منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني    الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 3:14 am

الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني 
اللوبي اليهودي والصهيوني (أو جماعات الضغط الصهيونية)
Jewish and Zionist Lobby 
»لوبي« Lobby كلمة إنجليزية تعني «الرواق» أو «الردهة الأمامية في فندق»، ولذا يُقال مثلاً: "سأقابلك في لوبي الفندق"، أي في الردهة الأمامية التي توجد عادةً أمام مكتب الاستقبال. وتُطلَق الكلمة كذلك على الردهة الكبرى في مجلس العموم في إنجلترا، وعلى الردهة الكبرى في مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، حيث يسـتطيع الأعـضاء أن يقابلوا الناس وحـيث تُعقَد الصـفقات فيها، كما تدور فيها المناورات والمشاورات ويتم تبادل المصالح. وقد أصبحت الكلمة تُطلَق على جماعات الضغط (الترجمة الشائعة للمعنى المجازي لكلمة «لوبي lobby») التي يجلس ممثلوها في الردهة الكبرى ويحاولون التأثير على أعضاء هيئة تشريعية ما مثل مجلس الشيوخ أو مجلس النواب. وفعل «تو لوبي to lobby» يعني أن يحاول شخص ذو نفوذ (يستمده من ثروته أو مكانته أو من كونه يمثل جماعة تشكل مركز قوة) أن يكسب التأييد لمشروع قانون ما عن طريق مفاوضة أعضاء المجلس التشريعي في ردهته الكبرى، فيعدهم بالأصوات أو بالدعم المالي لحملاتهم الانتخابية أو بالذيوع الإعلامي إن هم ساندوا مطالبه وساعدوا على تحقيقها، ويهددهم بالحملات ضدهم وبحجب الأصوات عنهم إن هم أحجموا عن ذلك. ويوجد في الولايات المتحدة أكثر من لوبي أو جماعة ضغط تمارس معظم نشاطاتها في العلن بشكل مشروع، وإن كان هذا لا يستبعد بعض الأساليب الخفية غير الشرعية (مثل الرشاوي التي قد تأخذ شكل منح نقدية مباشرة أو تسهيلات معيَّنة أو منح عقود أو التهديد بنشر بعض التفاصيل أو الحقائق التي قد تسبب الحرج لأحد أعضاء النخبة الحاكمة وصانعي القرار... إلخ).
وتوجد أشكال وأنواع من جماعات الضغط، فهناك جماعات الضغـط الإثنيـة: مثل اللوبي اليوناني أو اللوبي الأيرلندي، كما يوجد الآن لوبي عربي. وهناك كذلك جماعات الضغط الدينية، فهناك لوبي كاثوليكي وآخر علماني. ويوجد جماعات ضغط مهنية وجيلية ونفسية واقتصادية، فيوجد لوبي للمصالح البترولية وآخر لمنتجي الألبان وثالث لمنتجي البيض ورابع لزارعي البطاطس وخامس لنقابات العمال وسادس لمنتجي التبغ وسابع لصانعي السجائر وثامن لمن يحاربون التدخين وتاسع للعجائز وعاشر للشواذ جنسياً (وهناك بالطبع لوبي لمن يحاربون الشذوذ الجنسي ويدافعون عن قيم الأسرة). وقد أصبحت جماعات الضغط على درجة من الأهمية جعلت النظام السياسي الأمريكي أصبح يُسمَّى «ديموقراطية جماعات الضغط»، أي أنه لم يَعُد هناك نظام ديموقراطي تقليدي يعبِّر عن مصالح الناخبين مباشرةً حسب أعدادهم (لكل رجل صوت)، بل أصبح النظام يعبِّر عن مقادير الضغوط التي تستطيع جماعات الضغط أن تمارسها على المشرِّعين الأمريكيين لتحديد قرارهم بشأن قضية ما بحيث تَصدُر تشريعات وقوانين معيَّنة وتُحجَب أو تُعدَّل أخرى. فالمواطن الأمريكي لم يَعُد يمارس حقوقه الديموقراطية مباشرةً وإنما أصبح يمارسها من خلال هذه الجماعات. 
ويُقال إن أهم جماعات الضغط في الولايات المتحدة جماعة المدافعين عن حق المواطن الأمريكي في اقتناء الأسلحة النارية (دون ترخيص) واستخدامها للدفاع عن النفس، وهو حق يعود للجذور الاستيطانية الإحلالية للولايات المتحدة، ويشبه "حق" المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية في استخدام الأسلحة لقتل العرب "دفاعاً عن النفس". وتشير كلمة «لوبي»، بالمعنى المحدَّد والضيق للكلمة، إلى جماعات الضغط التي تسجل نفسها رسـمياً باعتبارها كذلك. ولكنها، بالمعنى العام، تشير إلى مجموعة من المنظمات والهيئات وجماعات المصالح والاتجاهات السياسية التي قد لا تكون مسجلة بشكل رسمي، ولكنها تمارس الضغط على الحكام وصناع القرار. 
وعبارة «اللوبي اليهودي الصهيوني» في الأدبيات العربية والغربية (في كثير من الأحيان) تشير إلى معنيين اثنين: 
1 ـ اللوبي الصهيوني بالمعنى المحدَّد: تشير كلمة لوبي في هذا السياق إلى لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأمريكية (إيباك)، وهي من أهم جماعات الضغط. ومهمته، كما يدل اسمه، الضغط على المشرعـين الأمريكيين لتأييد الدولة الصهــيونية. ويتم ذلك بعـدة سبل، من بينها تجميع الطاقات المختلفة للجمعيات اليهودية والصهيونية وتوجيه حركتها في اتجاه سياسات وأهداف محددة عادةً تخدم إسرائيل. كما أن اللوبي يحاول أيضاً أن يحوِّل قوة الأثرياء من أعضاء الجماعات اليهودية (وخصوصاً القادرين على تمويل الحملات الانتخابية)، وأعضاء الجماعات اليهودية على وجه العموم (أصحاب ما يُسمَّى «الصوت اليهودي») إلى أداة ضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة، فيلوح بالمساعدات والأصوات التي يمكن أن يحصل المرشح عليها إن هو ساند الدولة الصهيونية والتي سيفقدها لا محالة إن لم يفعل. 
2 ـ اللوبي الصهيوني بالمعنى العام الشائع للكلمة: وهو إطار تنظيمي عام يعمل داخله عدد من الجمعيات والتنظيمات والهيئات اليهودية والصهيونية تنسق فيما بينها، من أهمها: مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى، والمؤتمر اليهودي العالمي، واللجنة اليهودية الأمريكية، والمؤتمر اليهودي الأمريكي، والمجلس الاستشاري القومي لعلاقات الجماعة اليهودية.
وكل هذه المنظمات لديها ممثلون في واشنطن للتأثير على عملية صنع السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. ورغم أن هذه المنظمات لديها أنشطة مختلفة ترتبط بالموضوعات الاجتماعية، فإنها أيضاً تعمل بشكل مباشر في الموضوعات التي ترضي إسرائيل حيث تسعى إلى الضغط على الكونجرس من خلال إرسال الخطابات إلى أعضائه، وغير ذلك من أشكال الضغط. 
وهناك أيضاً عدد من الجماعات الصهيونية التي تسعى إلى كسب تعاطف الرأي العام الأمريكي مع إسرائيل، والتي ظهرت في بداية الأمـر من أجـل السعي لإنشاء دولة إسرائيل ثم تأييدها بعد ذلك. ومن هذه المنظمات: المنظمة الصهيونية لأمريكا، والتحالف العمالي الصهيوني، والهاداساه، ومنظمة النساء الصهاينة في أمريكا. وتعمل هذه الجماعات على كسب الرأي العام عن طريق مشروعات متعددة تتراوح بين إنشاء المدارس التي تعلِّم العبرية وإنشاء المستشفيات وإنتاج الأفلام الموالية لإسرائيل وتمويل رحلات الباحثين والسياسيين الأمريكيين إلى إسرائيل. 
ومن الناحية التنظيمية، تتميَّز هذه الجمعيات والمنظمات عن نظيراتها الأمريكيات بكونها تضم عضوية كبيرة، كما أن أجهزتها تتميَّز بوجود موظفين متميزين ومدربين على العمل في مجالات جماعات الضغط والتأثير. كذلك فإنها قادرة حالياً على تشجيع برامج سياسية واجتماعية غير مرتبطة دائماً بالبرنامج الصهيوني، كما أنها تملك جماعات متخصصة وقادرة على معالجة مشاكل بعينها وتنمية شبكات للاتصال. وكذلك فإن لديهم بيروقراطية مركزية لها القدرة على الربط الدائم بين اليهود النشيطين سياسياً على مستوى أمريكا كلها عن طريق كل من مؤتمر الرؤساء ولجنة الشئون العامة. هذا بدوره يجعل لدى الجمــاعات الصهيونية القدرة على الرد الفوري والتعبئة السريعة وبشكل منسق على المستوى القومي، وذلك عندما تظهر موضوعات تستحق التدخل من جانب هذه الجماعات. 
وفي مجال الدعاية والتأثير على الرأي العام الأمريكي، فإن اللوبي الصهيوني بالمعنى المحدد للكلمة، وبالمعنى العام، نجح في جعله موالياً لإسرائيل بصورة عامة. وهذا النجاح لا يرجع فقط إلى الدعاية المنظمة والمؤتمرات وإنما يرجع أيضاً لقدرة اللوبي الصهيوني على عقد تحالفات دائمة مع جماعات المصالح الأخرى مثل العمال والمرأة والمنظمات الدينية وتلك التي تمثل الأقليات الأخرى وجمعيات حقوق الإنسـان، واسـتخدام هذه الجماعات للتأثير على الرأي العام والكونجرس. 
ولا يعمل اللوبي الصهيوني (بالمعنى العام الشائع) بشكل مستقل عن الحركة الصهيونية وإنما ينسق معها. وعندما يُثار موضوع مهم، فإن قادة مؤتمر الرؤساء ولجنة الشئون العامة يحتفظون باتصال وثيق مع العاملين في السفارة الإسرائيلية في واشنطن ومع المستويات العليا في الحكومة الإسرائيلية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلتا المنظمتين لديها القدرة على تنسيق أنشطتها مع الجماعات الصهيونية على المستوى العالمي من خلال المنظمة الصهيونية. 
هذا هو المعنى الشائع، ولكننا سنطرح معنى ثالثاً غير شائع إذ أننا نذهب إلى أن اللوبي الصهيوني لا يتكون من عناصر يهودية وحسب وإنما يضم عناصر غير يهودية أيضاً، وهو يضم كل أصحاب المصالح الاقتصادية الذين يرون أن تفتيت العالم العربي والإسلامي يخدم مصالحهم، وأعضاء النخبة السياسية والعسكرية ممن يتبنون وجهة نظرهم. كما يضم اللوبي الصهيوني كثيراً من الليبراليين ممن كانوا يدعون إلى اتخاذ سياسة ردع نشيطة ضد الاتحاد السوفيتي (سابقاً)، وكثيراً من المحافظين الذين يرون في إسرائيل قاعدة للحضارة الغربية وقاعدة لمصالحها، كما يضم جماعات الأصوليين (الحَرْفيين) ممن يرون في دولة إسرائيل إحدى بشائر الخلاص. 
ولا يُوظِّف اللوبي اليهودي الصهيوني عناصر اليهودية والصهيونية وحسب، وإنما يُوظِّف عناصر ليست يهودية ولا صهيونية (بل قد تكون معادية لليهود واليهودية) ولكنها مع هذا تُوظِّف نفسها دفاعاً عنه وعن مصالحه، بسبب الدور الذي تؤديه الدولة الصهيونية في الشرق الأوسط وبسبب تلاقي المصالح الإستراتيجية الغربية والصهيونية.
اللــوبي اليهــودي والصهيــوني: الأطروحـة الشائعة 
Jewish and Zionist Lobby: The Dominant Hypothesis 
يُعَدُّ اللوبي اليهودي والصهيوني (بالمعنى الشائع) أداة ضغط فعالة في يد من يمثلون مصالح الدولة الإسرائيلية. 
ولا يستطيع أي دارس أن ينكر قوة اللوبي الذاتية التي يمكن تلخيص مصادرها فيما يلي: 
1 ـ يستند اللوبي اليهودي والصهيوني إلى قاعدة واسعة من الناخبين من أعضاء الجماعة اليهودية. 
2 ـ توجد بين هؤلاء الناخبين نسبة عالية من الأثرياء يُقدَّر أنهم يتبرعون بأكثر من نصف مجموع الهبات الكبرى للحملة الانتخابية للحزب الديموقراطي، إضافة إلى مبالغ ضخمة لحملات الحزب الجمهوري (انظر: «الصوت اليهودي»).
3 ـ ازدادت أهمية هؤلاء الناخبين بعد الزيادة الهائلة في كلفة الحملات الانتخابية. 
4 ـ من أسباب قوة اللوبي اليهودي والصهيوني ارتفاع المستوى التعليمي لأعضاء الجماعات اليهودية. 
5 ـ يوجد عدد كبير من المثقفين الأمريكيين اليهود الذين أصبحوا جزءاً عضوياً من النخبة الحاكمة، فهم أبناء حقيقيون للمجتمع الأمريكي لا يعيشون على هامشه أو "في مسامه" وإنما في صلبه، وهو ما يجعلهم قادرين على ممارسة الضغط والتأثير بشكل مباشر. 
6 ـ الجماعة اليهودية جماعة منظمة لدرجة كبيرة، وهذا يجعلها قادرة على مضاعفـة قوتـها وزيادة نفوذها لدرجة لا تتناسب مع أعداد أعضائها. 
7 ـ ساعد نظام الانتخابات في الولايات المتحدة على أن يلعب اليهود دوراً ملحوظاً في الانتخابات بسبب تركُّزهم في بعض أهم الولايات التي تقرر مصير الانتخابات الأمريكية (نيويورك ـ كاليفورنيا ـ فلوريدا). 
8 ـ لا يهتم الناخب الأمريكي كثيراً بقضايا السياسة الخارجية ولا يفهمها كثيراً، ولذا فإن أقلية مثل الجماعة اليهودية عندها هذا الاهتمام بإسرائيل وسياسة الولايات المتحدة تجاهها يمكنها أن تمارس نفوذاً قوياً في تحديد السياسة الخارجية الأمريكية. 
والافتراض الكامن في كثير من الأدبيات العربية أن اللوبي اليهودي الصهيوني (بالمعنى الشائع) هو الذي يؤثر في صناع القرار الأمريكي، بل يرى البعض أنه يسيطر سيطرة تامة على مراكز صنع السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وأنه يدفع هذه السياسة في اتجاه التناقض مع المصالح القومية الأمريكية الحقيقية بما يخدم مصلحة الدولة الصهيونية (وينسب البعض للوبي مقدرات بروتوكولية رهيبة). وهذا يعني بطبيعة الحال أن اللوبي الصهيوني هو لوبي يهودي وأن اليهود يشكلون قوة سياسية وكتلة اقتصادية موحدة خاضعة بشكل شبه كامل للسيطرة الصهيونية ويتحركون وفق توجيهاتها، وأن بإمكان أقلية قوامها 4.2% من السكان أن تتحكم في سياسة إمبراطورية عظمى مثل الولايات المتحدة. 
كما يفترض المفهوم أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة علاقة عارضة متغيرة وليست إستراتيجية مستقرة، وأن تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل ناجم عن عملية ضغط عليها "من الخارج" تقوم به قوة مستقلة لها آلياتها المستقلة وحركياتها الذاتية ومصلحتها الخاصة، وليس نابعاً من مصالح الولايات المتحدة أو من إدراكها لهذه المصالح. 
ويستند إدراك كثير من المنادين بمقولة قوة اللوبي الصهيوني إلى مجموعة من المقدمات المنطقية المعقولة التي تكاد تكون بدهية، ومن وجهة نظرهم. فنحن إذا حكَّمنا العقل ودرسنا الواقع بشكل موضوعي لتوصلنا إلى أنه ليس من صالح الولايات المتحدة الأمريكية أن تدخل في معركة مع الشعب العربي، بل من صالحها أن تتعاون معه في كل المجالات الممكنة، لأن مثل هذا التعاون سيؤدي إلى استقرار المنطقة العربية وسيعود على الولايات المتحدة بالفائدة. فالعالم العربي يشغل موقعاً إستراتيجياً مهماً، فهو يقع في وسط أفريقيا وآسيا، وله امتداد حضاري وسكاني في كليهما، وهو شريك أوربا في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويشكل نواة العالم الإسلامي. ولذا فمن صالح الولايات المتحدة أن تكون علاقاتها جيدة مع شعب يشغل مثل هذا الموقع الإستراتيجي، وألا يزاحمها أحد في مثل هذه المكانة. علاوة على هذا، يضم العالم العربي نسبة ضخمة من بترول العالم ومن مخزونه الإستراتيجي المعروف، وهذا البترول ـ كما هو معروف ـ أمر حيوي بالنسبة للمنظومة الصناعية في الغرب. كما أن الأسواق العربية من أهم الأسواق من منظور تسويق السلع وكذلك استثمار رأس المال. والعلاقة الطيبة بين الدول العربية والولايات المتحدة ستؤدي حتماً إلى تحسين صورتها لا في العالم العربي وحسب بل في العالم الثالث بأسره. 
ولكن الولايات المتحدة، هذا البلد العقلاني الذي تحكمه معايير عملية عقلانية مادية باردة، لا تسـلك حسـب هـذه المعايير المعقولة البديهية، فهي تتمادى في تأييد إسرائيل وتقف وراءها بكل قوة وتستجلب على نفسها عداء العرب. مثل هذا الوضع شاذ وغير عقلاني لا يمكن تفسيره إلا بافتراض وجود قوة خارجية، ذات مقدرة ضخمة، قادرة على أن تضغط على الولايات المتحدة بحيث تتصرف، لا بحسب ما تمليه عليها مصالحها الموضوعية، وإنما حسبما تمليه عليها مصالح هذه القوة، أي المصالح اليهودية والصهيونية والإسرائيلية التي يمثلها اللوبي اليهودي والصهيوني (بالمعنى الشائع).
ولكن ما لم يطرأ لمثل هؤلاء على بال هو أن من المحتمل أن الولايات المتحدة لا تدرك "مصالحها" بهذه الطريقة التي يتصورون أنها عقلانية بل لعلها ترى أن "عدم الاستقرار أو عدم الاستقرار المحكوم" (بالإنجليزية: كونترولد إنستابيليتي Controlled instability) أفضل وضع بالنسبة لها، وأن وضع التجزئة العربية هو ما يخدم "مصالحها"، وأن إسرائيل هي أداتها في خلق حالة عدم الاستقرار المحكوم هذه، والخادم الحقيقي "لمصالحها". 
اللوبي اليهودي والصهيوني: تلاقي المصالح الإستراتيجية بين العالم الغربي والدولة الصهيونية 
Jewish and Zionist Lobby: The Convergence of the Strategic Interests of the Western World and the Zionist State 
مفهوم «المصلحة الإستراتيجية» ليس مفهوماً بسيطاً أو عقلانياً. ومما لا شك فيه أن عملية اتخاذ القرار السياسي في العالم الغربي مركبة لأقصى حد، فهي تتم من خـلال مؤسسات يديرها علماء متخصصون (تكنوقراط) بطريقة "رشيدة"، بمعنى أنها تتبع إجراءات معروفة ومحددة لا تخضع للأهواء الشخصية، ولذا لا يُتخذ القرار إلا بعد توفير المعلومات اللازمة وإشراك المستشارين والمتخصصين. ثم بعد ذلك تتم عملية موازنات صعبة ودقيقة بشأن حساب المكسب والخسارة وجدوى القرار وقوة العدو ونقط ضعفه. وعلى سبيل المثال، حينما قرَّر كيسنجر التخلص من حكم الليندي في تشيلي الذي كان قد وصل إلى سدة الحكم من خلال انتخابات نزيهة، وأحل محله حكماً عسكرياً شرساً. 
وحينما قررت الولايات المتحدة دعم الكونترا وهو ما يعني التدخل في الشئون الداخلية لنيكاراجوا وإثارة حفيظة دول أمريكا اللاتينية التي كانت تعلم تماماً أن نظام الساندنيستا ليس نظاماً شيوعياً كما تزعم الولايات المتحدة وإنما نظام وطني ينحو منحى يسارياً. نقول، حينما قررت الولايات المتحدة أن تفعل ذلك، فإنها كانت مدركة تماماً أن ثمة خسارة ما ولكن حساب المكسب والخسارة كان واضحاً، فالعائد السياسي (القضاء على نظم قومية تحاول أن تحرز نمواً اقتصادياً خارج نطاق المنظومة الرأسمالية والهيمنة الأمريكية والغربية) كان أعلى كثيراً من العادم (تدعيم صورة اليانكي القبيح المستغل وترسيخها في الوجدان اللاتيني). والشيء نفسه ينطبق على قرار غزو بنما والقضاء على عميل مهم للولايات المتحدة، فنروييجا كان مخلوق أمريكا القبيح. وحينما أرسلت الولايات المتحدة قوتها للقيام بعملية الغزو فإنها كانت مدركة أن العائد الاجتماعي السياسي (القضاء على واحد من أهم مصادر المخدرات، وبالتالي حل مشكلة المخدرات التي تهدد نسيج المجتمع الأمريكي وأمنه القومي ودعم صورة المؤسسة الحاكمة أمام جماهيرها، على أنها مؤسسة جادة في عملية محاربة المخدرات) كان أعلى كثيراً في تصوُّرها من العادم (تدخُّل قوة عظمى في شئون دولة صغيرة والقضاء على عميل نافع مفيد).
ولكن، إذا كان التكنوقراط يتخذون القرار حسب إجراءات موضوعية ومعايير محسوبة تضمن توظيف الوسائل على أحسن وجه في خدمة الأهداف، فإن الأهداف الإستراتيجية نفسها لا تحددها اللجان التكنوقراطية، فهذه العملية تتم على أعلى المستوىات وتصبح جزءاً من العقد الاجتماعي الذي يستند إليه المجتمع ككل، كما أن تغيير هذه الأهداف لا يتم إلا بثورة اجتماعية شاملة. وحساب المكسب والخسارة والعائد والعادم يتم في إطار ما يُسمَّى «مصلحة الدولة العليا». وهذه المصلحة ليست قضية بسـيطة يمكن تحديدهـا موضوعياً ورياضياً وبشكل إجرائي غير شخصي، فرؤية أعضاء النخبة الحاكمة لمصالحهم، والمصالح الفعلية التي يحاولون الحفاظ عليها، والإطار الرمزي الذي يدركون من خلاله هذه المصالح، والعقيدة السياسية والدينية التي تستند إليها شرعية النخبة، تساهم كلها، بشكل أو بآخر، في تحديد «مصلحة الدولة العليا»، فما يرى أعضاء النخبة أنه مصلحة الدولة العليا قد يكون مصلحتهم هم كجماعة أو طبقة ولا يمثل بالضرورة صالح الدولة ككل أو صالح أغلبية أعضاء المجتمع. وما قد يكون رشيداً من وجهة نظر إنسانية عامة قد لا يكون رشيداً من وجهة نظر أصحاب القرار. 
وما نود تأكيده هنا أن سلوك دولة عظمى مثل الولايات المتحدة ليس مسألة تتم حسب قواعد رشيدة بسيطة، وإنما هو نتيجة عملية مركبة تدخل فيها عناصر "ذاتية" وعقائدية ومادية وغير مادية، قد لا تنضوي بالضرورة داخل إطار الرشد كما نتخيله (وهنا يأتي دور الصور الذهنية وعالم الرموز والتراث المسيحي اليهودي والذاكرة التاريخية... إلخ). وإن لم يكن الأمر على هذا النحو، فكيف نفسِّر دخول الولايات المتحدة حرباً ضروساً في فيتنام (بعد هزيمة فرنسا فيها)، وتورطها في هذه الحرب لعشرات السنين، وإنفاقها بلايين الدولارات وإهدارها دماء عشرات الألوف من الأمريكيين والفيتناميين، في حرب كان يعرف الجميع أنها خاسرة، واعترف بذلك ـ فيما بعد ـ مهندس الحرب الحقيقي روبرت ماكنمارا؟ ولماذا لم تخرج هذه الدولة العقلانية من الحرب إلا بعد تصاعُد المظاهرات في الولايات المتحدة لما يزيد عن عشرة أعوام؟ 
وأعتقد أن الغرب قد عرَّف مصلحته الإستراتيجية منذ بداية القرن التاسع عشر بطريقة تجعله ينظر للمنطقة العربية باعتبارها مصدراً هائلاً للمواد الخام (الرخيصة) ومجالاً خصباً للاستثمارات الهائلة (التي تعود عليه وحده بالربح) وسوقاً عظيمة لسلعه (التي ينتجها ويصرفها فيزداد هو ثراءً)، أو قاعدة إستراتيجية شديدة الخطورة والأهمية (بالنسبة لأمنه هو) إن لم يتحكم فيها قامت قوى معادية (مثل الاتحاد السوفيتي في الماضي) باستخدامها ضده، ويعبِّر هذا الموقف عن نفسه في مصطلح مثل «الفراغ» الذي كثيراً ما يُستخدَم للإشارة إلى شرقنا العربي وكأن وطننا رقعة أرض أو مساحة لا يقطنها شعب عريق له امتداده الحضاري، وكأن أوطاننا هي وجود جغرافي رحب مجرد من التاريخ، أي أننا في الإدراك الغربي مجرد شيء قد يصلح للاستخدام أو الاستعمال.
وحتى حينما نتحول إلى أكثر من مجرد مساحة، فإن الإدراك الغربي للمنطقة (وهو إدراك تحدده مصلحته كما يراها هو أو كما تراها نخبته الحاكمة ومؤسسات صنع القرار فيه) يرى وطننا العربي على أنه منطقة مأهولة بشعوب وقبائل وأقليات معظمها يتحدث العربية وتدين بديانات مختلفة لا يربطها رابط حضاري أو اجتماعي واحد لكلٍّ مصلحته الاقتصادية ومستقبله السياسي المستقل (وتفتُّتها يُسهِّل عملية تحويلها إلى مادة استعمالية) وتكمن مصلحة الغرب (كتشكيل حضاري نهم يود استغلال الشرق والاستثمار فيه بما يعود عليه هو بالربح وبتوجيهه لما يخدم أمنه) في الحفاظ على عدم الترابط الحضاري أو الاجتماعي في عالمنا العربي. وهذه هي مصلحة الغرب كما يدركهـا أهله، وهذا هـو الإطـار الذي يتم اتخـاذ القـرار من خلاله. 
والمفهوم الصهيوني لعالمنا العربي يتفق تمام الاتفاق مع المفهوم الغـربي، فالصـهاينة يشـيرون إلى فلسطين باعتبارها «أرضاً بلا شعب»، وإلى الضفة الغربية باعتبارها «يهودا والسامرة»، وهي مصطلحات تلغي التاريخ العربي تماماً. وهم يشيرون إلى الشرق الأوسط على أنه «المنطقة» وهو اصطلاح يشبه في كثير من الوجوه اصطلاح «الفراغ»، فكلاهما يؤكـد فكرة أن عالمنا العربي مكـان بلا زمان، وجغرافيا بلا تاريخ، أو مساحة تسكنها شعوب عديدة متفرقة متناثرة، والصهيونية في نهاية الأمر وليدة التراث الفكري الاستعماري الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي أداته في المنطقة، وقد بدأ الاهتمام الغربي بالصهيونية كفكرة منذ القرن السابع عشر، ولكن الاهتمام الفكري تحوَّل إلى فكر سياسي ثم إلى خطاب سياسي ثم إلى مُخطَّط استعماري ثابت بعد ظهور محمد علي الذي كان يهدد المصالح الغربية لأنه كان قادراً على ملء «الفراغ» في المنطقة إما عن طريق طرح نفسه على أنه القوة الجديدة، أو عن طريق إدخال العافية على رجل أوربا المريض. ومن هنا كانت فكرة الدولة الصهيونية التي وُلدت داخل الخطاب السياسي الغربي، ومن هنا الدعم الغربي الحاسم للمشروع الصهيوني، أداة الغرب في خَلْق الفراغ والحفاظ عليه كوسيلة للدفاع عن أمـن الغرب لا عن أهل المنطقة، وعن مصـالح الغرب لا مصـالح العرب. ولا يمكن إنكار دور الصهاينة في ترسيخ هذا الإدراك الغربي للشرق الأوسط، ولكن تظل العلاقة بين الصهيونية والتشكيل الاستعماري الغربي تدور في إطار المصالح الإستراتيجية الثابتة التي تشكلت داخل الحضارة الغربية قبل ظهور الجماعات اليهودية كقوة سياسية فاعلة في الغرب. 
هذا هو السر الحقيقي للنجاح الصهيوني في الغرب، فهو لا يعود إلى سيطرة اليهود على الإعلام، أو لباقة المتحدثين الصهاينة، أو إلى مقدرتهم العالية على الإقناع والإتيان بالحجج والبراهين، أو إلى ثراء اليهود وسيطرتهم المزعومة على التجارة والصناعة، وإنما يعود إلى أن صهيون الجديدة جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، وإلى أنه لا يمكن الحديث عن مصالح يهودية وصهيونية مقابل مصالح غربية، وإلى أن الإعلام واللوبي الصهيونيين يمثلان أداة الغرب الرخيصة: دولة وظيفية عميلة للولايات المتحدة تؤدي كل ما يوكل إليها من مهام بنجاح وتنصاع تماماً للأوامر، ولا توجد سوى مناطق اختلاف صغيرة بينها وبين الولايات المتحدة (لا تختلف كثيراً عن الاختلافات التي تنشأ بين الدولة الإمبريالية الأم والجيوب الاستيطانية التابعة لها، كما حدث بين فرنسا والمستوطنين الفرنسيين في الجزائر، وبين إنجلترا من جهة والمستوطنين الإنجليز في روديسـيا والمسـتوطنين الصهاينة في فلسطين من جهة أخرى). 
وتنصرف هذه الاختلافات أساساً إلى الأسلوب والإجراءات لا إلى الأهداف النهائية، اختلافات يمكن حسمها عن طريق الإقناع والضغط كما يحدث عندما تطلب السعودية صفقة أسلحة ولا ترضى إسرائيل عن ذلك، أو عندما تريد إسرائيل توسيع رقعة استقلالها قليلاً عن طريق إنتاج سلاح مثل طائرة اللافي ولا ترضى المؤسـسة العسـكرية الصناعيـة الأمريكيـة عن ذلك. فالاختلاف ينصرف إلى التفاصيل لا إلى "المصلحة" وإدراكها، ومن هنا يمكن إدارة الحوار حسب قوانين اللعبة المتعارف عليها وتتم ممارسة الضغط داخل إطار من التفاهم بشأن المبادئ الأساسية ومن داخل النسق لا من خارجه. ويجب ألا يثير هذا الوضع دهشتنا فتاريخ الحركة الصهيونية ليس جزءاً من «تاريخ يهودي عالمي وهمي» ولا هو جزء من التوراة والتلمود (رغم استخدام الديباجات التوراتية والتلمودية) وإنما هو جزء من تاريخ الإمبريالية الغربية. ولذا فالصهيونية لم تظهر بين يهود اليمن أو الهند أو المغرب وإنما ظهرت بين يهود العالم الغربي، وهي لم تظهر في العصور الوسطى ، على سبيل المثال، وإنما في أواخر القرن السابع عشر مع ظهور التشكيل الاستعماري الغربي وبدايات استيطان الإنسان الغربي في العالم الجديد وفي بعض المدن الساحلية في أفريقيا وآسيا. 
ويدرك الساسة الإسرائيليون هذه الحقائق إدراكاً كاملاً، ولذا فهم لا يكفون عن الحديث عن أهمية إسرائيل كقاعدة عسكرية وحـضارية وأمنيـة للغرب، وأنها، علاوة على ذلك، قاعدة رخيصة، أرخص بكثير من 10 حاملات طائرات تبلغ تكاليفها 50 بليون دولار، كانت الولايات المتحدة ستضطر لبنائها وإرسالها للبـحر الأبيض المتوسـط وللبحـر الأحـمر لحـماية "المصالح" الأمريكية. إن إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة "كنز إستراتيجي" (أو دولة وظيفية في مصطلحنا)، وهذا ما يؤكده المتحدثون الإسرائيليون في واشنطن، قبل الدخول في أية مفاوضات. وقد جاء في إحدى إعلانات النيويورك تايمز (الذي مولته إحدى الهيئات الصهيونية) أنه إذا ما تهددت مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فإن وضع قوة لها شأنها هناك يحتاج إلى "أشهر، أما مع إسرائيل كحليف فإنه لا يحتاج إلا بضعة أيام". إن هذه العبارة تتحدث عن إجراءات القمع والتأديب ضد العالم العربي وتبين مدى كفاءة الدولة الوظيفية في إنجاز مهمتها، ولا تتحدث عن نقطة الانطلاق ولا عن الأسباب الداعية للقمع والتأديب وهي أن مصلحة الغرب تتطلب مثل هذا القمع لأنها مسألة مستقرة مفروغ منها في الفكر الإستراتيجي الغربي.
اللوبي اليهـودي والصهيوني: أوربــا الغربيـة 
Jewish and Zionist Lobby: Western Europe 
نذهب إذن إلى أن "سر" نجاح اللوبي اليهودي والصهيوني هو أنه يدور في إطار المصالح الإستراتيجية الغربية وأنه يعرض دولته الصهيونية باعتبارها أداة، أي أن مصدر نجاحه لا يعود لقوته الذاتية أو لعناصر كامنة فيه، وإنما بسبب اتفاق مصلحته مع مصلحة الغرب الإستراتيجية. والنموذج السائد في الخطاب التحليلي العربي (الرسمي والشعبي) هو عكس هذا، فهو يفترض أن نجاح الصهاينة يعود لقوتهم الذاتية ومن ثم يُفسِّر تزايُد الدعم الغربي لإسرائيل على أساس تعـاظُم النفـوذ اليهـودي والصهـيوني، فإن زاد الثاني زاد الأول. 
ولاختبار هذه الأطروحة الشائعة، ولتوضيح ضعف مقدرتها التفسيرية، سنورد بعض الشواهد والقرائن التاريخية والحديثة: 
1 ـ أول من دعا لإنشاء دولة يهودية في فلسطين في العصر الحديث هو نابليون بونابرت، وهو أيضاً أول غاز غربي للشرق العربي في العصر الحديث. ومما يجدر ذكره أن نابليون كان معادياً لليهود، كما يدل على ذلك سجله في فرنسا. ولا يمكن الحديث عن وجود لوبي يهودي أو صهيوني قوي أو ضعيف حين أطلق نابليون دعوته، فقد كانت نابعة من إدراكه لمصالح فرنسا الإستراتيجية. 
2 ـ هناك حشد من الساسة البريطانيين (بالمرستون ـ شافتسبري ـ أوليفانت ـ لويد جورج ـ بلفور) دعوا لإقامة دولة يهودية في فلسطين، إما قبل ظهور الحركة الصهيونية بين اليهود أو في غياب لوبي يهودي أو صهيوني. ومما يجدر ذكره أن كل هؤلاء الساسة كانوا ممن يكرهون اليهود، وبخاصة بلفور، الذي كان وراء استصدار قانون الغرباء عام 1950 لمنع اليهود من دخول إنجلترا، والذي اعترف بعدائه للسامية، والذي كان يرى أن اليهود يشكلون عبئاً على الحضارة الغربية ولكنهم جميعاً وجدوا أن ثمة فائدة إستراتيجية تعود على إنجلترا لو أسست دولة صهيونية. 
3 ـ لا شك في أن صدور وعد بلفور هو أهم حدث في تاريخ الصهيونية ودراسة الظروف المحيطة بصدوره. ولذا فهو يزودنا بلحظة نادرة لاختبار نموذج الضغط اليهودي والصهيوني. 
ولإنجاز هذا سنعقد مقارنة بين "قوة" الجماعتين اليهوديتين في ألمانيا وإنجلترا من منظور مقدرتهما على الضغط: 
أ ) فمن المعروف أن الوجود اليهودي في ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى كان قوياً جداً، وكان اليهود يشغلون مناصب حكومية مهمة، ويوجدون في مواقع اقتصادية ذات طبيعة إستراتيجية، فكان أهـم ثلاثة بنوك يملكـها بعض أعضـاء الجماعــة اليهودية في ألمانيا، كما كانوا متغلغـلين في الإعــلام وقيادات الأحـزاب السياسية، وكان منهم كثير من المؤلفين والفنانين. وقد حققوا معدلات عالية للغاية من الاندماج، وهو ما يسَّر لهم عملية التحرك داخل المجتمع الألماني، كما أن اليهود الألمان اشتركوا بأعداد كبيرة في الحرب تفوق نسبتهم القومية. والحركة الصهيونية حتى ذلك الوقت كانت حركة ألمانية في توجهها الثقافي، فكانت لغة المؤتمرات الصهيونية هي الألمانية، كما كانت برلين مقر المنظمة الصهيونية العالمية. وكان الصهاينة على أتم استعداد لأن يجعلوا مشروعهم الصهيوني جزءاً من المشروع الألماني الاستعماري. 
ب) مقابل هذا كانت توجد في إنجلترا جماعة يهودية صغيرة للغاية ليست لها القوة المالية أو الثقافية للجماعة اليهودية في ألمانيا، وكانت جماعة مندمجة تماماً ومعادية للصهيونية (كان وايزمان والقيادات الصهيونية من شرق أوربا).
مع هذا نجح الصهاينة في إنجلترا في استصدار وعد بلفور، رغم ضعفهم وعزلتهم، بينما فشل صهاينة ألمانيا في ذلك رغم قوتهم وارتباطهم بالمجتمع. ولا يمكن العودة إلى الصورة الإعلامية أو اللوبي الصهيوني وما شابه من نماذج تفسيرية. وإنما علينا أن نعود إلى المصالح الإستراتيجية الإمبريالية الإنجليزية مقابل المصالح الإستراتيجية الإمبريالية الألمانية. أما الإمبريالية الألمانية فكانت متحالفة مع الدولة العثمانية، ولذا لم يكن هناك مجال لإعطاء أي وعود للصهاينة على حساب هذه الدولة. لكن الوضع كان مختلفاً بالنسبة للإمبريالية الإنجليزية فقد ظل التحالف قائماً بينها وبين الدولة العثمانية حتى اندلاع الحرب، ولذا حينما صدر أول وعد بلفوري إنجليزي وهو الخاص بمشـروع شـرق أفريقيا فقد كان وعداً بقطعـة أرض خارج الدولة العثمانية. ولكن بعد أن قررت الإمبريالية الإنجليزية تقسيم الدولة العثمانية أصبح من الممكن إصدار وعد بلفور لمجموعة من الصهاينة ليسوا من الإنجليز. وكان على الموجودين في إنجلترا أن يقطعوا علاقتهم مع المنظمة الخاضعة لنفوذ ألمانيا آنذاك، وكان الوعد هذه المرة وعداً بقطعة أرض داخل الدولة العثمانية. إن وعد بلفور والدعم البريطاني للمشروع الصهيوني لا علاقة لهما بأي لوبي يهودي أو صهيوني قوي أو ضعيف. 
4 ـ إذا نظرنا إلى سياسة كل من إنجلترا وفرنسا في الوقت الحالي تجاه الشرق الأوسط لوجدنا أنها تتفق مع السياسة الأمريكية والتوجه الإستراتيجي الغربي بشكل عام مع اختلافات طفيفة. ويستطيع الباحث المدقق أن يجد أن سياسة إنجلترا أكثر اقتراباً من السياسة الأمريكية وأكثر دعماً لإسرائيل، وأن السياسة الفرنسية أكثر ابتعاداً وربما اعتدالاً (من وجهة نظر غربية). 
ولو حاول تفسير هذا الاختلاف على أساس النفوذ الصهيوني لباءت محاولته بالفشل: 
أ ) فالجماعـة اليهـودية في إنجلترا ضعيفة لأقصى حد من الناحية الكمية، أما من الناحية الكيفية فهي من أكثر الجماعات اندماجاً وهي آخذة في التناقص (إن لم يكن أيضاً الاختفاء). وعند وقوع مذبحة صبرا وشاتيلا لم يجد التليفزيون البريطاني مفكراً بريطانياً يهودياً واحداً يدافع عن الموقف الصهيوني، فاضطروا إلى إحضار نورمان بودوريتس رئيس مجلة كومنتاري من الولايات المتحدة لتقديم وجهة النظر الصهيونية. 
ب) أما في فرنسا فتوجد جماعة يهودية يبلغ تعدادها 700 ألف، وهي جماعة اكتـسبت لوناً يهودياً قوياً نوعاً ما بعـد هـجرة يهـود المغرب العربي، وهي جماعة ذات نفوذ قوي في الإعلام وغيره. 
وأعتقد أنه لتفسير موقف كلا البلدين يجب ألا نعود إلى قوة أو ضعف الجماعة اليهودية في كلٍّ منهما وإنما إلى موقف كليهما من التحالف الغربي وإلى رؤية كل منهما له. فإنجلترا أكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة من فرنسا داخل هذا التحالف، بينما تحاول فرنسا أن تحافظ على مساحة من الاستقلال الأوربي لا تهتم بها إنجلترا بالدرجة نفسها، ولعل هذا هو مصـدر اختلاف سـياسة البلدين تجـاه قضية الشرق الأوسـط. 
5 ـ وإذا نظرنا إلى دول مثل هولندا وبلجيكا فلا يمكن تفسير تأييدها لإسرائيل استناداً إلى مقولة اللوبي اليهودي الصهيوني، فالوجود اليهودي في كثير من هذه البلدان يكاد يكون منعدماً. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  Empty
مُساهمةموضوع: اللوبي اليهودي والصهيوني: الاتحـاد السوفيتي    الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 3:32 am

اللوبي اليهودي والصهيوني: الاتحـاد السوفيتي 
Jewish and Zionist Lobby: The Soviet Union 
تُثار قضية اللوبي اليهودي والصهيوني (بالمعنى العام) في الاتحاد السـوفيتي إذ يذهــب البعض أن "اليهود" سـيطروا على الاتحاد السوفيتي، فالثورة البلشفية حسب تصوُّرهم هي "الثورة اليهودية" والشيوعية العالمية والصهيونية العالمية حليفان. وكما هو الحال دائماً مع النماذج الاختزالية ثمة عناصر في الواقع يمكنها تأييد مثل هذا المفهوم. فمن المعروف أن أعضاء الجماعة اليهودية في الاتحاد السوفيتي كانوا من أكثر الجماعات وجوداً في مؤسسات الحزب الشيوعي بالقياس إلى نسبتهم القومية ومهندس الجيش الأحمر هو تروتسكي "اليهودي". كما يمكن أن نشير إلى وجود أعداد كثيرة من اليهود في الإعلام السوفيتي وفي بعض المؤسسات المهمة مثل اتحاد الكتاب وفي الجامعات والمؤسسات البحثية. 
ولكن هذا الوضع يعادله عدة عناصر من أهمها: 
1 ـ أن النسبة العددية لأعضاء الجماعة اليهودية في الاتحاد السوفيتي كانت صغيرة جداً وآخذة في التناقص. 
2 ـ لم يشكل أعضاء الجماعة كتلة متماسكة لها مصالح واحدة. فيهود جورجيا لا تربطهم رابطة كبيرة بيهود أوكرانيا، بل إن ثمة نقاط اختلاف دينية وحضارية عميقة بينهم. 
3 ـ كان يهود الاتحاد السوفيتي يتمتعون بدرجة عالية من الاندماج يجد تَجلِّيه في الزواج المُختلَط وفي اختفاء اللغة والثقافة اليديشية. 
4 ـ اتجه اليهود السوفييت (من خلال عناصر داخلية سوفيتية مثل تركُّزهم في قطاعات اقتصادية مشبوهة، وخارجية مثل تدخل الحركة الصهيونية) إلى الخروج من الاتحاد السوفيتي وليس البقاء داخله. وقد أدَّى هذا إلى ضعف نفوذهم كجماعة ضغط داخل النظام السوفيتي. 
5 ـ من الأمور التي كانت تعوق اليهود السوفييت عن التأثير في القرار السياسي السوفيتي، من داخل النظام أو من خارجه، أن ثمة رفضاً عميقاً لليهودي داخل التشكيل الحضاري الروسي باعتبار أن اليهودي هو الغريب، وهو رفض يدعمه تركُّز نسبة كبيرة من أعضاء الجماعة في وظائف هامشية وفي السوق السوداء. 
6 ـ من العناصر بالغة الأهمية أنه ليس كل اليهود السوفييت مؤيدين لإسرائيل، فهناك اليهود المتدينون الذين لا ينظرون إلى الدولة الصهـيونية بعين الرضا. كما أن هناك إحسـاساً، بين يهود شرق أوربا، بأنهم يُشكِّلون أقلية قومية شرق أوربية يديشية، وهي التقاليد التي صاغها دبنوف وحزب البوند. 
7 ـ وفي نهاية الأمر كانت هناك السياسات السوفيتية الرامية إلى تفكيك اليهود (وكل الجماعات الدينية والإثنية) كجزء من النزوع الأممي وتركيز السلطة في يد السوفييت وحكومتهم المركزية وطليعتهم الحزبية! 
ودراسة موقف الاتحاد السوفيتي من الجماعات اليهودية والدولة الصهيونية تبين أن المصالح الإستراتيجية للدولة السوفيتية كانت دائماً العنصر الأساسي في تحديد موقفها (انظر: «البلاشفة والجماعات اليهودية» ـ «البلاشفة والصهيونية»).
ويمكن دراسة قضية حيوية مثل الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفيتي (سابقاً) في السبعينيات باعتبارها مثلاً مصغراً لتوجهات السياسة السوفيتية، وهل تتحدد هذه السياسة نتيجة ضغط يهودي صهيوني أم نابعة من المصالح السوفيتية؟ ومن المعروف أن قضية اليهود السوفييت "وحقهم" في الهجرة لم تُثر في بداية السبعينيات بضغط من الإعلام أو اللوبي الصهيوني وإنما تم بضغط من الولايات المتحدة (بمساعدة أعضاء الجماعة اليهودية فيها). وقد سمح السوفييت في نهاية الأمر بهجرة أعداد كبيرة من اليهود بسبب ضغوط بنيوية داخلية: التخلص من عناصر متمردة ساخطة وعناصر تجارية إن لجأ للعنف في ضربها أثار الرأي العام الغربي عليه. كما أن الضغوط الغربية لعبت دوراً حاسماً إذ ربط الغرب بين التسهيلات التجارية والائتمانية الممنوحة للاتحاد السوفيتي من جهة والموقف السوفيتي من الهجرة اليهودية من جهة أخرى. ولكن مع تراجع هذه السياسات توقفت الهجرة لتفتح أبوابها مرة أخرى في أواخر الثمانينيات مع الانفتاح السوفيتي على الغرب ومع رغبته العارمة في الحصول على مساعدات مالية وتكنولوجيا متقدمة، فالقرار قرار سوفيتي اتُخذ استجابة لحاجات سوفيتية داخلية ومطالب غربية، ولا يشكل اليهود في هذه الصفقة سوى المادة التي سيتم نقلها. ومما لا شك فيه أن الإعلام الذي تنشط فيه العناصر اليهودية أو الصهيونية سواء في الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة لعب دوراً ملحوظاً، ولكن لا يمكن تفسير سلوك الاتحاد السوفيتي وسماحه بهجرة اليهود السوفييت في السبعينيات ثم وقفه الهجرة في منتصف الثمانينيات ثم فتحه باب الهجرة مرة أخرى في أواخر الثمانينيات إلا في إطار مصالح الاتحاد السوفيتي المتشابكة والضغوط الأمريكية عليه. 
ومع هذا، يُلاحَظ أن أعضاء الجماعة بدأوا يتمتعون بحرية أكبر في الحركة والتعبير عن آرائهم. ولكن هذا لا يعود إلى قوتهم الذاتية وإنما إلى تغيُّر مبدئي وبنيوي في سياسة الدولة السوفيتية جعلها تجد أن من صالحها السـماح لليهـود بالهجرة والسـماح للحركة الصهيونية بالتحرك. وبطبيعة الحال، فإنه مع تزايد هجرة اليهود من روسيا وأوكرانيا، ومع انحلال الاتحاد السوفيتي وانقسامه إلى عدة دول ذات سياسات مختلفة، فمن المتوقع أن تزداد قدرة الجماعات اليهودية على الضغط. 
اللـوبي اليهــودي والصهـيوني: الولايات المتحدة الأمريكيـة 
Jewish and Zionist Lobby: The United States of America 
يمكن القول بأن كل الأمثلة التي وردت في المدخل السابق مستمدة من تاريخ إنجلترا أو فرنسا أو الاتحاد السوفيتي وأن الولايات المتحدة حالة مختلفة تماماً وأن النفوذ الصهيوني مُسيطر عليها بشكل لم يحدث من قبل أو بعد. ولذا فلنحاول اختبار نموذجنا التفسيري الأساسي: إن المصالح الإستراتيجية/الغربية (الأمريكية في هذه الحالة) هي التي تحدد القرار الأمريكي، وأن الضغوط الصهيونية ـ من خلال اللوبي أو الإعلام ـ ذات أهمية ثانوية، فهي قد تُؤخر القرار قليلاً، وقد تُعدل شكله ولكنها لا تُحدِّده أو تُعدِّل اتجاهه الأساسي. 
ويمكننا أن نذكر الأحداث المهمة التالية للبرهنة على مقولتنا: 
1 ـ هناك عدد كبير من رؤساء الجمهورية في الولايات المتحدة ممن دعوا لإنشاء دولة يهودية في فلسطين، حتى قبل أن توجد جماعة يهودية ذات وزن من الناحية العددية والنوعية في أمريكا الشمالية. ويمكن أن نذكر ـ في هذا المضمار ـ الرئيس جاكسون (الذي كان قد لعب دوراً أساسياً في عملية الإجهاز على البقية الباقية من السكان الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية).
2 ـ المؤسِّس الحقيقي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة (بالمعنى العام غير الشائع الذي نطرحه) هو وليام بلاكستون (1841 ـ 1935) الصهيوني غير اليهودي، الذي أرسل عام 1891 التماساً إلى الرئيس الأمريكي هاريسون يحثه فيه على "إعادة" فلسطين لليهود. وقد وقَّع على هذا الالتماس عدد من الشخصيات المسيحية واليهودية. ولكن كان هناك معارضة يهودية قوية لمثل هذه الاتجاهات الصهيونية، إما من منظور ديني أو منظور اندماجي. وقد تصاعدت هذه الاتجاهات بين أعضاء النخبة الحاكمة الأمريكية (البروتستانتية) مع تزايُد اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط. فأيَّدت الولايات المتحدة وعد بلفور، وحنث الرئيس ولسون بوعوده الخاصة بحق تقرير المصير، لا خضوعاً لأي ضغط صهيوني أو يهودي وإنما لأنه رأى أن مصير الشرق الأوسط لا يمكن أن يُصاغ دون أن يكون للولايات المتحدة دخل فيه، ووجد أن تأييده لوعد بلفور هو وسيلته لذلك. (وقد فعل ذلك رغم احتجاج عدد كبير من أعضاء الجماعة اليهودية) 
3 ـ كانت الأقلية اليهودية في الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر أقلية تؤمن باليهودية الإصلاحية التي تشجع الاندماج. وهذه الأقلية كانت تشكل نخبة ثرية مندمجة من أصل ألماني ولذا لم تكن متحمسة لهجرة يهود شرق أوربا الأرثوذكس السلاف «المتخلفين» المتحدثين باليديشية. ومع هذا اتُخذ القرار الأمريكي بفتح أبواب الولايات المتحدة لجميع المهاجرين لأن هذا ما كانت تتطلبه المصالح الأمريكية، وبالفعل هاجر الملايين من يهود شرق أوربا حتى أصبحوا يُشكِّلون غالبية يهود أمريكا. 
4 ـ في عام 1924 قررت الولايات المتحدة أن تحد من عدد المهاجرين بسبب الأزمة الاقتصادية فأصدرت قانون النصاب عام 1923، ثم قانون جونسون عام 1924، فانخفض عدد المهاجرين اليهود انخفاضاً ملحوظاً (من 119 ألفاً عام 1921، و49 ألفاً عام 1924 إلى 10 آلاف عام 1925، و2.755عام 1932). وبعد أن كانت الولايات المتحدة تستوعب 85% من المهاجرين اليهود أصبحت تستوعب ما يقل عن 25% وأحياناً عن 10%. ويجب أن نُذكِّر أنفسنا بأن القرارات الخاصة بالهجرة في الولايات المتحدة هي قرارات ذات طابع إستراتيجي، فالولايات المتحدة دولة استيطانية، وكانت حينذاك لا تزال في طور التشكيل، وتشكل المادة الاستيطانية الإنتاجية القتالية بالنسبة لها عنصراً إستراتيجياً، وبالتالي فالقرارات كانت تُتخذ في ضوء المصالح الأمريكية وحدها، وسواء سعد اليهود بهذا القرار أم ابتأسوا له فهذه مسألة ثانوية تماماً. 
5 ـ أثناء ما يمكن تسميته بالمرحلة النازية (1933 ـ 1948) رفضت الولايات المتحدة ومعظم بلاد أوربا فتح أبوابها للمهاجرين اليهود (رغم كل التباكي في الوقت الحالي على ضحايا الإبادة). ويُفسَّر هذا الوضع على أساس حالة الاقتصاد الأمريكي المتردية والخوف من تَسلُّل الجواسيس الألمان، بل إن القوات الأمريكية بقيادة إيزنهاور رفضت ضرب قضبان السكك الحديدية المؤدية لمعسكرات الإبادة لوقف عملية نقل اليهود إليها. ويُقال في تفسير هذا إن أيزنهاور قائد القوات الأمريكية كان لا يريد تبديد طاقته العسكرية في هذا العمل الجانبي. ومهما كانت التفسيرات التي تُساق فإن القرار كان أمريكياً والمصالح كانت أمريكية. 
6 ـ حينما أُعلنت دولة إسرائيل عام 1948 اعترفت الولايات المتحدة بها فوراً، ولم يكن اللوبي الصهيوني قوياً أخطبوطياً بعد، حتى باعتراف أولئك الذين يروجون لأسطورة قوته وأخطبوطيته. كما أن اللوبي اليهودي المعادي للصهيونية كان لا يزال قوياً إذ كان يضم عدداً كبيراً من أثرياء اليهود المندمجين، وهو ما يعني أن مسارعة الولايات المتحدة بالاعتراف لا يمكن تفسيرها إلا على أساس المصالح الأمريكية وليس لها علاقة بالضغوط اليهودية أو الحملات الإعلامية. 
7 ـ حينما تحالفت إسرائيل مع إنجلترا وفرنسا عام 1956 وشنت العدوان الثلاثي على مصر، دون موافقة الولايات المتحدة، عوقبت أشد العقاب، إذ أن الإستراتيجية الأمريكية حينذاك كانت أنْ تلعب الإمبريالية الأمريكية دوراً نشيطاً في الشرق الأوسط وتحل محل الاستعمار التقليدي (الإنجليزي والفرنسي) وتملأ هي "الفراغ" الناجم عن انسحابهما منه. والدولة الصهيونية باشتراكها في هذه المغامرة وقفت ضـد المخطـط الأمـريكي ولذا كان من الضروري تأديبهـا، ومن هنا مـوقف أيزنهـاور "النزيه" و"العـادل" و"المحايد". 
8 ـ لم تشن إسرائيل حرب عام 1967 إلا بموافقة صريحة من الولايات المتحدة التي وجدت أن من صالحها تصفية حكم عبد الناصر آنذاك، وعلى كلٍّ ليس بإمكان إسرائيل أن تشن أي حرب أو تدخل أية مغامرة عسكرية إلا بموافقة الولايات المتحدة التي تمدها بالسلاح والدعم والمظلة الأمنية. 
9 ـ شاهدت الفترة من 1967 ـ 1974 تنامي العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة وذلك قبل أن يُعاد تنظيم إيباك، وفي فترة حكم نيكسون الذي كان لا يكن حباً خاصاً لليهود. 
10 ـ حينما حاولت إسرائيل أن تؤكد استقلالها النسبي في الآونة الأخيرة جاءتها الرسالة واضحة من واشنطن ألا تتجاوز حدودها. 
أ ) وأولى المحاولات الإسرائيلية لتأكيد شيء من الاستقلال كان في حادثة جوناثان بولارد وهو موظف أمريكي يهودي تجسَّس على الولايات المتحدة لحساب إسرائيل، وكان رد المؤسسة الأمريكية الحاكمة حاسماً، إذ قُبض على بولارد وأُدخل السجن لمدة عشرين عاماً وأُجري تحقيق في إسرائيل لتحديد المسئولية، كما أن الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة ثارت ثائرتها ضد الدولة الصهيونية. وصرح جيكوب نيوزنر، أهم عالم تلمودي في العالم ومن زعماء يهود الولايات المتحدة، أن يهود أمريكا يؤمنون بأرض ميعاد واحدة هي الولايات المتحدة وأن عاصمتهم هي واشنطن وحسب. بل إن موظفاً مدنياً يهودياً يعمل في وزارة الخارجية الأمريكية منذ 25 عاماً سُحب منه تصريحه الأمني (الذي يمكن بمقتضاه أن يطَّلع على وثائق سرية) لأن ثلاثة من أولاده يعيشون في إسرائيل بعد حادثة بولارد وزيادة الاحتياطات الأمنية (جيرو ساليم بوست 11 فبراير 1989)، ولو حدث شيء مماثل في أي بلد آخر لاتُهم هذا البلد على الفور بأنه معاد لليهود. ولكن الإعلام الصهيوني لزم الصـمت لأن الجمـيع يعرف أن هذا هو الخـط الذي لا يسـتطيع أحد عبوره، فهو خط إستراتيجي أحمر راسخ واضح. وقد حاول اللوبي الصهيوني أن يستفيد من قرار بوش بالعفو عن المتهمين في قضية إيران ـ كونترا عند انتهاء مدة رئاسته وحاولوا استصدار عفو عن بولارد ولكن الطلب رُفض. وقد رفض كلينتون أيضاً العفو عن بولارد. 
ب) أما الواقعة الثانية فهي إلغاء مشروع طائرة اللافي. فالمؤسسة الحاكمة الصهيونية كانت حريصة كل الحرص على إنتاج هذه الطائرة محلياً في إسرائيل (بعون أمريكي) لأسباب عديدة من بينها تحقيق شيء من الاستقلال الإسرائيلي وتحسين صورة إسرائيل القومية أمام المستوطنين الصهاينة الذين يشعرون باعتماد دولتهم المذل على الولايات المتحدة. كما أن الطائرة لافي كانت تعني أيضاً إنشاء صناعة طائرات محلية تخلق عشرات الوظائف للمهندسين والفنيين الإسرائيليين بأمل أن يحد ذلك بعض الشيء من ظاهرة هجرة العقول من إسرائيل ونزوح عناصر النخبة الفنية منها. ولكن المؤسسة الصناعية العسكرية في الولايات المتحدة وجدت أنه ليس من صالحها السماح لإسرائيل بإنتاج اللافي فأُلغي المشروع رغم المحاولات اليائسة والمريرة لمدة عامين، ولم ينجح اللوبي الصهيوني أو غيره في أن يؤثر على القرار الأمريكي. وقد تزايد عدد النازحين بالفعل عن الدولة الصهيونية، كما أنه قلل مقدرة إسرائيل الاسـتيعابية للمهـاجرين الجدد، وبخاصـة من ذوي المؤهلات العالية، وهو الأمر الذي شـكَّل مشـكلة خطيرة مع هجرة اليهـود السـوفييت.
11 ـ لوحظ أن بعض الإسرائيليين واليهود السوفييت المقيمين في الولايات المتحدة قد أسسوا عصابات تمارس الجريمة المنظمة (المافيا) ولها نشاط في عالم المخدرات والجنس وتزييف النقود. ولم يتردد الكونجرس الأمريكي في إجراء تحقيق في الموضوع ونشر نتائج التحقيق، وهو ما أساء لصورة اليهود الإعلامية (جيروساليم بوست 19 أبريل 1988) ولكنه فعل ذلك دون تردُّد لأن الجريمة تهدد أمن الولايات المتحدة القومي، ولم يخش أحد من سطوة الإعلام الصهيوني. 
12 ـ ثم جاءت حرب الخليج فأثبتت بما لا يقبل أي شك أن الدولة الصهيونية تتحرك داخل إطار المصالح الإستراتيجية الغربية وليس داخل إطار المصالح اليهودية أو الصهيونية الوهمية، فالدولة الصهيونية قد أُعدت عبر تاريخها للاضطلاع بدور الأداة العسكرية الكفء، وقد موَّلها الغرب لهذا السبب، وهذا السبب وحده. ولكن تبيَّن للغرب أن اشتراكها في القتال سيُسبِّب خسارة للمصالح الغربية، فاسم إسرائيل لا يزال كريهاً لدى الجماهير العربية التي تدرك بفطرتها السليمة طبيعة هذه الدولة الاستعمارية، ووقوف أي دولة عربية في القتال جنباً إلى جنب مع إسرائيل (حتى ولو كان ضد العراق) كان سيؤدي إلى غضب هذه الجماهير وثورتها، ولذا طلبت الولايات المتحدة من الدولة الصهيونية أن تتنحى عن دورها التقليدي وأن تلزم القوات الإسرائيلية ثكناتها وأن تتلقى الصواريخ العراقية دون أن تحرك ساكناً. وقد امتثلت الدولة الصهيونية لهذه الأوامر، وسُمِّي هذا «ضبط النفس». وسلوك الدولة الصهيونية ـ مرة أخرى ـ يبيِّن مدى ذكاء أهل الحكم فيها ومعرفتهم تماماً بقوانين اللعبة. 
ولعل التنازل الوحيد الذي قدمه الأمريكيون للإسرائيليين في هذه الحالة هو اختيار كولونيل يهودي ليترأس طاقم صواريخ باتريوت الذي أُرسل لحماية الدولة الصهيونية من الصواريخ العراقية، وكان ضمن الطاقم عشرون يهودياً! وهو تنازل له طابع رمزي وحسب ولا يمتد بأية حال للأهداف النهائية. 
13 ـ أثناء المعركة الانتخابية الأخيرة للرئاسة الأمريكية ادعى مدير إيباك في مكالمة تليفونية مع أحد المليونيرات اليهود أن كلينتون يقوم باستشارته بشأن المرشحين لمنصب وزير الخارجية (وذلك بهدف تضخيم دور اللوبي). ولكن المليونير كان قد قام بتسجيل المكالمة وسربها للصحف التي قامت بنشرها، ويُعدُّ مثل هذا التصريح خرقاً للعقد الاجتماعي الأمريكي الذي يسمح لأعضاء الأقليات بالتعبير عن هويتهم الإثنية بشرط ألا يتناقض هذا مع الصالح الأمريكي العام وأن يأتي الولاء للولايات المتحدة في المقام الأول. وقد اعتذر مدير إيباك عما بدر منه وأكد أن ما قاله في المكالمة التليفونية بشأن تعيين وزير الخارجية لم يكن إلا من قبيل الدعاية للإيباك لحث المليونير اليهودي على أن يجزل العطاء للإيباك، وقدَّم المدير استقالته بعد ذلك. 
إلى جانب هذه الوقائع التاريخية التي تثبت أن المرجعية النهائية هي المصلحة الإستراتيجية الغربية، يمكننا أن نكتشف بعض جوانب آليات الضغط اليهودي الصهيوني لنرى مدى علاقتها بالمصالح اليهودية والصهيونية المستقلة: 
1 ـ يمكن أن نطرح سؤلاً بشأن مدى تأثير الصوت اليهودي في سياسـات الولايات المتحـدة وانحـيازها لإسرائيل. وتبعاً للأطروحة الشائعة، لابد أن يزيد الانحياز مع تزايُد قوة هذا الصوت، والعكس صحيح. ولنا أن نلاحظ أن العلاقة بين الدولة الصهيونية والولايات المتحدة أثناء حكم الرؤساء الجمهوريين (نيكسون ـ ريجان ـ بوش) قد توثقت عراها بشكل مذهل، رغم أن ما بين 70 ـ 80 %من مجمل الأصوات اليهودية ذهبت للديموقراطيين. وقد لوحظ في انتخابات الكونجرس لعام 1994 تقلُّص في عدد الممثلين اليهود إذ انخفض عدد الشيوخ من 10 إلى 9 وعدد النواب من 41 إلى 33، وهو ما يعني تراجع المقدرة الصهيونية المزعومة على الضغط. ومع هذا لم يتوقع أحد أن تتغيَّر سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، بل زادت درجة الانحياز كما زاد عدد أعضاء الجماعة اليهودية في مؤسسات صنع القرار. (انظر: «الصوت اليهودي»). 
2 ـ ويمكن أن نثير قضية سيطرة رأس المال اليهودي وهيمنته. ولنا أن نشير هنا إلى أن حجم رأس المال الذي يتحكم فيه بعض أعضاء الجماعات اليهودية يشكل نسبة ضئيلة للغاية بالنسبة لرأس المال الكلي للولايات المتحدة. والمنظومة الرأسمالية ـ كما هو معروف ـ منظومة متكاملة متداخلة، لها قوانينها وآلياتها التي تتجاوز إلى حدٍّ كبير إرادة الأفراد وأهواءهم. ويمكن أن نضيف هنا أنه على الرغم من ثراء يهود الولايات المتحدة (يوجد 140 يهودي بين أكثر من 400 شخص يُعَدون الأكثر ثراء) فإنه لا يوجد رأس مال يهودي في الصناعات الأساسية (الحديد ـ الصلب ـ السيارات)، كما أن المصارف الأساسية لا تزال في أيدي الواسب (البروتستانت). وعلى المنادين بأطروحة السيطرة اليهودية أن يبينوا أن ثمة علاقة طردية بين تزايد رأس المـال المتـوافر في أيدي اليهود والانحياز الأمريكي لإسرائيل. 
3 ـ وقل الشيء نفسه عن الإعلام وسيطرة اليهود عليه. فثمة وجود يهودي ملحوظ في قطاع الإعلام. ولكن هل تزايد هذا النفوذ أو تراجع في الأعوام العشرين الماضية؟ وهل زادت نسبة ملكية اليهود لوسائل الإعلام أو قلت؟ وهل هناك علاقة واضحة بين تزايد الهيمنة اليهودية على الإعلام ومنحنى الانحياز؟ كل المؤشرات تدل على أن العناصر غير اليهودية التي دخلت مجال الإعلام الأمريكي أعلى بكثير من العناصر اليهودية، ومع هذا لم يتغيَّر منحنى الانحياز المتزايد. 
4 ـ ويمكن أن نثير قضية أن أعضاء الجماعة اليهودية يلعبون دوراً متميِّزاً داخل المؤسسات الأمريكية لصنع القرار. وفي تقرير كُتب في السبعينيات، أُشير إلى أن 20.9% من كل أعضاء هيئات التدريس في الجـامعات و25.8% من مجـموع العـاملين في الإعـلام من اليهود، وأن هناك بين 545 شخصية قيادية حوالي 11.4% من اليهود. وقد تزايد عدد اليهود في إدارة كلينتون الأخيرة (1996) وبخاصة في المراكز الحساسة مثل وزير الخارجية ووزير الدفاع وعضوية مجلس الأمن القومي. ويشار إلى كل هذا باعتباره دليلاً على مدى سيطرة اليهود. ولكن عملية صنع القرار في الولايات المتحدة ـ كما أسلفنا ـ عملية مؤسسية في غاية التركيب، ولا تستطيع أية أقلية واحدة التحكم فيها. كما أن اليهود لا يشكلون الأقلية الوحيدة داخل مؤسسات صنع القرار، إذ توجد أقليات وجماعات ضغط أخرى كبيرة ومهمة مثل جماعة الضغط الكاثوليكية. 
ويمكن تشبيه اليهودي داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكية بالموظف الحركي النشيط في إحدى الشركات الكبرى الأمريكية. فهذا الموظف إن أبدى ذكاءً غير عادي في فهم أهداف المؤسسة التي يعمل فيها وأخذ بزمام المبادرة وتحرك نحو تنفيذها، فلابد أنه سيترقى ويتحرك نحو القمة، ولكن حركته الصاعدة تظل في نهاية الأمر محكومة بالهدف المؤسسي الذي يتم تحديده بشكل مؤسسي، كما أن من الصعب على فرد أو مجموعة أفراد تغييره.
ويمكننا أيضاً أن نستخدم تشبيهاً مستمداً من تجربة أهم الجماعات اليهودية في التاريخ (من منظور تاريخ الصهيونية)، أي يهود الأرندا، وهم كبار المموِّلين من أعضاء الجماعة اليهودية الذين لعبوا دور الوكلاء الماليين (أرنداتور) للنبلاء الإقطاعيين البولنديين (شلاختا) في أوكرانيا، فكانوا أداتهم في استغلال الفلاحين الأوكرانيين. وقد كان للأرندانور سلطة مطلقة داخل المزرعة التي يقوم بإدارتها. وكان النبيل الإقطاعي الغائب في بولندا يستمع لمشورته ويأخذ بنصيحته. ولكن القرار النهائي كان في يد النبيل الإقطاعي، كما أن الأرنداتور كان يستمد قوته وسطوته لا من ذاته وإنما من النبيل الإقطاعي، ولذا رغم هذه القوة والسطوة، كان استمراره، بل وجوده، يستند إلى رضا النبيل الإقطاعي. 
5 ـ ونحب أن نثير قضـية مبدئية وهي قضـية مصـطلح «يهـودي» نفسه، ومدى "صهيونية" هؤلاء اليهود؟ وهل يَصدُر يهود الولايات المتحدة عن رؤية يهودية وصهيونية لأنفسهم، أم يَصدُرون عن رؤية أمريكية؟. تدل كل المؤشرات على أن يهود الولايات المتحدة قد اندمجوا إلى حدٍّ كبير في المجتمع الأمريكي (رغم كل الثرثرة عن الشخصية اليهودية والجيتو اليهودي) . وحسب دراسات علم الاجتماع الأمريكي تُعَد الأقلية اليهودية من أكثر الأقليات اندماجاً وقبولاً للعقد الاجتماعي الأمريكي وقيم هذا المجتمع البرجماتية. ومنذ أمد طويل عرَّف أحد الزعماء الصهاينة في الولايات المتحدة البرنامج الصهيوني بأنه تداخل صهيونية اليهودي مع أمريكيته، حتى لا ينفصل الواحد عن الآخر. 
ومن المعروف أن عدد اليهود في كليات إدارة الأعمال في الجامعات الأساسية في أمريكا (هارفارد ـ برنستون) حتى منتصف الستينيات كان صغيراً للغاية، إذ أنه لم يكن بإمكان اليهودي أن يصبح مديراً في الشركات الكبرى (التي تحكم أمريكا)، كما أن المناصب الوزارية المهمة التي كانوا يتقلدونها كانت دائماً هامشية. ولكن في عام 1974 حدث تغيُّر جوهري إذ شـهد هـذا العام تعيين كيسـنجر وزيراً للخارجية الأمريكية، وعُيِّن شابيرو مديراً لشركة دي بونت للكيماويات. ويبدو أن النخبة الحاكمة في أمريكا قد وجدت أن يهود أمريكا أصبحوا أمريكيين لهم مصالح أمريكية، أي ليسوا مجرد يهود لهم مصالح يهودية، وأنه تم دمجهم وأمركتهم تماماً، بحيث أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي خاضعين لحركيات المجتمع الأمريكي (الذي لا يمانع في الحفاظ على بعض معالم الهوية الإثنية، طالما أنها لا تؤثر في ولاء الشخص وفي سلوكه في رقعة الحياة العامة). 
وقد أثبت يهود أمريكا صدق حدس النخبة الحاكمة. فرغم الهستريا الواضحة في تأييد الدولة الصهيونية (الذي لا يختلف في واقع الأمر عن تأييد المواطن الأمريكي العادي لها إلا في النبرة) فثمة انصراف واضح عن المنظمة الصهيونية وعن التبرع لها وعن حضور مؤتمراتها وانتخاباتها. وقد ظهر ولاء يهود الولايات المتحدة بشكل واضح لا مراء فيه ـ كما أسلفنا ـ في حادثة جوناثان بولارد (حيث جنَّدت المخابرات الإسرائيلية مواطناً أمريكياً يهودياً للتجسس على الولايات المتحدة) إذ ثارت ثائرة المتحدثين باسم يهود أمريكا ضد إسرائيل لأنها تُعرِّض وضعهم داخل مجتمعهم للخطر. 
6 ـ بل يمكن القول بأن هناك عناصر تسبب بعض التوتر بين يهود الولايات المتحدة والدولة الصهيونية، فالصورة الإعلامية للدولة الصهيونية ليست صورة رائعة طيلة الوقت (حرب لبنان ـ الانتفاضة ـ التشدد الصهيوني ـ بناء المستوطنات). وكثيراً ما يجد يهود أمريكا، الذين يعيشون في مجتمع ليبرالي يدَّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، أنه ليس من صالحهم أن يُوحَّد فيما بينهم وبين الكيان الصهيوني، ولذا تتخذ قيادات الأمريكيين اليهود أحياناً موقفاً مستقلاًّ عن الدولة الصهيونية وناقداً له. ويُلاحَظ كذلك أن سقوط الإجماع القومي في إسرائيل حول المستوطنات انعكس على الأمريكيين اليهود، إذ أن ذلك أعطاهم حرية حركة لم تكن متاحة لهم من قبل. فنجد أن حركة السلام الآن لها فروع في الولايات المتحدة بل لها صندوق جباية مستقل عن الصندوق القومي اليهودي. كما أن الصراع بين الدينيين الأرثوذكس واللادينيين يجد صداه بين الأمريكيين اليهود ويقلل التفافهم حول الدولة الصهيونية التي تتحكم فيها المؤسسة الأرثوذكسية التي لا تعترف بهم كيهود. 
إذن ثمة عناصر، داخل المجتمع الأمريكي، بعضها يزيد من اقتراب الأمريكيين اليهود من الفكرة الصهيونية، والبعض الآخر يبعدهم عنها. ولكن، مهما كانت الصورة مركبة، فإن العنصر الأساسي في تحديد سلوك اليهود السياسي، سلباً أو إيجاباً، اقتراباً أو ابتعاداً من الصهيونية، هو كونهم مواطنين أمريكيين لهم مصالحهم الخاصة والمباشرة التي تفوق ولاءهم العقائدي للصهيونية. بل إن تأييد الأمريكيين اليهود لسياسة بلادهم في الشرق الأوسط لا تختلف كثيراً عن تأييد الأمريكيين البروتستانت لها لا في النسبة ولا في الحدة. ولعل يهودية الأمريكي اليهودي تفسر علو النبرة فقط. ومما يجدر ذكره أن بعض المحللين السياسيين يرون أن التظاهر السياسي لصالح إسرائيل، وارتفاع النبرة، هو شكل من أشكال التملُّص اليهودي من الصهيونية. فالأمريكي اليهودي يدفع الأموال للدولة الصهيونية ويمارس الضغط السياسي من أجلها خوفاً منها وليس حباً فيها (حتى يرضي ضميره) فهو يرفض الهجرة الاستيطانية تماماً. 
كما أن هناك من المحللين من يذهب إلى أن نفوذ الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة يستند إلى قوة إسرائيل وليس العكس. فاعتماد الولايات المتحدة على إسرائيل في كثير من الأمور الأمنية وحاجتها إليها كقاعدة عسكرية وحاملة طائرات، يجعلها توسِّع رقعة حركة المنظمات الصهيونية حتى تقوم بعملية تعبئة الرأي العام الأمريكي (بما في ذلك الرأي العام الأمريكي اليهودي) ليساند الولايات المتحدة في دعمها الدائم والمستمر للكيان الصهيوني بما يتضمنه ذلك من دعم مالي قد يبدو باهظاً من منظور الإنسان العادي ولكنه استثمار إستراتيجي جيد من منظور المؤسسة الحاكمة، الأمر الذي يتطلب عملية قومية سياسية تقوم بها المنظمـات الصهيونية على أكمل وجه. كما أن المنظمات الصهيونية تسـاهم، عن طريق عمليات جمع التبرعات، في دفع الفاتورة. والنفوذ الصهيوني، من هذا المنظور، ليس سبباً لسياسات الولايات المتحدة وإنما هو نتيجة لهما. ولاستيعاب هذه النقطة، يمكن مقارنة النفوذ الصهيوني ومدى نجاحه بفشل الجماعات الأيرلندية في جمع الدعم والأسلحة لجيش التحرير الأيرلندي رغم قوة الجماعة الأيرلندية، النوعية والعددية، ورغم أن أحد رؤساء الولايات المتحدة (كنيدي) كان من أصل أيرلندي!
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  Empty
مُساهمةموضوع: اللوبــي اليهـودي والصهيــوني: لِمَ ازدهـرت الأسـطورة؟    الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 3:45 am

اللوبــي اليهـودي والصهيــوني: لِمَ ازدهـرت الأسـطورة؟ 
Jewish and Zionist Lobby: Why has the Myth Prospered? 
يمكننا القول بأن تضخيم قوة اللوبي والإعلام الصهيوني وجعلهما مسئولين عن كل ما يحدث في الغرب هي أسطورة قد يكون لها علاقة ما بالواقع، ولكنها ذات مقدرة تفسيرية ضعيفة لعدم إحاطتها بهذا الواقع ولعجزها عن التمييز بين ما هو جوهري وما هو فرعي فيه. بل يمكن القول بأن هذه الأطروحة الشائعة في أشكالها المتطرفة، هي امتداد للرؤية التآمرية الاختزالية البروتوكولية (نسبة إلى بروتوكولات حكماء صهيون)، التي تجعل اليهود مسئولين عن كل شيء وتجعل الغرب ضحية للتلاعب اليهـودي الصهيوني. وهذا تبسـيط للأمـور يعـمي الأبصار، فهل يمكن أن يتصور أحد أن التشكيل الاستعماري الغربي الذي حوَّل العالم بأسره إلى ساحة لنشاطه من خلال جيوشه ومخابراته (والآن من خلال عملائه ومخابراته) والذي أسس تشكيلاً حضارياً وبنية اجتماعية ونظاماً سياسياً يهدف إلى استغلال المصادر البشرية والطبيعية للكون بأسره وتوظيفها لصالحه، نقول هل يمكن أن تُحدَّد سياسات هذا الكيان نتيجة تدخُّل قوة سياسية مثل اللوبي اليهودي الصهيوني، هل لو أن اليهود اختفوا تماماً ولم يَعُد لهم من أثر، ولو أن إسرائيل اختفت من على خريطة العالم، هل ستتغير سياسة الولايات المتحدة وتصبح قوة مسالمة تتصالح مع القوى القومية والداعية للسلام والبناء، أو أنها كانت ستبحث عن عملاء آخرين وعن أشكال أخرى من التدخل؟ هذا هو السؤال الذي وجهته مرة للسناتور الأمريكي السابق جيمس أبو رزق (من أصل عربي) وكان رده أنه لا يمكن تخيُّل العالم بدون يهود أو الشرق الأوسط بدون إسرائيل! والإجابة لا تدل على عجز السـناتور أبو رزق عن التخـيل بقدر ما تدل على كفاءته النادرة في المراوغة. 
ورغم ضعف المقدرة التفسيرية لأسطورة نفوذ اللوبي الصهـيوني إلا أنهـا تزدهر وتترعرع لعـدة أسـباب نورد بعضها فيما يلي: 
1 ـ يروِّج الصهاينة أنفسهم لأسطورة اللوبي ويرسخونها في الأذهان. فكان وايزمان يتصور أن وعد بلفور قد مُنح لليهود بسبب اكتشاف الأسيتون، وكان اليهود يتصورن أن أول مندوب سامي بريطاني في فلسطين بعد فرض الانتداب، سير هربرت صمويل، هو أول ملك يهودي لفلسطين بعد هدم الهيكل! وقد ألقى أحد الحاخامات في معبد يهودي في واشنطن مؤخراً موعظة بدأها بالعبارة التالية: "الولايات المتحدة لم تَعُد حكومة للأغيار (أي غير اليهود) بل هي إدارة يشـارك فيهـا اليهود بشـكل كامل على كل المستويات". ولا شك في أن الصهاينة يستفيدون من مثل هذه الشائعات والأساطير، فهي تضفي عليهم أهمية لا يستحقونها، وتنسب لهم قوة تزيد وزنهم وهو ما يُحسِّن وضعهم التفاوضي. وقد عششت أسطورة اللوبي اليهودي والصهيوني في رؤوس بعض أعضاء النخب الحاكمة العربية، حتى أنهم يُحدِّدون سياساتهم انطلاقاً منها وتأسيساً عليها. 
2 ـ نجحت الدولة الصهيونية الوظيفية في إنجاز مهمتها باعتبارها قاعدة عسـكرية رخيصة وحارساً للمنطقـة العربية، وقد دعَّم هذا من رواج أسطورة اللوبي. ويمكن القول بأن ثمة علاقة طردية بين قوة اللوبي الصهيوني وضعف العرب، فكلما ازداد العرب ضعفاً وغياباً ازداد اللوبي الصهيوني قوة وحضوراً وزاد تلاحم المصالح الغربية والمصالح الصهيونية. ولكن لو زادت تكلفة إسرائيل (من خـلال المقـاومة والمقاطعة والجهاد) لأعادت الولايات المتحدة حساباتها، ولأصبحت هذه الحسابات أكثر رشداً ( من وجهة نظرنا) ولما استمرت الولايات المتحدة في انحيازها، ولما ازداد منحنى التحيز انحناءً لصالح إسرائيل. 
3 ـ تروِّج الحكومة الأمريكية ذاتها لمثل هذه المزاعم البروتوكولية عن اللوبي الصهيوني للإيحاء بأنها ترغب في اتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً تجـاه القضـايا العـربية ولكنها لا تسـتطيع ذلك بسـبب اللوبي الصهيوني، وبذا يصبح الدعم الأمريكي السخي والمستمر لإسرائيل أمراً يتم رغم إرادة الولايات المتحدة وضد رغبتها، وتصبح هذه القوة العظمى الباطشة مجرد ضحية للنفـوذ اليهـودي وألعوبة في يد القوة الصهـيونية التي لا تُقهَر. وهو يُحــسِّن صورتها أمـام زبائنها من العرب. 
4 ـ تستفيد النظم العربية من أسطورة اللوبي اليهودي والصهيوني. فهي تبرر الهزيمة العربية إذ تجعلها شيئاً متوقَّعاً ومفهوماً، كما أن ساحة القتال تنتقل من فلسطين إلى غرف الكونجرس وشوارع واشنطن وباريس حتى يتسنى لهذه الأنظمة العربية ممارسة ضغط يشبه الضغط اليهودي! 
إن توافق المصالح، وتوافق الإدراك الغربي والصهيوني، هو سر نجاح إسرائيل الإعلامي ومصدر قوة اللوبي الصهيوني وليس العكس، وهي العوامل التي تحدد في نهاية الأمر السلوك الغربي. فالإعلام واللوبي الصهيوني لا يستمدان قوتهما من كفاءة الصهاينة وإنما من أن إسرائيل وجدت لنفسها مكاناً داخل الإستراتيجية الغربية، ولأنها جعلت نفسها أداة طيعة رخيصة كفئاً لتحقيق هذه الإستراتيجية. وتحديد القضية على هذا النحو يعني أننا لا نقلِّل من أهمية اللوبي الصهيوني أو من مقدرته على تعبئة الرأي العام الأمريكي لصالح إسرائيل أو من فعاليته في التأثير على صانع القرار الأمريكي (وبخاصة في أمور الشرق الأوسط والصراع العربي ـ الإسرائيلي). ولكـننا مع هـذا لا نفـسر كل سـلوك الغرب على أساسه، إذ تظل الأولويات الإستراتيجية التي حددها صانع القرار الغربي هي التي تفسر سلوكه. وإدراكنا لهذه الحقيقة سيُعمِّق إدراكنا للواقع وحركياته ويزيد مقدرتنا على التنبؤ والتصدي. إن النموذج التفسيري الذي نطرحه ليس مجرد تمرين أكاديمي، وإنما هو أمر أساسي في تحديد إستراتيجية التصدي لإسرائيل، وفي تحديد الأولويات. وقد ركز الإعلام العربي أثناء إحدى انتخابات الرئاسة الأمريكية على مسألة أن كيتي دوكاكيس زوجة المرشح الديموقراطي آنذاك يهودية، وأن هذا سيؤدي إلى تزايد نفوذ اللوبي الصهيوني. ولابد أن هذا الموقف شارك فيه بعض صانعي القرار العربي. ويقف هذا على الطرف النقيض من الموقف التركي، فحين سُئل المتحدث الرسمي التركي عن رأيه في مسألة ترشيح دوكاكيس للرئاسة، وهو من أصل يوناني، ومدى تأثير ذلك في الموقف الأمريكي من تركيا إن تم انتخابه، قال ببساطة إن الولايات المتحدة لها مصالح إستراتيجية ثابتة سيتمسك بها الرئيس المنتخب أياً كان أصله. فهذه المصالح الثابتة هي السبب الحقيقي الكامن وراء دعم الولايات المتحدة لتركيا وهي أيضاً وراء تأييد الولايات المتحدة للدولة الصهيونية، ولا يمكن تصوُّر أن كيتي دوكاكيس ستؤثر في ذلك الموقف بشكل جوهري! وهذه مقولة غير مريحة بالنسبة لمن استناموا لمقولة أخطبوطية اللوبي الصهيوني، إذ أنها تعني أن عدونا ليس الأفعى اليهودية الخيالية الميتافيزيقية التي لا يمكن الإمساك بها لأنها خفية رغم أنها في كل مكان (وهذه دعوة مقنعة للاستسلام) وإنما هو العالم الغربي الذي يدافع عن مصالحه الإستراتيجية التي يمكن تعريفها والتصدي لها ومحاربتها في كل مكان. 
الصوت اليهودي في الولايات المتحدة 
The Jewish Vote in the U. S. A 
«الصوت اليهودي» مصطلح يفترض أن هناك عدداً من الأصوات يدلي بها أصحابها من اليهود في الانتخابات الأمريكية (أو غيرها من البلاد الغربية) سواء القومية لانتخاب رئيس الجمهورية، أو على مستوى الولاية لانتخاب حاكمها، أو على مستوى المدينة لانتخاب العمدة أو غيره من القادة. كما يفترض المصطلح أن الناخبين اليهود يتبعون نمطاً واحداً تقريباً في التصويت، وأنهم دائماً يقفون إلى جانب إسرائيل ويؤيدون الموقف الصهيوني، وهم بذلك يشكلون أداة ضغط في يد اللوبي الصهيوني. كما يفترض المصطلح أنه كلما ازداد عدد الناخبين اليهود ازداد «الصوت اليهودي» قوة. ومما زاد هذا المفهوم شيوعاً أن بعض الساسة الغربيين أنفسهم يستخدمونه لتفسير سلوكهم الممالئ لإسرائيل وللسياسات الصهيونية إذ يدَّعون أن سلوكهم إنما هو استجابة عملية لضغوط الصوت اليهودي والمصالح الصهيونية ولا يعبِّر عن موقف إستراتيجي مبدئي تمليه عليهم مصالحهم الأمريكية أو الغربية أو على الأقل رؤيتهم لها. وقد دأبت الدعاية الصهيونية على ترويج هذه المقولة وكأنها حقيقة مسلم بها، وتلوح بها ضد معارضي الصهيونية. 
و«الصوت اليهودي» أسطورة لها أساس في الواقع. ومما لا شك فيه أن أعضاء الجماعات اليهودية (أينما وُجدوا) سيكون لهم أثر ما على صنع القرار السياسي، وخصوصاً في الدول الديموقراطية الغربية. ولكن، بعد تقرير هذه الحقيقة، يظل هناك كثير من القضايا الأساسية مثل: ما حجم هذا الأثر؟ هل هو من القوة بحيث يجب أخذه في الاعتبار، أو هو من التفاهة بحيث يمكن تجاهله تماماً؟ وإذا كان التأثير قوياً فما مصادر أو أسباب قوته؟ هل «الصوت اليهودي» قوي بسبب اتفاق مصالح الدولة الغربية مع الدولة الصهيونية؟ وهل قوة هذا الصوت اليهودي تعود إلى القوة الاقتصادية للجماعة اليهودية أو تعود إلى أسباب أخرى؟ ونظراً لاختلاف وضع الجماعات اليهودية من بلد إلى آخر، فسنتناول في هذا المدخل أهم الجماعات اليهودية وهي الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة (ونتناول أوربا الغربية وجنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية في مدخل مستقل). 
يُشار إلى الديموقراطية الأمريكية باعتبارها ديموقراطية جماعات الضغط، أي أنها ليست مجرد ديموقراطية حزبية على النمط الأوربي حيث يطرح كل حزب برنامجه السياسي وينضم إليه الناخبون ويعبِّرون عن إرادتهم من خلال هذا الإطار الحزبي، وإنما هي ديموقراطية يعبِّر فيها الناخبون عن آرائهم من خلال كل من الأحزاب وجماعات الضغط التي ينتمون إليها، وهي قد تكون جماعات ذات طابع إثني تضم المواطنين الذين ينتمون إثنياً إلى أصل واحد، مثل الأمـريكيين من أصل إسـباني والأمريكيين من أصـل إيطـالي... إلخ. وقد تكون جماعات مصالح مثل المعوَّقين والمتقدمين في السن والمحاربين القدامى والعاملين في صناعة السلاح. وتحاول هذه الجماعات حماية مصالح أعضائها وتحسين صورتهم في المجتمع عن طريق الضغط على السلطة إما عن طريق التظاهر أو عن طريق غيره من الوسائل، وإن كانت أهم أشكال الضغط هي الانتخابات ورشوة أعضاء الكونجرس (ولكن استكشاف هذا الجانب الأخير يقع خارج نطاق هذا المدخل). ورغم أن اليهود لا يشكلون سوى 2.4% من مجموع الناخبين الأمريكيين، وهو ما يجعلهم كتلة انتخابية صغيرة نسبياً قياساً بالكتل الأخـرى مثل الناخـبين من أصـل إسباني أو أيرلندي أو الناخبين السود...
فإن ثمة عوامل تجعل قوتهم الانتخابية وتأثيراتهم تفوق بكثير عددهم الفعلي: 
1 ـ فاليهود من أكثر الأقليات تركيزاً في المدن، فهم يوجدون بأعداد كبيرة في بعض المدن، مثل نيويورك وشيكاغو وميامي (فلوريدا)، وهو ما يجعل لهم ثقلاً غير عادي. وعلى سبيل المثال، يشكل اليهود 19% من كل سـكان مانهاتن وبروكلين (وهمـا أهم قسمين إداريين في مدينة نيويورك). وهم يشكلون 16% من كل سكان نيويورك و3% من كل سكانها البيض. وبالتالي، فإن أي مرشح يتوجه للصوت الأبيض (مقابل الصوت الأسود والإسباني) عليه أن يضع الصوت اليهودي في الاعتبار. 
2 ـ يتركز اليهود في بعض الولايات التي تلعب دوراً حاسماً في انتخابات الرئاسة، وهذا ما يجعل أهميتهم كجماعة ضغط تتزايد فهم يشكلون 10.6% من جملة الناخبين في ولاية نيويورك و5.9% في نيوجيرسي و4.8% في واشنطن (العاصمة) و4.7% في ولاية فلوريدا ونسبة كبيرة في ولاية كاليفورنيا. كما يوجدون بأعداد كبيرة في ولاية بنسلفانيا وإلينوي. 
3 ـ يُلاحَظ أن أعضاء الجماعة اليهودية يتمتعون بأعلى مستوى تعليمي في الولايات المتحدة، وهو ما يؤثر على سلوكهم الانتخابي إذ أنهم يدلون بأصواتهم بنسبة تفوق بمراحل النسبة القومية. وتبلغ هذه النسبة بين اليهود 92% (وهي أعلى نسبة على الإطلاق بين أي أقلية في المجتمع الأمريكي) مقابل 54% وهي النسبة بين الأمريكيين على وجه العموم، وهذا يعني تزايد قوتهم الانتخابية. وعلى سبيل المثال، ذكرنا أن 10.6% من جملة الناخبين البيض الذين لهم حق الانتخاب في ولاية نيويورك من اليهود. ولكن، نظراً لحرص الناخبين اليهود على الإدلاء بأصواتهم، نجد أن نسبتهم الفعلية، وهي النسبة التي يضعها المرشحون في اعتبارهم، تصل إلى ما بين 16% و20%. 
4 ـ وتضاعف هذه النسبة فيما يتعلق بانتخابات مؤتمرات الولايات التي يتم عن طريقها اختيار المرشحين لرئاسة الجمهورية. ففي انتخابات مؤتمر الحزب الديموقراطي في نيويورك (انتخابات عام 1984)، بلغت نسبة عدد اليهود نحو 30%. وكان 41% من الأصوات التي أعطيت لمونديل من أصوات اليهود. أما في انتخابات عمدة نيويورك، فإن أصوات اليهود كانت تشكل 50% من الأصوات التي حصل عليها. (ومع هذا لوحظ مؤخراً انصراف الشباب اليهودي في الولايات المتحدة عن الإدلاء بأصواتهم. وقد بينت إحدى الإحصائيات أن عدد الممتنعين عن الاشتراك في الانتخابات قد وصل إلى ما يزيد على مليون عام 1991 وهو ما يضعف قوة الصوت اليهودي، وخصوصاً مع زيادة عدد أعضاء الأقليات الأخرى وتزايد إقبالهم على الانتخابات). 
5 ـ وإلى جانب كل هذا، يُلاحَظ أن أعضاء الجماعة اليهودية نشطاء سياسياً ويشتركون في معظم الحركات السياسية، وخصوصاً الليبرالية واليسارية، ويؤثِّرون فيها بشكل يفوق عددهم. 
6 ـ تضم الجماعة اليهودية عدداً كبيراً من كبار المثقفين والفنانين ورجال السـياسة، الأمـر الذي يزيد من ثـقل وأهمية الصوت اليهودي. 
7 ـ تُعدُّ الجماعة اليهودية من أكثر الأقليات ثراء في العالم إن لم تكن أكثرها ثراء بالفعل. ونظراَ لنشاطهم السياسي، فهم يتبرعون للحملات الانتخابية بمبالغ كبيرة يحسب المرشحون حسابها. وربما كانت الجماعة اليهودية، كجماعة ضغط، تنفرد بهذه الخاصية إذ أن أعضاء جماعات الضغط الأخرى قد يفوقون اليهود عدداً ولكنهم لا يقتربون بأية حال من إمكاناتهم المالية. 
إذن، لا شك في أن الجماعات اليهودية تمثل قوة ضغط مهمة داخل النظام السياسي الأمريكي. وثمة صوت يهودي تماماً كما أن هناك صوتاً أسود أو صوتاً إسبانياً (وبدايات صوت عربي). وهذا الصوت اليهودي متعاطف مع إسرائيل والصهيونية. ولكن هذا الصوت اليهودي يظل خاضعاً لحركيات النظام السياسي الأمريكي وللتناقضات التي تتفاعل داخل المجتمع. وما يحدد اتجاهه، ليس الولاء العقائدي المجرد للصهيونية وإنما استجابة اليهود، كأمريكيين أو كأمريكيين يهود، لما يواجههم في مجتمعهم الأمريكي. فأعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة هم أمريكيون يهود أو أمريكيون يؤمنون بالعقيدة اليهودية أو بالهوية اليهودية، وليسوا يهوداً أمريكيين. وهم، في هذا، لا يختلفون عن كل المواطنين في الولايات المتحدة، فلا يوجد أمريكي خالص سوى فئة الواسب WASP وهي اختصار لعبارة وايت أنجلو ساكسون بروتستانت White Anglo-Saxon Protestant، أي البروتستانت من أصل أنجلو ساكسوني (وحتى هؤلاء يحمل اسمهم أصلهم العرْقي). أما بقية الأمريكيين، فهم أمريكيون إيطاليون أو أمريكيون أيرلنديون أو أمريكيون عرب، ويشار إليهم بالإنجليزية بتعبير «هايفنيتيد أميريكانز hyphenated Americans» أي «أمريكيون بشرطة» (إذ يشار إليهم باعتبارهم «أمريكيين/ يهود ـ أمريكيين/عرب» وهكذا).
وهذا يعود إلى طبيعة تكوين المجتمع الأمريكي، فهو مجتمع استيطاني مُكوَّن أساساً من مهاجرين ولا توجد فيه تقاليد حضارية ثابتة أو عقائد دينية مستقرة. وكان على المهاجر أن يسقط معظم ثقافته القديمة ويندمج في المجتمع ليصبح أمريكياً، وإن ظل به ولع لثقافته القديمة فإنه يستطيع أن يعبِّر عن هذا الجانب من شخصيته من خلال بعـض جـوانب حياته غير المهـمة مثل الطـعام والاحتفال ببعض الأعياد. لكن هويته الأوربية (القديمة)، أو ما تبقَّى منها، يجب أن تظل خاضغة لانتمائه الأمريكي. ومن المعروف أن أعضاء الجماعة اليهــودية من المهاجرين كانوا من أكثر المهاجرين تقبلاً للمُثل الأمريكية، وأكثر تخلياً عن ثقافتهم القديمة الأوربية، بمعدلات تفوق المهاجرين الآخرين. وهذا يعود إلى عدم تجذُّر اليهود في الثقافة الأوربية في شرق أوربا، ولذا فهم (على عكس كثير من المهاجرين) لم يأتوا إلى الولايات المتحدة ليجربوا حظهم وإنما ليستقروا ويقيموا. ومن ثم، فقد كانت نسبة العائدين إلى أوربا من بين المهاجرين اليهود هي أقل نسبة بين مختلف جماعات المهاجرين (ربما باستثناء الأيرلنديين). وبعد أن استقر يهود شرق أوربا، وضعوا أنفسهم داخل الإطار الأمريكي وأصبحوا أمريكيين بشرطة (أمريكيين/يهوداً) بحيث أصبحت إسرائيل بالنسبة إليهم مثل أيرلندا بالنســبة للأمـريكيين من أصـل أيرلندي. ويجب ملاحظـة أن إسرائيل، بذلك، أـصبحت البلد الأصلي، أي البلد الذي يهاجر منه الإنسان لا إليه، لكن فكرة أن إسرائيل هي البلد الأصلي هي فكرة مناقضة للفكرة الصهيونية. 
وفي الوقت الحاضر، يُلاحَظ أن أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، على عكس ما هو شائع، من أكثر الأقليات اندماجاً وتأمركاً حيث يتبدَّى هذا في تزايد معدلات العلمنة. فقد لوحظ أن عدد اليهود الذين يمارسون شعائر عقيدتهم لا يزيد عن 50%، ووصلت معدلات الزواج المُختلَط في بعض الولايات إلى ما يزيد على 50%. ولذا، فنحن نسميهم «اليهود الجدد»، فهم مختلفون بشكل جوهري عن يهود أوربا ويهود عصر ما قبل الاستنارة في أواخر القرن الثامن عشر. ولفهم سلوكهم الانتخابي والسياسي الحقيقي، لابد أن نضعهم داخل سياقهم الأمريكي خارج الأساطير الصهيونية التي يرددها بعض العرب. 
على سبيل المثال، يُلاحَظ أن العلاقة بين الدولة الصهيونية والولايات المتحدة ازدادات عمقاً أثناء حكم الرئيسين الجمهوريين نيكسون وريجان، وخصوصاً الأخير. ويُلاحَظ كذلك أن سياسات الحزب الجمهوري، التي تتبنى سياسة المواجهة مع الاتحاد السوفيتي وتصعيد الحرب الباردة، تلقى صدى في صفوف الصهاينة والدولة الصهيونية المستفيدة من حالة التوتر الدولي والاستقطاب. ويُلاحَظ كذلك أن برنامج الحزب الجمهوري عام 1988 يتسم بالتحيز الشديد لإسرائيل من مطالبة بتقوية الأواصر الإستراتيجية معها وتعميق العلاقة الخاصة بها والوقوف ضد إنشـاء دولة فلسـطين وتأييد إلغاء قرار مسـاواة الصهيونية بالعنصرية. كما أن الحزب الجمهوري لا يضـم في صفوفه شـخصية مثل جيسـي جاكسون الذي نجح هو وأتباعه، ولأول مرة في تاريخ مؤتمرات الأحزاب الأمريكية، في وضع فكرة الدولة الفلسطينية موضع المناقشة. فإن صدقت مقولة «الصوت اليهودي» كأداة ضغط في يد الصهاينة، فإن من المتوقع أن يصوِّت اليهود لصالح الجمهوريين بأعداد متزايدة. ومع هذا، فقد أدلى معظم اليهود بأصواتهم لصالح الحزب الديموقراطي، بنسبة 70% ـ 80% من مجمل الأصوات كما حدد بعض المحللين. وفي محاولة تفسير هذا الوضع نجد أن المحللين يسقطون «الولاء الصهيوني» كعنصر محرك ويتوجهون لعلاقة هؤلاء الأمريكيين اليهود بمجتمعهم الأمريكي. فيُلاحَظ أن الحزب الديموقراطي كان دائماً حزب المهاجرين والأقليات وسكان المدن وهو أيضاً الحزب الذي يمثل مصالحهم ويحاول التعبير عن هذه المصالح. ومنذ عام 1932، حصل مختلف الرؤساء الأمريكيين من الحزب الديموقراطي على ما يزيد على 70% من الأصوات اليهودية. وبحسب كثير من المحللين، لا تزال هذه النسبة هي النسبة القائمة، ففي انتخابات عام 1984 لم يحـصل ريجـان إلا على 30% ـ 40% من الصـوت اليهودي، وقد حصل بوش على نسبة أقل. ويُقال إن كلينتون قد حصل على حوالي 85% من الصوت اليهودي. فالحزب الجمهوري هو حزب البيض (الواسب) بالدرجة الأولى (من بين المندوبين لمؤتمر الحزب الجمهوري لاختيار مرشح الرئاسة عام 1988، كان هناك 2% من اليهود مقابل 6% في مؤتمر الحزب الديموقراطي، وكان هناك 3% من السود مقابل 20% في مؤتمر الحزب الديموقراطي). ورغم أن برنامج الحزب الجمهوري مؤيد للصهيونية وإسرائيل، فإن البرنامج نفسه يقف ضد إباحة الإجهاض ويطالب بإدخال الصلوات في المدارس ويؤكد ضرورة ترديد يمين الولاء في المدارس. كما أن البرنامج يطالب بإعطاء خصم ضريبي لأولياء الأمور الذي يلحقون أولادهم بمدارس خاصة حتى لو كانت دينية. وهي سياسات محافظة لا تروق للناخبين اليهود واستجابتهم لها هي التي تحدد سلوكهم الانتخابي. 
وقد تبدو كل هذه الأمور بالنسبة إلى المراقب الخارجي وكأنها أمور تافهة، وهي حقاً كذلك من منظور السياسة الخارجية، ولكنها ليست كذلك من منظور الحركيات الداخلية للمجتمع الأمريكي ونمط التصويت الذي يتبعه أعضاء الجماعة. فمنذ بداية الستينيات والمعركة مستمرة بين دعاة العلمانية وفصل الدين عن الدولة بشكل كامل ومطلق، بقيادة الجماعة اليهودية من جهة، وبعض الجماعات الأخرى ذات التوجه الديني من جهة أخرى. ويرى معظم أعضاء الجماعة اليهودية أن مصلحتهم تكمن في تزايد معـدلات العلمنة، وأن هذا هو الضمـان الوحيد لحريتهم بل وجودهم. وقد اكتسح هذا التيار المجتمع الأمريكي في الستينيات، ووصلت عملية الفصل بين الدين والدولة مراحل هستيرية حتى أن ذكر كلمة «الإله» في الكتب المدرسية مُنع، ومُنعت الصلوات كما مُنعت نشاطات الجمعيات الدينية في المدارس حتى لو أرادت تسجيل نفسها على أنها من جماعات الهوايات أو كرة القدم! ولكن، مع بداية السبعينيات، بدأ رد فعل ضد هذا الاتجاه وبدأت حركة بعث ديني ذات طابع أصولي. والطريف أن هذه الحركة ذات توجه صهيوني بمعنى أن أتباع هذا الاتجاه يرون عدم إمكان أن يتم الخلاص المسيحي إلا بعد عودة اليهود إلى صهيون (فلسطين) 
وقد استفادت الدولة الصهيونية من هذا الوضع، وهي تعتبر هذه الجماعات جماعات ضغط لصالحها، بل إن بعض المعلقين السياسيين الإسرائيليين يرون أنها أكثر أهمية من جماعة اليهود كجماعة ضغط باعتبار أن اليهود أقلية توجد خارج المجتمع الأمريكي (المسيحي) حتى ولو كانت مندمجة فيه. أما الجماعات المسيحية الأصولية، فهي ليست مندمجة فيه وإنما هي جزء عضوي منه تعمل من داخله. ولكن رؤية الأمريكيين اليهود لهذا الموضوع مختلفة عن رؤية الدولة الصهيونية له. فهذه الجماعات الأصولية، برغم صهيونيتها، تهدد حرية أعضاء الجماعة وكل ما حققته من مكانة اجتماعية وحراك اجتماعي. ويُقال إن كثيراً من اليهود صوتوا لصالح مونديل عام 1984 بسبب اجتماع الإفطار الذي أقيمت أثناءه الصلاة المسيحية وحضره ريجان وذلك إبان انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري في دالاس. وقد حاول الجمهوريون تصحيح خطئهم هذه المرة (عام 1988)، فعقدوا اجتماع إفطار صلاة تعددياً حضره بروتستانت وكاثوليك ويهود. 
ولكن دونالد هودل وزير الداخلية (وهو مسيحي أصولي) ألقى موعظة في هذا الاجتماع طلب فيها من مستمعيه، بما في ذلك اليهود، أن يدخلوا المسيح في حياتهم الشخصية، فزاد الطين بلة! ويحاول بوش أن يخفف حدة برنامج الحزب الجمهوري الخاص بإدخال الصلوات ويدعو إلى أن تأخذ الصلاة شكل «لحظة صمت» يستطيع الطلبة فيها أن يصلوا أو أن يجلسوا أثناءها في صمت دون صلاة إن شاءوا. ولكن، مهما حاول الحزب الجمهوري، فسوف يظل موقفه باهتاً بالقياس إلى موقف الحزب الديموقراطي حيث طالب دوكاكيس بكل حدة بفصل الدين عن الدولة. وربما كان أكبر دليل على ليبراليته وعلمانيته أن زوجته يهودية. ثم يأتي كلنتون ليعبِّر عن تزايد معدلات العلمنة ويبدأ فترة رئاسته بإباحة الإجهاض ومحاولة إدخال الشواذ جنسياً القوات المسلحة الأمريكية. ونضيف إلى هذا أن سياسات الحزب الجمهوري الداخلية بشأن الإنفاق على مشاريع الرخاء الاجتماعي والتعليم هي سياسات محافظة في حين أن سـياسـة الحزب الديموقراطي في هـذا المضمار ليبرالية. وكما أسـلفنا، يتبنى معظم اليهود مواقف الحزب الديموقراطي الليبرالية. لكل هذا، يصوِّت معظم يهود أمريكا للحزب الديموقراطي وليس للحزب الجمهوري، تعبيراً عن وضعهم كمواطنين أمريكيين لهم حركياتهم الأمريكية الخاصة وليس بوصفهم أعضاء في الحركة الصهيونية أو متعاطفين معها. 
ومع هذا، يجب الإشارة إلى بعض العناصر المهمة التي قد تغيِّر سلوك الناخبين اليهود في المستقبل: 
1 ـ يُلاحَظ، في الآونة الأخيرة، تزايد تحوُّل اليهود عن الليبرالية واليسار وتبنيهم مواقف محافظة. وربما يعود هذا إلى تزايد اندماجهم وحراكهم الاجتماعي حتى أصبحوا من أعضاء الطبقات الثرية الأمـريكية بعـد أن فَقَـدوا ميراثهم الاقتـصادي والحضاري المتميِّز. ويُلاحَظ هذا في مجلة مثل كومنتاري التابعة للجنة اليهودية الأمريكية، فقد كانت من أكثر المجلات ليبرالية، ولكنها أصبحت مجلة محافظة تدافع عن التسلح والحرب الباردة. وهناك بالفعل جماعة تُسمَّى «المحافظون الجدد» من بينهم إرفنج كريستول، ونورمان بودورتز (رئيس تحرير كومنتاري) ينادون بتحالف سياسي جديد. وربما يعبِّر هذا التغيير في الوضع الطبقي، والتحول في التوجه السياسي العام، عن مزيد من تعاطف اليهود مع فلسفة الحزب الجمهوري الاجتماعية واستعدادهم للتصويت لصالحه. 
2 ـ يُلاحَظ أن الحزب الديموقراطي هو حزب السود، فظهور شخصية مثل جيسي جاكسون هو تعبير عن تزايد نفوذهم. والعلاقات بين اليهود والسود تتسم بالتوتر ابتداءً من منتصف الستينيات. ومع تزايد نفوذ السود داخل الحزب الديموقراطي، يمكن أن نتوقع تزايداً في انكماش عدد اليهود وفي انصرافهم عن الحزب ليبحثوا عن بدائل أخرى، أي الحزب الجمهوري. 
3 ـ يُلاحَظ أن البعث الديني في الولايات المتحدة يجد صداه أيضاً في صفوف اليهود الأرثوذكس والمحافظين. ولذا، لا يساير هؤلاء المحاولات التي يقوم بها اليهود الليبراليون لزيادة معدلات العلمنة داخل المجتمع الأمريكي، بل يطالبون بأن تقوم الدولة بتمويل التعليم الديني. وربما يكون لهذا أثره أيضاً في السلوك السياسي والانتخابي لهذه القطاعات من الصوت اليهودي. وهذا الفريق يرى أن زوجة دوكاكيس اليهودية نقطة سلبية محسوبة عليه لا له، وذلك باعتبار أنها تعبير عن تزايد العلمنة بزواجها المختلط من مسيحي، وباعتبار أنها ستكون قدوة ومثلاً أعلى للمرأة اليهودية. 
كل هذه الاتجاهات داخل الجماعة اليهودية قد تجعل الناخبين اليهود يصوتون للحزب الجمهوري بأعداد متزايدة. ويُلاحَظ مثل هذا الاتجاه بالفعل، ففي انتخابات 1968 صوَّت نحو 38% لصالح الديموقراطي هيوبرت همفري، أي أن 17% وحسب صوَّتوا لنيكسون، في حين صـوَّت 35% لصالحه في انتخابات 1972. وفي انتخـابات 1976، صوت لكارتر 54% من اليهود وحسـب، وصوت 45% لصالح فورد، لكن هناك إحصاءً آخر يرى أن العدد كان 33% لفورد والباقي لكارتر، وهو ما يبيِّن أن الإحصاءات غير دقيقة بسبب طبيعة الموضوع. ومع هذا تشير كل الدلائل إلى أن النمط القديم (المتمثل في أن اليهود أقلية ليبرالية تقطن المدن وتصوت للحزب الديموقراطي) قد يطرأ عليه بعض التغيُّر الطفيف ولكنه سيظل النمط السائد. إن كل العناصر السابقة تجعل من المستحيل الحديث عن «صوت يهودي» توظفه الحركة الصهيونية ببساطة لصالحها، فالمسألة أكثر تركيباً، فالصوت اليهودي قادر على التأثير دون شك، ولكنه لا يتصرف في إطار صهيوني وإنما في إطار أمريكي.
الصــوت اليهــودي في أوربــا الغــربية وأمريكـا اللاتينيـة 
The Jewish Vote in Western Europe, and Latin America 
لا يشذ الصوت اليهودي في دول أوربا الغربية عن هذه القاعدة العامة فهي دول تؤيد إسرائيل من الناحية الإستراتيجية، وتضم جماعات يهودية تدين بالولاء لأوطانها، ومن ثم فهي قد تؤيد الدولة الصهيونية وتضغط لصالحها ولكن داخل إطار انتماء أعضائها لأوطانهم وقبولهم للعقد الاجتماعي السائد فيها. ولا يمكن تفسير سياسات الحكومة من منظور مدى تزايد أو تناقص النفوذ الصهيوني أو الصوت اليهودي. ففرنسا، على سبيل المثال، حين اتخذت موقفاً معادياً نوعاً ما تجاه إسرائيل أيام الجنرال ديجول وفرضت حظراً على تصدير السلاح لها، لم يكن هذا بسبب ضعف نفوذ اليهود فيها وإنما بسبب سياسة ديجول التي كانت ترمي إلى إيجاد شخصية مستقلة لأوربا بين الدولتين العظميين. وحينما رفعت فرنسا هذا الحظر، فلا يمكن تفسير ذلك بتعاظم الصوت أو النفوذ اليهودي. وعلى كلٍّ، يُلاحَظ أن أعضاء الجماعة اليهودية في فرنسا يُشكِّلون أقل من 1% من مجموع السكان (700 ألفاً من نحو 54 مليوناً). كما أن الجماعة اليهودية لا تتسم بالتماسك الشديد إذ أنها مُقسَّمة إلى يهود سفارد شرقيين من جهة ويهود غرييين من جهة أخرى. كما أن يهود فرنسا مركزون أساساً في باريس وبضع مدن أخرى، وهو ما يجعلهم قريبين من مؤسسات صنع القرار، ولكنهم غائبون في الوقت نفســه عن معظـم فرنســا. وهـذا لا يعني أن الفرنسيين اليهود غــير مؤثـرين على الإطـلاق، فهم ولا شـك ذوو أثــر عمـيق، وخصوصاً في الإعلام، ولكن أثرهم ينبع من كونهم فرنسيين. 
ويمكن أن نضرب مثلاً آخر بسياسة إنجلترا التي تلتزم بتأييد إسرائيل، وتؤيد المواقف الأمريكية بشكل شبه كامل. ولو نظرنا إلى الصوت اليهودي لوجدنا أن اليهود لا يشكلون كتلة بشرية كبيرة، فعددهم لا يتجاوز 0.6% من مجموع السكان، وهم ليسوا أقوياء من ناحية النفوذ الاقتصادي، كما أن أصواتهم موزعة بين عدة دوائر (ولذا لا يمكن الحديث عن دوائر يهودية). ومع هذا، بلغ عدد الأعضاء اليهود في البرلمان الإنجليزي عام 1983 ثمانية وعشرين عضواً من أصل ستمائة وخمسين، وهي نسبة تفوق نسبة اليهود إلى عدد السكان. ولكن هؤلاء النواب كانوا يمثلون دوائر لا يُلاحَظ فيها وجود يهودي غير عادي، أي أنهم انتخبوا باعتبارهم بريطانيين وأعضاء في أحزاب بريطانية. وكان عدد النواب اليهود ستة وأربعين عضواً عام 1974، أي أنه حدث انخفاض كبيرفي عددهم. ولكن لا يمكن تفسير هذا الانخفاض في إطار حركيات يهودية، وإنما لابد من العودة إلى حركيات المجتمع البريطاني والجماعة اليهودية فيه. ولذا، فإن هذا الانخفاض لا يصلح مؤشراً على تراجع النفوذ الصهيوني، تماماً كما لا يصلح الحكم على وجود خمسة وزراء يهود في إحدى وزارات تاتشر في عام 1986 (وهو أكبر عدد شهدته أية حكومة بريطانية) على أساس تزايد هذا النفوذ. فالموقف البريطاني من إسرائيل موقف إستراتيجي مبدئي لن يتغيَّر بتراجع النفوذ اليهودي، بل لن يتغيَّر باختفائهم الكامل (وهو الأمر الذي يتوقعه بعض المراقبين).
يبقى بعد ذلك الصوت اليهودي في أمريكا اللاتينية. ويجب أن نشير ابتداءً إلى أن عدد أعضاء الجماعة اليهودية ضئيل للغاية في كل دول أمريكا اللاتينية. وربما يكون الاستثناء الوحيد هي الأرجنتين حيث يوجد معظم يهود أمريكا اللاتينية فيها، وهم مركزون أساساً في بوينس أيرس. ومن الملاحَظ عدم وجود دور فعال لهم في تحديد سياسية الأرجنتين الخارجية. فالحكومة العسكرية كانت تؤيد إسرائيل وتشتري منها السلاح وتضطهد أعضاء الجماعة. كما تم انتخاب رئيس جمهورية من أصل عربي (!). هذا إلى جانب أن الجماعات اليهودية في أمريكا اللاتينية تتسم بعدم التجانس، ومن ثم بعدم التماسك وتوزُّع الصوت اليهودي. كما يُلاحَظ أن النظام السياسي في أمريكا اللاتينية تسـوده الرمـوز الكاثوليكية واللاتينية وهو ما يضعف فعالية النفوذ اليهودي. ولكن ضعف العملية الديموقراطية نفسها في أمريكا اللاتينية قد يجعل الانتخابات السياسية أمراً لا يتمتع بالأهمية نفسها التي يتمتع بها في الولايات المتحدة، وعلى كلٍّ تتكفل الانقلابات المتكررة بجعل الانتخابات مسألة محدودة الأهمية.


الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثانى: اللوبي اليهودي والصهيوني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب السابع: الأدب اليهودي والصهيوني
» الباب الثانى عشر: المعبد اليهودي
» الباب الثانى: إشكالية الوحدة اليهودية والنفوذ اليهودي
» المجلد الثانى: الجماعات اليهودية.. الباب الأول: إشكالية الجوهر اليهودي
» الباب السابع عشر: التقويم اليهودي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: