُعد التاريخي للوظيفة العسكرية المصاحبة نشأة الكيان الاستيطاني الصهيوني، وهو ما جعل عسكرة المجتمع الإسرائيلي في جميع المجالات مسألة حتمية.
وسنتناول في هذا المدخل الجانبين السياسي والاقتصادي وحسب، مع علمنا بأن العسكرة عملية أكثر شمولاً وعمقاً وبنيوية.
1 ـ عسكرة النظام السياسي:
إن هيبة ونفوذ المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الإسرائيلي تنطلق من أن أهم المسائل في هذه الدولة هي مسائل الحرب والسلام، والوظيفة العسكرية للدولة تسيطر على الوجود السياسي سواء في فترات السلم نتيجة تعدُّد الوظائف التي تقوم بها، أو في فترات الحرب بسبب ضرورة حماية البقاء الذاتي للبلاد وفرض سطوتها.
ولذا نجد أن العسكريين الذين يعملون من خلال هيئة أركان عسكرية مركزية يهيمنون على التخطيط الإستراتيجي بل يحتكرونه. فهذه الهيمنـة هي التي تضـع التخطيط الإسـتراتيجي وتتخـذ الخطوات التكتيكية. وباستثناء العسكريين في الاتحاد السوفيتي السابق، يمكن أن يُقال إن الجيش الإسرائيلي هو المؤسسة العسكرية الوحيدة في العالم التي لديها سـلطة تامة تقريباً في المسـائل الإسـتراتيجية والتكتيكية. وقد تحولت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أهم مركز من مراكز القوى في إسرائيل. وازدادت أهمية هذه الوزارة في أعقاب عدوان 1967، واقترنت في الغالب بقوة أعلى منصب رسمي في إسرائيل، أي منصب رئيس الوزراء، حيث إن كثيراً من رؤساء الوزراء يأتون عن طريق وزارة الدفاع وغالباً ما يحتفظون بها إلى جانب رئاسة الوزارة. ولعل مثال ذلك بن جوريون وتَمسكه بالمنصبين طوال حياته، وكذلك بيجين ثم إسحق رابين الذي اغتيل وهو يجمع بين المنصبين.
وتُعَد العلاقات بين الثالوث (رئيس الوزراء ـ وزير الدفاع ـ رئيس الأركان) محور العلاقات المدنية العسكرية، وأي انهيار فيها يؤدي إلى نتائج مأساوية. وقد حدث ذلك مرتين في تاريخ إسرائيل عام 1954 بين شاريت ولافون وديان، وفي عام 1981 ـ 1983 بين بيجين وشارون وإيتان. وهناك دلائل تشير إلى وجود توترات في العلاقة بين المؤسسة العسكرية ونتنياهو، كما سنبين فيما بعد. ولكن التنافس غالباً ما يكون بين وزير الدفاع ورئيس الوزراء، بينما يقوم رئيس الأركان بالميل لرأي أحدهما ليقويه أمام نده.
وقد سعت الأحزاب الإسرائيلية، وبصفة خاصة بعد حرب 1967، لضم القادة العسكريين اللامعين إليها بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من الأصوات، وهكذا كانت الاتصالات تجرى مع هؤلاء القادة قبل تركهم مناصبهم. وجاء قرار الكنيست عام 1973 بإباحة اشتراك القادة العسكريين في الانتخابات ليتوج الدور السياسي للقادة العسكريين. وتُعدُّ المؤسسة العسكرية في إسرائيل مصدراً رئيسياً للتجنيد للمناصب الحكومية العليا والمناصب السياسة الحزبية حيث هذه المناصب الحزبية ممرات شبه إجبارية لتولِّي مناصب حكومية. وتؤكد الدراسات أن 10% من كبار الضباط المسرحين يتفرغون للعمل السياسي.
كما أن إدارة الوضع الأمني في المناطق المحتلة سواء بعد حرب 1967 أو بعد عملية إعادة الانتشار في أعقاب أوسلو (2) أو لمواجهة حركات المقاومة الإسلامية التي لم تضع سلاحها بعد (كحركتي حماس والجهاد الإسلامي) جعلت وزارة الدفاع والحكام العسكريين ومجموعة الاستخبارات العسكرية وقوات الشرطة في المناطق المحتلة بمنزلة حكومة عسكرية مُصغَّرة تقوم بمهام عسكرية وسياسية بارزة. وتحمل السياسة الخارجية هي الأخرى بصمة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. فرئاسة الأركان والجهاز الأمني هما الجهتان الوحيدتان اللتان تتولَّىان منذ سنوات مهمة تقويم الوضع الأمني. وكما يقول شلومو جازيت، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق، إنه لا يوجد في الجهاز المدني هيئة مشابهة لرئاسة الأركان وشعبة الاسـتخبارات قادرة على تَفحـُّص المعطيات الأمنية وبلورة الوضع القومي.
