منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية   الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2013, 3:05 am

الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ 
الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية

يهـود أم جمـاعات وظيفيـة يهوديـة؟ 
Jews or Jewish Functional Groups? 

تميل معظم الدراسات التي تتناول أعضاء الجماعات اليهودية إلى النظر إليهم باعتبارهم كياناً واحداً متجانساً مستقلاً، له آلياته وحركياته وأنماط تطوره الخاصة به والمقصورة عليه، والتي يمكن فهمها من خلال إدراك ما يُسمَّى «الخصوصية اليهودية» ومن خلال دراسة ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي». ولكننا نرى أن كثيراً من جوانب حياة أعضاء الجماعات اليهودية لا يمكن تفسيرها إلا من خلال دراسة سياقهم التاريخي والإنساني العام، ومقارنتهم بأعضاء الأقليات (الدينية والإثنية) الأخرى. أي أنه لفهم أعضاء الجماعات اليهودية، لابد من العودة إلى أُطر ومرجعيات إنسانية عامة. ونحن نذهب إلى أن خصوصية الجماعات اليهودية هي، في واقع الأمر، خصوصيات مستمدة من المجتمعات التي تعيش أعضاء هذه الجماعات بينها، ومن ثم فهي لا تختلف عن الخصوصيات التي يتسم بها أعضاء الأقليات، كلٌّ حسب سياقه، وأنه لا توجد خصوصية يهودية (واحدة) أو جوهر يهودي أو عبقرية يهودية أو جريمة يهودية. ولتوضيح هذا الجانب استخدمنا مجموعة من النماذج التفسيرية المتداخلة: الحلولية الكمونية ـ العلمانية (الشاملة) والإمبريالية ـ اليهودية والهوية اليهودية كتركيب أيديولوجي ـ الجماعات الوظيفية. وفي هذا المجلد من الموسوعة سنستخدم كل هذه النماذج مع التركيز على نموذج الجماعات الوظيفية. 

الجماعـــات اليهـــودية والانتمــاء الطــبقي 
Jewish Communities and Class Affiliation 

كلمة «طبقة» هي المقابل العربي لكلمة «كلاس class»الإنجليزية وهي من الكلمة اللاتينية «كلاسيس classis» التي كانت تُطلَق على كل قسم من سكان روما حسب ملكيتهم. وقد عُرِّفت الطبقة بأنها فئة في المجتمع تتميَّز عن الفئات الأخرى وفقاً للتشابه في عوامل مادية ومعنوية مثل مستوى الدخل ومصادره وطبيعة المهنة ونصيب أفراده في ثروة المجتمع والقوة والسلطة الاقتصادية والمهنية. وفي المصطلح الماركسي، تُعبِّر كلمة «طبقة» عن الأشكال الأساسية للعلاقات ذات الصلة بوسائل الإنتاج، فالطبقة الرأسمالية هي التي تتحكم في أدوات الإنتاج أما الطبقة العاملة فهي التي لا تملك شيئاً سوى قوة أذرعها. ويُفرِّق ماكس فيبر بين الطبقة من حيث إنها تشير إلى الوضع الاقتصادي والطبقة الاجتماعية من حيث إنها تؤكد معاني النفوذ وأسلوب الحياة والتداخل الوثيق بين عناصرها، كما يميِّز أيضاً بين الطبقة والمكانة أو ما يُسمَّى «طبقة المكانة»، أي الطبقة التي تتكون من أشخاص على مستوى متشابه من رموز الهيبة المشتقة من طريقة الحياة أو نموذج المهنة أو الأنشطة الاجتماعية أو السلالة أو الأسرة أو أية عوامل أخرى تُعتبر ذات أهمية خاصة في المجتمع. 

وإذا ما حاولنا تحديد الطبقة أو الطبقات التي ينتمي إليها أعضاء الجماعات اليهودية عادةً، فسنجد أن هذا أمر مستحيل بطبيعة الحال، لأنهم ينتمون إلى مجتمعات مختلفة تمر بمراحل تطور مختلفة، مما يعني قدراً عالياً من عدم التجانس. وقد يمكن التوصل إلى تعميمات ما، ولكنها ستكون ذات طابع مجرد للغاية بحيث تصبح بلا قيمة تفسيرية. ولعل التعميم الوحيد الممكن هو أن أعضاء الجماعات اليهودية خاضعون للحركيات المختلفة للمجتمعات التي ينتمون إليها. ولذا، فإن العبرانيين القدامى كانوا، حتى عصر القضاة، رعاةً رحلاً. وبعد الاستقرار في عصر الملكية، انقسم المجتمع العبراني إلى طبقة حاكمة تضم الملك وكبار الملاك والنخبة العسكرية، وطبقات أخرى مثل الحرفيين والأرقاء. وبعد سقوط الدولة، كان منهم الفلاحون والحرفيون والجنود المرتزقة وكبار ملاك الأراضي والكهنة. وفي الصين، انضمت قيادتهم بأعداد متزايدة لطبقة الماندرين (نخبة المثقفين والعلماء التي حكمت الصين). وفي إنجلترا، في بداية القرن العشرين، كان منهم كبار الرأسماليين والبروليتاريا في آن واحد. 

وأعضـاء الجماعـات اليهـودية جـزء لا يتـجزأ مـن مجتمعاتهم، فالجماعات اليهودية تعرف الصراع الطبقي فيما بين أعضائها والذي قد يصل إلى حد التطاحن والقتال كما حدث في فلسـطين إبـان التمردات المختلفـة ضـد الحشـمونيين والرومان، إذ أن أثرياء اليهود كانوا جزءاً من المؤسسة اليونانية (السلوقية) أو الرومانية، ولهذا كانت الثورات تندلع ضدهم. كما أن مختلف مؤسسات الإدارة الذاتية، مثل القهال، كان يدور داخلها الصراع الطبقي وبحدة. وفي منطقة الاستيطان، كان العمال من أعضاء الجماعات اليهودية ينظمون إضرابات ضد الرأسماليين اليهود الذين كانوا يستغلونهم. كما أن الرأسماليين من أعضاء الجماعات اليهودية بدورهم كانوا يرفضون استئجار العمال اليهود حتى لا يخضعوا للضغوط الاجتماعية. وفي الولايات المتحدة قام الرأسماليون اليهود من أصول ألمانية باستغلال المهاجرين من يهود اليديشية. 

ولكن من الممكن الوصول إلى تعميمات ذات مقدرة تفسيرية معقولة لو تخلينا عن الرؤية البانورامية العالمية الواسعة ومفهوم الطبقة وخفضنا مستوى التعميم واقتصرنا على الجماعات اليهودية داخل الحضارة الغربية. ويُلاحَظ أن انتماءات اليهود الطبقية داخل هذه الحضارة مُركَّبة إلى أقصى حد، ومع هذا يمكن القول بأن أحد أهم الأنماط المتكررة هو نمط الجماعة الوظيفية المالية والحرَفيِّة. والجماعة الوظيفية ليـست لها علاقة مباشرة بالبناء الطبقي والاجتماعي للمجتمع، إذ تقف على هامشه وتتحدد علاقتها بالدور الذي تلعبه والوظيفة التي تضطلع بها. واليهود، كجماعة وظيفية (أقنان بلاط ـ يهود بلاط ـ يهـود أرندا)، كانوا هم أنفسـهم أداة إنتـاج في يد الحاكم، وكانت المواثيق التي يمنحها لهم تنص على أنهم ملكية خاصة له. وبهذا، لم يدخل أعضاء الجماعة اليهودية في علاقات إنتاج وإنما كانوا أداة تتحدد من خلالها علاقات الإنتاج؛ أداة لجمع الضرائب ولزيادة الفوائد على الربا. وقد كان وجود أعضاء الجماعة اليهودية داخل الجيتو، بمعزل عن بقية طبقات المجتمع، تعبيراً عن هذا الوضع الذي يتحدَّد من خلال الوظيفة خارج السلم الطبقي. وكان المجتمع ككل ينظر إلى أعضاء الجماعة اليهودية لا باعتبارهم أثرياء أو فقراء أو فلاحين أو نبلاء وإنما باعتبارهم مادة بشرية تضطلع بوظيفة التجارة والربا وغير ذلك من الوظائف المتميِّزة أو المشـينة. وكان أعضـاء الجماعة اليهودية الوظيفية، بسـبب طبيعة وضـعهم، يضـطرون إلى التلاحم فيما بينهم، الأمر الذي كان يقلل من حدة الصراع الطبقي بين أعضاء الجماعة. 

ومع ظهور الدولة الحديثة، اختفى هذا الوضع إلى حدٍّ كبير، وتم استيعاب أعضاء الجماعة داخل البناء الطبقي والاجتماعي للمجتمعات الغربية، ولم يبق سوى صدى خافت لوضعهم السابق كأعضاء في جماعة وظيفية، ويتجلى ذلك في تَركُّزهم في صناعات ومهن بعينها دون غيرها، وفي كثير من القطاعات التي تُعدُّ هامشـية مثل الإعـلام والإعـلان والسينما، وفي غيابهم عن قطاعات أولية مثل التعدين والزراعة. ويمكن القول بأن عدم انتماء أعضاء الجماعات اليهودية إلى طبقة محددة، وتَحوُّلهم إلى جماعة وظيفية، هو الذي يُفسِّر سبب عدم مساهمتهم في بناء الرأسمالية الغربية الرشيدة وسبب عدم ظهورهم حركة استعمارية يهودية مستقلة، ويُفسِّر أيضاً لماذا تعيَّن على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيـوني أن يكون اسـتعماراً عميلاً، امتداداً للجماعة الوظيفية العميلـة. 

