الأسواق والطرقات أماكن عامة يلتقي فيها جميع الناس ليبلغوا حاجاتهم ويصلوا إلى بيوتهم، ويتعاملوا مع بعضهم.. وللمُسلم في قضائه بعض وقته في الطريق سمتٌ خاص وأدبٌ جمٌ، وهيئة متميزة، وخُلقٌ رفيعٌ عبَّر عنه سبحانه بقوله: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)" الفرقان.
وفَصَّلتهُ السنة النبوية بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مشيه في الأسواق حيث قال ابن أبي هالة في صفته: ((إذا زال تقلعًا -أي يرفع رجلهُ بقوة- ويخطو تكفؤًا -أي يسير مقتصدًا- ويمشي هونًا -أي بالوقار- ذريع المشية -أي واسع الخطوة- إذا مشى كأنما ينحط من صبب -أي من علو- وإذا التفت التفت جميعًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جُل نظره الملاحظة يسوق أصحابه، ويبدأ مَنْ لقيه بالسلام)) رواه الترمذي.
وما أحوج المسلم لهذه الآداب الكريمة في وقت نجد فيه الكثير من الشباب يتسكعون في الطرقات، وبجتمعون في الشوارع والمنعطفات، وعلى أبواب المدارس وفي الساحات، لا عمل لهم سوى إيذاء الناس بفاحش الكلمات، وتصيُّد العثرات والزلات، ومراقبة السقطات والعورات.
وهذه قطوف من الآداب الواردة فيما يتعلق بالمشي في الطرقات والسعي في الأسواق لعلها تكون واقعًا ملموسًا وسلوكًا مُطَبَّقًا:
1 »» غض البصر عن المُحرمات، وعن مُراقبة المارين من الناس في أعمالهم أو تصرفاتهم أو لباسهم.
2 »» تجنب الجلوس في الطرقات، أو الوقوف في المنعطفات، أو على واجهات الحوانيت والمحلات.
3 »» بذل السلام وإلقاؤه على الآخرين وخاصة على الصالحين منهم، ورد السلام على من ألقاه بأحسن منه.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إيّاكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بدّ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقها. قال: وما حق الطريق؟ قال: غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر متفق عليه.
4 »» المُحافظة على نظافة الطريق، وتجنب إلقاء النفايات والأوساخ والنجاسات في ممرات الناس ومجالسهم.
5 »» إماطة الأذى عن الطريق، كالقُشور والزُّجاج والمسامير والحجارة وغيرها لئلا يتعثر بها أحد.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان" متفق عليه.
6 »» مُساعدة المًحتاجين، وإغاثة الملهوفين، وإرشاد الضَّالين، وإعانة أبناء السبيل والمُنقطعين، ودلالة الأعمى في طريقه، والحمل مع الضعيف في حمولته.
7 »» تجنب الطرق المزدحمة، والأسواق المكتظة، وخاصة التي تنتشر فيها المنكرات والمحرمات، وعند الاضطرار فالإسراع في اجتيازها، وذكر الله تعالى فيها بين الغافلين فهو فضيلة عظيمة.
عن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ دخل السوق فقال: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحيي ويُميت، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب اللهُ له ألف ألف حسنة، ومحى عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتًا في الجنة" رواه الحاكم.
8 »» الانتباه إلى مسالك الطريق لئلا يصطدم بشيءٍ، أو يقع في حفرة، وعدم الالتفات يمنة ويسرة وإلى الوراء أثناء المشي دون حاجة.
9 »» تجنب عبور الشارع إلا بعد التأكد من خلوه من السيارات والحافلات والعربات والدراجات، وعدم المخاطرة في ذلك.
10 »» المُرور ضمن الممرَّات المحددة للمشاة أثناء عبور الشارع ضمانة للأمن والسلامة.
11 »» القصد في المشي، بعدم الإسراع والركض في الطرقات، وعدم البطئ والتمهل والاختيال والتبختر تكبرًا وتعاظمًا وإعجابًا بالنفس.. وقال تعالى: "وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37)" الإسراء.
وقال تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ لقمان 19.
وعن ابن عمر ما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تعظَّمَ في نفسه، واختال في مِشيته، لقي اللهَ وهو عليه غضبان" الألباني.
12 »» رفع الأطعمة وفتات الخبز عن قارعة الطريق، وإبعاد الأوراق التي كتب فيها أسماء كريمة أو قرآنية عن ممرات الناس.
13 »» تجنب الأكل في الطرقات لإخلاله بالأدب والمروءة.
14 »» تجنب اللعب في الطرقات وجعلها أماكن للهو والتسلية وإضاعة الأوقات.
15 »» تجنب رفع الأصوات أثناء التعامل بالبيع والشراء.
16 »» اغتنام الوقت الضائع في الطريق بإشغاله بذكر الله تعالى والتفكر في آياته ومخلوقاته، أو الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو تلاوة القرآن غيبًا، أو مراجعة المحفوظات أو الواجبات المدرسية عن ظهر قلب.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من قوم جلسوا مجلسًا لم يذكروا الله عز وجل فيه إلا كانت عليهم تِرة، وما سلك رجل طريقًا لم يذكر اللهَ عز وجل فيه إلا كانت عليه تِرة" رواه ابن السني، ومعنى تِرة: أي نقص وتبعة وحسرة.