2 ـ عسكرة الاقتصاد:
اتسم المجال الاقتصادي الإسرائيلي بالنزعة العسكرية وخصوصاً بعد حرب 1967، حيث تحوَّل الإنتاج العسكري إلى الفرع الإنتاجي القائد في بنية الإنتاج والتصدير.
ويؤكد ذلك جملة من المؤشرات لعل من أهمها:
* تزايد الإنفاق العسكري من 18% عامي 1985 ـ 1986 إلى حوالي ثلث الموازنة المالية (33%) مع تزايد التزامات إسرائيل العسكرية ومع زيادة تكاليف الصناعات العسكرية وتشعُّبها (صواريخ ـ أقمار صناعية ـ أسلحة نووية).
* تزايد حجم قطاع الصناعات العسكرية (سواء قطاع الصيانة أو قطاع الإنتاج) بحيث أصبح أكبر قطاع صناعي في إسرائيل سواء استناداً لمعيار رأس المال الثابت أو اليد العاملة حيث أصبحت تمثل 40% من إجمالي الصناعة في إسرائيل.
* دخول هذا القطاع في علاقات مشاركة مع كبريات الاحتكارات الأجنبية التي تمتلك فروعاً لها في إسرائيل ومع الشركات الإسرائيلية الأخرى الأمر الذي جعل القادة العسكريين من أول المستفيدين من العمولات، بل أصبح بعضهم من كبار الرأسماليين في المجتمع الإسرائيلي.
* تطور الصادرات العسكرية المطرد وتصاعُد نسبتها في الصادرات الصناعية، وهي تحتل في الوقت الحاضر المرتبة الثالثة من جملة عائد إسرائيل من العملة الصعبة بعد الماس والسياحة.
* تسريح كبار العسكريين لا يعني ملازمتهم للمنازل في المجتمع الإسرائيلي، بل يعني تولِّيهم إدارة شركات صناعة الأسلحة أو إدارات المصارف والمؤسسات الخاصة والحكومية والهستدروتية حيث يُشكِّلون، حسب بعض التقديرات، ثلاثة أرباع مديري الفعاليات الاقتصادية على اختلاف أنواعها.
ومنــذ قيامهـا تعطي إسرائيل الأولوية للإنفاق العسكري، طبقـاً للإسـتراتيجية الإسرائيلية الهادفة إلى المحافظة على بقاء الجيش الإسرائيلي أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وهو ما يتطلب الحصول على أرقى الأسلحة المتطــورة، واستـيعاب مستجدات التكنولوجيا الحـديثة، فازداد حجــم الإنفــاق العســكري بصورة مطـردة. فقد كانت نسبة الإنفاق العسـكري من الناتج القــومي الإجمــالي أقل من 10% في مطلع الخمسينيات، ثم أخذت في التزايد مع كل حرب جديدة حتى بلغت 32.8% بعد حرب 1973، وهي أعلى نسبة في العالم، كما أن نسبة الإنفاق العسكري من الناتج القومي الإجمالي كانت أعلى من نسبته في سوريا أو في مصر، وهما البلدان اللذان تحملا العبء الأكبر في الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن من المهم ملاحظة أن الازدياد الهائل في الإنفاق العسكري الذي بدأ مباشرةً بعد حرب 1967 اعتمد في الدرجة الأولى على المساعدات الأمريكية التي لولاها لعجز الاقتصاد الإسرائيلي عن تَحمُّل أعباء هذا الإنفاق الهائل. وقد استمر معدل الإنفاق العسكري عالياً، حتى أن حكومة نتنياهو لم تف بوعودها بتخفيض الإنفاق العسكري بنحو 5 مليارات شيكل (1.6 مليار دولار) بل رفعت الإنفاق العسكري بأكثر من ملياري شيكل عام 1997، الأمر الذي يُعزِّز تمحور الدولة الصهيونية حول المؤسسة العسكرية. وقد ترافق الارتفاع الكبير في الإنفاق العسكري مع نمو صناعة السلاح التي أعطيت أولوية كبيرة كي تصبح إسرائيل مكتفية ذاتياً على صعيد التسلح، وكان أحد أسباب ذلك الحظر الفرنسي على بيع الأسلحة لإسرائيل بعد حرب 1967.
