لطائف من خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي (26)
1- صمّام أمن...
صمام أَمْن اجتماعي في الكون، يقول للنّاس:
إياكم أن تأخذوا على غيركم حين تُقدمون إليهم جميلاً فيُنكرونه..
وإياكم أنْ تكُّفوا عن عمل الجميل مع غيركم..
لأن هذا الإنكار للجميل قد فعلوه مع أعلى منكم، فعلوه مع الله سبحانه، فلا يُزهدك إنكارهم للجميل في فِعْله، بل تمسَّك به لتكون من أهله.
2- توكل على الله
وهكذا فَعَلى الإنسان المؤمن أن يكون موصولاً بالمُسبِّب الأعلى، وأنْ يتوكل عليه سبحانه وحده، وأن يعلم أنْ التوكل على الله يعني أن تعمل الجوارح، وأنْ تتوكَّل القلوب؛ لأن التوكل عملٌ قلبي، وليس عملَ القوالب.
3- الإحسان إلى المسيء ارتقاء...
الإحسان إلى المسيء هو مرحلة ارتقاء وليس تكليفاً أصيلاً؛ لأن الحق سبحانه قد أباح أن نرد العدوان بمثله، ثم حثَّ المؤمن على أن يكظم غيظه، أو يرتقي إلى العفو ويصل إلى الإحسان، وكل هذه ارتقاءات اليقين بالله سبحانه وتعالى.
ومن يقول: كيف يكلّفني الشرع بأن أحسن إلى من أساء إليَّ؟
نقول له تذكَّرْ قول الحسن البصري رضي الله عنه: " أفلا أحْسِنُ لمن جعل الله في جانبي"
فانظر إلى نفسك ـ ولله المثل الأعلى ومنزَّه سبحانه عن كل مَثلٍ ـ حين تجد ولداً من أولادك قد اعتدى على أخيه، فقلبك وعواطفك تكون مع المعتدَى عليه؟
ولو طبَّق العالم هذه القاعدة بيقينٍ وإخلاصٍ لصارت الحياة على الأرض جنة معجَّلة، قوامها التسامح، ومنهجها الحب.
4- أحوال!!!
اجتمع اثنين من العارفين بالله وقد أراد أن يتعالم كل منهما على الآخر؛ فقال واحد منهما:
كيف حالكم في بلادكم أيها الفقراء؟ والمقصود بالفقراء هم العُبَّاد الزاهدون
فقال العبد الثاني: حالنا في بلادنا إنْ أعطينا شكرنا، وإنْ حُرمنا صبرنا.
فضحك العبد الأول وقال: هذا حال الكلاب في بلخ
أي: أن الكلب إن أعطيته يهز ذيله، وإن منعه أحد فهو يصبر.
وسأل العبد الثاني العبد الأول: وكيف حالكم أنتم؟
فقال: نحن إن أعطينا آثرنا، وإن حُرِمنا شكرنا.
5- فائدة للمظلوم...
مَنْ ظُلِم من الخلق، فصبر على الظلم، فقد ضمن أن الله تعالى في جواره؛ لأن الله يغار على عبده المظلوم، ويجعله في معيته وحفظه.
لذلك قالوا: لو علم الظالم ما أعدَّه الله للمظلوم لَضنَّ عليه بالظلم.
6- حال النّاس في سماع القرآن...
ينفخ الإنسان شتاءً في يده ليدفئها، وكذلك ينفخ في كوب الشاي ليبرده، فالفعل واحد ولكن القابل مختلف.
كذلك حال النّاس في سماع القرآن واستقبال كلمات الله، يختلف حسب استعداد القابل لِتقبُّل الشيء والانفعال به.
فقد استقبله أحد الكفار في حال هدوء وانسجام، فقال:" والله إنَّ له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغْدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه يعلو ولا يُعْلَى عليه " لقد استمعه بملكَة العربي الشَّغُوف بكل ما هو جميل من القَوْل، لا بملَكِة العناد والكِبْر والغطرسة.
وكذلك سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ له حالان في سماع القرآن: حال كفر وشدة وغلظة، وحال إيمان ورقَّة قلب حينما بلغه نبأ إسلام أخته، فأسرع إليها وهي تقرأ القرآن فصفَعها بقسْوة حتى أَدْمَى وجهها، فأخذتْه عاطفة الرحم، وتغلبت على عاطفة الكفر عنده، فلما سمع القرآنَ بهذه العاطفة الحانية تأثَّر به، فآمن مِنْ فَوْره؛ لأن القرآن صادف منه قَلْباً صافياً، فلا بد أَنْ يُؤثِّر فيه.
7- ابحث عن مهمتك في الوجود...
إنّ النّاظر لأجناس الكون: الجماد والنبات والحيوان والإنسان، يجد أنّ الإنسان ينتفع بكل هذه الأجناس، فكلهاُ مُسخّرة في خدمته، فما وظيفتك أنت أيها الإنسان؟ ومَنْ تخدم؟
لا بُدَّ أنْ يكون لك دَوْر في الكون ووظيفة في الحياة، وإلا كانت الأرض والحجر أفضل منك، فابحثْ لك عن مهمة في الوجود.
8- لطيفة:
سُئل أحد العارفين: فيم أفنيتَ عمرك؟ قال: في أربعة أشياء:
علمتُ أنِّي لا أخلو من نظر الله تعالى طَرْفة عَيْن، فاستحييتُ أن أعصيه،
وعلمتُّ أنَّ لي رِزْقاً لا يتجاوزني وقد ضمنه الله لي فقنعتُ به،
وعلمتُ أن عليَّ ديناً لا يُؤدِّيه عنِّي غيري فاشتغلتُ به،
وعلمتُ أن لي أَجَلاً يبادرني فبادرته.
وقد شرح أحد العارفين هذه الأربع، فقال:
اجعل مراقبتك لمن لا تخلو عن نظره إليك، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك
واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه، واجعل خضوعك لمَنْ لا تخرج عن مُلْكه وسلطانه.
وهكذا جمعتْ هذه الأقوالُ الثمانية الدينَ كله.
9- أنت سفير الإسلام...
فليعلم كل مسلم أنه محسوب للدّين أو عليه، فالعيون تتطلع إليه وتَرْصُد تصرفاته في مجتمعه، فهو صورة للدّين وسفير له، وعليه أن يراعي هذه المسؤولية ويقوم بها على أكمل وجه ليكون أداة جَذْب ووجهاً مشرقاً لتعاليم هذا الدّين.
فأنت حارس على باب من الأبواب، وعليك أنْ تسدَّه بصدق انطباعك عن الإيمان، وبصدق انقيادك لقضايا الإسلام، وبهذا السلوك تكون وسيلة إغراء للآخرين الذين يراودهم الإيمان، ويتراءى لهم منهج الله من بعيد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن كل واحد منكم يقف على ثغرة من ثغرات هذا الدين، فإياكم أن يؤتى الدين من ثغرة أحدكم "
وبالمقابل يجب على الناس أن لا يأخذوا الإسلام بجريرة أهله، ويحكموا عليه بناءً على تصرفات المنتسبين إليه، فهذا خطأ، فَمنْ أراد الصورة الحقيقية للإسلام فليأخذْها من منابع الدين في كتاب الله وسنّة رسوله.
10- إنْ أبطأتْ نُصْرة الله...
إنْ أبطأتْ نُصْرة الله لك فاعلم أن الله يريد أنْ يُمحِّص جنود الحق الذين يحملون الرسالة إلى أن تقوم الساعة، فلا يبقى في ساحة الإيمان إلا الأقوياء الناضجون، فالأحداث والشدائد التي تمرُّ بطريق الدعوة إنما لتغربل أهل الإيمان حتى لا يصمد فيها إلا مَنْ هو مأمون على حَمْل هذه العقيدة.