وقد عبَّر كل هذا عن نفسه من خلال المصطلحات التي استُخدمت في هذه الموسوعة في أشكال عديدة:
1 ـ يَصدُر النموذج المركب الذي نستخدمه عن الإيمان باستقلال الإنسان عن الطبيعة، وهو ما يعني ضرورة فصل مصطلحات العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية والتزام الحذر تجاه المصطلحات التي تُستعار من عالم الطبيعة، وخصوصاً الصور المجازية العضوية التي تفترض مركزية الطبيعة/المادة.
ويظهر هذا في استخدامنا لمصطلح «الإنسان الطبيعي» في مقابل مصطلح «الإنسان الرباني» (أو «الإنسان الإنسان»)، وحينما استخدمنا مصطلح «عضوي»، كما في «القومية العضوية» أو «الشعب العضوي»، بيَّنا دلالة ذلك، كما بيَّنا دلالة الصور المجازية العضوية على وجه العموم، وقد استخدمنا مصطلحي «أكثر تفسيرية وأقل تفسيرية» بدلاً من «موضوعي وذاتي لنفس السبب وهو ما نوضحه بإسهاب في المدخل المخصص للموضوع.
2 ـ يَصدُر النمـوذج المركَّب عن الإيمان بوجود ثنائية أساسية في الكون (الإنسان والطبيعة) تتبدَّى في حالة اللغة من خـلال ثنائية الدال والمـدلول، أي ثنائية المصطـلح والمفهوم الكـامن وراءه والاستقلال النسبي للواحد عن الآخر، وهذا يجعل من الممكن مراجعة المصطلحات عن طريق تفكيكها والوصول إلى مرجعيتها الكامنة (كمونية أم متجاوزة ـ واحدية أم ثنائية؟)، وقد قمنا بمناقشة معظم المصطلحات المتداولة في حقل الدراسات اليهودية والصهيونية وبيَّنا عدم كفاية الكثير منها وتحيزها ثم طرحنا مصطلحاتنا الجديدة.
ومن المصطلحات المستخدَمة في هذه الموسوعة كلمة «ديباجة»، وهي كلمة يمكنها في تصوُّرنا التعبير عن المسـافة التي تفصل الدال عن المدلول، فالديباجـة " تُضاف " إلى النص فيمكن أن توضحه، ويمكن أن تُخفي معانيه، ويمكن أن تبرره عن حق أو عن باطل، وقد استخدمنا هذا المصطلح لنشير إلى الصهيونيات كافة، فنقول «الصهيونية ذات الديباجة المسيحية» بمعنى أنها صهيونية تدَّعي أن لها أسساً مسيحية وهي في واقع الأمر ليست كذلك، كما نقول «الصهيونية ذات الديباجة الديموقراطية» فهي صهيونية تدَّعي الديموقراطية، ولكنها تظل صهيونية تلتزم بالصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة.
3 ـ تفرز النماذج الاختزالية تفسيرات شاملة نهائية مغلقة، ومن ثم فالمصطلحات النابعة من هذه النماذج تتسم بالانغلاق والطموح إلى الشمول الكامل واليقين التام، أما النماذج التحليلية المركبة فهي تؤدي إلى ظهور مصطلحات منفتحة ذات مقدرة تفسيرية معقولة ولا تتسم بالتماسك العضوي الصلب، ولذا فهي قادرة على رصد الأجزاء في علاقتها بالكل، دون أن يذوب الجزء في الكل، وترصد العام والخاص دون أن تتجاهل أياً منهما.
وهي مصطلحات منفتحة قابلة للتعديل ولا تطمح للوصول إلي مستوى من الدقة واليقينية يقترب من المستوى الذي يتوهم البعض أن بإمكانه الوصول إليه في العلوم الطبيعية، والبناء المصطلحي ككل لا يتسم بالدقة والالتزام بالمعايير المجردة الثابتة وإنما بالتركيب، والتركيب لا يعني عدم الدقة وإنما يعني محاولة زيادة المقدرة التفسيرية عن طريق محاولة الإحاطة بأكبر عدد ممكن من المكونات المادية الواضحة للظاهرة مع إدراك وجود جوانب مجهولة لا يعرف عنها الإنسان الكثير وبعضها لا يمكن رده لقوانين المادة، ومع هذا يمكن الإشارة إليها والتعبير عنها بطرق مختلفة.
وفي إطار النموذج المركب يتم تحديد المستوى التعميمي والتخصيصي للمصطلح ليتناسب مع الظاهرة بدلاً من محاولة الوصول إلى أعلى مستويات التعميم دائماً، فمثل هذه محاولة تنتهي بنا دائماً في عالم الجبر والهندسة والرياضة والأشياء، وهو عالم يقتل الإنسان ولا يعرف الضحك أو البكاء، ولعل مصطلح «جماعات يهودية» المركب مقابل مصطلح «اليهود» البسيط (الذي يتأرجح بشدة بين العمومية والتفرُّد) هو مَثَل على هذا، فهو مصطلح يحاول أن يشير، في ذات الوقت، إلى قدر من الوحدة وإلى قدر أكبر من عدم التجانس ويتعامل مع الخاص («جماعات») والعام («يهودية»)، ولذا فهو مصطلح دقيق لا بسبب بساطته وإنما بسبب تركيبيته، ونفس الشيء ينطبق على مصطلح «تواريخ أعضاء الجماعات اليهودية».