إن نمو صناعة السلاح وتطوُّرها الكبير قد أديا، أيضاً، إلى نمو ما يُسمَّى «المجمّع العسكري/الصناعي»، وذلك يعود إلى أن عدداً كبيراً من المنشآت الصناعية أصبح يعتمد اعتماداً أساسياً على العقود التي يحصل عليها من وزارة الدفاع، لذلك أصبح من مصلحة هذه المنشآت تعيين جنرالات وضباط سابقين في مراكزها القيادية. فالضباط في الجيش الإسرائيلي يتقاعدون في سن مبكرة نسبياً (40 عاماً)، الأمر الذي يُفسح لهم مجال مزاولة مهنة جديدة. ومن الطبيعي أن تكون تلك المهنة إدارة شركات صناعية تربطها علاقة بصناعة السلاح، ذلك أن لهم خبرة بالسلاح أولاً، ويستطيعون الاعتماد على علاقاتهم بالجيش ثانياً.
إن ظاهرة المجمّع العسكري/الصناعي موجودة في كل الدول الصناعية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الموضوع في إسرائيل يكتسب أهمية إضافية لأنه مكمل لظاهرة المجمّع العسكري/السياسي الموجود منذ قيام دولة إسرائيل؛ ذلك أن جنرالات الجيش الإسرائيلي يحتلون، بعد تَقاعُدهم، مراكز قيادية سياسية. فرئيس الدولة الحالي (وايزمان) كان قائداً لسلاح الجو، ورئيس الحكومة (رابين) كان رئيساً لأركان حرب الجيش، وأربعة آخرون من رؤساء الأركان (موشيه ديان ـ حاييم بار ـ بارليف ـ بيجال يادين ـ رفائيل إيتان) أصبحوا فيما بعد وزراء دفاع. وقد تركت عسكرة المجتمع الإسرائيلي ـ إضافة إلى الدور الوظيفي للدولة ـ آثارها على السياسة الخارجية للدولة،فأصبحت إسرائيل مصدراً للخبرات العسكرية والأمنية إلى مناطق تغطي مساحة شاسعة من العالم مثل دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الآسيوية وحتى بعض الدول الاشتراكية السابقة.
ورغم عسكرة المجتمع الإسرائيلي على المستويين السياسي والاقتصادي إلا أن مكانة المؤسسة العسكرية قد اهتزت قليلاً في الآونة الأخيرة. فرغم أن هذه المؤسسة تشكل وحدة متماسكة فإن العنصر الإشـكنازي هـو العنصر المهيمن فيها، هيمنته على الدولة الصهـيونية ككل. أما السفارد واليهود الشرقيون فوضعهم مترد. فرغم أن بعض اليهود الشرقيين قد تم تصعيدهم واحتلوا مناصب قيادية مهمة فإن معظم هذه المناصب القيادية تظل في يد الإشكناز بالدرجة الأولى. كما أن ثمة أبواباً خاصة تُفتَح لليهود الإشكناز والغربيين وحدهم في أسلحة بعينها مثل المخابرات والطيران وغيرها من الأجهزة الحساسة التي تفضي إلى وضع اجتماعي بارز بعد التسريح. كما أن الترقيات لا تُمنَح بيسر لغير الإشكناز والغربيين وهو ما يُعتبَر نوعاً من إغلاق أبواب الحراك الاجتماعي أمام السفارد، وهو ما يعني ترجمة التمييز العنصري لواقع طبقي، وتحوُّل المؤسسة العسكرية من بوتقة للصهر وآلية كبرى من آليات الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وقمع أهلها إلى حلبة أخرى للصراع بين السفارد والإشكناز.
