منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي    الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Emptyالإثنين 17 مارس 2014, 5:31 am

الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي 
النظام السياسي الإسرائيلي Israeli Political System
يدَّعي الصهاينة أن نظامهم السياسي نظام ديموقراطي برلماني مبني على تعدُّد الأحزاب وأنه النظام الديموقراطي الوحيد في المنطقة. وكما قال إيهود باراك أثناء زيارته للولايات المتحدة عام 1996 "إن إسرائيل واحة الديموقراطية في أحراش الشرق الأوسط"، وكما قال بنيامين نتنياهو "نحن نعيش في حي متخلف فظ" (بالإنجليزية: رف نيبر هود rough neighbourhood)" وهي عبارة في الخطاب اليومي الأمريكي تشير عادةً إلى أحياء الزنوج التي تتسـم بوجـود معـدلات جريمة وتفكك اجتماعي عالية. ولكن الشكل الديموقراطي للدولة والتعددية الحزبية إن هو إلا مجرد شكل بلا مضمون، فالديموقراطية الإسرائيلية تستبعد العرب، شأنها في هذا شأن "الديموقراطيات الاستيطانية" الأخرى في الجزائر أو جنوب أفريقيا. بل إن الديموقراطية إن هي إلا آلية من آليات الاستيطان تُستخدَم من أجل ترغيب المهاجرين وتأطيرهم واستيعابهم ضمن آلية عمل النظام. أما مسألة التمثيل النسبي فهي ضرورية لتركيز القوة في يد الأحزاب الكبيرة ثم لتمثيل القوى السياسية لضمان استمرار العمل في الإطار الصهيوني. كما يُستخدَم غياب الدستور في دعم المخططات التوسعية للدولة واستيعاب جميع الطوائف والانقسامات بين الجماعات اليهودية، علاوة على تكريس العنصرية ضد العرب. 
ولذا بدلاً من الحديث عن «النظام السياسي الإسرائيلي» باعتباره "نظاماً ديموقراطياً"، من الأجدى البحث عن أساس تصنيفي له مقدرة تفسيرية أعلى. ولذا سنشير لهذا النظام باعتباره "نظاماً سياسياً استيطانياً" تشكلت خصائصه تحت ضغط متطلبات الاستيطان في بيئة معادية (مثل الأمن وتأمين الهجرة والاستيطان والاستيعاب)، أي أن الطبيعة الاستيطانية للتجمُّع الصهيوني هي المحدد الأساسي لكل التكوينات الاجتماعية والسياسية ولاتجاه التفاعلات والعلاقات الخارجية والداخلية. 
ولعل أكثر ما يميِّز النظام السياسي الإسرائيلي هو المركزية القومية رغم الشكل الديموقراطي البرلماني، فالنظام السياسي وضع قيوداً على الديموقراطية وحدد قواعد اللعبة الديموقراطية التي لا يمكن تجاوزها، وذلك من حيث أساليب التنافس السياسي وموضوعات النقاش والفئات التي يُسمَح لها بأن تشارك فيه. وقد ركزت الحكومة المركزية في إسرائيل مصادر القوة في أيديها فاستولت على موارد اقتصادية هائلة متمثلة في تدفقات الأموال من الخارج، سواء من الحكومات الغربية أو تبرعات الدياسبورا، كما استولت على ممتلكات الفلسطينيين، وقننت الاستيلاء على أراضيهم. وتمتلك الدولة 94% من الأراضي الفلسطينية وجميع الثروات الطبيعية، وأقامت الدولة الاستيطانية نظاماً اقتصادياً مركزياً واقتصاداً مختلطاً يقوم على ثلاث قطاعات هي الحكومي والهستدروتي والخاص، وتقوم الدولة بتمـويل المشـاريع الاقتصادية بصورة مباشـرة. وتفرض الدولة سيطرتها على وسائل الإعلام والنظام التعليمي، ويخضع نظام التعليم لسيطرتها. 
وتَبرُز خصائص النظام الاستيطاني في عناصر أخرى مثل الازدواجية في علاقة النظام بالسكان حيث الانفصام الداخلي بين العلاقة مع المستوطنين والعلاقة مع السكان الأصليين. وإذا كانت العنصرية تُمارَس بشكل غير قانوني في كل المجتمعات البشرية، فالمجتمعات الاستيطانية تقنن للعنصرية وتجعلها إطاراً مرجعياً، لأن المساواة تهدد وجود النظام الاستيطاني. ولذا نجد أن مقولة «يهودي» مقولة قانونية في النظام السياسي والاجتماعي الإسرائيلي، والأرض ملكية خالصة للشعب "اليهودي"، وقانون "العودة" يسمح "لليهود" وحدهم بالعودة، وهكذا. ويتسم النظام السياسي الإسرائيلي بالاعتماد المتزايد على الراعي الإمبريالي، أي الولايات المتحدة، وهو ما يسلبه حرية القرار وكثيراً من السيادة. ومن السمات الأخرى للنظام السياسي ازدواجية المؤسسات وتعدُّد الأدوار، حيث المهام المشتركة بين العديد من أجهزة النظام وإدارته مثل الوزارات والأحزاب ودوائر المنظمة الصهيونية العالمية كدوائر الهجرة والاستيعاب والشباب والتعليم، حيث تعالج جميع مؤسسات الدولة نفس القضايا الثلاث التي تواجه المجتمع وهي: الهجرة والاستيطان والأمن. 
ومن الجدير بالذكر أن مؤسسات هذا النظام لم تكن سوى مؤسسات استيطانية تابعة للوكالة اليهودية قبل عام 1948 ثم تم تغيير أسمائها عام 1948. "فالجمعية المنتخبة" تحولت إلى "مجلس الدولة المؤقت" ثم أصبحت "الكنيست" عام 1949. و"اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية" تحولت إلى "الحكومة المؤقتة" عام 1948 ثم إلى "مجلس الوزراء"، وتحولت "الهاجاناه" إلى "جيش الدفاع الإسرائيلي". وبعد إعلان الدولة تسلمت كل وظائف الوكالة اليهودية وأدوارها ووضعت الحد بينهما، ثم تم تحديد نشاط الوكالة بواسطة قانون الوضع الخاص للوكالة اليهودية، وذلك لتحقيق استقلال الدولة عن الحركة الصهيونية العالمية وتمييزها عن المؤسسات المحلية وبخاصة الهستدروت. ونجحت الدولة الصهيونية، تحت قيادة بن جوريون، في السيطرة على المؤسسات الرئيسية مثل التنظيمات العسكرية ومكاتب العمل، وممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك في السيطرة على جهاز التعـليم واحـتكار توزيع المـوارد الماليـة التي تدفقت من الخارج. 
ويمكن القول بأن قوة الدولة في النظام السياسي الإسرائيلي تمثلت في قوة السلطة التنفيذية، وأن الدولة وضعت نفسها فوق المجتمع وكانت إلى حدٍّ كبير بعيدة عنه. فمنعت الدولة أيَّ نوع من المبادرات المحلية الجماعية أو الفردية السياسية أو الاقتصادية، فهي التي تخطط وتنفذ، وهي التي تحدد مهمات الفئات والمؤسسات والأفراد. وبناءً على سعي الدولة لاستيعاب الهجرة وتوطين المهاجرين، رفضت الاعتراف بشرعية التنظيم والاجتماع على أساس طبقي أو عرْقي إثني أو على أساس قومي حيث يتم إفشال تلك المحاولات بكل الوسائل الممكنة. وقد سيطرت على الدولة النخبة الإشكنازية من مهاجري أوربا وتحكمت في معايير توزيع الموارد وتحديد الأهداف السياسية والاقتصادية باعتبار أنها أهداف وقيم إسرائيلية عامة. وكان لزاماً على المهاجرين الجدد وخصوصاً السفارد، التكيف مع ذلك الواقع، وكان التبرير الدائم لهذا الوضع تبريراً أمنياً بسـبب حـتمية الصراع السـياسي العسـكري مع الدول العربية. ويقوم نظام الحكم في إسرائيل على ثلاثة أعمدة هي رئيس الدولة والسلطة التشريعية (الكنيست)، والسلطة التنفيذية. وسلطات رئيس الدولة محدودة، إذ ليست له سلطات تنفيذية وليس له الحق في حضور اجتماعات مجلس الوزراء ولا في الاعتراض على التشريعات التي يصدرها الكنيست، ولا يحق له مغادرة إسرائيل دون موافقة الحكومة. ومدة الرئاسة هي خمس سنوات يجوز تجديدها مرة واحدة، ولا يحق له حل الكنيست أو إقالة الحكومة. 
أما السلطة التنفيذية، ممثلة في مجلس الوزراء، فهي الجهة المخولة لتسيير شئون الدولة، واتخاذ القرارات المباشرة فيما يخص الشئون الداخلية والخارجية السياسية والاقتصادية والعسكرية، فالحكومة هي التي تصدر قرار الحرب. ورغم خضوع الحكومة نظرياً للكنيست، فإنها واقعياً هي التي تسيطر أو تملك قوة القرار لأن الحكومة هي التي تملك أغلبية برلمانية تمتلك اتخاذ قراراتها. ورئيس الوزراء يتمتع بمكانة تفوق ما يتمتع به رؤساء الحكومات في الدول الأخرى. ولعل القانون الأخير الذي تمت بموجبه انتخابات عام 1996 يمثل زيادة أخرى في قوة رئيس الوزراء حيث يتم انتخابه مباشرةً، وهو ما يجعل خلعه من منصبه مهمة مستحيلة إلا بعد إجراء انتخابات عامة جديدة، أو موافقة ثلثي أعضاء الكنيست على خلعه،وهو نصاب من الصعب جداً أن تلتقي عليه الأحزاب الممثلة في الكنيست. ومن هنا يمكن اعتبار النظام في الكيان الصهيوني نظاماً يقترب من الديكتاتورية حتى في علاقته بالمستوطنين، يحكمه زعيم الحزب صاحب الأغلبية الذي هو رئيس الحكومة بشكل آلي في ظل القانون الجديد بعد أن ينتخبه الشعب، ويُعرف الحكم باستمرار باسم رئيس الحكومة. 
ويتبع مكتب رئيس الوزراء مكتب خدمات الأمن الذي تتمثل فيه فروع الاستخبارات الرئيسية المدنية والعسكرية ويرأسه رئيس الموساد الذي يقدم تقاريره إلى رئيس الحكومة مباشرةً. والوزارات الصهيونية الأساسية هي الدفاع والمالية والخارجية. وخلافاً للدول الأخرى توجد وزارة للهجرة والاستيعاب مستحدثة منذ عام 1968 انسجاماً مع الدور الاستيــطاني للـدولة، إضافة إلى قيــام وزارات أخــرى مثــل الإســكان والدفــاع تضطلــع بتلك الأدوار الاستيطانية. وفي الواقع فإن قلة من الوزراء تشارك في صنع القرار وهم من يسمون وزراء "الصفوة" أو "مجلس الوزراء المصغر"، وهم في العادة وزراء الدفاع والمالية والخارجية إضافة إلى رئيس الوزراء. ويوجد في الحكومة العديد من الوزراء بلا حقائب لإرضاء الأحزاب الصغيرة. 
ومن أهم خصائص النظام السياسي في إسرائيل أنها دولة بدون دستور، وذلك يعود إلى عام 1948 والخلاف الذي نشب بين المعارضين والمؤيدين لوضع دستور للدولة. فرغم أن وثيقة قيام الدولة حددت موعد مطلع أكتوبر من عام 1948 كموعد أقـصى لوضع الدسـتور، فإن ذلك لم يحدث. وقد رأى مؤيدو وضع الدستور أن الدستور الدائم يعطي الكيان صفة الدولة العادية والطبيعية ويدعم استقرار نظامها السياسي، ويحول دون اغتصاب السلطة. أما معارضو الدستور فقد تراوحوا بين من يعتبر الشريعة اليهودية دستور إسرائيل الدائم مثل حزب أجودات يسرائيل، وبين من كانوا يرون الدستور قيداً على حركتهم السياسية وتطلعاتهم المستقبلية مثل بن جوريون الذي صرح بأن الدستور يجب ألا يوضع قبل هجرة من تبقَّى من يهود العالم وقبل أن تأخذ إسرائيل وضعها النهائي. وقد انتهت العاصفة في 13 يناير 1950 بقرار الكنيست أنه "يجب أن يكون لإسرائيل دستور مكتوب يوضع فيما بعد"، وهو ما يعني تأجيل المسألة إلى أجل غير مسمى. وعدم وضع دستور للكيان الصهيوني أكثر ملاءمة للقادة الصهاينة إذ يتيح لهم استصدار ما يناسبهم من قرارات، وتكييف القوانين باستمرار حسب حاجاتهم وحاجات الكيان الصهيوني بواسطة الكنيست الذي يتمتعون فيه بالأغلبية، وبالتالي يتفادون المشاكل التي تتعلق بهوية الدولة والانقسامات الداخلية المتناقضة. أما بالنسبة للجيش والمؤسسات العسكرية فهي تلعب دوراً غير عادي في حياة الكيان الصهيوني من خلال تسخير كل النشاطات الأخرى في هذا الكيان لخدمة هذه المؤسسة، بسبب الطبيعة الاستيطانية والدور الوظيفي للدولة الصهيونيـة (انظر: «المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وعسـكرة المجـتمع الإسـرائيلي»).
الديموقراطية الإسرائيلية Israeli Democracy 
النظام السياسي الإسرائيلي نظام عنصري قائم على التفرقة والتمييز بين السكان، وهو نظام نخبوي يقوم على سيطرة نخبة معينة على عملية صنع القرار، وهذه خصائص مميِّزة للنظم الاستيطانية. ولكن مؤسسات هذا النظام وشكل عملها اعتمدت على الديموقراطية الشكلية بغية توظيفها في إغراء اليهود من جميع أنحاء العالم للهجرة إلى هذا الكيان، وبخاصة يهود الغرب الذين يعيشون في ظل نظم ليبرالية، وفي خـداع الرأي العام العـالمي لكسب شرعية دولية. وقد تم تحويل المؤسسات المقامة على أساس استعماري استيطاني قبل قيام الدولة إلى مؤسسات دولة ذات شكل ديموقراطي، بينما ظل محتوى هذه المؤسسات ثابتاً من حيث الشخصيات المكونة لها. وقد خدمت صياغة مؤسسات النظام في شكل ديموقراطي عملية تأطير المهاجرين واستيعابهم ضمن آلية عمل هذا النظام دون إحداث خلل رئيسي في اتجاهاته. 
ولعل غياب دستور مكتوب يشير إلى نقائص وعيوب هيكلية في الديموقراطية الإسرائيلية، ولا تصح بالتالي المقارنة الشكلية بين النظام البريطاني والنظام الإسرائيلي في هذه الجزئية. فالنظام البريطاني له تقاليد راسخة في عملية الممارسة الديموقراطية تمتد إلى قرون عديدة على عكس النظام الإسرائيلي. ويعود عدم إقرار دستور مكتوب إلى ما سيؤدي إليه من نشوب خلافات بل انقسامات بين الفريقين العلماني والديني، أو الاختلاف حول تحديد من هو اليهودي. وفي الواقع فإن عدم وجود دستور مكتوب يعطي الحكومة والكنيست حريةكبيرة في الممارسة السياسية دون قيود دستورية على حركتها،الأمر الذي يؤدي إلى بروز مراكز قوى ونخب معينة ذات صلاحيات واسعة. 
وقد قامت بعض الحركات السياسية، وبخاصة من قبَل بعض القانونيين والأكاديميين، بالسعي من أجل وضع دستور للدولة، حيث إن وثيقة إعلان إسرائيل ليس لها قيمة دستورية أو قضائية ولا يمكن الاستناد إليها في المحاكم. وتعتبر القوانين الأساسية بمنزلة المصادر شبه الدستورية. فقد وضع الكنيست هذه القوانين الأساسية التي لا يجوز تغييرها أو إبطالها إلا بأغلبية خاصة وغير عادية، بيد أنها لم تصل إلى درجة دستور الدولة ،وهي لاتشمل نصاً صريحاً بأنه لا يجوز لأي قانون أن يناقضها. ومن أهم هذه القوانين: قانون الكنيست، وقانون رئيس الدولة، وقانون الأراضي، وقانون العودة الصادر عام 1950 الذي بموجبه يكون من حق كل يهودي في العالم المجيء إلى إسرائيل والاستقرار فيها والعمل والتملك، وكذلك قانون الجنسية الصادر عام 1952. 
ويمكن القول بأن الشكل الديموقراطي للنظام السياسي الإسرائيلي ليس سوى قشرة خارجية "لنظام نخبة" يعمل وفق آلية تتلاءم مع حاجات وأهداف هذه النخبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن استمرار إمساك هذه النخبة بكل العمليات والمؤسسات. لذلك لم يمثل هذا الشكل الديموقراطي عائقاً في سبيل مواصلة القيادة الصهيونية العمل على تحقيق أهدافها الداخلية والخارجية، ولا الانسجام مع الدور الوظيفي لهذا الكيان في خدمة الإستراتيجية الإمبريالية. فاتخاذ القرارات الرئيسية المتعلقة بأهداف الدولة الصهيونية وأمنها، مثل قرارات الحرب والسلام، تقوم به القيادة الصهيونية دون أي تأثير لمؤسسات أو أبنية ديموقراطية، إذ تحتكر تلك المهمة مجموعة محدودة وضيقة ممثلة بالأساس في رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية، بينما تنساق باقي المؤسسات وراء قرار القيادة. 
ويُلاحَظ أن نخبة النظام في إسرائيل تسيطر على النشاط الاقتصادي والمالي، وتهيمن على المؤسسة العسكرية. ودور المؤسسة العسكرية في النظام قوي جداً، وهي تحدد سلطة وسائل الإعلام في نشر الأخبار والمعلومات المتعلقة بالجيش. ويُلاحَظ أن معظم عناصر القيادة السياسية والاقتصادية سبق لها الخدمة بالجيش، فالنظام الإسرائيلي هو نظام عسكري أيضاً ذو شكل ديموقراطي. بل يمكن القول استناداً إلى عسكرة ذلك النظام وطابعه العدواني وعنصرية ومحورية العمل الدعائي فيه، بأنه نظام إرهابي قائم على استخدام العنف غير المشروع أو التهديد باستخدامه لإيجاد حالة من الخوف والرعب بقصد تحقيق التأثير أو السيطرة على فرد أو مجموعة من الأفراد أو المجتمع أو دول مجاورة بقـصد الوصول إلى هـدف معين يسعى النظام الصهيوني إليه. ويكفي في ذلك الإشارة إلى التاريخ الإرهابي للنظام الصهيوني ضد المواطنين العرب واستخدام السلاح النووي في إرهاب وتخويف الدول المجاورة. 
وتبرز طبيعة النظام السياسي الاستيطاني في إسرائيل وفي اعتماده سياسة التمييز العنصري ضد السكان الأصليين. فالتشريع السائد في النظم الاستيطانية يتحكم في نطاق المشاركة السياسية عند المنبع، بالتحكم في الشرط الجوهري فيه والمتمثل في المُواطَنة، حيث توجد قيود رئيسية تحول بين أصحاب الأرض الأصليين من العرب وتَمتُّعهم بحق المواطنة على أراضيهم. فالشكل الديموقراطي للنظام وراءه أيديولوجية استيطانية استعمارية هي الصهيونية التي تحدد حدود الدولة على نحو لا يرتبط بالرقعة الجغرافية التي تحتلها الدولة، فتعتبرها دولة اليهود، لا دولة المواطنين المقيمين فيها. فالدولة الصهيونية أداة للتعبير عن القومية اليهودية، وهو ما يعني حرمان العرب، أصحاب الأرض الأصليين، من حقوق المواطنة. وهذا ما تكرسه التشريعات والقوانين من ذلك قانون العودة عام 1950، وقانون الجنسية عام 1952، والسياسة التربوية التي وضعت عام 1953 والتي تسعى إلى "تأسيس التربية الابتدائية في دولة إسرائيل على قيم الثقافة اليهودية، واكتساب العلم، وحب الوطن، والولاء للدولة والشعب اليهودي" والسياسة المتعلقة بملكية الأرض والمبنية على استملاك اليهود للأرض وتجريد السكان الفلسطينيين من أراضيهم عبر تجميد ملكية الأراضي ومصادرة الأراضي عبر سلسلة من القوانين الجائرة لتمليكها لليهود. ولعل من أكثر الأمثلة تبلوراً ووضوحاً على التناقض الجوهري بين ادعاءات الديموقراطية والممارسات العنصرية الاستيطانية ما يحدث في الكيبوتسات (الاشتراكية).فلكي ينتمي المواطن الإسرائيلي لأي كيبوتس لابد أن يكون يهودياً لأن الكيبوتسات توجد على أرض مملوكة للدولة اليهودية ولذا على غير اليهودي الذي يود الانتماء لكيبوتس أن يتهود (حتى لو كان أعضاء الكيبوتس ملحدين). وقد طورت دار الحاخامية الرئيسية وسائل "ديموقراطية" لتسهيل عملية التهود.
وتبرز الممارسات العملية العديد من المؤشرات على طبيعة الدولة العنصرية منها أن المخصصات المالية الحكومية للمجالس المحلية اليهودية تتخطى خمسة أضعاف ميزانية المجالس المحلية العربية. كما أن المخصصات المالية لإعالة الأطفال وقروض الإسكان ونفقات الدراسة الجامعية ترتبط جميعها بالخدمة العسكرية المقصورة على المستوطنين الصهاينة اليهود. ودعم الحكومة لتكلفة المياه التي يستهلكها المزارعون اليهود يناهز مائة ضعف ما تمنحه للمزارعين العرب. وبينما تتاح للمهاجرين اليهود الجدد دروس جامعية بلغاتهم الأصلية، يُجْبَر الطلاب العرب على الدراسة باللغة العبرية، وبينما يبلغ عدد الأكاديميين في الجامعات الإسرائيلية نحو 5000 أكاديمي، فليس بينهم إلا عشرة من العرب، كما أنه لا يوجد سوى عربي واحد من مجموع 2400 شخص يحتلون مراكز إدارة في الشركات التي تملكها الحكومة، وذلك رغم أن العرب يمثلون 15.5% من السكان طبقاً للإحصاءات الإسرائيلية. وهناك تقديرات أخرى تصل بالرقم إلى مليون عربي بنسبة 18%من السكان. 
ولعل أقل الممارسات السياسية عنصرية ضد عرب 48 هو ما اقترحه أحد نواب تكتُّل الليكود في مطلع عام 1997 عن مشروع قانون يحظر على غير اليهود ترشيح أنفسهم لمنصب رئيس الحكومة وهو ما يجد معارضة من بعض اليهود لأنه عبارة عن عنصرية علنية لن يكون في إمكان إسرائيل كدولة تهتم بشكلها الديموقراطي أن تبررها للعالم. ولا يفوتنا في هذا السياق أن نشير إلى الممارسات الإرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس باتباع أساليب القتل والتعذيب حيث يجيز القانون تعذيب المعتقلين، واتباع سياسة تكسـير العظام (التي دشـنها إسحق رابين) لتُستخدَم ضد أطفال الانتفاضة. علاوة على ذلك هناك سياسة هدم المنازل ومعاقبة السكان بالحصار الاقتصادي ومنع الغذاء وأساليب الطرد والترانسفير مثل حالة المبعدين الفلسطينيين في مرج الزهور. ولكن سياسة التمييز العنصري غير قاصرة على العرب فقط بل تمتد إلى اليهود السفارد أيضاً. ويمكن القول بأن القرار في إسرائيل لا تصنعه العوامل الداخلية ومكونات النظام وآليته (نخبة النظام) فقط، بل هو محكوم بشروط ارتباط هذا الكيان بالإمبريالية العالمية ومصالحها والدور المطلوب منه في إطار إستراتيجيتها على الصعيد الإقليمي والعالمي، فوظيفة الديموقراطية الإسرائيلية الشكلية من خلال لعبة الانتخابات والتعددية الحزبية، ليست سوى احتواء المستوطنين سياسياً وضبط حركاتهم واتجاهاتهم بما ينسجم مع أهداف الحركة الصهيونية، ومع متطلبات عمل الكيان الصهيوني في كل مرحلة ومع الدور الوظيفي المناط به في خدمة الإمبريالية العالمية.
النظام الحزبي الإسرائيلي Israeli Party System 
تمتد جذور الأحزاب الإسرائيلية إلى ما قبل الإعلان عن قيام الدولة الصهيونية، فقد ظهرت هذه الأحزاب على شكل حركات ومجموعات صهيونية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وتنظمت في العقد الثالث بشكل أحزاب. ويمكن القول بأن الأحزاب الصهيونية قبل الإعلان عن قيام الدولة كانت أحزاباً فوقية، تميَّزت مفاهيمها ونشاطاتها بالتناقضات الكثيرة بسبب افتقارها لأرضية طبيعية تنمو عليها، فبعضها سعى إلى تحقيق «مجتمع اشتراكي» والآخر سعى إلى تحقيق «مجتمع يميني ليبرالي»، وكفلت الحركة الصهيونية بناء «اشتراكية كولونيالية» تقوم على تغييب العنصر العربي، وعلى توظيف الديباجات الاشتراكية في تحقيق أهداف الاستعمار الاستيطاني الإحلالي. 
ويمكننا النظر إلى الأحزاب الإسرائيلية على أنها مؤسسات استيطانية/استيعابية أسست الدولة وليست أحزاباً توجد داخل الدولة. أما الدولة فهي مجرد تعبير شكلي عن وضع استيطاني قائم بالفعل جوهره المؤسسات الاستيطانية التي تدعى أحزاباً. وتظهر استيطانية الأحزاب في علاقة الأعضاء بها وفي الوظائف التي تضطلع بها، فالحزب ليس مجرد انتماء أيديولوجي، بل هو أيضاً انتماء اقتصادي وسلالي. فللأحزاب مشروعات الإسكان الخاصة بها وشركات البناء والمراكز التعاونية والمستشفيات ونظام الضمان الصحي، كما أن لها بنوكها ومكاتب التسليف والتوظيف التابعة لها. ولعل هذا الوضع يفسر ارتباط الأعضاء بالأحزاب في إسرائيل، ويفسر أيضاً ظاهرة الانضباط والمركزية في الأحزاب الإسرائيلية. وهذه الأدوار موجودة قبل تأسيس الدولة الصهيونية، عندما كانت الأحزاب تتولَّى مباشرةً جلب اليهود وتوطينهم في فلسطين وتوفير فرص عمل وأماكن سكن لهم، ورعايتهم اجتماعياً وتثقيفهم سياسياً، ودمجهم في الحياة السياسية. وهذه الأدوار مستمرة حتى الآن رغم قيام الدولة بكثير من تلك المهام. وتختلف الأحزاب السياسية الصهيونية الإسرائيلية عن نظيرتها في البلاد الأخرى، لذا سنحاول أن نصنف هذه الأحزاب بما يتفق مع واقعها وممارستها داخل إطار المجتمع الاستيطاني، مستخدمين معيارين أساسيين.
الموقف من الاستيطان الصهيوني والموقف من علاقة الدين بالدولة:
1 ـ لعل استيطانية الكيان الصهيوني (والموقف من الفلسطينيين والعرب) هو العنصر الأساسي الذي يتحكم فيه، ولذا نجد أن التناقض الأساسي في هذا الكيان هو الصراع مع العرب وليس الصراعات الجيلية أو العرْقية أو الطبقية. وينتج عن هذا أن نظامنا التصنيفي يجب أن ينطلق من تقسيم الأحزاب الإسرائيلية في علاقتها بالتناقض الأساسي الخارجي، فهي إما أحزاب صهيونية تدافع عن الاستيطانية وتدعمها بدرجات متفاوتة من الحماس والفتور، أو أحزاب غير صهيونية ترفض الكيان الصهيوني ولديها استعداد لحسم التناقض الأساسي الذي يواجه المجتمع الإسرائيلي بطريقة مركبة رشيدة. وما يحدد يمينية ويسارية أي حزب في إسرائيل هو علاقته لا بالتناقضات الداخلية (العرْقية والطبقية) في المجتمع الإسرائيلي، وإنما علاقته بالتناقض الأساسي الخارجي. فالأحزاب الصهيونية التي تؤيد الاستيطان/الإحلالي هي أحزاب «يمينية» (إن صح التعبير) لأنها تؤيد المشروع الاستعماري الغربي وممثلته الدولة الوظيفية الصهيونية،حتى لو كان "برنامجها" الاقتصادي الذي تدافع عنه "اشتراكياً" يضمن المساواة (والاشتراكية كما بيَّنا إن هي إلا ديباجات الاقتصاد الاستيطاني). أما الأحزاب المعادية للصهيونية فهي أحزاب يمكن أن نسميها «يسارية» طالما أن لديها استعداداً للتعامل بشكل عقلاني محدد مع التناقض الأساسي الذي يتحكم في المجتمع الإسرائيلي، حتى لو كان برنامجها الاجتماعي أو العرْقي يمينياً/ليبرالياً. ولعل الحزب الشيوعي (القسم العربي) هو الحزب اليساري المعادي للصهيونية. وقد ظهرت مجموعة من الأحزاب العربية في التسعينيات ترفض صهيونية الدولة مثل الحزب الديموقراطي العربي وحزب الحركة الإسلامية. 
2 ـ الموقف من علاقة الدين بالدولة والديباجات الدينية بالمشروع الصهيوني (وقد تناولنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في الباب المعنون «أزمة الصهيونية»). 
3 ـ العنصر السلالي الإثني وهو عنصر كان قوياً في السنوات الأولى بعد إعلان الدولة ثم عاود الظهور مرة أخرى في التسعينيات، وهو عنصر فرعي بالمقارنة بالعنصرين الأول والثاني. 
انطلاقاً من هذا يمكن القول بأنه يوجد معسكران صهيونيان أساسيان: 
المعسكر اليميني (الديني والعلماني) المتشدد، والمعسكر العمالي الذي يدور في إطار الإجماع الصهيوني ويتسم بدرجة أعلى من البراجماتية تؤهله للتعامل بشكل أكثر كفاءة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع بعض الحكومات العربية. 