أسباب تحوُّل بعض الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية 
Reasons for the Transformation of Some Jewish Communities into Functional Groups 

يمكن تفسير ظاهرة تَحوَّل كثير من الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية بمركب من الأسباب، تاريخي واجتماعي وديني. ويمكننا أن نبدأ بالعودة إلى الدولة العبرانية القديمة، وهي دولة لم تكن تتمتع بمستوى تكنولوجي أو حضاري متقدم، ولهذا كانت غير قادرة على تشغيل كل سكانها. كما أنها كانت دولة ضعيفة غير قادرة على حمايتهم الأمر الذي أسفر عن أسر عشرات وربما مئات الألوف منهم، حيث هُجِّروا إلى بابل وآشور فتحولوا إلى جماعات بشرية غريبة يمكن تجنيدها كمرتزقة أو مستوطنين، كما أنهم تخصصوا هناك في وظائف بعينها دون غيرها. ومما عمَّق هذا الاتجاه، وجود كثير من الجماعات اليهودية في الشرق الأوسط وفي حوض البحر المتوسط، وهي منطقة سيطرت عليها عديد من الإمبراطوريات، الواحدة تلو الأخـرى، وكانت القوى الإمبراطورية الصـاعدة تتحـالف مع أعضـاء الجماعـات اليهودية نظراً لعدم خشيتها منهم وتجندهم في صفوفها كمرتزقة أو مستوطنين أو حتى جواسيس. وكانت فكرة الوطن الأصلي، مركز اهتمامهم الديني، تساعد على إضعاف علاقتهم بوطنهم الجديد، وعلى عزلتهم عن مجتمعاتهم، وعلى انغلاقهم على أنفسهم. وكان من الممكن أن تختفي هذه الجماعات تماماً بسقوط الهيكل، ولكن الذي حدث أن فكرة الوطن الأصلي (الحنين إلى صهيون) حلت محل الوطن الأصلي ذاته، وهو ما أعطى أعضاء الجماعات اليهودية تَماسُكاً إثنياً - ولكنه تَماسُك وهمي لأنه لم يَعُد هناك مركز قومي فعلي يحدد المعايير الدينية أو القومية. 

وبينما كانت الهويات اليهودية تتشكل في الواقع من خلال تشكيلات حضارية مختلفة، كان أعضاء الجماعات اليهودية يدورون في إطار فكرة الهوية اليهودية الإثنية الدينية الواحدة. وهذه التركيبة مناسبة إلى أقصى درجة للجماعات الوظيفية، ففكرة الوطن تضمن تماسكهم وعزلتهم وتَجرُّدهم اللازم للاضطلاع بوظائفهم المختلفة، بينما يساعد تكيفهم الفعلي على زيادة كفاءتهم وعلى أن يصبحوا في المجتمع دون أن يكونوا منه. وقد دعَّم تدوين التلمود هذه الازدواجية: الاستقلالية الإثنية النفسية من ناحية، والتكيف والاندماج الفعلي من ناحية أخرى. فالتلمود يضم التفاصيل الخاصة بشعائر الصلوات في الهيكل وكل التفاصيل الخاصة برداء الكاهن الأعظم والشعائر الخاصة بسنة اليوبيل والسنة السبتية، كما يضم أدق التفاصيل الخاصة بما سيحدث بعد عودة الماشيَّح إلى صهيون وكل الشعائر الخاصة بحياة اليهودي خارج مجتمع الأغيار، أي أن التلمود كرس عزلة أعضاء الجماعة وقننها وزود فكرة الهوية اليهودية بإطار واضح وتَحوَّل هو ذاته إلى « وطن اليهود [الوهمي] المتنقل » الذي يشكل نقطة مرجعية نفسية دون أن يكون مأوى حقيقياً لهم. 

ولكن أهم العوامل التي أدَّت إلى تَحوُّل كثير من الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية، هو طبيعة المجتمع الإقطاعي في الغرب. وقد أشرنا إلى أن ظهور مثل هذه الجماعات يعود عادةً إلى وجود ثغرة في المجتمع بين رغباته و حاجاته من جهة، ومقدرته على الوفاء بها من جهة أخرى. وقد كانت مثل هذه الثغرة قائمة في المجتمع الإقطاعي الغربي، حيث كان يُوجَد نبلاء وفرسان من ناحية وفلاحون من ناحية أخرى. وكان النشاطان الأساسيان هما القتال والزراعة، أما القتال فكان مغلقاً تماماً بالنسبة لأعضاء الجماعات اليهودية لأنها وظيفة كانت مرتبطة تمام الارتباط بطبيعة المجتمع الاقطاعي الغربي المسيحية. ورغم أن الزراعة كانت بديلاً مفتوحاً أماما أعضاء الجماعات اليهودية إلا أنه تم استبعادهم منها تدريجياً لأسباب سنبينها في مدخل آخر (انظر: «علاقة الجماعات اليهودية بالزراعة»). 

أما بخصوص النشاطات التجارية والمالية وبعض الحرف فكانت نشاطات هامشية وأحياناً وضيعة تحتاج لعنصر محايد غريب للاضطلاع بها. وقد قامت كلٌ من المدن المختلفة وأعضـاء الجماعـات اليهودية بسد هذه الثغرة. لكن بينما كان اندماج المدن في الاقتصاد القومي يتزايد على مرّ الأيام، حتى أصبحت جزءاً عضوياً منه وقامت بتغييره وقيادته في نهاية الأمر، كانت غربة أعضـاء الجماعـات اليهودية وعزلتهم وانفصـالهم تتزايـد، وكان وضعهم كجماعة وظيفية غير ملتحمة بالاقتصاد الوطني يتعمق. وكان أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون، في كثير من الأحيان، الأقلية الوحيدة. وقد ساهمت عمليات الطرد المختلفة (التي استمرت حتى نهاية القرن التاسع عشر ووصلت إلى ذروتها مع وعد بلفور) في تدعيم هوياتهم كجماعات وظيفية لا تضرب بجذورها في أية رقعة جغرافية. ثم ظهرت الإمبريالية الغربية والاستعمار الاسـتيطاني، وكان أعضـاء الجماعات اليهودية من أهم العناصر المهاجرة، فانتقلت كتلتهم البشرية من شرق أوربا إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الاستيطانية الأخرى. وعادةً ما تتحول جماعات المهاجرين إلى جماعات وظيفية. 

عــــلاقة الجماعـــات اليهوديـــة بالزراعــة 
Relationship between Jewish Communities and Agriculture 

من أهم أسباب تَحوُّل الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية علاقتهم بالزراعة وملكية الأرض الزراعية، ومن ثم فإن العرض التاريخي لتطور هذه العلاقة يلقي الضوء على آليات تكون الجماعة الوظيفية. كان العبرانيون، في الأساس، شعباً من البدو الرعاة. ولكن، بعد استقرارهم في كنعان، تحوَّلت أعداد منهم من الرعي إلى العمل بالزراعة. ويبدو أن عبارة «أرض اللبن والعسل» هي إشارة إلى اختلاط وظائفهم: فاللبن هو إشارة إلى مهنة الرعي. أما العسل، الذي يتطلب إنتاجه الاستقرار ومعرفة عالم الحيوان والنبات، فهو يرمز إلى الزراعة. وقد جاء في كلٍّ من التوراة والتلمود تعليمات كثيرة بشأن زراعة الأرض وتقديم القرابين في مواسم الحصاد. 

وكانت الزراعة، في بادئ الأمر، بدائية تعتمد على مياه الأمطار والينابيع. ولكن العبرانيين أخذوا يتعلمون مهنة الزراعة بالتدريج من الكنعانيين. ولعل هذا هو الذي أدَّى إلى الابتعاد عن يهوه (إله الصحراء والرعي) والاقتراب من بعل (إله الزراعة والخصب)، بحيث أصبحت عقيدتهم خليطاً من التوحيد اليهودي والتعددية البعلية. وكانت ملكية الأرض محدودة، ولم تظهر إقطاعيات زراعية ضخمة في بادئ الأمر. ولهذا، نجد أن الملاك الزراعيين كانوا يعملون هم أنفسهم بالزراعة لصغر ملكياتهم. ثم ظهرت بالتدريج طبقة صغيرة من كبار (الملاك) الزراعيين، وطبقـة كبيرة من الفلاحـين المعدمين. وبدلاً من الزراعة العائلية، ظهرت الضياع الكبيرة التي يعمل فيها هؤلاء المعدمون. ولعل ظهور مؤسسة الملْكية كان تعبيراً عن هذا الوضع وتكريساً له، فهي مؤسسة كان لها بيروقراطيتها الكهنوتية والعسكرية والمهنية، وكان القائمون عليها يستولون على ريع الأراضي وعلى المحاصيل فيزدادون ثراء وتتركز المِلْكية الزراعية في أيديهم، وقد انتهت هذه المرحلة بهدم الهيكل على يد نبوختنصر. 