وإذا كان مناخ الحرب يساعد على استمرار ومركزية المؤسسة العسكرية في حياة الإسرائيليين، فإن ظهور مؤسسات أخرى تحمل صور الريادة (جماعات المثقفين ـ الشركات ـ معامل الأبحاث ـ الجامعات) خفَّف من انفراد المؤسسة العسكرية بهذه الصورة الريادية. وأدَّت هزيمة الجيش الإسرائيلي العسكرية في أكتوبر 1973 وفي جنوب لبنان وعجزه أمام الانتفاضة، إلى اهتزاز مكانة المؤسسة العسكرية والكثير من رموزها، وضرب نظرية الأمن الإسرائيلي. وساهمت عملية التسوية الجارية للصراع العربي الإسرائيلي إلى إضعاف مكانة الجيش الإسرائيلي في الأوساط الإسرائيلية. كما أن تَصاعُد معدلات التوجُّه نحو اللذة والاستهلاك جعل كثيراً من الشباب ينصرف عن الخدمة العسكرية ويهرب منها.
وفي الآونة الأخيرة لوحظ تدهور وتأزم العلاقات بين المؤسسة العسكرية ورئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب بشكل مباشر بنيامين نتنياهو، ويعود هذا إلى سعيه لوضع إطار جديد لطبيعة الدور الذي تمارسه المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الإسرائيلي لتصبح إحدى أدوات القوة الشاملة للدولة، وليس الفاعل الأساسي فيها، بمعنى أن يصبح الجيش الإسرائيلي "قوة احتراف" وليس "قوة ضغط سياسي". وهذا الموقف يتناقض مع إعلاء نتنياهو شعار "الأمن قبل السلام" الذي يفترض زيادة دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. ولكن نتنياهو يتحرك لإحداث تغيير في جوهر النظام السياسي الإسرائيلي ليكون أقرب إلى النظام الرئاسي (إنشاء بيت أبيض إسرائيلي)، فيقوم بالتشاور مع مجموعة موالية له شخصياً، ثم يتخذ القرارات كافة دون أن يكون للمؤسسات المعنية أي دور وضمن ذلك المؤسسة العسكرية. وقد أدَّت أحداث نفق الأقصى واتفاق الخليل إلى اهتزاز ثقة الجيش في قدرة القيادة السياسية على إدارة الأمور. وعندما جاء نتنياهو إلى الحكم كان الجيش الإسرائيلي قد تكيف مع مقتضيات عملية التسوية وفق مبدأ مدريد، حيث أعاد رسم مواقع تمركزه وخطوط الاتصال في الضفة وغزة على نحو يتوافق مع عمليات إعادة الانتشار، ويعود ذلك إلى التوافق بين حزب العمل والجيش بشأن خطوات الاتفاق الأمني في الضفة وغزة والجولان.
ورغم سعي نتنياهو لمصالحة المؤسسة العسكرية بالموافقة على زيادة الإنفاق العسكري وتأكيده ضرورة الاهتمام ببناء وتطوير جيش الدفاع، إلا أنه سيستمر في سعيه لجعل الجيش الإسرائيلي يتجه نحو الاحتراف، وتهميش دوره السياسي. لكن عسكرة المجتمع الإسرائيلي لا تعني هيمنة المؤسسة العسكرية عليه وتغلغل عناصرها في الهيكل السياسي والاقتصادي للدولة الصهيونية وإنما هو أمر أكثر عمقاً. ومن يدرس الظواهر الإسرائيلية ابتداءً من النظام التعليمي وانتهاءً بأكثر الأمور تفاهة، سيُلاحظ الأبعاد العسكرية خلفها. فالبُعد الاستيطاني مرتبط تماماً بالبُعد العسكري، والهاجس الأمني (أي محاولة قمع السكان الأصليين) يسيطر على السياسة العامة في كل القطاعات، وعلى سلوك الإسرائيليين، بل على أحلامهم وأمراضهم النفسية، فالمجتمع/القلعة لابد أن يكون مجتمعاً عسكرياً يحاول أن يحتفظ بالمادة البشرية في حالة تأهب عسكري دائم، إذ يُحتِّم البقاء حسب الشروط الصهيونية قَهْر العرب.