ونحن نتحدث كذلك عن «المسألة اليهودية» بشكل عام، ثم نخصص فنقول «المسألة اليهودية في شرق أوربا» ثم نزيد في التخصيص فنقول «المسألة اليهودية في روسيا»، وبذلك نربط بين العام («المسألة اليهودية») والخاص («في شرق أوربا») والخاص الذي يقترب من التفرُّد («في روسيا»)، نربط بينها دون أن نُغلِّب مستوى على الآخر، فالمستوى التحليلي هو الذي يحدد المصطلح المناسب لدرجة التعميم أو التخصيص.
ونحن نشير على سبيل المثال إلى «حركة الاستنارة الغربية» و «حركة التنوير اليهودية» لنميز بين الأصل والفـرع والكل والجزء والفاعل والمفـعول به، فحركة الاسـتنارة حركة غربية قامت بتنوير أعضاء الجماعات اليهودية، ولذا فحركة الاستنارة حين تنتقل إلى صفوفهم تُصبح «حركة تنوير».
والنمط نفسه يُوجَد في مصطلح «آداب مكتوبة بالعبرية» بدلاً من مصطلح «أدب عبري» ففي أواخر القرن التاسع عشر كان يُوجَد أدباء يكتبون بالعبرية، ولكن العبرية نفسها كانت لغة فجة جامدة، ليس لها تراث أدبي ثري، ولذا كانت المرجعية الأدبية والعاطفية والحياتية للأدباء هي التراث الأدبي للبلاد التي يعيشون فيها، ومن ثم فأدبهم هو «أدب مكتوب بالعبرية»، ومن ثم فهناك «آداب مكتوبة بالعبرية»، أما الأدب العبري نفسه فنحن نرى أن المصطلح يمكن استخدامه ابتداءً من الستينيات بعد أن استقرت التقاليد الأدبية العبرية في إسرائيل وأصبحت من الثراء بما يكفي لإلهام الأدباء الإسرائيليين وغيرهم ممن يكتبون بالعبرية.
ويُلاحَظ أن مدلولات المصطلحات قد تتغير من مرحلة تاريخية لأخرى ومن منطقة جغرافية لأخرى، ومع هذا يظل هناك دالٌّ واحد، وهذا ما لاحظناه في مصطلح «الماسونية» إذ اكتشفنا وجود ماسونيات عديدة يُشار لها كلها باعتبارها «الماسونية». ولذا قسمناها إلى «ماسونية ربوبية» و «ماسونية إلحادية» و «ماسونية العالم الثالث»... إلخ.
4 ـ وفي محاولة زيادة تركيب الهيكل المصطلحي قمنا بإدخال مصطلحات جديدة تعبِّر عن مفاهيم تحليلية جديدة مثل «حوسلة» (كلمة منحوتة من صياغتنا بمعنى «يُحوِّل إلى وسيلة») ـ «العربي الغائب» و «اليهودي الخالص» (مفاهيم تحليلية كامنة في الخطاب الصهيوني ولم يفصح عنها لأنها تفضحه وتسبب له الحرج) ـ «الجماعة الوظيفية» (مفهوم تحليلي جديد) ـ «الإقطاع الاستيطاني» (مفهوم تحليلي جديد يستند إلى مفاهيم قديمة).
وقد حاولنا تفتيت بعض المصطلحات الصهيونية التي تشير إلى أكثر من ظاهرة، فاصطلاح «إسرائيل» فتتناه إلى «إسرائيل» (الدولة الصهيونية)، و«يسرائيل» (العبرانيون بالمعنى الديني)، و«يسرائيل (إفرايم)» (مملكة يسرائيل العبرانية)، وحاولنا توضيح الحدود بين مصطلحات متداخلة مثل «عبراني» و«يهودي» و«إسرائيلي» و«يسرائيلي» و«صهيوني»، واصطلاح «الصهيونيتان» هو محاولة لتفتيت مصطلح يشير إلى ظاهرتي «الصهيونية الاستيطانية» و«الصهيونية التوطينية» كما لو كانتا ظاهرة واحدة، ومن خلال التفتيت بيَّنا حدود وتاريخ تطور كل منهما (والشيء نفسه ينطبق على مفهوم «العلمانيتان»)، ونحن نشير إلى «المسيح المخلِّص اليهودي» باعتباره «الماشيَّح» حتى نحتفظ بمسافة بين التراث الديني اليهودي والتراث الديني المسيحي.
5 ـ طورنا طريقة جديدة في التعريف نطلق عليها «التعريف من خلال دراسة الحقل الدلالي لمجموعة من المصطلحات المتداخلة المتشابكة» وتوصلنا إلى تعريف للنموذج والعلمانية والحلولية الكمونية من خلال هذه الطريقة، وهي طريقة تتسم بالتركيب، نقوم فيها باستعراض كل التعريفات المتاحة بدلاً من الإتيان بتعريف جديد ثم نحاول اكتشاف الرقعة المشتركة (النموذج الكامن) فيما بينها ونجردها، ويصبح هذا هو التعريف الجديد.
كما أن تَعدُّد المصطلحات وتَنوُّعها يفرض علينا ألا نكتفي بدراسة التعريفات المعجمية الهزيلة بل نخرج من نطاق الكلمات والتعريفات لنتواصل مع الظواهر الاجتماعية والتاريخية نفسها ومن ثم يتسع نطاق عملية التعريف، وإذا كان التعريف هو النموذج النظري، فتوسيع نطاق عملية التعريف يعني دراسة الطريقة التي تمت من خلالها ترجمة هذا النموذج في الواقع، والمشاكل الناجمة عن هذا التطبيق، وهو الأمر الذي تتجاهله طريقة التعريف السائدة.