وعند عودة المُهجَّرين من بابل، وجدوا أن الأرض الزراعية قد أقفرت. ومن ثم أصبح النمط السائد هو الزراعة العائلية، ولكن بدأت تظهر مرة أخرى طبقتان: أقلية من كبار ملاك الأراضي، وأغلبية ساحقة من الفلاحين المعدمين. إلا أنه يُلاحَظ هذه المرة بداية التشققات الحضارية التي ساهمت في القضاء على الوجود العبراني في فلسطين، إذ أن كبار ملاك الأراضي كانوا يتبنون ثقافة الإمبراطورية الحاكمة فتأغرقوا في العصر الهيليني وتحولوا إلى جماعة وظيفية تجمع الضرائب من الفلاحين لصالح الدولة الحاكمة وتشتغل بالتجارة المحلية والدولية ليصبحوا مُستوعَبين تماماً في البنية الإدارية والثقافية للإمبراطورية، بينما ظل الريف زراعياً سامياً آرامياً. وهذا يعني، في الواقع، أن غالبية اليهود في فلسطين كانوا يعملون بالزراعة، وذلك على عكس يهود الإسكندرية وبرقة، الذين كانوا جماعات وظيفية استيطانية أو قتالية أو مالية. وقد أدَّى الاستقطاب الطبقي والثقافي في فلسطين إلى التمرد الحشموني ثم التمردين الأول والثاني ضد الرومان. وقد أُخمدت كل هذه التمردات مما عجَّل بانتشار اليهود على هيئة جماعات وظيفية. وفي العصور الوسطى في الغرب، على عكس ما هو شائع، كان من حق اليهــود في كثير من بقـاع أوربا امتـلاك الأراضـي الزراعية. ولكن بدءاً من القرن الثالي عشر الميلادي، ضاقت الرقعة الزراعية في أوربا وظهرت قوانين تمنع اليهود (والأديرة والكنائس) من ملكية الأرض. وربما شكَّل اليهود بالذات خطراً على الرقعة الزراعية لأنهم عنصر تجاري متحرك، ولذا ظهر الخوف من أن يحوز اليهودي أرضاً زراعية وهو غريب متنقل، فتنتقل ملكيتها إلى غرباء ويصب ريعها خارج الإمارة التي توجد فيها الأرض. 

وكان محرماً على أعضاء الجماعات اليهودية استئجار أرقاء مسيحيين لزراعة الأرض. وفي الوقت نفسه، حرَّمت عليهم الشريعة اليهودية استئجار أرقاء يهود، الأمر الذي جعل الملكية الزراعية شيئاً غير مثمر بالنسبة لليهودي. كما أن تحريم العمل على اليهودي في يوم السبت وتحريمه على المسيحيين يوم الأحد، جعل من المستحيل التعاون بينهما لأن هذا يعني إجازة أسبوعية مدتها يومان، مما جعل النشاط الزراعي غيرمربح، بل مستحيلاً، في بعض الأحيان. ويبدو أن الطبيعة الطائفية للجماعة اليهودية، وضرورة القيام بالشعائر الدينية، جعلت من الأفضل لليهود الإبقاء على الصلات الدائمة فيما بينهم للقيام بالشعائر التي لا يسهل القيام بها في ظروف الوحدات الريفية المتباعدة. وقد أوجد هذا البنيان المتميز اتجاهاً بين القادمـين الجـدد للبقـاء في التجـمعات التي أقامها أبناء ملتهم. كل هذه الأوضاع اضطرت أعضاء الجماعات اليهودية لبيع أراضيهم الزراعية، وصدرت التشريعات التي تحرِّم عليهم امتلاكها فزاد تركزهم في التجارة وتبلور وضعهم كجماعة وظيفية تجارية أو مالية. ومع حلول القرن الثالث عشر الميلادي، أصبح ذلك هو الوضع القانوني والاقتصادي لمعظم الجماعات اليهودية في أوربا الإقطاعية. لكن هذا لم يكن يعني عدم وجود فلاحين يهود يعملون بالزراعة، فقد كان يوجد، في البلقان وبلاد الخزر والصين وبولندا وإسبانيا المسيحية، يهود يعملون بهذه المهنة. أما العالم الإسلامي، فلم يحدث فيه، في تلك الفترة، تَمايُز وظيفي أو اقتصادي كبير لأعضاء الجماعة اليهودية عن بقية السكان، وإن كان يُلاحَظ أن أعضاء الجماعات اليهودية فيه لم يعملوا بأعداد كبيرة في الزراعة. والجدير بالملاحظة أن كثيراً من التجار والمموِّلين اليهود كانت لهم علاقة بالقطاع الزراعي، لا كمزارعين وإنما كتجار وجامعي ضرائب. فنظام الأرندا هو في جوهره نظام لتأجير الأراضي الزراعية. كما أن ارتباط اليهود ببيع الخمور هو نتيجة علاقتهم بالقطاع الزراعي. فضلاً عن أن كثيراً من التجار اليهود كانوا يتاجرون في المحاصيل الزراعية. 

وثمة نظرية تذهب إلى أن بقاء اليهود واستمرارهم هو نتيجة عدم اشتغالهم بالزراعة. فحينما يبتعد أعضاء الجماعات اليهودية عن الزراعة فإنهم يتحولون عادةً إلى جماعة وظيفية يتم عزلها ثقافيا وفعلياً عن المجتمع، ومن ثم تتطور لها هوية مستقلة الأمر الذي يضمن استمرارها. هذا على عكـس وضع أعضـاء الجماعات اليهودية حينـما يعملـون بالزراعة، فهم يختلطون بالسكان ويكتسبون ملامحهم وخطابهم الحضاري ويذوبون فيهم، ومن ثم فإن الفارق بين القبائل العبرانية التي هُجِّرت إلى أشور وانصهرت واختفت وتلك التي هُجِّرت إلى بابل وبقيت هو أن الأولى عملت بالزراعة فذابت واختفت أما الثانية فقد اشتغل بعض أعضائها بالتجارة فتم عزلهم وتَحقَّق استمرارهم. 

ولم تنقطع صلة المموِّلين اليهود بالقطاع الزراعي في العصر الحديث، فكثير منهم استثمروا أموالهم باعتبارهم جزءاً من الرأسمالية الغربية الناشئة. وكان كثير من أصحاب الضياع الكبيرة في جزر الهند الغربية من اليهود، وهي ضياع كانت جزءاً من الاقتصاد الرأسمالي الاستعماري والاستيطاني، تخصصت في زراعة السكر وتصديره، ومن ثم كانت جزءاً من المثلث اللعين الذي تُشكِّل تجارة الرقيق أحد أهم أضلاعه. وكان هناك عدد من المموِّلين اليهود (في ألمانيا وروسيا) تركزوا في صناعة الأخشاب والصناعات المرتبطة بالقطاع الزراعي.

ويُلاحَظ أن هذه النشاطات هي نشاطات تجارية في القطاع الزراعي، ومن ثم فهي تعني أن أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب كانوا لا يعملون بالزراعة. وقد ظهر منذ عصر الاستنارة في الغرب نقد للشخصية اليهودية باعتبارها شخصية طفيلية هامشية تعيش على رزق الآخرين وكدهم ولا تبذل جهداً ولا تنتج شيئاً. وكان عدم اشتغال اليهود بالزراعة يُعَدُّ شاهداً على ذلك. ومن ثم، حاولت الدولة الحديثة التي اضطلعت بمعظم مهام الجماعات الوظيفية تشجيع أعضاء الجماعات اليهودية على الاشتغال بالزراعة والابتعاد عن التجارة والربا. وكان يُنظَر إلى هذه العملية باعتبارها عملية تطبيع لليهود (أي تحويلهم من أعضاء في جماعات وظيفية يرتبط نشاطها الاقتصادي بإثنيتها وعزلتها إلى شخصيات طبيعية سوية حديثة يمكن دمجها في المجتمع). كما كانت هذه العملية تُسمَّى تحويل اليهود إلى قطاع منتج، ولذا صدرت تشريعات عديدة في فرنسا بعد الثورة لتحقيق هذا الهدف ولفتح المجال الزراعي أمامهم. 

وقد كان شرق أوربا هو المسرح الأساسي لهذه العملية التاريخية. فالتحديث الفجائي وظهور الدولة المركزية التي اضطلعت بكثير من أعمال الجماعات الوظيفية، ثم الانفجار السكاني بين يهود اليديشية، خلقا معاً فائضاً بشرياً يهودياً، الأمر الذي أدَّى إلى ظهور ما يُسمَّى «المسألة اليهودية». وقد طُرح العمل بالزراعة باعتباره أحد الحلول، وخصوصاً أن روسيا كانت تضم أراضي زراعية كثيرة خالية من السكان يمكن توطين أعضاء الجماعات اليهودية فيها. كما ساهمت عقيدة النارودنيك (الشعبويين) في إضفاء غلالة من الرومانتيكية على مهنة الزراعة التي كانوا يعدونها أشرف المهن انطلاقاً من أن روح روسيا توجد بين الفلاحين لا بين سكان المدن. وقد أدَّى تَعثُّر التحديث في روسيا إلى فشل كثير من هذه المحاولات، خصوصاً أن جهاز الدولة القيصرية لم يكن كفئاً ولا أهلاً للاضطلاع بالمسئولية. وبعد الثورة البلشفية، قامت عدة محاولات لتحويل اليهود إلى القطاع الزراعي في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ولكن أهم المحاولات كانت تجربة بيروبيجان. 