اليهود الشــرقيون (السفارد) والنظام السياسي الإسرائيلي
Oriental Jews (Sephard) and the Israeli Political System
أسس صهاينة شرق أوربا الإشكناز الجيب الصهيوني فهم الذين قاموا بالاستيلاء على أرض فلسطين وطرد سكانها وهم الذين أعلنوا قيام الدولة الصهيونية. ولكن الدولة شيء والمجتمع الاستيطاني شيء آخر. وحتى يتم تأسيس مجتمع متكامل، كان ضرورياً ضم مادة بشرية من العمال والفلاحين الذين يقومون بالأعمال الإنتاجية لشغل قاعدة الهرم الإنتاجي. وبما أنه كان هناك أعمال استنكف الإشكناز عن القيام بها قامت الحركة الصهيونية بتهجير اليهود العرب بالوعد أحياناً وبالوعيد أحياناً أخرى ليضطلعوا بهذه المهمة. وقد نجح الصهاينة في إنجاز هذا الجزء من مخططهم، إلى حدٍّ بعيد، بسبب عمالة بعض الحكومات العربية وجهل بعضها الآخر، وبسبب الوضع المبهم للجماعات اليهودية في العالم العربي بعد تأسيس الدولة الصهيونية التي ادعت أنها دولة يهودية تتحدث باسم كل يهود العالم وتمثلهم وتدافع عن مصالحهم!
وكان اليهود الشرقيون يشكلون في أواسط القرن التاسع عشر الأغلبية الساحقة من يهود فلسطين، لكن بعد تدفُّق الهجرة اليهودية الصهيونية من دول أوربا تقلصت نسبتهم فأصبحوا أقلية (أقل من 10%) من بين مجموع السكان اليهود قبل سنة 1948. ولكن التحول في الاتجاه الآخر تم بعد قيام إسرائيل حيث هاجر عدد كبير من اليهود الشرقيين (السفارد) في موجات شعبية واسعة، فازداد عددهم بصورة سريعة، وشكلوا في أوائل السبعينيات نحو نصف سكان إسرائيل اليهود. وأكبر الطوائف الشرقية في إسرائيل هم اليهود المغاربة يليهم بالترتيب: العراقيون واليمنيون والإيرانيون. ولا يزال أبناء هذه الجماعات يحافظون، بصفة عامة، على كثير من عادات وتقاليد الأقطار التي جاءوا منها فهم يفهمون لغاتها إضافة إلى تَكلُّمهم العبرية.
وتصنف الإحصاءات الإسرائيلية السكان اليهود وفقاً لبلد الأصل (أي وفقاً لمكان ولادة الشخص ومكان ولادة أبيه) إلى ثلاث جماعات إثنية رئيسية:
1 ـ الإشكناز:
وهم المولودون في أوربا وأمريكا والمولودون في إسرائيل لآباء من مواليد أوربا وأمريكا.
2 ـ السفارد:
وهم المولودون في آسيا وأفريقيا والمولودون في إسرائيل لآباء من مواليد آسيا وأفريقيا.
3 ـ يهود أبناء البلد:
وهم يهود وُلدوا هم وآباؤهم في البلد (فلسطين المحتلة).
وقد استمر الإشكناز أغلبية حتى أوائل الستينيات بنسبة 52.1% عام 1961، ولكن في مطلع السبعينيات تفوقت عليها نسبة السفارد فصارت النسبة 44.2% من الإشكناز مقابل 47.4% من السفارد عام 1972. وبقي الأمر على ذلك حتى تدفُّق هجرة اليهود السوفييت حيث رجحت كفة الإشكناز قليلاً، كما أن اليهود المولودين في البلد (فلسطين ثم إسرائيل) ارتفعت نسبتهم حتى أصبحوا أغلبية السكان بنسبة 60.9% عام 1993. (ويعود التناقض فى الأرقام إلى الاختلاف فى طريقة التصنيف والاحصاء). وقد ظهرت أزمة التفرقة بين الإشكناز والسفارد فيما يتعلق بالتقسيم الطبقي أو التوزيع المهني، وبناء على ذلك المعيار يمكن التمييز بين خمس شرائح أو خمس جماعات تحتل درجات مختلفة في السلم الطبقي.
ويمكن ترتيب هذه الشرائح من أعلى إلى أسفل كما يلي:
1 ـ مواليد البلد الغربيون (مواليد البلد لآباء من مواليد أوربا وأمريكا).
2 ـ يليهم المهاجرون الغربيون (مواليد أوربا وأمريكا)، وتمثل هاتان الفئتان الطائفة الإشكنازية.
3 ـ أبناء البلد (مواليد البلد لآباء من مواليد البلد).
4 ـ مواليد البلد الشرقيون (مواليد البلد لآباء من مواليد آسيا وأفريقيا).