1 ـ معسكر اليمين الديني والعلماني: 
يرى أعضاء هذا المعسكر ضرورة الاحتفاظ بكل الأراضي المحتلة وضمها إلى إسرائيل إن عاجلاً أو آجلاً باعتبار أنها جزء من أرض إسرائيل الكبرى. ويصل البعض إلى ضرورة ترحيل السكان العرب. ويضم هذا المعسكر حزب تسومت رغم أنه في تكوينه وأهدافه الاقتصادية والاجتماعية أقرب إلى حزب العمل. 
2 ـ المعسكر العمالي: 
ويضم القوى التي ترى استحالة ضم الأراضي العربية المحتلة في ظل وجود أغلبية سكانية عربية، وتدعو إلى سلام قائم على الانسحاب من الأراضي المحتلة أو أجزاء منها، بحيث تقام كونفيدرالية أردنية ـ فلسطينية، ويضم هذا المعسكر حزب شينوي رغم أنه حزب ليبرالي في تكوينه وأهدافه. وقد أشرنا إلى «اليمين الديني» و«اليمين العلماني» وهو ما يعني أننا نصنف الأحزاب الصهيونية إلى فريقين أساسيين: الأحزاب الدينية والأحزاب العلمانية، والفرق بين الأحزاب الدينية والعلمانية ينحصر في تحديدهما مصدر القداسة، فكلا الفريقين يؤمن بقداسة التراث اليهودي،ولكن القسم الأول يُرجع القداسة للخالق بينما يسند الفريق الثاني القداسة إلى «الشعب اليهودي» نفسه. ولهذا نرى أن كل الأحزاب الصهيونية بغض النظر عن تحديدها مصدر القداسة هي أحزاب تؤمن بقدسية الشعب اليهودي وقدسية أرضه وبالعلاقة المقدَّسة بينهما. أما بالنسبة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية فهناك شبه إجماع على ضرورة قيام دولة الرفاهية واستمرار الاقتصاد المختلط المكون من ثلاثة قطاعات هي الحكومي والهستدروتي والخاص مع اختلاف في النظرة إلى الحجم والدور المرغوب فيه لكل منهم مع ميل عام لتنمية القطاع الخاص.
ومن السمات الملحوظة في النظام الحزبي الإسرائيلي اتجاهه المستمر نحو اليمين وهو أمر ملحوظ في كل النظم الاستيطانية (جنوب أفريقيا على سبيل المثال). فمن خلال الصراع المستمر مع السكان الأصليين تتساقط الديباجات الإنسانية والادعاءات الاشتراكية المراوغة التي أحضرها المستوطنون معهم من وطنهم الأصلي («المنفى»، في المصطلح الصهيوني)،وبرروا بها مواقفهم ليحل محلها الخطاب العرْقي الاستيطاني المباشر الذي يطالب بطرد السكان الأصليين أو وضعهم في معازل. وهذا الاتجاه نحو اليمين ينطبق على جميع الأحزاب، الدينية والعلمانية. وتتسم الأحزاب الإسرائيلية بأنها أحزاب ذات صبغة مركزية واضحة وأنها أحزاب أوليجاركية تحكمها قلة رغم ما يبدو من أشكال وإجراءات ديموقراطية، فهي ترتبط بمجموعة من الزعامات التاريخية أو الدينية وبها أجهزة بيروقراطية مركزية وقوية. ومع هذا يمكن القول بأن تلك الصبغة المركزية القوية قد بدأت تَخفُت نسبياً، فهناك مؤتمرات عامة دورية تقوم بانتخاب مجلس أو لجنة مركزية وزعيم للحزب، وانتخاب المكتب السياسي واللجنة التنفيذية. 
ويترك العنصران السلالي والطبقي أثراً في النظام الحزبي في إسرائيل يتفاوت في الأهمية حسب اللحظة التاريخية، ففي غياب الوعي الطبقي ومع تراجُع فعالية الأيديولوجية الصهيونية وتآكلها يزداد العنصر السلالي فعالية. وقد لوحظ عند بداية تكوين الدولة أنه كانت توجد قائمة للسفارد وأخرى لليمنيين، وكان من المتوقع أن تختفي ظاهرة الأحزاب الإثنية، وهو ما حدث بالفعل في الستينيات. ولكن لوحظ في أواخر السبعينيات أنها عاودت الظهور، وهو ما يعني فشلاً جزئياً لبوتقة الصهر الصهيونية التي كان يفترض فيها أن تقوم بصهر المهاجرين لتخرج مواطناً إسرائيلياً ينسى ماضيه الإثني وتتبدى من خلال الصفات اليهودية أو الإسرائيلية الحقة. ويرى عزمي بشارة أن عودة الأحزاب الإثنية إلى ساحة السياسة وتسامح النظام الصهيوني معها هو دليل ثقته بنفسه، فمثل هذه الأحزاب تشكل الاستثناء لا القاعدة. وهي أطروحة تستحق أن تختبر،وخصوصاً أن الأحزاب الإثنية لم تلعب دوراً مهماً في النظام السياسي الإسرائيلي من قبل انتخابات عام 1996. ومهما كان الأمر لابد أن نأخذ الانتماء الإثني في الاعتبار إذ أنه يتداخل ويتصارع مع الانتماء القومي والطبقي. ويظهر مدى اختلاط العناصر الإثنية بالعناصر الطبقية والأيديولوجية في عديد من الظواهر السياسية، فيُلاحَظ على سبيل المثال أنه حتى بداية التسعينيات كان الهاربون من الاشتراكية والمهاجرون السوفييت الإشكناز ينضمون لحزب العمل صاحب الديباجات الاشتراكية بينما ينضم المهاجرون من شرق أفريقيا إلى حزب الليكود. 
ومن أهم سمات النظام الحزبي في إسرائيل، التي لازمته منذ قيام الدولة عام 1948، التعدد الحزبي الكثير والمتطرف. فالأحزاب الإسرائيلية لا تكف عن الانقسام والاندماج وذلك لعوامل تاريخية ترتبط بدور تلك الأحزاب في تنظيم وبناء المُستوطَن الصهيوني. كما أن الولاء للقيادات والزعامات الصهيونية المختلفة في آرائها وأيديولوجيتها من أهم أسباب الانقسام. ويمكن أن نضيف إلى كل هذا النظام الانتخابي الذي يسمح بوصول الأحزاب الصغيرة للبرلمان من خلال خفض نسبة الحسم. كما يمكن تفسير كثرة الأحزاب الإسرائيلية بوجود الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية بين سفارد وإشكناز، متدينين وعلمانيين، والانقسام حول مستقبل الأراضي المحتلة والانقسام بين اليهود والعرب. ويترتب على كثرة الأحزاب وتَعدُّدها وجود حالة دائمة من الانشقاقات والاندماجات وإنشاء كتل انتخابية مختلفة، مما يؤدي إلى عجز أي حزب عن تشكيل الحكومة بمفرده وإلى ضرورة اللجوء إلى آلية الائتلاف حكومي. 
والنظام الحزبي الإسرائيلي، رغم كل هذه الانشقاقات والانقسامات، يدور بأسره داخل إطار الإجماع الصهيوني والصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة والإيمان بأن الحركة الصهيونية حركة تَحرُّر قومي لبعث القومية اليهودية وتحقيق حلم الشعب اليهودي بالعودة إلى وطنه، بكل ما يترتب على ذلك من هجرة اليهود وتهجيرهم واستيعاب المهاجرين وإفراغ إرتس يسرائيل من سكانها الأصليين. ولعل أكبر دليل على هذه الوحدة الكاملة أن جميع هذه الأحزاب الصهيونية قد أُسِّست بتشجيع من الحركة الصهيونية العالمية والمنظمة الصهيونية وتحت إشرافهما، وكل الأحزاب ممثلة في هذه المنظمة وممولة من قبَلها وكل الصراعات بينها تتم في إطار هذا الانتماء الأيديولوجي. كما أن هذه الأحزاب المتصارعة تتحالف وتتآلف داخل المؤسسات الصهيونية الاستيطانية مثل الهستدروت وداخل الائتلافات الوزارية (التي تضم أحزاباً دينية وأخرى عمالية وثالثة رأسمالية ولكنها جميعاً في نهاية الأمر صهيونية). أما الصراعات الأيديولوجية الحادة بين هذه الأحزاب فهي لا تتعدى بأية حال المستوى اللفظي ولا تحدِّد سلوك هذه الأحزاب أو ممارساتها (ربما باستثناء الصراع الديني العلماني). ولعل أكبر دليل على أحادية النظام الحزبي في إسرائيل أنه بعد تأسيس الدولة بخمسة وعشرين عاماً وبعد خوضها ثلاثة حروب لم يظهر حزب إسرائيلي جديد له أيُّ ثقل يقف ضد المؤسسة الصهيونية الحاكمة إذ لا يزال رفض الصهيونية مقصوراً على بضعة أفراد ومؤسسات صغيرة هامشية وعلى الأحزاب العربية والحزب الشيوعي (كما أسلفنا). ويُلاحَظ أنه عشية حرب 1967تلاشت الخلافات بين الأحزاب وتم تشكيل أول حكومة وحدة وطنية بين الأحزاب اليمينية والأحزاب العمالية تعبِّر عن الإجماع الصهيوني. 
وقد شهدت فترة السبعينيات والثمانينيات اتجاهاً نحو تبلور النظام الحزبي في حزبين أساسيين هما العمل والليكود. وظهور هذين الحزبين ليس مثل نظام الحزبين في إنجلترا أو الولايات المتحدة، وإنما هو تعبير عن عناصر خاصة بالمجتمع الاستيطاني الصهيوني. إضافة إلى ذلك، شهدت الفترة منذ منتصف الثمانينيات عدة تطورات مهمة برزت بصفة خاصة في انتخابات الكنيست عام 1996. ولعل أبرز تلك التطورات هي النمو المتزايد في مشاعر التطرف القومي والاتجاه نحو اليمين العلماني ممثلاً في أحزاب أقصى اليمين (تسومت وموليدت وهتحيا وجوش إيمونيم وكاخ) ومن جهة أخرى نمو اليمين الديني ممثلاً في الجماعات الأرثوذكسية وبروز الطوائف الشرقية ويمثل حزب شاس في الحياة السياسية هذين التطورين الأخيرين. ومن جهة رابعة هناك نمو في دور الأحزاب العربية وزيادة في تمثيلها في الكنيست. 
وقد كشفت انتخابات الكنيست عام 1996 عن مدى الاستقطاب الذي يسود النظام السياسي الإسرائيلي الذي بدات باعتباره كياناً ضعيفاً هشاً ومتشققاً آخذاً في الانهيار وإن كانت مستودعاته مليئة بالرؤوس النووية، فالحزبان الكبيران (العمل والليكود) مستمران في التشقق والتراجع وهو ما تدل علىه خسارة المقاعد البرلمانية، حيث قلَّ كل منهما عشرة مقاعد في انتخابات 1996 عن الانتخابات السابقة. ولذلك تخضع حكومة الليكود الحالية في إسرائيل لضغوط الأحزاب (العلمانية والدينية) اليمينية الأمر الذي يجعلها عرضة للتقلبات واحتمالات الانهيار في أية لحظة، فهي حكومة ضعيفة غير متجانسة. بل إن الانقسامات تفاقمت داخل حزب الليكود نفسه ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لحزب العمل.
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Empty
مُساهمةموضوع: اليمين العلماني Secular Right    الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Emptyالإثنين 17 مارس 2014, 5:42 am

اليمين العلماني Secular Right 
تتألف أحزاب اليمين في إسرائيل من معسكرين: معسكر اليمين العلماني ومعسكر اليمين الديني. وينقسم اليمين العلماني بدوره إلى قسمين: اليمين البراجماتي واليمين الراديكالي، ويمثل الليكود اليمين البراجماتي الذي يحتل موقعاً يمتد من الوسط إلى أقصى اليمين. أما اليمين الراديكالي فيضم حركتا تسـومت وموليـدت (وهما حركتان علمانيتان) وحركة هتحيا، وهي حركة هجين تضم عناصر دينية وقومية. كما يضم اليمين الراديكالي كلاً من جوش إيمونيم ومنظمة كاخ الصهيونية وهما حركتان أصوليتان دينيتان إثنيتان (قوميتان). ورؤية هذه الأحزاب السياسية مشوشة، شأنها في هذا شأن الحركات الشعبوية الفاشية. ومع هذا يمكن القول بأن رؤية جوش إيمونيم وكاخ تتسم بقدر من التماسك. ويدين الاتجاهان اليمينيان، البراجماتي والراديكالي، بالولاء لأرض إسرائيل ويرفضان التنازل عن أي شبر منها. ولذا فكل منهما يؤمن بضرورة التخلص من العنصر البشري الفلسطيني إما بطرده أو محاصرته وعزله. 
وتعود جذور اليمين العلماني إلى الحركة الصهيونية التصحيحية، وفكر جابوتنسكي الذي رفض الديباجات العمالية والإنسانية وطالب بإقامة الدولة الصهيونية بالقوة في كامل أرض إسرائيل وطرد الفلسطينيين. ويشكل الفكر القومي/الشوفيني ركيزة أساسية لمفاهيم المعسكر اليميني ومواقفه السياسية من القضايا الأساسية المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمنية والموقف من العرب، فالأحزاب اليمينية (الدينية والعلمانية، الراديكالية والبراجماتية) تلتقي من حيث المبدأ على الشك في الأغيار (العرب) وعلى رفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وعلى ضرورة الاستيطان اليهودي الواسع فيهـا وشـرعيته، وعلى دور إسـرائيل في المنطقة وانتمائها للغـرب وعـلاقتها العضـوية بالــولايات المتحـدة. 
وتلتقي أحزاب هذا المعسكر في توجهاتها الاقتصادية/ الاجتماعية رغم تباين الجذور الطبقية للشرائح الاجتماعية التي تشكل قاعدتها الانتخابية. فجميعها تتبنى سياسة اقتصادية اجتماعية تقوم على مبادئ الاقتصاد الرأسمالي، وعلى رفض الصراع الطبقي، وضرورة تغليب المصلحة القومية العليا على المصالح الطبقية والفئوية. وتعود أهم أسباب بروز دور اليمين العلماني في النظام السياسي الإسرائيلي إلى حرب 1967 التي بينت مقدر الأسطورة الصهيونية على فرض نفسها بالقوة على الواقع العربي، بل فسرها البعض على أنها رسالة إلهية تحمل في طياتها احتمال عودة مملكة إسرائيل التاريخية (مما يعني التقارب بين اليمينين الديني والعلـماني). كمـا أن تآكـل الديبــاجـات العمالية كان له أعمق الأثر. 
ولكن رغم هذا الاتفاق على المسلمات النهائية ثمة فارق بين اليمين البراجماتي واليمين الراديكالي، فبينما لا يشير متحدثو اليمين البراجماتي إلى هذه المسلمات بشكل صريح، لا يتردد متحدثو اليمين الراديكالي عن الإفصاح عنها. كما أن اليمين البراجماتي يدرك الحقائق والقيود السياسية واعتبارات السياسة الدولية ومصالح القوى الخارجية، ولذا فهو مستعد للجوء للخطاب الصهيوني المراوغ بل لتبني سياسات مرنة نوعاً، على الأقل من الناحية التكتيكية (مثل الدخول في مفاوضات تستمر إلى ما لا نهاية، كما صرح شامير). أما اليمين الراديكالي فيتجاهل الحقائق والقيود السـياسية، ويؤمـن بقـدرة إســرائيل على مقــاومة الضغوط الدولـية. وتُعَد كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع مصر ثم غزو لبنان واندلاع الانتفاضة أهم الأحداث التي ساعدت على تمييز اليمين البراجماتي عن اليمين الراديكالي. وإن كان لا يمكن إهمال الاعتبارات الشخصية والانتخابية. ويمكن القول بأن الأحزاب والحركات اليمينية التي ظهرت إبَّان حكم الليكود منذ 1977 كانت جميعاً جزءاً منه ثم تشكلت كأحزاب وحركات مستقلة. 
وقد نما وزن الحركات والأحزاب التي تنتمي لليمين العلماني الراديكالي بصورة كبيرة في الوقت الراهن فهي نتاج مسار طويل من التطور اكتسبت خلاله نفوذاً كبيراً مستمداً بالأساس من الدعم الذي قدمته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ حرب 1967، ولا سيما بهدف تعزيز النشاط الاستيطاني. كما أن جماعات اليهود المهاجرين من الولايات المتحدة إلى إسرائيل مثلت مصدر إمداد متجدد لها. 
وقد طوَّرت هذه الأحزاب والحركات شكلاً من الصهيونية يجمع بين الاتجاهات الدينية أو شبه الدينية والاتجاه السياسي التوسعي وتشدد على ضرورة الاحتفاظ بأرض إسرائيل التاريخية، وتكثيف الاستيطان في الأراضي المحتلة. وتدعو بعض هذه الحركات والأحزاب إلى معالجة قضية المواطنين العرب في الأراضي المحتلة عبر سياسات الترحيل (الترانسفير) المختلفة. ويمكن القول بأن كلاً من اليمين العلماني واليمين الديني يدور في إطار ما سميناه «الصهيونية الحلولية العضوية» مقابل الأحزاب الصهيونية المعتدلة التي تنطلق من إدراك حقيقة النظام العالمي الجديد وما سميناه «صهيونية عصر ما بعد الحداثة». 
اليــمين الــديني Religious Right 
تعود جذور الأحزاب الدينية إلى أوائل القرن العشرين حيث تأسست الأحزاب الدينية خارج فلسطين ثم أنشأت لها فروعاً في أعقاب موجات الهجرة إلى فلسطين أصبحت بمرور الزمن المراكز الأساسية لنشاطها. وينقسم معسكر الأحزاب الدينية في إسرائيل إلى معسكرين: الأول هو المعسكر الديني القومي أو المتدينون الصهيونيون ويمثله حزب المفدال، ومرجعه الديني هو دار الحاخامية الرئيسية. والمعسكر الثاني هو المعسكر التوراتي أو المتدينون المتشددون الذين يسمون «حريديم» أي «ورعين» ويمثله حزبا أجودات يسرائيل وديجل هتوراه (المتحدان حالياً في كتلة يهدوت هتوراه) وحزب شاس ومرجعهم الديني هو مجلس كبار علماء التوراة. وينتمي كلا المعسكرين إلى التيار الأرثوذكسي في اليهودية. ولا توجد أحزاب تمثل التيارين الإصلاحي والمحافظ في اليهودية، اللذين يشكل أتباعهما أقلية صغيرة في إسرائيل (وأغلبية في الولايات المتحدة). 
وقد اختلف موقف الطرفين من الصهيونية، فقد أكد حزبا هامزراحي وهابوعيل هامزراحي، اللذان كونا حزب المفدال، أنه حزب صهيوني ديني قومي يرفض الفكرة الصهيونية العلمانية القائلة بأن الدين موضوع شخصي مرجعه الضمير، ويرى ضرورة قيام المجتمع الاستيطاني الصهيوني والدولة الصهيونية على أساس الدين. أما التيار غير الصهيوني في الحركة الدينية الذي يمثله أجودات يسرائيل فهو يرى أن الصهيونية العلمانية هي العدو الأكبر للأمة اليهودية لأنها تضع «شعب الله المختار» على قدم المساواة مع باقي شعوب العالم في سعيها إلى إقامة وطن قومي، ولأنها تعتبر الدين مسألة خاصة مرجعها الضمير. ولهذا عارضت أجودات يسرائيل الانضمام للمؤسسات الصهيونية. ولكن مع بداية الثلاثينيات وبتأثير الهجرة انتهجت الحركة سياسة التعاون مع المؤسسات الصهيونية التي وجهت الاستيطان المنظم، وذلك لأنها اعتبرت بناء وطن قومي لليهود بمنزلة ملجأ مؤقت يقي اليهود شر كوارث المهجر. وعلى أثر ذلك انشقت مجموعة من أجودات يسرائيل عام 1933 وأسست حركة ناطوري كارتا أو حراس المدينة وعارضت هذه الحركة قيام إسرائيل ورفضت الاعتراف بها، حيث اعتبرت الصهيونية ومشروعات دولة إسرائيل أكبر كارثة أصابت الشعب اليهودي. 
وحتى مطلع الثمانينيات شكلت الأحزاب الدينية مجتمعة القوة الثالثة في الكنيست الإسرائيلي من حيث وزنها البرلماني، وعليه تراوحت قوتها التمثيلية بين 15 ـ 18 مقعداً في الانتخابات العامة كافة، وفي انتخابات 1996 صار لها 23 مقعداً في الكنيست، غير أنها نادراً ما خاضت الانتخابات متحالفة في إطار جبهة. وقد اشتركت الأحزاب الدينية في الحكم منذ تأسيس الكيان الصهيوني، سواء مجتمعة أو على إنفراد، لأن موازين القوى داخل الكنيست الإسرائيلي كانت تفرض، بصورة عامة، تحالف عدة أحزاب لتشكيل الحكومات من ناحية، كما أن الأحزاب الكبيرة كانت تحرص على عدم استبعاد التيار الديني من الحكم لضرورات تتعلق بعلاقات الدولة بالجماعات اليهودية في الخارج من ناحية أخرى. 
وتحاول الأحزاب الدينية، وضمن ذلك الأحزاب التي كانت تعارض الدولة الصهيونية، صبغ المجتمع الإسرائيلي بصبغة دينية فاقعة ومن ثم فهي تطالب بجعل اتفاقية «الوضع الراهن» قانوناً من قوانين الدولة. كما تطالب بتعديل تعريف اليهودي بحيث لا يُعَد يهودياً إلا من تهود حسب الشريعة، أي على يد حاخام أرثوذكسي، مما يعني عدم الاعتراف بالحاخامات المحافظين والإصلاحيين في إسرائيل أو حتى خارجها. وتطالب الأحزاب الدينية بمنع تمثيل المحافظين والإصلاحيين في المجالس الدينية في إسرائيل،وبسن قانون بمنع الإجهاض وآخر بمنع لحوم الخنزير ومنع استيراد لحوم أبقار غير مذبوحة وفقاً للشريعة، وتطبيق قوانين الطعام بشكل أكثر صرامة،واحترام يوم السبت باعتباره يوماً مقدَّساً لدى اليهود. ومثل هذه المطالب تعمق من حدة الصراع الديني العلماني في الدولة الصهيونية. ويمكن القول بأن الأيديولوجية الكامنة وراء أفكار كل من اليمين العلماني والديني هو ما سميناه «الصهيونية الحلولية العضوية». 
الأحزاب اليسارية Leftist Parties 
تدور كل الأحزاب الإسرائيلية في إطار الإجماع الصهيوني ولذا فهي لا علاقة لها بمجموعة القيم السياسية التي تُسمَّى «يسارية» (من إيمان بالعدالة والمساواة إلى إصرار على التخطيط). ومع هذا تستخدم الأحزاب الصهيونية العمالية ديباجات يسارية تخفي عنصرية الصهيونية البنيوية، على عكس الأحزاب اليمينية التي تستخدم ديباجات عنصرية واضحة. وحتى نميِّز الواحدة عن الأخرى نطلق على الأحزاب الصهيونية ذات الديباجات اليسارية والاشتراكية «أحزاب عمالية». 
الأحزاب العمالية Labour Parties 
إن تاريخ نشوء وتطوُّر الأحزاب العمالية الصهيونية يشير إلى أنها وصلت عبر عمليات انشقاق واتحاد متواصلة على امتداد سنوات المشروع الصهيوني إلى أشكالها التنظيمية الحالية. ويشمل التيار العمالي الحركات ثم الأحزاب الصهيونية ذات الديباجات الاشتراكية مثل بوعلي تسيون (عمال صهيون) وهابوعيل هاتسعير (العامل الفتى). وقد انتظمت حركة العمل الصهيونية في فلسطين بتأسيس أحدوت هاعفوداة عام 1919 التي شكلت مع روافد أخرى النواة الأساسية لحزب الماباي أو حزب عمال أرض إسرائيل التاريخي ثم تَجمُّع المعراخ (العمل) بعد ذلك. وفي الواقع فإن التباين بين الأحزاب العمالية كان، في بداية عهد الكيان الصهيوني، عبارة عن نهج سياسي ومنطلقات وديباجات لفظية أيديولوجية تفصل بينها هوة واسعة إلى حد ما، ولكن التطورات السياسية والفكرية، وبخاصة بين حزبي الماباي والمابام، أدَّت إلى تضييق هوة تلك الخلافات كثيراً. وترتبط التركيبة الإثنية والعرْقية لتلك الأحزاب بالجماعات اليهودية الغربية (الإشكناز) حتى الوقت الراهن، وهو ما أدَّى إلى انتهاج الدولة الإسرائيلية ومؤسساتها العامة والحزبية لسياسة التمييز الطائفي ضد اليهود الشرقيين (السفارد) ويهود العالم الإسلامي. 
وفي الوقت الراهن يندرج تحت تصنيف معسكر الأحزاب العمالية كل من حزب العمل الإسرائيلي وكتلة ميرتس التي تتألف من ثلاثة أحزاب هي شينوي ومابام وراتس. وإذا كان حزب الماباي هو واضع أُسس الدولة وسياستها تجاه العرب، فيمكن القول بأنه قد تبلور اتجاه نشيط داخل معسكر الأحزاب العمالية قاد سياسة في الصراع العربي الإسرائيلي مرتكزاً على منطق القوة وفرض الأمر الواقع، وانتهاز الفرص لتوسيع حدود الكيان الصهيوني، ثم فرض السلام على الدول المجاورة. وفيما يتصل بطبيعة الكيان الصهيوني وحدوده فقد كان هناك اختلاف بين تيارين داخل المعسكر العمالي وذلك رغم الاتفاق العام بين الأحزاب الصهيونية كافة على المبادئ الأساسية للمشروع الصهيوني. فالتيار الأول ويمثله الماباي كان يُخضع تلك المبادئ لضرورات ومتطلبات المراحل التي يمر بها المشروع الصهيوني. ولذا كان يطالب بضرورة اتباع خط براجماتي يتعامل مع الوضع المحلي والدولي بشكل يمكِّنه من تسخيرهما في كل مرحلة لخدمة المشروع؛ ولذلك فهو لم يعلن في أيِّ وقت حدود مشروعه الجغرافية والسياسية أو السكانية، ووافق على قرار التقسيم عام 1947 على أن يتم تقوية المستوطن الصهيوني وتوسيعه بعد ذلك. أما التيار الثاني فيمثله المابام وقد رفض فكرة التقسيم، وطرح فكرة الدولة ثنائية القومية بين العرب واليهود. 
ويوضح تطور موقف حزب المابام ورؤيته لطابع الدولة الإسرائيلية والموقف من القضية الفلسطينية اتجاهه نحو التقارب مع رؤية الماباي. فقد وافق المابام، في نهاية الأمر، على قرار التقسيم، وقبل أيضاً بعدم تحديد حدود الدولة. ولذلك فالنهج السائد بين الماباي والمابام هو نهج واحد، جوهره رفض تعريف الحدود السياسية، تمشياً مع النهج القائم على فرض سياسة الأمر الواقع وتنشيط الاستيطان. أما بخصوص المشكلة السكانية فقد تقبل المابام رؤية الماباي القائمة على اعتبار القضية الفلسطينية قضية لاجئين، يعتمد حلها على اتفاق سلام مع الأردن يقوم على أساس قيام دولتين هي إسرائيل من جهة ودولة أردنية فلسطينية من جهة أخرى. ولكنه مع هذا ظل مختلفاً مع الماباي بدعوته إلى عودة نسبة معينة من اللاجئين وإلى توطين الباقين في البلاد العربية. ثم تطورت رؤيته بعد حرب 1967 نحو تبنِّي رؤية حزب العمل تماماً، فتلاشت الفوارق بينهما تماماً، واتحدا في تجمُّع المعراخ عام 1969، مع محافظة المابام على حقه في التصويت في بعض القضايا المهمة بالنسبة له. 
أما على صعيد السياسة الخارجية فيوجد إجماع بين جميع الأحزاب الصهيونية على مبدأين أولهما الإيمان بحتمية الصراع مع دول الجوار العربي ومن ثم حتمية اللجوء لاستخدام القوة العسكرية. وثانيهما الاعتماد على قوى خارجية والعمل على خدمة مصالحها. ولم تواجه سياسة الانحياز للمعسكر الغربي التي اتبعها حزب المابام أية معارضة تُذكَر من جانب الأحزاب الصهيونية إلا في السنوات الخمس الأولى من قيام الكيان، حيث كان المابام يدعو إلى انتهاج سياسة عدم الانحياز بين المعسكرين، ولكن ذلك النهج لم يَدُم طويلاً، فالتحق المابام كلياً بنهج الماباي. وعلى صعيد القضايا الداخلية الاقتصادية والاجتماعية فقد حدثت تغيرات في الديباجات اليسارية نفسها نابعة من الخصوصية الصهيونية، فالديباجات اليسارية القديمة كانت تعبِّر عن الاشتراكية الديموقراطية، ولكن الآن التركيز على ما يُطلَق عليه دولة الرفاهة مع الاهتمام بحقوق الإنسان الفردية والجماعية مع الاهتمام بالتطبيقات، وقد فَقَد الهستدروت والكيبوتس الكثير من خصائصهما الاشتراكية (أي الاستيطانية الجماعية). ويتضح ذلك أكثر في حركة ميريتس التي تركز على الحقوق المدنية والسياسية وخدمات الرفاهية والالتزام بعملية التسوية ودور القطاع الخاص والسياسات الأمنية. 