وفي تعريفنا للصهيوني قمنا برفض كل التعريفات القائمة، ومن خلال عملية تفكيك وتحليل وصلنا إلى ما نتصور أنه الثوابت البنيوية أو المسلمات الأساسية الكامنة، ثم قمنا بعملية إعادة تركيب تهدف إلى التركيز على هذه الثوابت والمسلمات ووصلنا إلى ما سميناه «الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة».
6 ـ نجد أن النماذج الاختزالية المغلقة تدفع بنا عن غير وعي إلى الثنائيات المتعارضة، إذ تنقسم كل الأشياء إلى سالب وموجب، قابل ورافض، ناجح وساقط، صقور وحمائم... إلخ (كما تقول إحدى قوانين الديالكتيك)، ولعل الثنائيات المتعارضة في المصطلحات قد تسللت لنا من نماذج العلوم الطبيعية والرياضية، فنحـن نميل للتحـدث عن الطبيعـة باعتـبارها إما سـالب أو موجب، وهو أمر مريح جداً، حتى إن كان غير دقيق، ولكن حينما يُنقَل هذا إلى عالم الإنسان، فإن النتيجة تكون سلبية إلى أقصى حد.
ولعل هذا أحد العيوب الأساسية للخطاب السياسي العربي ولطريقته في التصنيف، وأعني سقوطه في الثنائيات المتعارضة التي استوردها من العلوم الطبيعية من خلال المراجع الأجنبية، ولكن الواقع الإنساني (بما يتضمن من ثغرات وتركيب واستمرار وانقطاع) أكثر تركيبية ورحابة وأقرب إلى قوس قزح، تتداخل فيه الألوان برغم استقلالها، لا توجد له بداية حادة ولا نهاية حادة ولا حتى وسط مطلق (رغم إمكان افتراض وجود هذه الأشياء من الناحية التحليلية).
ومع هذا، توجد نقطة تَركُّز للظاهرة يمكن أن يجتهد الإنسان في اكتشافها، ولذا فإن النموذج التركيبي يشجع على رصد الواقع من خلال متصل مستمر من المقولات المتداخلة ليست بالضرورة سالبة أو موجبة وإنما بين بين، والمقولات الوسطية عادةً ما تكون أكثر تركيباً ودلالة من المقولات المتطرفة، كما أن هذه المقولات الوسطية تُعبِّر عن نفسها من خلال مصطلحات جديدة استبعدها الصهاينة (والمعادون لليهود) تماماً، فهم يدورون في إطار ثنائيات صلبة متعارضة ساذجة.
وتتضح المقولة الوسط المُستبعَدة في مجموعة من المصطلحات الجديدة. فبين ثنائية «الرفض اليهودي للصهيونية» و«الإذعان اليهودي لها» يوجد «التملص اليهودي» منها، وبين «العداء لليهود» و«التحيز لهم» يوجد «التحامل عليهم» و «عـدم الاكتراث بهم»، وبين ثنائية «نجاح التحديث» و «فشلـه» يوجد «تعثر التحديث».
7 ـ في إطار النموذج المركب يمكن استخدام المجاز كوسيلة تعبيرية تحليلية مشروعة، فالمجاز هو اعتراف ضمني بتركيبية العالم واستحالة رده إلى عالم الطبيعة / المادة الأحادي، والمجاز ليس مجرد زخرفة وإنما هو أداة لغوية مركبة طورها الإنسان لتساعده على إدراك حالات إنسانية بعينها لا تستطيع اللغة النثرية العادية أن تحيط بها.
واستخدام المجاز ليس أمراً جديداً أو غير مألوف، فنحن حين نتحدث عن «الإنسان الاقتصادي» أو «رجل أوربا المريض» نستخدم صوراً مجازية تتسم بقدر من التركيب من وجهة نظر صاحبها كما تتسم بمقدرتها التفسيرية للواقع، وقد استخدمنا المجاز أيضاً في صياغة المصطلحات، فبجوار «رجل أوربا المريض» وضعنا «رجل أوربا النهم»، كما أن اصطلاح «التركيب الجيولوجي التراكمي» هو صورة مجازية تقف بين ثنائية العضوي والآلي، واصطلاح «العربي الغائب» هو اصطلاح يستند إلى قدر من المجاز.
8 ـ حاولنا بقدر الإمكان الإتيان بمصطلحات تتسم بقدر من الحياد وتتجاوز التحيزات الغربية والصهيونية، فبدلاً من كلمة «يهود» أو «الشعب اليهودي» استخدمنا مصطلح «جماعات يهودية»، وأسقطنا مصطلحات متحيزة مثل «العبقرية اليهودية» و «المؤامرة اليهودية» و «عداء الأغيار الأزلي لليهود» وهي مصطلحات تمتلئ بها كتب الصهاينة وأعداء اليهود، فكنا نتحدث عن «العباقرة من أعضاء الجماعات اليهودية» أو «المجرمين من أعضاء الجماعات اليهودية».
وبالطبع واجهنا قضية محاولة نقل وجهة نظر العدو للقارئ، وفي هذه الحالة كان علينا أن نورد المصطلح كما هو، ترجمة مباشرة ودقيقة من العبرية أو الإنجليزية أو الألمانية فـ «الفولك Volk» هو «الشعب العضوي»، و«الجويش بيبول Jewish People» هو «الشعب اليهودي»، وقد عرَّفنا هذه المصطلحات لنبيِّن للقارئ مضمونها الأيديولوجي الصهيوني، وكلما وردت في إحدى نصوصنا فإننا ننسبها للعدو ولمرجعيته ونخلق مسافة بيننا وبينها.
9 ـ تبنينا نفـس المنطق في ترجمة المصطلحات:
أ ) فكلمة «إكزايل exile» الإنجليزية و «جالوت» العبرية لم نترجمها "حرفياً " إلى «منفى» أو «شتات» إذ أن هذا يعني تبني المرجعية والتحيزات الصهيونية، وكلمة «أنتي سيمتيزم anti-semitism» لم نترجمها إلى «معاداة السامية» وكلمة «هولوكوست» لم ننقلها بمنطوقها العـبري، بل أشرنا للظاهرة الأولى بعبارة «انتشار الجماعات اليهودية في العالم»، وللظاهرة الثانية بعبارة «معاداة اليهود»، والثالثة بعبارة «الإبادة النازية لليهود».
وما فعلناه هو ما فعله الفلاحون الفلسطينيون في نهاية القرن الماضي إذ نظرنا للظاهرة ودرسناها ودرسنا المفاهيم الكامنة وراءها ثم سميناها بمصطلحات تقع خارج نطاق التحيزات الغربية والصهيونية، ولم تَرد كلمات مثل «منفى» و«جالوت» إلا في محاولة نقل وجهة نظر الآخر للقارئ العربي.
ب) وفي بعض الأحيان كنا نترجم المصطلح إلى العربية ثم نضع المصطلح البولندي أو الألماني أو العبري بين قوسين لأن المصطلحات تُعبِّر عن ظواهر تتسم بقدرٍ عالٍ من الخصوصية: «التعجيل بالنهاية (دحيكات هاكتيس)» ـ «شال الصلاة (طاليت)» ـ «الشعب العضوي (فولك)» ـ «طبقة النبلاء البولنديين (شلاختا) ».
جـ) ومع هذا هناك كلمات لم نتمكن من تطبيق هذا المنطق عليها:
* فالاختصارات على سبيل المثال (الهستدروت ـ ويزو) تم نقلها كما هي.
* بعض الاصطلاحات الأعجمية التي شاعت مثل «الكيبوتس» و «المشناه» و «الجيتو».
* حاولنا قدر استطاعتنا استبعاد صيغة الجمع العبرية «الكيبوتسيم»، وبدلاً من ذلك نقول «الكيبوتسات».
د) فيما يتصل بأسماء الأعلام:
* اليهود الذي نشأوا خارج فلسطين ترجمنا أسماءهم من لغاتهم الأصلية مباشرةً «فموسى هس» هو «موسى هس» وليس «موشيه هس» و «إسحق لامدان» ليس «يتسحاق لامدان» وإنما «إسحق» وحسب.
* اليهود المولودون في فلسطين عبرنَّا أسماءهم لأن هذه هي لغتهم «فموسى ديان» هو «موشيه ديان» و «إسحق رابين» هو «يتسحاق رابين»، ورغم أن اسم «موسى» عادةً ما يُعرَّب ( «موزيس» الإنجليزية تصبح «موسى») إلا أننا عبرنَّا أسماء الأعلام الإسرائيلية حتى نكون متسقين مع أنفسنا ولأن أسماءهم العبرية قد شاعت.
هـ) أدخلنا أداة التعريف العربية على المصطلحات التي لم يمكن ترجمتها مثل «الهاجاناه»، ولكن حينما يرد المصطلح الأعجمي بين قوسين بعد الترجمة فهو يرد دون أداة التعريف.
و ) حاولنا قدر الإمكان اسـتخدام كلمات عربية وتفعيل إمكانيات المعجم العربي (استخدام المثنى ـ النحت... إلخ)، وحينما كانت ترد كلمة أعجمية كُتبت بالحروف اللاتينية أوردنا قبلها نطقها بالحروف العربية حتى يستطيع القارئ العربي أن يتعامل مع الكلمة بشيء من الألفة ولا تُولَد في نفسه الرهبة، ومع أنه لا توجد قواعد محددة لطريقة كتابة نطق الكلمات الأعجمية بالعربية، فقد أخذنا بهذه الطريقة من باب الدعوة إلى أن يُفتح باب الاجتهاد في هذه الناحية.
ز ) لكن مذهبنا في تناول الكلمات الأجنبية لم يكن يعني بالضرورة الانغلاق، فحينما وجدنا مثلاً صعوبة في توليد كلمة لتقابل كلمة «إثنيك ethnic» الإنجليزية عرَّبنا الكلمة واستخدمنا كلمة «إثني» جنباً إلى جنب.
ح) لكن كل هذا لا يعني بطبيعة الحال أننا رفضنا كل الاصطلاحات والتعريفات القائمة، فقد أخذنا بكثير منها ولكن بعد أن وضحنا بُعدها المعرفي والنهائي.
حدود الموسوعة
الحديث عن إنجازات الموسوعة أمر سنتركه للمفكرين والنقاد والقراء، ومع هذا، قد يكون من المفيد أن نشير إلى ما تحاول الموسوعة إنجازه وما لم تحاوله، حتى يستطيع القارئ تحديد مستوى توقعاته منها وحتى تمكن محاكمتها من هذا المنظور وداخل الحدود التي وضعتها لنفسها.
1 ـ الموسوعة ليست موسوعة معلوماتية، ومن ثم فهي لا تهدف إلى حشد أكبر قدر ممكن من المعلومات، ورغم أنها تقدِّم قدراً كبيراً من المعلومات يفوق أحياناً ما يُقدَّم في الموسوعات المعلوماتية، إلا أن كم المعلومات ليس همها الأساسي، كما أنها لا تزعم أنها ستقدِّم للقارئ "آخر ما تم التوصل إليه" في حقل الدراسات التي تُعنَى باليهودية والصهيونية والجماعات اليهودية مع أن مؤلفها قد استفاد بكل ما أتيح له من دراسات، ومن ذلك أحدثها.
كما أنها لا تحاول أن تقدِّم عرضاً تاريخياً للظواهر التي تناولتها، رغم تأكيدها البُعد التاريخي، ورغم رفضها أن تُنزَع الظواهر من سياقها التاريخي، وهي لا تزعم لنفسها الشمول، فعلى سبيل المثال لم تضم الموسوعة كل الأعلام اليهود، وإنما حاولت تقديم أهمهم مع التركيز على الجوانب النماذجية من حياتهم، كما أن بعض الشخصيات الهامشية (من منظور النماذج السائدة) تم التركيز عليها بسبب أهميتها النماذجية، وحينما تعاملنا مع النظام السياسي الإسرائيلي، لم نقم بتغطيته تغطية شاملة بكل عناصرة، بل ركزنا وحسب على بعض الموضوعات الأساسية.
2 ـ الموسوعة، قبل كل شيء، دعوة إلى إعادة التفكير في طرق التفكير حتى نُحسِّن من أدائنا التنظيري والتفسيري الذي يجعلنا ندرك الواقع بشكل أكثر تركيباً دون الاستنامة للمقولات الاختزالية العامة الجاهزة، وتطرح الموسوعة فكرة النماذج التحليلية باعتبارها طريقة أكثر كفاءة من الطرق الأخرى في عملية رصد الواقع ودراسته وفي تنظيم المعلومات وتصنيفها وفي كيفية استخلاص النتائج والتعميمات منها، أي أن الموسوعة لا ترفض المعلومات ولا تبدأ من العدم (فهذا مستحيل) وإنما ترى ضرورة البحث عن المعلومات والتعامل معها شريطة عدم الاستسلام لها وتَوهُّم أن المعلومات هي المعرفة، ولو لم تكن المعلومات أساسية لاكتفى المؤلف منطقياً بالمجلد الأول الذي يوضح فيه نماذجه التحليلية.
3 ـ حين تناولت الموسوعة الدولة الصهيونية تعاملت مع الأنماط المتكرة والثوابت الإستراتيجية وحسب وركزت على البُعد الصهيوني للظواهر الإسرائيلية وعلى تلك الظواهر الإسرائيلية التي استقرت نوعاً ما وأصبـحت ذات طابع بنيوي مثل «عنـصرية المجتمع الإسرائيلي» باعتباره مجتمعاً استيطانياً إحلالياً، ووظيفية الدولة الصهيونية.
4 ـ لا تكتفي الموسوعة بتقديم شرح منهج محدَّد (دراسة الواقع من خلال نماذج تفسيرية) وإنما تحاول أن تُقدِّم دراسة حالة: اليهود واليهودية والصهيونية وبعض جوانب التجمُّع الصهيوني، في هذا الإطار حاولت الموسوعة أن تقدم تاريخاً عاماً للعقيدة اليهودية والحركة الصهيونية ودراسـة متكاملة على مسـتوى عالمي (زماني ومكاني) يضم الصين والهند وغرب أوربا وشـرقها، قبل عصر النهضة وبعدها؛ وهي دراسة تبرز التنوع وعدم التجانس بين الجماعات اليهودية.
5 ـ تحـاول الموسـوعة أن تقدم الظواهر اليهـودية من خلال مجموعة من النماذج والسياقات (التاريخية ـ الاجتماعية ـ الاقتصادية ـ الدينية) المختلفة التي تساهم في تعريف المفاهيم والمصطلحات السائدة تعريفاً أكثر تفسيرية وتبرز جوانبها الإشكالية وتبتعد بذلك عن الواحدية السببية التي تُفسِّر كل الظواهر في إطار سبب واحد (مادي عادةً)، واعتراضنا على المادية ليس بسبب ماديتها، فهناك من الظواهر ما لا يمكن تفسيره إلا من خلال نماذج مادية، وإنما بسبب زعمها الشمولية التفسيرية التي تؤدي إلى الاختزالية والواحدية.
فعلى سبيل المثال، حينما تتعرض الموسوعة لظاهرة مثل يهود الاتحاد السوفيتي فإنها تفعل ذلك من خلال عدة مداخل عن تاريخ اليهود وتَوزُّعهم الوظيفي وأعدادهم وأسباب هجرتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية والدينية في كلٍّ من روسيا القيصرية وروسيا السوفيتية والمشاكل المادية والمعنوية التي قابلوها، كما توجد عدة مداخل أخرى عن أنواع يهود الاتحاد السوفيتي (القراءون ـ الكرمشاك ـ الجورجيون ـ يهود اليديشية ـ يهود الجبال ـ يهود بخارى.. إلخ)، وتضم الموسوعة أيضاً مداخل عن موقف ماركس وإنجلز والبلاشفة من المسألة اليهودية، وعلاقة اليهود بالفكر الاشتراكي، وتطور الرأسمالية الغربية، وتطور العلمانية.
6 ـ تقوم الموسوعة باستخدام النماذج التحليلية، والنماذج هي ثمرة عملية تجريد بحيث يمكن النظر للظاهرة في علاقتها بظواهر أخرى مماثلة، وهذه قضية في غاية الأهمية في حالة دراسة اليهود، إذ يمكن من خلال النماذج التحليلية الخروج بالظواهر اليهودية من جيتو التفرُّد (الصهيوني المعادي لليهود واليهودية) بحيث يتم ربطها بظواهر مماثلة.
فاشتغال اليهود بالتجارة في الحضارة الغربية يتم ربطه باشتغال الصينيين بالتجارة في جنوب شرق آسيا، وظاهرة اليهود المتخفين (المارانو) في شبه جزيرة أيبريا يتم ربطها بظاهرة المسلمين المتخفين (الموريسكيين)، ونحن بذلك لا نَسقُط في أية عنصرية تفسيرية أو فعلية، كما أننا نبيِّن بذلك أن اليهود بشر وأن مفهوم الإنسانية المشتركة مفهوم له مقدرة تفسيرية.
7 ـ طوَّرت الموسوعة مفهوم الجماعات الوظيفية باعتبارها مفهوماً تحليلياً مركباً، كما بيَّنت أهمية الدور الوظيفي للجماعات اليهودية وإدراك الجماعات اليهودية باعتبارها وظيفة تُؤدَّى ودوراً يُلعَب داخل مجتمع الأغلبية، ومن خلال هذا المفهوم، أمكن لنا أن ندرك الاستمرارية بين المفهوم الغربي لليهود باعتبارهم جماعات وظيفية وبين الرؤية الغربية للدولة الصهيونية باعتبارها دولة وظيفية (قاعدة للاستعمار الغربي وحليفاً إستراتيجياً له)، وأبرز لنا هذا المفهـوم التحـليلي الأهـمية التاريخـية لتجربة أعضـاء الجـماعات اليهودية في بولندا في إطار الإقطاع الاستيطاني.
8 ـ طوَّرت الموسوعة نموذج الرؤية العلمانية الإمبريالية الشاملة كنموذج تفسيري شامل، وبيَّنت العلاقة بين العلمنة الشاملة والإمبريالية وأثر كل هذا على الجماعات الوظيفية في الغرب والعالم.
9 ـ طوَّرت الموسوعة نموذج الحلولية الكمونية الواحديةكنموذج تفسيري. وفي ضوء هذا، أعدنا كتابة تاريخ اليهودية وتاريخ أعضاء الجماعات اليهودية وبيَّنا الأهمية المحورية لظهور القبَّالاه (باعتبارها نسقاً غنوصياً حلولياً كمونياً متطرفاً).
10 ـ أبرزت الموسوعة التمييز البديهي بين اليهود واليهودية، أي التمييز بين المثالي والمعياري من جهة، والفعلي والمتحقق من جهة أخرى؛ بين أحلام البشر وأشواقهم من جهة، وأدائهم وواقعهم من جهة أخرى.
11 ـ تميِّز الموسوعة بين التاريخ المقدَّس الذي ورد في العهد القديم والتاريخ الزمني الذي يعيش في إطاره أعضاء الجماعات اليهودية، وانطلاقاً من هذا، بيَّنا أنه لا يوجد تاريخ يهودي عام وعالمي مستقل عن تواريخ البشر، ومن ثم، حاولت الموسوعة أن تُعيد كتابة تواريخ أعضاء الجماعات اليهودية بطريقة أكثر تركيبية وتفسيرية، ومن ثم أكثر إنسانية عما كُتب من تواريخ اختزالية، وحاولنا أن نُبيِّن أنه لا يوجد تاريخ ليهود مصر بمعزل عن تاريخ مصر، ولا تاريخ ليهود بابل بمعزل عن تاريخ بابل، ولا تاريخ ليهود الولايات المتحدة بمعزل عن تاريخ بلدهم.
12 ـ تُبيِّن الموسوعة أنه لا يوجد تاريخ للصهيونية مستقل عن تاريخ الحضارة الغربية الحديثة، ولا تاريخ للصهيونية غير اليهودية منفصل عن تاريخ الصهيونية بين اليهود، ولا تاريخ للصهيونية منفصل عن تاريخ العداء لليهود، ولا تاريخ للفكر اليهودي الغربي بمعزل عن تاريخ الفكر الغربي، ورغم إدراكنا للوحدة النهائية، إلا أننا طوَّرنا مفهوماً للوحدة الفضفاضة لا يَجُبُّ استقلالية كل ظاهرة عن الأخرى.
13 ـ حاولت الموسوعة ضبط المستوى التعميمي والتخصيصي، فقامت بتأكيد البُعد الإنساني العام في الظواهر اليهودية، ذلك البُعد الذي تحرص الدراسات الصهيونية والمعادية لليهودية على إخفائه، وحاولت أن تبتعد عن الأيقنة وتأكيد الخصوصية والتفرُّد (الذي تحرص الدراسات الصهيونية والمعادية لليهودية على إبرازه،) ولكنها، في الوقت نفسه، لم تسقط في التعميم الذي يُفقد الظاهرة ملامحها وقسماتها ومنحناها الخاص، وقد بيَّنا أن هذا الخطاب التحليلي السائد في تلك الدراسات التي تُعنَى باليهود واليهودية والصهيونية يتأرجح بين التعميم الشديد والتخصيص الشديد.
فالإبادة النازية لليهود إن هي إلا تعبير عن نمط متكرر عام هو العداء الأزلي لليهود من قبَل الأغيار، ويمكن أيضاً المغالاة في التخصيص، فيُقال إن الإبادة النازية لليهود إن هي إلا جريمة ألمانية خالصة ضد اليهود وحدهم، وذهبنا في هذا إلى أن الإبادة النازية لحظة نماذجية فريدة ولكنها تعبير عن نمط عام هو استخدام الإبادة (بصورة عامة) من قبَل التشكيل الإمبريالي الغربي كآلية إمبريالية لإعادة صياغة العالم ونقل الفائض السكاني الغربي خارج القارة الأوربية وإحلاله محل العناصر البشرية التي تتم إبادتها.
ولذا فإن إبادة اليهود على يد النازيين تشبه إبادة سكان أمريكا الأصليين على يد المستوطنين البيض ولا تختلف كثيراً عن المشروع الصهيوني الذي كان يهدف إلى نقل الفائض السـكاني اليهودي خارج القارة الأوربية وتوطينه في فلسـطين ليحل محل الفلسـطينيين الذين يتم طردهم وإبادتهم أحياناً، ومع هذا، فالإبادة النازية لها خصوصيتها إذ أنها عملية الإبادة الوحيدة التي تمت داخل أوربا وليس خارجها، على عكس عمليات الإبادة الأخرى، كما أنها تمت بمنهجية صارمة لم تتسم بها عمليات الإبادة الأخرى.
14 ـ من خلال نموذج الحلولية، تحاول الموسوعة أن تطرح أساساً جديداً لعلم مقارنة الأديان يبتعد عن الرصد البراني للشعائر والعقائد ويحاول أن يصل للنماذج الكامنة التي تبين الاختلاف حين يُظَن الاتفاق، والاتفاق حين يُظَن الاختلاف، ففي ضوء نموذج الحلولية الكمونية أمكن إعادة تحديد علاقة اليهودية بالمسيحية، كما أمكن إعادة تعريف العلاقة بين المسيحية واليهودية والإسلام بحيث يتضح التقارب بين المسيحية والإسلام (والتباعد بين الإسلام واليهودية) على عكس ما هو مُتصوَر في كثير من الدراسات، وتحاول الموسوعة تفسير ظاهرة الإصلاح الديني (وما صاحبها من حركات صوفية متطرفة) باعتبارها تعبيراً عن تزايد معدلات الحلولية الكمونية ومن ثم تصاعد معدلات العلمنة، وبهذه الطريقة، أمكن الربط بين البروتستانتية والإنسانية الهيومانية رغم تعارضهما الظاهر.
15 ـ ارتبط بهذا تطوير مصطلحات جديدة تعبِّر عن مفاهيم جديدة، فبدلاً من «الصهيونية العالمية» نتحدث عن «الصهيونيتين (التوطينية والاستيطانية)» و«العلمانيتين (الجزئية والشاملة)»، ويُلاحَظ أن المصطلحات المُستخدَمة في حقل الدراسات التي تُعنَى باليهود واليهودية والصهيونية تُجسِّد التحيزات الصهيونية والغربية، ولذا فقد تم إحلال مصطلحات أكثر حياداً محلها؛ فتم مثلاً استبعاد مصطلح مثل «الشعب اليهودي» الذي يفترض أن اليهود يشكلون وحدة عرقية ودينية وحضارية متكاملة (الأمر الذي يتنافى مع الواقع) ليحلّ محله مصطلح «الجماعات اليهودية»، وبدلاً من كلمة «الشتات» استُخدمت العبارة المحايدة «أنحاء العالم»، وبدلاً من «التاريخ اليهودي» تشير الموسوعة إلى «تواريخ الجماعات اليهودية»، والمصطلحات البديلة ليست أكثر حياداً وحسب وإنما أكثر دقة وتفسيرية.
16 ـ حاولت الموسوعة أن توضح أن المؤشرات لا تشير بالضرورة إلى ما هو مُتَعارَف عليه في الأوساط العلمية، فهجرة يهودي إلى إسرائيل ليست بالضرورة تعبيراً عن انتمائه الصهيوني، وبناء معبد يهودي لا يعني بالضرورة تزايد معدلات التمسك بالعقيدة اليهودية.
17 ـ والعناصر السابقة، رغم أنها مرتبطة أساساً بحقل الدراسات الخاصة باليهود واليهودية، إلا أن تعميمها على حقول معرفية أخرى أمر ممكن، فقضية النماذج الاختزالية في مقابل النماذج المركبة يواجهها كل الدارسين في حقل الدراسات الإنسانية.
18ـ من خلال نموذج الحلولية، حاولت الموسوعة أن تُلقي أضواء جديدة على تاريخ العلمنة والعلمانية الشاملة وعلى تَطوُّر الحضارة الغربية الحديثة (من التحديث والحداثة إلى ما بعد الحداثة) ودور الترشيد (في الإطار المادي)، وطرحت الموسوعة فكرة التراكم الإمبريالي بدلاً من التراكم الرأسمالي.
19ـ تحاول الموسوعة أن تبيِّن علاقة مفهوم الحلولية بمقولة التجاوز والإنسانية المشتركة (باعتبار الإنسان مقولة متجاوزة للطبيعـة/المــادة رغـم أنهـا تتبــدى من خــلالها، وباعـتبار ثنـائية الإنسان والطبيعة صـدى لثنائية الخـالق والمخـلوق وتعبير عن نموذج التوحيد)، كما تحاول أن تبيِّن الدلالات المعرفية والإمكانات البحثية لهذه العلاقة.
20ـ تحاول الموسوعة أن تشـرح مفهـوم المسـافة (الحـيز الإنســاني) التـي تفصل الخالق عن المخلوق (والدال عن المدلول، والكل عن الجزء، والمطلق عن النسبي، والنموذجي عن الواقع). وأن تطرح حلاًّ لمشكلة القيمة في العلوم الاجتماعية؛ فالقيمة الأخلاقية معيارية ومثالية يحتكم إليها الفاعل الإنساني ولكنها لا تتجسد بالضرورة في الواقع، ومن ثم فهي لا تخضع للبحث الإمبريقي رغم تبدِّيها في سلوك الناس وطموحاتهم وأشواقهم.
21 ـ حاولت الموسوعة أن تطرح طرقاً جديدة للتعريف وإعادة التعريف: «التعريف من خلال دراسة الحقل الدلالي لمجموعة من المصطلحات المتداخلة المتشابكة» و«التعريف من خلال التفكيك وإعادة التركيب في ضوء الثوابت البنيوية والمسلمات الكامنة».
22 ـ بل تحاول الموسـوعة توسيع نطاق علم الاجتماع من خلال ربطه بمسـتويات جديدة من الوعي والنشـاط الإنساني، بحيث لا يُستبعَد المجهول ويبقى المعلوم، ولا يُستبعَد المعرفي (الكلي والنهائي) ويبقى السياسي والاقتصادي والملموس، ولا يُستبعَد الإنساني المركب ويبقى المادي الواحدي.
23 ـ تحاول الموسوعة أن تستعيد الفاعل الإنساني وتركيبيته، وأحد العناصر الأساسية هنا هو الإنسانية المشتركة (كبديل لمفهوم الطبيعة البشرية الجامد والإنسانية الواحدة). وتقترح الموسوعة إمكانية توليد معيارية من هذه الإنسانية المشتركة وتذهب إلى أن رفض العلوم الإنسانية الغربية لمفهوم الإنسانية المشتركة والثوابت الإنسانية العالمية أدَّى بها إلى السقوط في النسبية والسيولة والعمومية وأخيراً العدمية.
24 ـ تطرح هذه الموسوعة نفسها كمحاولة أولية لإعادة تأسيس أحد حقول الدراسة (دراسة اليهود واليهودية والصهيونية) انطلاقاً من رؤية عربية إسلامية، ونحن نذهب إلى أنه يمكن محاكاتها أو الاستفادة منها في محاولة تأسيس علوم إنسانية عربية بشكل منهجي، والموسوعة، كشكل من أشكال التأليف، تحاول تغطية المصطلحات والمفاهيم والأعلام في تخصص ما، وتحاول الموسوعة (في جانبها التفكيكي) أن تقوم بتفكيك المفاهيم السائدة، وهي في أغلب الأحيان مفاهيم غربية، ثم تحاول بعد ذلك (في جانبها التأسيسي) تأسيس نماذج تحليلية تتفرع عنها مفاهيم ومصطلحات نابعة من التجربة العربية والإسلامية، ومن زاوية رؤيتنا.
25 ـ يمكن القول بأن الموسوعة ككل هي موسوعة كتبها مؤلف يشعر أن الحداثة الغربية( التي تدور في إطار العقلانية واللاعقلانية المادية والعلمانية الشاملة) قد أدخلت الجنس البشري بأسره في طريق مسدود، وتطرح الموسوعة أسئلة معرفية (كلية ونهائية): ماذا يحدث للإنسان في عالم بدون إله؟ وماذا يحدث للإنسان في عالم نسبي لا توجد فيه ثوابت ولا مطلقات ولا قيم عالمية؟ وماذا يحدث للإنسان في عالم توجد فيه حقائق بلا حقيقة ولا حق؟ وما هو مصير الإنسان في عالم انفصل فيه العلم عن القيمة وعن الغائية الإنسانية؟.
واليهودي الذي تم تهجيره إلى إسرائيل تحت مظلة الإمبريالية الغربية وتم تحويله إلى شخصية داروينية شرسة حتى يتسنى توظيفه في خدمتها، والذي تتم إبادته في ألمانيا النازية بطريقة منهجية، وتم دمجه في الحضارة الاستهلاكية حتى لم يبق من ماضيه وهويته سوى القشور وتم قمعه وترشيده من الداخل والخارج: أليس هذا اليهودي مثلاً صارخاً لما يحدث للإنسان في عصر الحداثة والعقلانية واللاعقلانية المادية؟ ومن هنا، فإن الموسوعة تطالب بالبحث عن حداثة جديدة لا تنتهي إلى موت الإنسان والطبيعة بعد أن أعلنت بصلف وخيلاء موت الإله.
26ـ ومع أن الموسـوعة حاولت إنجاز الكثير، إلا أن ما تقدمه هو أساساً برنامج بحثي وطرح لأسـئلة وإثارة لإشكاليات، أي أنها ورقة عمل بشأن الموضوعات التي تناولتها أكثر من كونها إجابات محدَّدة، وقد حاولنا أن نُحدِّد بعض معالم الإجابات وأن نوضح المنهج الذي استخدمناه في الوصول إلى هذه الإجابات، ومع هذا، تظل الموسوعة في نهاية الأمر جدول عمل، أي اجتهاداً أولياً.
وبقية مداخل هذا المجلد هو محاولة توضيح الإطار النظري الذي تنطلق منه الموسوعة فيتناول الجزء الأول الأساس الفلسفي، فنتناول المفردات الأساسية التي نستخدمها انطلاقاً من نموذجنا التحليلي، وما نسميه «إشكالية الإنساني والطبيعي والموضوعي والذاتي». أما الجزء الثاني فيتناول النموذج كأداة تحليلية، وتتناول بقية الأجزاء (الثاني والثالث والرابع) النماذج الأساسية الثلاثة المستخدمة في الموسوعة: الحلولية ـ العلمانية الشاملة ـ الجماعات الوظيفية، وبقية مجلدات الموسوعة هي محاولة لتطبيق هذا الإطار النظري على حالة محددة هي حالة اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل.