النوم هو آخر محطة ينزلها الراكب بعد أن يقطع رحلة يومه، وعناء نهاره، فيأوي في بيته الى مكان هادئ ومريح ومظلم، ويُسلم نفسه لخالقها الذي يتولى حفظها ورعايتها، وتصريف أمورها وعمل أجهزتها قال تعالى: "وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)" القصص.
والنوم آية تدل على عظمة الله وقهره، وعلى ضعف الإنسان وفقره، فلولاه لكلَّت عضلاته، وشلَّت أعصابه، وانفجرت شرايينه، فهو راحة له لاستعادة نشاطه وشحن قوته، رحمة من الله وفضلاً ونعمة وكرمًا. قال تعالى: "وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (11)" القصص.
والنوم صنو الموت، يُعطل الحواس، ويُفقد الوعي، ويُلقي بالإنسان جثة هامدة، ليس فيها إلا قلبٌ ينبض، ونَفَسٌ يتردد، ودماء تجري بقدرة اللهِ الواحد القهار.
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحــد
هذا وللنوم وكيفيته ومقداره آدابٌ إسلامية، وسننٌ نبوية نذكر منها ما يلي:
1 »» الوضوء قبل النوم، وصلاة ما تيسر من قيام الليل، يختمها بصلاة الوتر، ولا يأخذه النوم إلا وهو على وضوء وذكر الله تعالى.
عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ أوى إلى فراشه طاهرًا، وذكر اللهَ -عز وجل- حتى يُدركه النُّعاس، لم يَتقلَّب ساعة من الليل يَسأل الله -عز وجل- خيرًا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إيّاه". رواه ابن السني.
2 »» مُحاسبة النَّفس قبل النوم على ما فعله في يومه، والاستغفار من جميع الذنوب التي اقترفها.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قال حين يأوي الى فراشه: أستغفر الله الذي لا اله إلا هو الحيّ القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات، غفر اللهُ تعالى له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر". رواه الترمذي.
3 »» قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين قبل النوم.
عن عائشة -رضي الله عنها-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات". متفق عليه.
4 »» نفض الفراش والغطاء قبل الاضطجاع فيه للاطمئنان إلى خُلُّوه من الحشرات وغيرها، ثم الاضطجاع على الجنب الأيمن، وتجنُّب مد الرجلين إلى جهة القبلة، ثم الدعاء بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأحد أدعية النوم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلَّفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين". متفق عليه.
5 »» عدم استجلاب النوم تكلفًا وعدم الاستلقاء على الفراش قبل الشعور بالنُّعاس.
6 »» التعوّد على النوم باكرًا، فهو يُعين على الاستيقاظ باكرًا بهمة ونشاط للعبادة والصلاة، وهو ما تنصح به القواعد الصحية: (نم مع الحمل واستيقظ مع العصفور).
قال تعالى: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً" السجدة: 16.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام في أول الليل ويقوم آخره فيصلي". رواه ابن ماجة.
7 »» لبس الثياب اللينة والساترة والمُريحة خلال النوم، وتجنب التَّعرِّي والتكشُّف، واختيار المكان الهادئ والواسع والمُريح للنوم، وانفراد كل شخص بغطاءٍ خاص به.
8 »» يكون نوم الذكور في مكان مستقل عن مكان نوم الإناث.
9 »» تجنب النوم على البطن، لأضراره الصحية النفسية والجسدية.
عن يعيش بن طخفة -رضي الله عنه- قال: قال أبي: "بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحرّكني برجله فقال: "إن هذه ضجعة يبغضها الله"، قال: فنظرت فإذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". رواه أبو داود.
10 »» ذكر الله -عز وجل- كلما استيقظ خلال النوم.
عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تعارّ من الليل قال: "لا اله إلا الله الواحد القهار، ربُّ السموات والأرض وما بينهما وهو العزيز الغفّار". رواه النسائي.
11 »» الاعتدال في النوم، وعدم تجاوزه ثماني ساعات، لأن النوم تعطيل للحياة.
12 »» إغلاق النوافذ والأبواب، وإطفاء المواقد والنيران، وتغطية الأواني والأباريق، قبل النوم.
عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأقية وخمِّروا الطعام والشراب". متفق عليه.
13 »» الاستبشار بالرؤية الصالحة، وسؤال اللهِ تعالى خيرها، والتحدث بها إلى مَنْ يُحب، والاستعاذة بالله من الرُّؤيا السيئة وعدم التشاؤم منها، وسؤال اللهِ تعالى صرف شرّها.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا رأى أحدكم رؤيا يُحبها، فإنما هي من الله فليحمد اللهَ عليها وليُحدّث بها، -في رواية: فلا يُحدّث بها إلا مَنْ يُحب- وإذا رأى غير ذلك مما يكرهه، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرّها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضرُّه". متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يُحدّث بها أحد، وليقم فليصل". رواه الترمذي.
14 »» القيام الى الوضوء والصلاة إذا أصيب بأرق، ثم الاستعاذة بكلمات اللهِ التَّامَّات من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين، ثم الدُّعاء بما علَّم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "شكوت الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرق أصابني فقال: "قل اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حيٌّ قيوم، لا تأخذك سِنَةٌ ولا نوم، يا حيُّ يا قيوم أهدئ ليلتي وأنم عيني". فقلتها فأذهب الله عز وجل ما كنت أجد". رواه ابن السني.