5 ـ مهاجرون شرقيون (مواليد آسيا وأفريقيا). وهاتان الفئتان الأخيرتان تمثلان السفارد.
وبذلك فإن السفارد يحتلون مؤخرة السلم الطبقي بينما يحتل الإشكناز قمته. فالتقسيم الطبقي يتأثر ببلد الأصل أكثر من تأثره بالأقدمية في البلد، وذلك لأن اليهود الغربيين سواء كانوا من مواليد البلد أو من مواليد الخارج هم أعلى طبقياً من اليهود الشرقيين سواء كانوا من مواليد البلد أو من مواليد الخارج، أما المواطنون العرب فهم يشكلون الشريحة السادسة. ومن المؤشرات التي تبرز التفاوت الاقتصادي والاجتماعي أن المدن والأحياء الفقيرة ما زال سكانها من السفارد وهي تعاني من البطالة أكثر من المعدل العام في إسرائيل. فنسبة البطالة في مدينة يوروحام في النقب (سفارد) حوالي 12.5% أي حوالي أربعة أضعاف نظيرتها في تل أبيب (إشكناز) وهي 3.5%. كما أن راتب اليهودي السفاردي يعادل 68% من راتب اليهودي الإشكنازي. ويبلغ عدد الطلاب في الجامعات من السفارد 25% فقط من المجموع العام، ونسبة من يحمل شهادة الدكتوراه من السفارد هي 18% مقابل 82% للإشكناز.
ومن جوانب التفرقة على الصعيد الثقافي أن من النادر أن تُمنَح جائزة إسرائيل في فروع المعرفة لأي سفاردي، ففي عام 1997 مُنحت الجوائز لـ 15 شخصاً ليس بينهم سفاردي واحد. فمنذ البداية رفض الإشكناز ثقافة السفارد الشرقية، وألصقوا بهم أحكاماً مسبقة سلبية، وتحفظوا على الارتباط بهم. لذلك يحتج السفارد بأن تاريخهم الذي يمتد لقرون طويلة في البلاد الشرقية لا يُدرَّس وإن دُرِّس فهو لا شيء بالنسبة إلى تاريخ الإشكناز في الكتب المقررة في المدارس التي تركز خصوصاً على تاريخ اليهود الحديث. واليهود الإشكناز كانوا يريدون تأسيس الدولة والمجتمع على النمط الأوربي العلماني ليس للدين والتقاليد مكان فيها، ولذلك عندما أُدين زعيم حزب شاس الديني إرييه درعي في فضيحة بارعون دون غيره من السياسيين الإشكناز في مايو 1997 هاجم الحركة الصهيونية (فالهجوم عليها هو هجوم على الإشكناز) قائلاً: "إن الصهيونية حركة هرطقة، تهدف إلى خلق يهودية جديدة، وهي مصممة على تدمير التوراة وتدمير ديننا وتدمير تراث اليهود السفارد".
وقال عوفادياه يوسف الزعيم الروحي للحزب مخاطباً الإشكناز: "متى تحررون أنفسكم من كره الدين وكره السفارد؟ وإلى متى تستمر معاناة السفارد؟". وتم تشبيه درعي بدريفوس، أي أن الإشكناز ـ حسب هذه الصورة المجازية ـ هم الأغيار، بل أطلق أحد الحاخامات صفة "نازي" على المدعي العام، وتم تنظيم المؤتمرات والمظاهرات احتجاجاً على القرار. ويشير كثير من السفارد إلى «الإشكي نازي» ليبينوا طبيعتهم العنصرية. وقد ظهر السفارد في الحياة السياسية الإسرائيلية في الخمسينيات حين قاموا بالمظاهرات والاحتجاجات ذات الطابع السلمي، ولكنها في السبعينيات اتسمت بشيء من العنف. وكان انتخاب السفارد لحزب الليكود (رغم وجود الإشكناز على قمته) وإيصاله إلى السلطة لأول مرة أحد أشكال الاحتجاج المهمة، لأن حزب العمل هو حزب الإشكناز بامتياز. وقد وصل الاحتجاج ذروته في الثمانينيات وهي الفترة التي تأسَّس فيها حزب شاس، حيث تصاعدت قوته الانتخابية وحصل على 10 مقاعد في انتخابات عام 1996.
يتبع إن شاء الله...