هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الفتن
الشيخ د. محمد بن عبد الله الخضير
الحمد لله على نعمائه وأصلي وأسلم على أشرف أنبيائه الذي أدى الرسالة ونصح للأمة وجعلها على المحاجة ليلها كنهارها فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين خطيبا فأخبرهم بما كان وما يكون إلى قيام الساعة وإن المتتبع لواقعنا والناظر في أمرنا ومحاولا أن يربط ذلك بهدي نبينا يجد أن زماننا زمان فتن فما الفتنة وما مجالاتها وما أيضا سماتها وما المخرج منها؟.
أخي المبارك أختي المباركة
الفتنة هي الابتلاء والامتحان تبتلى وتمتحن في دينك ودنياك الابتلاء والامتحان وأما مجالاتها فقد تكون في الخير كالمال والولد وهذا قليل ولكن الأصل والأكثر أنها تكون في الشر وأما المتصور أين تكون فإنها تعم جوانب الحياة كلها دنيا وأخرى فإن الدين سيتأثر والعرض سيتأثر والنفس ستتأثر والعقل والمال كلها.
بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تتأثر تأثرا قويا وأما ما صفات وسمات هذه الفتنة؟
فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا أن لها ثلاث سمات:
أولها اختلاط الحق بالباطل:
بحيث يصعب تمييز الصواب من الخطأ كما في سنن الترمذي من حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فبعزتي وجلالي لأدخلن عليهم فتنة تدع الحليم منهم حيران ) لِمَ احتار لأنه لم يستطع أن يُميز الحق من الصواب لأنه اختلط فيه الحق بالباطل.
وإذا علمت ذلك فلا تستغرب أن يكون من هو أقدر منك فهمًا للكتاب والسنة وأرجح منك عقلاً وأقرب إلى هدي النبي وأقربهم له زمانًا ومكانًا هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقعت الفتنة انقسموا إلى ثلاثة أقسام عصمني الهس وإياكم منها إذًا فيها التباس.
الأمر الثاني أنها عامة:
كما في صحيح البخاري من حديث عوف بن مالك فاتنة لا تدع بيتًا من بيوت العرب إلا دخلته ومع ذلك هي مزلزلة وقوية ومؤثرة كما في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: ( بادلوا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم ) يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل بل إن الإنسان إذا لم يدخل في الفتنة فإنه سيعاني منها عناءً شديدًا لأجل أن يبقى على دينه كما في الترمذي من حديث أبي هريرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن: ( القابض على دينه كالقابض على جمر ) وأغرب منهما في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة انه يقول: ( لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل على القبر يقول ليتني مكانه ) وفي رواية مسلم يتمرغ على القبر يقول ليتني مكانه مما يرى من الفتن.
واعلم أخي المبارك أن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر بهذه الفتن فإنه بيَّن لنا طرقًا ومراحل لتعدي هذه الفتن والخلوص منها أول هذه المراحل سؤال الله واللجوء إليه والتعوذ به والاستعانة به ألا توجد فتنة وهذا الذي نفعله صباح مساء كما في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أعوذ بالله من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ).
فنحن نسأل الله ألا يرينا فتنة لأجل ألا نختبر ثم بعد وقوعها فإن للنبي هديًا عجيبًا من تمسك به نجا أسأل الله أن يوفقك للتمسك به في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وعمت وطمت حتى عمت جميع مراحل الحياة فيما يتصل بعلاقة الرجل بأبيه وأمه في علاقته بزوجته في علاقته بولده في علاقته بالناس في علاقته بربه في أموره كلها حتى فيما يتصل بنفسه كلها وجد فيها فتن.
الأمر الثالث عدم الدخول فيها:
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم إخبارًا دقيقًا عنها حتى كأنه بين أظهرنا ويتكلم عن واقعنا إذا وقعت الفتنة فأول ما يفعله المسلم والذي يجب عليه ألا يدخل فيها وليعتصم وليبتعد لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذم الداخلين في الفتن وقال إن القاعد خير من القائم والقائم خير من الماشي ولذلك الرسول أمر الإنسان أن يثبت ثبوت جبل أحد وهذه مرحلة هذه المرحلة يجب البقاء والثبات عليها ولا يخرج منها إلا بيقين.
فإن الأصل عدم الدخول في الفتنة ولك أن تقول كيف أعرف اليقين ذلك أقول تعرفه إذا وصلت إلى الحق بدليله وصولاً يقينيًا لا شبهة فيه ولا امتراء لك أن تقول كيف أعرف الحق بدليله أقول النبي صلى الله عليه وسلم وهي المرحلة التي تليها بين لنا المعصم الذي إذا اعتصم به الإنسان فإنه ينجو يقول: ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي ).
فكتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم هي العاصم من الفتن ما ظهر منها وما بطن لكن نحن في زمن ضعف عند كثير من الناس تعلقهم بكتاب الله.
فإنه يجب علينا لكتاب الله خمسة أمور:
قراءته ثم حفظه ثم تدبره ثم العمل به ثم الاستشفاء به
فإذا كان الإنسان ضعيف مع كتاب الله فما بالك بسنة رسول الله التي هي أشد لأنها تشاركه بأن فيها العام والخاص والمطلق والمقيد والظاهر والنص وأيضا فيها الناسخ والمنسوخ يضم على ذلك أن فيها الضعيف والقوي ويضم إلى ذلك أن فيها المطبوع والمفقود بينما كتاب الله محفوظ متواتر بين دفتين إذًا عليك أن تطلب مَنْ يعرف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب الحق عند مَنْ يعرف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهم العلماء فإن العلماء هم ورثة الأنبياء والعلماء مَنْ أخذ بهم فإنه ينجو بإذن الله لأنهم هم الذين هضموا كتاب الله وسنة رسول الله واعلموا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا مازالت فيها بقية باقية من علماء عاملين أهل لأن يُؤخذ بقولهم وأهل لأن يُجعلوا حجة فيما بينك وبين الله.
لكننا في زمن كثر الكلام في التقول على الله وعلى رسوله بلا علم ولذلك ينبغي أن يكون العالم الذي يُرجع إليه يتميز بأربع نقاط وأربع صفات:
أولها أن يكون لديه عقيدة صحيحة منجية بين يدي الله.
ثانيها أن يكون لديه علم راسخ بالكتاب والسنة عارف بهما وأيضا مستطيع تطبيقهما على الواقع تطبيقا دقيقا فهناك مَنْ يعرف كتاب الله ولكن لا يعرف الواقع وهناك مَنْ يعرف الواقع ولكن لا يعرف مراد الله ورسوله من هذه الفتن.
وثالثها أن يكون ذا عبادة قوية وصلة بالله تدل على قوة صلته بالله سبحانه وتعالى.
ورابعها أن يكون لديه تاريخ مشرق في نصرة هذا الدين وحرقة عليه وأيضا أمر ونهي يدل على كمال حبه لهذا الدين ونصحه له.
فإذا وجد فألزمه واجعله حجة فإن أصبت فلك أجران وإن أخطأت فأنت فعلت السبب والله سبحانه وتعالى جاعل لك مخرجًا وأيضًا رافع لدرجاتك وحاط سيئاتك لأنك فعلت السبب ثم ماذا بعد؟.
عليك بجماعة المسلمين وإمامهم فإن جماعة المسلمين وإمامهم معصم إياك أن تخرج عن جماعة المسلمين.
والجماعة هي:
من اتصفت بالحق لكن السواد الأعظم خاصة إذا انضم إليهم العلماء العاملين دل على أنهم جماعة ونحمد الله أننا في زمن فيه جماعة المسلمين على الهدي الصحيح إن شاء الله وإن كانوا عندهم نوع من التجاوزات إلا أن أمة محمد لازال فيها الخير وكذلك إمام المسلمين في بعض بلاد المسلمين مازال موجودًا وولايته شرعية وإن كان عنده نوع من الخطأ إلا أنه يجب أن يكون موقفنا من الخطأ ألا نلغيه بحيث لا نقول لا خطأ ولا نلغي الولاية لوجود ذلك الخطأ وإنما علينا أن نؤمن بالإطار العام وهو البيعة الصحيحة لمن ثبت وفق الكتاب والسنة وعلينا أن نصحح الأخطاء إما بأنفسنا بطريقة موافقة للكتاب والسنة أو إيصالها إلى مَنْ يصل إلى ولي الأمر من العلماء وبعض المسئولين.
وعلينا أن نعلم أننا متى ما فعلنا في وسعنا إما بإيصالها أو إيصال من يوصلها فقد برئت ذمتنا وعلينا أن لا نكون حجر عثرة عن تطبيق الأحكام بتجاوزاتنا التي هي يراد منها أحيانا نصرة الإسلام لكن بطريقة غير شرعية وذلك أن الحماس وحده لا يكفي بل لا بد من حماس يوافقه عقل وحكمة من العلماء ثم إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان ستتشتت الأمة وتكون أفرادًا.
عندئذ على الإنسان أن يلزم بيته ويبتعد عن الناس ويعتزل الفتن كلها وعليه أن يعبد ربه وليكثر من العبادات فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإكثار العبادات في الفتن وقال كما في صحيح مسلم: ( العبادة في وقت الهرج كهجرة إلي ) وأمر أن الإنسان ينبغي ألا يدخل في أمر لا يحسن عاقبته والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يكون خير الناس مَنْ ابتعد عن الناس وكان في شعب من الشعاب مع غنم له ارتاح الناس منه وارتاح هو من الناس ولم ينشغل بهذه الفتن.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يلزم الإنسان بيته ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه إذا جاءك أحد يريد قتلك فقال ( كن خير ابني آدم ) كن ابن آدم المقتول ولا تكن ابن آدم القاتل حتى أنه يبوء بدمك وتسلم منه.
وإن كان يجوز شرعًا للإنسان أن يدافع عن نفسه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ قتل دون عرضه فهو شهيد ومَنْ قتل دون ماله فهو شهيد ومَنْ قتل دون نفسه فهو شهيد ) إلا أنه أراد لك خير الأمرين فهنيئًا لك بالثبات على الدين وأسأل الله أن يثبتني وإياك على هذا الدين وأن يجيرني وإياك من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.