البُعد الصهيوني للسياسة الخارجية الإسرائيلية 
Zionist Dimension of Israeli Foreign Policy 
وُلد المشروع الصهيوني في أوربا، استجابةً لواقع اقتصادي/ اجتماعي معيَّن عرف في التاريخ الأوربي باسم «المسألة اليهودية»، أي مشكلة الفائض البشري اليهودي، أو بعض أعضاء الجماعات اليهودية الوظيفية الذين أصبحوا بلا وظيفة. والحل الصهيوني للمسألة اليهودية هو الحل الإمبريالي لكل المشاكل، أي تصديرها إلى الشرق. وقد وجد بعض المفكرين الغربيين أن المسألة اليهودية يمكن حلها من خلال توظيفها لحل المسألة الشرقية (تقسيم الدولة العثمانية). وتقرر أن يُصدَّر أعضاء الفائض البشري اليهودي الذين لا نفع لهم في الغرب إلى الشرق، أي فلسطين، حيث يصبحون مستوطنين صهاينة نافعين يقومون على خدمة المصالح الغربية في إطار الدولة الوظيفية. وبذلك ينجح اليهود في تحقيق الانتماء إلى العالم الغربي من خلال التشكيل الإمبريالي الغربي بعد أن فشلوا في تحقيقه من خلال التشكيل الحضاري الغربي. 
ورغم أن الحل الصهيوني كان حلاً غربياً، "اكتشفه" وطوَّره بعض المفكرين الغربيين من أمثال شافتسبري وأوليفانت إلا أنه ظل حلاً ميتاً بسبب رفض المادة البشرية اليهودية المستهدفة له. ثم تبنت بعض جماعات صهيونية مثل أحباء صهيون الحل الصهيوني للمسألة اليهودية ولكنها لم تدرك حقيقة بسيطة هي أن أي مشروع في أوربا في القرن التاسع عشر كي يحقق النجاح لابد أن يصبح جزءاً من المشروع الإمبريالي الغربي. ولذا ظلت الجماعات الصهيونية في شرق أوربا هامشية مفتتة مفتقدة الاتجاه، إلى أن ظهر هرتزل (الألماني الذي يعرف الإمبريالية الغربية جيداً، على عكس يهود شرق أوربا) واكتسح الجميع. 
فبعد فترة أولية توجَّه فيها هرتزل إلى القيادات التقليدية للجماعات اليهودية (الحاخامات والأثرياء) طالباً منهمتبني المشروع الصهيوني ووضعه موضع التنفيذ ، طرح هذه الحلول التقليدية جانباً وطرح معها أوهام الانعتاق الذاتي. ثم تقدَّم إلى القوى الاستعمارية الغربية بمشروع بسيط: توقيع عقد بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية تقوم بمقتضاه المنظمة الصهيونية بتقديم اليهود، المادة البشرية المستهدفة اللازمة لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ، أي تأسيس الدولة الوظيفية، وفي مقابل هذا يقوم الغرب بالإشراف على تنفيذ هذا المشروع ودعمه ثم استمراره وبقائه. وأسس هرتزل المنظمة الصهيونية "العالمية"، وفي هذا الإطار وقَّع عقد بلفور، أول انتصار حقيقي للحركة الصهيونية. وفي هذا الإطار تحرَّك زعماء الحركة الصهيونية وسعوا إلى توفير الظروف الدولية المناسبة لتحقيق الهجرة والاستيطان في فلسطين وقيام الدولة الوظيفية. وقد تباينت جهودهم "الدبلوماسية". ولكنها كانت جميعاً في جوهرها بحثاً دائماً عن راع إمبريالي للمشروع الصهيوني وللجيب الاستيطاني. 
ويُلاحَظ أن النشاط الدبلوماسي والسياسة الخارجية الصهيونية تنفرد بكونها سابقة على قيام الدولة بل منشئة لها. وقد أسفرت هذه السياسة الخارجية عن قيام دولة إسرائيل تحقيقاً لتعهد دولي من وزير خارجية دولة استعمارية عظمى، وبمساندة انتداب دولي في فلسطين تحت إشراف الحاكم العام هربرت صمويل قررته عصبة الأمم التي كانت تهيمن عليها الدول الغربية الاستعمارية، واستناداً إلى قرار تقسيم صادر عن منظمة دولية. غير أن الوجه الآخر لأسبقية السياسة الخارجية على وجود الدولة تمثل في وجود نوع من المعضلات النابعة من خصوصية الظاهرة الصهيونية، على رأسها إشكالية تَعدُّد الفاعلين الدوليين في السياسة الخارجية بعد قيام الدولة الصهيونية وطبيعة العلاقة بين هؤلاء الفاعلين، وهي علاقة شابها الصراع والتنافس أكثر من مرة، ولعل من أكثر هذه الصراعات حدة الصراع الذي نشب بين المنظمة الصهيونية (تحت قيادة ناحوم جولدمان) وحكومة جولدا مائير في أواخر الستينيات. غير أن هذا الصراع حُسم تاريخياً لمصلحة مؤسسة الدولة. 
والواقع أن العلاقة بين الدولة والمنظمة لم تكن في جميع الأحوال علاقة إما/أو، ولم يكن منطق الدولة مختلفاً دائماً عن المنطق الصهيوني الصرف الذي تمثله المنظمة. فإسرائيل تبنت منذ نشأتها نموذج الصهيونية العمالية كإطار عام لتنظيمها السياسي والاقتصادي وقد وافقت على هذا المنظمة الصهيونية. ويمكن التمييز تاريخياً بين مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة سيادة نموذج الصهيونية العمالية حتى منتصف السبعينيات، والثانية تبدأ مع استحكام أزمة هذا النموذج وظهور الدعوة إلى تطبيع الاقتصاد الإسرائيلي، والتي كان من الطبيعي أن تنعكس على صياغة توجهات السياسة الخارجية الإسرائيلية. ففي الثلاثين عاماً الأولى بعد تأسيس الدولة، كانت السياسة الإسرائيلية تصاغ في ظل نموذج الصهيونية العمالية الذي قام بإعطاء الأولوية للاستيطان وبناء الكيان الصهيوني. 
وانعكس هذا النموذج على السياسة الخارجية الإسرائيلية في مجالين أساسيين: 
أولاً: 
غلبة المنطق الأمني الجيتوي (نسبة إلى الجيتو) على السياسة الخارجية، فإسرائيل ـ حسب هذا المنطق ـ دولة تدافع عن مصالح الغرب في المنطقة وتقوم بدور الخفير الذي يقوم بتأديب كل من تُسوِّل له نفسه (مثل القوميين العرب) أن يتمرد على الهيمنة الغربية ويبحث عن التنمية المستقلة ويحاول أن تُدار المنطقة لصالح أهلها. ويتلازم مع هذا ديباجات جيتوية تركز على الجماعة اليهودية المحاصرة في محيط الأعداء (الأغيار) وتكرس أحقية الدولة في تلقِّي تعويضات عن ضحايا اليهود باعتبارها ممثلهم الشرعي الوحيد.
ثانياً: 
تتطلب العلاقات مع المحيط العربي المعادي (في إطار المنطق الأمني الجيتوي) درجة مرتفعة من عسكرة السياسة الخارجية، بمعنى تغليب الأداة العسكرية على الأداة الدبلوماسية في تنفيذ السياسة الخارجية. وقد يكون من المفيد هنا التذكير بأن إسرائيل لم تسع في البداية إلى التفاوض مع العرب (حتى ما بعد حرب عام 1967)، وهو ما عبَّر عنه بن جوريون في مذكراته في 14 يوليه 1949 حيث ذكر أن "أبا إيبان.. لا يرى ضرورة للركض وراء السلام، لأن العرب سيطلبون ثمناً: حدوداً أو عودة لاجئين أو كليهما.. فلننتظر بضعة أعوام". فإسرائيل ـ على حد تعبير الأستاذ هيكل ـ لم تكن تريد السلام لا بالتفاوض ولا بغيره، بعد أن نجحت في إقامة الدولة حرباً، لأنها لم تكن مستعدة لدفع ثمن هذا السلام، بل كان التوسع طموحها. 
غير أنه ومنذ منتصف السبعينيات ومع الأزمة الاقتصادية التي شهدتها إسرائيل في أعقاب حرب 1973، بدأ اهتزاز نموذج الصهيونية العمالية وتعالت الأصوات منادية بتطبيع الاقتصاد الإسرائيلي، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على السياسة الخارجية الإسرائيلية، باعتبار أن هذه السياسة هي، في التحليل الأخير، دالة في مجموعة من المتغيرات المتعلقة بالقدرات الذاتية للدولة، والظروف الدولية، وإدراك النخبة الحاكمة لهذه القدرات وتلك الظروف. وتزامن ذلك مع حدوث مجموعة من المتغيرات استوجبت أن تشمل عملية إعادة النظر في نموذج الصهيونية العمالية السياسة الخارجية: فمن ناحية جاء التحدي العربي غير النظامي ليطرح التساؤل حول كفاءة الأداة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق الأمن. فإسرائيل في لبنان قامت، لأول مرة في تاريخها، بانسحاب منفرد من أراض احتلتها، والانتفاضة الفلسطينية طرحت الشكوك، في ظل عجز الجيش عن إخمادها، حول قدرة الأداة العسكرية (التي نجحت بشكل عام في مواجهة التحديات النظامية) على مواجهة التحدي غير النظامي. 
ومنذ ذلك الحين، أو قبل ذلك بقليل، بدت الدبلوماسية أكثر كفاءة في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية من الأداة العسكرية. فكان التفاوض والصلح مع مصر، وكان اتفاق مايو 1983 الذي انهار قبل أن تجف الأقـلام التي كتبته، وكان اتفاق أوسـلو، وكان الاتفـاق مع الأردن... إلخ. والمثير هنا أن هذه الاتفاقات، وبخاصة الاتفاق مع مصر، عكست انتصار منطق الدولة ودرجة من تطبيع السياسة الخارجية الإسرائيلية. فالانسحاب من سيناء، ذات الأهمية التاريخية النسبية من وجهة النظر الصهيونية، والبقاء في الجولان، بل محاولة ضمها فعلياً عام 1981 بإخضاعها للقانون الإسرائيلي، كان يعني أن الإستراتيجية هزمت الأيديولوجية، وأن منطق الدولة قادر على إزاحة منطق الأيديولوجيا إذا ما تعارضا. ومن ثم أضحت مهمة منطق الأيديولوجيا هي البحث عن صيغة للتعايش مع التطبيع الذي بدا آتياً لا محالة. 
وأخيراً فقد جاء انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم حرب الخليج التي تحولت فيها إسرائيل من رصيد إستراتيجي إلى عبء إستراتيجي على الولايات المتحدة التي اضطرت للحضور بنفسها للدفاع عن مصالحها الإستراتيجية، ليطرحا التساؤل بشأن كفاءة الدولة الوظيفية ويثيرا قدراً ضئيلاً من الشكوك حول العلاقة التعاقدية. ولعل المبادرة الإسرائيلية بطرح أفكار حول دورها في مواجهة الإرهاب والأصولية في المنطقة، والكيفية التي يمكن أن يفوز الغرب بها في "المعركة ضد الإرهاب" (عنوان أحد مؤلفات رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو) تعكس حرص النخبة على تأكيد القيمة الوظيفية لإسرائيل، في الوقت الذي بادرت فيه نفس النخبة (بل نفس السياسي) بالتحدث عن إمكانية استغناء إسرائيل عن المعونة الأمريكية، والتبشير بنجاح تطبيع الاقتصاد الإسرائيلي، بصرف النظر عن الاستحالة العملية لهذا التطبيع (انظر: «المعونة الخارجية للدولة الصهيونية الوظيفية»). 
هذه السياسات المتناقضة قد تكشف أزمة الصياغة التلفيقية التي بدأت تظهر في إسرائيل كرد فعل لأزمة نموذج الصهيونية العمالية. فهي صياغة تحاول الجمع بين ثوابت الأيديولوجية الصهيونية كما تتبدى في الخطاب الصهيوني من جهة، وبعض الممارسات السياسية وتدويل الممارسة الاقتصادية من جهة أخرى. غير أنها تصطدم عند التطبيق بالتناقضات بين الأجندة السياسية الأيديولوجية المتشددة والمناخ الملائم لعملية تطبيع الاقتصاد الإسرائيلي، الأمر الذي يقتضي البحث عن صياغة أكثر تركيباً وتلفيقاً على مستوى السياسة الخارجية، صياغة تجمع بين الخطاب التطبيعي المطمئن للمستثمرين والدافع للتعاون الإقليمي، والممارسة الصهيونية التي تكرس أمراً واقعاً يضع حدوداً صارمة على هذا التطبيع بحيث لا يتجاوز بأية حال حدود الخطاب الأيديولوجي إلى التضحية بمكتسبات الأرض. 
وتبلورت هذه الصياغة من خلال التفسير الإسرائيلي لمبدأ الأرض مقابل السلام. فهذا المبدأ في صورته الأصلية يشكل معادلة غير متكافئة الأطراف. فالأرض كيان ملموس والسلام معنوي بالأساس. ويستطيع طرف مثلاً أن يحصل على نصف الأرض أو ربعها، ولكن كيف يمكن أن يحصل الطرف الآخر بالمقابل على نصف السلام أو ربعه؟ وجاء الحل التلفيقي ليقلب المعادلة: فالأرض اتخذت شكلاً أكثر تجريداً، بحيث يطرح التساؤل حول الانسحاب من "أرض" أم من "الأرض"؟ وتُقسَّم الأرض إلى مناطق تخضع لترتيب مؤقت وأخرى لا تُناقَش إلا مع ترتيبات الحل النهائي، ويقسم الانسحاب من الأرض إلى إعادة انتشار ثم تفاوض (ومن المثير أن مناحم بيجين حين كان وزيراً للدولة في وزارة الحرب اعترض على مبادرة روجرز لتضمنها كلمة "انسحاب" مطالباً باستبدالها بتعبير "إعادة تمركز القوات"... إلخ). أما السلام فيتحول إلى مرادف لعلاقات اقتصادية تفضيلية وتعاون إقليمي، وليس مجرد علاقات عادية أو طبيعية، وتُعقَد مؤتمرات وتنبثق لجان للتجارة والسياحة ومجلس للأعمال ومشروع لبنك إقليمي... إلخ، وتُدار هذه التطورات بغض النظر عن التطورات على الأرض! 
وغني عن البيان أن هذه الصياغة ـ بقلبها للمعادلة ـ تبث الحياة مرة أخرى في نموذج الصهيونية العمالية، ليتعايش من جديد منطق الدولة ومنطق الأيديولوجيا، بحيث ترسم الأيديولوجيا حدود التطبيع السياسي الذي تقتضيه ضرورات منطق الدولة والتطبيع الاقتصادي. أما عن قابلية هذه الصياغة للاستمرار، وخصوصاً في ضوء الصعوبات التي تواجهها عملية تطبيع الاقتصاد الإسرائيلي، فإنها مرهونة بتحركات الأطراف الأخرى في التفاعل الإقليمي، حيث تصبح هذه الأطراف وحدها القادرة، على الأقل برفضها قلب المعادلة الحاكمة للتفاوض، على كشف هشاشة هذه الصياغة واحتدام أزمة الدولة ليس فقط على المستوى الاقتصادي وإنما أيضاً على مستوى السلوك الخارجي.
الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية Zioinst-Israeli Propaganda 
يُقصَد بالدعاية نشاط يهدف إلى التأثير في الآخرين لدفعهم لاتخاذ مواقف ما كانوا ليتخذوها لولا هذا التأثير. ويتصل بالدعاية مجموعة من المفاهيم الأخرى مثل الاتصال والإعلام والحرب النفسية. والدعاية الصهيونية/الإسرائيلية تشكل أحد المرتكزات الثلاثة التي تقوم عليها إستراتيجية المُستوطَن الصهيوني (الصراع المسلح ـ التخطيط الدعائي المنظم ـ الدبلوماسية النشيطة). والعلاقة بين هذه المرتكزات متداخلة، فأي منها يُعدُّ للآخر ويتابعه، فالدعاية تمهد للصراع المسلح وتلاحقه، ثم تأتي الدبلوماسية لتؤكد ما حققه كل منهما. ولا يمكننا الحديث عن دعاية إسرائيل (الدولة) بشكل منفصل عن الدعاية الصهيونية، فالعلاقة بينهما أكثر من تاريخية، فرغم وجود منظمات مستقلة خاصة بكل منهما فإن الدعاية الإسرائيلية هي بالأساس صهيونية، كما أن نشاط الدعاية الصهيونية هو بالأساس لحساب إسرائيل، ويتضح هذا التداخل القريب من الاندماج ليس فقط على مستوى المنطق الدعائي بل في تداخُل وتعاون أنشطتهما التي تأخذ أحياناً شكل مؤسسات ومنظمات مشتركة، ولذا سنتحدث عن دعاية صهيونية/إسرائيلية. تنطلق الدعاية الصهيونية من الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة (شعب عضوي منبوذ ـ يُنقَل من الغرب إلى الشرق ـ ليتحول من عنصر طفيلي إلى عنصر نافع يقوم على خدمة المصالح الغربية في إطار الدولة الوظيفية ويقوم بتجنيد يهود العالم وراء الدولة الغربية الراعية). 
وهذا يعني ضرورة التوجه إلى عدة قوى وضرورة تطوير مستويات مختلفة من الخطاب الدعائي. 
1 ـ يجب أن يتوجه الإعلام الصهيوني بالدرجة الأولى إلى الدولة الإمبريالية الراعية في غرب أوربا وأمريكا الشمالية التي ستقوم بدَعْم المشروع الصهيوني وتوفير موطئ قدم له مقابل أن تقوم الدولة الصهيونية على خدمة الدولة الراعية والدفاع عن مصالحها. 
2 ـ يجب أن يتوجه الإعلام الصهيوني إلى المادة البشرية المُستهدَفة (أي اليهود ) لتجنيدهم لخدمة المشروع الصهيوني الوظيفي. 
3 ـ يجب أن يتوجه الإعلام الصهيوني للمستوطنين الصهاينة حتى يمكنهم الاستمرار في حالة الحرب المستمرة التي فرضها عليهم المشروع الصهيوني. 
4 ـ يجب أن يتوجه الإعلام الصهيوني إلى المادة البشرية الأخرى المُستهدَفة والتي لا يرد أي ذكر لها، أي عرب فلسطين والعرب ككل، وذلك حتى يمكن هزيمتـهم نفسـياً وإخفـاء عمليات القمـع ضـدهم أو تبريرها. 
5 ـ يجب أن يتوجه الإعلام الصهيوني إلى شعوب آسيا وأفريقيا والعالم بأسره لتبرير المشروع الصهيوني. 
ومن الواضح أن الوظيفة الدعائية عنصر مشترك في أداء زعماء الحركة الصهيونية. فهرتزل كتب كتابه الأرض القديمة الجديدة بهذا الهدف. وكان جابوتنسكي ينتقل من جنوب أفريقيا إلى أمريكا الشمالية للسبب نفسه. وكان وايزمان أحد زعماء الحركة الصهيونية وأول رئيس لإسرائيل يقول: "يجب أن نبني أعمالنا على أوسع مجال من عطف الرأي العام". وقد لعب زعماء الدولة الصهيونية وقيادتها دوراً مماثلاً. وتظهر وظيفية الدعاية الصهيونية في تَلوُّنها السريع، ففي مرحلة ما قبل بلفور، على سبيل المثال، كانت الدعاية الصهيونية تركز على حاجة اليهود لوطن قومي في أي مكان في العالم. ومع تحدُّد الإستراتيجية الإمبريالية البريطانية، ومع قرار تقسيم الدولة العثمانية، أصبحت فلسـطين، وفلسـطين وحدهـا، البلـد الذي يمكن أن يعيـش فيه اليهود. 
ويختلف الخط الإعلامي الصهيوني في ألمانيا النازية عنه في أوساط المثقفين الاشتراكيين أو في أوساط الرأسماليين الأمريكيين. ولعل هذه الصفة الحربائية (التي تدل على الكفاءة) تظهر أكثر ما تظهر في الدعاية الصهيونية الموجهة للعرب. فقبل عام 1948، كان الحديث عن ضرورة اقتسام فلسطين مع العرب. ولكن هذا الحديث يختفي تماماً بعد ذلك التاريخ، بل إن الدعوة إلى التقسيم أصبحت تطرفاً وإرهاباً وتهديداً للبقاء اليهودي. ومع هذا، يُلاحَظ أن الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية اتخذت، حتى عام 1956، موقف الدفاع عن الذات اليهودية وعن الدولة اليهودية، ويتمثل هذا في عدم تشويه الطابع القومي العربي، بل لا تتردد هذه الدعاية في تذكير العرب بالأصل المشترك مع اليهود. أما بعد حرب 1956، فقد انتقلت الدعاية إلى موقع الهجوم بتشويه الطابع القومي للعرب وتضخيم فضل العنصر اليهودي على العالم. وفي مرحلة 1967، انتقلت هذه الدعاية إلى أسلوب الاستفزاز بتأليه الطابع اليهودي والحديث عن السلام العبري وضرورة فرضه على المنطقة، والإلحاح على إسرائيل كدولة وظيفية قـادرة قوية وكـذراع للمصالح الغربية بالمنطقة ضد القومية العربيـة. 
وفي المرحلة الممتدة من كامب ديفيد إلى أوسلو التي واكبت سقوط الاتحاد السوفيتي وتقهقُر القومية العربية وظهور منظمتي حماس والجهاد الإسلامي، بدأت إسرائيل تتبنى منطقاً إعلامياً جديداً وهو الدفاع عن النظام العالمي الجديد وتأكيد الروابط الاقتصادية بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط (الدول العربية سابقاً) والهجوم على الحركات الإسلامية وإعادة إنتاج صـورة الإسـرائيلي باعتبـاره خبـيراً اقتصادياً مرناً متفاهماً، وباعتباره فنياً لا يكترث كثيراً بالأبعاد الأيديولوجية، بعد أن كان مقاتلاً في جيش ذي ذراع طويلة تمتد لتصل إلى الجميع. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Empty
مُساهمةموضوع: موضوعات أساسية في الدعاية الصهيونية    الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Emptyالإثنين 17 مارس 2014, 5:59 am

ومع هذا، ثمة موضوعات أساسية في الدعاية الصهيونية نوجزها فيما يلي: 
1 ـ إشاعة الاعتذاريات الصهيونية المختلفة عن أن اليهود شعب عضوي غربي أبيض، أو شعب يهودي خالص، أو شعب اشتراكي يدافع عن حقوق الإنسان... إلخ. ولكن الموضوع الأساسي في كل هذه الاعتذاريات هو أن الجماعات اليهودية هي في واقع الأمر "أمة يهودية" واحدة لابد من جَمْع شمل أعضائها لتأسيس دولة يهـودية في فلسـطين، مع التـزام الصمـت الكامـل حيــال العـرب لتغييبـهم أو محاولـة تشـويه صـورتهم إن كـان ثمــة ضرورة لذكرهم. 
2 ـ ركزت الدعاية الصهيونية في الغرب (وبخاصة في مرحلة ما قبل بلفور) على محاولة إعادة إنتاج صورة اليهودي حتى يمكن توظيفه في خدمة المشروع الصهيوني. فاليهودي إنسان لا جذور له، طفيلي يشعر بالاغتراب ما دام خارج أرض الميعاد. وهو مُضطهد بشكل دائم عبر التاريخ (ابتداءً من طَرْد اليهود بعد هَدْم الهيكل على يد تيتوس إلى إبادتهم بأعداد ضخمة على يد هتلر). هذا اليهودي يصبح الإنسان العبري، القوي، المحارب، الذي يمكنه أن يدافع عن نفسه وعن مصالح الحضارة الغربية.
3 ـ توجَّهت الدعاية الصهيونية إلى الجماعات اليهودية تُبيِّن لها أن وجودها في عالم الأغيار يتهددها (ويتهدد هويتها) بالخطر. وركَّزت الدعاية الصهيونية على دعوة ال يهود للخروج من الجيتو والهجرة إلى إسرائيل للحفاظ على خصوصيتهم وهويتهم اليهودية. 
4 ـ ركزت الدعاية الصهيونية على قضية العداء الأزلي لليهود وعلى الإبادة النازية لليهود والستة ملايين يهودي، وهي تهدف من هذا إلى ابتزاز العالم الغربي وتبرير عملية اقتلاع الفلسطينيين من بلادهم، كما أنها تقوي التضامن اليهودي في الوقت نفسه. 
5 ـ من الموضوعات الأساسية التي تطرحها الدعاية الصهيونية قضية البقاء، فالدولة الصهيونية ليست دولة معتدية وإنما هي تحاول الحفاظ على بقائها وأمنها وحسب. وتختلف طبيعة هذا البقاء من حقبة لأخرى وحسب موازين القوى. 
6 ـ أما بالنسبة للمستوطنين الصهاينة، فقد ركزت الدعاية الصهيونية على حقوقهم التاريخية المطلقة وعلى قضية الوعي اليهودي. كما طورت الدعاية الصهيونية رؤية مزدوجة للمُستوطَن الصهيوني باعتبار أن بقاءه مهدد دائماً من قبَل العرب ولكنه قوي جداً لدرجة أنه لا يمكن أن يتهدده أحد، فهو قادر على البقاء وعلى سَحْق أعدائه وضربهم في عقر دارهم. وقد ركزت الدعاية الصهيونية على قضية التنشئة الاجتماعية حتى تضمن دَمْج المهاجرين والأجيال الجديدة في المجتمع الاستيطاني. 
7 ـ وقد حاولت الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية تحويل مشاعر العداء للسامية من الفرع اليهودي إلى الفرع العربي. واستبدلت بصورة اليهودي التي سيطرت عليها صفات مثل الخيانة والبخل والعدوانية والخداع صورة على النقيض، فأصبح اليهودي: مسالماً ـ متحضراً ـ أميناً ـ ذكياً ـ صديقاً، ونجحت في ترسيخ صفات سلبية عن العربي، فقد أصبح: متخلفاً ـ بربرياً ـ جشعاً ـ عدوانياً بطبعه، وفي نهاية الأمر غائباً لا وجود له. 
8 ـ تدخل الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية الموجهة للعرب في إطار الحرب النفسية التي تهدف إلى تحطيم معنويات العرب بل تحطيم الشخصية القومية العربية وغَرْس مفاهيم مثل "جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يُقهَر" و"السلام العبري". وقد أشرف على الحرب النفسية الإدارة النفسية العسكرية (التابعة للوكالة اليهودية) قبل عام 1948. فخلقت حالة من الذعر الجماعي بين السكان العرب وروجت أخبار الأوبئة الوهمية والمذابح ووزعت المنشورات واستخدمت مكبرات الصوت المحمولة على عربات مطالبة السكان بالخروج قبل 16 مايو باعتباره الوسيلة الوحيدة لتجنُّب مذبحة كبرى. وحتى حوادث العنف التي ارتكبها الصهاينة ضد العرب خُطِّطت بطريقة رشيدة جداً تراعي الجانب الدعائي، وذلك بتعمُّد ترك شهود أحياء يتمكنون من الفرار حتى يشيعوا الذعر في المناطق المجاورة. 
وتشرف وزارة الدفاع وجهاز المخابرات الإسرائيلية على الأنشطة الدعائية في المناطق العربية المحتلة بعد عام 1948. ومن المؤسسات الأخرى الإذاعة الإسرائيلية من القدس التي تبث إرسالها إلى عرب فلسطين والبلاد العربية، والقسم العربي بالهستدروت. وتركز الدعاية الصهيونية الموجهة للعرب على إشاعة التقسيمات الطائفية وعلى تقويض المقاومة ضد الاحتلال. 
وتعتمد الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية على مبدأ التضليل بصفة عامة. ويتم هذا لا من خلال الكذب المباشر إنما من خلال الاختصار والاعتماد على لغة الإبهام والغموض، كما يلجأ الصهاينة أحياناً للغش المصقول. وقد بيَّن أبا إيبان أن الدبلوماسية الإسرائيلية عادةً ما تختار حلاًّ للصراع العربي الإسرائيلي تعلم مسبقاً أن العرب لا يمكن أن يقبلوه، ثم تبدأ آلة الإعلام في التهليل له. وحينما يرفض العرب مثل هذا الاقتراح، فإن الصهاينة يتوجهون للعالم يعتصرهم الألم لرفض العرب اقتراحهم السلمي. ولما كانت الأهداف المتعددة تقتضي أساليب متعددة وأصواتاً متعددة فإن الدعاية الإسرائيلية توظِّف الأدوات بحيث يمكنها إصدار عدة أصوات مختلفة، فهناك صوت يساري معتدل وآخر يميني متطرف وصوت وسط يقف بين الاثنين ويُسمَح لكل الأصوات بأن تظهر فيما يشبه الجوقة على أن يصل لكل متلق الصوت الذي يحبه (ولذا يُطلَق على هذه الآلية «دبلوماسية الجوقة»). ومن الآليات الأساسية التي لجأت لها الدعاية الصهيونية اعتماد أجهزة الدعاية الإسرائيلية على محترفين في الحرب الإعلامية يعلمون أسرار المهنة قلباً وقالباً.
 وتُعتبَر أهم وسائل الإعلام الإسرائيلي ما يلي: 
1 ـ مراسلو وكالات الأنباء الغربية والصحف وشبكات التليفزيون في إسرائيل وجميعهم من الإسرائيليين. 
2 ـ إقامة علاقات اتصال مع شخصيات وجمعيات أمنية مؤثرة، سواء عن طريق الزيارات المتبادلة أو المراسلة وتوظيف ذلك دعائياً بما يخدم أهداف إسرائيل. 
3 ـ تقوم المنظمات الصهيونية في كل أنحاء العالم بنشاطات إعلامية من خلال تجنيد شخصيات ومؤسسات ومراكز إعلامية ومراكز أبحاث تُزوَّد بمطبوعات ونشرات تتحدث عن إسرائيل بالتعاون مع الملحقيات الصحفية. 
4 ـ تنشط المنظمات الصهيونية لإقامة جمعيات صداقة بين إسرائيل والدول التي توجد فيها جاليات يهودية كجمعيات التضامن والصداقة (طبية ـ اقتصادية ـ حقوقية... إلخ) وتضم هذه اللجان شخصيات يهودية وأخرى غير يهودية مهمتها الدعاية لإسرائيل. 
5 ـ شبكة واسعة من الدوريات الصهيونية في أنحاء العالم كافة. 
وتُعتبَر إدارة الإعلام التابعة لوزارة الخارجية المشرف على تخطيط الدعاية الإسرائيلية في الخارج. وتقوم السفارات والقنصليات ومراكز الإعلام الإسرائيلية (التابعة للسفارات) وأبرزها في نيويورك وباريس وبيونس إيرس وزيورخ بتنفيذ وتوجيه العمل الدعائي. وتلعب المنظمة الصهيونية العالمية ـ كما أسلفنا ـ دوراً مهماً في نشاط الدعاية الصهيونية/الإسرائيلية. وكان عام 1969 عاماً حاسماً في تاريخ الوظيفة الدعائية للمنظمة حين اتُخذ قرار بتنظيم الوكالة اليهودية والفصل بينها وبين المنظمة الصهيونية العالمية واختصاص الأخيرة بكل ما يتصل بالدعاية الدولية. وتضم المنظمة مجموعة من المكاتب والإدارات المركزية التابعة لها للإشراف على العمل الدعائي الصهيوني. ولا تَخفَى الصلة الوثيقة بين المنظمة الصهيونية ومئات المنظمات الصهيونية التي تمارس الدعاية والمنتشرة في أنحاء العالم والتي تتخذ شكل منظمات مستقلة مثل النداء اليهودي الموحَّد والصندوق الاجتماعي بفرنسا. وبالإضافة إلى مئات المنظمات التي تبدو مستقلة، تمارس العديد من المنظمات الإسرائيلية الدعاية بالخارج، ومنها فروع الأحزاب والهستدروت التي تضم إدارتين واحدة للعلاقات الخارجية وأخرى للتعاون الدولي تلعبان دوراً دعائياً بارزاً بالخارج باتجاه الجمهور العمالي والمنظمات العمالية الأجنبية. 
ويرجع نجاح الدعاية الصهيونية إلى عدة عناصر: 
1 ـ تعدُّد المنظمات الدعائية وتنوُّعها وضخامة عددها واعتمادها التخطيط العلمي. 
2 ـ تقوم الدعاية الصهيونية بتوظيف أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب فهم يشـكلون جزءاً عضوياً داخل الجسـد الغربي (رغم اسـتقلاله النسبي)، ومن ثم تبدو الدعاية الصهيونية كما لو أنها ليست وجهة نظر دولة أجنبية وإنما تعبير عن مصالح أقلية قومية. 
3 ـ غياب الدعاية العربية وفجاجتها في كثير من الأحيان. 
ولكن السبب الحقيقي والأول هو أن إسرائيل دولة وظيفية أسَّسها التشكيل الحضاري والإمبريالي الغربي لتقوم على خدمته، ولذا فهي تحظى بكثير من التعاطف لأن بقاءها كقاعدة للاستعمار الغربي جزء من الإستراتيجية العسكرية والسياسية والحضارية للعالم الغربي.
المؤســسة العـسكرية الإســرائيلية وعســكرة المجتمع الإســـرائيلي 
Israeli Military Establishment and Militarization of Israeli Society 
المجتمعات الاستيطانية (سـواء في أمريكا الشـمالية أو في جنوب أفريقيا) مجتمعات ذات طابع عسـكري بسـبب رفض السكان الأصليين لها. وإسرائيل لا تشكِّل أيَّ استثناء من هذه القاعدة، فهي مجرد تحقُّق جزئي لنمط متكرر عام. وقد ظهرت منظمات ومؤسسات وميليشيات عسكرية قبل عام 1948 دُمجت كلها في مؤسسة واحدة، هي المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي أصبحت العمود الفقري للتجمُّع الاستيطاني الصهيوني. ويتميَّز المجتمع الإسرائيلي بصبغة عسكرية شاملة قوية، فجميع الإسرائيليين القادرين على حمل السلاح رجالاً ونساءً يؤدون الخدمة الإلزامية. وينطبق على هذا المجتمع وصف «المجتمع المسلح»، أو «الأمة المسلحة» كما يصف الإسرائيليون أنفسهم. 
وتتشكَّل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من العناصر العسكرية في المجتمع الإسرائيلي، وتضم هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، والضباط المحترفين فيه، وأجهزة المخابرات المختلفة، ومعاهد الدراسات الإستراتيجية، ومختلف التنظيمات التي يمتد إليها إشراف الجيش، وأفواج الضباط السابقين المنتشرين في المناصب الإستراتيجية في مختلف أنحاء الدولة، بالإضافة لرجال الشرطة، والسياسيين الذين ارتبطت حياتهم ومواقفهم بدور الجيش. ومع هذا فمن العسير جداً تحديد حدود المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بسبب استيطانية الدولة الصهيونية ولا تاريخيتها، وبالتالي حتمية لجوئها للعنف لتنفيذ أي مخطط، لهذا نجد أن إسرائيل هي دولة تأخذ معظم الأنشطة فيها صفة مدنية/عسكرية في آن واحد. وحيث إن معظم جيشها من قوات الاحتياط يصبح من الصعب التمييز بين المدنيين والعسكريين، ويصبح في حكم المستحيل العثور على حدود فاصلة بين النخبة العسكرية والنخبة السياسية، إذ يتبادل أفراد النخبتين الأدوار ويقيمون التحالفات في الأحزاب والهستدروت والكنيست وغيرها من المنظمات. 
ولا تمثل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالنسبة لإسرائيل مجرد آلة مسلحة لتحقيق أهدافها السياسية ومصالحها الحيوية، ولكنها تتغلغل في معظم أوجه الحياة السياسية، بدءاً بإقامة المستوطنات وتنظيم الهجرة إلى إسرائيل، وتحقيق التكامل بين المهاجرين إليها، وتنظيم البرامج التعليمية لأفراد الجيش، ومراقبة أجهزة الإعلام وتوجيهها،وتطوير البحث العلمي، إلى تحديد حجم الإنفاق العسكري بما يؤثر على عموم الأحوال الاقتصادية للدولة، والتأثير على مجال الصناعة وخصوصاً الصناعات الحربية والإلكترونية، ومجال القوى العاملة والتنمية الإدارية. وتقوم المؤسسة العسكرية بدور مهم في التأثير في وضع الأراضي العربية المحتلة وتحديد الأراضي التي يتم ضمها إلى إسرائيل، وطرد العرب من هذه الأراضي. ويُضاف إلى ذلك أن المؤسسة العسكرية تحتفظ بصلات وثيقة، بهدف التنسيق والمتابعة، مع معظم أجهزة الدولة مثل وزارات الخارجية والمالية والتجارة والصناعة والعمل والتربية والتعليم والشرطة والزراعة والشئون الدينية. وللمؤسسة العسكرية شبكة للعلاقات الخارجية تشمل الاتصالات من أجل الحصول على معلومات أو أسلحة، والقيام بعمليات سرية في الخارج، وتدريب أفراد من الدول النامية على القتال. 
وتُشكِّل وزارة الدفاع الإسرائيلية وقمة جيش الدفاع مركزاً لقوة سياسية واقتصادية واجتماعية لا مثيل لها في العالم باستثناء بعض أنظمة الحكم الديكتاتورية العسكرية مثل جنوب إفريقيا (قبل سقوط النظام العنصري). فحجم التفاعلات التي تشترك فيها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تقدم نموذجاً خاصاً ومتميِّزاً لدور العسكريين، وهو الدور الناجم عن البُعد التاريخي للوظيفة العسكرية المصاحبة نشأة الكيان الاستيطاني الصهيوني، وهو ما جعل عسكرة المجتمع الإسرائيلي في جميع المجالات مسألة حتمية. 
وسنتناول في هذا المدخل الجانبين السياسي والاقتصادي وحسب، مع علمنا بأن العسكرة عملية أكثر شمولاً وعمقاً وبنيوية. 
1 ـ عسكرة النظام السياسي: 
إن هيبة ونفوذ المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الإسرائيلي تنطلق من أن أهم المسائل في هذه الدولة هي مسائل الحرب والسلام، والوظيفة العسكرية للدولة تسيطر على الوجود السياسي سواء في فترات السلم نتيجة تعدُّد الوظائف التي تقوم بها، أو في فترات الحرب بسبب ضرورة حماية البقاء الذاتي للبلاد وفرض سطوتها. 
ولذا نجد أن العسكريين الذين يعملون من خلال هيئة أركان عسكرية مركزية يهيمنون على التخطيط الإستراتيجي بل يحتكرونه. فهذه الهيمنـة هي التي تضـع التخطيط الإسـتراتيجي وتتخـذ الخطوات التكتيكية. وباستثناء العسكريين في الاتحاد السوفيتي السابق، يمكن أن يُقال إن الجيش الإسرائيلي هو المؤسسة العسكرية الوحيدة في العالم التي لديها سـلطة تامة تقريباً في المسـائل الإسـتراتيجية والتكتيكية. وقد تحولت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أهم مركز من مراكز القوى في إسرائيل. وازدادت أهمية هذه الوزارة في أعقاب عدوان 1967، واقترنت في الغالب بقوة أعلى منصب رسمي في إسرائيل، أي منصب رئيس الوزراء، حيث إن كثيراً من رؤساء الوزراء يأتون عن طريق وزارة الدفاع وغالباً ما يحتفظون بها إلى جانب رئاسة الوزارة. ولعل مثال ذلك بن جوريون وتَمسكه بالمنصبين طوال حياته، وكذلك بيجين ثم إسحق رابين الذي اغتيل وهو يجمع بين المنصبين. 
وتُعَد العلاقات بين الثالوث (رئيس الوزراء ـ وزير الدفاع ـ رئيس الأركان) محور العلاقات المدنية العسكرية، وأي انهيار فيها يؤدي إلى نتائج مأساوية. وقد حدث ذلك مرتين في تاريخ إسرائيل عام 1954 بين شاريت ولافون وديان، وفي عام 1981 ـ 1983 بين بيجين وشارون وإيتان. وهناك دلائل تشير إلى وجود توترات في العلاقة بين المؤسسة العسكرية ونتنياهو، كما سنبين فيما بعد. ولكن التنافس غالباً ما يكون بين وزير الدفاع ورئيس الوزراء، بينما يقوم رئيس الأركان بالميل لرأي أحدهما ليقويه أمام نده. 
وقد سعت الأحزاب الإسرائيلية، وبصفة خاصة بعد حرب 1967، لضم القادة العسكريين اللامعين إليها بهدف الحصول على أكبر قدر ممكن من الأصوات، وهكذا كانت الاتصالات تجرى مع هؤلاء القادة قبل تركهم مناصبهم. وجاء قرار الكنيست عام 1973 بإباحة اشتراك القادة العسكريين في الانتخابات ليتوج الدور السياسي للقادة العسكريين. وتُعدُّ المؤسسة العسكرية في إسرائيل مصدراً رئيسياً للتجنيد للمناصب الحكومية العليا والمناصب السياسة الحزبية حيث هذه المناصب الحزبية ممرات شبه إجبارية لتولِّي مناصب حكومية. وتؤكد الدراسات أن 10% من كبار الضباط المسرحين يتفرغون للعمل السياسي.
كما أن إدارة الوضع الأمني في المناطق المحتلة سواء بعد حرب 1967 أو بعد عملية إعادة الانتشار في أعقاب أوسلو (2) أو لمواجهة حركات المقاومة الإسلامية التي لم تضع سلاحها بعد (كحركتي حماس والجهاد الإسلامي) جعلت وزارة الدفاع والحكام العسكريين ومجموعة الاستخبارات العسكرية وقوات الشرطة في المناطق المحتلة بمنزلة حكومة عسكرية مُصغَّرة تقوم بمهام عسكرية وسياسية بارزة. وتحمل السياسة الخارجية هي الأخرى بصمة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. فرئاسة الأركان والجهاز الأمني هما الجهتان الوحيدتان اللتان تتولَّىان منذ سنوات مهمة تقويم الوضع الأمني. وكما يقول شلومو جازيت، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق، إنه لا يوجد في الجهاز المدني هيئة مشابهة لرئاسة الأركان وشعبة الاسـتخبارات قادرة على تَفحـُّص المعطيات الأمنية وبلورة الوضع القومي. 
2 ـ عسكرة الاقتصاد: 
اتسم المجال الاقتصادي الإسرائيلي بالنزعة العسكرية وخصوصاً بعد حرب 1967، حيث تحوَّل الإنتاج العسكري إلى الفرع الإنتاجي القائد في بنية الإنتاج والتصدير. 
ويؤكد ذلك جملة من المؤشرات لعل من أهمها: 
* تزايد الإنفاق العسكري من 18% عامي 1985 ـ 1986 إلى حوالي ثلث الموازنة المالية (33%) مع تزايد التزامات إسرائيل العسكرية ومع زيادة تكاليف الصناعات العسكرية وتشعُّبها (صواريخ ـ أقمار صناعية ـ أسلحة نووية). 
* تزايد حجم قطاع الصناعات العسكرية (سواء قطاع الصيانة أو قطاع الإنتاج) بحيث أصبح أكبر قطاع صناعي في إسرائيل سواء استناداً لمعيار رأس المال الثابت أو اليد العاملة حيث أصبحت تمثل 40% من إجمالي الصناعة في إسرائيل. 
* دخول هذا القطاع في علاقات مشاركة مع كبريات الاحتكارات الأجنبية التي تمتلك فروعاً لها في إسرائيل ومع الشركات الإسرائيلية الأخرى الأمر الذي جعل القادة العسكريين من أول المستفيدين من العمولات، بل أصبح بعضهم من كبار الرأسماليين في المجتمع الإسرائيلي. 
* تطور الصادرات العسكرية المطرد وتصاعُد نسبتها في الصادرات الصناعية، وهي تحتل في الوقت الحاضر المرتبة الثالثة من جملة عائد إسرائيل من العملة الصعبة بعد الماس والسياحة. 
* تسريح كبار العسكريين لا يعني ملازمتهم للمنازل في المجتمع الإسرائيلي، بل يعني تولِّيهم إدارة شركات صناعة الأسلحة أو إدارات المصارف والمؤسسات الخاصة والحكومية والهستدروتية حيث يُشكِّلون، حسب بعض التقديرات، ثلاثة أرباع مديري الفعاليات الاقتصادية على اختلاف أنواعها. 
ومنــذ قيامهـا تعطي إسرائيل الأولوية للإنفاق العسكري، طبقـاً للإسـتراتيجية الإسرائيلية الهادفة إلى المحافظة على بقاء الجيش الإسرائيلي أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وهو ما يتطلب الحصول على أرقى الأسلحة المتطــورة، واستـيعاب مستجدات التكنولوجيا الحـديثة، فازداد حجــم الإنفــاق العســكري بصورة مطـردة. فقد كانت نسبة الإنفاق العسـكري من الناتج القــومي الإجمــالي أقل من 10% في مطلع الخمسينيات، ثم أخذت في التزايد مع كل حرب جديدة حتى بلغت 32.8% بعد حرب 1973، وهي أعلى نسبة في العالم، كما أن نسبة الإنفاق العسكري من الناتج القومي الإجمالي كانت أعلى من نسبته في سوريا أو في مصر، وهما البلدان اللذان تحملا العبء الأكبر في الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن من المهم ملاحظة أن الازدياد الهائل في الإنفاق العسكري الذي بدأ مباشرةً بعد حرب 1967 اعتمد في الدرجة الأولى على المساعدات الأمريكية التي لولاها لعجز الاقتصاد الإسرائيلي عن تَحمُّل أعباء هذا الإنفاق الهائل. وقد استمر معدل الإنفاق العسكري عالياً، حتى أن حكومة نتنياهو لم تف بوعودها بتخفيض الإنفاق العسكري بنحو 5 مليارات شيكل (1.6 مليار دولار) بل رفعت الإنفاق العسكري بأكثر من ملياري شيكل عام 1997، الأمر الذي يُعزِّز تمحور الدولة الصهيونية حول المؤسسة العسكرية. وقد ترافق الارتفاع الكبير في الإنفاق العسكري مع نمو صناعة السلاح التي أعطيت أولوية كبيرة كي تصبح إسرائيل مكتفية ذاتياً على صعيد التسلح، وكان أحد أسباب ذلك الحظر الفرنسي على بيع الأسلحة لإسرائيل بعد حرب 1967. 
إن نمو صناعة السلاح وتطوُّرها الكبير قد أديا، أيضاً، إلى نمو ما يُسمَّى «المجمّع العسكري/الصناعي»، وذلك يعود إلى أن عدداً كبيراً من المنشآت الصناعية أصبح يعتمد اعتماداً أساسياً على العقود التي يحصل عليها من وزارة الدفاع، لذلك أصبح من مصلحة هذه المنشآت تعيين جنرالات وضباط سابقين في مراكزها القيادية. فالضباط في الجيش الإسرائيلي يتقاعدون في سن مبكرة نسبياً (40 عاماً)، الأمر الذي يُفسح لهم مجال مزاولة مهنة جديدة. ومن الطبيعي أن تكون تلك المهنة إدارة شركات صناعية تربطها علاقة بصناعة السلاح، ذلك أن لهم خبرة بالسلاح أولاً، ويستطيعون الاعتماد على علاقاتهم بالجيش ثانياً.
إن ظاهرة المجمّع العسكري/الصناعي موجودة في كل الدول الصناعية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الموضوع في إسرائيل يكتسب أهمية إضافية لأنه مكمل لظاهرة المجمّع العسكري/السياسي الموجود منذ قيام دولة إسرائيل؛ ذلك أن جنرالات الجيش الإسرائيلي يحتلون، بعد تَقاعُدهم، مراكز قيادية سياسية. فرئيس الدولة الحالي (وايزمان) كان قائداً لسلاح الجو، ورئيس الحكومة (رابين) كان رئيساً لأركان حرب الجيش، وأربعة آخرون من رؤساء الأركان (موشيه ديان ـ حاييم بار ـ بارليف ـ بيجال يادين ـ رفائيل إيتان) أصبحوا فيما بعد وزراء دفاع. وقد تركت عسكرة المجتمع الإسرائيلي ـ إضافة إلى الدور الوظيفي للدولة ـ آثارها على السياسة الخارجية للدولة،فأصبحت إسرائيل مصدراً للخبرات العسكرية والأمنية إلى مناطق تغطي مساحة شاسعة من العالم مثل دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الآسيوية وحتى بعض الدول الاشتراكية السابقة. 
ورغم عسكرة المجتمع الإسرائيلي على المستويين السياسي والاقتصادي إلا أن مكانة المؤسسة العسكرية قد اهتزت قليلاً في الآونة الأخيرة. فرغم أن هذه المؤسسة تشكل وحدة متماسكة فإن العنصر الإشـكنازي هـو العنصر المهيمن فيها، هيمنته على الدولة الصهـيونية ككل. أما السفارد واليهود الشرقيون فوضعهم مترد. فرغم أن بعض اليهود الشرقيين قد تم تصعيدهم واحتلوا مناصب قيادية مهمة فإن معظم هذه المناصب القيادية تظل في يد الإشكناز بالدرجة الأولى. كما أن ثمة أبواباً خاصة تُفتَح لليهود الإشكناز والغربيين وحدهم في أسلحة بعينها مثل المخابرات والطيران وغيرها من الأجهزة الحساسة التي تفضي إلى وضع اجتماعي بارز بعد التسريح. كما أن الترقيات لا تُمنَح بيسر لغير الإشكناز والغربيين وهو ما يُعتبَر نوعاً من إغلاق أبواب الحراك الاجتماعي أمام السفارد، وهو ما يعني ترجمة التمييز العنصري لواقع طبقي، وتحوُّل المؤسسة العسكرية من بوتقة للصهر وآلية كبرى من آليات الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وقمع أهلها إلى حلبة أخرى للصراع بين السفارد والإشكناز. 
وإذا كان مناخ الحرب يساعد على استمرار ومركزية المؤسسة العسكرية في حياة الإسرائيليين، فإن ظهور مؤسسات أخرى تحمل صور الريادة (جماعات المثقفين ـ الشركات ـ معامل الأبحاث ـ الجامعات) خفَّف من انفراد المؤسسة العسكرية بهذه الصورة الريادية. وأدَّت هزيمة الجيش الإسرائيلي العسكرية في أكتوبر 1973 وفي جنوب لبنان وعجزه أمام الانتفاضة، إلى اهتزاز مكانة المؤسسة العسكرية والكثير من رموزها، وضرب نظرية الأمن الإسرائيلي. وساهمت عملية التسوية الجارية للصراع العربي الإسرائيلي إلى إضعاف مكانة الجيش الإسرائيلي في الأوساط الإسرائيلية. كما أن تَصاعُد معدلات التوجُّه نحو اللذة والاستهلاك جعل كثيراً من الشباب ينصرف عن الخدمة العسكرية ويهرب منها. 
وفي الآونة الأخيرة لوحظ تدهور وتأزم العلاقات بين المؤسسة العسكرية ورئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب بشكل مباشر بنيامين نتنياهو، ويعود هذا إلى سعيه لوضع إطار جديد لطبيعة الدور الذي تمارسه المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الإسرائيلي لتصبح إحدى أدوات القوة الشاملة للدولة، وليس الفاعل الأساسي فيها، بمعنى أن يصبح الجيش الإسرائيلي "قوة احتراف" وليس "قوة ضغط سياسي". وهذا الموقف يتناقض مع إعلاء نتنياهو شعار "الأمن قبل السلام" الذي يفترض زيادة دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. ولكن نتنياهو يتحرك لإحداث تغيير في جوهر النظام السياسي الإسرائيلي ليكون أقرب إلى النظام الرئاسي (إنشاء بيت أبيض إسرائيلي)، فيقوم بالتشاور مع مجموعة موالية له شخصياً، ثم يتخذ القرارات كافة دون أن يكون للمؤسسات المعنية أي دور وضمن ذلك المؤسسة العسكرية. وقد أدَّت أحداث نفق الأقصى واتفاق الخليل إلى اهتزاز ثقة الجيش في قدرة القيادة السياسية على إدارة الأمور. وعندما جاء نتنياهو إلى الحكم كان الجيش الإسرائيلي قد تكيف مع مقتضيات عملية التسوية وفق مبدأ مدريد، حيث أعاد رسم مواقع تمركزه وخطوط الاتصال في الضفة وغزة على نحو يتوافق مع عمليات إعادة الانتشار، ويعود ذلك إلى التوافق بين حزب العمل والجيش بشأن خطوات الاتفاق الأمني في الضفة وغزة والجولان. 
ورغم سعي نتنياهو لمصالحة المؤسسة العسكرية بالموافقة على زيادة الإنفاق العسكري وتأكيده ضرورة الاهتمام ببناء وتطوير جيش الدفاع، إلا أنه سيستمر في سعيه لجعل الجيش الإسرائيلي يتجه نحو الاحتراف، وتهميش دوره السياسي. لكن عسكرة المجتمع الإسرائيلي لا تعني هيمنة المؤسسة العسكرية عليه وتغلغل عناصرها في الهيكل السياسي والاقتصادي للدولة الصهيونية وإنما هو أمر أكثر عمقاً. ومن يدرس الظواهر الإسرائيلية ابتداءً من النظام التعليمي وانتهاءً بأكثر الأمور تفاهة، سيُلاحظ الأبعاد العسكرية خلفها. فالبُعد الاستيطاني مرتبط تماماً بالبُعد العسكري، والهاجس الأمني (أي محاولة قمع السكان الأصليين) يسيطر على السياسة العامة في كل القطاعات، وعلى سلوك الإسرائيليين، بل على أحلامهم وأمراضهم النفسية، فالمجتمع/القلعة لابد أن يكون مجتمعاً عسكرياً يحاول أن يحتفظ بالمادة البشرية في حالة تأهب عسكري دائم، إذ يُحتِّم البقاء حسب الشروط الصهيونية قَهْر العرب.
اليهود الشــرقيون (السفارد) والنظام السياسي الإسرائيلي 
Oriental Jews (Sephard) and the Israeli Political System 
أسس صهاينة شرق أوربا الإشكناز الجيب الصهيوني فهم الذين قاموا بالاستيلاء على أرض فلسطين وطرد سكانها وهم الذين أعلنوا قيام الدولة الصهيونية. ولكن الدولة شيء والمجتمع الاستيطاني شيء آخر. وحتى يتم تأسيس مجتمع متكامل، كان ضرورياً ضم مادة بشرية من العمال والفلاحين الذين يقومون بالأعمال الإنتاجية لشغل قاعدة الهرم الإنتاجي. وبما أنه كان هناك أعمال استنكف الإشكناز عن القيام بها قامت الحركة الصهيونية بتهجير اليهود العرب بالوعد أحياناً وبالوعيد أحياناً أخرى ليضطلعوا بهذه المهمة. وقد نجح الصهاينة في إنجاز هذا الجزء من مخططهم، إلى حدٍّ بعيد، بسبب عمالة بعض الحكومات العربية وجهل بعضها الآخر، وبسبب الوضع المبهم للجماعات اليهودية في العالم العربي بعد تأسيس الدولة الصهيونية التي ادعت أنها دولة يهودية تتحدث باسم كل يهود العالم وتمثلهم وتدافع عن مصالحهم! 
وكان اليهود الشرقيون يشكلون في أواسط القرن التاسع عشر الأغلبية الساحقة من يهود فلسطين، لكن بعد تدفُّق الهجرة اليهودية الصهيونية من دول أوربا تقلصت نسبتهم فأصبحوا أقلية (أقل من 10%) من بين مجموع السكان اليهود قبل سنة 1948. ولكن التحول في الاتجاه الآخر تم بعد قيام إسرائيل حيث هاجر عدد كبير من اليهود الشرقيين (السفارد) في موجات شعبية واسعة، فازداد عددهم بصورة سريعة، وشكلوا في أوائل السبعينيات نحو نصف سكان إسرائيل اليهود. وأكبر الطوائف الشرقية في إسرائيل هم اليهود المغاربة يليهم بالترتيب: العراقيون واليمنيون والإيرانيون. ولا يزال أبناء هذه الجماعات يحافظون، بصفة عامة، على كثير من عادات وتقاليد الأقطار التي جاءوا منها فهم يفهمون لغاتها إضافة إلى تَكلُّمهم العبرية. 
وتصنف الإحصاءات الإسرائيلية السكان اليهود وفقاً لبلد الأصل (أي وفقاً لمكان ولادة الشخص ومكان ولادة أبيه) إلى ثلاث جماعات إثنية رئيسية: 
1 ـ الإشكناز: 
وهم المولودون في أوربا وأمريكا والمولودون في إسرائيل لآباء من مواليد أوربا وأمريكا. 
2 ـ السفارد: 
وهم المولودون في آسيا وأفريقيا والمولودون في إسرائيل لآباء من مواليد آسيا وأفريقيا. 
3 ـ يهود أبناء البلد: 
وهم يهود وُلدوا هم وآباؤهم في البلد (فلسطين المحتلة). 
وقد استمر الإشكناز أغلبية حتى أوائل الستينيات بنسبة 52.1% عام 1961، ولكن في مطلع السبعينيات تفوقت عليها نسبة السفارد فصارت النسبة 44.2% من الإشكناز مقابل 47.4% من السفارد عام 1972. وبقي الأمر على ذلك حتى تدفُّق هجرة اليهود السوفييت حيث رجحت كفة الإشكناز قليلاً، كما أن اليهود المولودين في البلد (فلسطين ثم إسرائيل) ارتفعت نسبتهم حتى أصبحوا أغلبية السكان بنسبة 60.9% عام 1993. (ويعود التناقض فى الأرقام إلى الاختلاف فى طريقة التصنيف والاحصاء). وقد ظهرت أزمة التفرقة بين الإشكناز والسفارد فيما يتعلق بالتقسيم الطبقي أو التوزيع المهني، وبناء على ذلك المعيار يمكن التمييز بين خمس شرائح أو خمس جماعات تحتل درجات مختلفة في السلم الطبقي.
ويمكن ترتيب هذه الشرائح من أعلى إلى أسفل كما يلي: 
1 ـ مواليد البلد الغربيون (مواليد البلد لآباء من مواليد أوربا وأمريكا). 
2 ـ يليهم المهاجرون الغربيون (مواليد أوربا وأمريكا)، وتمثل هاتان الفئتان الطائفة الإشكنازية. 
3 ـ أبناء البلد (مواليد البلد لآباء من مواليد البلد). 
4 ـ مواليد البلد الشرقيون (مواليد البلد لآباء من مواليد آسيا وأفريقيا). 
5 ـ مهاجرون شرقيون (مواليد آسيا وأفريقيا). وهاتان الفئتان الأخيرتان تمثلان السفارد. 
وبذلك فإن السفارد يحتلون مؤخرة السلم الطبقي بينما يحتل الإشكناز قمته. فالتقسيم الطبقي يتأثر ببلد الأصل أكثر من تأثره بالأقدمية في البلد، وذلك لأن اليهود الغربيين سواء كانوا من مواليد البلد أو من مواليد الخارج هم أعلى طبقياً من اليهود الشرقيين سواء كانوا من مواليد البلد أو من مواليد الخارج، أما المواطنون العرب فهم يشكلون الشريحة السادسة. ومن المؤشرات التي تبرز التفاوت الاقتصادي والاجتماعي أن المدن والأحياء الفقيرة ما زال سكانها من السفارد وهي تعاني من البطالة أكثر من المعدل العام في إسرائيل. فنسبة البطالة في مدينة يوروحام في النقب (سفارد) حوالي 12.5% أي حوالي أربعة أضعاف نظيرتها في تل أبيب (إشكناز) وهي 3.5%. كما أن راتب اليهودي السفاردي يعادل 68% من راتب اليهودي الإشكنازي. ويبلغ عدد الطلاب في الجامعات من السفارد 25% فقط من المجموع العام، ونسبة من يحمل شهادة الدكتوراه من السفارد هي 18% مقابل 82% للإشكناز. 
ومن جوانب التفرقة على الصعيد الثقافي أن من النادر أن تُمنَح جائزة إسرائيل في فروع المعرفة لأي سفاردي، ففي عام 1997 مُنحت الجوائز لـ 15 شخصاً ليس بينهم سفاردي واحد. فمنذ البداية رفض الإشكناز ثقافة السفارد الشرقية، وألصقوا بهم أحكاماً مسبقة سلبية، وتحفظوا على الارتباط بهم. لذلك يحتج السفارد بأن تاريخهم الذي يمتد لقرون طويلة في البلاد الشرقية لا يُدرَّس وإن دُرِّس فهو لا شيء بالنسبة إلى تاريخ الإشكناز في الكتب المقررة في المدارس التي تركز خصوصاً على تاريخ اليهود الحديث. واليهود الإشكناز كانوا يريدون تأسيس الدولة والمجتمع على النمط الأوربي العلماني ليس للدين والتقاليد مكان فيها، ولذلك عندما أُدين زعيم حزب شاس الديني إرييه درعي في فضيحة بارعون دون غيره من السياسيين الإشكناز في مايو 1997 هاجم الحركة الصهيونية (فالهجوم عليها هو هجوم على الإشكناز) قائلاً: "إن الصهيونية حركة هرطقة، تهدف إلى خلق يهودية جديدة، وهي مصممة على تدمير التوراة وتدمير ديننا وتدمير تراث اليهود السفارد". 
وقال عوفادياه يوسف الزعيم الروحي للحزب مخاطباً الإشكناز: "متى تحررون أنفسكم من كره الدين وكره السفارد؟ وإلى متى تستمر معاناة السفارد؟". وتم تشبيه درعي بدريفوس، أي أن الإشكناز ـ حسب هذه الصورة المجازية ـ هم الأغيار، بل أطلق أحد الحاخامات صفة "نازي" على المدعي العام، وتم تنظيم المؤتمرات والمظاهرات احتجاجاً على القرار. ويشير كثير من السفارد إلى «الإشكي نازي» ليبينوا طبيعتهم العنصرية. وقد ظهر السفارد في الحياة السياسية الإسرائيلية في الخمسينيات حين قاموا بالمظاهرات والاحتجاجات ذات الطابع السلمي، ولكنها في السبعينيات اتسمت بشيء من العنف. وكان انتخاب السفارد لحزب الليكود (رغم وجود الإشكناز على قمته) وإيصاله إلى السلطة لأول مرة أحد أشكال الاحتجاج المهمة، لأن حزب العمل هو حزب الإشكناز بامتياز. وقد وصل الاحتجاج ذروته في الثمانينيات وهي الفترة التي تأسَّس فيها حزب شاس، حيث تصاعدت قوته الانتخابية وحصل على 10 مقاعد في انتخابات عام 1996. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Empty
مُساهمةموضوع: الحرس القديم Old Guard    الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Emptyالإثنين 17 مارس 2014, 6:14 am

الحرس القديم Old Guard 
«الحرس القديم» مصطلح في الخطاب السياسي الإسرائيلي يشير إلى أعضاء النخبة الحاكمة الإسرائيلية من بين أعضاء الجيل المؤسس. ويمكن النظر إلى التجمُّع الصهيوني في فلسطين من منظور جيلي، فقد تعاقب على قيادة ذلك التجمُّع ثلاثة أجيال بينها كثير من الاختلافات والتشابهات في الفكر أو السلوك، وهو ما يفرز قيادات ذات رؤى مختلفة. وقد برز الصراع على السلطة بشكل واضح على أكثر من مستوى إثر قيام الدولة الصهيونية، وكان أحد هذه المستويات، ولا يزال، هو الصراع بين أعضاء الجيل المؤسس (أو «الآباء المؤسســين» أو «الرواد») ممن يُطلَق عليهم اسم «الحرس القديم»، من جهة، ومن جهة أخــرى، أعضـاء الجيل الذي يليه، (أو «جـيل بناء الدولة») ممن يُطـلَق علــيهم اصطلاح «الحرس الجـديد». ثم جـاء أخيراً أعضـاء «النخـبة الجديدة» (ويُطلَق عليهم أحياناً اسم «جيل القوة»). 
تصدَّر الحرس القديم الحياة السياسية في المستوطن الصهيوني قبل إعلان الدولة الصهيونية وفي العقدين الأولين التاليين لتأسيسها. ويتسم أفراد الحرس القديم - الذين أتى معظمهم مع موجتي الهجرة الاستيطانية الثانية والثالثة - بصفات معينة وسمات بعينها. فهم جميعاً يعودون إلى أوربا الشرقية، من حيث الأصل الجغرافي، كما أن معظمهم حصل على تعليم متوسط فقط. وقد لعبت هذه الشخصيات الدور الحاسم في صياغة واتخاذ كل القرارات الإستراتيجية على امتداد ربع القرن الماضي. فقد قام كل من ديفيد بن جوريون وموشي شاريت بدور حكومة الاثنين (من 1948 - 1956)، بينما انفرد كل من إسحق سابير وليفي إشكول بمجال الاقتصاد، أما جولدا مائير فظلت تتولى مسئولية السياسة الخارجية لعقد كامل (1956 - 1966) إلى أن خلفها أبا إيبان. وإلى جانب انتماء كل أفراد الحرس القديم الأول إلى موجة هجرة واحدة، فإن الملاحظ أنه ليست هناك حدود فاصلة بينهم وأن تبادل الأدوار ظل مستمراً. 
لكن لوحظ في منتصف السبعينيات أيضاً أنه قد ظهر تحالف يضم العسكريين والسياسيين المحترفين حل محل الحرس القديم، وهكذا قيل إثر استقالة جولدا مائير وتولِّي إسحق رابين رئاسة الوزارة عام 1974 إن أهمية هذا التطور تكمن في أنه يُعَد نهاية عصر بأكمله هو عصر الآباء المؤسسين، حيث تواجدوا على سطح الحياة السياسية الإسرائيلية. كما يُلاحَظ أنه تم استبعاد ممثلي الصهيونية التصحيحية تماماً، ولم تُتح الفرص أمام ممثلي اليهود الشرقيين للانضمام للنخبة الحاكمة. وتم تهميش العناصر الدينية. ويمكن القول بأن النقطة الأساسية في رؤية وسلوك ذلك الجيل المؤسس هي حلم الدولة وضمان وجودها، فالدولة التي أسسوها ليست بالضرورة كياناً مضموناً مهما بلغت من قوة، ولذلك كانت تسيطر على أعضاء هذا الجيل هاجسيان أساسييان: الهاجس الأمني وهاجس التماسك الداخلي، فأيَّ خلل في تصوُّرهم كان من الممكن أن يؤدي إلى زوال الدولة والعودة إلى الدياسبورا من جديد. بل إن حالة الاستقرار يمكن أن تؤدي إلى تفكك المجتمع الصهيوني. وقد عبَّرت تلك الهواجس عن نفسها لدى ذلك الجيل المؤسس في سلوكيات سياسية معينة كالإصرار على التوسع والإبقاء على حالة الحرب الدائمة، وخلق عدو مشترك على الصعيد الخارجي. 
ديفيد بن جوريون (1886 - 1973) David Ben Gurion 
زعيم صهيوني عمالي، وسياسي إسرائيلي من الحرس القديم، كان اسمه «ديفيد جرين» ثم غيَّره فيما بعد إلى «بن جوريون» أي «ابن الشبل». وُلد في بلدة بلونسك ببولندا التي تقع في منطقة الاستيطان اليهودي في روسيا. نشأ نشأة يهودية تقليدية، وقضى سني حياته الأولى يدرس التوراة والتلمود وكُتُب الصلوات المختلفة في المدارس الحاخامية. وفي طفولته هذه، سمع عن ظهور الماشيَّح المخلِّص في شخصية صحفي نمسوي يُسمَّى تيودور هرتزل سيعود بشعبه إلى أرض الميعاد، وكان أول كتاب عبري يقرؤه هو كتاب حب صهيون لمابو. 
وقد بدأ بن جوريون نشاطه الصهيوني وهو بعد صبي في سن الرابعة عشرة، إذ كان أبوه عضواً في جماعة أحباء صهيون، وقد تأثر بن جوريون بأفكار بوروخوف، فانضم إلى جماعة عمال صهيون عام 1904، وكان من بين معـارضي مشـروع شـرق أفريقيا في مؤتمر الحزب. وقد حاول بن جوريون أن يُغيِّر اتجاه الحزب من التركيز على الجماعات اليهودية في العالم (خارج فلسطين) (مركز الدياسبورا) إلى التركيز على المستوطنين الصهاينة في فلسطين (مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا). وبعد عامين، انضم إلى إحدى جماعات الدفاع اليهودية التي نُظِّمت في روسيا بعد حادثة كيشينيف. وقد هاجر إلى فلسطين عام 1906 حيث بدأت أفكاره الصهيونية في التبلور، فطالب بتأكيد مركزية المستوطنين اليهود في حياة الجماعات اليهودية. وقد كان بن جوريون من دعاة بعث اللغة العبرية وإهمال اليديشية. وفي عام 1912، التحق بن جوريون بجامعة إستنبول لدراسة القانون على أمل أن يُمكِّنه هذا من المساهمة في تحويل فلسطين إلى وطن يهودي داخل الإمبراطورية العثمانية، وبعد تخرُّجه عاد إلى فلسطين حيث بدأ حياته عاملاً زراعياً وحارساً ليلياً. 
تَجنَّس بن جوريون بالجنسية العثمانية مع نشوب الحرب العالمية الأولى لكيلا يُطرَد لأنه رعية روسية ومعاد للعثمانيين. وحينما نفته السلطات التركية بسبب نشاطه الصهيوني الاستيطاني، رحل إلى مصر وقابل جابوتنسكي في الإسكندرية، وعارض في البداية فكرة الفيلق اليهودي على أساس أن هذا يُعرِّض اليهود الاستيطانيين في فلسطين لغضب العثمانيين وانتقامهم. وذهب إلى الولايات المتحدة حيث أسَّس جماعة الرائد وساهم في تكوين الفيلق اليهودي التابع للجيش البريطاني وعاد معه إلى فلسطين عام 1918 (ومعه مجموعة كبيرة من الاشتراكيين الصهاينة). وقد اشترك مع كاتزنلسون في تأسيس الهستدروت، واقترح ألا يكون الهستدروت نقابة عمال وحسب بل وسيلة استيطان كذلك. وقد تولَّى بن جوريون رئاسة الهستدروت من عام 1921 حتى 1932. وفي عام 1930، ساهم في إنشاء الماباي، كما انتُخب عضواً في اللجنـة التنفـيذية للوكالة اليهـودية عام 1937. وفي عام 1942، تبنَّت المنظمة الصهيونية، بمبادرة من بن جوريون، برنامج بلتيمور الذي كان هدفه المعلن إنشاء دولة إسرائيل. وفي عام 1948، أشرف على تكوين رئاسة الحكومة المؤقتة قبل إعلان نهاية الانتداب، وقام بنفسه بإعلان بيان قيام إسرائيل. 
وقد كان بن جوريون أحد الذين نصحوا بعدم الإشارة إلى حدود الدولة وعدم إعلان الدستور حتى لا يضع حداً لمطامع إسرائيل التوسعية (فالجيش الإسرائيلي وحده ـ حسب تصوره ـ هو الذي سيعين الحدود) حتى يمكن إرضاء العناصر الدينية التي تَحالَف معها الماباي لتشـكيل الوزارة، وطالـب بجعل القدس عاصمـة الدولـة الجديدة. وفي عام 1953، استقال وأعلن عزمه الاعتزال في النقب في مستعمرة سدي بوكر. ولكن بن جوريون تولَّى منصب رئيس الوزارة عدة مرات بعد ذلك كان آخرها عام 1963، وقد كانت فضيحة لافون مسئولة عن عودته عام 1955، بل اضطرته إلى دخول معارك سياسية مختلفة. وقد استقال بن جوريون من الماباي وكوَّن حزب رافي هو وأعوانه عام 1965، وحينما انضم رافي للحكومة دخل بن جوريون هو وجماعة من أتباعه الانتخابات تحت اسم القائمة الرسمية، وقد فاز الحزب بأربعة مقاعد في الكنيست شغل بن جوريون أحدها، ولكنه استقال بعد سنة واحدة واعتزل السياسة. 
ورغم ما عُرف عن بن جوريون في الغرب من ليبرالية واشتراكية، فإنه يرفض الصيغة الاندماجية ويصفها بأنها حل مضلل ويائس يشبه «الوباء». وتتسم كل أفكار بن جوريون بالتبسيط المتطرف والوضوح الشديد، فهو مثلاً يرى تاريخ اليهود على أنه عبارة عن صراع بين قوتين: الاستقلاليين الذين يقاومون خطر المؤثرات الأجنبية، والاندماجيون الذين يرضخون لها. أما الاندماجيون فكان نصيبهم النسيان والذوبان في الأمم الأخرى، ولم يبق سوى كتابات وتنبؤات أولئك الذين حافظوا على إيمانهم بإسرائيل، ورفضوا الاستسلام للقدر الذي أنزله بهم التاريخ (هذا تبسيط مخل، فلم "ينس" أحد أينشتاين أو فرويد وكافكا أو حتى فيلون). ورفض «الجالوت» أو المنفى هو نقطة بدء عند بن جوريون، ففي رؤيته الميلودرامية الأسطورية للواقع والتاريخ، والتي لا يوجد فيها سوى خير خالص يتصارع مع شر خالص، نجد أن المنفى والتشتت هما الجحيم، وأن أرض الميعاد هي بالطبع الفردوس المفقود أو الدائرة التي يجب أن يعود إليها اليهودي). 
ومرض المنفى أو الجالوت الخبيث (الذي وقع بعد ثورة بركوخبا وبعد "طرد" اليهود من فلسطين [تدل الوقائع التاريخية والإحصاءات السكانية أن عدد اليهود في حوض البحر الأبيض المتوسط يفوق عدد اليهود في فلسطين، "قبل" ثورة بركوخبا، أي أن الخروج من فلسطين تم بملء رغبتهم وإرادتهم]) لا يصيب اليهود في أجسادهم فحسب (ومن الذي يقرر أنهم "مرضى"؟ لقد صدر كتاب هاوارد ساخار، المؤرخ الأمريكي اليهودي الصهيوني، بعنوان الدياسبورا، أي المنفى ولا يوجد فيه فصل عن أمريكا الشمالية، أم أنها ليست المنفى)، بل يصيبهم في أرواحهم ونفوسهم أيضاً. ولذا فقد ظن يهود الولايات المتحدة الحاصلون على حقوقهم السياسية والمدنية كاملة أنهم مواطنون أسوياء، ولكنهم في الواقع مرضى منفيون في داخل دولتهم. بل إن بعض الإسرائيليين الذين يعيشون داخل حدود الدولة اليهودية هم أيضاً منفيو الروح. 
ويصف بن جوريون بشيء من التفصيل «مرض المنفى» (في إحدى محاوراته مع موشي بيرلمان الكاتب الإسرائيلي)، وأولى سمات الحياة في الدياسبورا ـ حسب تصوُّر بن جوريون ـ هو أن اليهود يعيشون كأقلية تعتمد بشكل أو بآخر على إرادة الأغلبية، عاجزين عن اتخاذ أي قرارا يتعذبون في أوربا وغير أوربا، شقاؤهم لم يبدأ بالنازيين ولم ينته بسقوطهم (إشكالية العجز وانعدام السيادة والمشاركة في السلطة التي تزعمها الأدبيات الصهيونية). وهم يعيشون حياة اقتصادية هامشية، إذ لا تجد بينهم عمالاً ولا فلاحين، بل يشتغل معظمهم في المدن بعيداً عن مراكز الحيوية في أي حضارة، وأنهم أمة من البقالين والموظفين الذين يعملون بالأعمال الفكرية. وأخيراً يقع يهود المنفى الراغبون في الحفاظ على يهوديتهم في صراع بين ولائهم لحضارة الأغلبية السائدة، وولائهم لحضارتهم اليهودية التي تمتد جذورها إلى الماضي، ولذا يعيش يهود المنفى في ازدواج دائم.
ويشير بن جوريون إلى التلمود الذي جاء فيه أن أي يهودي قادر على العودة لأرض الميعاد ويستمر في الحياة خارجها يُعَد كافراً ويكون كمن هجره الله، كما أنه يشير لحكماء اليهود القدامى الذين قالوا إن المكوث خارج أرض إسرائيل طواعية يُعدّ خطيئة دينية. ويخلص بن جوريون من كل هذا إلى أن حياة اليهود في الدياسبورا مستحيلة وأن "الحياة اليهودية الكاملة لن تتحقق إلا في دولة يهودية مستقلة، حيث يمكن للشعب اليهودي أن يصوغ حياته حسب حاجاته وقيمه، مخلصاً لشخصيته وقيمها، ولتراثها الماضي ولرؤيتها للمستقبل". 
ويهاجم بن جوريون في برنامجه «الثوري» حالة الاتكال والسلبية التي تتسم بها حياة اليهود في الدياسبورا. فاليهودي في الدياسبورا، كما هو حال معظم اليهود، بطل، ولكن بطولته مع هذا بطولة سلبية تأخذ شكل الاستسلام للقدر، كما أنه يتملكه إحساس بالعجز الإنساني، وإيمان بأن الخلاص لن يأتي إلا عن طريق الخالق. إن المنفى بالنسبة لبن جوريون يعني الاتكال، الاتكال السياسي والمادي والروحي والثقافي والفكري "ذلك لأننا غرباء وأقلية محرومة من الوطن ومقتلعة ومبعثرة عن الأرض وعن العمل والصناعة الأساسية، واجبنا هو أن ننفصل كليةً عن هذا الاتكال وأن نصبح أسياد قدرنا، علينا أن نستقل". ويُلخص بن جوريون برنامجه الثوري في أنه لا يرفض الاستسلام للمنفى فحسب، بل يحاول أيضاً إنهاءه على التو، وهو يعتقد أن هذا هو حجر الزاوية: "القضية الحقيقية هي الآن كما كانت في الماضي تتركز فيما إذا كان علينا أن نعتمد على قوة الآخرين أم على قوتنا". على اليهودي من الآن فصاعداً ألا ينتظر التدخل الإلهي لتحديد مصيره، بل عليه أن يلجأ للوسائل الطبيعية العادية (مثل الفانتوم والنابالم مثلاً). 
ولكن ماذا لو رفض يهود المنفى أرض الميعاد، وقرروا البقاء في منفاهم كما فعل هاورد ساخار ويهود الولايات المتحدة والغالبية الساحقة من يهود العالم؟ هنا يتحرك الزعيم الصهيوني ويقرر أنه لو كان الأمر بيده لأرسل بعض الشباب اليهودي متنكرين ليرسموا الصلبان المعقوفة على المعابد اليهودية، حتى يلقوا الرعب في نفوس اليهود الذين يتمتعون بالحياة في المنفى ليهاجروا إلى أرض الميعاد. وحينما كان بن جوريون وزيراً للخارجية وعضواً في المنظمة الصهيونية قام عملاء المنظمة بإطلاق النار على يهود العراق حتى يهاجروا منها إلى إسرائيل. ولكن متى تمت عودة اليهود للفردوس، لإسرائيل، سيكون كل شيء يهودياً: الكتب يهودية، والعمل يهودي، والأبحاث العلمية التي تدرس طبيعة الأرض يهودية. وقد خلق الصهاينة بالفعل في الفردوس الصهيوني الحقل اليهودي، والطريق اليهودي، والمصنع اليهودي، والمنجم اليهودي، والجيش اليهودي. بل إن كل القيم يهودية وكل الأفراد يهود في كل عضو في جسمهم، وكل خلجة في قلوبهم. (عرَّف نحمان بياليك، الشاعر الصهيوني، بأن تطبيع الشخصية اليهودية يعني ظهور البغيّ اليهودية والشرطي اليهودي!). 
والانعتاق الذاتي من المنفى الداخلي والخارجي يكون عن طريق العودة للطبيعة وللأرض: "إن أية أمة مستقلة لابد أن تضرب جذورها في أرض الآباء، تزرعها بأصابعها وتشارك في كل عمل يتطلبه وجودها" (وهذا هو الفكر القومي العضوي). وفي الطبيعة وحدها يمكن لليهودي أن يستعيد إنسانيته المهرقة، كما أنه يمكنه أن يسترجع قواه الخلاقة. ولن يقضي على شخصية اليهودي الهامشية التجارية، شخصية السمسار، سوى العمل العبري في الزراعة، ولذا يتخيل بن جوريون أن العودة لأرض الميعاد هي عودة للطبيعة تنم عن الرغبة في الاتحاد بالوجود يقول: "نهيق الحمير في الحظائر، نقيق الضفادع في البرك، رائحة الزهور المتبرعمة، همس البحر البعيد، ظلال البيارات الآخذة في الإظلام، سحر النجوم في السماء العميقة الزرقة، السماوات البعيدة والمتألقة في نعاس... كل شيء أصابني بالنشوة. آه إنني في أرض إسرائيل. طوال الليل جلست وناجيت السماء". وكل يهودي يبتعد عن تلك الأرض وعن هذه الطبيعة يحمل في قلبه ذكرى هذه الأرض. بل إن بن جوريون يعتقد أن هذه العودة للطبيعة وللبراءة هي المعنى الأساسي للصهيونية. 
ولكن هل هذه الطبيعة حقاً بدائية؟ وهل هي حقاً أرض فراغ تنتظر الفيلسوف الصهيوني الرومانسي ليذهب إليها، لتشحذ قواه الخلاقة وليفرض إرادته عليها وليرغمها أن تمنحه ثمارها؟ وهل هي ـ في حقيقة الأمر ـ أرض بلا شعب؛ طبيعة عذراء تمكنه من التأمل في هدوء وتساعده على التركيز، وتدفعه إلى أن يفكر بشكل بسيط وواضح؟ كل هذه الأسئلة يجيب عليها بن جوريون بالإيجاب نظرياً، ولكن عملياً يعرف بن جوريون، كما يعرف غيره من الصهاينة، أن أرض الميعاد تمور بالعرب وأن على كل حجر توجد بصمة عربية ولذا كان لابد من التأمل ولكن لابد أيضاً من الزراعة المسلحة لابد من الحالوتسيم: الرواد. الهجرة الشعبية (أي الاستيطانية) في تصوُّر بن جوريون لا تعمل حساباً للتاريخ بل تتجاهل الزمان تماماً وتنساب إلى المكان الذي خلقت فيه ظروف مواتية لاستيعابهم (أي مكان الاستيطان) وهكذا تحل صهيون الاستيطانية محل صهيون القلب. إن عدم أخذ التاريخ أو الظروف القائمة في الحسبان مسألة جوهرية بالنسبة لبن جوريون فهو يتحدث بإسهاب عن الإرادة ودورها ويصف الحالوتسيم بأنهم محاربون بناؤون يكرسون كل قواهم لتحقيق أهدافهم. 
وتكتسب هذه العبارات الرومانتيكية معنى واضحاً للغاية، حين يقارن بن جوريون الرواد الصهاينة (أي المستوطنين الصهاينة الأول) بالمستعمرين الأول في أمريكا الذين ذهبوا إلى العالم الجديد مسلحين برؤية ظنوها إلهية، تماماً مثل الصهاينة. ثم يتحدث بن جوريون عن أحزانهم ومتاعبهم التي تحملوها، ثم عن المعارك الضارية التي خاضوها ضد الطبيعة الوحشية والهنود الأكثر وحشية، وعن التضحيات التي قدموها قبل أن يفتحوا القارة "للهجرة الشعبية" والاستيطان. والطريقة التي تحدث بها بن جوريون عن العالم الجديد تبيِّن أنه يعتبر أن الهنود إن هم إلا جمادات أو جزء من الخلفية الطبيعية التي يجب على الرواد هزيمتها وتعديلها لتلائم احتياجات المهاجرين من أنصاف الأنبياء. 
ويعترف بن جوريون نفسه أنه منذ بدأ الاستيطان في أرض الميعاد، الخاوية الطبيعية البدائية، وهو مرتبط تمام الارتباط بالدفاع. ويكتب بن جوريون واصفاً حياة الرواد في هذه الكلمات: "كنا ننتظر مجيء الأسلحة ليلاً ونهاراً، ولم يكن لنا حديث إلا الأسلحة، وعندما جاءتنا الأسلحة، لم تسعنا الدنيا لفرط فرحتنا، كنا نلعب بالأسلحة كالأطفال ولم نعد نتركها أبداً... كنا نقرأ ونتكلم والبنادق في أيدينا أو على أكتافنا". ويبيِّن بن جوريون أنه حتى الآن في إسرائيل يتخذ التعليم الزراعي طابعاً عسكرياً إذ أن له هدفين: واحد زراعي والآخر عسكري، كما أنه يعلن الدور الذي يلعبه الجيش الإسرائيلي في عملية الريادة والاستيطان: "لقد أثبت الجيش كفاءته في عملية الريادة، فقد درب آلاف الشبان والشابات على الحياة في المزارع كما شيَّد الكيبوتسات على الحدود مع قطاع غزة وفي النقب والخليل".
والعنف عند بن جوريون يكتسب بُعداً خاصاً ويصبح غاية في حد ذاته، بل وسيلة بعث حضاري إذ يقول: "بالدم والنار سقطت يهودا وبالدم والنار ستقوم ثانية". وعبارة بن جوريون مبنية على تصور جديد للشخصية اليهودية على أنها شخصية محاربة منذ قديم الأزل: "إن موسى أعظم أنبيائنا هو أول قائد عسكري في تاريخ أمتنا"، ومن هنا يكون الربط بين موسى النبي وموشي ديان مسألة منطقية بل حتمية، كما أنه لا يكون من الهرطقة الدينية في شيء أن يؤكد بن جوريون أن خير مفسر ومعلق على التوراة هو الجيش، فهو الذي يساعد الشعب على الاستيطان على ضفاف نهر الأردن مفسراً بذلك ومحققاً لكلمات أنبياء العهد القديم. وكتابات بن جوريون تزخر بإشارات إلى بركوخبا (البطل اليهودي) والمكابيين والغزو اليهودي لأرض كنعان وبطولات اليهود عبر العصور. بل إن خطابات بن جوريون الخاصة تعبِّر عن أحلامه العسكرية فهو يذكر في رسالة إلى ابنه أن الدولة اليهودية المزمع إنشاؤها في فلسطين سيكون فيها أحسن جيش. 
وكمحاولة لتحقيق هذه الأحلام حينما جاءت الساعة، بذل بن جوريون قصارى وسعه لإنشاء القوة العسكرية الصهيونية، فقد كان من المنادين بفكرة اقتحام الحراسة (والعمل والزراعة والإنتاج) وأسس لذلك جماعة الحارس ثم الهاجاناه، وكان من بين المنادين بتسليح المواطنين اليهود. ولكنه كان يحاول دائماً ألا يصطدم بالقوة الإمبريالية الحاكمة الراعية، أي إنجلترا. وحينما اضطر إلى أن يفعل ذلك، حاول أن يُبقي الاصطدام عند حده الأدنى لتيقُّنه من أن العرب هم العدو الأساسي. وحينما أُنشئت الدولة، قام بحل المنظمات العسكرية الصهيونية كافة، مثل الإرجون والبالماخ، وضمها إلى الهاجاناه وحوَّلها جميعاً إلى جيش الدفاع الإسرائيلي. وقد شغل بن جوريون منصب وزير الدفاع في جميع الوزارات التي رأسها، كما ساهم في صياغة سياسة إسرائيل الخارجية وتأكيد دورها كحارس للمصالح الإمبريالية نظير الحماية الإمبريالية التي تحصل عليها. وفي إطار هذا، عقد تحالفاً مع فرنسا عام 1955 وجهَّز لحرب عام 1956 ليضرب الحكومة المصرية التي كانت آنئذ تمدُّ الثوار في الجزائر بالمساعدة. وقد استمر هذا خط أساسياً للسياسة الخارجية الإسرائيلية حتى وقتنا الحاضر. وقد لعب بن جوريون دوراً مهماً في مسألة المطالبة بالتعويضات الألمانية مثل الدور الذي لعبه إلى جانب غيره من العماليين في إفشال المعارضة اليهودية لاتفاقية الهعفراه المبرمة بين المنظمة الصهيونية العالمية والحكومة النازية، وقضى أيام حياته الأخيرة في كيبوتس سدى بوكر يكتب تاريخاً لليهود في العصر الحديث، وشرحاً للتوراة. 
والمُلاحَظ أن بن جوريون كان متأرجحاً في أفكاره السياسية إذ كان يصرح أحياناً بضرورة التنـازل عن كل الأراضي المحتـلة نظير السـلام مع العرب، ولكنه في أحيان أخرى، بعد رؤية الانتصارات العسكرية الإسرائيلية، كان يصرح بوجوب الاحتفاظ بكل الأراضي. وتفسير ذلك أنه كان يستمد رؤيته للواقع والتاريخ والتوراة والتلمود من انتصارات الجيش الإسرائيلي. وينسى الكثيرون أن بن جوريون كان من أكبر الاشتراكيين الصهاينة وأن فكره "الاشــتراكي" الصهـيوني ملأ عدة مجلدات، ولكن اشتراكيته تنبع في الواقـع من إيمان عميق بتفوق الشعب اليهودي ومن أحلامه المشيحانية، وهي أحلام عنصـرية تستبعد غير اليهود وتجعل الاشتراكية وسيلة طيعة للاستيطان، لا مصدراً للقيم الإنسانية أو وســيلة للتعــامل مع الواقــع بكل أبعاده الطبيعــية والتاريخية. ولبن جــوريون عــدة مؤلفاـــت، من أهمها بعث إسرائيل ومصيرها (1952)، و إسرائيل: سنوات التحدي (1963).
مناحم بيجين (1913-1992) Menahem Begin 
زعيم صهيوني تصحيحي، تلميذ هرتزل وجابوتنسكي، وزعيم حزب حيروت وتحالف ليكود، وسياسي إسرائيلي من الحرس القديم، وهو عضو الكنيست وزعيم منظمة الإرجون السابق. وُلد في بولندا، وتَخرَّج في كلية الحقوق بوارسو ثم انضم إلى منظمة بيتار، وقد اعتقلته السلطات السوفيتية عام 1940 ثم أطلقت سراحه وانضم إلى الجيش البولندي. وعند وصوله إلى فلسطين عام 1942، تولَّى قيادة فرع منظمة بيتار هناك. وفي أواخر عام 1943 تولَّى قيادة الإرجون التي اشتهرت بمذابحها ضد المدنيين الفلسطينيين. 
وقد شكل بيجين منظمة الإرجون التي تميزت عملياتها بالسعي المتعمد لإرهاب العرب وإخراجهم قسراً من فلسطين، أما عملياتها ضد بريطانيا فكانت محدودة، ولكن بيجين، مع هذا، يضخمها ويجعل منها أساطير وملاحم. وقد سببت تصرفات الإرجون بقيادة بيجين ضد حكومة الانتداب بعض الحرج للوكالة اليهودية (ورجال الهاجاناه) فهؤلاء كانوا على اتصال بحكومة الانتداب البريطاني يتلقون مساعداتها وينسقون معها للاستيلاء على فلسطين. فالوكالة اليهودية كانت لا تمانع في ممارسة ضغوط ضد حكومة الانتداب ولكن بأساليب أخف مما كان بيجين يريد، وبشكل أكثر مراوغة وصقلاً. ولكن التناقض الحقيقي بين الهاجاناه والإرجون لم يبدأ إلا حينما حاول بيجين إنشاء سلطة موازية لسلطة بن جوريون، فاستخدم بن جوريون القوة العسكرية المباشرة ضد الإرجون، ثم قام بضم مقاتليه إلى القوات النظامية للجيش الإسرائيلي. 
وفي عام 1949، قام بيجين بتشكيل حزب حيروت الذي ورث شعارات بيتار والإرجون وليحي وفحواها أن الحد الأدنى لأرض إسرائيل هو ضفتا نهر الأردن، وأن القوة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الحد الأدنى، فهذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العرب. ودعا الحزب إلى الاقتصاد الحر وعدم تدخل الدولة في الانشاط الاقتصادي. وقد اعتمد الحزب على شخصية زعيمه مناحم بيجين وقدراته الخطابية الذي قاد المعارضة في إسرائيل وحصل منذ انتخابات الكنيست الثالثة على المرتبة الثانية من حيث القوة العددية، وأتيح له دخول الوزارة الائتلافية برئاسة ليفي إشكول عشية حرب 1967. ثم انضم بيجين ثانيةً إلى حكومة جولدا مائير الائتلافية عام 1969 ليشغل منصب وزير الدولة، ولكنه انسحب منها حين قبلت مبادرة روجرز في أغسطس عام 1970، وعاد من ثم إلى قيادة المعارضة مسجلاً تقدماً مطرداً. ثم صعد تكتل الليكود، الذي أسسه عام 1973، إلى المرتبة الأولى عام 1977 (بسبب تداعيات حرب 1973 وأصوات اليهود الشرقيين). وقد استمر في معارضته انسحاب إسرائيل من أيٍّ من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967. 
وقد ظهر بجلاء رفض العالم لتاريخه الدموي أثناء زيارته لإنجلترا في يناير عام 1972، إذ أدانته الدوائر الإعلامية فيها نظراً للدور الذي لعبه في مذبحة دير ياسين. ومع هـذا، تَعلَّم العـالم الغربي الحـديث المرن كيف يتعامل مع بيجين، فقد استقبلته كل الدول بعد أن فاز حزبه بالانتخابات عام 1977 (على عكس ما حدث مع فالدهايم). وأثناء رئاسته، قام بتغييرات اقتصادية نتج عنها تصاعُد المعدلات الاستهلاكية في إسرائيل. وقد تبادل هو والرئيس السادات الزيارات، وتم توقيع اتفاق كامب ديفيد وصار بيجين بطلاً للسلام وتقاسم مع السادات جائزة نوبل للسلام بعد عامين من بلوغه سدة الزعامة في إسرائيل (في نكتة شهيرة لجولدا مائير قالت: إن السادات وبيجين يستحقان جائزة أوسكار للتمثيل لا جائزة نوبل للسلام). لقد التزم بيجين الفكرة الرئيسية التي التزمها القادة الصهاينة من قبل، وهي أن الصلح مع الدول العربية وفقاً للشروط الإسرائيلية مطلب إسرائيلي دائماً، وأن أساس هذا الصلح اعتراف العرب بالأمر الواقع ضمن ميزان القوة العسكرية القائم، ومضمون التعامل مع إسرائيل ككيان أصيل في المنطقة. فوافق بيجين على الانسحاب من سيناء مقابل انسحاب مصر من المواجهة مع إسرائيل والاعتراف بها اعترافاً كاملاً وتطبيع العلاقات. وأثناء حكومة بيجين تم ضرب المُفاعل النووي العراقي أثناء توليه رئاسة الوزارة. 
وقد أصيب بيجين بالاكتئاب ثم استقال من الوزارة بسب تورُّطه في حرب لبنان («المستنقع اللبناني» على حد قول الصحف الإسرائيلية)، إذ يبدو أن شارون قد أقنعه أن القوات المسلحة الإسرائيلية ستقوم بعملية عسكرية صغيرة من النوع الجراحي الإجهاضي الذي تجيده! ولكن، كما هو معروف، لم تتمكن القوات المسلحة الإسرائيلية من إنجاز هدفها (تحطيم البنية التحتية لكل أعمال المقاومة الفلسطينية واللبنانية) ووجدت نفسها متورطة في حرب طويلة، وبدأت حركات الاحتجاج في إسرائيل. وقد خَلَفه شامير في الوزارة. واستقالة بيجين تذكِّر باستقالة بن جوريون وجولدا مائير اللذين استقالا مفجوعين بواقعهما وبالصراعات التي دارت حول خلافتهما، فتفاعلات حرب لبنان أدت في النهاية إلى استقالة بيجين متأثراً بموجة الهياج العام ضده، إضافة إلى استمرار الصراعات حول خلافته بين كل من إسحق شامير رجل الاغتيالات القديم، وأريئيل شارون، سفاح قبية وصبرا وشاتيلا، وديفيد ليفي اليهودي المغربي الذي يشكل عامل الاستقطاب الرئيسي لأصوات اليهود المغاربة، وموشيه أرينز الذي خلف شارون في وزارة الدفاع. ومن أبرز مؤلفات بيجين التمرد (1951) الذي تناول فيه قصة الإرجون وصرح فيه بفلسفته الداروينية النيتشوية، العلمانية الشاملة. 
الحرس الجديد New Guards 
«الحرس الجديد» تعبير يُطلَق على مجموعة تتميَّز بأن أغلبها من الصابرا من جانب، أي أنهم نشأوا في المستوطن الصهيوني في فلسطين قبل عام 1948 (ولذلك يُطلَق عليهم أحياناً اصطلاح «صابرا ما قبل الدولة»)، كما أنهم من جانب آخر يتميزون بأنهم تولوا صياغة مفهوم الأمن القومي للكيان الصهيوني (الجنرالات يجال يادين وإسحق رابين وموشي ديان ويجال آلون وكذلك شيمون بيريز). ولذلك فإن معظمهم أسسوا مكانتهم السياسية استناداً إلى جهودهم وإنجازاتهم في هذا المجال، كما كان لهم تأثيرهم - من خلاله - على السياسة الخارجية (فشيمون بيريز مثلاً يوصف بأنه «مهندس» العلاقات الإسرائيلية الفرنسية والإسرائيلية الألمانية من خلال دوره في صفقات السلاح التي أبرمت لتلبية احتياجات المؤسسة العسكرية). 
والتصور السائد هو أن الحرس الجديد كان أكثر برجماتية ومرونة من الحرس القديم، وأن ثمة صراعاً فعلياً قد نشب بينه وبين الحرس القديم، ولكن من المعروف أن كلا المجموعتين تنتميان لنفس العقلية أو الذهنية، أي عقلية الهجرة الصهيونية الاستيطانية الثانية. ورغم أن أعضاء الحرس الجديد يعترفون بالوجود العربي نظرياً على عكس أسلافهم، فإنهم يتبنون نفس أسلوبهم في الإصرار على التعامل مع العرب من مركز القوة. ولم يرتبط الذبول التدريجي للحرس القديم بتغير ملموس أو ملحوظ في تصورات النخبة السياسية، وما مواقف إسحق رابين ويجال آلون وشيمون بيريز وياريف إلا إعادة إنتاج لمواقف جولدا مائير وأبا إيبان وإسحق سابير في ظروف جديدة. وكل هذا يؤكد أن الحرس القديم قد صنع الإطار العقيدي للدولة الصهيونية وأن تأثيره يتجاوز مجرد الإمساك بمقاليد السلطة ويمتد إلى القيم والتقاليد والممارسات المستمرة، ويرتبط بالطبيعة الاستيطانية لذات الكيان الصهيوني. هذا ويميِّز بعض الباحثين بين جيلين أو فريقين في الحرس الجديد، الجيل الوسط (موشي ديان - يجال آلون - شيمون بيريز) الذي نبتت صهيونيته واستيطانيته تحت ظلال الإمبريالية الأوربية، مقابل «جيل الأمريكيين» الذي كان يتزعمه إسحق رابين رئيس الوزراء السابق الذي كان ينادي بالاعتماد الكامل على الإمبريالية الأمريكية. وهو تمييز ليس له مقدرة تفسيرية عالية، كما بيَّنت الأحداث اللاحقة، فقد عمل شيمون بيريز بكفاءة عالية تحت المظلة الأمريكية. 
وقد عاش أعضاء الحرس الجديد منذ البداية في الدولة وساهموا في بنائها سواء اقتصادياً أو حربياً ولكنهم لم يساهموا في صناعة الأيديولوجية الصهيونية، وإنما تشرَّبوها ورضعوها، فمحددات فكرهم وسلوكهم هما الصهيونية والحفاظ على الدولة. وقد شهد هذا الجيل ظهور الصهيونية التصحيحية مرة أخرى من خلال انقلاب عام 1977 وانتخاب مناحم بيجين. وقد صاحب هذا تصاعد صوت ممثلي اليهود الشرقيين ودعاة الصهيونية الإثنية ذات الديباجات الدينية. وهذا الجيل هو الذي دخل مفاوضات السلام مع العرب، حيث وجد نفسه بين خيارين، إما التمسك بالمبادئ العامة والأساسية للصهيونية القائمة على التوسع وأرض إسرائيل الكاملة أو الدخول في عملية سلام مع الدول العربية والشعب الفلسطيني، ولكن قيادات ذلك الجيل حاولت المزاوجة بين الخيارين بمعنى عدم التخلي الكامل عن فكرة أرض إسرائيل مع الاستفادة من الاعتراف العربي ونيل الشرعية والقبول. وحدث انقسام بين اليمين ودعاة الصهيونية العمالية، أو بين من يتمسك بالصهيونية القائمة على نفي الشعب الفلسطيني والتمسك بأرض إسرائيل الكاملة من جهة (صهيونية الأراضي)، ومن جهة أخرى الصهيونية العملية التي ترى استحالة استمرار الكيان الإسرائيلي في حالة حرب مستمرة ضد جيرانه ومن ثم وجوب التوصل إلى حل وسط إقليمي (الصهيونية الديموجرافية أو السكانية). وأهم أعضاء الحرس الجديد هم رابين وبيريز وشارون. 
يتسحاق رابين (1922-1995) Isaac Rabin 
زعيم سياسي وعسكري بارز ورئيس وزراء سابق، من الحرس الجديد. اسمه الأصلي إسحق رابينوفيتش، وهو من مواليد القدس. درس في مدرسة زراعية، وتلقى دورات تأهيل عسكرية في إطار البالماخ الذي التحق به عام 1940، ودرس لاحقاً مدة عام في الكلية الحربية للقيادة والأركان في بريطانيا. شارك في حرب 1948 كضابط عمليات، ثم قائد لواء عسكري، ثم ضابطاً للعمليات على الجبهة الجنوبية. وفي عام 1949 شارك في وفد إسرائيل في محادثات الهدنة مع مصر في رودس. شغل خلال الأعوام العشرين التالية مناصب رفيعة في الجيش الإسرائيلي: قائد المنظمة الشمالية (1956 ـ 1959)، رئيس شعبة العمليات ونائب رئيس الأركان (1959ـ 1964)، رئيس الأركان (1964 ـ 1968) حيث قاد الجيش الإسرائيلي خلال حرب 1967. لكنه تقاعد من الجيش في مطلع عام 1968، وعُين في إثر ذلك سفيراً لإسرائيل لدى الولايات المتحدة، وشهدت فترة خدمته سفيراً في واشنطن تحولاً بالغ الأثر في العلاقات الإستراتيجية بين البلدين. 
عاد إلى إسرائيل عام 1973، ونشط في صفوف حزب العمل. وفي ديسمبر 1973 انتُخب وزيراً للعمل في حكومة جولدا مائير. وعقب سقوط حكومة مائير، بسبب نتائج حرب 1973، انتخبه حزب العمل لرئاسة الحكومة. وفي يونيه 1974 نالت حكومته ثقة الكنيست. واختار إسحق رابين شيمون بيريز وزيراً للدفاع خشية انسحاب كتلة رافي من حزب العمل. واشتد الخلاف بين الرجلين واستفاد بيريز من حالة التوتر والإرهاق العصبي التي أصابت رابين، وصارت السياسة صراع مزايدات بينهما. وفي ظل هذه الحكومة تم التوصل بوساطة أمريكية إلى اتفاقات فصل القوات مع مصر وسوريا (1974)، وإلى الاتفاق المرحلي مع مصر (1975). كما تم، خلال عام 1975، توقيع أول مذكرة تفاهم بين إسرائيل والولايات المتحدة. 
وقد انتهت حكومة رابين نهاية غير طبيعية عبر طرح الثقة في الحكومة وسقوطها، إثر قيام رابين باستقبال طائرات حربية جديدة من طراز إف - 15 قادمة من الولايات المتحدة في يوم السبت، وهو ما اعتبره حزب أجودات يسرائيل خرقاً لحرمته. كما تمكن بيريز من كشف فضيحة مالية لزوجة رابين (تدور حول احتفاظها بحساب بالدولار في الولايات المتحدة خلافاً للقوانين التي تحظر ذلك) الأمر الذي سد الباب أمام عودة رابين إلى رئاسة الحزب في تلك الفترة. وتدل سيرة الخدمة العسكرية لرابين وشخصيته في ظاهرهما على الثقة والتماسك بل الصلابة، ولذلك فإن انهياره العصبي عشية حرب 1967 وإصابته بهستيريا الذعر وهو في قمة المناصب العسكرية، تدل على هشاشة التركيب المعنوي حتى للنخبة الإرهابية التي رُبيت في البالماخ، وتبيِّن الأساس الموضوعي لما يُسمَّى «الهاجس الأمني». 
وقد ظل رابين في حزب العمل في مقدمة الصف الأول، وظل محور استقطاب كبير في أوساط الحزب، وإن استسلم أمام بيريز قانعاً بأن يصطف وراءه حتى حانت له الفرصة عام 1992 ليحتل منصب رئيس الحزب ورئيس الوزراء مرة أخرى. وقد بقي رابين بعد هزيمة حزب العمل في انتخابات عام 1977 عضو كنيست في المعارضة وشارك في عضوية لجنة الشئون الخارجية والأمن. وخلال غزو لبنان عام 1982 قدم دعمه العلني لوزير الدفاع آنذاك أريئيل شارون. وفي ظل حكومة الوحدة الوطنية (1984 ـ 1990) تولَّى رابين منصب وزير الدفاع، وقدم عام 1985 اقتراح انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، وإنشاء الحزام الأمني في الجنوب اللبناني. ولدى نشوب الانتفاضة عام 1987 انتهج رابين ضدها سياسة قمعية بالغة العنف، متبعاً سياسة تكسير العظام التي قوبلت باستنكار دولي واسع. 
وحانت الفرصة لرابين ليقود الحكومة الإسرائيلية في ظل أجواء عملية التسوية المنبثقة عن مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 ويُقال إثر احتدام الخلاف بين حكومة الليكود بقيادة إسحق شامير والإدارة الأمريكية بقيادة بوش حول موضوع الاستيطان. وفي الانتخابات الحزبية التي جرت قبيل انتخابات الكنيست عام 1992 فاز رابين على منافسه شيمون بيريز، وقاد حزب العمل إلى الفوز في انتخابات الكنيست، وألَّف حكومة عمالية احتل فيها منصبي رئيس الحكومة ووزير الدفاع. وخلال هذه الفترة أبرم اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) ومن ثم الاتفاق المرحلي (اتفاق طابا)، كما أبرم خلال عام 1994 معاهدة السلام مع الأردن. وقد اغتيل رابين في تل أبيب يوم 4 نوفمبر 1995 على يد أحد أعضاء اليمين الديني،المعارض لاتفاقات التسوية. 
ويبدو أن موافقة رابين على توقيع اتفاقات تسوية الفلسطينيين بمنزلة تطوير في رؤيته للوجود العربي وإدراك منه لعمق الأزمة التي تواجه المشروع الصهيوني. ومع هذا يمكن القول بأن الانتفاضة والمقاومة التي أظهرها الشعب الفلسطيني جعلته يدرك أزمة الصهيونية وعدم قدرتها على الاستمرار في الاحتلال بنفس الأساليب القديمة، فكانت فكرة الحكم الذاتي التي تقوم على سيطرة إسرائيل على الأرض دون الشعب. فرابين - شأنه شأن معظم الزعماء الصهاينة من اليمين واليسار - كان يتمنى أن يستيقظ ليرى قطاع غزة وقد غرق في البحر من شدة أعمال المقاومة ضد الجيش الإسرائيلي فيه. وقد مكنته اتفاقات التسوية من الحصول على جائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع كل من بيريز وعرفات. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Empty
مُساهمةموضوع: شـيمون بيريـز (1923) – Shimon Peres    الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Emptyالإثنين 17 مارس 2014, 6:33 am

شـيمون بيريـز (1923) – Shimon Peres 
رئيس وزراء عمالي سابق، ومن أبرز الشخصيات التي تتلمذت على يد بن جوريون، وهو من الحرس الجديد. وُلد في بولندا ثم هاجر إلى فلسطين عام 1934 (وهو بعد في العاشرة من عمره)، ودرس في إحدى المدارس الزراعية، ودرس لاحقاً في جامعة نيويورك ثم في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد. عيَّنه بن جوريون، خلال فترة 1947 ـ 1948، مسئولاً عن مشتريات الأسلحة والتجنيد في هيئة أركان الهاجاناه، ثم مسئولاً عن سلاح البحرية عام 1948، ورئيساً لبعثة وزارة الدفاع في الولايات المتحدة عام 1949. وقد شغل خلال فترة 1952 ـ 1953، منصب نائب المدير العام لوزارة الدفاع، ثم مديراً عاماً لها لمدة سبعة أعوام (1953 ـ 1959). وخلال هذه الفترة أعاد تنظيم وزارة الدفاع، وبادر إلى إنشاء الصناعات الجوية والمشروع النووي الإسرائيلي، وكان مسئولاً عن تطوير العلاقات الخاصة مع فرنسا. وفي عام 1959 انتُخب عضواً في الكنيست ثم عمل نائباً لبن جوريون في وزارة الدفاع من 1959 - 1965، حيث وضع الأساس للبنية التحتية العلمية للأسلحة النووية في إسرائيل. وقد قام، كذلك، بتطوير العلاقة بين الدولة الصهيونية وألمانيا الغربية لتزويد إسرائيل بأسلحة ألمانية. 
ويُلاحَظ أن بيريز ظهر دائماً ضمن ثنائي يقف من ورائه بن جوريون، والأول في هذا الثنائي كان موشى ديان. وكان تعيين بيريز في منصب المدير العام لوزارة الدفاع راجعاً إلى أن بن جوريون كان يستهدف أن يضمن الولاء الشخصي لقيادته، فبيريز ليس من العسكريين أساساً، ولا من الأسماء اللامعة في المنظمة الصهيونية أو الوكالة اليهودية، ولكنه استمد خبراته من الحقل النقابي الطلابي ومن العمل الحزبي في نطاق حركة العمل. وقد تغلغل نفوذ بيريز في كل من المجتمع العسكري والمؤسسة العسكرية وصارت كلمته نافذة في الجيش، كما صارت له مكانة خاصة لدى بن جوريون وحزب الماباي أيضاً، الأمر الذي أثار تخوف القادة المخضرمين مثل ليفي إشكول وإسحق سابير وجولدا مائير. 
وإثر انسحاب بن جوريون من حزب الماباي عام 1965، بسبب تداعيات فضيحة لافون، شارك بيريز مع بن جوريون وموشي ديان في تأسيس حزب رافي، وعُيِّن سكرتيراً عاماً للحزب. ولكن الحزب فشل في الحصول على أغلبية نسبية تمكنه من تشكيل الحكومة (10 مقاعد في انتخابات عام 1965). ولكن شخصية وطموحات كل من بيريز وديان جعلتهما يرفضان الانتظار في صفوف المعارضة. ومع تصاعد نذر حرب عام 1967 تم تشكيل حكومة وحدة وطنية عُيِّن ديان فيها وزيراً للدفاع. وفي أواخر عام 1967 قرر كل من ديان وبيريز أن يعودا إلى حزب العمل بعد أن أعلنا حل رافي تاركين بن جوريون في الفراغ. وعكف بيريز على العمل الدؤوب داخل الآلة الحزبية من أجل الاندماج من جديد في الحزب والتعبير عن ولائه بجهد يعوض اهتزاز ذلك الولاء سابقاً. 
شغل بيريز مناصب وزارية مختلفة في فترة 1969 - 1977 منها وزير استيعاب وهجرة، ثم وزير المواصلات والاتصالات 1970 - 1974، ثم وزير الإعلام في مارس 1974، ثم وزير الدفاع في حكومة رابين في فترة 1974 - 1977 التي شهدت توقيع الاتفاق المرحلي مع مصر عام 1975، وقد شارك بيريز في المفاوضات المؤدية إليه. ثم شهدت هذه الفترة بداية الصراع بين بيريز ورابين منذ انتخاب رابين زعيماً خلفاً لجولدا مائير، وهو المنصب الذي كان بيريز يطمح إليه بعد تضعضع سلطة موشي ديان. 
وفي عام 1977 انتُخب بيريز رئيساً لتجمع المعراخ. ولدى تأليف حكومة الوحدة الوطنية عام 1984، تولى بيريز فيها منصب رئيس الحكومة مدة عامين 1984 - 1986 ثم منصبي نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية (1986 - 1988). وخلال فترة ولايته كرئيس للحكومة انسحبت إسرائيل من جزء من الجنوب اللبناني (1985)، وطبقت خطة لتثبيت الاقتصاد الإسرائيلي. وفي حكومة الوحدة الوطنية الثانية (1988 - 1990) تولَّى بيريز منصبي نائب رئيس الحكومة ووزير المالية. وبعد انسحاب حزب العمل من الحكومة قاد المعارضة في الكنيست حتى عام 1992. 
وقبيل انتخابات الكنيست عام 1992 نافس إسحق رابين شيمون بيريز على رئاسة حزب العمل في الانتخابات الداخلية في فبراير عام 1992، ولكن الفوز كان من نصيب رابين. وشهدت الفترة التالية هدوءاً داخلياً أسهم في فوز حزب العمل في انتخابات الكنيست، وتم تعيين بيريز وزيراً للخارجية في حكومة رابين التي ألفها في يونيه 1992، وأدَّى دوراً أساسياً في إبرام اتفاقي أوسلو وطابا مع منظمة التحرير الفلسطينية وفي توقيع معاهدة السلام مع الأردن. وإثر اغتيال رابين في نوفمبر 1995، شكَّل بيريز حكومة جديدة برئاسته واحتفظ فيها بمنصبي رئيس الحكومة ووزير الدفاع. ورغم هزيمة حزب العمل في انتخابات الكنيست عام 1996 استمرت طموحات بيريز في التمسك بالسلطة وذلك عبر مقترحات تشكيل حكومة وحدة وطنية بين العمل والليكود. ومع إجراء الانتخابات الداخلية للحزب في يونيه 1996 تمكن إيهودا باراك من الفوز برئاسة الحزب منتصراً على يوسي بيلين الذي يدعمه بيريز. وما يزال بيريز مصراً على الاستمرار في الساحة السياسية وعدم اعتزال العمل السياسي، ولتحقيق هذا الهدف أسس معهد بيريز للسلام ضم في مجلس أمنائه كلاً من كارتر وجورباتشوف. 
ويُعدُّ بيريز المُنظر الأساسي للسوق الشرق أوسطية وفكرة إدماج إسرائيل في المنطقة عبر إنشاء نظام إقليمي للتعاون الأمني والاقتصادي. وقد طرح تلك الآراء في كتابه الشرق الأوسط الجديد، معتبراً فيه أن السلام والتعاون الاقتصادي كفيلان بحل بنية تحتية ومشاريع اقتصادية مشتركة تكفل الأمن لإسرائيل، بحيث تتم تحالفات بين إسرائيل والنظم العربية لمواجهة خطر الإرهاب وصعود الحركات الإسلامية. ولكن التناقضات الداخلية لتلك الرؤية أسفرت في النهاية عن فشل بيريز في الفوز في انتخابات الكنيست عام 1996، رغم ارتدائه بزة الحرب وتنفيذ عملية عناقيد الغضب ومذبحة قانا في مارس 1996، ورغم الدعم الخارجي من قبَل الولايات المتحدة له ولحزب العمل. 
أرييل شارون (1933)– Ariel Sharon 
زعيم صهيوني من الحرس الجديد من مواليد كفار ملال. درس التاريخ وعلوم الاستشراق في الجامعة العبرية في القدس، وأكمل تحصيله الجامعي في كلية الحقوق في تل أبيب،ثم حصل على شهادة جامعية عام 1996. اسمه الأصلي أريئيل صموئيل مردخاي شرايبر، وهو من يهود بولندا أصلاً، وقد عاش أبوه بعض الوقت في القوقاز أيضاً، ثم هاجر إلى فلسطين وعمل مزارعاً في مزارع الموشاف، وأرسله والده إلى الكلية الزراعية ولكنه لم يكن راغباً في الدراسة. وقد اشترك في الحرب الصهيونية ضد العرب عام 1948 وأصيب في بطنه (بينما كان يحرق أحد الحقول) وكاد يُقتل لولا أن قام جندي شاب بنقله إلى مكان آمن (وقد أصبح ولاؤه أثناء القتال لا يتجه إلى الوطن ككل وإنما إلى المقاتلين معه وحسب. وقد صارت هذه إحدى العقائد الأساسية في الجيش الإسرائيلي). 
لم يبرز شارون إلا بعد عام 1948 كضابط في الوحدات الخاصة التي تعمل بإمرة الاستخبارات العسكرية للقيام بالأعمال الانتقامية ضد مخيمات اللاجئين والقرى الفلسطينية الحدودية حيث عهد بهذه الغارات إلى وحدة خاصة أُنشئت في أغسطس 1952 وأطلق عليها اسم «الوحدة 101». وقد اختار شارون أفراد الوحدة («شياطينها» كما كانوا يُدعون) بنفسه من مجرمين وأصحاب سوابق ولصوص وقتلة، فاتجه إلى قرية قبية العربية الفلسطينية التي تقع شمال القدس على بُعد كيلو مترين من حدود 1967، ثم طوقت قواته القرية وغمرتها بوابل من نيران المدفعية فدكت القرية دكاً على مَن فيها، ثم تقدم المشاة وأجهزوا على الباقين على قيد الحياة. وقد دلت مواضع الإصابات في أجسام الضحايا الذين سقطوا قرب أبواب بيوتهم من الداخل على أنهم لم يُعطوا فرصة مغادرتها (كما يقول تقرير قائد مراقبي هيئة الأمم مما يجعل قبية قريبة من قانا). وقد استعمل في هذا الهجوم جميع أسلحة المشاة من بنادق ورشاشات برن وستن وقنابل يدوية وقنابل حارقة ومتفجرات. 
ويتلخص «نجاح» شارون في هذه المذبحة فيما يلي: 
1 - نسف 41 داراً للسكنى. 
2 - قتل 69 شخصاً نصفهم من النساء والأطفال. 
3 - قتل 20 رأساً من الماشية بينها بقر وخراف وماعز. 
وقد أنكر بن جوريون - رئيس الوزراء الإسرائيلي آنئذ - علمه بالعملية وأكد أنه قام بتحقيق دقيق أسفر بما لا يقبل الشك عن أن جميع وحدات الجيش الإسرائيلي كانت في ثكناتها! وقد تنصل بن جوريون من هذا "النجاح" العسكري نظراً لدمويته، ولكن كتاب المظليين الإسرائيلي الصادر عام 1969 لم يتردد في التباهي بهذه العملية «الناجحة» التي غسلت عار الهزائم التي لحقت بجيش إسرائيل في غاراته الانتقامية السابقة. 
ولكن يبدو أن "نجاح" عملية قبية الباهر لم يؤت أُكله إذ أننا نجد أن الجنرال يشترك في حروب "ناجحة" الواحدة تلو الأخرى دون توقف، وكأنه آلة حرب دقيقة الصنع تحرز نجاحات "عديدة متتالية". (ولكن ألا يثير تكرار "الحروب الناجحة" بعض الشك عن مدى نجاحها لأن الحرب "الناجحة" حقاً هي الحرب التي تحقق السلام والطمأنينة والأمن الدائم للمحارب وأهله وشعبه؟). 
عُيِّن شارون قائد لواء مدرع في العدوان الثلاثي على جبهة سيناء، واحتل ممر متلا مخالفاً بذلك الخطة العامة التي كانت تهدف إلى ترك حامية الممر تسقط من تلقاء نفسها حينما يتم تجاوزها وتصبح قوات العدو خلفها (فمن عادة شارون مخالفة الأوامر). ثم تلقى تعليماً عسكرياً في فرنسا بعد حرب 1956، ثم تم تعيينه قائد لواء مدرع (1962 ـ 1964)، ورئيس هيئة أركان المنطقة الشمالية (1964 ـ 1969)، وقائد المنطقة الجنوبية (1968 ـ 1973). وكان قائد القوات الإسرائيلية التي عبرت في حرب أكتوبر 1973 قناة السويس من سيناء إلى الضفة الغربية للقناة وفتحت ثغرة الدفرسوار وهو ما أكسبه سمعة عالية. وقد وصفه زملاؤه بأنه « شيء هادئ الأعصاب... لا يمكنك أن تعرف إن كنت تحبه أو تكرهه، وإن كنت تُعجب به أم تخاف منه». وبعد "نجاح" 1967 (حين "انتصرت" القوات الإسرائيلية على القوات العربية) نجد أن شارون "ينجح" في طرد 600 بدوي من ديارهم في رفح ليحقق بعض الأمن في غزة (فقد كان قائد المنطقة الجنوبية) وتم دمج هذه الوحدة بقوات المظليين. 
ولم يكد شارون يُحال إلى الاحتياط عقب الحرب حتى سارع إلى استثمار السمعة العسكرية التي جناها من الحرب لدخول الساحة السياسية، شأنه شأن كثير من الجنرالات الإسرائيليين. فشرع يشكل حركة سياسية بزعامته يتقدم بها إلى انتخابات عام 1977، مع ملاحظة أنه كان في شبابه عضواً غير نشيط في حزب الماباي ثم الحزب الليبرالي. وفي ظل صعوبة حصوله على أصوات كثيرة عمد إلى إجراء اتصالات مع جميع القوى السياسية حتى تلك التي تتبنى أفكاراً سياسية مختلفة تماماً مثل يوسي ساريد، وأشار لهم بأنه مستعد لممارسة مرونة كفيلة بأن تدهشهم إذا هم قبلوا الانضواء تحت لواء قائمته. وتشير تجربة الغزو اللبناني إلى أن وزير الدفاع شارون لم يتغير عن قائد الوحدة 101، وأن سفاح صابرا وشاتيلا هو بعينه سفاح قبية، وعليه فإن تلويحه بالمرونة والاعتدال يجب أن يُفهم في سياق المناورة السياسية. وجاءت نتيجة انتخابات 1977 لتفوز قائمة شارون بمقعدين، ثم انضم إلى تكتل الليكود شاغلاً مقعد وزير الزراعة ثم وزير الدفاع. وقد كان هو المحرك الرئيسي وراء غزو لبنان عام 1982. وقد اضطر شارون إلى الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع عام 1983 إثر تقرير لجنة تحقيق رسمية حملته المسئولية غير المباشرة عن مذبحة صابرا وشاتيلا. وقد استمر شارون في الوزارات التي شارك فيها الليكود بعد ذلك، حيث شغل منصب وزير بلا حقيبة (1982 - 1984)، ثم وزير الصناعة والتجارة (1984 - 1988) ووزير البناء والإسكان (1988 - 1992). 
ويكشف صعود شارون إلى مراكز السلطة بهذه السرعة، ومكوثه في الوزارة بعد أن تحمل خسائر حرب لبنان، ونجاحه في تثبيت مواقعه داخل الليكود، بل منافسة شامير نفسه على زعامة الحزب، يكشف ذلك عن الشعبية التي يتمتع بها العسكريون المتشددون في الكيان الصهيوني. تولَّى شارون منصب وزير البنية التحتية في حكومة الليكود برئاسة نتنياهو التي تم تشكيلها إثر انتخابات عام 1996، واستمر في السعي من أجل لعب دور أساسي في القضايا الإستراتيجية، حيث ضغط من أجل ضمه إلى المجلس الوزاري المصغر إلى جانب نتنياهو ووزيري الخارجية والدفاع (ديفيد ليفي وإسحق مردخاي)، واعترض الأخيران على ذلك.
التقى شارون بمحمود عباس (أبو مازن) في يوليه 1997 ليرد على منتقديه الذين رأوا أن دخوله مجلس الوزراء المصغر سوف يعقد المفاوضات مع الفلسطينيين مشيراً إلى أنه الوحيد الذي يعرف كيف يتعامل مع الفلسطينيين. وقد تنازل عن ذلك الذي ظل ينادي به لسنين طويلة، وهو حرمان الدولة الفلسطينية المستقبلية من أي استمرارية جغرافية (يعتقد شارون أن المحافظة على الاستمرارية والاتصال الدائم بين المستوطنات اليهودية داخل الأراضي الفلسطينية يمكن أن تتم خلال بناء الأنفاق تحت الأرض والجسور والطرق الالتفافية بدلاً من البقاء على الاتصال الجغرافي المباشر بين تلك المستوطنات). وقد عرض شارون خريطة على أبو مازن في 16 يوليه 1997 لأنه أراد كما قال "أن يعرف الفلسطينيون ولآخر مرة ما هو موقف إسرائيل من اتفاقية الوضعية النهائية، وما الذي يمكنها أن تفعله، وما الذي لا يمكنها أن تفعله أبداً، ولماذا". ومضى شارون ليقول: "هذه أمور لابد للفلسطينيين أن يفهموها لأنني أعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي يسمعونها منا". ويُعدُّ شارون من أهم أنصار نظرية الضم التدريجي للضفة الغربية. وفي مقال له بجريدة معاريف في نهاية عام 1981 تحت عنوان "المشكلات الإستراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات" يتطلع شارون إلى وجوب أن تتخطى فكرة المصلحة الإستراتيجية لإسرائيل المجال المتمثل تقليدياً بالدائرة المحيطة بإسرائيل إلى: 
مجالين جغرافيين آخرين لهما تأثيرهما الأمني: 
1 - الدولة العربية البعيدة التي يضيف تعاظم قدراتها العسكرية بُعداً بالغ الخطورة للخطر المباشر الذي يتهدد إسرائيل، سواء عن طريق إرسال قوات خاصة إلى منطقة المواجهة، أو عن طريق القيام بعمليات جوية وبحرية مباشرة ضد خطوط المواصلات الجوية والبحرية الإسرائيلية. 
2 - تلك الدول التي يؤثر التوجه السياسي الإستراتيجي فيها على الأمن القومي الإسرائيلي مثل إيران وتركيا وباكستان ومناطق الخليج الفارسي وأفريقيا، ولا سيما دول أفريقيا الشمالية والوسطى. وهذه الإستراتيجية لا ترى في الضفة وغزة إلا خطاً خلفياً يقع في قلب إسرائيل، الأمر الذي يتطلب المزيد من مصادرة الأراضي وتفريغها من السكان العرب. 
ومن الواضح أن شارون سيكون له دور حاسم هذه الأيام. فهو مصمم على تقرير الضرورات الأمنية والجغرافية في قطاع غزة والضفة الغربية من خلال المحادثات مع الفلسطينيين. وقد أصبح شارون أهم دعاة المشاركة الإستراتيجية بين إسرائيل والمملكة الأردنية الهاشمية ملغياً بذلك الخيار الذي طالما نادى به كثيرون في إسرائيل وهو إقامة دولة فلسطينية في الأردن. كذلك قَبل شارون مبدأ السيادة الفلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة (من دون القدس بالطبع). والتحدي الذي يراه شارون في التعامل مع الفلسطينيين هو إيجاد إطار سياسي ودبلوماسي ناجح يساعد على تحديد واحتواء صلاحيات الدولة الجديدة ومساحتها الجغرافية. وتنقل مصادر عن شارون قوله: "يجب على إسرائيل أن تحتفظ في أي تسوية نهائية بمنطقة أمنية في الشرق لا يقل عرضها عن عشرين كيلو متراً وحزام أمني في الأجزاء الغربية من الضفة الغربية يتراوح عرضه بين 7 و10 كيلو مترات". وفوق ذلك يجب أن تبقى القوات الإسرائيلية بصورة دائمة في غور الأردن، وأن تهيمن على جميع الطرق والممرات الجوية والبحرية في الأراضي الفلسطينية. 
ومن الواضح أن شارون يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية هي: 
أولاً: يريد شارون من الجميع أن يفهموا «الخطوط الإسرائيلية الحمراء» مع إبداء رغبة في فهم المطالب الفلسطينية. 
ثانياً: إعادة المصداقية والثقة إلى المواقف التفاوضية الإسرائيلية. 
ثالثاً: تحقيق تنسيق ناجح بين الموقف الإسرائيلي والموقف الأمريكي. 
وقد تم الاتفاق بين نتنياهو وشارون على تسوية مؤقتة يحق بموجبها لنتنياهو التشاور مع شارون في الشئون السياسية والأمنية دون أن يدخل مجلس الوزراء المصغر فعلاً. ورغم هجوم شارون على نتنياهو إلا أنه لم يصعِّد من خلافاته معه، مقابل تزايد دور شارون في الحكومة.
ديفيـد ليفـي (1937 - ) David Levy 
وزير الخارجية السابق، ورئيس حزب جيشر، من أعضاء جيل الحرس الجديد من الناحية التاريخية، ولكنه من الناحية الفعلية تم استبعاده من صنع القرار، ولعل هذا هو الذي أدى به إلى الاستقالة. وديفيد ليفي زعيم يهودي سفاردي، وهو من أصل مغربي. وُلد لأبوين محدودي الدخل، هاجر إلى إسرائيل عام 1957 مع من هاجر من السفارد (أي في سن العشرين) وعمل كعامل زراعي أجير في الكيبوتسات القريبة من بيت شان وبعد ذلك عمل في مجالات البناء. وهو ينتمي إلى هذا الجيل الذي يتحدى هيمنة الإشكناز على تأكيد الأمور. ويُقال إن أصوله الطبقية المتواضعة والسفاردية تحد من رغبته في تبوء زعامة حزب الليكود. انتُخب لمجلس بلدية بيت شان (1967) ثم رئيساً للمجلس. وكان رئيساً لحركة حيروت في الهستدروت في نفس الفترة. دخل الكنيست عام 1969 ثم أصبح وزيراً في حكومة الليكود عام 1977 (وزير الهجرة ثم وزير البناء والإسكان) وتطلع لرئاسة الحزب ولكنه فشل في مساعيه وانتهى به الأمر بالانشقاق عن الليكود وتأليف حزب جيشر. ولكن نظراً لظروف انتخابات عام 1996، فقد خاض حزب جيشر الانتخابات في قائمة واحدة مع الليكود، حيث حصل تكتل (الليكود - جيشر - تسومت) على 32 مقعداً منها خمسة مقاعد لحزب جيشر، وتولَّى على أثرها ليفي وزارة الخارجية حتى استقالته منها في يناير 1998. 
وكان ليفي متردداً في الخروج من الحكومة رغم تهميشه الواضح وذلك لحسابات انتخابية تتمثل في خشيته - مثل باقي أعضاء الائتلاف الحكومي - من إجراء انتخابات برلمانية جديدة غير مستعد لها في الوقت الراهن، مما زاد من ازدراء نتنياهو له وتجاهل مطالبه فيما يتعلق بالموازنة لصالح حركة شاس. ولكنه استقال في نهاية الأمر. بعد أن صرح بأن الحكومة توزع ملايين الشيقلات على القطاعات الحزبية المختلفة وتترك الطبقات الفقيرة دون أموال. وفي موضوع الميزانية حدث تنافس حاد بين حركة ليفي وحزب شاس، فالأخير رسخ قواعد انتخابية وسط اليهود الشرقيين في إطار التشديد على هوية يهودية شرقية تقليدية ذات ملامح دينية أرثوذكسية، وإرسال حزب إلى الكنيست يتصرف كأنه مجموعة مصالح تمثل قطاعاً سكانياً معيناً، وتستمد لدخول أي ائتلاف بشروطها طالما كان ذلك في مصلحة المجموعة السكانية التي تمثلها، وفي المقابل لم تنجح حركة جيشر في تأسيس هذا النوع من القواعد الجماهيرية، فتجاهل نتنياهو مطالب ليفي لصالح شاس، وتبين لليفي أن وجوده في حكومة نتنياهو لن يساعده على تثبيت وضعه جماهيرياً بل قد يعوقه. 
النخبـة الجديدة The New Elite 
«النخبة الجديدة» مصطلح في الخطاب السياسي الإسرائيلي (ويمكن أيضاً تسميته «جيل القوة») يشير إلى جيل السياسيين الذي ظهر بعد الحرس القديم والحرس الجديد، وذلك بعد أن تفاقمت التناقضات في المجتمع الإسرائيلي في مختلف المجالات والمستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وظهرت التناقضات واضحة في علاقة الفرد بالمجتمع والدولة، ويحاول جيل النخبة الجديدة نقل المجتمع إلى مرحلة جديدة تتميَّز بالتحرر من الأيديولوجيا الصهيونية والسياسة المتصلة بالأعباء الجماعية. وهذا الجيل تطغي عليه الهوية الإسرائيلية، فهو عندما يعمل سواء في المجالين المدني أو العسكري فإنه لا يعمل بناء على دوافع أيديولوجية واضحة، كما كان الجيل السابق (الحرس القديم والحرس الجديد)، ولكن بناء على ضرورات الحياة وضرورة التعامل مع الواقع السياسي، فإذا كانت الأجيال السابقة تحكمها عقدة الضياع أو الخوف على الدولة، فإن ذلك الجيل قام ونشأ في ظل وجود الدولة وعاش فيها. 
وأعضاء هذا الجيل، شأنهم شأن أعضاء الحرس الجديد، واجهتهم مشكلة التمسك بالاستعمار الاستيطاني الإحلالي من جهة، وصعوبة استمرار الكيان الصهيوني في حالة حرب وعداء دائم مع جيرانه في ظل حقيقة وجـود الشـعب الفلسـطيني واستحالة نفيه أو تغييبه من جهة أخرى. وقد عاش أعضاء هذا الجيل في الفترة التي أعقبت انتصار 1967 الذي لم يدم طويلاً مع حرب 1973، كما عاش ما مرت به إسرائيل من تطورات دعَّمت التناقضات داخل المجتمع مثل غزو لبنان والانتفاضة الفلسطينية. وقد شاهد أعضاء هذا الجيل تفاقم التناقضات داخل التجمُّع الصهيوني وأزمة الصهيونية. 
ولذلك ينقسم أعضاء ذلك الجيل الجديد إلى فريقين رئيسيين في الموقف من عملية التسوية وإنهاء حالة الحرب وحلم إسرائيل الكبرى، فريق مندفع مع هذه العملية دون خوف بحافز من الثقة بالنفس ورسوخ الدولة من ناحية والرغبة في التمتع بمزايا السلام والأمن ومغريات الحياة من ناحية أخرى (ممثلو الصهيونية العمالية)، وفريق يرفض هذه العملية رفضا مطلقاً ويعتبرها تهديداً للدولة التي ثبتت أركانها، وتنازُلاً عن حلم أرض إسرائيل الكاملة، وهو تنازل عن حق ينبغي عدم التفريط فيه (ممثلو الصهيونية التصحيحية والصهيونية ذات الديباجات الدينية). ويرتبط بذلك الفريق الأخير تصاعد ونمو الروح القومية الصهيونية والدينية ممثلة في كل من اليمين العلماني واليمين الديني. وهناك تمايزات داخل كل فريق وخصوصاً الفريق الأول. 
وكانت بداية التحول إلى الجيل الجديد في الليكود حيث انتصر السياسي الجديد بنيامين نتنياهو عام 1993 على خصومه واستطاع أن يحصل على لقب زعيم المعارضة ثم رئيس الوزراء بعد انتخابات الكنيست عام 1996. وقد تأخر الأمر بعض الشيء في حزب العمل، فرغم صعود الجيل الجديد ممثلاً في إيهود باراك وحاييم رامون ويوسي بيلين، إلا أن قيادات الحرس الجديد ممثلة في رابين وبيريز استطاعت الهيمنة على مقاليد الأمور رغم تمرُّد حاييم رامون وانسحابه من الحزب عام 1994 وتشكيله قائمة مستقلة في انتخابات الهستدروت. ولكن اغتيال رابين (نوفمبر 1995) وهزيمة الحزب في انتخابات 1996 عجلت بإنهاء سيطرة الحرس الجديد، ليفوز إيهود باراك برئاسة الحزب في يونيه 1996 مطيحاً بشيمون بيريز. وأهم أعضاء هذا الجيل دون منازع هما باراك ونتنياهو. ويمكن أن نضم لهما إسحق مردخاي. 
إسحق مردخاي (1944)– Isaac Mordechai 
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق. من أصل عراقي كردي، وهو مطلق وأب لاثنين من الأولاد، كان أبوه يعمل حاخاماً. هاجر إلى الدولة الصهيونية عام 1950 (أي وهو بعد في السادسة) فأقام هو ووالدته في أحد المعابر لمدة عشر سنوات (وهو أمر طبيعي بالنسبة ليهود العالم الإسلامي وحدهم) ثم انتقل إلى طبرية (التي يسكنها عدد كبير من يهود كردستان العراق). درس التاريخ في جامعة تل أبيب وحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة حيفا وتخرج من كلية القيادة والتوظيف بإسرائيل. 
انخرط مردخاي عند تقاعده في سلك السياسة (شأنه شأن كثير من الجنرالات الإسرائيليين مثل إيهود باراك وأريئيل شارون). وقد عُرف بطموحه وعناده واستقلاليته. كان مردخاي وليفي (قبل استقالة هذا الأخير) يكوِّنان جناحاً داخل الائتلاف الحاكم من أجل الالتزام باتفاق أوسلو، وتنفيذ مراحل إعادة الانتشار كما نصت عليها الاتفاقات. وإثر استقالة ليفي أشار مردخاي إلى أنه سيستقيل من الحكومة إذا لم يتم إعادة الانتشار. ويرى مردخاي تحريك المسار اللبناني وفصله عن المسار السوري، حيث أعلن التزام إسرائيل بالانسحاب من جنوب لبنان انسجاماً مع القرار 425، وفي محاولة من طرف مردخاي وشارون لبلورة خريطة مشتركة للتسوية الدائمة في الضفة الغربية. 
والبُعد الأساسي الذي انطلق منه شارون ومردخاي بخصوص الانسحاب يعتمد على فكرة عدم اقتلاع أي مستوطنة يهودية تقع تحت سيادة السلطة الفلسطينية. وكان حزب العمل قد قرر إزالة 12 مستوطنة يسري عليها هذا الشرط، لذلك حرص شارون في خريطته على إيجاد تواصل جغرافي وديموجرافي بين المستوطنات، إضافة إلى خلق كتل استيطانية محاذية للخط الأخضر. ونتيجة لما وصفه شارون بـ «خريطة المصالح القومية» ستكون جميع المستوطنات تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، الأمر الذي يسمح له بالهيمنة على 62% من مناطق الضفة الغربية. ويبدو من مراجعة تفاصيل الخريطتين أن شارون ومردخاي يتفقان على الأهمية الإستراتيجية لغور الأردن وصحراء النقب، ويعتبران السيطرة عليها مصلحة أمنية عليا. وهما يتحدثان عن هذه المنطقة كعازل أو فاصل بين الأردن والكيان الفلسطيني بحيث تبقى فلسطين الصغيرة (أو «ميني - فلسطين» كما يسمونها) معتمدة اعتماداً كلياً على إسرائيل، كما يريان أن الدفاع الإسرائيلي بحاجة دائمة لقطاع بعرض عشرين كيلو متراً يُستخدم كمنطقة تدريب ومناورة. ولعل أهم ما يميِّز خريطة مردخاي هو خلق تواصل بين الكانتونات الفلسطينية، وطرق تحقيق لإمكانية نقل مناطق صحراوية للسلطة الفلسطينية وهو ما رفضه شامير. وعلى صعيد الوزن السياسي تشير استطلاعات الرأي العام طوال عام 1997 إلى أن مردخاي هو المرشح الأوفر حظاً للفوز برئاسة الحكومة الإسرائيلية إذا أُجريت انتخابات عامة جديدة، وبإمكانه التغلب على كل من نتنياهو وباراك ذوي الأصل الإشكنازي. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Empty
مُساهمةموضوع: إيهـود باراك (1942)– Ihud Barak   الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  Emptyالإثنين 17 مارس 2014, 7:42 am

إيهـود باراك (1942)– Ihud Barak
«باراك» بالعبرية تعني «البرق» وهو من زعماء النخبة الجديدة. وُلد عام 1942 (أي قبيل قيام دولة إسرائيل ببضع سنوات وحسب) وهو من خريجي الكيبوتسات (وُلد في كيبوتس هيشمار هاشارون، القريب من منتجع نتانيا، وهي مكان لتركز الصفوة الإشكنازية). ولا يختلف باراك كثيراً عن نتنياهو في التوجهات السياسية والاقتصادية ولذا يُسمَّى «توأم بيبي». قضى باراك أهم سنوات حياته (تلك السنوات التي تتشكل فيها الشخصية) في الجيش بادئاً من أسفل السلم، لكنه ارتقى درجات الرتب سريعاً. وعندما تقاعد بعد 35 سنة من الخدمة العسكرية كان قد حصل على أوسمة شجاعة أكثر من أي إسرائيلي آخر. كانت شهرته داخل إسرائيل هائلة، فقد كان بطلاً باعتباره قائداً لفرقة «ساييريت ماتكال» المختارة.
وقد شارك عام 1972 في عملية إنقاذ الرهائن من الطائرة البلجيكية التي اختُطفت إلى تل أبيب. وفي العام التالي وضع على رأسه شعراً مستعاراً وارتدى ثياب النساء ليتسلل إلى بيروت. وكان جزءاً من فريق أطلق النار وقتل محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر من قادة منظمة فتح الفلسطينية وهم نيام. وفي الأشهر الأولى للانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كان باراك قائداً لجيش إسرائيل في الوقت الذي كان إسحق رابين وزيراً للدفاع، وقد أشرف باراك على الخطط التكتيكية التي كانت تُستخدم لمحاولة القضاء على الانتفاضة الفلسطينية حيث قام عام 1988 بإعادة بعث فرق المستعرفيم «أي المستعربين» التي تهدف إلى التسلل متنكرة في أزياء عربية إلى الأوساط الفلسطينية النشيطة في الضفة والقطاع واغتيال قياداتها.
وكان أعضاء هذه الفرق يستقلون سيارات غير عسكرية تحمل لوحات خاصة بالضفة والقطاع ويرتدون ملابس مدنية أو ألبسة عربية عريقة، وبعد الانتهاء من عملياتهم كانت عربات الأمن الإسرائيلي تصل متأخرة. وكان باراك هو القائد الرئيسي والموجه لعملية اغتيال القيادي الفلسطيني البارز أبو جهاد عام 1988 (لدوره في قيادة الانتفاضة). عمل باراك نائباً لقائد الجيش في منطقة البقاع في لبنان (أثناء غزو لبنان) ونال درجة الدكتوراه في الفيزياء والرياضيات من الجامعة العبرية (1986)، وعُيِّن رئيساً لقسم الاستخبارات في الجيش عام 1993 وعمل رئيساً لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي في أبريل 1990 إلى حين تقاعده في يناير 1995. وبصفته قائداً للجيش شارك في مفاوضات السلام سواء مع الفلسطينيين أم السوريين أم الأردنيين.
كان باراك يلقى الاحترام الشديد خلال عمله في الجيش من الضباط الأقل مرتبة، وقد اشتهر بأنه يتمتع بأسلوب التفوق وبقدر كبير من الغطرسة مما أكسبه لقب «نابليون الصغير». دخل ساحة العمل السياسي في يوليه 1995، عندما عُيِّن وزيراً للداخليـة (في وزارة رابين). وبعد اغتيال رابين في 4 نوفمبر 1995 وبعد تسلُّم بيريز زعامة حزب العمل ورئاسة الحكومة، عُيِّن باراك وزيراً للخارجية، وبعد عامين من تركه البزة العسكرية، تم انتخابه زعيماً لحزب العمل في 3 يونيه 1996 منهياً بذلك ثلاثة وعشرين عاماً من احتكار الحرس الجديد (إسحق رابين وشيمون بيريز) هذا المنصب. ويعبِّر انتخاب باراك عن تعطُّش حزب العمل إلى زعيم يملك شباب بنيامين نتنياهو وخبرة إسحق رابين العسكرية ليعيد الحزب إلى قيادة إسرائيل على طريقة رابين قبل اغتياله، فباراك هو الشخص القادر على إعادة حزب العمل إلى الحكم. وقد فاز برئاسة الحزب (50.33% من الأصوات) ضد يوسي بلين (الذي يُسمَّى «مهندس عملية السلام» وأحد المقربين من بيريز الذي حصل على 28.51%) والذي يقف وراء اتفاق أوسلو.
ومن المعارضين لقيادة باراك والذين رشحوا أنفسهم ضده هناك حاييم رامون زعيم الهستدروت، وشلومو بن عامي (السفاردي الذي ينتمي لحزب العمل والذي يربط بين السلام والرفاه الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والذي حصل على على 14.11% من أصوات الناخبين). وكانت رسالة الناخبين واضحة: نريد زعيماً جديداً، ولكن ليس ممن كانوا يدورون في فلك إسحق رابين، ونريده سياسياً قوياً له سجل عسكري مشهود، أكثر منه منظراً ليبرالياً (أي نريده شخصاً اكتسب «الشرعية السياسية» التي يفتقدها بيريز). وقد انتخب باراك مجموعة غير متماسكة أو متماثلة (من النواحي السياسية والأيديولوجية). فعوزي برعام، الرجل الثاني في الكتلة التي انتخبت باراك، يعتبر من حمائم الحزب وأقرب في وجهة نظره إلى معارضي باراك، كما أن نواف مصالحه وصالح طريف (نائبان عن الكنيست عن الوسط العربي) دعما باراك في معركته الانتخابية مثل كثيرين من حزب العمل لاعتبار واحد، وهو أنهم يعتقدون أنه الأكثر قدرة على هزيمة نتنياهو في أية انتخابات مباشرة على رئاسة الوزراء. (أعلن باراك أن الفرصة الوحيدة لعودة حزب العمل تكمن في كسب ناخبي الوسط في الخريطة السياسية).
إن كل هذا يُعدُّ دليلاً على أن الرأي العام الإسرائيلي لا يزال يؤمن بما يُسمَّى «السلام الإسرائيلي» القائم على التفوق العسكري والتوازن الإستراتيجي الذي يميل لصالح إسرائيل. ومما تجدر ملاحظته أن باراك لم يكن ذا صبغة حزبية محددة أثناء عمله في الجيش الإسرائيلي، فقد كانت فرص انضمامه إلى أيٍّ منها متساوية إلى حدٍّ كبير، وقد راهن على الغموض في تحديد التزامه الحزبي ومواقفه السياسية. ورغبةً منه في أن يصبح الزعيم الأوحد للحزب وقف باراك بشدة ضد مشروع قـرار بانتخاب بيريز رئيساً فخرياً للحزب، وقد حظى موقفه هذا بموافقة الأغلبية داخل مؤسسات الحزب. ولكن رغم انتصاره هذا فليس هناك ما يشير إلى احتمال أن يفرض باراك برنامجه السياسي بسهولة داخل الحزب، فما زال شيمون بيريز يصر على القيام بدور ما داخل الحزب. ومن جهة أخرى فإن جيل القيادات الشابة الذي صار مسيطراً على الحزب لا يقف موحداً خلف باراك. وقد وقَّع باراك اتفاق «بيلين - إيتان» مع حزب الليكود لإيجاد حد أدنى من الاتفاق بين الحزبين (انظر: «الإجماع الصهيوني القومي»(.
وبالنسبة لآرائه السياسية يشدِّد باراك على موضوع الأمن وله تحفظات على اتفاق أوسلو، وأثناء زيارته لإحدى المستعمرات/ المستوطنات الصهيونية (في رام الله) رفض فكرة الانسحاب إلى حدود 1967. ويتبنَّى باراك مشروع آلون وإن كان يرفض الخطة التي طرحها نتنياهو للحل النهائي على الفلسطينيين والمسماة آلون بلس Allon Plus، وذلك لأن الفلسطينيين يرفضونها مما قد يؤدي إلى انهيار عملية السلام (في تصوُّره)، الأمر الذي سيؤدي (بدوره) إلى زيادة أعمال العنف والإرهاب ضد إسرائيل، وزيادة موازنة الجيش، وزيادة التقلص في السياحة، وإلى هروب الاستثمارات الأجنبية، وإلى تعميق الركود الاقتصادي. وقد أدلى بصوته في الكنيست ضد آخر اتفاق رئيسي توصل إليه إسحق رابين مع الفلسطينيين في سبتمبر 1995. وأعرب عن تأييده لانتقادات أريئيل شارون أحد صقور الليكود ضد الاتفاق في يناير عام 1997 بسحب القوات الإسرائيلية من معظم أنحاء مدينة الخليل في الضفة الغربية. وقد تحاشى، متعمداً، أي اتصال مع ياسر عرفات، ورفض أن يُجر إلى الإعلان عن الأراضي التي يفضل إعادتها إلى الفلسطينيين.
يستخف باراك ببنيامين نتنياهو لأنه يرى إسرائيل حملاً وسط ذئاب بينما يرغب هو في أن يرى إسرائيل حيواناً مفترساً (أو ذئباً بين الجيران، إن صح التعبير). وهو يرى أن الحل الدائم للمشكلة الفلسطينية يتلخص في إنشاء دولة للفلسطينيين. ولكن بينما دعا بيلين (منافس باراك على رئاسة الحزب) إلى إقرار صيغة تعترف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم لم يوافق باراك على ذكر كلمة «دولة فلسطينية». ولكنه لم يعارض في إقرار صيغة تعترف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم (وقد وافق مؤتمر الحزب على "صيغة وسط"، وضعها شلومو بن عامي، تنص على أن يعترف حزب العمل بحق تقرير المصير للفلسطينيين، ولا يعارض إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة. كما يرى باراك ضرورة أن يشمل الحل النهائي القدس الموسعة والموحدة تحت السيادة الإسرائيلية، وكذلك معظم المستوطنات في الضفة الغربية، فضلاً عن وجود استيطاني وأمني في غـور الأردن، وضرورة عـدم مرابطة جيش أجنبي غرب نهر الأردن، وبقاء معظم المستوطنين تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن تكون هناك سيطرة على المياه، وألا يكون هناك تطبيق لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. ويقدر باراك المناطق الواقعة خارج مجال السيطرة الإسرائيلية بـ 30% من مساحة الضفة الغربية وهو بذلك يكاد يقترب تماماً من خطط نتنياهو للحكم الذاتي في الضفة التي طرحها أيضاً تحت اسم مشروع آلون الموسَّع.
ويرفض باراك قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، ولكنه قد يوافق على دولة ناقصة السيادة منزوعة السلاح ترتبط كونفيدرالياً مع الأردن (وهذه هي نقطة الاختلاف الأساسية وربما الوحيدة بين المتطرفين والمعتدلين)، ويعتبر باراك أن إسرائيل الدولة الديموقراطية الوحيدة في غابة مملوءة بالأحراش. كما يؤمن بالارتباط الحميم بين القوة والدبلوماسية ولا يخفي نفوره من أساليب السياسيين التقليديين. وهو يعارض الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل يربط هذا الانسحاب الجزئي بمدى نجاح ياسر عرفات في قمع المقاومة الفلسطينية، كما يعترض باراك على الانسحاب من الجولان ("نحن نرغب في السلام، لكن ليس بأي ثمن، ويجب تحقيق السلام مع الدول المجاورة دون تعريض مصالحنا الأمنية للخطر. فسياسة التخويف التي يتبعها اليمين المتطرف، وسياسة العجز والانهزامية التي يتبعها أقصى اليسار لا يعبران عن واقع إسرائيل ووضعيتها الراهنة" حسب قوله). ولا يؤمن باراك بإسرائيل الكبرى جغرافياً (من النيل إلى الفرات) ولكنه يؤمن بإسرائيل العظمى اقتصادياً (من المحيط إلى الخليج) التي يمكنها تحقيق الهيمنة دونما حاجة إلى الدبابة والمدفع، فالبقاء لسلاح الاقتصاد وحده.
وفي تقييمه للمشروع الصهيوني من أجل الاستيلاء على فلسطين يؤكد باراك أنه متحرر من "الإحساس بالذنب إزاء الفلسطينيين". "فأنا على يقين من أن كل ما حدث كان ضرورياً، أؤمن من أعماق قلبي بأن العمل الصهيوني كان عملاً مهماً جداً وصحيحاً، وأنا أدرك أن تَمسُّكنا بالأرض هنا هو في أساسه حفاظ على الوجود، وينتج عنه نوع من الظلم، لكن على المستوى التاريخي، يبقى هذا الظلم الذي حل بهم [أي بالفلسطينيين] أقل من العدل الذي حصلنا عليه، أو لنقل أقل من الظلم الذي كان سيلحق بنا لو حُرمنا من هذا العدل". (العدل هنا الاستيلاء على فلسطين). وبذلك يبدو أن انتخاب باراك يعبِّر عن تَمسُّك إسرائيل بالمشروع الصهيوني ومبادئه القائمة على الاستيلاء على الأرض، ويثبت أن التجمُّع الاستيطاني في فلسطين يتجه بصفة عامة نحو اليمين. قدَّم باراك وحزب العمل «اعتذارهما» الرسمي لليهود السفارد ويهود العالم الإسلامي ("أطلب باسمي وباسم حزب العمال الصفح عن هؤلاء الذين سببوا لهم هذه المعاناة"). وقد علق بيريز على ذلك بقوله: "نعم ارتكبت أيضاً أخطاء، ولكنني أشعر بفخر حقيقي للجهود التي بذلتها إسرائيل في تلك السنوات الأولى لاستيعاب موجة المهاجرين". وقد وصف بعض الإشكناز هذا الاعتذار بأنه اعتذار ضمني عن جرم لم يرتكبوه، والاعتذار محاولة من جانب باراك للتقرب من اليهود السفارد ويهود العالم الإسلامي (من أكبر الكتل الانتخابية في الدولة الصهيونية) لا ندري مدى نجاحها أو فشلها، وإن كانت قد أدت إلى غضب بعض الإشكناز منه.
بنيامـــين نتنياهـــــو (1949)– Benjamin Netenyahu
زعيم صهيوني من أبرز زعماء النخبة الجديدة إن لم يكن أبرزهم جميعاً. وُلد في تل أبيب، وحصل على شهادة في المعمار وماجستير في إدارة الأعمال من الـ M. I.T. (معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة)، وهو يتباهى دائماً بالشهادات الجامعية التي حصل عليها من الولايات المتحدة. تزوج ثلاث مرات، الأخيرة منهن من سارة، وهي مضيفة قابلها في إحدى سفرياته (وقد اعترف بخياناته الزوجية المتكررة) وسلوك سارة نفسها أصبح موضوعاً متداولاً في الصحف الإسرائيلية. عيَّنه موشيه أرينز، حينما كان وزيراً للخارجية، الرجل الثاني في الوزارة، ثم سفيراً لإسرائيل في الولايات المتحدة، حيث أصبح شخصية تليفزيونية معروفة للإعلام الأمريكي وليهود الولايات المتحدة وأثريائها مثل رونالد لاودر، صاحب بيزنيس أدوات التجميل، وإرفنج موسكوفيتش، بليونير البنجو الذي يبني الآن المستوطنات "المحظورة" حول القدس (يعارض 85% من يهود أمريكا نتنياهو حسب بعض الإحصاءات). فكر نتنياهو أن ينخرط في سلك رجال الأعمال، ولكنه بدلاً من ذلك (وعند موت أخيه) هاجر إلى إسرائيل وخدم في إحدى وحدات الكوماندوز العسكرية تحت إمرة إيهود باراك. ثم أصبح نائباً لوزير الإعلام في مكتب رئيس الحكومة عام 1993 ومنها أصبح رئيساً لحزب الليكود ورئيساً للوزراء!.
وعادةً ما تثار قضية أسرة نتنياهو، لذا يجدر بنا أن نذكر أولاً موت أخيه يوناثان في الغارة على مطار عنتيبي (يُقال إنه كان قائد الحملة). وكان يوناثان هذا هو كبير الأسرة وحامل لوائها، أما أبوه بنزيون نتنياهو (الذي بلغ السابعة والثمانين ولا يزال نشيطاً ثقافياً) فكان شخصية محافظة متسلطة، من أتباع الزعيم التصحيحي الفاشي فلاديمير جابوتنسكي. ولكنه اختلف مع بيجين وجماعته وقضى بقية حياته شبه منفي (بشكل طوعي) في الولايات المتحدة حيث عاش بالقرب من فيلادلفيا وقضى حياته يكتب دراسته عن محاكم التفتيش الإسبانية (عنوان كتابه هو: أصول التفتيش الإسباني في القرن الخامس عشر). وجوهر أطروحة دراساته هو أن اليهودي الذي يحاول الاندماج يُقابل دائماً بكراهية عميقة نحو شخصه ونحو الجنس اليهودي ككل. فاليهودي هو الهدف الأزلي لكره الأغيار، ولأنه لا يملك الهروب من هذا الوضع، لذا يجب عليه أن يحيط نفسه "بحائط فولاذي" (كما قال جابوتنسكي) وألا يعهد بأمنه للآخرين.
كل هذه الحقائق الذاتية في سيرة نتنياهو هي أيضاً حقائق موضوعية، ويمكن إثارة قضية خلفيته العائلية ومدى تأثيرها على تركيزه الزائد على الإرهاب. (بعد موت يوناثان نظم نتنياهو مؤتمراً عن الإرهاب وكتب عدة كتب عن الموضوع). ألا يوحي هذا بأن أباه، التصحيحي الكاره للأغيار، قد شكل رؤيته. وكما يقول أحد أعداء نتنياهو (يوري درومي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة أيام رابين) "كيف يمكن أن تتكيف مع عملية السلام، إن كنت قد نشأت وترعرعت مع أفكار الصراع؟ إن اختفى الصراع، ماذا يبقى إذن؟". رغم كل هذا يحاول نتنياهو أن يتملص من ماضيه دائماً، وأن ينكر أن هذا الماضي قد ساهم في تشكيل آرائه بشكل جذري.
ونتنياهو هدف لنكت الكثير من أعضاء اليسار الإسرائيلي والمؤسسة الليبرالية، فقد قارنه شاليف (الكاتب بجريدة معاريف) بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، في مراوغته، ومقدرته على الاحتيال والهروب في الوقت نفسه. أما يوئيل ماركوس (من هآرتس) فهو يرى أن نتنياهو قد بدأ يتجه بإسرائيل نحو الكارثة، يساعده في ذلك معاونوه (استغنى نتنياهو عن خبراء الليكود وكوَّن مجموعة صغيرة من المستشارين). وهناك من يتحدث عن "رئيس الوزراء التيفلون" (أي الذي لا يلصق بعقله شيء. وهي نكتة أُطلقت أول ما أُطلقت على الرئيس الأمريكي رونالد ريجان)، وهناك من يُسميه virtual prime minister. وكلمة «فرتشوال» أخذت من عالم الكمبيوتر، وتُستخدم للإشارة إلى virtual reality أي «ما يشبه الحقيقة»، فهو ليس برئيس وزراء حقيقي، وإنما «يشبه رئيس الوزراء» أو «يكاد يكون رئيس الوزراء» أو «رئيس الوزراء بالكاد».
ولعل أسوأ الأوصاف هو الوصف الذي أُطلق عليه بعد فشل عملية عمان، أي محاولة اغتيال خالد مشعل إذ أطلق عليه أحدهم عبارة سيريال بلاندرر serial blunderer وهي تنويع على عبارة سيريال كيلر serial killer أي المجرم الذي يقتل حسب خطة مسبقة وتتبع جرائمه نمطاً محدداً. ونتنياهو بهذا المعنى ليس مجرماً وإنما "مخطئاً" يرتكب الأخطاء/الجرائم الواحدة تلو الأخرى، تماماً مثل المجرمين، وإن كان تصور أن هناك خطة محكمة للأخطاء أمر مشكوك فيه. (ولا ندري أي أسماء جديدة حصل عليها رئيس الوزراء المنكود بعد فشل عملية سويسرا؟). ما هـذه الأخطــاء من وجهة نظــر اليسار الليبرالي الإشكنازي؟ أهم هذه الأخطاء هي إيقاف عملية أوسلو، الأمل الوحيد في سلام دائم بالنسبة لهم. واستمراراً لصورة serial blunderer يسأل هؤلاء المعلقون: هل فعل نتنياهو ذلك عمداً، أم من خلال الخطأ المستمر؟ هل هو ثعبان أم غبي؟ (على حد قول يوري أفنيري).
ولكن من نتنياهو هذا؟ ينطلق نتنياهو في كتابه مكان تحت الشمس وغيره من الدراسات من الرؤية الصهيونية القائمة على أحقية اليهود المطلقة فيما يُسمَّى «أرض إسرائيل التاريخية» ويساندها رؤية صهيونية داروينية تؤكد أن إسرائيل انتصرت في كل الحروب ضد العرب (الذين فقدوا التخلف الدولي القديم). ثم يأتي نتنياهو بالشواهد التاريخية والجيوسياسية والتلمودية التي تساند وجهة نظره. ثم وعلى عادة الصهاينة لا يكتفي نتنياهو بذلك بل يذكِّر الجميع بمأساة الشعب اليهودي والهولوكوست، ثم يؤكد، في الوقت نفسه، قدرة هذا الشعب على النهوض. ويعلن نتنياهو بلا مواربة أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، وعقد سلام مع العرب مثل وضع سمك في صندوق من الزجاج، ثم تنتظر أن يتعلم هذا السمك ألا ترتطم رأسه بحائط الصندوق الزجاجي. واستخدام الصور المجازية المستمدة من الطبيعة للحديث عن العرب هو مسألة مألوفة في الخطاب الصهيوني بكل ما تحمل هذه الصور من حتمية وكل ما تنطوي عليه من تغييب للعرب. ويرى نتنياهو ضرورة إجبار العرب على الإذعان للاعتراف بوجود إسرائيل عبر استخدام سلاح الردع، فالسلام الوحيد الذي يمكن أن يُقام مع العرب هو «سلام الردع» مقابل «سلام الديموقراطيات» الذي لا يصلح مع العرب، فإسرائيل دولة ديموقراطية غربية في بيئة إقليمية معادية بدائية (وهذا يماثل كلام إيهود باراك عن ديموقراطية إسرائيلية وسط غابة من الأحراش)، ومستقبل إسرائيل يكون بالتحصن داخل «الستار الفولاذي» (عبارة جابوتنسكي التي اقتبسها بنزيون نتنياهو) وإعادة الأولوية لفكرة العمق الإستراتيجي الجغرافي وعدم الانفتاح على هذه البيئة، مع ضَبْط التفاعلات في المحيط الإقليمي على النحو الذي يحقق مصالح إسرائيل الحيوية.
أعراض نتنياهو: الأسباب The Netenyahu Syndrome: Causes
ما الذي أتى بنتنياهو إلى سدة الحكم في الدولة الصهيونية عام 1996؟.
للإجابة على هذا السؤال لابد أن نحيط بالقضية إحاطة كاملة وأن نأتي بمركب من الأسباب، لأن الإجابة أحادية البُعد لن تفي بالغرض، رغم أنها قد تكون مريحة للغاية.
1 - لا يمكن في البداية تجاهل الأسباب الإجرائية، أي تغيير طريقة الانتخاب ذاتها، فنتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي يُنتخب بالاقتراع المباشر، وحسب طريقة الانتخاب المباشر هذه لا يمكن تنحية رئيس الوزراء إلا إذا وافق 81 عضواً في الكنيست (من مجموع 120 عضواً) على قرار عزله، على أن تُجرى انتخابات جديدة لرئيس الحكومة فقط خلال 60 يوماً. ويمكن سحب الثقة من رئيس الحكومة ومجلس الوزراء بأغلبية 61 عضواً في الكنيست على أن تُجرى انتخابات برلمانية جديدة خلال 60 يوماً (وهذا الإجراء الأخير لا يتطلب بالضرورة استقالة رئيس الوزراء). ولذا يرى البعض أن النظام السياسي الإسرائيلي أصبح نظاماً شبه ديكتاتوري، قزَّم الأحزاب والكنيست. وكان الهدف الذي ترمي إليه الأحزاب الكبيرة (العمل والليكود) التي مررت القانون الخاص بالانتخاب المباشر هو تحييد الأحزاب الصغيرة وتقوية رئيس الوزراء (في ظل التراجع المتزايد في قوة الحزبين الكبيرين). كان هذا هو الظن، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً. فالأحزاب الصغيرة ازدادت قوة، وخصوصاً أن رئيس الوزراء أصبح غير مسئول أمام هيئة حزبه أو البرلمان، الأمر الذي جعله «حراً» من حزبه. ولكن في الوقت نفسه «أكثر اعتماداً» على الأحزاب الصغيرة، التي تشكل القوة الجديدة في المجتمع (من 68 مقعد في الكنيست، يستند إليها نتنياهو، هناك 36 مقعد للأحزاب الصغيرة: 10 منها لشاس، و9 للحزب الديني القومي، أي أن أكثر من النصف في حزبين اثنين، وهما حزبان دينيان).
وهذه الأحزاب الصغيرة سعيدة جداً بهذا الوضع ولا تريد عقد انتخابات أخرى بعد أن حققت هذا النصر، وبعد أن وقع رئيس الوزراء في قبضتها. فشارانسكي، على سبيل المثال، يُسمَّى الآن "الأستاذ 10%" لأنه قال إنه لو ثبت أن 10% مما يدور من إشاعات حول نتنياهو وحول فضيحة بار أون (بخصوص طريقة تغييبه كبار الموظفين) صحيحة فإنه سيقدم استقالته على الفور. ولكنه اكتشف أن ناخبيه، الذين صوتوا لصالحه، لا يهتمون بمثل هذه الأمور. وغني عن القول أن الأحزاب الدينية هي الأخرى لا تود إعادة الانتخابات فهي قد حصلت على المقاعد الوزارية التي تطمح إليها ولا يكف نتنياهو عن رشوتها. وكما يقول جدعون سامت (المعلق السياسي الإسرائيلي) إن جوهر المسألة ليس الأخطاء التي يرتكبها نتنياهو، وإنما شركاؤه في التحالف الذين يحاولون الحفاظ عليه بأى ثمن، ودون الخوض في أية مشاكل اجتماعية. (أما الوحيدون الذين لا يخشون سقوط نتنياهو فهي الأحزاب العربية).
وقد طرد نتنياهو بالفعل «أمراء» أو «نبلاء» حزب الليكود (أبناء مؤسسي الحزب صانعو الملوك «كينج ميكرز king makers» في الاصطلاح الأمريكي) أمثال داني زئيف بيجين (ابن مناحم بيجين) ودان ميريدور (ابن يعقوب ميريدور) طردهم دون أن يتزعزع أو يردعه أحد إزاء هذا الوضع، هناك مبادرة مطروحة لتعديل قانون الانتخابات بحيث يمكن عزل رئيس الوزراء من منصبه بأغلبية 61 صوتاً مع عدم التسبب في حل الكنيست (وحل الكنيست يستلزم إجراء انتخابات برلمانية مبتكرة، لا ترغب الأحزاب - كما أسلفنا - في دخولها حالياً) وعقد تحالفاته الخاصة مع شارون. ثم تجاوز شارون نفسه وعيَّن يعقوب نئمان وزيراً للمالية وعضواً في مجلس الوزراء المصغر. إزاء هذا الوضع، هناك مبادرة مطروحة لتعديل قانون الانتخابات بحيث يمكن عزل رئيس الوزراء من منصبه بأغلبية 61 صوتاً مع عدم التسبب في حل الكنيست (وحل الكنيست يستلزم إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لا ترغب الأحزاب - كما أسلفنا - في دخولها حالياً).
2 - لابد من الإشارة إلى ما سماه يهوشفاط هركابي «أعراض بركوخبا» وهي الحالة العقلية للإسرائيليين في مواجهة الأزمات. وقد توجَّه كثير من المفكرين الإسرائيليين إلى قضية الشخصية الإسرائيلية إبَّان الانتفاضة المباركة. وقد بعث بعض هؤلاء قضية عجز اليهود وافتقارهم للسلطة وذهبوا إلى أن الإسرائيليين، بل الشعب اليهودي بأكمله، يفتقرون إلى تقاليد الدولة، أي ممارسة الحكم (وهذا يعني افتقارهم إلى الحس التاريخي)، ويتسمون برفض معطيات الواقع دون أن يدركوا أن العدو له إرادة لابد أن تؤخذ في الحسبان، ويضعون سياستهم بشكل مجرد، حسب الاحتياجات الصهيونية وكأنهم يعيشون في فراغ [الأسطورة المعادية للتاريخ] ويتجاهلون النظام العالمي والأمن ومتطلباتهما من الآخرين. وكل هذا نابع من ضيق أفق يتعارض مع التاريخ.
3 - إسرائيل لم تعرف نفسها كمجتمع حرب ولا تعرف نفسها كمجتمع سلام ولا تريد أن تدفع مقابلاً للسلام وتدور في إطار الأسطورة التوراتية (كما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل في الجزء الثالث من كتابه المحادثات السرية). وكما يقول نتنياهو نفسه: "لقد انتخبني أغلبية الناخبين الإسرائيليين"، هل جنوا فجأة إذن؟ لو كانوا سعداء بأوسلو لما فعلوا ذلك. فأوسلو تحوي داخلها جرثومة هلاكها، فهي لا تمنح الإسرائيليين لا السلام ولا الأمن.
4 - ولكن من المفارقات التي تستحق التسجيل والملاحظة، أن هذا الجيل الجديد الذي يفر من الخدمة العسكرية ولا يكترث بها، هو جيل "أكثر عسكرية" كما يقول أفنيري شاليط (أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العسكرية). ففي الأيام الأولى للاستيطان، كما يقول شاليط، كان الشعار السائد هو "فلتطلق النار ثم تذرف الدمع"، فالحرب كانت مفروضة على أبناء الجيل القديم (هكذا كان المستوطنون يظنون)، ولم تكن الحروب حروب اختبار. والحرب، كما كان الجميع يعرف، شيء رهيب. أما أعضاء الجيل الجديد، فقد خاضوا «حروب اختيار» كثيرة (غزو لبنان - قمع الانتفاضة)، أي حروب تمت بملء اختيار الإسرائيليين. وقد وُلد أعضاء هذا الجيل فيما يُسمَّى «أرض إسرائيل» ولذا فهم يعتقدون تمام الاعتقاد أن الاحتلال بالقوة «مسألة طبيعية» وأن الضفة الغربية ليست أوكيوبايد occupied «أرضاً محتلة» وإنما هى أرض قومية توراتية ومن ثم هي أرض «متنازع عليها» disputed ديسبيوتيد (كما يقول المصطلح الأمريكي) وعلى اليهود الاحتفاظ بها ولا يحق لهم التنازل عنها أو التفاوض بشأنها. والعرب هنا هم «عرب يهودا والسامرة»، وبالتالي «خرق حقوقهم» لا يشكل مشكلة أخلاقية بالنسبة لهم.
وأعضاء هذا الجيل لا يختلفون كثيراً عن نتنياهو الذي صرح قائلاً: "ليس هناك أي نهر أو بحر يفصل الضفة الغربية عن باقي الأراضي الإسرائيلية. إنها جزء من دولة إسرائيل نفسها. إن الضفة الغربية هي مركز البلاد... إنها فناؤنا الخلفي وليست أرضاً غريبة عنا". بل أضاف قائلاً: "إن المناطق غير المأهولة أو ذات الكثافة السكانية القليلة ستشكل في إطار التسوية الدائمة مناطق أمنية ذات تواصل جغرافي وقرر ضرورة الحفاظ على ممرات أمنية وطرق تربط المستوطنات بعضها ببعض". واستخدام الصور المجازية المكانية يدل على ضمور الإحساس بالزمان والتاريخ عند نتنياهو (وهو في هذا لا يختلف عن أبناء جيله) الذين لا يرون إلا الأرض وأمن إسرائيل ولا يدركون الماضي أو المستقبل أو العرب من حولهم.
5 - من خصائص هذا الجيل أن أعضاءه لم يشعروا قط بالعداء للسامية،أي بالعداء لليهود (ومع هذا فهم جيل أكثر ميلاً لليمين). وقد نُشر مقارنة بين الشباب الألمان والشباب الإسرائيلي، وتبين أن الشباب الإسرائيلي أكثر عنصرية تجاه الأجانب من الألمان، وهم لا يهتمون بما يُسمَّى «عقلية المنفى» بل لا يفهمون يهود المنفى (أي يهود العالم) ولا يفهمون لغتهم أو خطابهم أو شكواهم. والمفارقة الناجمة عن هذا أن كثيراً من القضايا التي تهم يهود المنفى لا تهم أعضاء هذا الجيل من قريب أو بعيد. فهم لا يكترثون باليهودية أو هيمنة الأرثوذكس على أمور الدفن والطلاق والزواج والتهويد (فهم علمانيون شاملون عالميون، لا يهتمون بالقضايا المحلية ولا يكترثون بمثل هذه الأمور).
6 - اتهم نتنياهو اليساريين بأنهم نسوا "معنى أن يكون المرء يهودياً" (عبارة همس بها رئيس الوزراء في أُذن أحد الحاخامات). ولكن هل يعرف جيل نتنياهو معنى اليهودية؟ هل تعني اليهودية شيئاً له؟ إن تصور أن التجمُّع الصهيوني أصبح «أكثر يهودية» و«أكثر تقليدية» بظهور نتنياهو، هو - في رأينا - تصور خاطئ. فهو في واقع الأمر قد أصبح «أكثر انغلاقاً» دون أن يصبح أكثر تقليدية أو تديناً، والربط بين الواحد والآخر ليس بالضرورة له قيمة تفسيرية كبيرة. فما يحدث في التجمع الصهيوني، ليس محاولة للعودة للتقاليد بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هي محاولة أعضاء هذا التجمُّع أن يجدوا جذوراً لهم «روتس roots» تبرر لهم وجودهم، وأرضية صلبة يمكنهم الوقوف عليها (وهو أمر شائع في كل المجتمعات الاستيطانية). ولذا قال كثير من المعلقين إن انتخابات 1996 لم تكن انتخابات خاصة بـ «المصالح السياسية» (الاجتماعية والاقتصادية) وإنما كانت انتخابات خاصة بالهوية (وهو قول قد لا نتفق معه، ولكننا نقتبسه بسبب دلالته). وقد وُصف أعضاء التحالف الجديد المؤيد لنتنياهو بأنهم «غرباء في بلادهم»، فهم قد يشكلون الأغلبية العددية إلا أنهم يعاملون معاملة الأقلية من قبل اليسار الإشكنازي، الذي يعتبر المستوطن الصهيوني وطناً له، وأرض أجداده.
اليمين الرخو Soft Right
«اليمين الرخو» تعبير سكه إيهود سبرنزاك (أستاذ السياسة بالجامعة العبرية) ليصف القوى التي تتحكم في الدولة الصهيونية. ونحن (وبعض المعلقين السياسيين الإسرائيليين بشكل مباشر أو غير مباشر) نطلق عليه اصطلاح «السياسة الإثنية» (أي السياسة التي تستند إلى المصالح الإثنية الضيقة وليس إلى المصالح القومية أو اليهودية العريضة). ويسميها شلومو هاسون «القبلية الثقافية». وأعتقد أن «القبلية الثقافية» هذه هي صياغة علمية، مهذبة مصقولة، لمفهوم آخر هو مفهوم «روش قطان»، أي الرأس الصغيرة المركبة على معدة كبيرة، وهذا وصف جيد للمواطن الإسرائيلي بعد عام 1967، بعد أن تحول إلى حيوان استهلاكي محض. ويتحدث نفس الأستاذ (أي شلومو هاسون) وهو أستاذ للجغرافيا في الجامعة العبرية عن الأرخبيل الإسرائيلي للهويات المنفصلة Israeli archipelago، أي أنه يرى أن الخاصية الجيولوجية التراكمية (التي نرى أنها إحدى سمات العقيدة والهوية اليهودية) هي سمة أساسية للحياة السياسية في الكيان الصهيوني.
ويمكن تلخيص صفات «اليمين الرخو» فيما يلي:
1 - اليمين الرخو الجديد يختلف عن اليمين الصلب القديم في أنه لا يلتزم بالقيم السياسية ولا يعاني من المشيحانية الصهيونية التي تطالب بإيقاف تاريخ المنفى ليبدأ التاريخ الحقيقي: تاريخ المستوطنين في الجيب الصهيوني.
2 - اليمين الرخو قد يحتاج للسلام وقد يطلبه (لتحقيق المكاسب الاقتصادية)، ولكنه غير قادر على تحقيقه لأسباب عديدة من بينها أن اليمين المتطرف قادر (حتى وهو في المعارضة) على قطع الطريق عن أية اتفاقات تشمل أية انسحابات جوهرية، ولا يوجد أية كتلة في الداخل قادرة على فرض شعار "الأرض مقابل السلام" (رغم وجود قطاع هام في الرأي العام الإسرائيلي يقبل بقدر من سلام وتنازلات). كل هذا يعود إلى أنه لم يحدث تغيير جوهري في الثقافة والتقاليد السياسية المنبثقة عن الصهيونية فيما يخص دولة إسرائيل وعلاقتها بالعرب (وبالفلسطينيين على وجه التحديد).
3 - يمارس أعضاء اليمين الرخو إحساساً عاماً بالسخط على ما يُسمَّى «اليسار الإشكنازي» وهو مصطلح يضم كل من يؤيدون اتفاقية أوسلو والعلمانيين من خريجي الكيبوتسات.
4 - لا يتوحد أعضاء هذا اليمين من خلال عقيدة محددة وإنما من خلال هوية سلبية جوهرها الخوف من العرب ومن اليسار الإشكنازي (الذي أيد أوسلو).
5 - لكل هذا نجد أن اليمين الرخو يتكون من قوى اجتماعية وإثنية ودينية لا يربطها رابط ولكنها مع ذلك متماسكة تؤيد نتنياهو، ويبدو أنها قادرة على التماسك وأنها قد تظل تتحكم في الحياة السياسية الإسرائيلية حتى القرن القادم. ولذا فرغم أخطاء هذه الحكومة المتعددة إلا أنها أثبتت مقدرة على الاستمرار.
ويتكون هذا اليمين الرخو من عدة قوى وأحزاب أهمها ما يلي:
1 - اليهود السفارد الذين يضمهم حزب شاس (مؤيدو حزب ديفيد ليفي أعضاء حزب جيشر)
2 - المستوطنون الصهاينة في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان.
3 - غلاة المتدينين من الأحزاب الأرثوذكسية.
4 - القوميون المتدينون (الحزب الديني القومي).
ويتهم المتدينون "اليساريين" بأنهم خرقوا كل الشعائر أثناء هيمنتهم على المجتمع الإسرائيلي، ويرى اليساريون (ومعهم الليبراليون) أن المتدينين يودون نزع الشرعية عن النظام السياسي الإسرائيلي، وما قوانين التهود سوى بداية هذه العملية.
5 - القوميون العلمانيون في الليكود الذين رفضوا أمراء الليكود بالوراثة: داني بيجين (ابن مناحم بيجين) ودان ميريدور (انضم إليهم شامير وقدامى الليكود ليكونوا تحالفاً ضد نتنياهو) ولم يصوتوا لصالح إيهود أولميرت عمدة القدس الذي اختطف منه نتنياهو رئاسة الليكود عام 1994.
6 - المهاجرون الروس من الصهاينة المرتزقة البالغ عددهم 700 ألف مهاجر، أي حوالي خُمس سكان إسرائيل. ويتهمهم اليسار الإشكنازي بأنهم أتوا بالجريمة المنظمة والبغاء إلى الدولة الصهيونية (وهي اتهامات في معظمها حقيقية) فمن المعروف أن الجريمة المنظمة جعلت من إسرائيل محطة انتقالية ومركزاً لغسيل الأموال. ومن المفارقات الأخرى أن المؤسسة الدينية لا تعترف بهم يهوداً حسب الشريعة اليهودية. ويعاني كثير منهم من البطالة، إذ يعمل في وظائف هو غير مؤهل لها.


الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثالث: النظام السياسي الإسرائيلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث: الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي منذ عام 1948
» الباب الثالث: الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي منذ عام 1948
» مقدمة في فقه النظام السياسي الإسلامي
» الباب الثالث: مصر والإمبراطورية الحيثية
» الفصل الثاني: النظام السياسي والمالي في العصر الجاهلي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: