آداب شخصية
للمسلم مع نفسه آدابٌ يُلزمها بها، ويُجاهدها عليها، ويُقوّمها ويعتني بها، ويهتم بتزكيتها، ويُسارع إلى تهذيبها ومعالجتها، وضبطها ومحاسبتها، ويلتزم إستكمال فضائلها في ظاهرها وباطنها.. قال تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)" الشمس. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "حُفَّتِ النَّارُ بالشَّهوات، وحُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكَارِه" الترمذي.
وقال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا
كنقص القادرين على التمــام
وقال البوصيري:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضــــــاع وإن تفطمه ينفطم
وجاهد النفس والشيطان واعصهـما
وإن همــــــا محضاك النصح فاتهم
فاصـــــرف هواها وحاذر أن توليه
إن الهــــوى ما تولى يصم أو يصم
وراعــها وهي في الأعمــال سائمة
وغن هي استحلت المرعى فلا تسم
وكـــم حســـنت لـــذة للمـــرء قاتلة
من حيث لم يدر أن السم في الدسـم
وقد اعتنى أهل التربية بالنفس، ووقفوا على أمراضها وأداوئها، وبَيَّنُوا طُرق معالجتها من لهوها وبطالتها، وشهواتها وأهوائها، فوضعوا لها أسباب تربيتها، وبيَّنوا طُرق شفائها، وسُبُلَ مجاهدتها، وكيفية تقويمها وتأديبها حتى تصبح كما ورد في الحديث الشريف: "لا يؤمنُ أحدكم حتى يكون هواهُ تبعًا لِمَا جِئْتُ بِه" رواه مسلم. ولهذا البحث شُروحٌ مُطوّلة، وشُجونٌ متفرعة.
ونكتفي هنا أن نعرض لبعض الآداب التي ينبغي على الناشئة تعويد أنفسهم عليها، حتى تصبح مَلَكَةً راسخةً وطبعًا أصيلاً:
1 »» المحافظة على النظافة العامة بالاغتسال مرة كل أسبوع، ويُسَنُّ أن يكون يوم الجمعة.
عن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومَنْ اغتسل فالغُسل أفضل" رواه الترمذي وأبو داود.
2 »» قص أظافر اليدين والرجلين مرة كل أسبوع، وتجنب إطالتها أو إطالة بعضها وخاصة عند الفتيات، لأنها تصبح حقلاً لتجمع الأوساخ والأقذار تحتها، وتمنع ماء الوضوء من وصوله إلى أطراف الأصابع، فضلاً عن منظرها الحيواني القبيح.
3 »» قص الشعر كلما طال، وتعهده بالنظافة والترجيل، دون إفراط ولا تفريط.
4 »» التعوّد على التيامن، أي تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم، كالغسل والوضوء، والتحية والمصافحة، ولبس الثوب والنعال، وتقليم الأظفار، والأخذ والعطاء، والأكل والشرب، وتقديم اليسار في ما سوى ذلك، كالامتخاط والبصاق، وخلع الثوب والنعل، والاستنجاء، ومسّ العورة.
عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيّمّن في شأنه كله، في طهوره وترجّله وتنعّله. متفق عليه.
وعنها قالت: "كانت يد رسول الله اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى" رواه أبو داود.
5 »» تجنب استقبال القبلة بالبصاق أو الامتخاط أو قذف النُّخامة، بل تكون إلى جهة اليسار وفي منديل خاص لئلا يؤذي بها أحدًا.
6 »» تحويل الوجه أثناء العطاس عن وجوه الناس وعن الطعام والشراب لئلا يصيبها رذاذ العطاس، ووضع اليد أو المنديل على الفم وخفض الصوت بها إذا أمكن.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عطس وضع يده على فيه وخفض بها صوته" رواه الترمذي.
7 »» أن يحمد الله تعالى بعد العطاس.
8 »» أن يُقال لِمَنْ عطس وحمد الله تعالى: (يرحمك الله) فيجيب: (يهديكم ويصلح بالكم)، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا عطس أحدكم فليقل: (الحمد لله)، وليقل أخوه أو صاحبه: (يرحمك الله)، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: (يهديكم ويُصلح بالكم). رواه البخاري.
9 »» وضع اليد على الفم أثناء التثاؤب لستر المنظر غير اللائق عند فتح الفم ومنعًا لدخول شيء إليه، وخفض الصوت به، وإن استطاع أن يمنعه فليفعل، وليستغفر الله تعالى بعده، لأنه دليل على الملل والكسل، لذلك كرهه الله تعالى وجعله من الشيطان.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يُحبُّ العطاس ويكره التثاؤب، فإن عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقًا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان" رواه البخاري.
10 »» مدافعة الجشاء، وتجنب الأطعمة التي تسببه أو الإكثارمنها، وخفض الصوت به والاستغفار بعده.
عن أبي جحفة -رضي الله عنه- قال: أكلت ثريدًا من خبز ولحم ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أتجشأ. فقال: "أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعًا يوم القيامة أكثرهم شبعًا في الدنيا" رواه الترمذي.
11 »» ذكر الله تعالى وشكره عند النظر في المرآة، والدعاء بما رود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا نظر في المرآة قال: "الحمد لله، اللهم كما حسّنت خلقي فحسّن خُلقي" رواه ابن السني.
12 »» استخدام الهاتف للضرورة لا للتسلية أو اللغو أو إزعاج الآخرين، والاتصال في الأوقات المناسبة، وابتداء المكالمة بالسلام والتعريف بالنفس وذكر الحاجة.
13 »» المحافظة على الأعمال الصالحة، والمداومة على ما اعتاده من العبادات والصدقات، والنوافل والقربات، والأذكار وقراة القرآن، وعدم تركها مللاً أو كسلاً أو رغبة عنها أو انشغالاً بالدنيا عنها.
عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: كان أحبّ الدين الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما داوم صاحبه عليه. متفق عليه.
14 »» ترك الفضول في كل شيء، وعدم التدخل فيما لا يعني، ولزوم الاهتمام بعيوب النفس والانشغال في إصلاحها وتقويمها وتزكيتها.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" رواه الترمذي وأبو داود.
15 »» إسداء النصيحة لكل من يعرف بالحسنى، وبما فيه مصلحة المخاطب في دينه ودنياه.
16 »» قبول النصيحة مِمَّنْ أسداها، والاعتراف بالحق والعودة السريعة إليه، والاعتراف بالخطأ إن كان عليه، وعدم الإصرار عليه، لأن الحقيقة هي ضالة المؤمن التي يبحث عنها ويشكر من يقدمها، ويثني على كل مَنْ أسدى نصيحة أو معروفًا.
عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صنع إليه معروفًا فقال لفاعله جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء" رواه الترمذي.
17 »» تعود التخوشن في المعيشة، والقناعة والرضا فيها، باليسير، وترك الترفه والتنعم في الدنيا، فذلك أنفى للكبر، وأبعد عن العُجب، وأسلم من الزُّهو والصَّلف والخُيلاء.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أدم حشوه ليف" رواه البخاري، والأدم هو الجلد المدبوغ.
وعن جندب -رضي الله عنه- قال: أصاب حجر أصبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت". متفق عليه.
18 »» الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال، وجعل الهدف الرئيسي من الحياة شعار المؤمن الذي يضعه بين عينيه، ويردده على جميع الأحوال "إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي".
قال تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)" الأنعام.