ويتمثل أحد أهداف الحركة الصهيونية في تشجيع اليهود على الاشتغال بالزراعة لتطبيعهم. ولكن الزراعة الصهيونية كانت ذات طابع شبه عسكري لأنها تُوطِّن اليهود على أرض يشغلها شعب آخر، فالزراعة (هنا) هي إحدى آليات الاستيطان الإحلالي والتي تتجسد في بناء المزارع الجماعية والكيبوتسات التعاونية والموشافات، وفي طريقة تحديد مواقعها، أي أن الزراعة في الإطار الصهيوني لم تَعُد الآلية المُستخدَمة في تحويل أعضاء الجماعات اليهودية من جماعات وظيفية إلى أعضاء في مجتمع، وإنما هي آلية تحويلهم من جماعة وظيفية مالية إلى جماعة وظيفية استيطانية قتالية. ورغم كل الادعاءات الصهيونية بشأن نجاح الصهاينة في تطبيع اليهود، فإن نسبة عدد اليهود العاملين بالزراعة في الوقت الحالي لا تختلف كثيراً عن عدد من كان يعمل منهم بالزراعة في روسيا في عام 1882، أي قبل الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وهو عدد، على أية حال، آخذ في التناقص، مع تغلغل العمالة العربية في القطاع الزراعي من الاقتصاد الإسرائيلي. ومع هذا، كان عدد اليهود الذين يعملون بالزراعة في العالم عام 1935، حسب تقديرات روبين، حوالي 600.000، أي 3.6% من مجموع يهود العالم البالغ عددهم نحو ستة عشر مليوناً، أكثر من نصفهم من يهود روسيا وبولندا (250 ألفاً في روسيا و100 ألف في بولندا). كما ظهرت تجربة استيطانية زراعية يهودية في الأرجنتين برعاية البارون هيرش، وقد نتج عن ذلك وجود أعلى نسبة من اليهود العاملين في الزراعة في الأرجنتين عام 1935 (4.3% من يهود بولندا، و4.2% من يهود روسيا، و2.2% من يهود الولايات المتحدة، بالمقارنة مع 5.8% من يهود الأرجنتين). ولكن، مع حلول عام 1960، هبطت نسبة العاملين بالزراعة بين أعضاء الجماعات اليهودية إلى 2%، وهذا العدد يضم العاملين في القطاع الإداري في الريف.

الجماعـات الوظيفية اليهـودية في العـالم الغــربي 
Jewish Functional Groups in the Western World 

عرفت جميع المجتمعات البشرية تقريباً ظاهرة الجماعات الوظيفية (فهي تعبير عن شيء أساسي في النفس البشرية)، ومع هذا نميل إلى القول بأنها ظاهرة أخذت شكلاً أكثر حدة في الحضارة الغربية منها في الحضارة الإسلامية. وإذا نظرنا إلى وضع الجماعات اليهودية في الحضارة الإسـلامية، بالمقـارنة بالحـضارة المسـيحية الغربية، فإننا نجد أن عملية الحوسلة بالنسبة لهم لم تتم على نفس المستوى ولا بنفس الحدة، وأن تركيبتهم الطبقية والمهنية لم تكن تختلف كثيراً عن تركيبة بقية أعضاء المجتمع. كما يمكن أن نضرب مثلاً بأقباط مصر، فرغم أنهم يشكلون الأقلية العددية الهامة الوحيدة في المجتمع المصري (فالنوبيون وسكان الصحراء لا يشكلون قوى اجتماعية أو بشرية مهمة) إلا أننا نجد أن خطابهم الحضاري لا يختلف عن الخطاب الحضاري للمسلمين، كما أنهم لا يختلفون عنهم لا في الزي ولا في اللغة ولا في العادات أو التقاليد ولا في الانتماءات الطبقية أو في التَوزُّع الوظيفي أو السكاني. ومما لا شك فيه أن بعض قطاعات من أقباط مصر تمت حوسلتها في وظائف بعينها (مثل الربا في بعض قرى مصر، أو جمع القمامة لارتباط ذلك بتربية الخنازير)، إلا أن الحوسلة لم تكن كاملة أو جوهرية بل ظلت هامشية،وظل أقباط مصر جزءاً لا يتجزأ من مجتمعهم لا يمكن التعرف عليهم إلا من خلال أسـمائهم المتـميِّزة في بعض الأحيان. 

وقد قام المجتمع الغربي بحوسلة اليهود داخله تماماً على هيئة جماعة وظيفية مالية حتى ارتبط اسم اليهود بدور المرابي والتاجر الطفيلي والذي اضطلع به اليهود وحدهم تقريباً. وقد أصبحت كلمة «تاجر» أو كلمة «مرابي» مرادفة لكلمة «يهودي»، وأصبح يُطلَق على هذه الوظائف اسم «الوظائف اليهودية» حتى أن الصينيون حينما يضطلعون بدور التاجر والمرابي في جنوب شرق آسيا يُطلَق عليهم «يهود جنوب شرق آسيا»، وحينما يضطلع الهنود بنفس الدور في أفريقيا (ومن بينهم مسلمون) يُسمون «يهود أفريقيا»، فكأن هناك مفهوماً كامناً لفكرة «اليهودي الوظيفي» أي الإنسان الوظيفي الذي يضطلع بالوظائف التي يُقال لها يهودية، وكل من يضطلع بها يصبح يهودياً (بالمعنى الوظيفي). 

ومع هذا، ينبغي الإشارة إلى أن هناك جماعات من اليونانيين والأرمن كانت تقوم بهذه الوظائف في بعض الدول الغربية (في بولندا وفي بعض دول أوربا الشرقية الأخرى). كما أنهم لعبوا نفس الدور في الدولة العثمانية. ولذا، كانت تُطلَق كلمة «يوناني» أو «أرمني» على كل من يعمل في هذه الوظائف، سواء كان يونانياً أو أرمنياً أو لم يكن. 

ويبدو أن نموذج اليهود كجماعة وظيفية مُتجذِّر تماماً في الوجدان الغربي، ولذا حينما طُرحت المسألة اليهودية في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر كان الحل هو تأسيس الدولة الصهيونية الوظيفية، وهو إعادة إنتاج الجماعات اليهودية على هيئة دولة وظيفية بدلاً من جماعات وظيفية، كما أن النظام العالمي الجديد، وهو ثمرة من ثمرات الحضارة الغربية، يميل إلى تحويل كل البشر إلى عناصر وظيفية. 
يتبع إن شاء الله...


الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية   الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية Emptyالجمعة 22 نوفمبر 2013, 3:12 am

عــلاقة الجـــماعات اليهـودية بالصناعــــة 
Relationship between Jewish Communities and Industry 

يستطيع القارئ أن يرجع للباب المعنون «التحديث والمسألة اليهودية» (المجلد الثالث)، وذلك للإحاطة بجذور علاقة أعضاء الجماعات اليهودية (كجماعات وظيفية) بالصناعة في الحضارة الغربية. وتتناول المداخل الخاصة بالتراث اليهودي (الموروث الاقتصادي) في الباب المعنون «ثقافات أعضاء الجماعات اليهودية» (المجلد الثالث) والمداخل الخاصة بتاريخ الجماعات اليهودية في الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة (المجلد الرابع) تَطوُّر علاقة أعضاء الجماعة اليهودية بالصناعة وأثر الميراث الاقتصادي لأعضاء الجماعات اليهودية على وضعهم الاقتصادي والمهني في الوقت الحالي. 

الرأسـمالية والاشـتراكية والجماعــات اليهوديــة 
Capitalism, Socialism, and Jewish Communities 

يستطيع القارئ أن يعود للباب المعنون «الرأسمالية والجماعات اليهودية» و«الاشتراكية والجماعات اليهودية» (المجلد الثالث) ليدرس كيف أثَّر تَحوُّل أعضاء الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية على علاقتهم بالرأسمالية وتَطوُّرها والاشتراكية وتَطوُّرها وفي موقف المفكرين الرأسماليين والاشتراكيين منهم. 

تحوُّل أعضـاء الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية: تاريخ 
Transformation of Jewish Communities into Functional Groups: History 

يبدو أن العبرانيين،منذ بداية ظهورهم في التاريخ، كانوا يشكلون جماعة وظيفية. فقد كانوا بدواً رُحَّلاً تجندهم المجتمعات المختلفة للاضطلاع ببعض الوظائف التي يأنف أعضاء الأغلبية عن القيام بها. وكلمة «خابيرو»، التي يُقال إنها أصل كلمة «عبري»، تعني العبد الذي أصبح كذلك بمحض اختياره (أي مرتزق). ثم أخذ العبرانيون يستقرون تدريجياً منذ عصر القضاة وحتى عصر المملكة العبرانية المتحدة، حيث أصبحوا شعباً رعوياً تشتغل بعض قطاعاته في الزراعة والحرف البـدائية، ولم يعـملوا بالتجـارة على نطـاق واسـع. وفي هذه الفترة بدأ يعمل بعض العبرانيين جنوداً مرتزقة. وقد استمر العبرانيون في العمل بالزراعة بعد التهجير البابلي، وإن بدأت تظهر بينهم قطاعات من الأثرياء الذين بدأوا يعملون في التجارة وأعمال الصيرفة، كما تزايد عدد اليهود المرتزقة وبدأت بعض الجماعات اليهودية تتحول إلى جماعات وظيفية استيطانية وقتالية وتجارية. ومع ظهور التجمعات اليهودية المختلفة خارج فلسطين، بدأ أعضاء الجماعات اليهودية يبتعدون عن الزراعة ويعملون في التجارة والحرف المختلفة. ويمكن القول بأن أول دياسبورا يهودية حقيقية هي الجمـاعة العبرانية الاستـيطانية القتالية التي وطَّنها فراعنة مصر في جزيرة إلفنتاين، لحماية حدود مصر الجنوبية، وهو تقليد استمر بعد ذلك في مصر البطلمية وفي سوريا السلوقية. 

ويُلاحَظ أن الجماعات اليهودية بدأت تتحول بالتدريج إلى جماعات وظيفية. ولكن، مع حلول العصور الوسطى في العالم الغربي، ابتداءً من القرن التاسع الميلادي على وجه الخصوص، تسارعت هذه العملية وتبلورت حيث ملأ اليهود الفراغات بين طبقة النبلاء وطبقة الفلاحين وأصبحوا أقنان بلاط، أي جماعة وظيفية مالية تابعة للبلاط الملكي تضطلع بدور التجارة والربا وجمع الضرائب، وكلها مسميات مختلفة للجماعة الوظيفية التي تُستخدَم كأداة نافعة. ونظراً لوجود جماعات يهودية في العالمين الإسلامي والمسيحي، فقد استفاد أعضاؤها من شبكة الاتصالات الدولية وأصبحوا يشكلون ما يشبه الجماعة الوظيفية المالية على المستوى الدولي، واشتغلوا بالتجارة الدولية (مثل تجارة الفراء والمنسوجات والتوابل والرقيق) وأعمال الصيرفة. وبدأ تَركُّزهم في الحرف التي تتطلب مهارة فنية فائقة مثل صناعة الزجاج والصباغة أو ترتبط بسلع معينة مثل الذهب ودبغ الجلود والخمور (وهي عادةً سلع نادرة أو نفيسة أو غير عادية وذات طابع استهلاكي) أو بالحرَف التي يمكن لصاحبها أن يحمل أدواته ورأسماله معه (السجاد - الجواهر - أدوات إنتاج خاصة). 

ويُلاحَظ أن ظاهرة تَحوُّل اليهود إلى جماعة وظيفية لم تكن مقصورة على العالم الغربي وإنما امتدت لتشمل العالم الإسلامي، ولكن لم يكن اليهود هم الجماعة الوظيفية الوسيطة الوحيدة فيه. كما كان ثمة تَنوُّع في حرف ووظائف أعضاء الجماعات اليهودية ونشاطهم الاقتصادي في العالم الإسلامي، حتى أن هرمهم الاقتصادي والحرَفي كان لا يختلف أحياناً عن الهرم الاقتصادي والحرَفي في المجتمع ككل. ومن جهة أخرى، كان لأوضاع أعضاء الجماعات اليهودية، في الصين والهند وإثيوبيا، خصوصيتها المختلفة النابعة من الخصوصيات والحركيات المختلفة للمجتمعات التي يوجدون فيها. ولذا، فنحن لا نقترح نمطاً يهودياً عاماً وعالمياً، وإنما نقترح نمطاً خاصاً مقصوراً على أعضاء الجماعات اليهودية داخل الحضارة الغربية. 

لقد بدأ انسحاب أعضاء الجماعات اليهودية التدريجي من التجارة (الدولية والمحلية) في الغرب، حتى تخصصوا في الإقراض الربوي في الفترة بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين. وبدأوا يعملون أيضاً ملتزمي ضرائب في أوربا الشرقية، حتى أصبحت هذه هي إحدى الوظائف الأساسية ليهود بولندا وليتوانيا، خصوصاً في أوكرانيا في القرن السادس عشر الميلادي (يهود الأرندا)، إذ قاموا بتمثيل النبلاء في إقطاعياتهم داخل إطار نظام الأرندا والإقطاع الاستيطاني. ولكن هذا النظام نفسه فتح لهم مجالات جديدة في الاستثمار والعمل، فظهرت طائفة من الحرَفييِّن اليهود يعملون في قطع الأخشاب وتقطير الخمور والصباغة ودبغ الجلود. 

وبرز في وسط أوربا يهود البلاط الذين كانوا عادةً من كبار المموِّلين وذوي الخبرة الإدارية والاتصالات الدولية والمعرفة بالشئون الاقتصادية، ولذا كانوا في منزلة وزراء اقتصاد وخارجية ومخابرات لأمراء الإمارات الألمانية وغيرها من دول وسط أوربا التي كانت ترغب في تنمية نفسها اقتصادياً. ويُلاحَظ أن الإقراض الربوي الذي كان يقوم به أعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية قد تدهور، فبدلاً من إقراض كبار النبلاء والكنيسة، أصبح إقراض الفلاحين والحرَفييِّن نظير رهن أشياء مثل الملابس المستعملة والمجوهرات. ومن هنا، بدأ الحرفيون يعملون في حرف رتق الملابس والخياطة والصباغة. ومع القرن الثامن عشر الميلادي، صار معظم أعضاء الجماعات اليهودية في شرقي أوربا بورجوازيين صغاراً: بقالين وباعة جوالين وبائعي ثياب قديمة وخياطين. كما كان من الوظائف الأخرى المهمة لأعضاء الجماعات اليهودية قيامهم بعمليات الاستيطان والريادة. ولكن الاضطلاع بهذه الوظيفة كان يعني، ابتداءً من القرن السابع عشر، الخروج من المجتمع الغربي والاستقرار في مجتمعات جديدة في إطار الاستعمار الاستيطاني الغربي. 

ويُلاحَظ أن أعضاء الجماعات اليهودية، بوظائفهم هذه، كانوا دائماً أصحاب أعمال مستقلين، وكان مستواهم المعيشي أحسن حالاً من الفلاحين والأرقاء المسيحيين. وكان أعضاء الجماعات اليهودية بمهنهم المختلفة (بوصفهم تجاراً دوليين ومرابين) يعملون في مهن غير منتجة، فهي مهن لا تهدف إلى إعادة صياغة المادة وإنما هي وظائف إدارية وعملها شكل من أشكال المضاربات، ومن هنا يجري وصف أعضاء الجماعات اليهودية داخل التشـكيل الحضاري الغربي بالهامشـية والطفيلية. 

وقد بدأ هذا الوضع في التغير بعد الثورة التجارية وظهور المركنتالية ونظام الاتجار والإقراض اللذين يشكلان قلب النظام الاقتصادي الجديد. وداخل هذا الإطار الجديد، تغيَّر البناء الوظيفي لأعضاء الجماعات اليهودية. وحينما دخل يهود المارانو الاقتصاد الغربي في القرن السابع عشر الميلادي، لم يكونوا التجار أو الممولين الوحيدين، كما لم يقفوا على هامشه، وإنما أصبحوا مموِّلين داخل اقتصـاد تجاري مالي نشـط له مشروع استعماري استيطاني عالمي، فأصبحـوا جزءاً منه واسـتثمروا في شركاته الاستيطانية المختلفة. وظهر يهود البلاط الذين أداروا ميزانيات كثير من الدول الملكية والإمارات المطلقة، خصوصاً في وسط أوربا، وساهموا في تحديثها. ومع القرن التاسع عشر الميلادي وتَصاعُد الثورة الصناعية، بدأ تحديث البناء الوظيفي لليهود في أرجاء العالم الغربي غربه ووسطه وشرقه. وقد تم دمـج أعضـاء الجماعات اليهـودية مهنياً ووظيفياً في غرب أوربـا بسرعة. ولكن عملية الدمج في شرق أوربا ووسطها استغرقت وقتاً أطول بسبب تَعثُّر التحديث، ولأن محاولة تحديث البناء الوظيفي كانت تتم بقرارات قانونية ودون إتاحة فرص أخرى حقيقية للعمل. 

وفي إحصاء عام 1897 في روسيا، حيث كان يعيش أغلبية يهود العالم، نجد أن اليهود كانوا موزَّعين وظيفياً علي النحو التالي: 
3.55% - يعملون بالزراعة.
38.65% - في التجارة.
33.45% - في الصناعة و الصناعات اليهودية.
3.98% - في النقل.
11.76% - في الأشغال العامة والمهن الحرة. 
6.61% - في الأعمال المنزلية. 

لقد كان أعضاء الجماعات اليهودية في الأساس جماعة الوسطاء والحرَفييِّن ولم يكن بينهم عمال أو فلاحون، وهذا ما أسماه بوروخوف الهرم الوظيفي المقلوب. ولم يكن الوضع مختلفاً في الإمبراطورية النمساوية التي كانت تضم جماعة يهودية كبيرة. وبالنسبة لروسيا السوفيتية، ونظراً لتأميم التجارة، فقد تغيَّر الوضع الوظيفي عام 1930 كليةً، فنجد أن 42% من اليهود كانوا يعملون في مهن إنتاجية: في الصنـاعـة 21.5%، وفي الحرَف اليدويـة 14.3% وفي الزراعـة 7.1%. ومع هذا، تَركَّز عدد كبير منهم (نحو 37.2%) في الأعمال الكتابية، ونحو 12.1% في المهن الحرة. ولعد أن هاجر اليهود إلى العالم الجديد، خصوصاً الولايات المتحدة، تغيَّر وضعهم. فنجد أنه ـ حسب إحصاء عام 1900 ـ كان 59.6% منهم عمالاً وفي صناعة الملابس على وجه الخصوص. ولم يكن يعمل في التجارة سوى 20.6% حسب الإحصاء نفسه. وقد تَحوَّل كثير من يهود الولايات المتحدة في الثلاثينيات إلى التجارة فبلغت نسبة العاملين بها نحو 50%، في حين بلغت نسبتهم في الصناعة نحو 28%، وفي المهن الحرة نحو 10%. ومع السبعينيات، تَركَّز معظم اليهود في المهن الحرة. 

ويمكن القول بأن النمط الأساسي للحراك الوظيفي للمهاجرين اليهود كان يأخذ الشكل التالي: يصل المهاجر فيصبح عاملاً أو رأسمالياً صغيراً. ولكن العمال بوسعهم (بسبب خلفيتهم الثقافية والاجتماعية) الانسلاخ عن الطبقة العاملة أو مساعدة أولادهم على تَلقَّي التعليم، وهو ما يجعلهم يحققون حراكاً اجتماعياً وينسلخون عن الطبقة العاملة ويتحوَّلون إلى مهنيين. أما الرأسمالي الصغير، فيتحوَّل إما إلى رأسمالي كبير أو إلى مهني. ومن ثم، نجد أن غالبية يهود الولايات المتحدة (وغيرها من الدول الاستيطانية) من المهنيين. ومع هذا، ترك ميراث اليهود الاقتصادي، كجماعات وظيفية وسيطة وكمهاجرين، وكذلك الكفاءات التي اكتسبوها عبر تواريخهم بسبب وظيفيتهم هذه، أثرها في التركيب الوظيفي ليهود أمريكا، إذ أن هذه الخبرة التي حملوها معهم أينما هاجروا استمرت في تحديد نشاطاتهم الاقتصادية حتى بعد أن زالت الوظيفة. فيُلاحَظ مثلاً أن اشتغال يهود العالم الغربي بالربا وأعمال الرهونات، جعلهم يتخصصون في حياكة الملابس، ذلك لأن كثيراً من الأشياء المرهونة كانت ملابس قديمة. ولذا، يُلاحَظ أن يهود العالم الغربي يتخصصون في صناعة النسيج والملابس الجاهزة. وقد أدَّى بهم هذا إلى أن يحققوا ثروات أثناء الحروب، لأن القوات المحاربة، خصوصاً في العصر الحديث، تحتاج إلى زي رسمي. وقد حدث هذا في حروب عديدة من بينها الحرب الأمريكية الأهلية حيث حقق أثرياء اليهود أرباحاً هائلة بسبب تركزهم في صناعات النسيج. 

وكذلك، فإن الميراث الاقتصادي لأعضاء الجماعات اليهودية في الغرب (باعتبارهم جماعات وظيفية وسيطة تقف دائماً على الهامش) يجعلهم يتخصصون في الصناعات القريبة من المستهلك ويبتعدون عن الصناعات الثقيلة، إذ أن عضو الجماعة الوظيفية الوسيطة لا يحب الاستثمار في المنقولات الثابتة (مثل الأرض والصناعات الثقيلة) أو قد لا تُتاح له الفرصة أساساً في أحيان كثيرة. ولذا يفضل الاستثمار في الصناعات الخفيفة وفي المشاريع التجارية التي تتطلب قدراً عالياً من المهارة الإدارية، ومن هنا كان تخصصهم في التجارة وصناعة الأثاث والأحذية وقطاع الخدمات والطباق والكحول والسينما، وهي كلها صناعات قريبة من المستهلك، بعيدة عن الزراعة وعن الصناعات الثقيلة مثل المناجم (وجميعها صناعات مرتبطة بالأرض). كما يُلاحَظ أنهم يتركزون في تجارة التجزئة والأعمال العقارية ويعملون وكلاء مستشارين ووسطاء. كما أن تركزهم في المهن والمصارف هو أيضاً نتيجة هذا الميراث الاقتصادي. ويُقال إن هذا أيضاً يرجع إلى أن يهود العالم الغربي عنصر مهاجر، والعناصر المهاجرة تشغل دائماً المراحل العليا من الهرم الإنتاجي ولا تشغل قاعدته. ومن ثم، لا يوجد عمال أو فلاحون يهود، ونتج عن ذلك هامشية اليهود، أي أن نشاطاتهم الاقتصادية ليست في قلب العملية الإنتاجية. ولا يزال العدد الأكبر من يهود أمريكا اللاتينية يشتغلون بالأعمال التجارية. 

ويمكن القول بأن الحل الاستعماري للمسألة اليهودية (والذي يقبله الصهاينة) ينبع من تعريف العالم الغربي للجماعة اليهودية كجماعة وظيفية استيطانية قتالية. فهي إذن مجموعة بشرية تُعرَّف من خلال وظيفتها، وهي مجموعة نبذتها الحضارة الغربية، ولكنها ستحل مسألتها عن طريق الاضطلاع بوظيفة الدفاع عن مصالح الحضارة الغربية بحيث يصبح الاستيطان والقتال هما وظيفة اليهود الأساسية. ويُلاحظ أمنون روبنشتاين أنه، في عام 1945، كان نحو 24% فقط من اليهود المهاجرين إلى فلسطين يعملون في وظائف إنتاجية مثل الزراعة والصناعة والبناء والنقل، وهو ما يعكس هامشيتهم الاقتصادية وطفيليتهم. وبعد استيطانهم في فلسطين، أصبح 69% منهم يعمل في مجال الأعمال الإنتاجية. ولكن، بحلول عام 1975، انخفضت نسبة العاملين في القطاعات الإنتاجية إلى 23%، أي أن الدولة الصهيونية لم تنجح في تحقيق أحد أهدافها الأساسية المعلنة وهو تطبيع اليهود وتحويلهم إلى قطاع اقتصادي منتج. وقد أدَّى دخول العمالة العربية في الاقتصاد الإسرائيلي إلى حدوث نوع من المفارقة، إذ يقوم العرب بشغل قاعدة الهرم الإنتاجية تاركين قمته الإدارية لليهود. وقد ظهرت هامشية المُستوطَن الصهيوني مع اندلاع الانتفاضة وانسحاب العمالة العربية من قاعدة الهرم، الأمر الذي ترك أعمق الأثر في الاقتصاد الصهيوني.

السـمات الأساسـية للجماعات اليهــودية كجماعات وظيفيـة 
Main Traits of Jewish Communities as Functional Groups 

يمكننا القول بأن السمات الأساسية للجماعات الوظيفية وطبيعة علاقتها بالمجتمع المضيف تتضح بشكل متبلور في الجماعات اليهودية في العالم الغربي وفي طبيعة علاقتها به: 

1 ـ التعاقدية (النفعية والحياد والترشيد والحوسلة): 

تتسم علاقة الجماعات اليهودية بالمجتمع الغربي بأنها علاقة نفعية تعاقدية لا تتسم بالتراحم. فقد نظر العالم الغربي إلى أعضاء الجماعات اليهودية منذ البداية باعتبارهم وظيفة تُؤدَّى ودوراً يُلعَب وعنصراً موضوعياً مُجرَّداً ومحايداً، مجرد مادة بشرية، فكانوا يُستجلَبون ليؤدوا وظيفة التاجر والمرابي. وكان أعضاء الجماعة اليهودية عادةً من الغرباء، ولذا كانوا يُعَدون ملكية خاصة للملك (أقنان بلاط) الذي كان له حق امتلاك اليهود (باللاتينية: «جودايوس هابيري judaeos habere»»)، أو حق الاحتفاظ باليهود (باللاتينية: «جودايوس تنيري judaeos tenere».»)وكان من حقه بيعهم كما تبيع أية مدينة حق استعمال مناجمها أو طرقها العامة. ولذا، كان اليهود أقرب ما يكونون إلى ممتلكات تُفرَض علىها ضرائب أو أدوات إنتاج، فكان يُشار إليهم بوصفهم عبيداً أو ملْكاً منقولاً كالأثاث (بالإنجليزية: «تشاتيل chattel»)، وكانت كثير من المواثيق تشير إليهم باعتبار أنهم يخضعون للملك وملْك له، يرثهم من يرث العرش! ولعل السبب في وقوع قدر كبير من الخلل التحليلي هو أن كثيراً من الدارسين لم يدركوا طبيعة وضع الجماعات اليهودية داخل التشكيل الحضاري الغربي من حيث هي وظيفة تُؤدَّى، واستمروا في اعتبارها طبقة أو أعضاء في طبقة. 

وكان أعضاء الجماعات اليهودية يُعطَون حقوقاً ومزايا تضمنها مواثيق يشترونها من الحاكم. ولكن المواثيق التي كانت تُمنَح لهم لم تكن قط نهائية وإنما كانت تُجدَّد دائماً. وكان يتعيَّن عليهم أحياناً دفع مبلغ للإمبراطور كل عام لتأكيد حقه في أنهم ملْك له (وهو استمرار للفيسكوس جواديكوس أو ضريبة اليهود التي فُرضت عليهم بعد سقوط الهيكل). ولعل حدة هذا الوضع قد خفتت قليلاً عبْر القرون والسنين ولكنها ظلت قائمة حتى أوائل القرن التاسع عشر في كثير من أنحاء أوربا (وقد تعيَّن على الفيلسـوف الألماني اليهودي موسى مندلسون أن يدفع ضريبة انتقال، حينما كان ينتقل من مدينة ألمانية إلى أخرى، تساوي ما كان يُدفَع لانتقال ثور). وقد نُوقشت المسألة اليهودية في الحضارة الغربية في إطار مدى نفع اليهود، وهو مفهوم استمر حتى الوقت الحاضر، ويتجلى في الحديث عن إسرائيل باعتبارها كنزاً إستراتيجياً! ويجب ملاحظة أن العلاقة بين الطرفين (الجماعات اليهودية والعالم الغربي) علاقـة نفعيـة، فكلاهمـا يحاول الاستفادة قدر المستطاع من الطرف الآخر، وكلاهما يحوسل الآخر، ولا يمكن الحديث في مثل هذه العلاقة المركبة عن مُستغل ومُستغَل. 

2 ـ العزلة والغربة والعجز: 

حينما استجلب المجتمع الغربي بعض أعضاء الجماعات اليهودية ليضطلعوا بدور الجماعة الوظيفية ضرب عليهم العزلة، فكان أعضاء الجماعة اليهودية يعيشون في جيتو خاص بهم يرتدون أزياء خاصة مقصورة عليهم ويؤمنون بعقيدة مختلفة عن عقيدة مجتمع الأغلبية. بل كانوا، في حالة يهود اليديشية، يتحدثون لغة مختلفة عن لغة المجتمع المضيف. وقد انغلقت الجماعات اليهودية على نفسها فكونت شبكة عالمية واسعة مهمتها ضمان انتقال السلع والعملات والمعلومات بكفاءة عبر البلاد والقارات، وهذا هو سبب معرفة أعضاء الجماعة اليهودية بعديد من اللغات، وهو تعبير عن الغربة والحركية في ذات الوقت. وقد سيطرت القيادات الدينية والدنيوية، التي كانت تتمتع بدعم النخبة الحاكمة، على هذه الشبكة المغلقة التي كانت بمثابة الوسيط بين الجماعة اليهودية والمجتمع المضيف. كما تزايد اعتماد أعضاء الجماعات اليهودية على النخبة الحاكمة حتى أصبحوا في بعض الأحيان جماعات وظيفية عميلة، كما هو الحال مع المرابين، وأداة قمع في يد الحاكم لقمع الجماهير واستغلالهم. 

وقد أدَّى هذا إلى تزايد ابتعاد أعضاء الجماعات اليهودية عن جماهير المجتمع المضيف، أي أن أعضاء الجماعات الوظيفية اليهودية لم يكونوا مشاركين في السلطة (فهم مجرد أداة) يعيشون في عزلة عن الشعب (في مسام المجتمع لا في صميمه)، وهم موضع كرهه وسخطه. وهذا ما يُسمَّى «إشكالية العجز وعدم المشاركة في السلطة». لكل هذا أصبح أعضاء الجماعات الوظيفية عرضة للهجمات الشعبية لأنهم أداة الاستغلال الواضحة والمباشرة. ومن ثم، فإن اضطلاع أعضاء الجماعة اليهودية بدور الجماعة الوظيفية هو الذي يفسر الهجمات الشعبية عليهم، كما يفسر كثيراً من اتهامات أعداء اليهود بأنهم مصاصو دماء (ومن هنا تهمة الدم) أو أنهم يقومون بتسميم الآبار. فهذه جميعاً صور مجازية حاول عن طريقها الإنسان العادي في الغرب فهم طبيعة العلاقة بينه وبين اليهود كجماعة وظيفية، إذ أن أداة القمع الماثلة أمامه تقوم بامتصاص دمه وتسميم مصدر حياته. 

ويمكن القول بأن الهجوم على اليهود كان يشبه الانتفاضة الشعبية حينما يقوم الثائرون بتدمير أدوات القمع والاستغلال (ولعل هذا ما دفع بأحد المفكرين إلى تسمية معاداة اليهود «اشتراكية المغفلين»، أي اشتراكية من لا يفهم الآليات الاقتصادية المركبة). كما أن اضطلاع أعضاء الجماعات اليهودية بدور الجماعة الوظيفية هو الذي يفسر اتهام الجماعات الشعبية لهم بأنهم سحرة. ففي المجتمع الإقطاعي مثلاً، كان أعضاء المجتمع يُنتجون من الأرض بصورة مباشرة، أما أعضاء الجماعة الوظيفية المالية (التجارية أو الربوية) فكانوا يحققون الثراء من خلال تحريك السلع وحسب في حالة التجار. بينما كان الأمر أسوأ بكثير في حالة المرابين، إذ كانوا يحققون الثراء من خلال تحريك الأموال وحسب. 

وقد أدَّت هذه العزلة إلى ما نسميه «حدودية» أعضاء الجماعات اليهودية، أي وجودهم على حدود المجتمعات أو على هامشها، وفي الشقوق والثغرات. ولعل إحساس أعضاء الجماعات اليهودية بعدم الأمن (رغم النجاح الذي يحققونه) هو جزء من ميراث الجماعة الوظيفية، التي تُعَدُّ حركيتها مصدر أمن أساسياً لها. وقد أدَّى إحساسهم بعدم الأمن وعدم الانتماء إلى زيادة الرغبة في مراكمة الثروة لأنها الوسيلة الوحيدة لشراء الحماية من الحاكم. ولكن يُلاحَظ أنه رغم تزايد ثروات كثير من أعضاء الجماعات اليهودية إلا أنهم ظلوا بعيدين عن السلطة وعن مؤسسات صنع القرار. ولهذا السبب كانت هذه الثروات معرضة دائماً للتصفية. ويُقابل عملية العزل البرانية من قبل المجتمع إحساس عميق جواني بالغربة لدى أعضاء الجماعة الوظيفية اليهودية، فيظهر لديهم إحساس بقداستهم (مركب الشعب المختار). ثم يحتفظون بهذه الغربة من خلال عقائدهم وشعائرهم الدينية ومن خلال ارتباطهم الوهمي بالوطن الأصلي الذي لم يَعُد له وجود والذي سيعودون إليه في نهاية التاريخ. 

3 ـ الانفصال عن المكان والزمان والإحساس بالهوية (الوهمية)

يشعر أعضاء الجماعة الوظيفية اليهودية بالانتماء إلى وطن أصلي (صهيون/فلسطين) سيعودون إليه في آخر الأيام. وقد ترجم هذا نفسه إلى العقيدة المشيحانية التي أضعفت أواصر ارتباط أعضاء الجماعة الوظيفية اليهودية بالمكان الحالي (أوطانهم وتاريخها) باسم المكان السابق الذي نُفوا منه، وهو أيضاً المكان الذي سيعودون إليه في المستقبل. ويُقابل الإحساس العميق بالغربة والعزلة والعجز والانفصال عن المكان تَعمُّق إحساس عضو الجماعة الوظيفية اليهودية بهويته، فهي إحدى آليات العزل غير الواعية. ومع هذا، فإن الهوية هنا حالة عقلية إذ أن هوية عضو الجماعة الوظيفية اليهودية تتشكل داخل حدود المجتمع الذي يعيش فيه لا خارجه، ومن خلال تفاعله اليومي المتعيِّن مع الخطاب الحضاري لمجتمعه لا رغماً عنه. ولذا فرغم ادعاءات أعضاء الجماعة الوظيفية اليهودية عن تَميُّزهم، إلا أنهم في واقع الأمر يندمجون في مجتمعاتهم. وثنائية ادعاء التميز وواقع الاندماج والذوبان مسألة أساسية لعضو الجماعة الوظيفية اليهودية حتى يتسنى له أن يلعب دوره الوظيفي، وحتى يظل « في المجتمع دون أن يكون منه »، يتعامل مع أعضاء المجتمع بكفاءة عالية لا يمكنه أن يحققها إلا بمعرفة المجتمع وتَملُّك ناصية خطابه الحضاري، ولكنه في الوقت نفسه لا يتعاطف معهم ويحتفظ بمسافة عقلية وعاطفية كبيرة بينه وبينهم بسبب هويته الوهمية.

4 ـ ازدواجية المعايير: 

تظهر ازدواجية المعايير بشكل حاد في حالة أعضاء الجماعات اليهودية، فقد قسمت العقيدة اليهودية العالم في كثير من الأحيان إلى اليهود من جهة والأغيار من جهة أخرى. وكان بإمكان اليهودي أن يقرض الأغيار بالربا، ولكنه يُحرِّم على نفسه أن يفعل ذلك مع اليهود. وكان اليهود يعتبرون أنفسهم شعباً مقدَّساً (وهذا يعني أن أعضاء المجتمع مباحون). ولعل هذا يُفسِّر وجود أعضاء الجماعات اليهودية بشكل ملحوظ في جرائم انتهاك الحرمات مثل البغاء ونشر المجلات الإباحية وغير ذلك. وحتى لا يتم استخلاص أية تعميمات عنصرية من ذلك، لابد أن نشير إلى أن أعضاء الجماعة الوظيفية يتسمون أيضاً بالأمانة الشديدة نظراً لحيادهم وخوفهم من النخبة والجماهير على حدٍّ سواء. 

5 ـ الحركية: 

كان أعضاء الجماعات اليهودية من أكثر الجماعات حركية داخل التشكيل الحضاري الغربي، فهم لم يكونوا مرتبطين بالأرض مثل الفلاحين أو النبلاء، ولا حتى بالمدن مثل سكانها، وإنما كانوا يتنقلون بحرية كبيرة في المجتمـع الوسـيط تحت حماية الملك الذي يمنحهم المواثيق. وقد ساعدت عمليات الطرد المستمرة، ثم الهجرة، على تعميق هذه الحركية. وقد تَركَّز أعضاء الجماعات اليهودية في قمة الهرم الاجتماعي وابتعدوا عن قاعدته (وهذا هو أهم أسباب المسألة اليهودية). 

6 ـ التمركز حول الذات والتمركز حول الموضوع (الحلولية) 

مركب الشعب المختار هو تعبير عن التمركز المتطرف حول الذات والذي يُيسِّر لأعضاء الجماعات اليهودية الوظيفية أن يقوموا باستغلال الآخر وحوسلته وأن يقوموا كذلك بعزل أنفسهم كما يبرر غربتهم. ولكن عضو الجماعة الوظيفية اليهودية يتمركز أيضاً حول وظيفته الموضوعية ويقبل أن يكون أداة متحوسلة تضطلع بوظائف محدَّدة تُوكل له. 

ويُعبِّر هذا التمركز حول الذات وحول الموضوع عن نفسه من خلال الإحساس المتطرف بالحرية الكاملة والحتمية الكاملة، ومن خلال مفهوم الاختيار والنفي والعودة، وهي مفاهيم تجسد هذه الازدواجية المتطرفة المتبلورة: فاليهودي حر تماماً لأنه مَنْفيٌّ عن أرضه لا جذور له، وهو يتمتع بمزايا عديدة لأنه مختار من قبل الإله، إرادته من إرادة الإله. ولكنه في الوقت نفسه لا حرية له لأنه مَنْفيٌّ من أرضه التي لا يقدر على تحقيق ذاته إلا فيها وحدها. كما أن الاختيار يعني التكليف أيضاً ومن ثم عدم القدرة على الحركة. وتتضح علاقة الجماعات الوظيفية اليهودية بالحلولية الكمونية في تَصاعُد معدلات الحلولية الكمونية داخل اليهودية إلى أن سيطرت عليها تماماً. 

وعلاقـة الجماعـات اليهـودية بالتحديث والعلمانية علاقة مركبة وعميقة، ذلك أن مسار الهجرة اليهودية قد تأثر بشكل عميق بالتحديث. فالجماعات اليهودية كانت جماعات وظيفية تتحرك أفقياً من مجتمع إلى آخر، لا رأسياً داخل المجتمع الواحد نفسه. فكانوا في البداية يُستجلَبون إلى المجتمعات المتخلفة كعنصر تحديثي أو استيطاني، ومن هنا كانت الهجرة اليهودية تتم دائماً من البلاد الأقل تَخلُّفاً إلى البلاد الأكثر تَخلُّفاً، من البحر الأبيض المتوسط إلى وسط أوربا ومنها إلى شرق أوربا. ولكن ابتداءً من القرن السادس عشر وبداية ظهور الرأسمالية والحركة الاستعمارية الغربية وبدايات التحديث في الغرب، نجد أن الهجرة تأخذ شكلاً مغايراً، فهي تنطلق من البلاد المتخلفة إلى البلاد الأكثر تقدماً. وقد اشترك اليهود في حركات الهجرة الاستيطانية وغير الاستيطانية. 

ورغم أن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا من حملة الفكر التحديثي والعلماني، إلا أنهم سقطوا ضحية عمليات التحديث والعلمنة. فهويتهم وإثنيتهم كانت مرتبطة تماماً بعزلتهم كجماعة وظيفية. ولكن، مع تَصاعُد معدلات التحديث، وظهور نُخَب محلية تتولى زمام الأمور، وكذلك ظهور الدولة القومية العلمانية المركزية، لم تَعُد هناك وظيفة لهم، وبدأت التحولات الوظيفية والطبقية العميقة تدخل على الجماعات اليهودية، فتحولوا إلى بروليتاريا وشحاذين وأصحاب مصانع وبورجوازية كبيرة وصغيرة، وفقدوا تماسكهم الإثني وعقيدتهم اليهودية. وتساقطت كل رموز العزلة، وتساقطت أسوار الجيتو، وتم تحديث أزيائهم ولغتهم، وبدأ التعلىم بين أعضاء الجماعات اليهودية يتحول من أداة لنقل الخبرات الخاصة وأسرار المهنة والحفاظ على الهوية والعزلة في المجتمع إلى وسيلة من وسائل تصفية الهوية شبه القومية ودمجهم في المجتمع وتدريبهم على الحراك الاجتماعي داخل طبقات المجتمع. 

ورغم أن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا يُشكِّلون العمود الفقري للقطاع المالي والتجاري للمجتمع الغربي الوسيط، كما كانوا يشكلون جزءاً مهماً منه منذ عصر النهضة، إلا أنهم لم يساهموا في بناء الرأسمالية الحديثة الرشيدة، فقد نشأت هذه الرأسمالية داخل المدينة الغربية. أما رأسمالية أعضاء الجماعات اليهودية فكانت رأسمالية الجماعة الوظيفية المرتبطة بالمجتمع التقليدي، وقد سماها فيبر الرأسمالية المنبوذة (مقابل الرأسمالية الرشيدة). 

ومع تَصاعُد معدلات التحديث، يختفي اليهود كجماعات وظيفية. ومع هذا، يبقى هناك امتداد لدورهم التقليدي ولميراثهم الوظيفي إذ لا يكاد يُوجَد يهود في المهن الإنتاجية الأولية (الزراعة والتعدين)، بينما يتركزون في مجال الملكية العقارية وفي مهن الطب والتمثيل، وهي مهن تُوجَـد كلها عند قمـة الهرم الإنتاجي أو على هامشه في معظم أنحاء العالم، ولا يُوجَد أي تمثيل لليهود بين العمال والفلاحين ومختلف القطاعات الموجودة في قاعدة الهرم الإنتاجي. 

ولعل حالة يهود كايفنج في الصين تلقي بعض الضوء على ما قد يحدث لليهود في العالم الغربي بعد عملية تحديث وضعهم ووظائفهم. فبعد أن انضمت أعداد متزايدة من القيادة اليهودية إلى طبقة كبار العلماء/الموظفين (الماندرين)، فَقَد اليهود وضعهم كجماعة وظيفية، وزادت معدلات الاندماج بينهم حتى اختفوا تماماً. وقد تمت هذه العملية عبر مئات السنين في الصين. ومن الممكن أن نتصوَّر أن شيئاً مماثلاً سيحدث في العالم الغربي، لكن معدلات التحديث في الغرب تتفاوت سرعة وبطئاً من بلد لآخر، كما أن العملية تتعثر أحياناً بل تتوقف أحياناً أخرى. ولعل التعثر هو الذي أدَّى إلى عدم اختفاء كثير من الجماعات اليهودية أو تناقص أعدادها بشكل ملحوظ. كما أن التشكيل الاستعماري الغربي، بتأسيسه الدولة الصهيونية، أعاد إنتاج نمط الجماعة الوظيفية على مستوى الدولة.

الجماعات الوظيفية اليهودية: أنواعها المختلفة 
Jewish Functional Groups: Different Kinds 

اضطلع أعضاء الجماعات اليهودية بأدوار وظيفية عديدة من بينها ما يلي: 
1 ـ الجماعات اليهودية الوظيفية الاستيطانية القتالية. 
2 ـ الجماعات اليهودية الوظيفية المالية الوسيطة (التجارة ـ الربا ـ جمع الضرائب ـ المتعهدون العسكريون ـ تجارة الرقيق ـ تجارة الخمور). 
3 - جماعات وظيفية متنوعة (الطب ـ الجاسوسية ـ قطاع اللذة ـ البغاء وتجارة الرقيق الأبيض). 
وإذا كانت الجماعات اليهودية الوظيفية الاستيطانية القتالية هي أوَّل ما ظهر من الجماعات اليهودية، فإن أهمها هي الجماعات اليهودية الوظيفية الوسيطة أو المالية.


الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الجزء الثالث: يهود أم جماعات وظيفية يهودية؟ الباب الأول: الجماعات الوظيفية اليهودية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الثاني: يهود أم جماعات يهودية؟ الباب الأول: الجماعات اليهودية الأساسية
» الباب الرابع: جماعات وظيفية يهودية أخرى (البغاء ـ الطب ـ الترجمة... إلخ)
» الجزء الثاني: ثقافات الجماعات اليهودية الباب الأول: ثقافات الجماعات اليهودية
» الجزء الرابع: الباب الأول: موقف الصهيونية وإسرائيل من الجماعات اليهودية في العالم
» الجزء الثاني: تواريخ الجماعات اليهودية في العالم الإسلامي الباب الأول: الشرق الأدنى القديم قبل وبعد انتشار الإسـلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: