ونشيد الأنشاد هو نشيد زفاف الشعب (الأنثى) إلى الإله (الذكر)
ولقد أصبح تفسير التوراة مثل الجماع الجنسي، فالتوراة التي أمامنا (توراة الخلق) هي مجرد رداء، وفي الأعماق توجد توراة الفيض (ويُلاحَظ هنا صورة الفيض الجنسية). وكلما تَعمَّق الدارس خلعت التوراة أحد أرديتها حتى يصل إلى معناها الحقيقي، أي يراها «وجهاً لوجه» ويعرفها، أي يجامعها، تماماً مثلما رأى موسى الشخيناه وجهاً لوجه فعرفها، أي جامعها. والهدف من الصلاة أن يتحقق اليحود أو (الوحدة/الجماع) بين الملك والماترونيت (العنصر الأنثوي)، وأن تفيض بركة الإله (ذات الطابع الجنسي). ويصبح الهدف من المتسفوت، (أي الأوامر والنواهي) هو الشيء نفسه. ولذا، فقبل أن يقوم أي يهودي بأي عمل، فإن عليه أن يردد الصيغة التالية: "من أجل التوحد بين المقدَّس المبارك والشخيناه".
والهدف من صلاة الصباح الإسهام في هذه العملية الجنسية. وكل فقرة توازي مرحلة من مراحل الوحدة. فبعد الفقرة الأولى، تقترب الابنة المقدَّسة (ماترونيت) مع وصيفاتها. وبعد الثانية، يضع الإله ذراعه حول رقبتها ثم يلاطفها ويربِّت على ثديها. وفي نهاية الصلاة، يتم الجماع. وقد أوصى الحاخام لوب (المُعلِّم من برودواي) بأن يفكر الإنسان في امرأة عارية أثناء الصلاة حتى يصل إلى أعلى درجات السمو. وقد شاعت القبَّالاه في القرن السادس عشر في أوربا، وحلَّت محلَّ التلمود كأساس للوجدان ومصدر للقيم الأخلاقية، حتى هيمنت تماماً على الوجدان اليهودي بين يهود اليديشية في شرق أوربا، وهم أغلبية يهود العالم. ويقول روفائيل باتاي إن أحد أسباب شيوع كتب القبَّالاه هو أنها كانت كتباً إباحية يقبل الناس على قراءتها بشغف شديد.
لكن ظاهرة مركزية الصورة المجازية الجنسية وشيوعها تحتاج إلى تفسير. والواقع أنه يمكننا أن نقول إن اليهودية الحاخامية، بتشدُّدها، أحاطت اليهودي بعدد هائل من التحريمات والأوامر والنواهي (وقد حرَّم الحاخامات في كثير من الحالات ما أحل َّ الإله، ولعل شعائر السبت التي أخذت تتزايد على مر السنين خير مثال على ذلك). وقد يكون كل هذا قد خلق إحساساً عميقاً بالذنب بين أعضاء الجماعات في أوربا، وخصوصاً بسبب وجودهم في تربة مسيحية تنظر إلى الجسد باعتباره شيئاً كريهاً، وبسبب الفقر الذي عاشوا فيه، الأمر الذي زاد من حرمانهم وشقائهم.
وقد حدث نتيجة هذا ردُّ فعل عنيف، هو في جوهره، حسب قول باتاي، «تجنيس للإله وتأليه للجنس» (من الغريزة الجنسية). ويجب أن نشير إلى أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على اليهود، بل هي ظاهرة تعم كثيراً بين الحركات الصوفية الحلولية، وإن أخذت شكلاً متطرِّفاً في حالة يهود شرق أوربا. كما أن الأنساق الدينية الحلولية المتطرفة عادةً ما تتبدَّى في ترخيصية جنسية. فإذا كان الإله يحل في كل شيء، فإن كل شيء يصبح الإله ومن ذلك الجنس، بل خصوصاً الجنس الذي يُعَدُّ هو الآخر تعبيراً عن الإله، بل يُعَدُّ أكثر الأشياء تعبيراً عنه بسبب ما يحيطه من غموض وأسرار وبسبب ما يتضمنه من فقدان للذات وإحساس بالفيضــان والفيــض. وقد عقد باتــاي مقـارنة بين القبَّالاه والديـانة الهنـدوكية الحلــولية، وبيَّن عمـق التشابه بينهما.
ومما زاد الأمور تطرُّفاً ظهور حركات مسيحية منشقة في روسيا ابتداءً من القرن السابع عشر، مثل السكوبتسي (المخصيون) والخليستي (الذين يضربون أنفسهم) وغير ذلك، وهي جماعات تُحرِّم الجماع الجنسي تماماً من ناحية، ثم تقيم من ناحية أخرى احتفالات ذات طابع جنسي داعر. وقد تأثر يهود اليديشية بتلك الحركات. ولعل كل ذلك قد أدَّى إلى تهيئة الجو لظهور شبتاي تسفي الذي نادى بالترخيصية، وبإسقاط الأوامر والنواهي، وبدأ في ممارسات جنسية كانت تُفسَّر تفسيراً رمزياً من قبَل أتباعه.
وبعد إسلامه ظهرت الحركات الشبتانية، وخصوصاً الدونمه والفرانكية، التي جعلت الإباحية الجنسية طقساً دينياً أساسياً، والتي أدركت الإله من خلال صور مجازية جنسية واضحة. وكانوا يقولون إنه "كلما ازداد الإنسان انحلالاً ازداد ارتفاعه وسموُّه، وكلما ازداد خرقاً للشرائع كان هذا دليلاً على وصوله واقترابه". وقد آمنوا بما يُقال له «العالياه» من خلال «اليريداه»، أي الصعود من خلال الهبوط. وقد ورثت الحركة الحسيدية معظم هذه الاتجاهات الإباحية الترخيصية ونادت بما أسمته «عفوداه بجشيموت»، أي «الخلاص بالجسد»، وإن حاولت تفسير ذلك تفسيراً رمزياً.
وقد كان هذا هو الإطار الفكري السائد بين يهود أوربا عشية الانعتاق، وكان الفكر الشبتاني متغلغلاً تماماً حتى في صفوف القيادات الحاخامية، كما أن القبَّالاه كانت قد هيمنت تماماً على الوجدان الديني اليهودي وكانت تُعَدُّ أساساً للتشريع أو على الأقل لتفسير الشعائر والشرائع.
ومن الواضح أنه لا يمكن فهم ظاهرة مثل فرويد إلا في إطار الفكر القبَّالي الشبتاني، فالواقع أنه برغم اختياره أسطورة يونانية (أوديب) ومصطلحات لاتينية (إجو، وسوبر إجو، وإيد super ego, and id ,ego)، فإن مصطلحه الكامن وصوره الأساسية مستقاة من التراث القبَّالي الذي درسه وهو في فيينا التي كان يوجد فيها واحد من أهم القبَّاليين في عصره (ويُقال إن كلمة «إيد» هي اختصار لكلمة «ييد» اليديشية، أي يهودي). كما أن حديث رولان بارت عن لذة النص كلذة جنسية له ما يناظره في الفكر القبَّالي.
ولذا، فليس غريباً أن نجد أن سلوك أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب يختلف مع الانعتاق عنه قبله. والواقع أن سقوط الجيتو، واليهودية الحاخامية، وانتشار القبَّالاه، جعلت اليهود مرشحين لدخول عصر الإباحة والإباحية الحديثة من أوسع أبوابه. وقد ساعد على ذلك تَعثُّر التحديث في شرق أوربا، الأمر الذي أدَّى إلى هجرة الملايين من قراهم وجيتواتهم إلى العالم الجديد، حيث لا ضوابط ولا آليات ضبط اجتماعية أو دينية، فتآكلت الأسرة اليهودية وزاد عدد الأطفال غير الشرعيين بعد أن كانت هذه ظاهرة غير معروفة تقريباً بين أعضاء الجماعات في الغرب.
وقد ظهر قدر كبير من عدم التماسك بين أعضاء الجماعات في نهاية القرن التاسع عشر، فوجدت أعداد كبيرة منهم من البغايا والقوادين، وبين المشتغلين فيما نسميه صناعات اللذة (حقل نشر المجلات والكتب الإباحية ـ النوادي الليلية ـ حقل صناعة السينما التي لا تلتزم بمقاييس أخلاقية عالية). ومع اندماج أعضاء الجماعات اليهودية في مجتمعاتهم، وتزايد معدلات العلمنة، أصبح من الملاحَظ أن درجة الانحلال وعدم التماسك لا تختلف عن درجة الانحلال وعدم التماسك في المجتمع ككل.
وتتمتع الدولة الإسرائيلية بواحد من أعلى مستويات العلمنة في العالم. وقد انعكس هذا على سلوك الإسرائيليين الذي يتسم بكثير من الحرية الجنسية. وقد ساهم في ذلك أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع مهاجرين يعتمد على السياحة كمصدر أساسي من مصادر الدخل. ويتسم كل من المهاجر والسائح (وهما من الشخصيات الوظيفية الهامشية) بأن درجة التزامهما بقيم المجتمع ليست عالية. والسائح بالذات لا يلتزم إلا بقيمة المتعة. كما أن القوات المسلحة الإسرائيلية تضم عدداً كبيراً من المجندات اللائي يوجدن مع عدد كبير من الذكور في مناطق مختلفة، وتحت ظروف تتسم بانعدام الضبط الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى توسيع رقعة الحرية الجنسية ويشجع على السلوك غير المنضبط.
وقد قامت الصهيونية بتحويل اليهودية من عقيدة دينية قومية إلى عقيدة قومية الأمر الذي يعني إمكانية استخدامها لضبط سلوك المستوطن الإسرائيلي على المستوى القومي. ولكن لا يمكن، بطبيعة الحال، توظيفها لضبط السلوك الجنسي للمستوطن على المستوى الشخصي. ولذا، فقد نشأت ظواهر مرتبطة بالحرية الجنسية مثل انتشار البغاء، وأخيراً الأيدز، كما يُلاحَظ زيادة عدد الأطفال غير الشرعيين. وقد ظهر مؤخراً قانون يسمح بممارسة البغاء في الدولة الصهيونية بشكل قانوني يتزايد يوماً بعد يوم. ولا توجد لدينا إحصاءات دقيقة، ولكننا نعرف (حسب إحصاءات 1986) أن 45% من الإسرائيليات اللائي في المرحلة العمرية 21 سنة فأكثر يتزوجن لأنهن يتوقعن طفلاً، وأن 11% من الفتيات اللائي يتزوجن في إسرائيل (بغض النظر عن أعمارهن) يتزوجن وهن حوامل.
والواقع أن إباحة الإجهاض محاولة أخرى لهذا الاتجاه حيث إن نسبة الإجهاض من أعلى النسب في العالم، فقد سـجَّلت المسـتشفيات الحكومية نحـو سبعين ألـف حالة إجهاض سنوياً، الأمر الذي يعني أن الحالات أكثر من ذلك كثيراً. وينتشر الشذوذ الجنسي أيضاً في إسرائيل (ويُقال إن نسبته تصل إلى 10% بين الرجال). وقد وصف وزير السياحة السابق (أمنون روبنشتاين) المجتمــع الإسرائــيلي بأنــه من أكثر المجتمعات إباحيــةً، وأشــار إلى شارع دزنجــوف (أحد الشـوارع الكبرى في تل أبيب) باعتباره «زبالة دزنجوف» إذ تُعرَض فيه الأفلام الإباحية وتروَّج المخدرات (وقد عُرضت فيه مؤخراً مسرحية تمثل الملك داود وصديقه يوناثان تربطهما علاقة جنسية شاذة).
وتتسم الحياة في الكيبوتسات بالحرية الجنسية، إذ لا يتم فصل أفراد الجنسين إلا بعد سن الثامنة عشرة تقريباً. أما فيما قبل ذلك، فإنهم يقضون معظم الوقت معاً ويمارسون كل الأنشطة الإنسانية المختلفة مثل الاستحمام معاً. ولكن يبدو أن العلاقة الجنسية داخل الكيبوتس (بين أعضائه) أصبحت تشبه علاقة الإخوة بالأخوات، فلقد ظهرت أنماط للتعامل تشبه أنماط التعامل داخل الأسرة الواحدة، وظهرت أشكال من التابو (الحظر) تلقائياً. ومن الملاحَظ أن أعضاء الكيبوتس الواحــد لا يتزوجــون فيما بينهــم، إلا فيما ندر، ولا يتزوجون إلا بأعضاء الكيبوتسات الأخرى في معظم الأحيان.
الزنــــى Adultery
كلمة «الزنى» يقابلها في العبرية كلمة «نيئوف»، وأحياناً «زينوت». وهي استخدام فضفاض لأن كلمة «زينوت» تعني بالمعنى الدقيق للكلمة «البغاء». وتحرم اليهودية الزنى، كما جاء في الوصايا العشر. وقد عُرِّف الزنى بأنه علاقة جنسية بين امرأة متزوجة ورجل غير زوجها، وعقوبتها الموت للاثنين. أما الأنثى غير المتزوجة إن دخلت علاقة جنسية عرضية (مع يهودي) فإن ذلك أيضاً أمر مكروه ولكنه غير محرَّم، وثمرة مثل هذه العلاقة لا يكون مامزير. وعقوبة زوجة الكاهن الزانية أقسى من عقوبة الزانية العادية. وثمرة هذه العلاقة «مامزير»، أي طفل غير شرعي. وتذهب بعض الفتاوى اليهودية إلى أن الوصايا الخاصة بالزنى لا تنصرف إلا إلى «زوجة أخيك»، أي العبراني الأمر الذي يعني أن نساء الأغيار مباحات. ولكن الرأي السائد بين الحاخامات هو أن اليهودي الذي يزني بامرأة من الأغيار زان أيضاً، ومن حق زوجته أن تطلب الطلاق منه. وعلى العكس من هذا، ذهبت بعض الحركات الشبتانية إلى أن الوصية الخاصة بالزنى تعني العكس تماماً في التوراة الخفية (توراة الفيض)، فحينما تقول الوصية «لا تزن» فإن المعنى الباطني هو «فلتزن». أما بالنسبة إلى الرجل المتزوج الذي يدخل علاقة جنسـية مع أنثى غـير متزوجة، فإن الأمر مكروه ولكنه ليـس محرَّماً.
الـــزواج Marriage
«الزواج» بالعبرية «نيسوئين»، وتشجع العقيدة اليهودية اليهود على الزواج والإنجاب: "وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض" (تكوين 1/28). ولعل حركة الأسينيين التي يُقال إن أفرادها امتنعوا عن الزواج كانت استثناء يثبت القاعدة. ومع هذا، فإن ثمة نظرية تذهب إلى أنهم لم يكونوا جماعة مترهبنة، وإنما نظمت عملية الزواج بحيث لم تكن تتم إلا بين أعضاء الجماعة وحسب. والزواج كصورة مجازية مهمة في العهد القديم، كما أن القبَّالاه اللوريانية جعلتها صورة مجازية مركزية، إذ يتزوج الإله من الشعب، وكل الأوامر والنواهي تهدف إلى إنجاز هذا الزواج المقدَّس.
وفي الماضي، كان الزواج يتم في ثلاث خطوات: الأولى «شيدرخين» وهو طلب يد الفتاة، والثانية «إيروسين» أو «قيدوشيم» أو «قيدوشين»، وهي تشبه عقد القران عند المسلمين، وبموجبها تصبح المرأة اليهودية زوجة شرعية لمن تقدَّم إليها، ولا يمكنها الزواج من آخر إلا إذا مات زوجها أو طلقها. ويجب أن تتم هذه الخطوة أمام شهود. وعلى الزوج إما أن يدفع نقوداً، بالعبرية «مهار» أي «ماهار»، أو يوقع شهادة الزواج «كتوباه»، أو يجامع زوجته دون أن يدفع لها مهراً أو يكتب عقد زواج (والطريقة الأخيرة أقلها حدوثاً، كما أن بعض الحاخامات رفض هذا الإجراء).
أما الخطـوة الثالثـة في الزواج، فهي تحقيق الزواج نفسه (نسـوئين)، وهـذا يقابل الزفاف عند العرب (أو «الدُخلة» بالعامية المصرية). ويصاحب الزفاف احتفالات تختلف من بلد إلى بلد حسب العادات والتقاليد المحلية، فيهود كوشين يحتفلون بطريقة مختلفة عن يهود الولايات المتحدة في العصر الحديث، أو عن يهود الجبال الذين لا يزالون يمارسون عادة خطف العروس، كما هو الحال في مجتمعهم. ولكن من أكثر أشكال الزواج شيوعاً زواج يهود اليديشية.
وربما يعود هذا إلى أنهم كانوا يشكلون الأغلبية العظمى من يهود العالم، وهؤلاء هم الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة، ونقلوا معهم أشكال الاحتفال بالزفاف الخاصة بهم، كما أن هوليود ساعدت على إشاعة هذا الشكل من الاحتفال. ويبدأ الاحتفال بينهم، بحضور عشرة أشخاص على الأقل (وهو نفس عدد النصاب في الصلاة) من بينهم حاخام. ويقف العريس والعروس تحت كوشة تُسمَّى «هوبا» (المحفة)، ويقرأ الحاخام بعض الأدعية طالباً البركة (براخوت)، ثم يضع العريس خاتماً ذهبياً غير مُزَّين بأحجار في يد العروس، وتُقرأ شهادة الزواج (كتوباه) ثم تُقرَأ بعض الأدعية والابتهالات مرة أخرى. وأحياناً يُطلَب إلى العروس أن تدور سبع مرات حول العريس، وتُقرأ الأدعية أحياناً على كأس خمر يشرب منه العريس والعروس، ويُطلَب إلى العريس أن يكسر كأساً، علامة على حزنه على الهيكل. ولم يَعُد اليهود، في معظم أنحاء العالم، يحتفلون بعقد القران منفصلاً عن الزواج نفسه.
وليس الزواج في اليهودية من الشعائر المقدَّسة، كما هو الحال في المسيحية، وإنما هو عقد ذو طابع أخلاقي ديني، ولا يمكن أن يتم إلا بموافقة الأنثى. ولا تُحرِّم اليهودية تعدد الزوجات، وإن كان الفقه اليهودي قد منعه ابتداءً من القرن الحادي عشر في الغرب، ثم امتد المنع إلى كثير من بلاد العالم الأخرى، وإن كان لا يزال هناك بعض اليهود يمارسون هذا الحق الشرعي. ويناقش التلمود الأمور المتعلقة بالزواج في أحد أسفاره.
ولا يحل لليهود الزواج من المحارم. ويتشدد القرّاءون في تعريف المحارم. كما لا يُباح ليهودي أن يتزوج من مامزير (شخص غير شرعي). ويُمنَع الزواج المُختلَط من الأغيار بتاتاً (ومع هذا، كان هناك في الماضي درجات، فزواج اليهود من الكنعانيين ذكوراً أم إناثاً كان محظوراً، ولكن الزواج من الذكور العمونيين والمؤابيين ومن الذكور والإناث المصريين والأدوميين من أبناء الجيل الثالث بعد تهودهم كان غير محظور). أما الكاهن، فيمتنع زواجه من مطلقة. ولا تستطيع الأرملة أن تتزوج إلا بعد مرور تسعين يوماً على موت زوجها. وإذا كان شقيق زوجها على قيد الحياة وليس لها أطفال، فإن اليهودية توجب عليه الزواج منها. وإذا اختفى الزوج ولم يُعرَف مصيره، تصبح المرأة عجوناه، أي لا يحق لها الزواج إلا بقرار محكمة شرعية. ولا تُحرِّم اليهودية الطلاق ولكن لا يمكن للمطلقة الزواج إلا بعد الحصول على شهادة الجيط، أي القسيمة الشرعية للطلاق التي لا تَصدُر إلا بعد أن تتأكد المحكمة الحاخامية من أن المرأة قد طلقها زوجها فعلاً.
وقد سبَّبت هـذه القيـود كثيراً من المشـاكل للمستوطنين في إسرائيل، حيث تشرف المحاكم على عمليات الزواج والطلاق، فكثير منهم لا يعرف مثلاً أنه كاهن إلا حينما يتقدم طالباً الزواج من مطلقة. وقد كان الزواج العمود الفقري للجماعات اليهودية في العالم، فهو أساس التماسك والتضامن. كما أنهم، كجماعة وظيفية، لا يتزاوجون إلا فيما بينهم، حتى لا يذوبوا في محيطهم الحضاري. وكان كثير من الجيتوات يُحرِّم على اليهود المقيمين فيها الزواج من يهود جيتو آخر، وذلك حتى لا يعطيهم هذا حق السكنى في الجيتو. وكان الزواج بين السفارد والإشكناز نادراً حتى عهد قريب، ولكن معدلاته أخذت في الارتفاع.
وحينما ظهرت الدولة المطلقة في أوربا، فإنها كانت تتدخل في تنظيم الزواج بين أعضاء المجتمع ومنعهم أعضاء الجماعات اليهودية، فكـان بعضـهم لا يستطيع الزواج إلا بعد سـن معيَّنة، حتى لا يتكاثر عددهم، ولم يكن يسمح للبعض بالزواج على الإطلاق. وفي محاولة تحديث اليهود في النمسا، في القرن التاسع عشر، لم يكن يُسمَح لبعض اليهود بالزواج إلا بعد قراءة كتاب عن الدين اليهودي كتبه أحد دعاة التنوير. وفي العصر الحديث، تزايدت معدلات الزواج المُختلَط، وبدأت الأجيال الجديدة اليهودية تُحجم عن الزواج والإنجاب، وهذه ظاهرة عامة في الغرب الآن وتساهم في ظاهرة موت الشعب اليهودي.
وثيقة الزواج Ketubbah
«وثيقة الزواج» مصطلح يقابله في العبرية كلمة «كتوباه»، وهي الوثيقة التي تُسجَّل فيها الالتزامات المالية والأخلاقية للعريس تجاه عروسـه، وتعـتبر وثيقة الزواج أحد شـروط الزواج حسـب الشريعة اليهودية. ويجب أن تحمل الوثيقة توقيع شاهدين، وتُكتَب الكتوباه عادةً بالآرامية. ويُضاف إليهـا الآن ملخـص بلغة البلـد الذي يعيـش فيه اليهودي. وتحتفظ العروس بالوثيقة. وقد قام اليهود المحافظون بتعديل صيغة الشهادة. أما اليهودية الإصلاحية، فتخلت عنها تماماً. ويتناول الجزء الخاص من التلمود والمسمَّى «كتبوت» كل الأمور المتعلقة بهذه الوثيقة. وعادةً ما كانت هذه الوثيقة تُكتَب على الرق وتُزيَّن حوافها.
زواج الأرملــــــة Levirate Marriage
«زواج الأرملة» يُطلَق عليه «يبُّوم» بالعبرية. والأرملة في العبرية «ماناه» وهي من أصل لغوي يعني «الصامتة» وهي غير «يباماه» أي "الأرملة التي مات زوجها ولم تنجب أطفالاً". ويُحرِّم العهد القديم زواج أرملة الأخ إذا كان لها أطفال، لكنه يوجب مثل هذا الزواج إذا لم يكن لها أطفال. وقد جاء في سفر التثنية (25/5 ـ 10): "إذا سكن إخوة معاً ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصير امرأة الميت إلى خارج لرجل أجنبي. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يُمحَى اسمه من يسرائيل".
وإن لم يرض الرجل أن يأخذ امرأة أخيه تصعد امرأة أخيه إلى الباب إلى الشيوخ وتقول قد أبى أخو زوجي أن يقيم لأخيه اسماً في يسرائيل. لم يشأ أن يقوم لي بواجب أخي الزوج. فيدعوه شيوخ مدينته ويتكلمون معه، فإن أصرَّ وقال لا أرضى أن أتخذها، تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرخ وتقول هكذا يُفعَل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه. فيُدعى اسمه في يسرائيل «بيت مخلوع النعل». (وهذه شعائر الحليتساه). وتصبح المرأة عجوناه إن رفـض الأخ أن يتزوجـها ويخضع هو لطقـوس خلع النعل، وقد تظل المرأة عجوناه إن كان الأخ قاصراً أو غائباً أو مفقوداً.
الطــلاق Divorce
«الطلاق» بالعبرية «جيطين» ويتم الطلاق حسب الشريعة اليهودية في محكمة حاخامية، وتنتهي الإجراءات بأن يعطي الرجل زوجته قسيمة طلاق تُسمَّى في التوراة «سفير كيرتوت» أي كتاب الطلاق (تثنية 24/3)، وتُسمَّى في التلمود «جيط»، ويكون في حضور شهود أو أمام محكمة شرعية (بيت دين). وتتلخص وظيفة المحكمة في التأكد من أن الإجراءات تتفق مع القانون الديني، ولا تتنافى معه. ثم يسجل كاتب المحكمة الطلاق، ويعطي نسخة من القسيمة لكل من الزوجين. والطلاق، حسب الشريعة اليهودية، من حق الرجل، يمارسه متى أراد، وإن كان من المعروف أن قسائم الزواج (كتوباه) كثيراً ما كانت تحتوي على شروط تحمي الزوجة من أهواء الرجل.
وحصول المرأة على قسيمة الطلاق أمر أساسي، إذ أن اليهودي من حقه أن يعدد الزوجات، على الأقل من الناحية النظرية. ولذا، فبإمكانه الزواج دون أن يكون معه نسخة من القسيمة. أما المطلقة التي هجرها زوجها، أو حتى طلقها أمام المحاكم المدنية دون أن يسلمها وثيقة الطلاق (جيط) التي لابد أن تتم أمام المحكمة الشرعية لكي يتم بمقتضاها فسخ الزواج شرعاً، فتبقى «عجوناه»، أي «مهجورة ومربوطة في آن واحد». وفي شريعة التلمود، تُعرَّف «العجوناه» بأنها الزوجة المهجورة المرتبطة بزوج غائب، والتي لا تعرف على وجه اليقين ما إذا كان على قيد الحياة أم لا، أو التي طُلِّقت مدنياً ولم تحصل على شهادة جيط ولذلك لا يحق لها الزواج من جديد، وزواجها من رجل آخر يُعتبَر عملاً من أعمال الزنى، ويعتبر أولادها غير شرعيين وفي البلاد الغربية، حيث لا تعترف المحاكم بقسيمة الطلاق الشرعية، لا يمنح الحاخام هذه القسيمة إلا بعد التأكد من أن الطلاق قد تم أمام المحاكم المدنية. ومع هذا، لا تعترف المحاكم الحاخامية بالطلاق المدني إلا بعد إكماله بقسيمة الطلاق الشرعية.
وفي إسرائيل، يقع الطلاق، مثله مثل الزواج، تحت سلطة المحاكم الحاخامية. ومع تزايد معدلات الطلاق في الغرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أصبح الطلاق إحدى المشاكل التي تواجه المؤسسة الحاخامية، إذ يصل العديد من المهاجرات السوفيتيات المطلقات اللائي لم يحصلن على قسيمة الطلاق، وبالتالي فكل منهن عجوناه، وحينما تتزوج للمرة الثانية ترفض الحاخامية أن تعترف بزواجها. ومن المتوقع أن تصبح مشكلة قسيمة الطلاق الشرعية من أهم المشاكل التي ستواجه المُستوطَن الصهيوني، وربما تصل هذه المشكلة في أهميتها مشكلة التهود على يد حاخام غير أرثوذكسي، الأمر الذي لا تعترف به المحاكم الحاخامية في إسرائيل، كما أنها ستزيد تفاقم حدة قضية الهوية اليهودية.
قسيمة الطلاق الشرعية (جيط) Get
«جيط» هي «القسيمة الشرعية للطلاق»، وبدونها تصبح المرأة اليهودية عجوناه، أي مطلقة لا يمكنها الزواج. وتنقسم قسيمة الطلاق إلى قسمين: العام (توفيس) وهو الديباجة العامة في كل قسائم الطلاق، والخاص (توريف) وهو الجزء الخاص بالحالة المدوَّنة في القسيمة. وعادةً ما تنتهي قسيمة الطلاق بعبارة «إن من حق المطلقة أن تتزوج من أي رجل». ويجب أن يُكتَب التاريخ الصحيح بعناية، وبعد الانتهاء من إعداد القسيمة يسلمها الزوج لزوجته في حضور شهود. وبعد أن تأخذ الزوجة القسيمة تعطيها للمحكمة الشرعية التي تعطيها وثيقة تثبت أنها تم تطليقها حسب الشرع ثم تمزق المحكمة القسيمة حتى لا تثار أية شكوك بشأنها في المستقبل، ثم تحفظها وهي ممزقة. ويوجد في التلمود جزء خاص بالجيط والعجوناه.
العجوناه Ajuna
كلمة «عجوناه» كلمة عبرية مشتقة من فعل عبري بمعنى «يسجن» أو «يربط». والعجوناه امرأة يهودية اختفى زوجها ولكن السلطات الدينية ليست على ثقة من وجوده على قيد الحياة، ولذا فهي مرتبطة برجل لا يمكنها أن تعيش معه فعلياً، ولكنها لا تستطيع أن ترتبط بآخر لأنها من الناحيـة النظرية متزوجـة، فهي مهجـورة ومربوطة في آن واحد معاً. ولهذا، لا يحق لها الزواج من جديد. وينطبق المصطلح الآن على الزوجات اللائي هجرهن أزواجهن دون أن يطلقوهن، أولئك اللائي طُلِّقن دون الحصول على قسيمة الطلاق الشرعية (جيط) التي لابد أن توثِّقها محكمة شرعية (بيت دين). وتلجأ بعض السيدات إلى المحاكم الشرعية لإكراه الزوج على منح الوثيقة، لكن هذه المحاكم تتحرك ببطء شديد كما أنه في كثير من الأحوال لا يمكن الوصول إلى الزوج. ولا يزال هذا التقليد التلمودي سارياً في إسرائيل. ولا تستطيع العجوناه أن تتزوج للمرة الثانية زواجاً دينياً شرعياً، وإذا تزوجت دون شهادة الجيط، فإن أطفالها يُعتبَرون غير شرعيين، أي مامزير حسب الشريعة اليهودية.
ومن المتوقع أن يزداد عدد السيدات العجونات بين المهاجرين من المجتمعات الغربية بسبب ارتفاع معدلات الطلاق فيها. وقد لوحظ وجود عدد كبير من النساء العجونات بين المهاجرين السوفييت، ويعود هذا إلى أن الحاخامية في إسرائبل لا تعترف بالطلاق المدني الذي تُصدره المحاكم السوفيتية والتي لا تملك أن تُصدر وثيقة الجيط رغم اعتراف الحاخامية بالزيجات التي تتم أمام هذه المحاكم. وقد لوحظ أن أعداداً من النساء العجونات بدأن ينكرن أنهن مطلقات حتى لا يفقدن حقوقهن وحتى لا يصنف أولادهن باعتبارهم «مامزير». وتوجد في إسرائيل ما بين ثمانية إلى عشرة آلاف عجوناه. ولم يحدث أن منحت المحاكم الشرعية الإسرائيلية عبر تاريخها وثائق الجيط رغم إرادة الزوج إلا في ثلاثين حالة فقط. وكانت وثيقة الجيط مسئولة عن وجود عدد كبير من المطلقات في جاليشـيا لا يمكنهن الزواج،الأمر الذي أدَّى إلى انتشـار البغاء بينهن.
طفل غير شرعي (مامزير) Mamzer
«طفل غير شرعي» مصطلح يقابل مصطلح «مامزير» وهي كلمة عبرية معناها «طفل يهودي غير شرعي». ومنزلة المامزير أقل من منزلة اليهودي العادي لأنه ثمرة علاقة جنسية محرَّمة (من وجهة نظر أسفار موسى الخمسة والشريعة الشفوية)، مثل زواج رجل من امرأة محرمة عليه كأخته أو أمه، أو اتصال امرأة يهودية متزوجة اتصالاً جنسياً بغير زوجها، وهي علاقات عقوبتها الرجم. ويُحرَّم على اليهودي مولداً أن يتزوج من مامزير، لكن المامزير يمكنه أن يتزوج من مامزير مثله، أو من متهود، وهذا يعني أن الطفل غير الشرعي في منزلة المتهود. وأولاد المامزير مامزير مثله حتى لو كان متزوجاً من يهودي أو يهودية. أما إذا كان المامزير من الأغيار، فإن أبناءه يُعدّون من الأغيار.
ويجب التنبيه إلى أن ولادة الطفل خارج الزواج لا تجعله بالضرورة طفلاً غير شرعي أو مامزير، فالأم اليهودية غير المتزوجة تنجب أطفالاً شرعيين إذا كان والد الطفل يهودياً بالمولد وغير متزوج وليس محرماً عليها الزواج منه شرعاً. وفي هذه الحالة، سواء تزوج الرجل المرأة أو لم يتزوجها، فإن هذا لا يغيِّر مكانة الطفل. ولعل هذا هو ما يجعل تجارب مثل الكيبوتس ممكنة، إذ يصبح الزواج أمراً غير مهم، بل هامشياً.
ويُسمَّى الطفل المشكوك في أبوته «شيتوكي»، وهي كلمة تعني حرفياً «غير معروف الأصل» لأن أمه ترفض أن تكشف شخصية الأب، أو لأنها لا تعرفه. وفي أغلب الأحوال، لا يُعتبَر هذا الطفل مامزير باعتبار أنه وُلد لأم يهودية! ويُطلَق على الطفل اللقيط بالعبرية «أسوفي»، وهو ليس مامزير وإنما هو غير معروف النسب. ويتوقف الأمر على المكان الذي وجد فيه. فإذا وُجد بالقرب من حي يهودي، فهو مامزير، وإذا وجد بالقرب من حي للأغيار فهو من الأغيار. ومع هذا، لا يستطيع مثل هذا الطفل أن يتزوج من مامزير آخر، لأنه مشكوك في انتمائه اليهودي ككل!
ويُعتبَر أي يهودي قرّائي مامزير، إذ أن اليهود الحاخاميين يعترفون بأن الزواج القرّائي شرعي، بينما الطلاق غير شرعي، وبالتالي فإن كل امرأة قرّائية تُطلَّق ثم تتزوج للمرة الثانية يكون زواجها الثاني غير شرعي وثمرته مامزير. ولأن هذه العملية استمرت عبر الأجيال، فإن كل القرّائين صاروا مامزير. ومع هذا، فقد ظهرت فتاوى أخرى ترى أن التشريعات الحاخامية لا تعترف بالزواج القرّائي نفسه.
وتحدث أكثر حالات المامزير حينما تتزوج امرأة مطلقة لم تحصل على الجيط (قسيمة الطلاق) من زوجها الأول، إذ أنها من وجهة نظر القانون الشرعي تظل في ذمة زوجها الأول، ومن ثم فالزواج الثاني زواج غير شرعي وأولادها منه غير شرعيين. وهناك أيضاً «هلا»، وهو الطفل الذي يكون ثمرة زواج كاهن وامرأة لا يحل له أن يتزوجها بسبب انتمائه إلى سلك الكهنوت. ومثل هذا الطفل لا يفقد أية حقوق، ولكنه لا يُعتبر كاهناً.